د. ثامر العلواني دكتوراه في الأديان، ومقرر القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق.

*******
المقدمة
عاش اللاجئون الفلسطينيون في العراق أكثر من نصف قرن في أمان واستقرار قبل أن تحتله أمريكا وبريطانيا وقوات التحالف عام (2003م)، وبلغ عدد اللاجئين في العراق ما يقرب من خمسين ألف لاجئ، يتمركز غالبيتهم في بغداد والموصل والبصرة، ومنحت لهم الحقوق الكاملة وكانت الأنظمة والحكومات العراقية قبل الاحتلال تعامل الفلسطينيين معاملة العراقي في الحقوق والواجبات إلّا في الجنسية والانتخابات حفاظًا على أملهم بالعودة إلى فلسطين، فلهم الحق بالعمل في الوظائف الحكومية الرسمية والتملك، ومنحهم معاملة قانونية لا تختلف عن المواطن العراقي بشيء، فكانوا أساتذة جامعات، ومدراء مدارس، وأطباء، ومهندسين، وعملوا في كل مفاصل الدولة العراقية على مدار حكوماتها قبل الاحتلال، واندمجوا في المجتمع العراقي بشكل كبير جدًا، حتى صار بعض الفلسطينيين ضباطًا في الجيش العراقي قبل الاحتلال([1]).
وقد استطاع الفلسطينيون في بغداد، تحقيق الاندماج مع المجتمع المحلّي بكافة مكوناته، وتمكّن الكثير منهم ولوج سوق العمل؛ لتحقيق أكبر قدر من الاعتماد على الذات في معيشتهم، كما شهدت تلك الفترة احتضانًا لهم من قبل البغداديين، الذين يقدّرون احترام الضيف، وكانوا يتعاطفون مع الفلسطينيين لكونهم يعدون قضيّة تحرير فلسطين هي قضيتهم.
ولكن كل الحقوق التي كان الفلسطينيون يتمتعون بها قبل الاحتلال سلبت منهم بعد الاحتلال، واستبدلت القرارات السابقة بقرارات طائفية وعنصرية تستهدف اللاجئين والمقيمين الفلسطينيين بشكل مباشر؛ ومن هنا بدأت المعاناة الأكبر والهجرة الجديدة لفلسطينيي العراق.
تمهيد: نبذة تأريخية عن الهجرة الفلسطينية إلى العراق
يمكن تقسيم اللجوء الفلسطيني إلى العراق، إلى ثلاث موجات بحسب مراحل التهجير الذي تعرضوا له على يد العصابات الصهيونية؛ فقد كانت أول رحلة لجوء للفلسطينيين إلى العراق عام (1948م) بعد سقوط المدن والقرى الفلسطينية بيد العصابات الصهيونية؛ مما اضطر الفلسطينيين أن يولّوا وجههم إلى الدول العربية المجاورة هربًا من إجرام العصابات الصهيونية وانتظار نصرة الدول والجيوش العربية، ولم يكن العراق من دول الملجأ للفلسطينيين؛ لأن دولًا عربية تفصله جغرافيًا عن حدود فلسطين قد استقبلت اللاجئين، ولا سيما أن حلم العودة السريعة كان هو الأمل للفلسطينيين؛ ولذلك فضل غالبيتهم العظمى البقاء قريبًا من أرضهم أملًا بالعودة السريعة؛ إلّا أن مشاركة الجيش العراقي في مواجهة العصابات الصهيوني أدى به إلى مساعدة العوائل الفلسطينية ونقلهم على شكل قوافل بإشراف الجيش إلى داخل الأراضي العراقية.
وقُدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين دخلوا العراق في النصف الثاني من عام (1948م) ولغاية (1949م) أكثر من أربعة آلاف شخص؛ وهم من قرى قضاء حيفا، وأغلبهم من مثلث الكرمل (إجزم، جبع، وعين غزال) وعائلات من قرى الطيرة، والصرفند، والطنطورة، وكفر لام، وعتليت، وأم الزينات، وأم الفحم، وعرعرة، وأيضًا عائلات من قضاء يافا وغيرها، فكانت هذه الموجة الأولى من اللجوء الفلسطيني إلى العراق([2]).
أمّا الموجة الثانيّة، فكانت عقب نكسة حزيران عام (1967م)، حين استكمل العدو الصهيوني احتلال قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وخلّف ذلك تهجير موجة ثانية من الفلسطينيين إلى العراق، الذين لم يقدر عددهم بشكل رسمي، ويزاد عليهم جماعات أخرى من مختلف القرى والمدن الفلسطينية قادمين من الأردن وقطاع غزة. وكان الدافع لهذه الهجرة البحث عن العمل خصوصًا أن العراق في وقتها كان يعامل الفلسطينيين في الوظائف معاملة الأجانب من حيث ازدواجية الرواتب فيأخذون ضعف راتب المواطن العراقي([3]).
أمّا الموجة الثالثة، فكانت إثر حرب الخليج سنة (1991م) حين غزا العراق الكويت؛ مما اضطر عائلات فلسطينية ممن كانت تعيش في الكويت للرحيل إلى العراق؛ بسبب موقف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من دعم النظام العراقي قبل الاحتلال، ولم يجدوا سوى العراق ليعيشوا فيه.
أعداد اللاجئين الفلسطينيين
بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق قبل الاحتلال عام (2003م) ما يقرب من خمسين ألف لاجئ، منهم أربعة عشر ألف نسمة تقريبًا، هم في العراق من نهاية أربعينيات القرن الماضي، ويضاف إليهم آلاف الفلسطينيين الذين دخلوا العراق بعد عام (1958م)، والذين نزحوا إثر عدوان (1967م)([4]).
ولا يتم الإشراف على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق من وكالة غوث للاجئين بل تولت المهمة في البدء وزارة الدفاع العراقية، ثم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكانت تمنح للاجئ الفلسطيني وثيقة سفر صالحة للسفر إلى الدول العربية وبعض الدول الأجنبية، ومن كان يحمل جوازًا لبنانيًا أو سوريًا أو من غزة؛ فإنه يعطى إقامة سنوية في العراق([5]).
أماكن تواجدهم
كان أغلب الفلسطينيين يتمركزون في بغداد، التي تضم 87% من الفلسطينيين ويسكنون في حي البلديات وهو عبارة عن شقق سكنيّة، ويُعد أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين، ويتواجدون أيضًا في حي بغداد الجديدة، وحي الأمين، وحي الزعفرانية، وحي الحرية، وحي السلام غرب بغداد، وفي حي الدورة، وحي الطوبجي في بغداد، ويقطن عدد منهم في محافظة الموصل، والبصرة، وينتشر البقية في عموم محافظات ومدن العراق([6]).
مأساة الفلسطينيين بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام (2003م)
قدمت الحكومات العراقية للاجئين الفلسطينيين قبل الاحتلال عام (2003م)، حقوقًا لم يحصل عليها أمثالهم من اللاجئين في الدول الأخرى سواء في التعليم المجاني أو الصحة أو العمل والوظائف الحكومية أو حرية المهنة والتجارة التي كانت بدون قيد أو شرط.
ولكن احتلال أمريكا للعراق كان بداية مرحلة جديدة من الفوضى والمعاناة للشعب العراقي وتدميره وتفكيك بنيته الاجتماعية واستبدالها بنشر الطائفية والعرقية التي تسببت بانتشار القتل والتهجير والانتهاكات الجسيمة، ولم يكن الفلسطينيون بعيدين عن هذه الفوضى والصراع الذي أُقحموا فيه بعيدًا عن إرادتهم؛ وكان استهدافهم معدًا مسبقًا قبل احتلال العراق؛ فتآمر عليهم الاحتلال مع الأحزاب الحاكمة والميليشيات الموالية لإيران، ومن هنا بدأت معاناة الفلسطينيين ومأساتهم في العراق حتى أصبحت حياتهم في العراق أشبه بالجحيم؛ لتبدأ صفحة أخرى من المعاناة والتهجير والقتل والاستهداف الممنهج والهجرة إلى الصحراء الجرداء ينتظرون الموت على أمل أن يجدوا من يحنو عليهم وينقذهم من آفة الموت والهلاك.
فكان احتلال العراق يوم (9/4/2003م) منعطفًا كبيرًا في معاناة الفلسطينيين واستهدافهم بشكل مباشر وممنهج ثم تأزّمت أوضاع الفلسطينيين في العراق بعد ذلك، وتدهورت أحوالهم القانونية، ومع تشكيل الأحزاب الموالية لإيران التي ساندت المحتل، قامت بعض تلك الأحزاب بتعبئة ضد الوجود الفلسطيني، معتبرة إياه من مخلفات نظام صدام حسين، ثم بدأ التحريض ضد الفلسطينيين؛ وسأبين في المباحث التالية أنواع المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون في العراق.
*******
المبحث الأول
استهداف الاحتلال الأمريكي للفلسطينيين
بعد الاحتلال (2003م)
ابتدأ مسلسل استهداف الفلسطينيين بشكل مباشر من قبل قوات الاحتلال الأمريكي للعراق وهو ضوء أخضر للمتعاونين مع الاحتلال باستهدافهم وهذا ما تحقق فيما بعد، وتنوع استهداف الفلسطينيين على يد الاحتلال قتلًا واعتقالًا وقصفًا للمدنيين، والتواطؤ مع الميليشيات لاستهداف الفلسطينيين، وهناك إحصائية لبعض الجهات بأن عدد الذين قتلوا من الفلسطينيين بعد الاحتلال على يد القوات الأمريكية والعراقية والميليشيات أكثر من (600) فلسطيني من غير المفقودين الذين بلغ عددهم (550) فلسطينيًا، فيما بلغت الاعتداءات (809) اعتداءً موثقًا، وأكثر من ألف معتقل، وإصابة (140) فلسطينيًا([7]).
وسأبين في هذا المبحث أنواع الاستهداف الأمريكي للفلسطينيين في العراق.
أولًا: استهداف السفارة الفلسطينية
أول استهداف للفلسطينيين في العراق على يد الاحتلال كان بتأريخ (28/5/2003م)، بتطويق السفارة الفلسطينية في بغداد من قبل قوة كبيرة من جيش الاحتلال الأمريكي المعززة بالدبابات والآليات العسكرية ومن ثم اقتحام مبنى السفارة واحتجاز القائم بأعمال السفارة والموظفين العاملين في السفارة، وتقييد أيديهم وإجبارهم على الانبطاح على الأرض بعد أن ألقت بهم خارج مقر السفارة وتركتهم مقيدين في العراء من دون مبرر، ثم بعد ساعات من هذا الوضع المهين اعتقلتهم وألقتهم في سجون الاحتلال الأمريكي في العراق لمدة عام تقريبًا([8]). لتكون هذه الجريمة عنوانًا لسياسة قوات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في العراق.
علمًا أن السفارة الفلسطينية تتمتع بالحصانة الدبلوماسية ولا تجيز القوانين والأعراف والمواثيق الدولية الاعتداء على السفارات والمقار الدبلوماسية وقت الحرب والاحتلال، وإنما توجب على الاحتلال حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية والحفاظ عليها.
وفي وقتها شكك عدد من العراقيين الذين كانوا يسكنون في محيط السفارة الفلسطينية في ذلك الوقت بهوية المقتحمين، حيث إنّ البعض قال: إنهم إسرائيليون بغطاء من القوات الأمريكية.
