إعداد الطالبة: علا حب رمان

 إشراف: الدكتور محمد همام ملحم

مراجعة وتدقيق: الأستاذ ياسر القادري

1443 هـ / 2022 م

مقدمة

         كثيراً ما يتحدث القرآن عن بني إسرائيل؛ فقد ذكر جانباً من ماضيهم، وقصصهم مع أنبيائهم، ثم حدَّث القرآن عن موقفهم من الدعوة الإسلامية، وجانباً من قصصهم في تلك المرحلة، وتناول الحديث عن أخلاقهم وما تنطوي عليه نفوسُهم، ونظرتهم إلى غيرهم من الأمم الأخرى، وقد فصَّل القرآن جانباً كبيراً من صفاتهم وأفاض في الحديث عنهم.

       ولكثرة ذكر بني إسرائيل في القرآن الكريم يظن القارئ أن القرآن نزل عليهم، لذا فقد أُلِّفت كتب عديدة تناولت قصص بني إسرائيل وأخبارهم في القرآن، وقد اخترت في هذا البحث أن أُركِّز على آية من القرآن وما ورد في كتب التفسير حولها، مستعينة بكتب التفسير التي وضحتها وتناولتها من جوانب مختلفة، متدرجة في كتب التفسير من كتب المتقدمين وانتهاء بكتب المتأخرين، لنستشرف من خلالها مستقبل بيت المقدس، كما تم اختيار قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ⁠لِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ⁠لِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ﴾ [آل عمران ١١٢] لتكون محل البحث والدراسة.

أسئلة البحث:

  • لماذا أكثر القرآن الكريم من الحديث عن بني إسرائيل؟
  • ما هو مفهوم الذلة والمسكنة؟
  • ما هو حبل الله وحبل الناس؟

مشكلة البحث:

     الناظر في واقع اليهود المعاصر، وفي علوهم وفسادهم، يتساءل عن الذلة والمسكنة التي ضربت عليهم، وكيف يتطابق ذلك مع واقعهم المعاصر؟ فهل هذه الآيات خاصة بزمن معين، أم أنهم أُلزموها أينما كانوا؟

خطة البحث:

     بعد النظر في موضوع البحث رأيت أن يقوم البحث على مقدمة وخمسة مطالب وخاتمة:      

المطلب الأول: كثرة ذكر بني إسرائيل في القرآن

المطلب الثاني: مفهوم الذلة والمسكنة

المطلب الثالث: حبل الله وحبل الناس

المطلب الرابع: واقع اليهود المعاصر

المطلب الخامس: استشراف المستقبل

المطلب الأول: أسباب كثرة ذكرهم في القرآن:

      لعل بيان سبب كثرة ذكر بني إسرائيل في القرآن الكريم يوضح لنا مفهوم ومنطوق الآية الكريمة، ويساعد في تفسيرها لا سيما أننا نستشرف المستقبل من خلالها، فما سبب تفصيل القرآن لجانب كبير من حياتهم، وما الحكمة منه؟

     يقول الدكتور صلاح الخالدي رحمه الله في أسباب ذلك: “أنهم أول من واجه الدعوة الإسلامية بالعداء والكيد والحرب في المدينة، وفي الجزيرة العربية كلها، كما تولوا بث الشبهات والشكوك والتحريفات حول العقيدة، وحول القيادة”، ويضيف الخالدي: “ولقد علم الله أنهم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله، وهم أيضاً أصحاب آخر دين قبل دين الله الأخير، وقد امتد تاريخهم قبل الإسلام فترة من التاريخ طويلة، ووقعت الانحرافات في عقيدتهم، ونقضوا مواثيقهم”.[1]

     وقيل لأنها من أعظم الأمم بعد أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى لله عليه وسلم كما في حديث المعراج ذكر بأن الأمم عرضت عليه بأنبيائها؛ فلما رأى بني إسرائيل ظن أنهم أمته لكثرتهم.[2]

     وقيل هو للبرهنة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وليقيم عليهم الحجة، فبين جانباً من صفاتهم، وحذَّر من غدرهم وسوء أخلاقهم، حتى يكون المسلمون على حذر منهم، ومن تقليد صفاتهم.[3]

المطلب الثاني: مفهوم الذلة والمسكنة

      بعد الاطلاع على مجموعة من التفاسير بدءاً من عصر الصحابة حتى نهاية القرن السابع الهجري، نجد أن أكثر المفسرين يفسرون (الذلة) بأنها الجزية، واختلفت أقوالهم حول (المسكنة)، ولكنها تحوم حول الفقر والحاجة والخضوع.

     قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الذلة) مذلة الْجِزْيَة ﴿أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟﴾ وجدوا لَا يقدرُونَ أَن يقومُوا إلا مَعَ الْمُؤمنِينَ، ﴿وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ﴾ جعل عَلَيْهِم زِيّ الْفقر.[4] وقال غيره: إن (الذلة) هي الجزية و(الْمَسْكَنَة) تعني الفقر.[5]

     ويقول الإمام الطبري رحمه الله: الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن لا يعطوهم أماناً على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم، و(المسكنة) في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة، وهي خشوعها وذلها.[6]

     ويرى الزجّاج في معنى كلمة (الذِّلَّة): الصغار، و(الْمَسْكَنَة): الخضوع.[7] ويرى ابن المنذر أن (الذلة) هي الجزية، ويدلل على ذلك بحديث يرويه عن الضحاك قال: “أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية”[8]. ووافقه ابن أبي حاتم رحمه الله بأن الذلة والمسكنة هي الجزية، وقال: أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين.[9]

     وفسر الماتريدي رحمه الله (الذلة) بأنها: قطع رجائهم من الآخرة؛ لما عصوا ربهم، وقال: هي الفقر والحاجة، وذلة الكسب والعمل، ولم يخالف ابن أبي زمنين في ذلك إلا أنه اعتبر أن (المسكنة) هي الجزية.[10] ونقل الواحدي عن عطاء بن السائب رحمه الله قوله: هي الكستينج وزي اليهودية، و(المسكنة): زي الفقر، فترى المثري منهم يتباءس مخافةَ أن يضاعف عليه الجزية، ولا يوجد يهودي غني النفس[11]. وقيل: (الذِّلَّة) هِيَ فَقْرُ الْقَلْبِ فَلَا تَرَى فِي أَهْلِ الْمِلَلِ أَذَلَّ وَأَحْرَصَ عَلَى الْمَالِ مِنَ الْيَهُودِ[12].

     ويرى الإمام الرازي رحمه الله أن الْمُرَادِ بِهَذَا الذُّلِّ أَقْوَالٌ؛ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَقْوَى، أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُحَارَبُوا وَيُقْتَلُوا وَتُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ وَتُمْلَكَ أَرَاضِيهِمْ وإلحاق الصغار بهم والمهانة.[13] ولم يخالف القرطبي رحمه الله أن (الذلة) هي الجزية.[14] وقال: هم أصحاب القبالات أي الجزية، يكاد يكون إجماع المفسرين أن (الذلة) هي الجزية.

المطلب الثالث: حبل الله وحبل الناس

     هناك مددان لبني إسرائيل، قضى بهما الله على بني إسرائيل، بعد أن ضرب عليهم الذلة والمهانة، فما المقصود بهذين الحبلين؟ وهل الاستثناء منقطع أم متصل؟

     قال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى: ﴿أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟﴾ وجدوا لَا يقدرُونَ أَن يقومُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ ﴿إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ إلاَّ بِالْإِيمَان بِاللَّه ﴿وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ عهد من الْأُمَرَاء بالجزية ﴿وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ﴾ استوجبوا بلعنة ﴿مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ﴾ جعل عَلَيْهِم زِيّ الْفقر.[15]

