خاص هيئة علماء فلسطين
أ. د. فاتح حسني عبد الكريم[1]
ملخص البحث
سعى البحث إلى بيان التصور الشامل الذي رسمته القصة القرآنية للشخصية الإنسانية؛ في تحليل عناصرها وأنواعها وأبعادها، والثوابت المتعلقة بها والمتغيرات، وأبدى الباحث وجهة النظر في مدى قابلية الشخصية الإنسانية للتغيير والتطوير من أقْواع الانحطاط إلى أَنَفَة التَسَنُّم والارتقاء؛ وضرب على ذلك أمثلة لشخصيات قرآنية استحالت إلى السُؤْدَد والسُموق بعد الخَساسَة والضَعَة، وتلمّس البحث العوامل المؤثرة في الشخصية الإنسانية كما رسمتها القصة القرآنية ومنهج البناء فيها، وعرض للعلاقة بين مقاصد القصة القرآنية والشخصية الإنسانية وبنائها، وختاماً اجتهد الباحث في بيان الحوائل التي تقف دون الانتفاع بالقصص القرآني والتأثر بها.
كلمات مفتاحية: قصص – بنائي- الشخصية – معالم
Abstract
The researcher stated the comprehensive perception drawn by the Qur’anic narration of the human personality، analyzed its elements، types and dimensions as well as the related constants and variables. The researcher also demonstrated the extent of the human personality to change and develop، from the decadence to the ascension and progression mentioning examples for some Quranic characters that have been promoted to the summit from villainous and immoral levels
The researcher then stated the factors affect the human personality as pictured by the Quranic narration and the method of constructing this character. The researcher presented the relationship between the purposes of the Quranic narration and the human personality and its construction، and concluded the research with a statement of the barriers that stand without the use of Quranic stories and influenced by it
Keywords: Narration، constructive، Personality، Features
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
فإنّ تدبر القرآن ليس نافلة من نوافل العلم، وليس مسألةً متروكة للترف الفكري والتنوع الثقافي؛ بل هي غاية غايات نزول القرآن، لا تختص بعالم أو دارس أو مختص، بل هي وظيفة قلب كل مسلم، مهما تنوعت ثقافته، أو ابتدأت علومه، هي دعوة الله لنا وأمره، وهي حياة قلوبنا ﱡﭐﱢ ﱣ وهي نعي الله لمن أهملها .
ومن هنا يدرك الباحث أهمية المساحة الواسعة التي بسطها الله للقصص في القرآن، ودليل أهميتها في صياغة وتشكيل الذهنية العقلية والشخصية للفرد المسلم والأمة المسلمة، فإنّ هدي القرآن هو للإنسان ولكيان الإنسان ولينتفي عنه الضلال والشقاء والخوف والحزن؛ وما كانت هذه الآفات الأربعة لتزول إلا باتباع هديه ومزج أنواره في الروع والذهن والعقل والروح، قال الله تعالى ضامناً لمن اتبع- ولم يقل حفظ أو قرأ فقط- هداه بأن يعصمه منها فلا فكاك بين تكامل الشخصية وبنائها التام الصحيح وبين القرآن الكريم: هدياً ونوراً، وخاصة ما قصه الله علينا من قصص الأنبياء والسابقين.
فقام الباحث بإعداد واستنباط ما تيسر من هذه المعالم القرآنية، وعوامل بناء الشخصية المسلمة كما يريدها الله عز وجلّ، وماهي عوامل ثبات هذه الشخصية وحوائل التفاعل معها.
وقد سلك الباحث-بقدر الاستطاعة- المنهج الاستقرائي من القرآن؛ بتتبع كيفية عرض هذه العوامل في القرآن والقصة القرآنية، والمنهج الوصفي التحليلي؛ بالربط والتفسير واستخلاص النتائج.
أولاً: مشكلة البحث: إنّ البحث في الشخصية واتزانها وتطويرها أخذ بعداً كبيراً في الدراسات الأدبية والطبية على حد سواء، وكثير من الباحثين قد أغفل عبودية الإنسان في بحثه، فتاه في دراسات نفسية حادت عن الصواب وقربت من الخطيئة، فجاء البحث ليجيب عن التساؤلات الآتية:
هل سيقت القصة القرآنية للترف والتسلية أم للعبرة والترقية؟ ماذا قدمت القصة القرآنية من بيان لمعالم ومجاهيل وأغوار النفس الإنسانية وعوامل تشكيلها وتطويرها وتزكيتها؟ وكيف رسمت القصة القرآنية الشخصية قبل الإيمان وبعده؟
ثانياً: أهداف البحث: يهدف البحث لبيان الدور المحوري للقصة القرآنية في تصوير الشخصيات ورسمها، وأثرها الكبير في تطوير وتنمية وتزكية الشخصية الإنسانية.
ثالثاً: أهمية البحث: أولى القرآن الكريم القصة اهتماماً كبيراً لما لها من تأثير عميق الغور في النفس الإنسانية وصياغة جُوّانيتها وتطورها وزكائها؛ لذلك فقد فصّل القرآن وبين معالم الشخصية ومداخلها وأبعادها وعوامل تزكيتها وتطويرها.
رابعاً: دراسات سابقة:
رسالة ماجستير من جامعة اليرموك الأردنية، بكلية الآداب: الشخصية في القصص القرآني (دراسة نصية نقدية تحليلية لشخوص مختارة) خالد الدولات 1996، لكنّ هذه الدراسة توسعت في تفاصيل كثيرة اقتضتها ظروف الرسالة، وقصرت الدراسة على شخصيات محدودة.
- بناء الشخصيةٌ في القصة القرآنيةٌ دراسة نفسيةٌ/ د. عبد الوهاب الشيخٌ /كليةٌ التربيةٌ / قسم علوم القرآن مجلة الجامعة العراقية وهي دراسة جادة لكنها قاصرة على شخصية قارون فقط.
- بناء الشخصية في القصة القرآنية د مصطفى عليان، جامعة أم القرى في مكة، دار البشير للثقافة والعلوم 1992، والدراسة جادة ومسهبة، ولكنها عالجت الجانب النفسي وصفيا للشخصيات القصصية، ولم تعمد لبيان وتشخيص عوامل تنمية وتزكية الشخصية الإنسانية بمنهجية واضحة.
خامساً: حدود الدراسة: التزم الباحث- بحسب وسعه- ببيان المعالم البانية للشخصية وأبعادها بحدود قرآنية، وحوائل التفاعل بينها وبين تزكية الشخصية، ولم يتوسع البحث اجتماعيا أو نفسياً، ولم يتفرع البحث في الاستفاضة بالأمثلة على ما يعنون من مطالب خشية الإطالة، وما ذكر يؤشر على ما وُصف.
سادساً: خطة البحث: جاءت الدراسة في مقدمة وثلاثة مباحث وعشرة مطالب وفق الآتي:
المقدمة: بين فيها الباحث وصفاً عاماً لعناية القرآن ببناء الشخصية، ومنهج الدراسة وأدبياتها.
المبحث الأول: معالم الشخصية في القصة القرآنية
المبحث الثاني: عوامل بناء الشخصية في القصص القرآني
المبحث الثالث: منهج القصة القرآنية في تشكيل الشخصية وبنائها
الخاتمة والتوصيات: حيث عرض الباحث أهم نتائج الدراسة واهم التوصيات.
المبحث الأول: معالم الشخصية في القصة القرآنية
تمهيد: أخذت الشخصية الإنسانية اهتماماً كبيراً عند مفكري العالم، قديماً وحديثاً: من فلاسفة وعلماء نفس([2]) وعلماء اجتماع([3])، وغيرهم من أصحاب المناهج البحثية وتطورها، وكلٌ ينظر إليها بحسب فكره وثقافته؛ فمن يرفع العقل ليجعله مقياساً للشخصية المثالية، ومن يختزلها بتركيبتها الداخلية المعقدة، أو على أثرها في محيطها ومجتمعها، لتعكس البيئة من حولها. وبقي الخوض في ماهية الشخصية وارتباطاتها وتحليل أبعادها حتى العصور الناهضة. ([4]) التي قرنت بين التفوق والنجاح وبين المكانة الاجتماعية والدور المشغول للشخصية في البنية المجتمعية.
والقرآن الكريم حين يبني الشخصية، يجعل من القيم أساساً لها، ويلهمها معايير راقية رفيعة وواقعية؛ للنظر في الكون، وتصور الحياة بشقيها: الدنيا والآخرة، ولا يهمل القرآن قيمة على حساب أخرى، بل يوازن بينها ضمن ضوابط تنظّم العلاقات البشريّة، وينوّع بينها لتشمل قيم الأفراد والأسر، والقيم الاجتماعية، حتى السياسية؛ فأسقط من معيار التفاضل والكمال كل صور الانتماء القبلي أو التقلب الوراثيّ، وجعلها مساحة فارغة بين صفحتين متقابلتين من وثيقة الحياة والحساب.ومحّض اتجاه الأمة لرفع قيمة الخير وحطّ من قيمة الشر ونكّسه وللقصة القرآنية دور كبير في إبراز العديد من الشخصيات وبيان أنواعها وتطوراتها، والمؤثرات فيها، والحوائل دون تزكيتها وتطويرها، والثوابت والمتغيرات فيها، وعوامل بنائها ونكوصها؛ لذلك احتفى القرآن بالقصة القرآنية احتفاء كبيراً، وأفرد للقصة القرآنية ثلث مساحته. فما هي القصة وما هو دورها في بناء الشخصية؟
أولاً: القصة لغة: قال ابن منظور: ” قال الليث: القَص فعل القاص إذا قص القصص، والقصة معروفة، ويقال: في رأسه قصة يعني: الجملة من الكلام، أي: نبين لك أحسن البيان. ويقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شيء، ([5]) ” والقِصّة: الخبر، وهو القَصَصُ، وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً وقَصَصاً: أَوْرَدَه، والقَصَصُ الخبرُ المَقْصوص بالفتح وضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه”([6]).