ثانيًا: القرارات الأمريكية بحق الفلسطينيين في العراق
كان اللاجئون الفلسطينيون قبل الاحتلال (2003م) يعاملون كمقيمين وضيوف في العراق وتشرف عليهم الحكومات العراقية وهي من تدعمهم وتوفر لهم السكن والتعليم والخدمات العامة، عن طريق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أو عن طريق إشراف مديرية شؤون اللاجئين، وكانت إجراءات الإقامة ميسرة ولا توجد فيها أي معوقات أو إجراءات تعقيدية، وأعطيت لهم وثائق للسفر، وهوية شخصية للمعاملات الخاصة بكل فلسطيني، وبالوصف العام لم يكن يواجه الفلسطينيون أي معاناة أو صعوبات من حيث الإجراءات القانونية المتعلقة بإقامتهم أو لجوئهم في العراق.
إلا أن الاحتلال الأمريكي وبقرار من الحاكم المدني في العراق بول بريمر مطلع عام (2004م) أصدر قرارًا رقم (50) ألغى فيه جميع الامتيازات التي منحها مجلس قيادة الثورة العراقي للفلسطينيين قبل الاحتلال، ونزع صفة المقيم الدائم، وجعلهم من الرعايا العرب الذين يتوجب عليهم التسجيل في مراكز الشرطة في مناطق سكناهم، ويتبعون قانونيًا وإداريًا لوزارة الهجرة والمهجرين، وكان القرار من بين أوّل (50) قرارًا اتخذه بريمر بعد تسلمه حكم البلاد؛ وعلى الرغم من أن الحكومة التي شكلها الاحتلال بعد عام (2003م) أعطت بطاقات إقامة سنوية للعرب المقيمين في العراق؛ إلا أنها استثنت الفلسطينيين من هذا القرار ووصفتهم بأنهم أجانب غير مقيمين! ولم تعاملهم كلاجئين معترف بهم، وفرضت عليهم وزارة الداخلية شروطًا كثيرة للتسجيل وأرغمتهم على التجديد المستمر لتصاريح الإقامة كل شهرين أو ثلاثة أشهر([9]).
ويعد قرار الحاكم بريمر بداية استهداف منظّم للفلسطينيين في العراق، ومع أن هذا القرار مجحف بحق الفلسطينيين إلا أن أعضاء مجلس الحكم الذين اختارهم الاحتلال الأمريكي لم يعترض أحد منهم على القرار، علمًا أن مجلس الحكم آنذاك كان قد منحه الأمريكيون صلاحية الاعتراض (الشكلية) وإبداء الرأي في بعض القضايا لمساعدة بريمر على إدارة البلاد، إلّا أنّهم لم يعترضوا لأنهم كانوا يسعون لنيل رضا بريمر بأي شكل وخصوصًا الأحزاب الطائفية وقادتها، أو لأنه يوافق توجهاتهم العدائية ضد الفلسطينيين اللاجئين في العراق.
ومع أن القانون الدولي يمنح اللاجئين الفلسطينيين في العراق الحماية من قبل قوات الاحتلال والحكومة التي يشكلها إلّا أن الاحتلال هو من استهدف الفلسطينيين في العراق وانتهك حقوقهم، والحكومة التي شكلها الاحتلال سارت على نهج قوات الاحتلال الأمريكي باستهداف الفلسطينيين والتضييق عليهم؛ ولذلك وقع الفلسطينيون في مأساة ومعاناة كبيرة أجبرتهم على ترك العراق والفرار من الموت إلى المصير المجهول.
ثالثًا: مداهمة المقرات والمنظمات الفلسطينية المدنية
قامت قوات الاحتلال الأمريكي بعد (2003م) بمداهمة جميع مقرات أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، وإغلاق أبوابها بالشمع الأحمر بعد اعتقاله، ثم قُتل -رحمه الله- داخل سجون الاحتلال في (9/4/2004م) وتناقلت الأخبار أنه جرى تسميمه.
وفي شهر (كانون الأول/ ديسمبر عام 2004م)؛ قامت قوات الاحتلال الأمريكي بمداهمة مقر (الهيئة الوطنية الفلسطينية) في العراق وتدمير ومصادرة محتوياتها، واعتقال عدد من أعضائها ومطاردة وملاحقة الآخرين، مع أنها جمعية مدنية تقوم بمهام حل أزمة الفلسطينيين المهجرين من منازلهم وتأمين الحاجات الضرورية لهم؛ إلا أن هذه النشاطات لم ترض قوات الاحتلال؛ مما أدى إلى اتهام رئيس الهيئة بالإرهاب وتخصيص مبلغ (50000$) لمن يبلغ عنه([10]).
وأيضًا اعتدت على بيت الطفل الفلسطيني وجمعية المرأة الفلسطينية، وروضة وحضانة حيفا، ومركز الحاسوب، ثم توالت بعد ذلك سلسلة من الاعتداءات الإجرامية بحق الفلسطينيين في العراق([11]).
رابعًا: قصف التجمعات الفلسطينية واقتحامها
بدأ استهداف المجمعات الفلسطينية في العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام (2003م) وتحديدًا في يوم (21/4/2000م) أي قبل احتلال العراق؛ وجاء هذا الاستهداف بسبب التحريض الإعلامي الذي قامت به ما تسمى المعارضة العراقية التي كانت خارج العراق في وقتها، وقد أدى هذا القصف إلى مقتل وإصابة ما يقرب من (40) فلسطينيًا([12]).
ومنذ الأيام الأولى للاحتلال تعرضت المجمعات السكنية الفلسطينية في بغداد إلى قصف مباشر من قبل القوات الأمريكية واقتحامات متكررة، ومن أبرز التجمعات المستهدفة هو حي البلديات، والدورة، والحرية، والسلام، والزعفرانية، وغيرها، وقد سجلت بعض التقارير الحقوقية (108) اعتداءً أمريكيًا على الفلسطينيين في العراق من شهر (نيسان 2003 إلى31/12/ 2006م)، أغلبها في حي البلديات الذي يسكنه أكثر من 40% من الفلسطينيين في العراق([13]).
ومنها قصف قوات الاحتلال مجمع البلديات بالقنابل العنقودية والصواريخ والدبابات مما أدى إلى تدمير أكثر من (12) شقة في حي البلديات في بغداد بتأريخ (7/4/2003م)([14]).
وفي (2/9/2004م)، طوقت قوات الاحتلال بالمدرعات والدبابات والطائرات مجمع البلديات للفلسطينيين واقتحمت المجمع، واعتقلت السيد عباس سعيد الزين وعائلته من دون أي مبرر([15]).
وفي (6/12/2004م)، اقتحمت قوات الاحتلال المجمع السكني في البلديات بعد
أن طوقته بأكثر من سبعين آلية عسكرية، وداهمت نادي حيفا الرياضي الذي أصبح مأوى للفلسطينيين الذين هجروا من منازلهم التي استولت عليها الميليشيات في بغداد بعد الاحتلال، وأيضًا اقتحمت هذه القوات مقر الهلال الأحمر الفلسطيني واعتقلت عشرات الفلسطينيين بعد أن احتجزت أكثر من (100) شخص.
وفي (22/2/2005م)، اقتحمت القوات الأمريكية مزرعة للحاج عبد الرؤوف عبد الحميد في منطقة التاجي شمال بغداد، واعتقلت الحاج عبد الرؤوف وابنه وأودعتهم السجن.
وفي (2/5/2005م)، اقتحمت وحدة عسكرية أمريكية منزل السيدة فاتن مصطفى على في الموصل بأسلوب مرعب واعتقلتها مع زوجها التركماني([16]).
وفي (28/5/2006م) طوقت القوات الأمريكية تساندها قوات عراقية مجمعًا سكنيًا في حي البلديات مستخدمين القنابل الصوتية والأسلحة الرشاشة لإرهاب الناس، وصاحب ذلك قطع التيار الكهربائي عن المجمع، وأعقب هذا الاقتحام اعتقال عدد من الفلسطينيين وسجنهم. وفي (30/5/2006م) اقتحمت قوات الاحتلال عمارة سكنية تقطنها عائلات فلسطينية في منطقة الصناعة واعتقلت عددًا من الفلسطينيين([17]). وفي (29/8/2006م) داهمت قوة أمريكية نادي حيفا الرياضي في البلديات ونشرت الرعب والهلع بين الفلسطينيين واعتقلت عددًا منهم.
ولم تتوقف مداهمات قوات الاحتلال الأمريكي للفلسطينيين في العراق طيلة تواجدها في العراق.
خامسًا: الاعتقالات العشوائية
اعتقلت قوات الاحتلال الأمريكي مئات الفلسطينيين اللاجئين في العراق فقط لأنهم فلسطينيون؛ حيث تم اعتقال (12) طالبًا منذ الشهر الأول للاحتلال بدون أي مبرر أو ذريعة وإنما تهمتهم أنهم فلسطينيون، ويضاف إليهم العاملون في السفارة الفلسطينية. ولم يقتصر الاعتقال على الشباب وإنما تمادى الاحتلال باعتقال النساء؛ ففي مدينة الموصل اعتقلت قوات الاحتلال الأمريكي الفلسطينية (فاتن مصطفى) بتأريخ (15/5/2005م). وفي (حزيران 2006م) اعتقلت القوات الأمريكية عدة نساء من حي البلديات في بغداد وبعد ردة فعل غاضبة من الفلسطينيين والعراقيين أطلق سراحهن بعد عدة أيام([18]).
وتكرر اعتقال النساء على يد قوات الاحتلال ففي (11/11/2006م) اقتحمت قوات الاحتلال مجمع البلديات واعتقلت ثلاث نساء وستة رجال بعد أن عبثت بكل وحشية في بيوت الفلسطينيين وإرهاب الأطفال والنساء([19]).
وهناك بعض الإحصائيات للانتهاكات ضد الفلسطينيين التي قامت بها قوات الاحتلال ما بين عام (2003 إلى 2006م)؛ تظهر أن عدد مرات الانتهاكات التي رصدتها بعض الجهات (108) انتهاكًا، وقتل على يد القوات الأمريكية من الفلسطينيين أكثر من (20) شخصًا، إلا أن هذه الإحصائية خاصة في بغداد وغالبها في مجمع البلديات ولا تشمل الانتهاكات ضد الفلسطينيين في عموم العراق([20]).
ومما تقدم يتبين أن الاحتلال الأمريكي تعمد إفقاد الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في العراق، واستباحة انتهاك حقوقهم، والإيغال في معاناتهم من خلال غلق السفارة الفلسطينية في العراق واعتقال العاملين فيها؛ ولم يكن مجلس الحكم المشكل من قبل الحاكم المدني بول بريمر أقل سوءًا من قوات الاحتلال لأنه تخلى عن الفلسطينيين كلاجئين وضيوف على العراق، وهذه كانت البدايات للمعاناة والانتهاكات التي تعرض لها إخواننا الفلسطينيون في العراق.
*******
المبحث الثاني
استهداف الفلسطينيين في ظل السلطات في العراق بعد (2003م)
لم تختلف معاناة الفلسطينيين في العراق في ظل حكومات الاحتلال بعد (2003م) عن معاناتهم تحت سطوة الاحتلال الأمريكي؛ وإنما ازدادت سوءًا فالانتهاكات تعددت وتنوعت ضدهم واستمرت ولم تتوقف فالاحتلال بدأها وأسس لها، والحكومات في العراق والأحزاب الطائفية والميليشيات نهجت نفس النهج الذي رسمه المحتل الأمريكي في إيذاء الفلسطينيين؛ حيث مارست الحكومات في العراق والميليشيات أنواع الانتهاكات الصارخة ضد الفلسطينيين في سلسلة هجمات وحملات ممنهجة ومنظمة تحمل أهدافًا مرسومة وغايات معروفة، فتعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى القتل، والخطف، والاعتقال، والتهجير وهجمات فرق الموت والميليشيات والقوات الحكومية على مجمعاتهم ومساكنهم بالقصف العشوائي، وسأبين أنواع المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون في العراق على يد القوات الحكومية والميليشيات.
