خاص هيئة علماء فلسطين

         

د. أسامة جمعة الأشقر

سألت عدداً من المسؤولين الأفارقة عن تقييمهم لانفتاح العلاقة مع الكيان الإسرائيلي وتطبيعهم الجزئي أو الكامل معها، فكانت أجوبتهم ملفتة:

قالوا: إن افتتاح العلاقة في الأساس جاء لعدة اعتبارات:

1. لا يوجد موقف عربي يمنع ذلك أو يرفضه، أو يطلب منا إعادة تقييم قرار فتح العلاقة.

2. الموقف الرسمي الفلسطيني منخرط عملياً في العلاقة مع هذا الكيان، ويستخدمها حسب الظرف السياسي، فمرة يطلب منا التطبيع ومرة يطلب منا إرجاءه إلى وقت آخر ليكون هدية أو مكافأة إذا نجح تكتيك التفاوض، مما يزيد من رصيد المفاوض الفلسطيني.

3. كانوا يعتقدون أن الكيان الإسرائيلي هو مفتاح المؤسسات الأمريكية ، وأن أجندة الأمريكان مزدحمة ومكتظة بالأولويات المتداخلة ، وهذا يجعل الأمور بطيئة، ويمكن للتدخل الإسرائيلي أن يحرك الملفات العالقة التي تنتظر القرار الأمريكي المنقِذ.

4. العلاقة مع الكيان الإسرائيلي تعود في كثير من الأحيان إلى أسباب داخلية وصراعات حزبية محلية يستعين فيها كل طرف بقوة أجنبية نافذة، وأكثر من يفعل ذلك المعارضون، فتلجأ الدولة إلى هذا الكيان لمعادلة التوازن الداخلي لاسيما إذا تأخر التدخل الأمريكي أو لا يرى أهمية للتدخل .

5. كانوا يعتقدون أن الكيان الإسرائيلي لديه تكنولوجيا متقدمة رخيصة ستسهم في تطور البلاد وحل مشكلاته، ولاسيما تلك الأزمات الاقتصادية المرتبطة بملف سياسي أو حقوقي .

  بعد تجربة عملية خاضوها وجدت لأكثرهم هذه التقييمات:

أ‌- العلاقة مع الكيان الإسرائيلي عبء أمنيّ كبير يضاف إلى الأعباء الأمنية المرهقة ، فـ”إسرائيل” لها أعداء كثيرون جداً حتى من أصدقائها المنافسين، ودائما ما تتحول ساحة وجودهم إلى ميدان صراع بين هؤلاء استخبارياً مستوراً في الحد الأدنى.

ب‌- الكيان الإسرائيلي كثير الوعود وكثير التباهي إلا أنه ضعيف الأداء وبطيء التدخل ويميل إلى التنظير، وينشغل بالتفاصيل التي نراها عادية، ويطلب المكافأة المقابِلة قبل إنجاز ما تم التفاهم عليه أو الاتفاق حوله.

ت‌- لا يوجد شيء مجاني في العلاقة مع هذا الكيان، فمؤسساته بخيلة ولا يوجد لديهم نشاط خيريّ إنسانيّ مؤثر، ولا تدريب ذو أهمية إلا ما يرتبط بتسويق منتجاتهم، وإذا أعطوك شيئاً مجانياً فإنه يكون دعاية لجذبك إلى المستوى الثاني من العلاقة المغرية.

ث‌- كل شيء عندهم مرتفع الثمن، وهو أقرب إلى الابتزاز، ويستغلون وجودهم في المنظمات الدولية لتقديم معلومات حساسة ، ويطلبون عليها أثماناً مرتفعة.

ج‌- يعلموننا كيفية الاستدانة من المنظومة المالية العالمية، ويفتحون لنا نوافذ صغيرة، وليس أبواباً بغرض استمرار عمولتهم من الطرفين، فهم أقرب للسماسرة.

ح‌- لا توجد مؤسسة لديهم إلا وراءها شخصية أمنية أو عسكرية، وهؤلاء يفكرون بعقلية الانتصار لا عقلية الكسب ، فهو يريد أن يسلب منك كل ما يستطيع بكل أسلوب متاح في أسرع وقت ودون اعتبار لمصالحك الحساسة، ولا يهمه أن يكسبك أو يتعاطف معك.

خ‌- العلاقة معهم تكتيكية، قصيرة النفس وليس فيها ثبات استراتيجي، فهم يبدؤون معك باهتمام بالغ ثم تتراجع العلاقة معهم إلى مستويات صفرية إذا أخذوا ما يريدون منك ، وتكون أنت حينها كمن يتلبّس بالجريمة ويدفع ثمنها طول حياته، وإذا حاولَ التخلص منها غضبتْ منه أمريكا وعاقبته.

د‌- على المدى المتوسط فإن وجودهم ضار جداً فهم يسعون إلى احتكار السلعة، وإقصاء المنافسين، والتحكم والسيطرة ، ثم يتحركون لشراء الذمم والمواقف واستغلال العلاقات ، ويتصرفون كأنهم في مناطقهم الخاصة ولا يضعون اعتباراً لأي سيادة.

ذ‌- والأمر الملفت في إجاباتهم أن كثيرين من الدبلوماسيين الأمريكان والأوروبيين ينظرون إليهم باستخفاف عندما ندخل إليهم عبر البوابة “الإسرائيلية”، ويصرح لنا بعضهم أننا سذج وفي سنة أولى سياسة، فأبوابهم مفتوحة ولكنها تحتاج من طارق الأبواب أن يكون ذكياً وصبوراً في تخطيط العلاقة وفتحها واستدامتها.