الخطيب: مراد با خريصة
تعيش الأرض المقدسة في مواجهات دامية وحرب غير متكافئة بين المسلمين المستضعفين في القدس الشريف وبين المغضوب عليهم الذين لعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم.
إنها حرب مقدسة تدور على عتبات الأقصى المبارك الذي أسري برسولنا صلى الله عليه وسلم إليه في ليلة الإسراء والمعراج: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
إنه المسجد الأقصى مسرى سيد الأولين والآخرين وقبلة الأنبياء والمرسلين وثاني مسجد وضع في الأرض يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض فقال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون عاما).
إن الأقصى عباد الله كان قبلتنا نحن المسلمين صلى إليه المسلمون ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً حتى أنزل الله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) يقول البراء بن عازب رضي الله رضي الله عنه صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفنا نحو الكعبة) رواه البخاري ومسلم.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة).
عباد الله:
إن اليهود في العالم وليس في فلسطين فقط يسابقون عقارب الساعة الآن لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه والهيكل في نظر اليهود ليس له مكان آخر يقام عليه إلا على أرضية المسجد الأقصى المبارك.
إن هناك ملايين من النصارى في العالم يعتقدون أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لن يخرج إلا إذا بني الهيكل وأن الهيكل سيكون منطلقاً لدعوته ومرتكزاً لحركته ولذلك فإنهم يدفعون باليهود دفعاً لهدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه هكذا يفهمون الإنجيل وهكذا يفسرون التوراة التي يؤمنون بها مع الإنجيل.
إن هذه الأساطير التي تعشعش في أدمغة غلاة النصارى وعتاة اليهود ستتحول في يوم من الأيام إلى أحداث عمليه وأمور واقعية وهم عازمون ومصممون على نقل هذه الأساطير إلى عالم الحقيقة فهدم الأقصى أصبح عندهم فريضة الوقت وفرصة العمر ومسئولية الجيل ولولا الجبن الذي اشتهروا به وعُرف به اليهود لكان هدمه قد حدث منذ سنوات.
إن اليهود قد بدئوا بالفعل في تهيئة الظروف العالمية تحسباً للحظة المناسبة لهدم المسجد وقطعوا شوطاً كبيراً في تنفيذ ما خططوا وتحقيق ما رسموا وهم ماضون لإكمال المهمة ومن المتوقع أن يبدءوا في الخطوات العملية لخطتهم الخبيثة والدلائل تتكاثر في هذه الأيام على تعاظم الجدية لهم في الإقدام على مشروع الهدم الذي بدءوه بإضعاف أساسات المسجد حتى ظهرت التشققات ظهوراً واضحاً في جدرانه وفرغوا الأرض من تحته عبر الحفريات المستمرة والتنقيبات المتواصلة وقاموا مؤخراً ببناء ما يسمى بكنيس الخراب الذي بنوه بالقرب من حائط المسجد خرب الله بيوتهم بأيديهم.
إن اليهود لم يتجرؤوا على حفر هذه الحفريات وشق هذه الأنفاق تحت المسجد إلا لأنهم ضمنوا وأمنوا أنه لن تعترضهم إلا أصوات ضعيفة خجولة متفرقة ليس لها من الأمر شيء وليس بيدها شيء.
إنها والله مصيبة تدع الحليم حيراناً أن نرى هذه المقدسات التي عظمها الله نراها في خطر محدق ونحن لا نملك تجاهها أي فعل يمكن أن يقال عنه أنه فعل رادع.
نعم هناك مقاومة من فئة مغلوب على أمرها تحارب بكل ما تملك جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء فقد حالوا دون تقدم المشاريع الصهيونية وعرقلوها وأخروها ولكن للأسف الشديد أول من يواجههم ليس هم الصهاينة وإنما هم أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ورضوا بأن يكونوا عبيداً لليهود وجعلوا من أنفسهم أتراساً تحول بين المجاهدين وبين اليهود فهؤلاء قد ظاهروا المشركين على المسلمين ومظاهرة المشركين على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام العشرة: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
الخطبة الثانية
إن اليهود ومن خلفهم النصارى قد أخذوا بكل الأسباب لهدم المسجد الأقصى وأما المسلمون فقد تركوا الأسباب العملية التي تحول بين اليهود وبين ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا أن يشاء الله أمراً إلهياً ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ما الواجب علينا نحن المسلمين فعله؟ وماذا لو هدم الأقصى؟! وما هو واجبنا تجاهه حتى لا يقع المحذور؟.
لقد بحت أصوات العلماء والعقلاء في النداء لإنقاذ المسجد الأقصى ولكن المنافقين في كل مرة يُضيعون الفرص ويُشتتون الجهود ويجعلون نداءات العلماء خلف ظهورهم فما الذي يجب علينا أن نفعله الآن حتى نعذر أمام الله؟.
إن الأمل بعد الله في هذه الطائفة المنصورة والثلة المجاهدة التي تعي خطورة الموقف وتستشعر عظم المسئولية كواكب مضيئة في ليل دامس لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، يكيد لهم الأعداء والعملاء ولكنهم معتصمون بحبل الله متوكلون على الله واثقون بنصر الله ، شجعان في وسط الجبناء مهتدون في وسط الحيرى مجاهدون في وسط القاعدين والخالفين أمثالنا ، فيجب علينا أن ندعمهم وأن نساندهم بالنفس والنفيس وبالغالي والرخيص يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
يجب علينا أن ننصر مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم بعقيدة صحيحة وقلوب سليمة وجوارح مستقيمة باللسان دعاءً ودعوة وبالقلب موالاة ومحبة وتفاؤلاً وثقة وبالجوارح صدقة وجهاداً: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
كما يجب علينا أن نطرد اليأس والإحباط من النفوس فإن الباطل مهما علا وأزبد فإنه مقهور تحت قهر العلي القدير فالذي أمدّ لأهل الباطل وأملى لهم قادر سبحانه وتعالى أن يُدير الدائرة عليهم فمهما بلغ شأن العدو فلن يخرج عما حكاه الله بقوله (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) فلا ينبغي لم يستقوي بالقوي العزيز أن يلين أو يضعف أو ييأس (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فالله جل جلاله قد كتب الغلبة له ولأوليائه: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ولكن هذا يستدعي نصرة منا أولاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
وابشروا عباد الله فإن هذا الحشر اليهودي إلى بيت المقدس ومجيئهم إليه لفيفاً وعمرانهم إياه ما هو إلا مقدمة ليوم تحتشد فيه قوى الإيمان مع قوى أهل التحريف والصلبان وهناك ستكون المعركة الحاسمة بإذن الله كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
نقلاً عن موقع الألوكة
نقلاً عن موقع الألوكة