أولًا: القرارات والقوانين الجائرة بحق الفلسطينيين
من أهم القرارات التي صدرت عن مجلس قيادة الثورة في العراق قبل الاحتلال وتحديدًا عام (2001م) هو معاملة الفلسطيني المقيم في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات باستثناء الحق في الحصول على الجنسية([21]). وهذا القرار وحده يكفي لإعطاء صورة واضحة عن توجه السلطات العراقية قبل الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ولكن بعد الاحتلال عام (2003م) وحلّ الحكومة العراقية ومؤسسات الدولة جميعها بما فيها الجيش العراقي والأجهزة الأمنية؛ وتشكيل الاحتلال مجلسًا للحكم في العراق على أسس طائفية وعرقية، أعطى الأحزاب الشيعية الموالية لإيران التي كانت تسمي نفسها معارضة الأغلبية ومنحها فعليًا حكم العراق، وباقي الأحزاب والمكونات جعلت أجزاءً غير فاعلة لتكملة صورة المشهد أمام العالم، وتشكل الجيش الجديد من الميليشيات والأحزاب المتعاونة مع الاحتلال؛ كلّ ذلك أدى إلى تغير التوجهات الحكومية تجاه الفلسطينيين، خصوصًا أن هذه الأحزاب التي تسلمت السلطة كانت تستهدف الفلسطينيين إعلاميًا قبل الاحتلال (2003م) وبعده.
فتولت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية المسؤولية عن الفلسطينيين وبدأت معاناتهم من خلال:
1- الاستمرار بقرار بريمر الذي وافق عليه مجلس الحكم وهو عدم إعطاء صفة اللاجئ للفلسطينيين في العراق، ومعاملتهم معاملة الأجنبي الذي يدخل العراق، وهذا القرار التعسفي كان بداية التضييق على الفلسطينيين واستلاب حقوقهم الشاملة التي منحتها دولة العراق الوطنية قبل الاحتلال؛ حيث جرى تجريدهم من كافة المميزات القانونية التي كانوا يتمتعون بها قبل الاحتلال؛ فحرموا من التعيين في المؤسسات الحكومية، وقطعت رواتب المتقاعد، وتعمد تأخير إنجاز معاملاتهم في الدوائر العراقية.
2- إلغاء الإقامة الدائمة واستبدالها بالمراجعة الشهرية، ومطالبة الفلسطينيين بمراجعة مديرية الإقامة التابعة لوزارة الداخلية وإحضار جميع أفراد العائلة كل شهر لتأكيد إقامتهم في العراق؛ وكان الذهاب إلى مراكز الشرطة وحده مخاطرة كبيرة في وقتها بسبب معاداتها للفلسطينيين، وهذا دليل واضح على إلغاء صفة ضيوف ورعايا لدى الحكومة العراقية كما كانوا قبل الاحتلال ونصت عليه القوانين؛ وازدادت التعقيدات في حكومة إبراهيم الجعفري في (2005م)، من خلال اشتراطات تعسفية على العائلة والبحث عن ثغرات لتعقيد منح الإقامة الشهرية وليست السنوية، وفرض غرامات مالية على أي خطأ خلافًا لما كان يعمل به قبل الاحتلال؛ حيث كانت الدولة العراقية تمنح الفلسطينيين مبالغ مالية ورعاية مجانية سواء في الصحة أو التعليم، وكانت الإشارات واضحة بأن حكومة وأحزاب العراق الجدد الموالين لأمريكا وإيران يرسلون رسائل للفلسطينيين بأن لا مكان لكم في العراق([22]).
3- وقف إصدار وتجديد وثيقة السفر التي كانت تمنح للفلسطينيين قبل الاحتلال واستمر الوضع إلى عام (2006م)، ثم اشترطت حكومة بغداد شروطًا تعجيزية لإصدار هذه الوثيقة، وفي نهاية المطاف تنتهي إلى طريق مسدود ولا يحصل الفلسطيني على مبتغاه؛ لأن النية هي منعه من الحصول عليها، وفي عام (2016م)، صدر قرار بأن الفلسطيني لو سافر خارج البلاد لمدة ثلاثة شهور فلا يسمح له دخول العراق إلا بتأشيرة جديدة، وأيضًا المعاشات والمخصصات توقفت([23])؛ وفي عام (2019م)، صدر قرار بوقف العمل بقرار (2016م) ولكنه لم يتوقف عمليًا على الرغم من صدور القرار.
4- وقف إصدار بطاقة هوية شخصية للفلسطينيين أو تجديدها، والمولود الجديد تمنح له فقط شهادة ولادة، بخلاف ما كان يعمل به قبل الاحتلال، وأيضًا عدم منحهم هوية إقامة سنوية مثل غيرهم من اللاجئين في العراق؛ وكذلك منعوا من الحصول على تصاريح للعمل؛ وهذه كلها كانت سببًا في زيادة المعاناة لأن أغلب الفلسطينيين مضطرون للتحرك من غير إثبات شخصي مما يعرضهم للاعتقال والخطف والقتل من قبل القوات الحكومية والميليشيات، وازدادت هذه المعاناة في حكومة الجعفري والمالكي.
وبسبب هذه المعاناة والقوانين الجائرة التي تستهدف الفلسطينيين تحديدًا دون اللاجئين الآخرين أصدرت هيئة علماء المسلمين بيان استنكار وإدانة لحكومات الاحتلال لهذه الإجراءات وطالبت بإلغاء هذه القوانين التعسفية بحق الفلسطينيين في العراق الذين كانوا يتمتعون بحقوق التعليم والصحة والتعيين في العراق ومعاملتهم معاملة العراقي، إلا أن هذه القرارات التعسفية كشفت حقيقة الموقف الذي تتعامل به حكومات الاحتلالين الأمريكي والإيراني في العراق مع القضية الفلسطينية بما يخدم الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وأكدت الهيئة أن هذه القرارات تفضح أكذوبة زعم إيران والأحزاب في العراق أنها تدعم القضية الفلسطينية؛ ولا سيما أن هذه القرارات تزامنت مع قرار أمريكي بجعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني. وهو ما يؤكد التناقض بين الأقوال والأفعال للنظام الإيراني وأحزابه وميليشياته في العراق([24]).
ثانيًا: استهداف الفلسطينيين إعلاميًا ومحاولة شيطنتهم
منذ بداية الاحتلال عام (2003م) وتشكيل مؤسسات حكومية تحت ظل الاحتلال الأمريكي والرعاية الإيرانية بدأ استهداف الفلسطينيين ومحاولة تشويه صورتهم البيضاء إعلاميًا، فشنت شبكة الإعلام العراقي من خلال فضائية (العراقية، والفرات) ووسائل إعلامية أخرى، وصحيفة الصباح الناطقة باسم الاحتلال الأمريكي حملة تشويه كبيرة ضد الفلسطينيين، ثم تطور هذا الاستهداف حتى أصبح أكثر تنظيمًا وترتيبًا برعاية حكومية؛ لخلق رأي شعبي عام ضد الفلسطينيين في العراق؛ فحملوا الفلسطينيين مسؤولية المآسي والمحن التي جرت على العراقيين، واتهامهم بارتكاب أعمال إجرامية بحق الشعب العراقي، وكلها افتراءات ظالمة الهدف منها تشويه الفلسطينيين واستهدافهم، ومن هذه الافتراءات:
1- اتهام فلسطينيين بتفجير وقع في سوق شعبي في بغداد الجديدة بتأريخ (12/5/2005م)؛ واعتقلت القوات الحكومية بعد التفجير أربعة من الفلسطينيين بهذه التهمة، وبعد ساعات قليلة أظهرت القناة العراقية الفضائية خبرًا مفاده أن المتورطين في التفجير هم من الفلسطينيين، وتم إلقاء القبض عليهم، ثم في اليوم الثاني أظهرت القناة تسجيلًا مصورًا لفلسطينيين وآثار التعذيب واضحة على وجوههم، ثم في اليوم التالي شنت الصحف حملة إعلامية واسعة ضد الفلسطينيين وأظهرت حكومة الاحتلال عراقيين يطالبون بطرد الفلسطينيين من العراق، واللافت للنظر أن هذه الحملة تزامن مع الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية عام (1948م). وحينها فهم الفلسطينيون في العراق حجم الهجمة تجاههم مما دعاهم إلى الخروج بتظاهرة سلمية تنديدًا بالأعمال الإجرامية ضد الشعب العراقي ومؤكدين في الوقت نفسه أن من تم اعتقالهم هم أبرياء ويعملون من أجل كسب عيشهم؛ وإيغالًا بتشويههم أظهر الإعلام في وقتها المظاهرات على أنها مظاهرات مؤيدة للرئيس صدام حسين([25]).
وبعد تدخل منظمة العفو الدولية وتوكيل محامين تبين أن الاعترافات المنسوبة للمتهمين أخذت في ظل التعذيب القاسي؛ ثم أطلق سراح المعتقلين بتأريخ (21/5/2006م) ولكن لم تنقل الصحف والإعلام العراقي أي خبر عن الموضوع([26]).
وتكررت حادثة إظهار فلسطينيين بتهم إرهاب وعرضهم على الإعلام، ففي (7/6/2005م) عرضت قناة الفرات الطائفية فلسطينيين على أنهم مجموعة إرهابية، وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يفعلوها، ثم بعد اعتقالهم أطلق سراحهم بتأريخ (1/12/2005م) لعدم ثبوت الجريمة عليهم، أيضًا عبر تدخل منظمة العفو الدولية، ولكن الغريب أن قناة العراقية أعادت عرض اعترافات هؤلاء الأبرياء بتأريخ (15/1/2006م). وتكررت هذه الافتراءات بشكل فج ومستمر لم تتوقف على مدار سنوات عديدة، وهذه الأحداث تشير بوضوح إلى محاولة تشويه صورة الفلسطينيين وتهجيرهم من خلال خلق رأي عام وشعور شعبي كاره للفلسطينيين في العراق، ومن النصوص التي كانت تكتب في جريدة الصباح اليومية:
“احذر من الفلسطيني لأنه سيحاول وضع العراقيل أمامك وخاصة إذا كان قد أكل من نعمة العراق” وأيضًا ظهرت مشاهد في القناة العراقية من مسلسل الإرهاب تظهر القوات الحكومية وهي تلقي القبض على فلسطيني قتل عددًا من العراقيين مع أنه أكل من نعمة العراق على مدار (12) سنة” وأيضًا كتبت صحيفة الصباح بتأريخ (31/5/2005م) مقالًا بعنوان “بين العراقيين والفلسطينيين من يقتل من؟” وقد ضمنت المقالة افتراء أكاذيب لزرع الفتنة بين العراقيين والفلسطينيين([27]).
ومما يدل على أن حكومة بغداد هي من كانت تدعم استهداف الفلسطينيين هو سماحها بتعليق لافتات كبيرة في الشوارع، وعلى بعض مراكز الشرطة في بغداد كتب عليها: “نطالب بطرد ناكري الجميل المرتزقة الدخلاء الذين سفكوا دماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي ونسوا شهداء العراق في دير ياسين والجولان والكرامة” ومما تقدم يتبين أن الاستهداف كان ممنهجًا ومتفقًا عليه بين قوات الاحتلال وحكوماته وميليشياته الموالية لإيران في العراق، وبدفع وتخطيط صهيوني.
