ما حكم بذل المال لترميم البيوت الخاصة في مدينة القدس؟

وهل يعد من الصدقة الجارية؟ أم لا؟

إن بذل المال لترميم بيوت أهلنا في القدس وتثبيتهم فيها وتمكينهم من الصمود وتوسعتها لتتسع إلى أسرهم وأولادهم يقع في ثلاثة أبواب من أبواب الفضل والخير وربما يكون أدناها (على فضله) كون هذا العمل صدقة جارية.

وذلك أن المقصود بالصدقة الجارية هي تلك الصدقة التي يستمر نفعها في حياة باذلها وبعد وفاته.

وهي من الأعمال المبرورة والعظيمة التي تطيل عمر صاحبها في الخير فيستمر حصادها من الأجر وزيادة الفضل بعد وفاته فكأنه حي يحسن ويفعل الخير فهي استمرار للأجر بعد الممات.

وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام ” إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له”. رواه مسلم.

ومن أمثلة الصدقة: بناء مشفى او مدرسة او مسجد ينتفع به الناس، كفالة يتيم كفالة مستمرة، وتوفير آلة لعلاج المرضى أو كفالة أسرة محتاجة بتعليم أبنائها ورعايتهم حتى يكبروا وينتجوا، كل هذا من الصدقة الجارية.

 أو وقف مال أو أرض أو محل على صاحب حاجة أو ارتقاء بالأمة أو تعبيد طريق كل هذه من الصدقات الجارية.

 ومن ذلك ترميم بيت لأسرة محتاجة تأوي إليه ويدفع به عنها الحر والبرد ويكون لها ستراً.

 فأما إن كان ترميم بيت في بيت المقدس الذي يتعرض اليوم لاعتداء -أشد الناس عداوة للذين آمنوا- فإن الأمر وإن كان فيه أجر الصدقة الجارية لوضوحها كما في حال ترميم بيت لأي أسرة محتاجة للإقامة فيه إلا أن فضل هذا الفعل لا يتوقف عند حدّ الصدقة الجارية؛ بل هو من الجهاد والرباط  في سبيل الله، وهو جهاد فريضة لا نافلة، ومن فضل الرباط والجهاد استمرار الأجر ومضاعفته، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في معراجه ليلة الاسراء والمعراج أتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم. يا جبريل ما هذا؟ فقال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، “ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ” فمن بذل في هذا الباب فهو يثبت المجاهدين ويجهزهم للصمود ويمكنهم من الاستمرار في تثبيت هوية الأرض فهو بذلك أحد أبواب الجهاد لقوله عليه السلام ” مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا ” ولا شك أن جهاد أهلنا في بيت المقدس اليوم جِهَازُه المكنة من البقاء وإيجاد المأوى، فجهادهم هو الصمود وعدته بقاء بيوتهم وصلاحها للإقامة ولاستيعاب أولادهم وأسرهم الناشئة في القدس.

 وفوق كل ذلك فإن تمكين أهل البيوت في القدس فيها ومن إعمارها هو من تأكيد ملكية هذه الأرض المقدسة للمسلمين وهو بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الأعمال بل هو خير من الدنيا جميعاً حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر رضي الله عنه مبيناً فضل التملك في بيت المقدس وحول الأقصى  “وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا” – أو قال: “خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا” أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني.

فتثبيت أملاك أهل القدس وتمكينهم من العيش فيها هو عين على الأقصى ورعاية له وهذا يفوق الصدقة الجارية وهو الرباط وهو تملك وتمليك خير من الدنيا جميعاً أو من الدنيا وما فيها.

إذاً فخلاصة القول في هذه المسألة أن بذل المال لتثبيت أهلنا في بيت المقدس وترميم بيوتهم على وجه يمكنهم من العيش فيها هو قطعاً وبكل وضوح يقع في دائرة الصدقة الجارية.

وهو أيضاً ضرب من ضروب الرباط والجهاد ومشاركة فيه بدعم أهله الذين أتيح لهم فرصة ممارسته وهو ملك في بيت المقدس وفي محيط الأقصى وهو قمة سامقة عظيمة يخص بها الموفقون لعمل الخير وخير العمل والله الهادي إلى سواء السبيل.  

د. نواف تكروري

رئيس هيئة علماء فلسطين