ثانياً: القصة اصطلاحاً: ” هي الخبر الطويل الذي يتبع بعضه بعضاً، حتى يتناول الأمر من جميع جوانبه”([7]). ولا يستقيم تقييدها بالطويل([8])، فيمكن إنشاء القصة ببلاغة عالية وبعبارات قصيرة، وقصة أصحاب الفيل شاهدة.
ثالثاً: القصة القرآنية: لا يرى الباحث الأحداث التي عاصرها النبيّ ﷺ داخلة في القصة القرآنية؛ ويقتصر القصص- حسب فهمه للقرآن- فقط في الذي قصه الله على نبيه عن الماضين من أنبياء وسابقين؛ تلك التي قال الله عنها ﱡ ﲩ ﲪ ﱠ ([9]) ” فالقرآن الكريم أطلق لفظ القصص على ما حدث من أخبار القرون الأولى، في مجالات الرسالات السماوية، وما كان يقع في محيطها من صراع بين قوى الحق والضلال، وبين مواكب النور وجحافل الظلام”([10]) فهي أخبار الأمم السابقة، من أنبياء وغيرهم، التي عرضت على خاتم النبيين وأمته؛ لتكون لهم عظة وعبرة ومعلماً ودرساً؛ وما أخبر به الله عن أحداث حصلت في زمن النبي محمد ﷺ فهي من قبيل السيرة وما مهّد للرسالة والنبوة.
رابعاً: أهمية القصة: للقصة دور فعال في بناء وتكوين وتطوير الشخصية، وحمايتها من الانحراف والانتكاس؛ فالإنسان مجبول على حب القصة ومولع بها؛ ومن خلق هذا الكيان العجيب فهو أدرى به وبتوجهاته، لذلك ترى القصة وآدابها قد أخذت رواجاً كبيراً في العالم، وغطت مساحات بشرية شملت المثقف والعاميّ، بعكس الكِتاب الأكاديمي المقصور على العلماء والمثقفين؛ وما كان للقصة هذا الحضور لولا سهولتها ويسرها، وواقعية أحداثها وشهودها، وترابط الأحداث بشكل أخاذ جذاب كخيط العقد، ثم إنّ الناس يعشقون المغامرات والانفعالات، فيجدون في القصة ما يشبع حاجاتهم. وكم من أدب رفيع أو مكشوف قد انتشرت مضامينه وتمكنت؛ بسبب عرضه كقصة مقروءة، أو جُسد شخوصاً وحركات.
المطلب الأول: الشخصية عنصر أساس من عناصر القصة القرآنية:
تمتاز القصة بتنوع بنيتها، وأوّليات تكوّن عناصرها، وقد استقرأ النقاد عناصر ومقومات القصة، فكانت توصيفاتهم متفاوتة، بين اعتبار الزمان والمكان والحدث والجو، والصراع والتشويق والمزاج والحبكة والأزمة والذروة، ثم انحلال الذروة، وقبل كل ذلك الشخصية.
وعلى العموم فقد تواطؤوا على عناصر تجمع القصص كله([11])، وكان الاتفاق عند الجميع على اعتبار الشخصية من أهم مقومات وعناصر القصة؛ كيف لا؟ وهي عمودها الفقري، ومحور أحداث القصة تدور عليها؛ فلا قيام لحدث من غير شخوص تقوم عليه، بغض النظر عن نوعية القصة كما سيجيئ لاحقاً.
وقد اشتملت القصة القرآنية على كل العناصر التي اتفق عليها النقاد([12])، وعند تحليل القصة القرآنية إلى عناصرها الأولية نجد الشخصية أحد أهم عناصر القصة القرآنية؛ فاعتماد البناء الفني للقصة القرآنية على الشخصية يمثل الركيزة الأساس في تسلسل الحدث وفاعليته وتنوعه، وتعتمد عليها في إبراز الجانب الأدبي والخلقي من جهة، ونشأة الأحداث وصخبها من جهة أخرى.
وهذا المصطلح وإن لم يستخدم في القرآن قالباً حرفياً، إلا أنه حافل بمضمونه في القصة القرآنية؛ وهو مصطلح فنيّ أدبيّ، ولا ضير ولا حرج في استخدامه في القصة القرآنية، مَثَلُه مثل المكان في القصة القرآنية، الزمان في القصة القرآنية، بصفتها مصطلحات محايدة لا تنتمي لعقيدة أو اتجاه معين.. فما هو مفهوم الشخصية؟
أولاً: أصل الكلمة في اللغة: مادة “ش خ ص” في المعجم تدلّ على سواد الإنسان إذا كان من بعيد، وكل شيء رأيت جسمانه فقد رأيت شخصه. والشخص: هو كل جسم له ارتفاع وظهور، وجمعه أشخاص وشخوص وشِخاص. وشَخَصَ تعني ارتفع، والشخوص ضد الهبوط، كما يعني السير من بلد إلى بلد. وشَخَصَ ببصره أي رفعه فلم يطرف عند الموت([13]).
ثانياً: معنى الشخصية: هي كلمة – في بنيتها ولفظها- مترجمة عن اللغة الفرنسية في الأصل التي استخدمت فيها كلمة شخص (Personnalite) في القرن الثاني عشر الميلادي([14]). أما تعريفها الاصطلاحي فهو تعريفات كدوامة([15]) مستديرة؛ تدور ولا تستقر إلا بمنطقة محدودة؛ تعبر عن مرجعية قائلها ورائم أبعادها ومحدداتها، وبحسب القاعدة الفكرية لمعرّفها. وهي” صِفَات تميز الشَّخْص من غَيره وَيُقَال فلَان ذُو شخصية قَوِيَّة ذُو صِفَات متميزة وَإِرَادَة وكيان مُسْتَقل”([16]) وتتبع هذه التعريفات وتعقبها يطول، لكن أكتفي- التزاماً بحدود الدراسة – بتعريف الأستاذ عثمان فراح، أنها: ” التنظيم الهيكليّ الداخليّ لاستجابات الفرد الانفعاليّة الذاتيّة والخارجيّة، بالإضافة إلى العمليات العقلية العليا، كالإدراك والتذكّر التي تحدّد شكل الأنماط السلوكيّة الاستجابية للفرد”([17])، قلت: هي ذلك الكم المركب من الروح والجسم والعقل بأبعادها ومرجعيتها، بتفاوت بينها في الفعل والعلة([18])؛ ” فالشخصية إذن نظام متكامل من سمات تتفاعل مع بعضها وتؤثر في بعض، وهذه السمات ليست صفات طارئة عابرة، ترتبط بموقف دون موقف، وإنما هي ثابتة يبدو أثرها في معظم المواقف، ولها أثر كبير في سلوكه”([19]) ويتعلق الشخوص بالظهور، فإن امتنع شخوصه فلا حضور له، ومنه الحضور الماديّ والحضور الفاعليّ والتفاعليّ. ومنه ظهرت تصنيفات الشخصيات؛ فمن كانت حضرته بارزة فشخصيته حاضرة فاعلة مؤثرة، والعكس يتفاوت من شخص لآخر بحسب ظهورها وانكماشها وقوتها وضعفها، ومرجع ذلك كله لما تحويه هذه الشخصية من قيم دينية وتربويات واتجاهات وخبرات، وشيء من الموروثات الاجتماعية. ” فالمجتمع يقوم على علاقات متبادلة، يكون الفرد فيها عنصراً مهماً، وتؤثر شخصيته في تفاعله مع المجتمع، كما يؤثر المجتمع على بناء الشخصية. “([20])
المطلب الثاني: أنواع الشخصيات في القصص القرآني وتنوعها: تنوعت أنماط الشخصية في القرآن تنوعاً شديداً، واكتسبت غنىً وتصنيفاً ظاهراً؛ وما كانت الشخصية في القصة القرآنية على وتيرة واحدة؛ فمن الشخصيات أئمة في الهدى، ومنهم أئمة في الضلال، ومنهم المقسط ومنهم القاسط، ومنهم العاقل وغير العاقل، ومنهم الملَك ومنهم الشيطان، ومنهم الرجال ومنهم النساء، ونستطيع تشخيص أنواع الشخصيات كالآتي:
أولاً: الشخصية الفردية: حتى الشخصيات في النوع الواحد قد تختلف وتتغير؛ حتى الأنبياء قد تنوعت شخصياتهم؛ فلا تستوي شخصية موسى وشخصية هارون، ولا داوود وسليمان عليهم السلام، وهكذا. لكنّ الثوابت عندهم واحدة؛ فكلهم بشر، ويتحلون بالصدق والأمانة في التبليغ والذكاء، أما متغيراتهم فهي كثيرة ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﱠ المائدة: ٤٨ وتختلف تجاربهم وتتباين؛ فكل نبيّ خاض ملحمة فكرية وصراعاً اجتماعياً وعسكرياً غير الذي خاضه أخوه النبيّ الآخر؛ فيعقوب لم يحكم، في حين تجد ابنه النبيَّ يوسف قد حكم، وتأثير شخصية موسى مختلف تماماً عن تأثير وحضور شخصية هارون؛ وهارون صاحب شخصية قوية نسبياً؛ فقد ضعف حضوره وتأثيره بغياب موسى وأمام شعب قد احترف الزندقة والتمرد، فلم يستطع إيقافهم، أما موسى فصاحب تأثير قوي وشخصية موجهة ضابطة، فكسر العجل وعقد محكمة للسامريّ وحكم عليه: وحتى لا يبقى للعجل أثره في النفوس، ولا تحدثهم أهواؤهم بجمعه بعد كسره أمر برميه في البحر، قطعاً لكل أمل ورجاء. والأمثلة والتجارب كثيرة وسأكتفي بما ذكرت خشية الإطالة.