وأمام هذه الهجمة الإعلامية الشرسة ضد الفلسطينيين انبرت هيئة علماء المسلمين في العراق للتصدي لهذه المحاولة والدفاع عن الفلسطينيين وكشف الحقيقة أمام العراقيين، عن طريق الخطباء في المساجد وتثقيف الناس بالحقائق، وكان للشيخ حارث الضاري (رحمه الله) الأمين العام لهيئة علماء المسلمين مواقف عدة في هذا الإطار منها: زيارته إلى (مجمع البلديات) للتضامن مع الفلسطينيين واستنكار استهدافهم من قبل الاحتلال وأذنابه، واستقباله وفود الفلسطينيين في العراق لبحث المشاكل التي يواجهونها، وتعريفه بمأساتهم في اللقاءات والمؤتمرات التي يحضرها وفي وسائل الإعلام، وكتابته مقالًا مطولًا عن مأساة الفلسطينيين في العراق في صحيفة (البصائر) الصادرة عن الهيئة، بتأريخ (20/4/2005م).
أما الجهات التي كانت تستهدف الفلسطينيين فهي نفس الجهات التي جاءت مع المحتل الأمريكي وهي نفسها الموالية لإيران ومنها: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم الموالية لإيران، وحزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري ثم نوري المالكي وهي أيضًا موالية لإيران، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وهو أيضًا موالي لإيران، وميليشيا حزب الله العراق، وكذلك المؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي، وحركة وفاق الوطني بزعامة إياد علاوي، وكل الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران([28]).
ففي (أواخر يناير 2007م)، أجرت صحيفة الصنداي تلغراف البريطانية لقاءً مع المدعو (الشيخ محمود الحسني) أحد الناطقين باسم جيش المهدي، الذي صب جام غضبه على الفلسطينيين في العراق وقال: “إن الفلسطينيين جلبوا المعاناة لأنفسهم.. وهم متورطون بقتل الشيعة لأننا نعتقد أنهم متحالفون مع المتطرفين السنة، وعليهم أن يدفعوا الثمن.. وقد كانوا مرتاحين في زمن صدام ولا بد أن يدفعوا الثمن وعليهم أن يغادروا البلد”([29]). وهناك تصريحات كثيرة لزعماء الميليشيات الموالية لإيران في العراق تركتها خشية الإطالة.
ولكن هذه تشير إلى أن هناك توافقًا بين الأمريكان والصهاينة والإيرانيين وأدواتهم في العراق على استهداف الفلسطينيين واضطهادهم؛ لأهداف رخيصة لا تخفى على عاقل، ولا يمكن تجاهل هذه الانتهاكات والانغرار بتصريحات كاذبة لا قيمة لها.
ثالثًا: المجازر والانتهاكات الحكومية والميليشياوية ضد الفلسطينيين في العراق
عاش اللاجئون الفلسطينيون بعد احتلال العراق مأساة وقصة تهجير ثانية على يد حكومات بغداد وميليشياتها وقوات الاحتلال، حيث عاشوا أوضاعًا مأساوية صعبة لم تقف عند سلب حقوقهم وتشويه صورتهم، بل تعرضوا إلى حرب إبادة جماعية، وحملة اضطهاد وتطهير عنصري كبير جدًا أجبرت أكثر من خمس وأربعين ألف فلسطيني على الهجرة ولم يبق إلا أقل من أربعة آلاف لاجئ في العراق؛ وقد مورست أنواع الانتهاكات ضدهم، وكانت البداية بتهجيرهم من بيوتهم ثم عمليات اغتيال، وخطف، وقتل، وتعذيب، واعتقالات عشوائية، وتهديدات مستمرة، وقصف تجمعاتهم السكنية بالصواريخ وقذائف الهاون، ومنعهم من الذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم وممارسة أعمالهم، فضلًا عن الممارسات التعسفية والمضايقات اليومية([30])، وسأذكر باختصار أنواع الانتهاكات التي تعرض لها الفلسطينيون في العراق على يد الميليشيات والأحزاب والقوات الحكومية:
- التهجير القسري
بدأت حملات تهجير منظمة الفلسطينيين بعد الاحتلال (2003م) سواء كانت هذه البيوت ملكًا للفلسطينيين أو للدولة العراقية أو بيوت مستأجرة، وكانت وسائل التهديد متنوعة، منها إرسال ظرف عليه بقعة دم وفيه رصاصة، أو هجوم بالأسلحة الرشاشة على المنزل، أو اقتحام المنازل وبث الرعب بين ساكنيها وتهديدهم بالقتل، ورسائل التهديد والوعيد والمضايقات والهجوم على المنازل تستمر حتى يضطر اللاجئ الفلسطيني حفاظًا على حياته وعائلته أن يترك منزله، ومن يقوم بهذه الانتهاكات هي ميليشيات طائفية تابعة لأحزاب شيعية، وعناصر من القوات الحكومية. ولم تتدخل حكومة بغداد في حينها لمنع اضطهاد الفلسطينيين أو تهجيرهم من منازلهم، بل كانت القوات الأمنية هي من تساند هذه الميليشيات في حملات التهجير([31]).
ولم يقتصر تهجير الفلسطينيين من بيوتهم وإنما كانت التهديدات تطالبهم بمغادرة العراق أو القتل، ففي حي الطوبجي ببغداد تلقى الفلسطينيون بالأسماء تهديدات بترك منازلهم ومغادرة العراق خلال عشرة أيام أو أنهم سيواجهون الموت، وفي حي الحرية في بغداد دخل (15) مسلحًا بيت إحدى الفلسطينيات وهددوا العائلة بالقتل أو ترك المنزل، وبعد يومين أُلقيت داخل البيت قنبلتين أدت إلى مقتل أحد أفراد العائلة ووقوع أضرار جسيمة داخل المنزل([32]).
وفي حي الصحة في منطقة الدورة في بغداد تلقت أكثر من مائة عائلة فلسطينية تهديدات بالقتل والإحراق إذا لم يغادروا بغداد خلال (72) ساعة، وهذه المنطقة كانت خاضعة لسيطرة جيش المهدي([33])، وفي مجمع البلديات تعرض الفلسطينيون إلى حملات متكررة تهددهم بالقتل إذا لم يتركوا بيوتهم ويغادروا العراق([34]).
واستمرت عمليات تهجير الفلسطينيين من منازلهم في طل حكومات الاحتلال بعد (2003م) مما أدى إلى تجمع عدد كبير منهم في نادي حيفا الرياضي؛ وجرت محاولات عدة لإعادة المهجرين وحمايتهم وتمت لقاءات مع مقتدى الصدر لإيقاف هذه الانتهاكات وأعطى وعودًا بإيقافها ولكن هذه الوعود لم تتجاوز التصريحات الإعلامية، وأعقب هذا التهجير إسكان عائلات تابعة للأحزاب والميليشيات الطائفية في بيوت الفلسطينيين لمنع عودتهم([35]). وسجلت لجنة الإغاثة والمساعدات في منظمة فتح الفلسطينية تهجير قسري لـ (344) أسرة فلسطينية من بغداد خلال شهر واحد فقط في عام (2003م)([36]).
2- قصف التجمعات واقتحامها
لم تكن قوات الاحتلال وحدها تستهدف التجمعات السكنية الفلسطينية بالقصف والاقتحامات العسكرية، وإنما الميليشيات الطائفية الموالية لإيران استهدفت المجمعات السكنية للفلسطينيين بالقصف بقذائف الهاون وصواريخ قصيرة المدى عشرات المرات، ففي إحصائية واحدة رصدت إحدى المنظمات أكثر من (250) اعتداءً بالقصف واقتحام المجمعات السكنية من قبل الميليشيات بالاشتراك مع الأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال، كما أكد ذلك تقرير هيومن رايتس ووتش([37]). ففي (31/1/2004م) قصفت ميليشيات موالية لإيران مجمع البلديات بقذائف الهاون أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين وإصابة آخرين، وبتأريخ (12/5/2005م) اقتحمت قوات من لواء الذيب مع فيلق بدر مجمع البلديات وأطلقت النار عشوائيا أدى إلى حدوث أضرار مادية في المنازل، وإرهاب اللاجئين، واعتقال عشرات الفلسطينيين بدون أي مبرر، ثم عرضهم في شاشات التلفزيون على أنهم إرهابيون، وبتأريخ (22/5/2005م) اقتحمت قوة من لواء الذيب مجمع البلديات والاعتداء على الفلسطينيين بالضرب وتكررت هذه الاقتحامات بشكل شبه يومي. وفي (2006م) قامت قوة كبيرة من ميليشيا جيش المهدي على مرأى ومسمع الأمريكان والقوات الحكومية بالهجوم والاعتداء على جامع القدس والتجمع الفلسطيني في البلديات وأطلقوا النار بشكل عشوائي على الناس وعبثوا بمحتويات المسجد، ثم أعقب ذلك قصف مجمع البلديات بقنابل الهاون. وفي (13/12/2006م) تعرض مجمع البلديات إلى قصف عنيف بالصواريخ وقذائف الهاون أدى إلى استشهاد (7) فلسطينيين وإصابة العشرات([38]). وفي منطقة زيونة في بغداد تم حرق عائلة كاملة داخل بيتهم من قبل الميليشيات.
3- قتل واعتقال وتعذيب وإخفاء قسري للفلسطينيين
سجلت بعض المنظمات المدنية مقتل أكثر من (600) فلسطيني وتغييب ما يقرب من (100) شخص في العراق لغاية عام (2008م)، على يد القوات الأمريكية والأجهزة الأمنية العراقية والميليشيات الموالية لإيران ومنها جيش المهدي، ومنظمة بدر، وحزب الدعوة، وحزب الله في العراق، وغيرها من الميليشيات التي كانت تتعاون مع الاحتلال الأمريكي ضد العراقيين.
وشهدت هذه السنوات اعتقالات عشوائية لفلسطيني العراق وتعذيبهم داخل السجون تحت ظروف إنسانية سيئة خصوصًا في سجون بغداد والناصرية، ولا تتوفر لهم أدنى شروط العدالة في مراجعة قضاياهم أو استئناف الأحكام الصادرة ضدهم، علمًا أن الاعترافات انتزعت منهم على جرائم لم يرتكبوها وأُجبروا على الإدلاء باعترافات كاذبة تحت التعذيب، وأعدم عشرات منهم ظلمًا بحجة إصدار أوامر قضائية ضدهم؛ وقد أكدت هذه الجرائم هيومن رايتس ووتش وبينت أن المعتقلين كانوا يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، وأكد التقرير وجود حالات تغييب لعشرات الفلسطينيين([39]).
وفي (23/1/2007م)، وثقت هيئة علماء المسلمين اختطاف (27) فلسطينيًا من منطقة الكرادة في بغداد من قبل القوات الحكومية([40])، وغالبا ما يكون مصير المختطفين الفلسطينيين القتل وإلقاء جثثهم في شوارع بغداد. وشهد عام (2006م) تصعيدًا خطيرًا في حالات القتل والخطف والمطالبة بدفع فدية مالية مما أرهق الفلسطينيين كثيرًا، وبعد دفع الفدية تلقى جثة الفلسطيني المخطوف في الشارع، وهناك منظمات حقوقية وثقت هذه الانتهاكات الصارخة التي حصلت بعلم وتواطؤ من الحكومات في العراق الموالية لإيران([41]).
