6/3/2025
الخطيب: د. محمد سعيد بكر

المحاور:
✅ التاريخ يعيد نفسه .. هذه الجملة نكررها ونحن نقف على مشاهد حاضرة معاصرة، لها من الماضي شواهد وأمثلة .. وفي الحقيقة نحن من نعيد التاريخ ونكرر المشاهد والأحداث .. وبالتالي نقع في الاخفاقات ذاتها أو نحقق النجاحات نفسها.
✅ التقط أعداء الأمة هذه الجملة؛ فاستفادوا منها .. ومنعونا من تكرار كثير من مشاهد انتصارنا وتفوقنا عليهم .. ولا زلنا نكرر ونجتر خسائرنا وخسائرهم يوماً بعد يوم.
✅ ولأجل أن التاريخ يعيد نفسه؛ حكى لنا القرآن العظيم وخلد مشاهد تاريخية لازلنا نرى أشباهاً لها في زماننا هذا .. فكيف يصاب بالدهشة مَن يتلو القرآن ويأخذ منه الدروس والعبر؟!.
✅ ولأن يعيد التاريخ نفسه فإننا لازلنا نرى اليوم ما يأتي من الأحداث مكرراً:
👈 نرى من يغويه الشيطان فيجعله ينسى النعم العظيمة التي حباه الله بها .. ويوهمه بأن في المعصية دار الخلد ومُلك لا يبلى .. فهل تعلمنا من تجربة أبينا آدم عليه السلام؟!.
👈 ونرى من يطغيه الشيطان، فيجعله يقتل أخاه أو أمه وأباه أو ابنه وزوجه، على سبب تافه، شرارته الحسد والضغينة، بعد التهديد المباشر بقوله: “لأقتلنك” .. فهل تعلمنا من تجربة ابني آدم عليه السلام؟!.
👈 ونرى من يركب رأسه فيرفض نداء الدعاة والهداة من أهله أو غيرهم .. وهم يدعونه لركوب سفينة النجاة وهو يظل مستكبراً ويقول: “سآوي إلى جبل يعصمني” .. فهل تعلمنا من تجربة ابن نوح عليه السلام؟!.
👈 ونرى الأوثان البشرية تُعبد من دون الله، ويتقرب الناس إليها زلفى، ويطلبون علوها وترؤسها ويفرحون بزعامتها.
👈 ونرى عصابة الباطل تلقي كل داعية ومصلح في نار السجن المؤلم، أو الحصار في أبواب الرزق والتضييق في منابر الدعوة والإصلاح.
👈 ونرى كبائر الإثم والفواحش التي تسببت بهلاك أقوام سابقاً .. نراها اليوم مقننة ولها في الدول المتحضرة تشريعات راعية وحامية .. فكبيرة قوم لوط وقوم شعيب وغيرها تم تكريرها وإعادة اجترارها بنجاح للأسف.
👈 ونرى فراعنة يحاكون تجربة فرعون اللعين .. فيطغون في البلاد، ويُذلون العباد، وينشرون الفساد، ويمنعون النصرة والجهاد.
👈 ونرى يهوود زماننا يشبهون يهوود كل زمان .. فلا يكادون يخطئون صفة من صفات أجدادهم .. ومن ذلك:
1️⃣ جدالهم ومماراتهم اليوم في الرد على كل من يتهمهم بالقتل والابادة الجماعية .. كما كان أجدادهم يمارون ويجادلون في مسألة جريمة القتل وذبح البقرة.
2️⃣ نكرانهم لفضل الله وكرمه .. وجحودهم نعمة الله الذي أنجاهم اليوم من العديد من المهالك بسبب ظلمهم وطغيانهم .. كما جحدوا نعمة الله الذي خلصهم من أسباب الهلاك سابقاً.
3️⃣ جبنهم اليوم عن المواجهة المباشرة واعتمادهم على الجُدُر المحصَّنة (الدبابات والطائرات والمسيرات) واتكالهم على حبال أمريكا الباغية وأوروبا الحاقدة والأعراب المنافقين .. كحال أسلافهم تماماً.
4️⃣ تحايلهم اليوم وهم يبتكرون أساليب الخداع والتمويه والغش، لتضليل الرأي العام والظهور بمظهر الضحية .. كما تحايلوا سالفاً في مسألة الصيد يوم السبت وغيرها.
5️⃣ نبذهم العهود والمواثيق اليوم، سواء تلك التي عقدوها مع أعراب زماننا، أم تلك التي ينبغي عليهم التزامها أمام المجتمع الدولي .. وهذا يذكرنا بعهود قطعها يهود المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنبذوها وخانوا وغدروا ولم يلتزموا.