وشخصية المرأة في القصة القرآنية متنوعة؛ فمنهنّ شياطينٌ ومنهن كالملائكة؛ فنجد شخصية كشخصية مريم عليها السلام تتواصل معها الملائكة. وشخصية كامرأة فرعون تربت في بيت شيطان، لكنها خرجت منه أقرب إلى الملائكية، في حين ترى امرأة نوح وامرأة لوط، كل منهما شيطانة تحت نبيّ: نجد الجرأة والقوة في شخصية كشخصية امرأة العزيز، تخرج كيدها وحيلتها كما تخرج النَفَس من صدرها؛ لم ترتبك ولم تتردد ولم تضطرب، وبكل جرأة تعترف أمام الملأ، وتهدد وتحدد العقوبة، والأمثلة كثيرة، والمساحة المتاحة في البحث محدودة، ولو تمت دراسة أنواع الشخصيات في القرآن دراسةً مستقلة ومن زوايا عدة لخرجت رسالة جامعية.
ثانياً: الشخصية الاجتماعية أو الجمعية: فهناك شخصية قد عبّر عنها القرآن ككتلة واحدة، ولكنها تمثل مجموعات من البشر والناس؛ كبني إسرائيل على سبيل المثال، تكلم عنهم القرآن كأنهم شخصية معيارية واحدة، قياسها واحد، مواصفاتها واحدة، تتقلب في الزمان والمكان؛ قال الله مخاطباً بني إسرائيل المعاصرين لنزول الرسالة: مع أن الوزر لا يحمله أحد عن أحد لكنها وحدة التوجه والسلوك.
ومن الشخصيات الجمعية أيضاً: نسوة المدينة في قصة يوسف؛ موقفٌ واحد، ويتحركن بحركة واحدة .
ومن الشخصيات الجمعية كذلك إخوة يوسف وأقوام الأنبياء، وغيرهم، كلها شخصيات عبر عنها القرآن كشخصية متحركة ناطقة بكلمة واحدة.
المطلب الثالث: رسم الشخصية وتصويرها في القصص القرآني
كان من قوة عرض الشخصية في القرآن أنها استطاعت- وبقوة- الصمود أمام تقلبات الزمان والمكان والإنسان، وما كان ذاك ليحدث لولا قوة صناعة تصوير ورسم الشخصية الحقيقية ” وكأنها تعيش في كل الأزمان على قدم المساواة، ودون أن ينال منها الزمن”([21]) بقدرة الرب سبحانه بهذا الأسلوب الأدبي، الذي يعبر عن المعاني بصور فنية، وعن المجردات وكأنك تنظر إلى لوحة متحركة من المعاني ” وتعدّ الصورة الفنية قاعدة الأسلوب القرآني الأساسية، وأداته المفضّلة في التعبير عن المعاني المجردة، والحالات النفسية، والمواقف الإنسانية”([22]).
واستطاعت الصورة القرآنية للشخصية سبر أغوار النفس الإنسانية وعرضها بمعانيها القريبة والبعيدة، وما كانت هذه المعاني البعيدة لتظهر لولا قوة عرض المعنى الأول المنتِج للمعنى الثاني؛ وهو ما عبر عنه الجرجاني بالمعنى ومعنى المعنى؛ ” ويعني بالمعنى: المفهوم من ظاهرِ اللفظِ، والذي تَصِلُ إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى: أن تَعْقِل من اللفظِ معنًى، ثم يُفضي بكَ ذلكَ المعنى إِلى معنى آخرَ”([23])؛ كذلك القرآن: حين يصور ويرسم شخصيةً معينة فهو يرمي منها بتعبير بعيد ومعنىً قريب ﱡﭐﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱠ العنكبوت: ٤٣ فيطلع القارئ على تكوين تلك الشخصية بنوع من الامتزاج والاقتراب. وقد تكون هذه الشخصية فردية أو جمعية كما تقدم. وقد نهج القرآن في تصويره للشخصية منحيين: التصوير المباشر وغير المباشر:
أولاً: التصوير المباشر: وهو أن يعمد إلى رسم الشخصية بطريقة توصيفية تعريفية حادة، وهو الذي يكثر التأوه، ومعناه: أنه لفرط ترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له، مع شكاسته عليه، “([24]).
ثانياً: التصوير غير المباشر: وهو رسم الشخصية والتعبير عنها بالمواقف والأفعال التي يقوم بها، وبالتضحيات الجليلة، التي هانت عليه في مقابل سلم أولوياته؛ ومن عظمة القرآن أنه يعطينا أبعاد الشخصية في بضع كلمات؛ فلكل شخصية مفتاح، به تعرف هذه الشخصية؛ قال الله عن يوسف- عليه السلام- بلسان القصر: وعرفنا شخصية أيوب- عليه السلام- الصابر المحتسب من خلال المواقف التي عاشها فهذه المواقف وغيرها تبين لنا اتجاهات الشخصية ومكامن أبعادها.
ونستطيع أن نقسم أبعاد الشخصية إلى ثلاثة:
أولها: البعد الداخلي أو الجوّاني: وهو العالم النفسي للشخصية وعواملها الداخلية، وهذا هو الإنسان في الحقيقة؛ وباقي ما تبقى رتوش ولمسات لا تعار لها الأهمية بالنسبة للبعد الداخليّ.
ثانيها: البعد الخارجي أو البراني: وهي الصورة الخارجية. والقرآن لم يعرها كبير اهتمام؛ لأنها لا تعكس حقيقة الإنسان، فحقيقته هي قواه الفكرية والنفسية. ولمّا عجب الصحابة من دقة ساق ابن مسعود التي أصبحت محل سخرية امتعض رسوا الله ﷺ، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ ” قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ “([25]). وموسى- عليه السلام- كان شديد السمرة([26])، وهناك عيّ في لسانه، لكنه من أولي العزم. فلم يعر القرآن للبعد الخارجي أهمية تذكر إلا في سياق معين؛ كذكر مؤهلات القيادة العسكرية وبشكل هامشي، كما ذكر طالوت: وما ذكر هذا البعد إلا أنه يتكلم عن شخصية عسكرية ميدانية.
ثالث الأبعاد: البعد الاجتماعي: وهو المركز والحالة التي يعيشها صاحب الشخصية، فالملك في قصة يوسف تكلم بكلام الملوك وبصيغة الاستعلاء: كلام يتسق مع المركز الذي يملؤه؛ بغض النظر عن صحته بذاته وموافقته للحق؛ ففرعون بمركزه الذي وضع نفسه به أصبح إلهاً، وقال كلاماً يتناسب مع شخصيته: فموقع الإنسان الاجتماعي يملي عليه طريقة خطاب معينة.
المبحث الثاني: عوامل بناء الشخصية في القصص القرآني
تمهيد: الشخصية والميراث المجتمعي: وأقصد بالميراث: الجانب الإرادي واللاإرادي من الموروثات الفكرية والنفسية والطبعية؛ فهناك جانب إراديّ نحن مسؤولون عنه، وهناك جانب لا إراديّ، ورثناه بحكم الجينات والقرابة، وتركيز الباحث هنا على الجانب الموروث، القابل للتغيير والتوجيه والتطهير؛ فالله عز وجلّ قد أمرنا بالتطهر من موروثات بيئية اجتماعية وموروثات جينية متوارثة، وموروثات النفس التي جبلنا عليها، فهذه ثلاثية تضيق على الشخصية وتمنعها من التزكية والتطهير والتطوير؛ عوالق المجتمع والبيئة، وأصعب منها عوالق النسل العائلي، والأصعب منهما عوالق النفس وطبيعة خلقتها؛ ووظيفة الإنسان هي التطهير من هذه العوالق، ومن ثم التنمية والتطوير والارتقاء؛ وهو ما عبر عنه القرآن بالتزكية، فالتزكية هي تطهير من جانب ونماء وتطوير من جانب آخر: ” والزكاة: الصلاح”([27])، ” أصلٌ يدل على نَمَاءٍ وزيادة”([28]). وعلّق الله فلاح الإنسان بتزكية نفسه فقال الله: ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱠ الأعلى: ١٤ وقال: ﱡﭐﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱠ الشمس: ٩، والفلاح: من الفَلح، محرّكَةً، والفَلاَحُ: الفَوْز بما يُغْتبَط به، وفيه صَلاحُ الحال والنَّجاةُ، والبَقاءُ في النّعيم والخَيرِ”([29]). فالفلاح فيه شق الفوز وشق الفوز بالمرغوب تماماً، وشق الدوام فيه والبقاء. والإنسان قادر على التغيير، بل هو قابل لذلك التغيير؛ وإلا لانتفت الغاية من الرسالة والرسل، ولابتعدت النجعة من الدعوة.