وهناك حادثة مؤلمة يتناقلها الفلسطينيون في العراق تلخص الأوضاع المأساوية التي تعرض لها إخواننا الفلسطينيون على يد الميليشيات والحكومات في العراق ملخصها: أن أحد العناصر الميليشياوية جاء إلى صديقه بأحد الإخوة الفلسطينيين وذبحه تحت قدمه؛ هدية له في يوم عقد قرانه.
هذه هي أبرز العوامل التي دفعت الفلسطينيين إلى مغادرة العراق في ظل فقدان الثقة التام بالحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ (2003م). واللجوء إلى مخيمات في الصحراء على الحدود الأردنية والسورية؛ ومن هنا ابتدأت معانة جديدة وفصل آخر أشد إيلامًا، ولا يقل بشاعة عن جرائم الميليشيات والقوات الحكومية والاحتلال الأمريكي ضد الفلسطينيين.
رابعًا: مخيمات النزوح على الحدود العراقية
نتيجة للأوضاع الكارثية التي مرت على الفلسطينيين، واستهدافهم وانتهاك حقوقهم، وحملة الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي ضدهم من قبل قوات الاحتلال وحكوماته في العراق والميليشيات الموالية لإيران؛ فرّ آلاف الفلسطينيين من العراق تاركين أموالهم وممتلكاتهم، قاصدين سوريا والأردن، ولكن الدولتين رفضتا استقبالهم؛ مما اضطرهم إلى نصب الخيام والمكوث فيها، ونتج عن ذلك إنشاء خمس مخيمات للفلسطينيين الهاربين من الموت في العراق والمخيمات هي:
1- مخيم الكرامة والرويشد: ويقع في المنطقة العازلة بين الحدين العراقي والأردني وكان فيه (1500) لاجئ فلسطيني لم يسمح لهم الدخول للأردن، وتعرض الفلسطينيون في المخيم إلى حالات اضطهاد وإهمال أجبر عدد من الهاربين من الجحيم إلى العودة إلى العراق وعدم البقاء في المخيم من شدة المعاناة فيه، على الرغم من المخاطر المحدقة بهم، وفي (2005م) سمح الأردن بإدخال بعض الفلسطينيين إلى مخيم رويشد في الجانب الأردني ممن كان يحمل وثائق سفر فلسطينية عراقية وأخرى مصرية ولبنانية، ومنهم من كان متزوجًا من زوجات أردنيات، وبقي مئات الفلسطينيين داخل المخيم إلى أن قام حرس الحدود العراقي بإعادتهم إلى العراق قسرًا في عام (2006م) ثم أغلق المخيم([42]).
2- مخيم الهول: ويقع بالقرب من محافظة الحسكة وأقيم هذا المخيم في عام (2006م) بعد أن أغلقت الحكومة السورية الحدود أمام اللاجئين الفلسطينيين، وبعد تدخل من السلطة الفلسطينية استقبلت سوريا (300) لاجئ تقريبًا ثم أعادت غلق حدودها من جديد، أما حال من في المخيم فكانت أوضاعهم صعبة وفي ظل ظروف معيشية قاسية([43]).
3- مخيم التنف: ويقع في المنطقة المحايدة على الحدود السورية العراقية وفيه مئات العائلات التي لم يسمح لها الدخول إلى الأراضي السورية، وكانوا يعيشون في ظروف قاسية مما تسببت بوفاة عدد من اللاجئين داخل المخيم، وكانت القوات العراقية تستهدفهم وقد اعتقلت عددًا منهم، وانتهكت حقوق بعضهم عندما كانت تقتحم المخيم عنوة وتضطهد اللاجئين، وهو ما دعا المفوضية إلى رفع شكوى ضد الانتهاكات العراقية للاجئين، وفي عام (2007م) تم افتتاح مدرسة للاجئين في المخيم، والمخيم لا يقل سوءًا وبؤسًا عن المخيمات الأخرى([44]).
4- مخيم الوليد: ويقع على بعد (3) كم، داخل الحدود العراقية بالقرب من الحدود السورية، وتم افتتاحه في عام (2006م)؛ لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين الذين يتعرضون لإبادة جماعية في العراق، وعاش فيه اللاجئون الفلسطينيون ظروفًا صعبة، وتقول جينيفر باغونيس الناطقة باسم المفوضية للصحفيين: إن اللاجئين توسلوا إلى فريقنا أن لا ننساهم ونتركهم في ذلك الجحيم ولكن لا أحد يسمع صوتهم”.
وتصف المخيمات بأن من يعيش في المخيمات يعانون من الأمراض ويعيشون تحت وطأة الشمس الحارقة في مخيم مليء بالأفاعي والعقارب، واستمر وجود المخيم إلى عام (2009م)([45]).
ولم تتوقف معاناة اللاجئين في العراق بل ازدادت معاناتهم ومأساتهم في داخل المخيمات ليس فقط بسبب الظروف المعيشية المأساوية وإنما استمرار الاعتداءات عليهم من قبل القوات الأمريكية والعراقية ففي عام (2008م) اقتحمت قوات أمريكية وعراقية مخيم الوليد والاعتداء على اللاجئين وإطلاق النار بشكل عشوائي؛ مما أدى إلى إصابة بعض الفلسطينيين وتم اعتقال بعضهم، فلم تعد حتى المخيمات في الصحراء آمنة للفلسطينيين من بطش وانتهاك القوات الأمريكية والعراقية والميليشيات الموالية لإيران([46]).
*******
المبحث الثالث
الجهات المتورطة باستهداف الفلسطينيين وتهجيرهم
يعرف العراقيون والفلسطينيون الجهات التي تسببت بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق ومارست القتل والإخفاء القسري والتهجير والتطهير الطائفي والعرقي ضدهم، وسأبين هذه الجهات وصلتها ببعضها.
تشارك على اضطهاد الفلسطينيين في العراق عدة جهات وهي: قوات الاحتلال الأمريكي، والحرس الثوري الإيراني، والحكومات العراقية بعد (2003م) وأجهزتها الأمنية، والميليشيات الطائفية الموالية لإيران وهي الأداة الإيرانية الأقوى في العراق ومن خلالها تمارس إيران أنشطتها داخل العراق؛ ومن هذه الميليشيات جيش المهدي، منظمة بدر، المجلس الأعلى للثورة، حزب الدعوة، حزب الله العراق، وغيرها من المسميات التي تدخل تحت منظومة الميليشيات الموالية لإيران، وهؤلاء جميعًا تآمروا وتشاركوا في استهداف الفلسطينيين والشواهد على ذلك كثير.
أولًا: اشتراكهم في استهداف الفلسطينيين وتهجيرهم
منذ بداية الاحتلال استهدفت القوات الأمريكية اللاجئين الفلسطينيين من خلال القرارات المجحفة بحقهم واستمرت حكومات بغداد الموالية لإيران بأحزابها وشخوصها وميليشياتها بسلب الفلسطينيين صفة اللجوء والضيوف، ومن خلال ممارسة الأساليب والقرارات القمعية ضد الفلسطينيين تشاركت هذه الجهات بقتل واعتقال وتهجير الفلسطينيين وطردهم من العراق، فبعد أن كان عدد الفلسطينيين ما يقرب من (50) ألف فلسطيني قبل الاحتلال لم يبق منهم إلا ما يقرب من أربعة آلاف فلسطيني ولو أتيحت لهم الفرصة لتركوا العراق ونجوا بحياتهم كما يصرحون بذلك.
فالهجوم على مقر السفارة الفلسطينية في بغداد واعتقال العاملين فيها، والهجوم المشترك بين القوات الأمريكية والعراقية والميليشيات الطائفية الموالية لإيران ضد الفلسطينيين تكررت عدة مرات، وكانت السمة الأبرز هي أن القتل والخطف والتغييب كانت تمارسه الميليشيات، والاعتقال كان الأداة الأبرز لقوات الاحتلال الأمريكية، وكان هناك تعاون وتنسيق واضح بالهجوم على تجمعات الفلسطينيين وهناك شواهد ودلائل على ذلك، منها:
في (27/رمضان/2006م) تعرض مجمع البلديات لقصف عشوائي بالهاونات بعد صلاة التراويح، مما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات، ولم تمر ساعات على هذه الجريمة حتى اقتحمت قوات الاحتلال الأمريكي المجمع بالقنابل الصوتية وزرع العبوات الناسفة وتدمير بعض الشقق السكنية، مصطحبة معها الكلاب البوليسية التي زادت من إرهاب الناس خصوصًا النساء والأطفال؛ واعتقلت عددًا من الشباب بعد أن اعتدت على النساء وكبار السن([47]). وكان من واجبها أن تمارس قوتها ضد الميليشيات التي قصفت المجمع وأن تحمي اللاجئين الفلسطينيين لا أن تنتهك حقوقهم وتزيد من معاناتهم، إلّا أن هذه الجرائم المشتركة تكررت عدة مرات!.
أكد تقرير هيومن رايتس ووتش مسؤولية الحكومة في بغداد عما يجري للفلسطينيين من انتهاكات وأكدت على أن عناصر القوات الأمنية تمارس الإخفاء القسري والاعتقالات ضد الفلسطينيين اللاجئين، ويذكر التقرير أن مسلحين من الميليشيات الشيعية هاجمت مساكن للفلسطينيين في بغداد وقتلوا عشرة أشخاص، منهم شقيق الملحق الفلسطيني، وألقيت جثثهم في الشارع، وذكر التقرير أيضًا أن ميليشيات قتلت الفلسطيني (سمير خالد الجياب) بعد أن قطعوا رأسه بالسيف وأطلقوا (20) رصاصة في جسده في (2006م)، وفي حي الشعلة أقدمت ميليشيات على خنق حلاق مع اثنين من العرب السنة ولم تتحرك الحكومة أو قوات الاحتلال بواجبها والبحث عن المجرمين وإنما كانت دائمًا تتواطأ مع المجرمين، بل إن الحكومات والقوات الأمريكية لم تقدم أي شيء يذكر لحماية الفلسطينيين في العراق([48]).
وما يدل على التعاون المشترك وتبادل الأدوار بين هذه الجهات؛ هو أن وزيرة الهجرة والمهجرين في حكومة بغداد دعت إلى إبعاد الفلسطينيين وطردهم من العراق، وسجلت المنظمات الدولية انتهاكات عدة ضد الفلسطينيين تقوم بها القوات الحكومية بالتعاون مع الميليشيات الطائفية. وقد أكدت تورط الحكومة في بغداد وأجهزتها الأمنية بقتل واستهداف الفلسطينيين دائرة شؤون اللاجئين في ندوة لمنظمة التحرير الفلسطينية([49]).
ثانيًا: تشكيل القوات الأمنية من الميليشيات الموالية لإيران
بعد أن حلّ الاحتلال الأمريكي الجيش العراق والأجهزة الأمنية العراقية الوطنية، شكل قوات الأمن في العراق من الأحزاب وميليشياتها الموالية لإيران التي تعاونت مع الاحتلال على غزو العراق، ومنها منظمة بدر، وجيش المهدي، وحزب الدعوة، ومن قوات البيشمركة الكردية، وسلمتها وزارة الداخلية وأصبحت هذه القوات الأداة الأبرز في تنفيذ مخططات الاحتلال الأمريكي والإيراني. وقد مارست هذه القوات القتل والخطف والتغييب والتطهير الجماعي على الفلسطينيين، وقد أصدرت هيئة علماء المسلمين فتوى تحرم وتدين وتستنكر تأسيس القوات العراقية من هذه الميليشيات، وبينت أن الهدف من ذلك جعل العراق ساحة للفوضى، وإبقائه هشًا ضعيفًا يسهل التحكم به؛ وأكدت الهيئة على ضرورة بناء الجيش على أسس مهنية ووطنية، وأوضحت رؤيتها في ذلك كما جاء في نص الفتوى([50]).
