خاص هيئة علماء فلسطين

         

5/6/2024

المفتي: الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:

فإن مسألة الحج عن الغير بحثها الفقهاء بحثاً مفصلاً، ويمكن اختصار ذلك على النحو التالي:

اتفق العلماء على أنه يجوز الحج عن الميت إذا أوصى بذلك، وكذلك يجوز الحج عن المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه ولا يمكنه معه السفر أو لا يستطيع القيام بأعمال الحج، وقد وردت بذلك أدلة كثيرة.

أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بأن امرأة من جهينة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: “نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء”

وأخرج مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: “نعم”

وجمهور العلماء على صحة الحج عن الميت أوصى بذلك أم لم يوص، وذلك لأن النصوص السابقة وغيرها ليس فيها ما يدل على اشتراط الوصية من الميت بل يصح ذلك ولو كان بمبادرة من الورثة أو غيرهم والله تعالى أعلم

وفيما عدا ما ذكر فلم يرد شيء بجواز الحج عن الغير، بل إن عامة الفقهاء على منع الحج عن الحي السليم من الأمراض المزمنة التي تحول دون تمكنه من الحج.

وكذلك اشترط الفقهاء فيمن يحج عن غيره أن يكون قد أدى حج الفريضة عن نفسه، استناداً الى ما أخرجه ابو داود من أن أحد الصحابة كان يلبي ويقول: لبيك اللهم بحج عن شُبرُمة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “هل حججت قط؟” قال: لا، قال: “فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة”

وبناء على ما سبق فإن السجين المحكوم بالمؤبد لا يعتبر من الحالات التي يجوز الحج عنها، فهو حي حقيقة، وأما كونه مسجوناً مؤبداً فهو ليس كالمريض المزمن، ذلك بأنه إما أن يكون مسجوناً عند المسلمين، وعندئذ يمكن تفهم أن يقوم السجين بواجب الحج تحت الرقابة إذا أراده.

وإما أن يكون مسجوناً عند الأعداء وعندئذ يكون واجب المسلمين ليس في الحج عنه وإنما في العمل على استخلاصه من الأسر والسجن، ولعل في القول بالحج عنه تأكيداً لحكمه، واللازم عدم إرساخ هذا الحكم والعمل على إبطاله وهو على أمل الانطلاق من أسره فلا يعامل معاملة الميؤوس من صحته وشفائه.

وعلى المسلمين الحريصين على بذل أموالهم لحج الأسرى أن يبذلوها للجهاد من أجل تحريرهم من الأسر، فهو الواجب واللازم على المسلمين، فإذا لم يفرج عن السجين حتى توفي في سجنه صار ممن يجوز الحج عنه، لأنه يكون ميتاً والميت يحج عنه كما أسلفنا.

ويمكن لمن يريد الحج عن غيره ويرغب بأن يجعل ذلك في أهل الجهاد أن يحج عن الشهداء الذين قضوا قبل أن يحجوا، وإن كانوا في عامتهم ليس ممن وجب الحج عليهم إما بسبب الفقر أو الإحصار أو الانشغال بمقارعة العدو المعتدي، ولكن الحج عن هؤلاء يصح ويقع أجره بإذن الله تعالى.

والله تعالى أعلم