خاص هيئة علماء فلسطين

         

12/6/2025

المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال:

بعض عتاة المجرمين يمارسون الإفساد في غزة، حيث يقومون بالدلالة على أماكن المجاهدين ‏لاستهدافهم من قبل العدو، ويمارسون دور العيون والجواسيس للعدو الصهيوني، ويمشطون ‏الأماكن قبل وصول قوات الاحتلال، كما أنهم يسرقون أقوات الناس والمساعدات التي ‏تأتيهم؛ ويسعون إلى إحداث فوضى عارمة على الأرض من أجل دفع الناس دفعاً لهجر ‏الديار؛ فما حكم هؤلاء؟ وهل يسوغ قتلهم؟ ‏

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ‏أما بعد. ‏

فواقع الأمر في غزة – كما أفاد المختصون – أن تلك العصابات الإجرامية تنشط في سرقة ‏المساعدات التي تقدم لأهلنا المنكوبين هنالك، وتعمل على إحداث فوضى عارمة تدفع ‏الناس إلى ترك ديارهم أو حصول اليأس في نفوسهم، وأن هذه العصابات تعمل بتنسيق تام ‏وتحريض كامل من دولة الكيان الصهيوني، وقد دلت على ذلك تصريحات قادة الصهاينة؛ ‏حيث نشرت الصحف أن رئيس حكومة الكيان اعترف بأن بلاده تدعم مجموعة مسلحة في ‏غزة مناهضة لحركة حماس. جاء ذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها وزير الدفاع الأسبق ‏أفيغدور ليبرمان تفيد بأن الدولة العبرية زوّدت هذه الجماعة بأسلحة. فيما قالت حماس إن ‏‏”هدف إسرائيل هو إحداث حالة فوضى أمنية ومجتمعية، وتسويق مشاريع الاحتلال لهندسة ‏التجويع والسرقة المنظمة للمساعدات الإنسانية‎”‎‏ الشرق الأوسط بتاريخ 7/6/2025‏

وقال وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان‎ ‎لهيئة البث الإسرائيلية “كان” إن الحكومة تزود ‏‏”مجموعة من المجرمين في قطاع غزة أسلحة” وعلّق نتانياهو في فيديو نُشر على مواقع التواصل ‏الاجتماعي الخميس قائلا “ماذا سرّب ليبرمان؟ أن مصادر أمنية نشطت مجموعة في غزة ‏تعارض حماس؟ ما السيّئ في ذلك؟‎”‎

فهذه المجموعات – بتلك الأوصاف – مجموعات إجراميةٌ ساعيةٌ بالفساد في الأرض، متعاونةٌ ‏مع الصهاينة المحتلين لأرضنا، ملحقةٌ الضرر بالمسلمين في غزة؛ فهم بتلك الأوصاف خائنون ‏لله ورسوله، محاربون لله ورسوله، مؤذون للمؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا؛ جاهدون في ‏تمكين العدو من أرضنا وديارنا وأموالنا، وصفاتهم تلك هي صفات المنافقين التي ذكرها ربنا ‏سبحانه في كتابه؛ حيث بيَّن سبحانه الأعمال التي يقوم بها أولئك المنافقون حال نشوب ‏الحرب بينهم وبين أعدائهم، ومن ذلك:‏

أولاً: سعيهم الحثيث لإلحاق الهزائم بالمسلمين وحصول النكال لهم؛ فقال {لا تتخذوا بطانة ‏من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم ‏أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}‏

ثانياً: تعاملهم بوجهين وظهورهم بحالين {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ‏ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}‏

ثالثاً: فرحهم بكل مصيبة تحل بالمؤمنين وضيق صدورهم بالخير الذي يصيبهم؛ فقال سبحانه ‏‏{إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم ‏كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط} {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا ‏قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ}‏

وهؤلاء لم يكتفوا بهذا النفاق المستتر بل تعدوا إلى إجراءات عملية تمثلت فيما ذكر سابقاً من ‏التجسس للعدو والدلالة على عورات المجاهدين، والقيام بتمشيط الأماكن تأميناً لهم، وهم ‏بهذه الأوصاف مستحقون للقتل جديرون بإنزال النكال بهم ومعاملتهم معاملة العدو ‏الصهيوني لأنهم يمثلون ردء له وعوناً على ارتكاب جرائمه، بل إن ضررهم أشد لكونهم من ‏بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا؛ وهم – في واقع الأمر – موالون للعدو، والله تعالى يقول ‏‏{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} قال الإمام ابنُ جرير: (يَعني تعالى ذِكرُه بقولِه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ‏مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ومَن يتولَّ اليهودَ والنصارى دون المؤمنين فإنَّه منهم؛ يقول: فإنَّ مَن ‏تولَّاهم ونصَرَهم على المؤمنين، فهو من أهلِ دِينهم ومِلَّتهم؛ فإنَّه لا يتولى متولٍّ أحدًا إلا وهو ‏به وبدِينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رَضِيَه ورضِيَ دِينَه فقد عادَى ما خالفَه وسَخِطه، وصار ‏حُكمُه حُكمَه) ((تفسير ابن جرير)) (8/508)، وقال الإمام الجويني: “إذا انحاز قوم من ‏المسلمين إلى دار الحرب، وصاروا يقاتلون المسلمين مع الكفار، فهؤلاء مرتدون يجب قتالهم، ‏ومالهم فيء، ولا يُغسلون ولا يُصلّى عليهم”، وقال الإمام ابنُ حزم: (وصحَّ أنَّ قولَ الله ‏تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنَّما هو على ظاهرِه بأنه كافرٌ من جملة الكفَّار فقط- ‏وهذا حقٌّ لا يَختلِفُ فيه اثنانِ من المسلمين) ((المحلى)) (1/386)، وقال الإمام ابنُ القيِّم: ‏‏(… أنَّه سبحانه قد حَكَم- ولا أحسنَ مِن حُكمِه- أنَّه مَن تولَّى اليهودَ والنصارى فهو ‏مِنهم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فإذا كان أولياؤُهم منهم بنصِّ القرآنِ، كان لهم ‏حُكمُهم) ((أحكام أهل الذمة)) (1/195‏‎ (‎، وقال العلامة الشنقيطي: (ويُفهم من ظواهرِ ‏هذه الآيات أنَّ مَن تولَّى الكفَّارَ عمدًا اختيارًا؛ رغبةً فيهم: أنَّه كافرٌ مثلُهم) ((أضواء البيان)) ‏‏(1/412- 413). وحكم الشيخ عبد العزيز بن باز بكفرهم ونقل الإجماع على ذلك ‏مستدلاً بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء ‏بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/269).‏

وعليه فإن قتل هؤلاء واجب شرعاً، والمجاهدون الذين قتلوهم إنما نفذوا حكم الله فيهم، ‏وحالوا بينهم وبين الفساد في الأرض، وهم في ذلك مأجورون مشكورون، والعلم عند الله ‏تعالى.‏

لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

‏16/ ذو الحجة/ 1446‏

‏12/ 6/ 2025‏