     وفصَّل الإمام الرازي رحمه الله موضوع الذلة وعلاقته بقوله تعالى: ﴿إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ وموضوع الاستثناء فيه فقال: الْمُرَادُ مِنَ الذِّلَّةِ هِيَ الْجِزْيَةُ فَقَطْ أَوْ هَذِهِ الْمَهَانَةُ فقط لأن قول إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يَقْتَضِي زَوَالَ تِلْكَ الذِّلَّةِ عِنْدَ حُصُولِ هَذَا الْحَبْلِ وَالْجِزْيَةُ وَالصَّغَارُ وَالدَّنَاءَةُ لَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ حُصُولِ هَذَا الْحَبْلِ، فَامْتَنَعَ حَمْلُ الذِّلَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَطْ، وَبَعْضُ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ، أَجَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، فَقَالَ: الْيَهُودُ قَدْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ، سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى عَهْدٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا فَلَا يَخْرُجُونَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الذِّلَّةِ إِلَى الْعِزَّةِ.[16]

لَكِنَّ اعتصامهم بحبل من الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ يُنْجِيهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذَّرَارِي وَاسْتِئْصَالِ أَمْوَالِهِمْ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُنْقَطَعُ، الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِۗ﴾ [البقرة ٦١] فَلَمْ يَسْتَثْنِ هُنَاكَ.

     وَذَهَبُ الزَّمَخْشَرِيُّ رحمه الله وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، قَالَ: وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ عَامِّ الْأَحْوَالِ، وَالْمَعْنَى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ اعْتِصَامِهِمْ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي: ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ. أَيْ لَا عز لهم قَطُّ إِلَّا هَذِهِ الْوَاحِدَةُ، وهي التجاؤهم الَى الذِّمَّةِ لِمَا قَبِلُوهُ مِنَ الْجِزْيَة.[17]

      وأورد ابن كثير رحمه الله ما يؤكد هذا المعنى في قول ابْنِ عَبَّاسٍ وجماعة من الصحابة والتابعين، فقال: ﴿إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ أَيْ: بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وَعَهْدٍ مِنَ النَّاسِ، هَكَذَا قَالَ مُجاهد، وعِكْرِمة، وعَطَاء، والضَّحَّاك، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، والرَّبِيع بْنُ أَنَس.[18]

     وفي تنوير المقباس فيما نقل عن ابن عباس: جعلت عَلَيْهِم مذلة الْجِزْيَة ﴿أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟﴾ وجدوا لَا يقدرُونَ أَن يقومُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ ﴿إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ إلاَّ بِالْإِيمَان بِاللَّه ﴿وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ عهد من الْأُمَرَاء بالجزية، ومما يؤكد أن حبل الله هو الايمان بالله؛ قوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [آل عمران ١٠٣] ﴿وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ﴾ استوجبوا بلعنة ﴿مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ﴾ جعل عَلَيْهِم زِيّ الْفقر.[19]

     وأكد هذا المعنى الإمام البقاعي رحمه الله؛ بأن الذلة ضربت في كل زمان وكل مكان معاملة منه لهم بضد ما أرادوا، فعوضهم عن الحرص على الرئاسة إلزامهم الذلة، وعن الإخلاد إلى المال إسكانهم المسكنة، وأخبر أن ذلك لهم طوق الحمامة غير مزائلهم إلى آخر الدهر: ﴿ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ﴾ وهي الانقياد كرهاً، وأحاطت بهم كما يحيط البيت المضروب بساكنه.[20]

المطلب الرابع: واقع اليهود المعاصر

     أصبح لليهود دولة وسلطان؛ وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، كيف يتطابق ذلك مع الآية الكريمة؟! هل الملك والدولة والسلطان يعنى زوال الذلة والمهانة عنهم؟ هل هم قائمون بأنفسهم؟

     ذكر الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله في تفسيره أن اليهود لا يملكون أي عزة ذاتية، إنهم دائماً في ذلة إلا أن يبتغوا العزة من جانب عهد وحبل من الله، أو من جانب حماية من الناس. ونحن نراهم على هذا الحال في حياتنا المعاصرة، لا بد لهم من العيش في كنف أحد؛ لذلك فعندما حاربنا (إسرائيل) في حرب أكتوبر، انتصرنا عليهم إلى أن تدخلت أمريكا بثقلها العسكري، فقال رئيس الدولة المصري: لا جَلْدَ لي أن أحارب أمريكا.[21]

     إذن لو كانت الحرب بيننا وبينهم فقط لانتهت قوتهم؛ فهم بلا عزة ذاتية، وتكون لهم عزة لو كانوا في جانب حبل من الله، أو حبل من الناس.