ولذلك كانت الانتهاكات التي تمارسها وزارة الداخلية على العراقيين والفلسطينيين بإشراف الاحتلال الأمريكي الذي عين الجنرال ستيفين كاستيل، وجيمس ستيل، مستشاران لوزارة الداخلية والدفاع وهما يديران عمليات الاستهداف لإشاعة الطائفية والمذهبية بين العراقيين وكان استهداف الفلسطينيين في ضمن هذا المشروع الخبيث، وقد وثقت مئات الانتهاكات ضد الفلسطينيين من قبل وزارة الداخلية([51]).
ثالثًا: الإشراف الإيراني المباشر على الميليشيات في العراق
لم يعد خافيًا على عاقل أن الميليشيات في العراق هي تدين بالولاء المطلق لإيران، وهي الأداة الأبرز لتنفيذ مخططاتها في العراق والمنطقة، فضلًا عن تعاونها مع الاحتلال الأمريكي في غزو واحتلال العراق، بل كانت هي الأداة الأبرز التي رسخت الاحتلال الأمريكي والتغول الإيراني في العراق، وهناك تصريحات لقادة الميليشيات موثقة تظهر أن الميليشيات ليست لديها عداء ضد الكيان الصهيوني وإنما عداؤها للدول العربية حصرًا، ومن هذه التصريحات تصريح: أبو مهدي المهندس، أحد أهم وأبرز قادة إيران في العراق، عندما صرح بأنه لا يتمنى دمار إسرائيل ولكن دمار السعودية؛ وهذه الميليشيات يقودها الحرس الثوري الإيراني وتأخذ توجيهاتها منه، واستهداف الفلسطينيين كان بتوجيه من الحرس الثوري الإيراني الذي توافق مع التوجهات الأمريكية والصهيونية في استهداف الفلسطينيين في العراق.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأحزاب التي حكمت العراق بعد الاحتلال هي أحزاب شيعية تذعن بالولاء لإيران، ولو لم تكن إيران تريد استهداف الفلسطينيين في العراق لمنعت ذلك مثلما منعت استهداف بعض الأقليات في العراق ودعمت وجودها وتمددها، فضلًا عن أن الميليشيات تتحرك وفق التوجيهات الإيرانية.
رابعًا: بيانات الهيئة وتصريحاتها بالجهات التي تستهدف الفلسطينيين
أكدت وكشفت هيئة علماء المسلمين في العراق الجاهات التي كانت تستهدف الفلسطينيين في العراق، ووثقت بعض الانتهاكات التي تعرض لها الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال والقوات الحكومية وميليشياتها الموالية لإيران، وقد كشفت الهيئة في بيانها مخطط هذه الجهات بتهجير الفلسطينيين من العراق بعد أن غُيّب وقتل منهم المئات، ووثقت الهيئة أيضًا الأساليب القمعية في استهداف الفلسطينيين من قبل هذه الجهات، ومن الجرائم التي وثقتها الهيئة جريمة اقتحام قوات الاحتلال مجمع البلديات وانتهاكها لحقوق الفلسطينيين واعتقال عدد من النساء والرجال، وأيضًا توثيقها قصف مجمع البلديات من قبل الميليشيات الموالية لإيران واستشهاد (7) فلسطينيين وإصابة (20) شخصًا، وأيضًا توثيقها اختطاف (27) فلسطينيًا من منطقة الكرادة في بغداد من قبل قوات حكومية([52])، وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات والأجهزة الحكومية ضد الفلسطينيين.
هذه هي أوضاع الفلسطينيين في العراق بعد الاحتلال ومعاناتهم التي لم تنته في ظل وجود هذه الحكومات الموالية لإيران التي استهدفت خمسين ألف فلسطيني في العراق، ولم تبق منهم إلا ثلاثة آلاف تقريبًا، لا يأمنون على أرواحهم في ظل غياب القانون، وسيطرة الميليشيات الطائفية الموالية لإيران، ووجود تخادم أمريكي إيراني صهيوني، فضلًا عن عدم وجود اهتمام فلسطيني جاد وحقيقي بقضاياهم؛ لا من حكومة السلطة، ولا من المنظمات السياسية أو فصائل المقاومة.
*******
المبحث الرابع
العلاقة بين أمريكا وإيران والكيان الصهيوني
من يتابع الحرب الإعلامية بين إيران وبين أمريكا والكيان الصهيوني سيتصور للوهلة الأولى أن هناك عداءً وصراعًا محتدمًا بينهم، وربما قضية الرهائن الأمريكان والحصار الجزئي الأمريكي على إيران تعزز هذا التصور، ويمكن أن يُعذر أصحاب هذا التصور قبل احتلال العراق وأفغانستان، لأنه ممكن أن يكون قد انخدع بالخلافات بين الطرفين أو أن المؤشرات تذهب بهذا الاتجاه، ولكن في السنوات الأخيرة أظهرت الدلائل والشواهد العملية الإيرانية والأمريكية ومعها الكيان الصهيوني، أن هناك تعاونًا مشتركًا بين هذه الأطراف الثلاثة وتخادم واضح بينهم، وإذا قورن هذا التعاون مع القضايا الخلافية سيترجح بما لا يقبل الشك أن العلاقات بين هذه الأطراف وطيدة وممتدة، ومن الدلائل على ذلك:
أولًا: تعاون أمريكا والكيان الصهيوني مع إيران في احتلال العراق ثم تسليمه لإيران
هناك اعترافات صريحة وموثقة من مسؤولين إيرانيين بأن إيران ساعدت أمريكا في احتلال العراق، ومنها ما قاله نائب الرئيس الإيراني محمد أبطحي، نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي حيث قال: لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال العراق وأفغانستان. وقد كرر رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هذه العبارة في نفس الإطار عندما قال: لولا إيران لما سقطت كابل وبغداد؛ والتعاون عن طريق تحريك أحزابها وميليشياتها في خدمة الاحتلال الأمريكي، مثل المجلس الأعلى، وحزب الدعوة، وجيش المهدي وغيرهم، وبسبب ذلك نالت إيران حصتها من الاحتلال في كلا البلدين.
وقد اعترف بعض المسؤولين العرب بأن أمريكا تسعى لتسليم العراق إلى إيران؛ ومن هذه التصريحات تصريح وزير الخارجية السعودي (سعود الفيصل) التي قال فيها: “إن أمريكا قدمت العراق لإيران على طبق من فضة”([53]). وقد حذر من هذا الخطر المسؤولون في الأردن وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني([54]). ونشرت السياسة الكويتية بتأريخ (3/3/2006م) عن السيد عبد الله جول وزير الخارجية التركي تحت عنوان: تركيا تحذر من مخطط إيراني للسيطرة على العراق وتصدير الثورة إلى الخليج([55]).
ثانيًا: تعاون أمريكا وإيران وميليشياتها في القضاء على انتفاضة العشائر العراقية
بعد انطلاق انتفاضة العشائر العراقية في المحافظات الست بسبب الظلم والجور الذي وقع عليهم؛ اشتركت أمريكا والحرس الثوري الإيراني بقيادة المجرم قاسم سليماني وميليشيا الحشد الشعبي، في وأد هذه الانتفاضة التي أعقبها حرب إبادة ضد محافظات (الأنبار، وبعض مدن بغداد، وديالى، وصلاح الدين، ونينوى، والتأميم)، وقد تم تدميرها بشكل شبه كامل؛ فكانت القوات الأمريكية تقصف بطائراتها هذه المدن مرتكبة مجازر جماعية بحق الأطفال والنساء والشباب، وتدخل ميليشيات الحشد الشعبي بقيادة المجرم قاسم سليماني مع بعض عناصر من ضباط الحرس الثوري الإيراني، وقادة الميليشيات في العراق أبي مهدي المهندس، وهادي العامري، وقيس الخزعلي وآخرين، لتكمل حرق المدن وقتل الأبرياء ودفنهم في مقابر جماعية، وقد ذهب ضحية هذه الجهات أكثر من (50) ألف شخص في الموصل وحدها، فضلًا عن آلاف المغيبين منذ أكثر من (5) سنوات من هذه المحافظات مع ثبوت اعتقالهم من قبل الميليشيات الإجرامية الموالية لإيران بقيادة قاسم سليماني الذي كان يقود جميع الميليشيات في العراق، باعتراف قادة الحشد في العراق، وقد وثقت المشاهد الفيديوية مشاركة المجرم قاسم سليماني في قيادة المعارك ضد الأبرياء في العرق، وهنا نؤكد على أن سلاح الجو الأمريكي كان يحمي قادة الحرس الثوري الإيراني من الجو.
ثالثًا: تعامل أمريكا مع أذرع إيران في العراق
تمثل الميليشيات في العراق وأحزابها الشيعية النفوذ الإيراني في العراق، وتعد هذه الجهات الأذرع الرئيسة لإيران في العراق والمنطقة، وقد تعاملت أمريكا مع الأذرع الإيرانية في العراق بعد الاحتلال بشكل سلس ومتفق عليه؛ فكانت هذه الجهات هي رأس الرمح في غزو العراق وترسيخ الاحتلال، وهي مؤسسة ومدرّبة في إيران، مثل: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة (عبد العزيز الحكيم)، وجناحه المسلح (فيلق بدر)، وحزب الدعوة، و(جيش المهدي) بزعامة (مقتدى الصدر)، وهؤلاء هم عصب النظام العراقي الجديد في ظل الاحتلال، وحتى على مستوى المرجعيات الدينية قام الأمريكان بمساعدة الإيرانيين في تهميش كل المراجع الشيعية (العراقية) مثل: (فاضل المالكي)، و(أحمد البغدادي)، و(جواد الخالصي)، وغيرهم كثير، وتم التعامل حصرًا مع (علي السيستاني) وهو إيراني الجنسية.
رابعًا: محاولات القضاء على المقاومة العراقية
كان من المفترض أن تدعم إيران المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي لو كان فعلًا هناك صراعًا حقيقيًا بينهمًا، إلا أن إيران كان لها دور أساسي في وأد المقاومة العراقية عن طريق أدواتها الحكومية والميليشياوية واستهدافها حواضن المقاومة العراقية وإيقاع أشد التنكيل والانتهاكات بحقهم، وحتى الشخصيات السنية البارزة وعلماء الدين تم اغتيالهم أو تغييبهم أو قتلهم عن طريق أذرع إيران في العراق. وقد ثبت أن بعض ضباط التحقيق الذين كانوا يشرفون على تعذيب المعتقلين هم من الإيرانيين، وبهذا يتضح أن إيران وأمريكا يخدم بعضهم بعضًا في العراق. وزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى العراق تحت حماية القوات الأمريكية وفي ظل الاحتلال إشارة واضحة إلى وجود توافق بين الطرفين.
خامسًا: مساعي القضاء على المعارضة الإيرانية في العراق
اشتركت القوات الأمريكية مع الإيرانيين وحكومات الاحتلال في العراق بالقضاء على المعارضة الإيرانية المسلحة (مجاهدي خلق) في العراق فبعد احتلال العراق اتجهت القوات الأمريكية إلى هذه المعسكرات وحاصرتها وأجبرتها على نزع سلاحها، ثم استمر استهدافهم من قبل الميليشيات والقوات الحكومية إلى أن تم تهجيرهم من العراق مع أنها معارضة ضد النظام الإيراني الذي تدعي أمريكا أنها ضده وتريد إسقاطه!.
