خاص هيئة علماء فلسطين

         

15/10/2025

المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال:

هل يدرج القتال الذي دار بين فتح وحماس ضمن قتال أهل البغي، أم أن له تكييفاً شرعياً آخر؟ أرجو أن تفتونا مأجورين

الفتوى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن أهل البغي هم جماعة من الناس ذوو شوكة، خرجوا على السلطان الحاكم بالقوة مستندين في ذلك إلى تأويل يرونه سائغاً

فكلا الطائفتين – أهل البغي وأهل العدل – يبحثون عن الحق، ومرادهم شرع الله عز وجل، لكنهم مختلفون في الوصول إليه، ومعلوم أن السلطة الممكَّنة إذا قدَّر بعض الناس أنها خرجت عن الحق وخالفت الصواب فإن السبيل لإعادتها إلى الجادة لا يكون بحمل السلاح عليها، ولا إثارة الفتن بين الناس، بل يكون بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وإقامة الحجة عليها والسعي إلى ردها إلى الحق من أقرب طريق.

ومن أجل ذلك تكاثرت الأدلة الناهية عن الخروج عن الحاكم – وإن وقعت منه تجاوزات – ما دام محكِّماً لشرع الله غير مستكبر على أمره.

ومتى ما حصل الخلاف بين طائفتين من المؤمنين تنازعتا في الحق واختلفتا، فإن المطلوب هو الإصلاح بينهما، فإن قاتل صاحب هذا الرأي والاجتهاد السلطة القائمة صار بذلك باغياً، يجب ردُّه بالحسنى، فإن أصرّ رُدّ بالقتال. فهذا هو التوصيف المختصر لمسألة أهل البغي وأهل العدل.

هذا وليس شرطاً أن يكون اجتهاد الفئة الباغية خاطئا، بل قد يكون صائباً؛ لكن لما كان أمرها قائماً على مواجهة السلطة التي لها حق الاجتهاد فيما يعود بالمصلحة على الرعية، وهي في هذا قد تصيب وقد تخطئ، لكنها واجهت تلك السلطة بالقوة لتحملها على فهمها، فكان فعلها بغياً، لكونها قد سلكت طريقاً غير شرعي – وهو الخروج على السلطان الذي لم يأتِ منه الكفر البواح أو التنكر لشرع الله  – لكنه سعى إلى تحكيم شرع الله وأخطأ الطريق، والمطلوب ردُّه بالحجة والبيان وليس بالحرب والسنان؛ لأن المنكر لا يعالج بمنكر أشد منه ولا بمنكر مثله.

ومناط السؤال هنا: هل هذا الواقع يصدُق على حال حماس وفتح؟ هل كل منهما مسلمٌ يبحث عن حكم الشرع ويعلن أنه مرادُه؟ هل يتعهد كلا الطرفين ألا يتجاوز أحكام الشرع؟ أم أن أحد هذين الطرفين يرى أن الشرع غيرُ صالح لزماننا، بل يجاهر بعلمانيته بكل تبجح وصراحة ووضوح، ويعلن أنه يمكر بالطرف الآخر ليقبل بالعلمانية، وبالتنازل عما لا يجوز شرعاً التنازل عنه.

يقيناً فتح لم تدَّعِ أنها حركة إسلامية، ولا زعمت يوماً أنها تريد الإسلام، بل ترى أن التحاكم إلى شريعة الإسلام تطرفٌ وانحرافٌ وتشدد، وفي برامجها تعلن أنها تعمل لتجعل فلسطين علمانية وليس إسلامية.

وبالمقابل فإن حماس حركة إسلامية مجاهدة، جعلت القرآن موجِّهاً لها، وتسعى لتحرير أرضها، وتعلن أن مبتغاها تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، وفي نظمها الداخلية تطلب من العلماء بيان أحكام الله وردَّها إلى الصواب متى ما حصل منها تجاوزٌ لشرع الله

إذاً فليست المواجهة بين فئتين تبحثان عن حكم الشرع، لكنهما مختلفتان في الوصول إليه، ومن ثمَّ حصل بينهما الاقتتال على ذلك – كالذي كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما – بل الواقع أن إحدى الطائفتين – وهي حماس – تريد شرع الله عز وجل، وتُرى آثارُه على هيئة أفرادها وسمتهم ومنطقهم وممارستهم، بينما الآخر – وهي فتح – يرفض هذا الشرع ويزدريه، بل يقاتل من يدعو إليه، ويتعاون مع أشدِّ أعداء الإسلام شراسة – وهم اليهود الصهاينة – لمحاربة تلك الفئة؛ وذلك بتبادل المعلومات معهم والوشاية بالمجاهدين، بل القبض على من تمكنوا من الظفر به

وعليه فإن (فتح) ليست فئة باغية، بل هي فرقة متغلبة ممتنعةٌ من شرع الله عز وجل محاربةٌ لدعاته، تريد حرف الناس عن الحق وجعل البلاد المقدسة علمانية، ولا تمتنع في سبيل بلوغ تلك الغاية من أن تضع يدها في يد الأعداء من اليهود والصليبيين.

ومن هنا يُعلم أن الواجب دعوة تلك الفئة الممتنعة إلى العودة إلى الحق والقيام بما أوجب الله عليها تجاه ذلك الاحتلال الظلوم الغشوم، وأن تكون يداً مساندة للمجاهدين لا معينة عليهم ولا واشية بهم، فإن أبت ذلك وجب على كل قادر أن تكون يده مع يد الفئة المؤمنة لتقويتها على باطل الفئة المبطلة والتغلب عليها وإثبات حكم الله لا سواه.

ولا يعني هذا المنع من السعي في الإصلاح بينهما؛ فإن الإصلاح مطلوب بين أهل البلد الواحد، حتى ولو كانوا مختلفين في الدين؛ لكن الواجب على الساعي بالصلح أن يحتكم إلى شرع الله عز وجل، وذلك برد الحقوق إلى أهلها والانتصاف للمظلوم من الظالم أياً كان. والعلم عند الله تعالى