ويبطل القرآن فكرة توريث الخطيئة كما تزعم المسيحية، وفكرة شيطنة الإنسان، وأنه شرير بطبعه([30]) قال الله: ﱡﭐﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﱠ النجم: ٣٦ – ٣٨ فيعلن القرآن الكريم براءة الإنسان من أي خطيئة، بل هو إلى الخير أقرب؛ فحين اقتضت إرادة الله عز وجل أن يكون الإنسان محل الاستخلاف في الأرض، وضع فيه قابلية المحبة للخير؛ بفطرة نقية، تتوجه للخير والصلاح والاستقامة، قال الله: ﱣﭐﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱢ الروم: ٣٠، فالإنسان يتحلى بقدرات وتوجهات تؤهله لتزكية نفسه وتطويرها وبنائها.
المطلب الأول: مقاصد القصة القرآنية وأغراضها، وأثرها في بناء الشخصية:
قطع الله في القرآن الكريم أنّ في اتباع الهدى عصمةٌ من أربعة أمور: ضلال وشقاء وخوف وحزن، فهل تتعدى أمراض البشرية هذه الأربعة؟ فتيه وانحراف يتبعه شقاء وعناء، ويلحقه الخوف (الفوبيا) والحزن (الاكتئاب). ﱣﭐﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﱢ طه: ١٢٣ وزاد جاهزيته وأهليته للاستخلاف والثبات؛ بأن وهبه عقلاً يعصمه ويضبط سلوكه ويوازن بين أولوياته، لذلك كان من أسماء العقل: النهى، قال الله عز وجل: ﱣﭐﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱢ طه: ١٢٨ وقد سُمي بذلك لأنه ينهى عن القبائح “.. سُمّي بها لنهيه عن اتباع الباطل وارتكاب القبيح، كما سُمّي بالعقل والحجر، لعقله وحجره عن ذلك لذوي العقول الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما تدّعيه الطاغية، وتقبله منهم الفئة الباغية. وتخصيص أولى النُّهى مع أنها آيات للعالمين باعتبار أنهم المنتفعون بها”([31]). وهذه المواهب وهذه الهدايات قد وجدت لغايات وأغراض، وسيجمل الباحث أهم غرضين قصدهما القرآن الكريم عامة والقصص القرآني بشكل خاص:
والغرض هو الحاجة والبغية من الشيء، كان هذا الشيء كلاماً أو فعلاً([32])، والحكماء لا يتكلمون إلا لمقاصد، وكل كلامهم مغيّاً بغاية وهدف، فما بالكم برب العالمين، رب الحكماء وأحكم الحاكمين سبحانه، قال الله عز وجلّ: ﱣﭐﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﱢ يوسف: ١١١. وأغراض القصص القرآني كثيرة جداً، لا تحصر ولا تجمع، وهي تختلف وتتغير بحسب كل مجتهد واجتهاده، وكل ناظر وما نظر؛ فهناك أغراض كلية تمثل أمهات الأغراض، وهناك دروس تفصيلية، وما يفتح للناظر فهو نعمة وهبة ربانية. ومقام هذه الدراسة يبعث على الإيجاز غير المخل، وندع التفاصيل للمطول من الكتب والدراسات، والحر تكفيه الإشارة، ويكتفي الباحث بذكر ودراسة أهم الأغراض([33]) للقصص القرآني والعمل على تثبيته في دينه، وتقوّمه وتمنعه من الانحراف([34]):
أولاً: إحياء وظيفة الروح/ تثبيت دعائم الإيمان: ويمثل هذا الغرض أمّ أغراض القرآن كله؛ والقصص القرآني جزء من هذا القرآن ﱣﭐﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱢ هود: ١٢٠ وأول قوافل الثابتين هو محمد ﷺ؛ فإذا ثبت القائد والرمز ثبتت الأمة من بعده؛ هب أنّ النبيّ تنازل- وحاشاه -ﷺ لتجدنّ النكوص سيد الموقف، والتنازل سمة المرحلة.
إنّ للإيمان دوراً راسخاً في استقرار الحياة وتوازن العلاقات بين الناس، وهو لبنة بناء الأمم والأفراد. والمغامرة والإخلال به له عواقب وخيمة، لا تحمد عقباها: على الصعيد الشخصي والمجتمعي، بل العالمي؛ فالإيمان روح تتصل بالعالم الغيبي، تهذب النفس وتضبط العاطفة وتصحح المسار. لذلك أولت القصة القرآنية للإيمان اهتماماً ملحوظاً، وجعلت منه أم الأغراض وسيد الغايات. جاء في أَوّل سورة يوسف: ﱣﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﱢ يوسف: ٣. وفي نهاية السورة: ﱣﭐﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﱢ يوسف: ١١١. وجاء في سورة القَصَص قبل عرض قصّة موسى-عليه السلام-: ﱣﭐﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﱢ القصص: ٣، وفي خواتيمها: ﱣﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ القصص: ٤٤ – ٤٥. وجاء في سورة آل عمران في مبدأ عَرضه لقصّة مريم- عليها السلام-: ﱣﭐﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱢ آل عمران: ٤٤. وفي سورة (ص) قبل عرض قصّة آدم: ﱣﭐﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﱢ ص: ٦٧ – ٧١. فالإيمان بالله يقوّم قلوب المؤمنين، فلا يفكرون إلا صالحاً، ولا يتدبرون إلا ناجحاً، وركن الإيمان بالملائكة يورث الإنسان الاستقامة على أمر الله؛ حين يعلم بأنّ هناك من يدون ويسجل كل أقواله وأعماله، فيحرص على سلامة سجله مما يشين ويدين؛ فيثمر ذلك تصحيح العمل والأوبة إلى الله تعالى؛ مما يورث الأمن والسكينة النفسية للإنسان، قال تعالى: ﱣﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ق: ١٧ – ١٨ كما أبرز ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال رحمه الله: ” فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل وانتصر لهم”([35]).
وقد ساق القصصُ القرآني معاني وكليات من شأنها رفع منسوب الإيمان واليقين، تحفظ المتدبر لها من الانحراف والتطرف والزلل والتفريط، وتنمي شخصية المتدبر لها وتزكيه.
ثانياً: إحياء وظيفة العقل: يحتفي القرآن الكريم بمكانة التفكير السليم، والنظر الصحيح في الكون؛ ليكون بوابة كبيرة من بوابات الإيمان بالله، قال تعالى: ﱣﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱢ آل عمران: ١٩٠ – ١٩١. وجعل الله أحد أهم وسائل التطور الفكري والتفوق الإيماني هو استخدام قوة العقل في الوصول إلى الله، فندب إلى إعمال العقل في قصص من سبق؛ ليتبين لهم الحق: ﱣﭐﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱢ طه: ١٢٨” يعني: لأهل الحجى والعقول، ومن ينهاه عقله وفهمه ودينه عن مواقعة ما يضره”([36]). ومن هنا فقد ثرّب القرآن على من سلّم عقله لغيره ولم يتفكر، وشبهه بدواب الأرض، التي لا تعقل: ﱣ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﱢ الأنفال: ٢٢ ” سماهم دوابّ؛ لقلة انتفاعهم بعقولهم، قال تعالى: ﱣﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ الأعراف: ١٧٩([37]).
ويحث القرآن الناس على إعمال العقل ليصل بهم إلى الحقيقة، ويعلموا أنّ الله هو الحق، وأن ما دونه هو الباطل: ﱣﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱢ الحج: ٦.
وقد كان من غايات القصة القرآنية التفكر والتدبر، قال الله ﱣﭐﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﱢ الأعراف: ١٧٦. فكانت القصة القرآنية وسيلة من وسائل الحفظ من الانحراف والوقاية من الضلال: ﱣﭐﲷ ﲸ ﱢ” فيقفون على جلية الحالِ وينزجرون عما هم عليه من الكفر والضلالِ؛ أي فاقصُص القصص راجياً لتفكرهم أي أو رجاءً لتفكرهم”([38]). فقبل عرض موجز لبعض قصص السابقين، قدّم الله لعظم وظيفة العقل في التحصن والتمنع من الخطيئة، فقال سبحانه: ﱣ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱢ الفجر: ٥([39]) ثم عرّج على الأقوام الذين لم يحجرهم عقلهم عن الرذائل والشرور، وبدأ بأعظمهم: ﱣﭐﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﱢ الفجر: ٥ – ١٤. وقد أكدت الدراسات الحديثة أنَّ المتطرفين والمتعصبين دينيًّا لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم؛ إذ إنَّ المتطرفين لا يسمحون للآخرين بإبداء آرائهم، كما أنهم يتميزون بالعنف في التعامل، والخشونة والغلظة في الدعوة، بالإضافة إلى النظرة التشاؤمية، والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها، والاندفاع وعدم القدرة على ضبط النفس، كما أنَّ المتعصبين والمتطرفين دينيًّا غالبًا ما يتميزون بحداثة السن، وقلة العلم، والفشل في الحياة([40]).
المطلب الثاني: تطور الشخصية في القصص القرآني: حررنا من قبلُ- في تمهيد هذا الفصل- قابلية الإنسان للتزكية والارتقاء، أو الخسة والانتكاس؛ وأقصد بالتطور في الشخصية هو التغير الحاصل فيها إما إيجابياً وإما سلبياً، وإن كان التطور قد يحمل للإيجابية أكثر. وأخصّ بالتطور هنا التطور الفكري والروحي، لا الجسدي والمادي؛ فهذا مجرد نمو لا يعني للحقيقة شيئاً.