سادسًا: الصمت الأمريكي عن تهديدات الحوثيين واحتلال إيران جزر إماراتية
من المؤشرات على التعاون الإيراني الأمريكي هو صمت الإعلام الأمريكي حول احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث على الرغم من أن الإمارات تُصنّف على أنها قريبة من الولايات المتحدة.
ولعل من أبرز التخادم الإيراني الأمريكي ما يجري في سوريا منذ عدة سنوات وما يجري في اليمن وتعاون أمريكا في القضاء على تنظيم القاعدة في اليمن وتركها ميليشيات الحوثي وعدم استهدافهم على الرغم من تهديد ميليشيا الحوثي للملاحة البحرية واستهدافها دول تخضع للحماية الأمريكية.
سابعًا: تعاون إيران مع الكيان الصهيوني
ثبت يقينًا وجود تعاون مشترك بين إيران والكيان الصهيوني على مدى سنوات طويلة؛ إلّا أن بعضهم لا يريد أن يعترف بهذه الحقائق، ويضرب عنها صفحًا؛ مراعاة لحسابات واعتبارات عدة، تتقاطع جميعها مع ضرورة اتخاذ الموقف المتوازن من هذه القضية، أو النظر بعين مراعاة (شعور الأمة) والإحساس بآلامها التي تكابدها عدد من أقطارها؛ نتيجة الاستهداف الإيراني الذي تسبب بقتل وتغييب وتشريد الملايين من أبنائها؛ ومن الدلائل على وجود تعاون إيراني مع الكيان الصهيوني هي:
أولًا: ما عرف في وقتها بفضيحة: (إيران غيت أو إيران كونترا) وينسب اسمها إلى صفقة سرية لبيع الأسلحة بين أمريكا وإيران بوساطة الكيان الصهيوني، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها “عدوة لأمريكا” و”راعية للإرهاب”.
فقد كُشف تصدير السلاح من الكيان الصهيوني إلى إيران في (18/7/1981م)، بعد أن أسقطت الدفاعات السوفيتية طائرة أرجنتينية تابعة لشركة أروريو بلنتس، وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران والكيان الصهيوني محملة بأنواع السلاح وقطع الغيار، وكانت الطائرة قد ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية، وقد نشرت صحيفة التايمز اللندنية تفاصيل دقيقة عن الجسر الجوي المتكتم عليه بين إيران والكيان الصهيوني، وقد انكشف للعالم حينها أن سيلًا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر الكيان الصهيوني إلى طهران، وينص الاتفاق السري بين أمريكا والكيان الصهيوني وإيران التي كانت تخوض آنذاك حربًا ضد العراق على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل قطع غيار طائرات، وثلاثة آلاف صاروخ مضاد للدروع وصواريخ مضادة للطائرات. وهناك تقارير تؤكد أن نسبة 80% تقريبًا من الأسلحة التي اشترتها طهران في حربها ضد العراق صُنعت في إسرائيل.
والاتفاق تم في وقتها في باريس بين جورج بوش الأب، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر والموساد الإسرائيلي.
والحقيقة التي اعترفت بها إسرائيل هو أن انتصار إيران في حرب الخليج لا يضر بإسرائيل ولكن التخوف هو إذا انتصر العراق، ولذلك صرح ديفيد كيمحي أحد قادة الموساد: “بأن العراق دولة عربية وكان لدينا تخوف من انتصارها ضد إيران، وأمن إسرائيل كان مهددًا وشعرنا أننا قد نفعل كل شيء لمنع العراق من الانتصار في الحرب على إيران، وكنا على يقين بأن الأسلحة المقدمة من جانبنا لإيران لا يمكن أن تستخدم يومًا ضد إسرائيل”([56]).
ثانيًا: استهداف الفلسطينيين في العراق
اشتركت أمريكا وإيران والكيان الصهيوني في استهداف من يشكل خطرًا على هذه الجهات الثلاث، ولذلك اجتمعوا على استهداف الفلسطينيين في العراق وتهجيرهم، وسعوا حثيثًا لتشويه صورة المقاومة العراقية والقضاء عليها والتأثير على بنية المجتمع العراقي وتشتيتها لأغراضهم ومصالحهم.
ثالثًا: التغلغل الإيراني في سوريا
مما لا يخفى على عاقل أن إيران أصبحت رقمًا صعبًا في سوريا وقواتها من الحرس الثوري الإيراني تسيطر على مساحات واسعة من سوريا؛ وهذا يشير بوضوح إلى أن هناك اتفاقًا بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى يسمح لإيران بالتمدد في سوريا وبعض الدول العربية، وإلّا لو كان هناك عداءٌ حقيقيٌ بين الطرفين لما سمحت أمريكا أو إسرائيل بتواجد قوات وميليشيات إيرانية على مقربة من الكيان الصهيوني، سواء في لبنان عن طريق ميليشيا حزب الله، أو في سوريا من خلال تواجد الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية حتى تحولت سورية إلى معسكر تابع لإيران سياسيًا واقتصاديًا ودينيًا؛ وهذه كلها مؤشرات واضحة على وجود تعاون بين الجانبين.
والكيان الصهيوني مستفيد من تقاسم النفوذ مع إيران خصوصًا من استعداء العرب لإيران للتخفيف من العداء العربي ضد إسرائيل، وكأن هناك اتفاقًا على تقاسم العداء بين إيران وإسرائيل؛ وهذا ما يحصل على أرض الواقع، فهناك كثير من العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل بعد أن عاثت إيران في البلاد العربي فسادًا وقتلًا وتهجيرًا.
واستكمالًا لبيان الصورة فالتعاون الأمريكي الصهيوني الإيراني لا يمنع من وجود خلافات قوية بين هذه الأطراف في بعض الملفات ومن أهمها على سبيل المثال مشروع إيران النووي.
هذا يعني أنه على الرغم من الحرب الإعلامية الإيرانية ضد إسرائيل إلا أن واقع الحال يؤكد التعاون والتخادم مستمر بين هذه الأطراف، وأن الحرب الإعلامية هي وسيلة إيرانية لخلق شعور عربي معاد لإسرائيل تتجمع حوله جميع الدول المسلمة في المنطقة بزعامة إيران، ولكن هذا لا ينفي أن هناك تنافسًا كبيرًا بين إيران والكيان الصهيوني للحصول على المكاسب في المنطقة خصوصًا بعد أن خرج العراق كقوة في المنطقة.
وربما يُشكل على هذه المؤشرات أزمة (المشروع النووي الإيراني)، بين إيران وأمريكا والكيان الصهيوني، إلا أن هذا لم يمنع هذه الأطراف من التخادم فيما بينها، وحتى الملف النووي الإيراني لو أمعنا النظر بدقة لوجدنا أنه يسير دون توقف، ولو كان هذا المشروع في دولة عربية لواجهته أمريكا والكيان الصهيوني بكل قوة وحزم مثلما فعلوا بمشروع الملف النووي العراقي.
ومما نجحت إيران به سياسيًا؛ هو استمالة بعض الجماعات والفصائل الجهادية من خلال الاستفادة من دعايات الحرب الإعلامية بين إيران وأمريكا، وبين إيران والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وما تتضمنه هذه المساجلات الإعلامية من تهديدات محسوبة تطلقها هذه الأطراف ضد بعضهم؛ وهذا جعل بعضهم يتردد في إدانة إيران أو يمتنع عن ذلك؛ لأن إدانتها تعني عنده الاصطفاف مع الأمريكان والصهاينة، مع أنه لا تلازم بين الأمرين: عقلًا ومنطقًا وسياسة؟! فضلًا عن مراعاة مقتضيات الدعم الذي تقدمه إيران لبعض الجماعات المقاومة، ولذلك يتم التغاضي عن بحث حقيقة الدور الإيراني الصهيوني في العراق والمنطقة بصورة جادة وصحيحة ومنصفة.
وإذا ما توقفنا قليلاً عند هذا (التوهم) -إحسانًا بالظن- فإنه لا نجد مبررًا يمكن أن يترتب على من يقعون في هذا الوهم؛ إذا ما هم قارنوا أو سألوا الإيرانيين عن سبب دعمهم للميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسوريا، ومحاربتها للمقاومين الحقيقيين للاحتلال الأمريكي في العراق، فضلًا عن سبب استهدافهم للفلسطينيين في العراق ولبنان؛ فضلًا عن البحث عن سبب دعمهم للميليشيات والأحزاب الموالية لهم التي ساعدت المحتل في غزو واحتلال وترسيخ وجوده في العراق.
أما إذا كان هذا السكوت عن جرائم إيران بحق المسلمين في العراق وسوريا واليمن ولبنان مراعاة لمصالح حركة مقاومة تواجه العدو المشترك (المشروع الصهيوني الأمريكي) فهذا ممكن أن يفهم في إطار محدد؛ لكن أن يفشل بعضهم في تحقيق التوازن بين مراعاة الأمرين، أو يتمادى بعضهم في ذلك، ويبتعد عن محددات هذه المراعاة، وبما يصادم مسلمات المقاومة نفسها ومقتضيات مصلحة السواد الأعظم من الأمة؛ فإنه حينذاك لا يكون مقبولًا ولا يمكن تبريره، فما بالك بالتمادي في وصف بعض المجرمين المسؤولين عن قتل آلاف المسلمين بالشهداء إيجابية وتمجيدهم، واتهام الأمة والمفجوعين بمقتل أبنائهم باتهامات غير لائقة، وجعلهم بمثابة حالة (شذوذ) في الأمة؛ لأنهم يلعنون من قتل وشرد ملايين المسلمين؛ فهذا لا يمكن فهمه أو استساغته أو التجاوز عن نقده.
ولا سيما أن المقاومة العراقية التي تجابه وتحارب المحتل كما تفعل صنوها المقاومة الفلسطينية؛ قد أثبتت بالأدلة والشواهد التعاون الإيراني الأمريكي في احتلال العراق، الذي لولاه لتمكنت المقاومة العراقية من إنهاء المشروع الأمريكي الصهيوني الإيراني منذ وقت مبكر. وقد رأينا جميعًا تداعيات احتلال العراق على مستقبل المنطقة والعالم كله، ورأينا أيضًا كيف استطاعت إيران أن تنجح في تحقيق كثير من أهداف المشروع الصهيوني الأمريكي، وتنزع العراق من حضنه العربي لصالحها وصالح أمريكا والكيان الصهيوني.
ولعل من أهداف سماح أمريكا والكيان الصهيوني لإيران أن تدعم المقاومة الفلسطينية هو تجريد هذه المقاومة من الدعم العربي والإسلامي الشعبي، ولا سيما أن التصريحات التي يطلقها بعض قادة المقاومة الفلسطينية قد أصبحت مستفزة جدًا وغير مراعية بالمرة لحالة الشعوب العربية والمسلمة ومنظماتها وجهودهما في سبيل قضية فلسطين، ومتعالية على مشاعرها، مع أنها هي السند الحقيقي لهذه المقاومة بعد الله وقبل إيران والأنظمة العربية.
الخاتمة
لم تقتصر تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق عام (2003م) على العراقيين فحسب بل كان نقطة تحول سيئة جدًا على الفلسطينيين في العراق وبداية فصل آخر من التهجير القسري والاستهداف الممنهج والهجرة إلى الصحراء الجرداء ينتظرون الموت على أمل أن يجدوا من يحنو عليهم وينقذهم من آفة الموت والهلاك.