     أما المسكنة فهي في ذاتيتهم، وعندما تكون المسكنة ذاتية، فلا إنقاذ لهم منها؛ لأنه لا حبل من الله يأتيهم فينجيهم منها، ولا حبل من الناس يعصمهم من آثارها.[22]

المطلب الخامس: استشراف المستقبل

     بعد حرب وصراع ومؤتمرات ومؤامرات، أصبح لليهود دولة وسلطان وحبل من الناس يمدهم مادياً ومعنوياً في شرق الأرض وغربها، تأييداً ودعماً وإسناداً، فما شان هذه الدولة؟ كيف نستشرف المستقبل في ظل هذا الإمداد، وهذه الحبال الممدودة، وما هم عليه من علو واستكبار؟

     يعتبر صاحب كتاب التفسير القرآني للقرآن ما عليه اليهود من العلو، أن هذه الصحوة التي تبدو على ظاهرهم ليست إلا صحوة الموت، يرتدون بعدها ثوباً جديداً من أثواب الذلة والمسكنة، وذلك بلاء إلى بلاء، وعذاب فوق عذاب.. فإنه ليس أشق على نفس المكروب من أن تهبّ عليه نسمة من نسمات العافية، ثم تعصف به بعدها عاصفة عاتية، وتلقي به بعيداً إلى أسوأ مما كان، ثم يتنفس نفس الحياة.. ثم تضربه موجة عاتية من موجات البلاء.. وهكذا يتردد بين الحياة والموت.. فلا يجد الحياة، ولا يستريح بالموت.. وذلك هو العذاب الذي يعذّب الله به أصحاب النار.[23]

     وأعظم منها ما رجعوا به من غضب الله عليهم والطرد من رحمة الله تعالى، فمعنى ﴿وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ أي إنهم رجعوا مصاحبين غضب الله تعالى ملازماً لهم لَا ينفكون عن الغضب، بل إنه يلازمهم في كل أدوار حياتهم.[24]

       واليهود يستشرفون هذا المستقبل ويتنبأون به؛ يقول وزير الخارجية الأميركي الأسبق “هنري كيسنجر”: في غضون 10 سنوات لن يكون هناك إسرائيل.[25]

     ومراكز الدراسات الاستراتيجية والشخصيات السياسية العالمية ذات المعرفة والخبرة بالشؤون الإسرائيلية، على خلفية الهزائم والإخفاقات التي مُنيَ بها العدو الصهيوني خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى أشكال التفكك والتصدع والانكماش التي بدأت تضرب بأطنابها على هذا الكيان الاحتلالي المصطنع في الأعوام القليلة الماضية؛ تؤكد ما ذهب اليه الوزير الأميركي “كيسنجر”.[26]

   وهذا المؤرخ الليكودي المشهور “بني موريس” عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة بير السبع يقول: إن السنوات القليلة القادمة ستشهد تغيرات جذرية في المنطقة وسنصبح فيها نحن أقلية، وصاحب الحظ منا من سيجد له ملجأً في أوروبا وأميركا. ويعلن رئيس الكنيست من حزب العمل “إبراهيم بورغ”، وفاة المشروع الصهيوني بقوله: “إني استشعر قرب نهاية المشروع الصهيوني، ولعلي أعتبر أنا آخر جيل من جيل المشروع الصهيوني”.[27]

      وهذا من مظاهر الذلة والمسكنة التي يحياها اليهود في الوقت الحالي؛ مجرد التوقع والخوف من المستقبل والشعور بعدم الاستقرار هو بحد ذاته مهانة ومسكنة وذلة.

خاتمة

     لا يوجد أصدق وأوثق من القرآن الكريم في استشراف المستقبل؛ فهو كتاب السماء، وقد قامت هذه الدّراسة للتعرف على الرؤية الإسلاميّة لمستقبل بيت المقدس، من خلال قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ⁠لِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ⁠لِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ﴾ [آل عمران ١١٢].

