خاص هيئة علماء فلسطين
25/11/2025
المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود طرح موضوع إن تكرمتم، حول جرائم الاحتلال باغتصاب نساء ورجال فلسطين، بعد ما نُشرت أمس شهادات صادمة على لسان أسرى وأسيرات، التقرير صعب جدًا، فنرجو من أصحاب الفضيلة في لجنة الفتوى بيان الأحكام المتعلقة بمثل هذه الحالة؟
الفتوى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالاغتصاب من الألفاظ المحدَثة المقصود بها التعبير عن اعتداء وقع على عرض شخص ما – رجلاً كان أم امرأة – عن غير اختيار منه، بل بالإكراه، وغالباً ما يستعمله الطغاة والجبابرة من عتاة البشر؛ من أجل كسر إرادة من يكون تحت أيديهم من سجين أو أسير أو معتقل، وهذا عين ما مارسه أولئك الصهاينة المجرمون تجاه إخواننا وأخواتنا من أهل فلسطين، وها هنا لا بد من بيان جملة أمور:
أولها: أن هذه الممارسة الشائنة المنكرة لا يد للمعتقل أو الأسير فيها، بل هي واقعة رغماً عنه، والله جل جلاله رفع المؤاخذة عن المكرَه؛ حتى في حال النطق بكلمة الكفر؛ فقال سبحانه { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (سورة النحل : 106)، فكُلُّ مَن أُكرِهَ إكراهاً ملجئاً على قول أو فِعلٍ؛ فإنَّه لا حُكْمَ لفِعلِه، وعليه فلا يجوز لمسلم أن يؤاخذ المكرَه بفعل قد وقع عليه رغماً عنه، ولا يجوز له تعييره به ولا ترتيب أحكام في حقه عليه؛ بل الواجب مواساته ومؤازرته والتخفيف عنه.
ثانيها: أن الظلم المبين الذي وقع على هؤلاء الأسرى والأسيرات من قبل الصهاينة المجرمين – عليهم غضب الله – يوجب على كل مسلم قادر أن يغضب لله عز وجل، وأن يحرص على الانتقام لأعراض هؤلاء المسلمين والمسلمات؛ فإن حرمة المسلم عند الله عظيمة، وقبيحٌ بأهل الإسلام أن يسمعوا بتلك الانتهاكات ثم لا تثير فيهم غضباً ولا تحرِّك ساكناً، بل الواجب المتعيِّن السعي في فكاك هؤلاء الأسرى، ومعاونة كل من يعمل على بلوغ تلك الغاية. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: “وتخليص الأسارى واجب على جميع المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال”، قال مالك: “واجب على الناس أن يُفْدوا الأسارى بجميع أموالهم، و هذا لا خلاف فيه … وكذلك قالوا: عليهم أن يواسوهم فإن المواساة دون المفاداة) الجامع لأحكام القرآن 5/ 257 ، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فكوا العاني ـ يعني الأسير ـ وأطعموا الجائع وعودوا المريض)، وقال ابن العربي المالكي في الكلام عن الأسرى: “إنّ الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن بألاّ يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم؛ إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله و إنا إليه راجعون على ما حلَّ بالخلق في تركهم إخوانهم في أمر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والعُدَّة والعَدد، والقوة والجلد” أحكام القرآن 2/440
ثالثها: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، وإن مقتضى هذه الأخوة أن يسعى كل قادر في تلافي آثار هذا الاعتداء الأثيم الذي وقع على هؤلاء الأحرار والحرائر ؛ وذلك بالزواج منهم ومنهن، والتعامل الكريم معهم ومعهن، وبذل المستطاع في علاجهم وإزالة جميع الآثار النفسية التي ترتبت على ذلك؛ فقد كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم العناية والاهتمام بالمسلمين، خاصة أولئك المجاهدين الباذلين أنفسهم لله من رجال ونساء؛ كما فعل مع سمية بنت خياط وياسر وعمار بن ياسر والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة رضي الله عنهم أجمعين مما هو معروف مبثوث في كتب السنة والسيرة،
رابعها: نبشِّر هؤلاء الذين ثلموا في أعراضهم ونالهم ذلك البلاء المبين بقول ربنا جل جلاله {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (سورة آل عمران: 195)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري ومسلم،
هذا والله أعلم.
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
4/ جمادى الآخرة/ 1447ه
25/ 11/ 2025م