منحت الحكومات العراقية قبل الاحتلال اللاجئين الفلسطينيين حقوقًا لم يحصلوا عليها أمثالهم من اللاجئين في الدول الأخرى سواء في التعليم المجاني أو الصحة أو العمل والوظائف الحكومية أو حرية المهنة والتجارة التي كانت بدون قيد أو شرط.
تآمر على تهجير الفلسطينيين من العراق بعد الاحتلال وأوغل في معاناتهم، عدة جهات، أبرزها: قوات الاحتلال الأمريكي خدمة للكيان الصهيوني المتخفي تحت عباءة هذه القوات، وإيران باستخدام أدواتها في العراق وهي الأحزاب الحاكمة وميليشياتها الموالية لإيران، والحكومات المتعاقبة بعد احتلال العراق؛ وبدأ مسلسل استهداف الفلسطينيين بشكل مباشر في أول أيام احتلال العراق من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والمتعاونين معه، وتنوع استهدافهم قتلًا واعتقالًا وتغييبًا وقصفًا للمجمعات السكنية فضلًا عن القرارات والقوانين المجحفة بحقهم ومحاولة شيطنتهم إعلاميًا.
نجح المتآمرون على فلسطينيي العراق ببلوغ هدفهم فبعد أن كان عدد الفلسطينيين خمسين ألف فلسطيني قبل الاحتلال عام (2003م) لم يبق منهم إلا ثلاثة آلاف فلسطيني تقريبًا وهؤلاء لو توفرت لهم أسباب الخروج لما بقي أحد منهم في العراق، لأن معاناتهم مستمرة في ظل وجود هذه الحكومات الموالية لإيران، ووجود تخادم أمريكي إيراني صهيوني، فضلًا عن عدم وجود اهتمام فلسطيني جاد يتناسب مع الحدث؛ لا من حكومة السلطة، ولا من المنظمات السياسية أو فصائل المقاومة.
بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين بعد الاحتلال على يد القوات الأمريكية والعراقية والميليشيات أكثر من (600) فلسطيني من غير المفقودين الذين بلغ عددهم (550) فلسطينيًا، فيما بلغت الاعتداءات الموثقة (809) اعتداءً، وأكثر من ألف معتقل، فضلًا عن مئات المصابين، والانتهاكات وحالات القتل غير الموثقة.
أظهرت الدلائل والشواهد العملية الإيرانية والأمريكية ومعها الكيان الصهيوني، أن هناك تعاونًا مشتركًا بين هذه الأطراف الثلاثة وتخادم واضح بينهم، وإذا قورن هذا التعاون مع القضايا الخلافية سيترجح بما لا يقبل الشك أن العلاقات بين هذه الأطراف وطيدة وممتدة، ودلائل هذه الأمور متعددة مثل تعاونهم في احتلال العراق وتدميره، وتعامل أمريكا مع أذرع إيران في العراق، وتعاونهم في محاولة القضاء على المقاومة العراقية، ووأد انتفاضة العشائر، والقضاء على المعارضة العراقية. والصمت الأمريكي وغضها الطرف عن تهديدات الميليشيات الموالية لإيران للدول القريبة من الولايات لمتحدة، فضلًا عن تعاون الكيان الصهيوني النظام الإيراني في عدة قضايا في العراق والمنطقة وعلى رأسها استهداف الفلسطينيين في العراق ولبنان، وحماية القوات الأمريكية لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم المجرم قاسم سليماني في استهداف الفلسطينيين والعراقيين والسوريين وغيرهم.
المصادر والمراجع
- بيانات هيئة علماء المسلمين في العراق، إصدارات هيئة علماء المسلمين في العراق، قسم الثقافة والإعلام، مؤسسة البصائر، بغداد وإسطنبول، ط 1، 2016م.
- التصريحات الصحفية لهيئة علماء المسلمين في العراق، إصدارات هيئة علماء المسلمين في العراق، قسم الثقافة، مؤسسة البصائر، بغداد وإسطنبول، ط 1، 2021م.
- تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش) بعنوان: (لا مفر الوضع الخطير للفلسطينيين في العراق)، 2006م.
- تقرير منظمة العفو الدولية عن أوضاع الفلسطينيين في العراق، نيسان 2006م.
- الخطر الإيراني يتمدد، مجلة البيان، بتأريخ: 26/6/2013م.
- فلسطين والقدس في أدبيات هيئة علماء المسلمين، دراسة توثيقية في بيانات الهيئة وتصريحاتها الصحفية، إعداد القسم السياسي، مؤسسة البصائر ، ط 1، 2021م.
- الفلسطينيون في العراق: رابع تهجير للمهجَّر منشور على موقع العربي الجديد بتأريخ 7/8/2015م ، رابط https://www.alaraby.co.uk/.
- الفلسطينيون في العراق، تقرير أعده الدكتور هيثم مناع، المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان إثر زيارة للعراق من 10 إلى 17 حزيران (يونيو) 2003م. وهو من منشورات اللجنة العربية لحقوق الإنسان بتأريخ 24/06/2003م، رابط: https://ar.achr.eu/reports/vhf’ .
- الفلسطينيون في العراق، عصام سخنيني، بحث منشور في مجلة شؤون فلسطينية العدد 13، أيلول 1972م.
- قراءة مقاصدية في بيانات هيئة علماء المسلمين المتعلقة بالجيش والشرطة، د. ثامر العلواني، منشور في كتاب (المقاصد الشرعية بين الإعمال والإهمال في الدراسات الحديثة والمعاصرة)، إصدارات هيئة علماء المسلمين في العراق، مؤسسة البصائر، ط 1، 2020م.
- اللاجئون الفلسطينيون في العراق إعداد قسم الأرشيف والمعلومات، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت.
- اللاجئون الفلسطينيون في العراق من النكبة 1948م إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي 2003م، عز الدين محمد، مركز الغد العربي للدراسات، دمشق، 2007م.
- اللجوء والاضطهاد؛ اللاجئون الفلسطينيون في العراق 1948م _2010م، الدكتور ناهض خميس زقوت، دار دجلة، عمّان، ط 1، 2015م.
- المشروع الأسود بين إسرائيل وإيران، سارة شريف، دار كنوز للنشر، ط 1، 2016م.
- موقع الـ (BBC) عربي، رابط:
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4267000/4267448.stm
- موقع الجزيرة نت، رابط:
- ورشة عمل لدائرة شؤون اللاجئين، منظمة التحرير الفلسطينية بتأريخ: 21/2/2007م، غرفة تجارة والصناعة رام الله.
([1]) منهم على سبيل المثال: عاكف الوحش.
([2]) اللجوء والاضطهاد؛ اللاجئون الفلسطينيون في العراق 1948-2010م، الدكتور ناهض خميس زقوت: 49.
([3]) انظر: الفلسطينيون في العراق، عصام سخنيني، بحث منشور في مجلة شؤون فلسطينية العدد 13/ أيلول 1972م: 90.
([5]) انظر: الفلسطينيون في العراق، عصام سخنيني: 91.
([6]) انظر: الفلسطينيون في العراق؛ تقرير أعده هيثم مناع للجنة العربية لحقوق الإنسان: 4.
([7]) انظر: تقرير الكاتب والصحفي عثمان المختار بعنوان: الفلسطينيون في العراق: رابع تهجير للمهجَّر منشور على موقع العربي الجديد بتأريخ 7/8/2015م، رابط https://www.alaraby.co.uk/.
([8]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق إعداد قسم الأرشيف والمعلومات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت: 20.
([9]) انظر: تقرير هيومن رايتس ووتش بعنوان لا مفر الوضع الخطير للفلسطينيين في العراق: 3.
([10]) انظر: اللجوء والاضطهاد: 156.
([11]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق إعداد قسم الأرشيف والمعلومات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت: 21.
([12]) انظر: اللجوء والاضطهاد: 194.
([13]) انظر: تقرير ألقاه محمود الجمالي منسق عام الشبكة الأهلية لمساعدة فلسطينيي العرق أمام مقر الأمم المتحدة في غزة؛ ونقله ناهض زقوت في كتابه اللجوء والاضطهاد: 180.
([14]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق من النكبة 1948م، إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي 2003م، عز الدين محمد: 74 .
([15]) انظر: اللجوء والاضطهاد: 462.
([16]) انظر: المصدر نفسه: 467.
([17]) انظر: المصدر السابق: 526.
([18]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق من النكبة عام 1948م، إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي 2003م، عز الدين محمد: 99.
([19]) انظر: فلسطين والقدس في أدبيات هيئة علماء المسلمين، دراسة توثيقية في بيانات الهيئة وتصريحاتها الصحفية: 123.
([20]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق تقرير مركز الزيتونة: 26.
([21]) قرار مجلس قيادة الثورة رقم 202. الصادر في سنة 2001م.
([22]) انظر اللاجئون الفلسطينيون في العراق من النكبة إلى ما بعد الاحتلال: 92.
([23]) انظر: بيان هيئة علماء المسلمين في العراق برقم (1302).
([25]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 84.
([26]) انظر: تقرير منظمة العفو الدولية في نيسان 2006م، واللاجئون الفلسطينيون في العراق: 82.
([27]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 86.
([28]) انظر: اللجوء والاضطهاد: 150.
([29]) انظر: المصدر نفسه: 242.
([30]) انظر: تقرير هيومن رايتس ووتش بعنوان: (لا مفر الوضع الخطير للفلسطينيين في العراق): 2.
([32]) انظر: تقرير لا مفر: 13.
([34]) انظر: تقرير لا مفر: 14.
([35]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون: 77.
([36]) انظر: تقرير لا مفر: 14.
([38]) انظر: تصريح هيئة علماء المسلمين في العراق بتأريخ 14/12/2006م.
([39]) انظر: تقرير لا مفر: 32.
([40]) انظر: تصريح هيئة علماء المسلمين بتأريخ 23/1/2007م.
([41]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون: 99.
([45]) انظر: اللاجئون الفلسطينيون: 111.
([47]) انظر: تقرير مراسل مجلة فلسطين المسلمة عن أوضاع اللاجئين في العراق. ذكر التقرير ناهض زقوت في كتابه اللجوء والاضطهاد: 196.
([48]) انظر: تقرير لا مفر: 2، و 25.
([49]) انظر: ورشة عمل لدائرة شؤون اللاجئين، منظمة التحرير الفلسطينية بتأريخ 21/2/2007م، غرفة تجارة والصناعة رام الله: 15.
([50]) انظر: فتوى الهيئة بتأريخ (5/12/2003م) بعنوان (فتوى وبيان) (حول الميليشيات العسكرية)؛ في: قراءة مقاصدية في بيانات هيئة علماء المسلمين المتعلقة بالجيش والشرطة، د. ثامر العلواني: 9.
([51]) انظر: اللجوء والاضطهاد: 218.
([52]) انظر: كتاب فلسطين والقدس في أدبيات هيئة علماء المسلمين دراسة توثيقية في بيانات الهيئة وتصريحاتها (2003_2018م) بيان رقم 819 وبيان رقم 1302: 75، 107، والتصريحات الصحفية لهيئة علماء المسلمين في العراق: 123 _130.
([53]) انظر: التصريح موقع ال (BBC) عربي، رابط:
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4267000/4267448.stm
([54]) انظر: تصريحات الملك عبد الله في الرابط: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/4/19
([55]) انظر: الخطر الإيراني يتمدد، مجلة البيان، لندن، بتأريخ: 26/6/2013م.
([56]) انظر: المشروع الأسود بين إسرائيل وإيران، سارة شريف: 104.