     وقد تبين لنا أن اليهود أُلزموا الذلة والهوان من الله سبحانه وتعالى، وذلك لعصيانهم واستهزائهم بآيات الله.  

وقد أورثهم الاستكبار عن الطاعة والعصيان والكفر بآيات الله الجرأةَ على قتل الأنبياء، فكان الجزاء من جنس العمل، فألزموا الذلة والمسكنة، ورجعوا وانصرفوا وانقلبوا بغضب من الله. وفي هذا تحذير لكل مسلم ولكل أمة من أن المعاصي تورث المهانة والذلة.

    وقد تبيّن أن الحبل الذي من الله: هو العهد الذي يُعطيهم إياه أهل الإيمان؛ لأن أهل الإيمان إنما يعطونهم العهد على وفق شرع الله تعالى، يعني: بما يوافق شرعه. وأما الحبل على هذا القول الأخير من الناس: فهو ما يعطيهم غير المسلمين من العهود والمواثيق والأمان ونحو ذلك، أو ما يعطونهم من المدد المادي والعسكري، ونحوه. وفي هذا إشارة إلى أنهم لن تقوم لهم قائمة من أنفسهم؛ إنما يستمدونها من غيرهم، وإلى أنهم محرمون من العزة والرفعة والملك والسلطان لأنهم محكومون من الله بالذلة والمهانة، فالعزة نقيض الذلة والرفعة نقيض الذلة. وقد حصر سبحانه العزة لله ولرسوله وللمؤمنين قال تعالى: ﴿یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨].

     وقد كثرت التطمينات الإيمانية والقرآنية على مستقبل بيت المقدس. والقرآن هو أكثر كتاب سماوي جلّى موضوع الاستشراف المستقبلي، فوضَّح أخلاق اليهود وموقفهم من الدعوة الإسلامية، وحذَّر من اتخاذهم أولياء، وفي المقابل ذكر أنهم لن يظهروا على المسلمين ولن يكون لهم عزة ومنعة، قال تعالى: ﴿وَلَن یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ سَبِیلًا﴾ [النساء ١٤١]، وقال: ﴿لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ﴾ [آل عمران ١١١]. وهذا يدعونا إلى التخطيط للمستقبل وفق معطيات الحاضر ومبشرات المستقبل.

.

فهرس الموضوعات

مقدمة…………………………………………………………………………….2

المطلب الأول: أسباب كثرة ذكرهم في القرآن ……………………………………………..4

المطلب الثاني: مفهوم الذلة والمسكنة…………………………………………………….5

المطلب الثالث: حبل الله وحبل الناس……………………………………………………7

المطلب الرابع: اليهود واقعهم المعاصر…………………………………………………….9

المطلب الخامس: استشراف المستقبل……………………………………………………10

خاتمة…………………………………………………………………………….11

المراجع

أولاً: المواقع الالكترونية:

  1. قناة العالم الإخبارية، الأربعاء 26 سبتمبر 2012-3:26 بتوقيت غرنتش.
  2. المصلح، خالد المصلح، شرح العقيدة الطحاوية، دروس صوتية المكتبة الشاملة.
  3. موقع إسلام ويب– الأربعاء 6 جمادى الآخر1423هـ، 14/8/2002م.  
  4. خطبة الشيخ كمال الخطيب: العام 2022 ونبوئة زوال أسرائيل من الوجود، الشيخ كمال الخطيب YouTube

ثانياً: الكتب:

  1. الألبيري، محمد بن عبد الله بن عيسى، ابن أبي زمنين المالكي، الفاروق الحديثة – القاهرة، ط1، 2002م.
  2. البغوي، الحسين بن مسعود، تفسير البغوي، دار طيبة للنشر، ط4، 1997م.
  3. البقاعي، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
  4. التميمي الحنظلي، عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم، مكتبة نزار – السعودية، ط3، 1419هـ.
  5. ابن حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف، البحر المحيط، دار الفكر بيروت، 1420هـ.
  6. الخالدي، صلاح الدين، الشخصية اليهودية من خلال القرآن، دار القلم – دمشق، ط1، 1998م.
  7. الخطيب، عبد الكريم يونس، التفسير القرآني للقرآن، دار الفكر العربي- القاهرة.
  8. الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، مفاتيح الغيب – التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط3، 1420هـ.
  9. الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل، معاني القرآن واعرابه، عالم الكتب – بيروت، ط1، 1988م.
  10. الأزدي البلخي، مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، دار إحياء التراث – بيروت، ط1، 1423هـ.
  11. أبو زهرة، محمد بن أحمد، دار النشر العربي، بدون طبعة.
  12. الشعراوي، محمد متولي، تفسير الشعرواي، مطابع أخبار اليوم، ص 1683.
  13. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000م.
  14. ابن عباس، عبد الله، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، دار الكتب العلمية – لبنان.
  15. القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1964م.
  16. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1999م.
  17. النيسابوري، محمد بن إبراهيم بن المنذر، كتاب تفسير القرآن، دار المآثر- المدينة المنورة، ط1، 2002م.
  18. الواحدي، علي بن أحمد محمد، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 1994م.

[1] الخالدي، صلاح، الشخصية اليهودية من خلال القرآن، دار القلم – دمشق، ط1، 1998م، ص 16-17.

[2] انظر شرح العقيدة الطحاوية، خالد المصلح، دروس صوتية المكتبة الشاملة، ج 6 / ص 11

[3] موقع اسلام ويب– الأربعاء 6 جمادى الآخر1423هـ، 14/8/2002م

[4] ابن عباس، عبد الله، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، دار الكتب العلمية – لبنان، ص 54.

[5] الأزدي البلخي، مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، دار إحياء التراث – بيروت، ط1، 1423هـ، ص 111. 

[6] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000م، ج2، ص 137.

[7] الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل، معاني القرآن وإعرابه، عالم الكتب – بيروت، ط1، 1988م، ج1، ص 335.

[8] النيسابوري، محمد بن إبراهيم بن المنذر، كتاب تفسير القرآن، دار المآثر- المدينة المنورة، ط1، 2002م.ج1، ص 592.

[9] التميمي الحنظلي، عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم، مكتبة نزار – السعودية، ط3، 1419هـ، ص 125.

[10] الألبيري، محمد بن عبد الله بن عيسى، ابن أبي زمنين المالكي، الفاروق الحديثة – القاهرة، ط1، 2002م، ج1، ص 145.

[11] الواحدي، علي بن أحمد محمد، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 1994م، ج1، ص 147.

[12] البغوي، الحسين بن مسعود، تفسير البغوي، دار طيبة للنشر، ط4، 1997م، ج1، ص 101.

[13] الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، مفاتيح الغيب – التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط3، 1420هـ، ج8، ص 328.

[14] القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1964م.

[15]  ابن عباس، عبد الله، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، دار الكتب العلمية – لبنان، ص 54.

[16]  تفسير الرازي، م س، ج8، ص 328.

[17]  ابن حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف، البحر المحيط، دار الفكر بيروت، 1420هـ، ج3/ ص 305.

[18] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1999م، ج2، ص 104

[19] تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، م. س، ص 54.

[20] البقاعي، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي – القاهرة، ج5، ص 28.

[21] الشعراوي، محمد متولي، مطابع اخبار اليوم، ج3، ص 1683.

[22] الشعراوي، محمد متولي، م.س، ج3، ص 1683.

[23]  الخطيب، عبد الكريم يونس، التفسير القرأني للقرآن، دار الفكر العربي- القاهرة، ج2، ص 559.

[24] أبو زهرة، محمد بن أحمد، دار النشر العربي، ج1، ص 251.

[25]  قناة العالم الإخبارية، الأربعاء 26 سبتمبر 2012-3:26 بتوقيت غرنتش.

[26] خطبة الشيخ كمال الخطيب: العام 2022 ونبوئة زوال أسرائيل من الوجود، الشيخ كمال خطيب على YouTube

[27] خطبة الشيخ كمال الخطيب م.س.