والإنسان جزء من هذا الكون المتحرك المتحول، ويأخذ حظه من هذا التحول([41])؛ وسأضرب بعض الأمثلة لشخصيات تغيرت، وسأبدأ بالأسفل من باب التنقية منه، ثم أعرج على أمثلة طفيفة من الأرقى:
أولاً: شخصيات هابطة: وهو مَثَلٌ غريب عجيب ضربه الله لشخصية سقطت من علوّ، أوتيت الآيات وانسلخت عنها ﱡﭐﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﱠ الأعراف: ١٧٥ ضرب الله تعالى المثل لهذا الخسيس الذي آتاه آياته فانسلخ منها بالكلب، ولم تكن حقارة الكلب مانعة من ضربه تعالى المثل به، وكذلك ضرب المثل بالذباب“([42])
ومن الشخصيات الهابطة التي انتكست وانحدرت شخصية الملعون إبليس نفسه؛ بعد أن كان يعايش الملائكة ويحسب من جملتها؛ لأنّ التكليف قد ثقل عليه فأقعده. ﱡﭐﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱠ الأعراف: ١١.
ثانياً: شخصيات صاعدة: وقد قصّ القرآن علينا أمثلة كثيرة، ارتقت من وحل الخطيئة إلى غمام القبول، ومن شبائك إبليس إلى سعة رحمة الله وفضائله، ومن هذه الشخصيات: سحرة فرعون؛ بدأوا من الحضيض النازل؛ من سحرة مأجورة تشترى وتباع، من قولهم: ﱡﭐﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ الشعراء: ٤١. ومن سحرة أضفت العزة لذليل، من أجل متاع قليل: ﱡﭐﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱠ الشعراء: ٤٤. وبعد أن لامس الإيمان قلوبهم([43])، وفجأة: ﱡﭐﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱠ الأعراف: ١٢٠ – ١٢٢ انقلاب من نقيض إلى نقيض في دقائق، بل حين هددهم فرعون بالقتل: ﱡﭐﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ الأعراف: ١٢٤ – ١٢٦.
ومن الشخصيات التي تزكّت وتطورت شخصية امرأة العزيز؛ وهي تختلف عن شخصية السحرة؛ أنّ تطورها كان بطيئاً قياساً بالسحرة، فقد أثمرت بذور الدعوة وأدماث أخلاق يوسف عليه السلام حين كان في بيتها نامياً عندها- ولكنّ حسنه وبهاءه قد شغلها وشغفها عن فكرته- فما كان ليوسف لينشأ عندها مجرد آكل وشارب، وانظر إلى ذلك الحوار الذي دار بينه وبين السجناء في السجن، لتعرف كيف أنّ طاقة يوسف عليه السلام إيجابية أخّاذة، في كل مكان يحلّ به عليه الصلاة والسلام ﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ يوسف: ٣٩ – ٤٠. فالانقلاب إما أن يكون سريعاً كما وجدنا من تحول السحرة للحق وإبليس للباطل، وإما أن يحتاج لوقت وتريث؛ والزمن جزء من العلاج؛ فامرأة العزيز لها عبارتان تدلان على الفارق الهائل بين زمنين لهذه السيدة، فالعبارة الأولى قالتها بتبجح وعناد وتحدٍّ وتعنت شديد، بل أكدت الإشاعات للنسوة اللاتي جمعتهن بقولها: ﱡﭐﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱠ يوسف: ٣٢ أما الموقف الثاني والعبارة الثانية فهو من باب الاستغفار والتوبة والاعتراف بالذنب والانكسار، مع أنّ الألفاظ واحدة، لكن الوضع النفسي متغير كالسماء بالنسبة للأرض: ﱡﭐﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﱠ يوسف: ٥١
ولا أريد الإطالة، وهناك أمثلة كثيرة: كتطور شخصية يعقوب ويوسف ويونس وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام؛ ولكنّ هذا التطور من حسن إلى أحسن ومن كمال إلى أكمل، وهذا يحتاج دراسة خاصة، تحمل- مثلاً- عنوان: التطور الأمثل في شخصيات الأنبياء / دراسة في ضوء القصص القرآني.
المطلب الثالث: حوائلُ التفاعل بين القصة القرآنية والشخصية الإنسانية
أولاً: الجهل: وهو أسّ الانحراف وغذاؤه؛ ذلك أنّ العلم الصحيح يحمي صاحبه ومَن حوله، والجهل نار تحرق الجميع، وقد كانت باكورة الوحي ومطلع نوره ﱣﭐﲅ ﱢ العلق: ١ ولم يقل: فكّر! بل اقرأ؛ لأنك إن فكرت بمعزل عن العلم والقراءة أفسدْتَ عقلك وانتهيت لدائرة اللا علم، وهو الفراغ، وبالتالي وهمُ العلم، ووهم الحق واحتكاره، واحتقار غيره. وأعني بالجهل معناه الواسع؛ من عدم المعلومة، وتحكم القوة وغلبتها على الضعيف ﱣﭐﳍ ﳎ ﳏﱢ المائدة: ٥٠ ومن هنا نتج عندنا صنف يعلم: رفع القرآن من قدره فقال: ﱣﭐ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱢ الزمر: ٩ وصنف لا يعلم: حضه القرآن على العلم، وصنف جاهل يدعي الحق معه ولا يملك سوى وهم وأمنيات ﱣﭐﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱢ الرعد: ١٩. فالجهل سبب إعراض المعرضين عن دعوة الأنبياء والمرسلين ﱣﭐﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱢ هود: ٢٩.
ثانياً: التمسك بالأفكار القديمة (التقليد الأعمى): وهذه الآفة الخطيرة قد جمّدت الوعي وشلت التفكير؛ فترى حماساً للماضي وميراث الأجداد! وفتوراً ونكوصاً عن كل إبداع وتجديد! ولو كان هذا التجديد منضبطاً بقواعد الدين والمنهج؛ وما ذلك إلا لاتّباع هوى النفس، بتمسكها بكل مألوف ودارج ومعتاد ﱣﭐﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱢ الأعراف: ٧٠ إنّ آفة المجتمعات في كل زمان ومكان هي التقليد البليد المستحكم، الذي يشلّ عقول الناس، ويستبقيها مغتبطة بملازمة ما وجدت نفسها فيه، وعاجزة عن إدراك ضرورة مبارحة ما هو كائن الى ما يجب أن يكون.. “([44])
وقد كان من أسباب صد فرعون وقومه عن موسى عليه السلام هو إلف الآباء: ﱣﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﱢ يونس: ٧٨ وكذلك كان صد قوم إبراهيم عنه لذات السبب: ﱣﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﱢ الأنبياء: ٥١ – ٥٤. وما كان شيء أشدّ على الأنبياء من هذا الحائط القوي المنيع؛ فهو خط الدفاع الأول والأخير للأقوام في مواجهة الدعوة الجديدة. وانظر كيف مدح الله من اهتدى بنور الله، فجعل الله عقل هذا المهتدي كاملاً راقياً فقال الله: ﱣﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱢ الزمر: ١٧ – ١٨.
ثالثاً: التعصب والتحجر: وهو عدم قبول الحق، ورفضه ومحاربته، مع ظهور دليله وقوة وحجته، ” من العصبية، وهي أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين”([45]). ﱣﭐﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﱢ هود: ٩٦ – 97 ” ﳉ ﳊ ﳋ- أي: مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي والضلال- ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ: أي: ليس فيه رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال، وكفر وعناد”([46]) وهو مرض فِكْرِيٍّ يعيشه المريض؛ متوهماً الاستعلاء والتفوق على غيره، وبالتالي فهو يزعم أنه يحتكر الحقيقة. وقد تسبب هذا الكبر الصدّ لشعيب عليه السلام من قبل: ﱣﭐﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱢ هود: ٩١وما ذلك إلا لكرههم واستحقارهم لغيرهم، وغرورهم بذواتهم وتضخم مفهوم الأنا عندهم، كما رأينا من فرعون حين رفض الحق وقال: ﱣﭐﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﱢ غافر: ٢٩.
خامساً: القهر والاستبداد: فمن وقعت عليه المظالم، وصَار أَمرُه إلى القهر، وتُسلّط عليه بالظّلم، وصار أمره عَسْفاً فلا تأمن عليه السكون؛ ” والمجتمع الذي يتحكم فيه الاستبداد هو مجتمع خامل، معطل، متراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها، يسوده التخلف، وتسيطر عليه الخرافة، وتنعدم فيه القيم وتموت فيه الفضيلة.. “([47]). وهو الجو الذي ساد حقبة فرعون حين قال: ﱣﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﱢ الأعراف: ١٢٧ ﱣﭐﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱢ القصص: ٤ والنموذج الفرعوني حيّ يتكرر، وعلى مستوى الأسرة أيضاً، فهو الحل الأسهل ولا يحتاج لكبير علم أو تنوير؛ فإما القتل ﱣﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱢ غافر: ٢٦ أو السجن ﱣﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﱢ الشعراء: ٢٩ أو التشهير والاتهام بالباطل: ﱣﭐﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﱢ الإسراء: ١٠١ ” بل تعدى الأمر والقهر أن يتحكم بقهره في طريقة تفكيرهم: ﱣﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﱢ غافر: ٢٩ حتى في اختيار دينه: ﱣﭐﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱢ الأعراف: ١٢٣، وكانت النتيجة تدمير الإرادة ﱣﭐﳉ ﳊ ﳋﳌﱢ هود: ٩٧ ” رضوا بمتابعة فرعون، فاستحقوا ما استحقه، لم يشعروا بخطئِهم، وكانوا يحسبون أنهم يُحْسَنون صُنْعاً. وإذا ما أوردهم النارَ فهو إمامُهم، وسيعلمون ما أصابهم من الخسران، حين لا ينفع تضرعُهم وبكاؤُهم، ولا ينقطع عذابُهم وعناؤهم، وتغلب خسارتهم وشقاؤهم، وذلك جزاءُ مَنْ كَفَرَ بمعبوده، وأسرف في مجاوزة حدوده. “([48]).
