خاص هيئة علماء فلسطين
13/11/2025
السؤال:
هل يجوز الاشتراك في جمعيةٍ تعاونيةٍ لتجهيز الموتى، بحيث يدفع العضو اشتراكًا شهريًا أو سنويًا، ثم إذا تُوفِّي أحد الأعضاء تكفّلت الجمعيةُ بكل ما يلزمه من تجهيزٍ ونقلٍ ودفنٍ، علمًا بأن تكاليف الدفن مرتفعة في ألمانيا، وفي حال عدم وجود قدرة على دفع تكاليف الدفن تحرق الجثة، والجمعيةُ غيرُ ربحيةٍ ومقصودُها التكافل بين المسلمين؟
خلاصة الفتوى:
الاشتراك في الجمعيات التعاونية لتجهيز الموتى في بلاد الغرب مشروعٌ وجائزٌ شرعًا، بل واجبٌ كفائيٌ عند الحاجة، لما فيه من التعاون على البر والتقوى وحفظ كرامة المسلم بعد موته.
وأما الامتناع عن الاشتراك مع العلم بأن تركه يؤدي إلى حرق الجثث أو امتهانها، فهو محرّم لما فيه من التهاون بحرمة الميت وتضييع أحد المقاصد الكبرى للشريعة في صيانة الإنسان حيًّا وميتًا.

***
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن للميت المسلم حرمةً عظيمةً في الشريعة الإسلامية، كحرمته حيًّا، قال النبي ﷺ: «كسر عظم الميت ككسره حيًّا» (رواه أبو داود).
وقد أجمع العلماء على أن جسد المسلم بعد موته يجب أن يُصان عن الامتهان والإهانة، وأن يُدفن بما يليق بكرامته الإنسانية، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
ومن أعظم صور الإهانة المحرّمة حرق جثة المسلم أو تركه عرضةً للفساد أو الإهمال بسبب العجز عن نفقات الدفن، إذ في ذلك انتهاكٌ لكرامته وإبطالٌ لمقصدٍ حفظ النفس وحفظ الكرامة الإنسانية.
وعليه، فإن إنشاء الجمعيات التعاونية التي يتبرع فيها المسلمون باشتراكاتٍ شهرية أو سنوية لتغطية تكاليف تجهيز موتاهم ودفنهم في البلاد التي ترتفع فيها النفقات – كحال المسلمين في ألمانيا – عملٌ مشروعٌ محمود، بل قد يبلغ مرتبة الوجوب الكفائي إذا لم يوجد غيرها طريقٌ لحفظ حرمة موتى المسلمين.
فهذه الجمعيات قائمة على مبدأ التكافل والتعاون على البر والتقوى، لا على المعاوضة أو الربح التجاري، فهي من جنس التأمين التعاوني (التكافلي) الذي أقرّ العلماء المعاصرون مشروعيته، ومن ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (9/9/2) الذي نص على أن: “التأمين التعاوني الذي يقوم على التعاون والتبرع مشروع، وهو يختلف عن التأمين التجاري المحظور”
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وهذا التعاون من أظهر صور البر والتكافل الاجتماعي في المجتمعات المسلمة في بلاد الكفر حيث ترتفع التكاليف ويضعف الدعم الأسري.
وقول النبي ﷺ في وصف الأشعريين: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما عندهم في ثوبٍ واحد ثم اقتسموه بينهم بالسوية، فهم مني وأنا منهم» (متفق عليه).
وهذه الصورة من التعاون من أقرب الأمثلة لمقصد هذه الجمعيات في دعم المسلمين بعضهم لبعض عند النوازل، وقد كيف الكثير من العلماء المعاصرين التأمين التعاوني التكافلي على هذا النوع من العقود الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الأشعريين وهو الذي يسمى عقد النهد أو التعاون.
وإذا كانت تكاليف الدفن مرتفعة جدًا بحيث يُخشى من حرق جثث المسلمين أو تركهم بلا دفنٍ شرعي في حال عدم الاشتراك، فإن الاشتراك في هذه الجمعيات يصبح واجبًا كفائيًا على الجالية المسلمة، لأنه مما لا يتم واجب حفظ حرمة الموتى إلا به.
وهنالك شروط وضوابط لا بد من الالتزام بها في هذه الجمعيات، من أهمها:
1-أن تكون جمعية غير ربحية، ويُصرَّح في نظامها أن الاشتراكات على وجه التبرع لا المعاوضة.
2-أن تُصرَف الأموال فيما خصصت له فقط مثل نفقات تجهيز الموتى ودفنهم.
3-أن تكون الإدارة أمينة في جمع الأموال وصرفه، وأن يُعاد الفاضل إلى المشتركين بقدر اشتراكاتهم أو إلى أوجه الخير العامة للمسلمين، ولا يُوزَّع أرباحًا على الأعضاء.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.