خاص هيئة علماء فلسطين
29/10/2025
المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
السؤال:
رجلٌ خرج من السجن في الصفقة الأخيرة بعد اعتقالٍ لمدة عامٍ تقريبا، فوجد زوجته مفقودة أثناء النزوح لا يُعلم عنها هل هي شهيدة أم أسيرة؟، وسألوا عنها الصليب الأحمر وغيره ولا يوجد عنها أي خبر.
الآن يريد هذا الرجل أن يتزوج بالذهب الذي كان معها -وهو مهرها-، حيث كان مخبأ في حقيبة وبقيت الحقيبة، فطالبه أهلها (أبوها وأمها) بنصيبهم من مهر ابنتهم.
السؤال متى يجوز لهم الحكم بموتها والتصرف بالذهب؟؟، وما نصيب كل منهم مما تركت؟؟ مع العلم أنه ليس بينهم أولاد، ولها أب وأم وإخوة وأخوات أشقاء.
الفتوى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فهذه المرأة يسري عليها حكم المفقود؛ وهو كما عرفه المالكية رحمهم الله تعالى: غائبٌ لم يُدرَ موضعُه وحياتُه وموته، وأهله في طلبه يَجِدُّون، وقد انقطع خبره وخفي عليهم أثره.
والحنابلة – رحمهم الله تعالى – يجعلون المفقود على قسمين:
الأول: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة، كالمسافر للتجارة أو للسياحة أو لطلب العلم ونحو ذلك.
الثاني: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، كالجندي الذي يفقد في المعركة، وراكب السفينة التي غرقت ونجا بعض ركابها، ومن هذا النوع أيضاً من فُقد في صحراء مهلكة أو نحو ذلك.
وقد اختلفوا في الأسير الذي لا يُدرى أحي هو أم ميت؛ فاعتبره بعضهم – كالزهري والحنفية والشافعية والحنابلة – مفقوداً، أما المالكية فلم يجعلوا الأسير مفقوداً، ولو لم يُعرف موضعه ولا موقعه بعد الأسر.
والمفقود يعتبر حياً بالنسبة لأمواله، فلا يرث منه أحد، ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقة، ويُحكم باعتباره ميتا، ولا يرث المفقود من أحدٍ كذلك، وإنما يتعين وقف نصيبه من إرث مورِّثه، ويبقى كذلك إلى أن يتبيَّن أمره، ويكون ميراثه كميراث الحمل، فإن ظهر أنه حي استحق نصيبه، وإن ثبت أنه مات بعد موت مورِّثه استحق نصيبه من الإرث كذلك ، وإن ثبت أنه مات قبل موت مورِّثه أو مضت المدة ، ولم يُعلم خبره ، فإن ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورِّث.
وإن كان المفقود ممن يَحجب الحاضرين، لم يصرف إليهم شيء، بل يوقف المال كله.
وإن كان لا يحجبهم، فيُعطى كلُّ واحدٍ الأقلَّ من نصيبه على تقدير حياة المفقود، وعلى تقدير موته.
قال السرخسي في المبسوط: “ولو ادعى ورثة رجل أنه فُقد، وطلبوا قسمة ماله، فإنَّ القاضي لا يقسمه حتى تقوم البينة على موته، وتكون الدعوى بأن يجعل القاضي من في يده المال خصما عن المفقود، أو ينصب عنه قيِّما في هذه الولاية”.
وعليه فإن هذا المهر المذكور في السؤال حقٌّ خالصٌ للزوجة المفقودة، لا يحلُّ للزوج ولا لغيره أن ينتفع بشيءٍ منه، حتى يحصل اليقين بموتها، فحينها يُقسم المال، فيكون للزوج نصفه، وللأم سدسه، وللأب الباقي فرضاً وتعصيبا، أو يردها الله سالمة فتتصرف في مالها كيف شاءت.
وبخصوص المدة التي يُحكم بعدها بموت المفقود، فقد اختلف الفقهاء فيها بين مضي سنةٍ واحدة أو أربع سنوات، والراجح في ذلك أنه إذا كان ظاهر غيبة المفقود الهلاك فيُحكم بموته بعد مضي سنة، وإذا كان ظاهر غيبته احتمالية النجاة فيُحكم بموته بعد مضي أربع سنوات، والأمر في ذلك راجعٌ للقضاء الشرعي في البلد الذي تحصل فيه الحادثة، فيُرفع الأمر للقضاء، وهو الذي يحكم في ذلك، لما يترتب على هذا الحكم من أمور متعلقة بالحقوق والأعراض، والله الموفق والمستعان.