المبحث الثالث: منهج القصة القرآنية في تشكيل الشخصية وبنائها
سلكت القصة القرآنية قواعد وأسساً مضطردة، هدفت إلى بناء الشخصية القويمة السليمة وتشكيلها؛ فكل قصة من القصص القرآني كانت تعزز وتوجه لهذه الأسس والمعايير، إما مجتمعةً وإما متفرقة، ويرى الباحث- في حدود بحثه- أنّ القصة القرآنية استطاعت صياغة منظومة منهجية تربوية، شكلت من خلالها شخصيةً قادرة على تحمل هذه الأمانة العظيمة، من حفظ الدين والدعوة إليه والصبر على القيام بواجباته وأعبائه، وقد تمثلت هذه المنهجية بالنقاط التالية: ([49])
المطلب الأول: عرض النموذج:
أولاً: طرح النموذج السيء الهابط للحذر منه والتنفير من مقاربته: وهو أسلوب ناجح في ربط السوء بنماذج سيئة؛ من خلال تبيان خِفَّ وَإِسْفافِ تلك الشخصيات، وأثرها القبيح والشائن في المجتمعات والبشر.
ويأخذ هذا الأمر خطورته الآن في تعظيم وسائل الإعلام من النماذج السيئة، ومحاولة فرضها قدوات للمراهقين، والبالغين، فوضْعُ المعايير الأخلاقية في مكانها الصحيح يكون عبر تقديم النماذج التي قدمت نفعاً للبشرية ورفعةً للإنسان؛ ففرعون قد مثّل حالة متكررة للحكم الشمولي الهاتك للعرض والعقل والمال: ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱠ البقرة: ٤٩ إنه الحكم المستبد حتى بطريقة تفكيرك واختيارك لعقيدتك ﱡﭐﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞﱠ الأعراف: ١٢٣ ﱡﭐﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﱠ يونس: ٨٣ ويتحكم بحركتك ويمنع عنك اختيار مكان العيش الذي تهدأ نفسك به: ﱡﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗﱠ يونس: ٩٠، وهناك نماذج كثيرة، وبتصنيفات أخرى، لعلها تكون في دراسة خاصة تستفيض بها الورقات.
ثانياً: عرض النماذج الحسنة الشريفة الصائبة: وذلك بتقديم القيمة مشخصة بشخوص وأعيان، وتقدم هذه القدوات بمعاناتها وصبرها، ونتائج حصادها، ثماراً نفعت نفسها، وأضفت على البشرية ثوب الأمن والهناء والرغد؛ بدءاً من ذي القرنين ورحلته المجيدة ﱡﭐﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱠ الكهف: ٨٣ – ٨٥ إلى موسى- عليه السلام- صاحب الخلق الرفيع: ﱡﭐ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ القصص: ٢٣ – ٢٤. وقال عن إبراهيم وإسحق ويعقوب- عليهم السلام- ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱠ الأنبياء: ٧٣. ولو تدبرنا دور الثبات في الدعوة لاقتدينا بنوح عليه السلام ﱡ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﱠ العنكبوت: ١٤، مع قوله تعالى ﱡﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ هود: ٤٠!! إنها الشخصية الثابتة ولو كان في وجهها الإعراض والجحود. وهم النموذج الأمثل في الصبر ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱠ الأنبياء: ٨٣. والعفو والمسامحة ﱡﭐﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ يوسف: ٩٢، حتى من ابتلي بالوحدة والحرمان من الذرية كزكريا ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱠ آل عمران: ٣٨ فلنا فيهم العبرة؛ فنجعل من هديهم معبراً نجتاز به تلاطم بحر الفتن والشهوات ﱡﭐﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁﱠ يوسف: ١١١، ليثبت الروح والفؤاد ويستقر القلب ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱠ هود: ١٢٠. فربط الشخصية المسلمة بالقدوة الحسنة، وتنفيره من السيئة له الدور الكبير في تشكيل الشخصية المسلمة، وثباتها وتزكيتها. ([50])
المطلب الثاني: عامل الزمن: وقد اعتمد القرآن على عامل الزمن في تطوير الشخصية وثباتها، وخلوصها من شوائبها وعوالقها، وهناك العديد من العوامل التي تسهم في تبدّلات وتطورات الشخصية؛ منها الاجتماعي، ومنها العامل السيكولوجي، ومنها العامل الصحي والبيولوجي، ومنها الاحباطات التي يتعرض لها، والصراعات النفسية، داخلية كانت أم خارجية، والشعور بالتهديد أو الوقوع فيه، كلها عوامل تؤثر وتسهم في تغيير وتطوير الشخصية، وأحد هذه العوامل عامل الزمن؛ تأمل قوله تعالى: ﱡﭐﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ طه: ٨٢. ” وثم في قوله: ﱡﲌ ﲍﱠ للتراخي النسبي؛ إذ أنّ هناك فرقاً كبيراً بين من يتوب إلى الله- تعالى – ويقدم العمل الصالح، ويستمر على ذلك إلى أن يلقى الله- تعالى- وبين من لا يداوم على ذلك”([51]). ” أي استقام ودام على الإيمان والتوبة والعمل الصالح”([52]). وهناك عامل الزمن النفسي؛ كمن يزرع البذرة وينتظر ثمرها؛ وتطور الشخصية وتشكلها يحتاج إلى الزمن والأناة؛ وانظر لحال شخصية كشخصية يوسف عليه السلام؛ كيف تشكلت شخصيته وتزكّت، بفضل عامل الزمن والضنك في السجن؛ فحين عبّر رؤية الفتيين أوصاهما بوصية لا تليق بمستوى يوسف عليه السلام؛ حين سأل غير الله، ولما يمكث في السجن، فقال للناجي من الفتيين ﱡﭐ ﲧ ﱠ يوسف: ٤٢؛ فطلب الشفاعة فوراً، فلبث في السجن بضع سنين، إلى أن رأى الملك رؤياه وعرضها على حاشيته: ﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠ يوسف: ٤٣ – ٤٥ فعبّر يوسف الرؤيا وأسعد الملك، وطلب حضور يوسف: ﱡﭐﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﱠ يوسف: ٥٠، وهنا كانت الشخصية العظيمة؛ قد كملت فوق كمال ونمت وتطهرت فوق نمائها وطهرها؛ ففي الأولى: اذكرني عند ربك وفي الثانية ارجع إلى ربك. الأولى أخذت بعض يوم والثاني بضع سنين؛ فعملت السنين بيوسف حين التقط الرسالة من ربه أول مرة، وعرف أنه ما عوقب إلا بهذا الذنب؛ وهو العجلة على الله. وهي ذات الرسالة التي أرسلها الله ليونس حين التقمه الحوت، وعرف أنه لم يصبر على قومه، وأدرك ذنبه قائلاً: ﱡﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﱠ الأنبياء: ٨٧ والأمثلة كثيرة.
المطلب الثالث: بناء العقل السنني: يبني القرآن عقلية أتباعه على أنّ ما يقع في هذا الكون من مجريات، إنما يحدث وفق قانون حادّ صارم، لا يتبدل ولا يتغير؛ وكل مخلوق مقهور بهذا القانون، ولا يملك البشر من هذا القانون سوى تسخيره ووفق قانون أيضاً؛ وهذه القوانين قد سماها الله بالسنن. والسنن جمع سنة، وهي تعني السيرة، حسنة كانت أو قبيحة([53]). ” وفي حديث المجوس: ” سنوا بهم سنة أهل الكتاب” أي خذوهم على طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم”([54]) فيدور معنى الكلمة على الطريقة المتبعة؛ أي طريقة الله المتبعة في الكون؛ ويقصد الباحث هنا طريقة الله وقوانينه الاجتماعية في الكون- وليس قوانين الله في الخلق والتكوين؛ فهي سنن مادية كونية- وفائدة تسخيرها؛ وهي قوانين محايدة لا تخضع للإنسان لمجرد كونه مسلماً، بل تخضع-بإذن الله- لمن عرفها وطوع مسارها.