6️⃣ قتلهم الأطفال والشيوخ والنساء اليوم .. ولا غرابة في ذلك؛ فأجدادهم قتلوا النبيين بغير حق .. وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس.
✅ التاريخ يعيد نفسه لأجل ذلك أبقى الله جثة فرعون لتحصل بها العبرة .. فهل من طواغيت زماننا متعظ ومعتبِر، قال تعالى: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” (يونس: 92).
✅ التاريخ يعيد نفسه لأجل ذلك ترك الله لنا شواهد وآثاراً تُظهر قوة وشدة بطش الأمم السابقة، أولئك الذين سادوا ثم بادوا وملكوا ثم هلكوا، قال تعالى:” ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ” (هود: 100).
✅ التاريخ يعيد نفسه مهما حاول المنافقون تزييفه ومسخه وتغييره .. فنحن نرى التاريخ في واقعنا بجلاء ووضوح .. وهم يحاولون تزييف الواقع عبر أدوات إعلامهم المأجور .. ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نوره ولو كره المجرمون.
✅ إن من رحمة الله تعالى بنا أنه طوى بعض صفحات التاريخ الأليمة؛ كتلك التي عاشها المسلمون زمن التتار والمغول والصليبيين الأوائل، وبعض ما جرى على أمة الإسلام في الأندلس وغيرها من بلاد الله الواسعة .. فلله الحمد من قبل ومن بعد.
✅ التاريخ يعيد نفسه لا على صعيد المنافقين والمجرمين والخبثاء والسفهاء فحسب .. بل حتى على مستوى الكرام الطيبين من الصديقين والشهداء والصالحين المصلحين وحسن أولئك رفيقاً .. فمما رأيناه في زماننا من الصور المشرقة التي حكاها التاريخ ما يأتي:
1️⃣ أمثال فتية الكهف؛ يلوذون ببيوت الله أو بمراكز القرآن، يطلبون رحمة الله وإرشاده من فتن تعصف بمجتمعاتهم.
2️⃣ أمثال أصحاب طالوت الذين اجتمعت عليهم الدنيا في غزة وغيرها من ثغور الأمة وهم يرددون: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 249).
3️⃣ أمثال امرأة فرعون .. ومؤمن آل فرعون الذين خرجوا من القصر، مؤمنين برب الكون؛ إرغاماً لأنف فرعون.
4️⃣ أمثال مؤمن آل ياسين الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، قال: يا قوم اتبعوا المرسلين.
5️⃣ أمثال الصحابة الكرام .. ففي زماننا رأينا من يحاول محاكاة أبي بكر في حكمته .. وعمر في غيرته .. وعثمان في بذله .. وعلي في شجاعته .. وأسد الله وسيف الله .. رضي الله عنهم .. وعمن يحاول محاكاتهم ..
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ..
إن التشبه بالكرام فلاح.
✅ ولأن التاريخ يعيد نفسه؛ فقد سمعنا عن فتح مكة .. وفتح القدس .. وفتح بلاد الشام عموماً .. وفتوحات الصحابة والتابعين .. وسنشهد فتحاً جديداً للأقصى الشريف .. وللأندلس العريق .. ولكل بلد وقع تحت احتلال غاشم أو استبداد أثيم.
✅ ولأن التاريخ يعيد نفسه .. فقد أخذ أسلافنا بأسباب النصر فانتصروا .. ومن تلك الأسباب الواجب تكرار الأخذ بها ما يأتي:
1️⃣ التوحيد .. وهو الإيمان الحي واليقين الصادق؛ بوجود الله وقدرته وحكمه، وبوعد الله ووعيده.
2️⃣ الوحدة .. وهي الاعتصام بحبل الله .. والأخوة في الله .. ونبذ التنازع والشقاق.
3️⃣ إعداد القوة .. وهي القوة المستطاعة .. إعداداً تراكمياً تكاملياً؛ يُرهب الأعداء الظاهرين، والأخفياء المستترين.
4️⃣ الصبر والمصابرة .. وهو صبر على طاعة الله .. وصبر عن معصيته .. وصبر على بلائه .. وصبر في مواجهة أعدائه.
🌹وختاماً🌹
فإننا نستشرف مستقبلاً كريماً لأمة بدأت مشوار نهضتها؛
بدماء شهدائها ..
ومداد علمائها ..
ونفقات أغنيائها ..
ودعوات ضعفائها ..
وابتكارات أذكيائها ..
بعد طول سبات؛
هدد وجودها ..
واستباح مقدساتها ..
وأراق ماء وجهها ..
👈 فالحمد لله على بداية النهوض ..
👈 ونسأله تعالى أن يكتب لنا ولذريتنا سهماً كبيراً في كل نصر وفتح وتمكين.