والعقل السنني يبني حياته ويتشكل وفق الطريقة الإلهية المضطردة في معاملة الله تعالى للبشر؛ فبذلك يحافظ على يقينه وإيمانه؛ لعلمه أنّ ما يجري من حوله خاضع لسنة الله في الكون، وليس وفق أهواء ورغبات وأمنيات؛ بل باضطراد وثبات ﱡﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﱠ الأحزاب: ٦٢ ويدل على اطرادها أن الله تعالى قصّ علينا قصص الأمم السابقة وما حلّ بها لنتعظ ونعتبر، ولا نفعل فعلهم؛ لئلا يصيبنا ما أصابهم، ولولا اطرادها لما أمكن الاتعاظ والاعتبار بها. فمن هذه الآيات قوله تعالى: ﱡﭐﲰ ﲱ ﲲﱠ الحشر: ٢ بعد ما حلّ ببني النضير لسوء أعمالهم([55]) ” يقول تعالى ذكره: فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحلّ الله بهؤلاء اليهود… واعلموا أنّ الله وليّ من والاه، وناصر رسوله على كلّ من ناوأه، وحلّ من نقمته به نظيرَ الذي أحلّ ببني النضير. وإنما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون”([56]). فحين يعلم المسلم قوانين النصر والهزيمة، قوانين النهوض والانتكاس تستقر نفسه ولا يضطرب يقينه، يعلم أنّ ما أصابه بسنن، وأنّ ما يرفع عنه يرفع بسنن؛ وأنّ هذه السنن لا تحابي المسلم، ولا تجامل الكافر، فيدفعه ذلك للعمل والاجتهاد والجد والمثابرة من جهة، ومحاولة معرفة مداخل هذه السنن وضوابطها؛ حتى يكون بذلك بحق متبعاً للقرآن على الوجه الذي أراده الله، فبعد واقعة أحد جاء الدرس الإلهيّ لمن حدثته نفسه عن الهزيمة، قال الله: ﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﱠ آل عمران: ١٣٧ وعن اليهود قال الله موجهاً لسنة من سننه ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱠ البقرة: ١٢٠ وقال عمن جافى شرعه قاطعاً بسنته فيهم: ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲﱠ النساء: ١١٥ ولمن تبع هواه: ﱡﭐﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﱠ البقرة: ١٤٥ والقرآن حافل بهذه القوانين الإلهية في النفس والمجتمع؛ فمن عرفها آمن وثبت في إيمانه، ومن غابت عنه: فالتردد والانتكاس مصيره وعاقبته: ﱡﭐﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱠ هود: ١٢٠ كسنة الابتلاء ﱡﭐﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ العنكبوت: ٢، وسنة التدافع العظيمة ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﱠ البقرة: ٢٥١ وسنة التغيير القاطعة ﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦﱠ الرعد: ١١.
المطلب الرابع: الخصائص العلمية في القصة القرآنية
حازت القصة القرآنية على مزايا عظيمة، انعكست هذه المزايا على شخصية المتدبر لها والعالم بمغزاها؛ ومن غفل عن هذه المزايا والتمس غيرها فقد أبعد غايات كثيرة من غايات القصة، وحاد عن مقاصدَ أراد الله من تلك المقاصد تشكيل الوعي وبعث العمل، وكل ميزة من هذه المزايا تعمل عملها في تكوين الوعي وترقية الفهم وتحديد الفهم؛ وهذا بعكس القصص الإسرائيلي: بشقيه الإنجيل والتوراة؛ والذي فقد كل هذه الخصائص التي سنوجزها تالياً، مما أدى بالشخصية التوراتية والإنجيلية إلى العبثية وغير المنطقية في التفكير والهدف والعمل. وأهم هذه الخصائص:
أولا: الربانية: وهي خصيصة الخصائص وجماعها، ومزيّة المزايا ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅﱠ الإسراء: ١٠٥ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﱠ يوسف: ٢ ليس للرسول فيها قليل ولا كثير، وباقي القصص يحمل الصبغة الإنسانية كاملاً، كحال القصاص، أو أنّ فيه مسحةً من الربانية والكثير منه إنسانيّ؛ كحال الإسرائيليات وما دخلها من عبث البشر وأهوائهم، كمن يزعم أنّ الله- وحاشاه- قد صارع يعقوب([57]) وأنّ الله قد ندم وأسف، الى آخر هذه الترهات([58])؛ فحريٌّ بالعقل السليم، صاحب الشخصية السليمة أن ينأى بنفسه عن هذه المراجع ويتباعد بوجهه عنها، ويحفظ عقله وطريقة تفكيره؛ فإنّ رفض هذه الترهات سهل، وتكمن المصيبة في الأخريات غير الواضحات، فإن أصابه منها شيء، فلا أقل من أن يصيبه شيء من سوء منهجية هذه الكتب، التي تختلف تماماً عن منهجية القرآن.
ثانياً: الاقتصار على موطن الاعتبار: لا يحيد القرآن بتفاصيل هامشية تبعد الهدف وتتشتت المقصد من القصة([59])؛ وهذه شائبة نراها في كتب الإسرائيليات؛ من إغراق في التفاصيل الصارفة عن غايات القصة وأغراضها.
والاختصار في القصة القرآنية منهج وسنة سنها الله عز وجل في كتابه؛ فلا ينشغل العقل باسم أخ يوسف الأصغر، وأسماء إخوته الكبار، ولا بمكان اجتماعاتهم، وما شابه من هذه الطرق المتشعبة، ولا بأقوال وتفاصيل لا نفع فيها؛ فإن ركز القرآن على الحدث فالمقصود العبرة، وإن كان التركيز على الحوار فالمقصود الدعوة وفقهها، وإن ذُكر الشخص فالمقصود إبراز القدوة..
ثالثاُ: اتساع رقعة الحدث: ليشمل عالم الغيب والشهادة، يمزج بينهما بأسلوب عجيب دقيق، ففي قصة مريم مثلاً، قال الله: ﱡﭐﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ– وبصورة مفاجئة ومن عالم الشهادة، ينتقل المشهد إلى العالم الغيبي- ﱡﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ – ثم يواصل في عالم الغيب- ﱡ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﱠ آل عمران: ٣٦ – ٣٧ عالمان ممتزجان ببعضهما البعض في جمالية لا تبارى ولا تماهى.
ومثلها قصة الجدار في سورة الكهف، وقصة حمل وولادة مريم في سورة مريم، وموسى والعبد الصالح، وزكريا وقصة طلب الولد. كل هذا وغيره من أسلوب القصة الفنيّ، يعمل في تشكيل المنهجية الصحية، التي يبني عليها المسلم شخصيته؛ لا بالمعلومة فقط بل بطريقة عرضها وطريقة أخذها([60]).
الخاتمة والتوصيات
وفي ختام هذه الدراسة فقد تبيّن للباحث والقارئ مدى أهمية تدبر القرآن الكريم بشكل عام والقصص القرآني بشكل خاص، وأنّ دراسة القصة القرآنية لم تأخذ حظها كما ينبغي في الدراسات القرآنية من العبر والاتعاظ والادكار والتعقل والإيمان وغيرها من غايات القرآن من قصصه؛ وما كان للقصة في القرآن أن تأخذ هذه المساحة الواسعة إلا لخطورتها، وأهميتها في صياغة الشخصية وتشكيل وبناء معالمها وأبعادها.
ويرى الباحث أنّ دراسة القصة القرآنية دراسة سطحية ظلم للقرآن وظلم للناس؛ فالقصة القرآنية كاشفة عن أغوار النفس، ومبينة عن مخبوءاتها وما استتر من معالم انتكاسها وعوامل ارتقائها وتزكيتها وبنائها.
وتبين للباحث مدى الالتصاق الصارم بين القصة القرآنية وطريقة عرضها؛ وأنّ القرآن حين يعرض القصة يعرضها بأسلوب فني متميز بميزات لا حياد عنها ولا تهاون في اعتبارها، وإلاّ انسقنا لأنسنتها، وحدنا عن مقاصدها وأغراضها، بل انحرف العقل والقلب عن أهدافها.
ويوصي الباحث بالدمج بين الدراسات النفسية والاجتماعية مع القصة القرآنية، والإفادة من التجارب البشرية، التي ضعها الله لنا على طبق من ذهب، لنحقق في النهاية توحيد الله وعبادته؛ فما كانت القصة القرآنية إلا لتحقيق ذلك، قال الله: ﱡﭐ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱠ طه: ٩٨ – ٩٩، وإلا كان الفصام النكد بين الجهد البشري والهدي الرباني.
ويوصي الباحث بدراسات مستفيضة لكثير من المطالب في هذه الدراسة: مثل:
- أنواع الشخصيات في القرآن
- التطور الأمثل في شخصيات الأنبياء – دراسة في ضوء القصص القرآني.
- التناسق بأنواعه في القصة القرآنية.
وفي النهاية أسأل الله أن يجعل هذا العمل حامياً لي من تبعات تقصيري أمام ربي، وأن يغفر لي ذنوبي وذنوب والديّ، والحمد لله رب العالمين.
المراجع
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود العمادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- الإرهاب والتطرف من منظور علم الاجتماع، عبد الحميد رشوان، مؤسسة شباب الجامعة، 2002.
- أساليب دراسة الشخصية، فيصل عباس، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1990.
- الاستبداد السياسي والديني، علي عبد الرضا، مجلة النبأ، العدد36، السنة الخامسة، 1420هـ
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الجكني الشنقيطي، 1393 هـ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان، 1415 هـ- 1995 م.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد بن عطية الأندلسي تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 – 1422 هـ.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، أبو سعيد البيضاوي، تحقيق: محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 ه.
- بناء الرواية، إدوين موير، ترجمة ابراهيم الصيرفي، 1965 م، 1386هـ.
- تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزَّبيدي، مجموعة من المحققين، دار الهداية.
- التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.
- التسهيل لعلوم التنزيل، بن جزي الكلبي ت: عبد الله الخالدي، دار الأرقم، بيروت، ط1 1416
- تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2 1420هـ.
- التفسير الوسيط، محمد طنطاوي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1.
- تفسير روح البيان، إسماعيل حقي، دار الفكر، بيروت.
- التقليد الأعمى للآباء يلغي عقول الأجيال، إبراهيم البليهي، الأحد 16 صفر 1439هـ.
- تهذيب اللغة، محمد الأزهري، ت: محمد مرعب، إحياء التراث العربي، بيروت، ط2001.
- جامع البيان، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ.
- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م.
- خطيئة آدم في التوراة والإنجيل والقرآن، دراسة مقارنة، د. عماد الدين الشنطي، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية- المجلد العشرون- العدد الأول.
- دراسات في المجتمع والثقافة والشخصية، على جلبي، دار النهضة العربية، بيروت، 1984م.
- دلائل الإعجاز في علم المعاني، أبو بكر عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمود شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة، الطبعة: الثالثة 1413هـ – 1992م.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود الألوسي، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415 هـ
- السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة.
- شادية التل، الشخصية: من منظور نفسي إسلامي، المنهل، ١ ذو الحجة ١٤٢٦ هـ
- الشخصية وعلم النفس الاجتماعي عثمان فراح، القاهرة: دار النهضة العربية.
- الشخصية: توجهاتها وحاجاتها في نظرية إيريش فروم، توفيق، إميل، مكتبة الأنجلو المصرية.
- شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية د. مُساعِدُ الطَّيَّار، دار ابن الجوزي، ط2، 428هـ.
- الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي، دار الفكر، دمشق، ط4، 1420هـ.
- علم الاجتماع الأدبي، حسين الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1990.
- عناصر القصة في الشعر العباسي، منتصر الغضنفري، دار مجدلاوي، الأردن، ط1، 2011م.
- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تحقيق: محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر.
- فن كتابة القصة، حسن القباني، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ط3، 1997م.
- فن كتابة القصة، فؤاد قنديل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، يونيو 2002.
- القدوة الصالحة وأثرها على الفرد والمجتمع، د. عصام العبد زهد، الجامعة الإسلامية، مقدم للقاء الدعوي الأول بعنوان (الشخصية الدعوية المؤثرة). 1431هـ – 2010م.
- القصص الَقُرْآني في منظومه ومفهومه، عبد الكريم الخطيب، بيروت، لبنان. (د. ت).
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، 1430 – 2009.
- الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة د يوسف نصر الله، مطبعة المعارف، مصر، 1899م.
- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، ط1.
- لطائف الإشارات، تفسير القشيري، عبد الكريم القشيري، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط 3.
- المجموعة الكتابية، سفر التكوين، العهد القديم.
- مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الرسالة، ط1، 1421.
- معالم التنزيل، أبو محمد البغوي، ت: محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1417 هـ – 1997 م
- المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار، دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية.
- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، 399هـ.
- الموسوعة الفلسفية، روزنتال ويودين وآخرون، حرف الشين، شخص، ترجمة سمير كرم، مراجعة د صادق جلال العظم، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت. ط2، 1980.
- موقع الإسلام http: //www. al-islam. com
- النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات ابن الأثير، المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ
- وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبد السلام أحمد، فصلت للدراسات، حلب، ط1 1422هـ.
[1] أستاذ التفسير وعلوم القرآن تاريخ استلام البحث، 1/12/2023م، وتاريخ قبوله للنشر، 20/12/2023م
([2]) ينظر فيصل عباس، أساليب دراسة الشخصية، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1990.
([3]) علي جلبي، دراسات في المجتمع والثقافة والشخصية، من ص 345، دار النهضة العربية، بيروت، 1984م. وحسين حسن، علم الاجتماع الأدبي، ص 119، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط19902.
([4]) راجع كتاب توفيق إميل، الشخصية: توجهاتها وحاجاتها في نظرية إيريش فروم، مكتبة الأنجلو المصرية.
([5]) لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، 7، 73، دار صادر، بيروت، ط1.
([7]) أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، ص 4.
([8]) فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، يونيو 2002
([9]) ﭐﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ آل عمران: ٤٤ﭐﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾[ سورة هود: 49] ﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾[ يوسف: 102]
([10]) ينظر عبد الكريم الخطيب، القصص الَقُرْآني في منظومه ومفهومه.. بيروت، لبنان. (د. ت).: ص40.
([11]) انظر مثلاً حسن القباني، فن كتابة القصة، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ط3، 1997م.
([12]) منتصر الغضنفري، عناصر القصة في الشعر العباسي، ص 26، دار مجدلاوي، الأردن، ط1، 2011م.
([13]) بن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، 7/45، مادة: شخص.
([14]) نفس المرجع، مادة شخص. والكلمة التي ذكرها Personne ومعناها شخص، والصحيح ما أثبتناه.
([15]) لا أريد دخول دوامة التعريفات، لطول النفس بها، وقد احتار بها علماء النفس والاجتماع، وتاهت مراسيهم.
([16]) ووصفها في المعجم الوسيط بأنها: محدثة، انظر المعجم الوسيط، باب الشين، 1، 475.
([17]) عثمان فراح، الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، القاهرة: دار النهضة العربية، صفحة 251.
([18]) العلة هي أشد مستويات التفكير البشري
([19]) مجلة السكينة، خصائص الشخصية الإسلامية، 1 يناير/2012، عن د محمد الصغير، مجلة الدعوة (الرياض) العدد (1660).
([20]) روزنتال ويودين وآخرون، الموسوعة الفلسفية، حرف الشين، شخص، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت.
([21]) إدوين موير، بناء الرواية، ص 82.
([22]) وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبد السلام الراغب، 1/7.
([23]) دلائل الإعجاز: بيان في شرح قوله: “المعنى”، و”معنى المعنى” 263.
([24]) الزمخشري، الكشاف، 2/302.
([25]) صححه الأرناؤوط، مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث رقم 991.
([26]) ففي الحديث “وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط” البخاري رقم: 3438 باب قول الله {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}، قال في اللسان: “والزُّطُّ جيل أَسْوَدُ من السِّنْدِ إِليهم تُنسب الثياب الزُّطِّيَّةُ” زطط، 7/108.
([27]) الأزهري، تهذيب اللغة، زكا.
([28]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 3/12.
([29]) تاج العروس من جواهر القاموس، 7/25، فلح.
([30]) انظر بحث د. عماد الدين الشنطي، خطيئة آدم، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، م20/1.
([31]) المحرر الوجيز، 4/ 48، أنوار التنزيل وأسرار التنزيل، 4/30، الجامع لأحكام القرآن 11/210، تفسير روح البيان 5/472، روح المعاني، 8/520، التحرير والتنوير، 16/134.
([32]) انظر: المعجم الوسيط، ص650.
([33]) للقصة القرآنية أغراض رئيسة وفرعية، انظر رسالة الماجستير بعنوان: قضايا الأمة وعلاجها في القصص القرآني” “دراسة موضوعية” إعداد الطالب: عبد اللطيف رجب القانوع، الجامعة الإسلامية – غزة 2011م؛ واكتفى الباحث بذكر أهم الأغراض التزاماً بحدود البحث.
([34]) انظر بحثنا عن تأصيل الانحراف الفكري، في مجلة جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم، العدد الخامس عشر.
([35]) د. مُساعِدُ الطَّيَّار، شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية،، 248.
([36]) ابن جرير الطبري، جامع البيان، 13/398.
([37]) البغوي، معالم التنزيل، 3/343.
([38]) أبو السعود العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، 3، 294.
([39]) أي: لذي عقل ولب وحجا؛ وإنما سمي العقل حجْرًا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به ” ابن كثير تفسير القرآن العظيم، 8، 394.
([40]) عبد الحميد رشوان، الإرهاب والتطرف من منظور علم الاجتماع، 123.
([41]) انظر كتاب شادية التل، الشخصية: من منظور نفسي إسلامي، المنهل، ١ ذو الحجة ١٤٢٦ هـ
([42]) الشنقيطي، أضواء البيان، 8/85.
([43]) انظر المطلب الأول في هذا المبحث عن دور الإيمان في تطوير الشخصية.
([44]) إبراهيم البليهي، التقليد الأعمى للآباء يلغي عقول الأجيال، جريدة الرياض، الأحد 16 صفر 1439هـ.
([45]) وهم الأقارب من جهة الأب؛ يعصبونه ويحيطون به ويشتد بهم” ابن منظور، لسان العرب، عصب، 1/602.
([46]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/348.
([47]) علي عبد الرضا، الاستبداد السياسي.. والديني، مجلة النبأ، العدد 36، السنة الخامسة، 5 1420 هـ
([48]) القشيري، لطائف الإشارات، 2، 165.
([49]) وقد عُرضت هنا مختصرة جداً، ويوصي الباحث بدراستها بحيالها، لتخرج بحثاً علمياً كاملاً.
([50]) ينظر بحث د. عصام العبد زهد، القدوة الصالحة وأثرها على الفرد والمجتمع، الجامعة الإسلامية – كلية أصول الدين، مقدم للقاء الدعوي الأول بعنوان (الشخصية الدعوية المؤثرة). 1431هـ – 2010م.
([51]) محمد سيد طنطاوي التفسير الوسيط، 9/135.
([52]) ابن جزي التسهيل لعلوم التنزيل، 2/11.
([53]) ـ لسان العرب لابن منظور، ج17، ص 89.
([54]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 409 والحديث في الموطأ. 968 ضعفه الألباني، الإرواء 5/88.
([55]) الدكتور عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، 10.
([56]) الطبري، تفسير الطبري، 23، 266.
([57]) المجموعة الكتابية، سفر التكوين ص 350.
([58]) انظر كتاب د يوسف نصر الله، حين ترجم كتاب الكنز المرصود في قواعد التلمود، مطبعة المعارف، مصر، 1899م. وهي فضائح وليست قواعد.
([59]) ارجع لمالك بن نبي، الظاهرة القرآنية، ص197، وكيف عقد مقارنات بين قصة يوسف في القرآن وقصته في التوراة.
([60]) وهناك أساليب كثيرة اختصرها الباحث، ولعلها تبحث بشكل تفصيليّ أكبر، وأهمها التناسق بأنواعه في القصة القرآنية، وهو موضوع فيه جلال وجمال ونور وبرهان