خاص هيئة علماء فلسطين

    

العام 1436هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ﭽ ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ   ﭯ  ﭰ  ﭼ [آل عمران]، ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ    ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ    ﭨﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ        ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭼ [النساء]، ﭽ ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ    ﯔﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ   ﯚ  ﯛ   ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﭼ [الأحزاب].

وبعد:

فإن شأن العقيدة عظيم، وحين تكون منهج حياة النبي r فهي مصدر ثري للقدوة، ولا يخفى أمر السير والتراجم في تشخيص حياة الإنسان، ولئن حظي العظماء بتراجم ذاتية وسير شخصية لبعض جوانب حياتهم، فقد نال النبي r من ذلك الشيء الكثير فقد عني المسلمون وغيرهم بقراءة سيرته وأُلِّفت آلاف المؤلفات والمدونات والمعاجم في حياته التي تمثل منهج حياة للأمة، والناس مولعون بتتبع آثار العظماء وسبر حياتهم ومعرفة مضامين رسالتهم من خلال حياتهم التي يعيشونها بين الناس وليس تنظيراً ولا تخميناً.

 وحين يكتب الغرب والشرق عن أعلامهم ويدخل في ذلك الخرص والتخمين والمبالغات فان سيرة النبي r محفوظة فيما يخص تطبيق الوحي المنزل، فلن يضيع منها شيء لذا نحن مطمئنون على ثبوت ماله تعلق بالدين من سيرته r، وعليه فلا بد من دراسة هذه الحياة بحسبانها الأنموذج الواعي الواقعي الذي يمكن أن يقدم للناس أجمعين.

وتظهر عظمة النبي r جلية إذا عرفت حالة البشرية قبل البعثة؛ حيرة نفسية وتفكك اجتماعي وتناحر قبلي وتعلق بالأوهام واستجداء اقتصادي، ووثنية غارقة، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله, وظلم وفساد وطبقية وإباحية، وتفاوت فاحش بين البشر ألفوا الذلّ والهوان ومصادرة الرأي.

“وسيرةُ النَّبيِّ r ليست مجرَّدَ حوادث تاريخيَّة للعبر والعظات فحسب؛ وإنَّما هي تجسيدٌ عمليٌّ للوحي الذي يُقْتَدى به، وهي منهج سليم واضح يُهْتَدى بهداه، وصراط مستقيم يُسلك ويُتَّبع”([1])؛ ويتجاوز كل الحدود والقيود والأعراف والتقاليد والطقوس الجاهلية.

التمهيد:

في معظم مدونات التراث الإسلامي مادة علمية منثورة في كل التخصصات، والسيرة النبوية منهلٌ عذب في كل مجالات الحياة حيث إن النبي r يمثل الأنموذج الذي يتخذه المسلمون قدوة لهم في كل شيء , والعقيدة أساس الحياة ومدار الأعمال؛ لذا لابد أن تتجلى في حياة الداعية، فهي المرسام والبوصلة التي على ضوئها يسير الأتباع، وهي ثابته ثبوت الجدي والجبال فلا تتغير في الأحداث ولا تميل مع الأعاصير، إنَّ دراسةَ السِّيرة النَّبويَّة ليست كدراسة سيرة بطل من الأبطال فحسب، أو إشباع رغبة حبِّ الاستطلاع وزيادة الرَّصيد الثقافي لدى القارئ. بل هي مصدر أصيل في حياة كل مسلم لذا نالت بعض حقها من العناية

أسباب اختيار الموضوع:

1/ الدعوة إلى تأملات في السيرة النبوية تقود إلى تجلية جوانبها العقدية.

2/ أن يظهر تعلق السلوك بالمعتقد، وليس المعتقد نظريات.

3/ بيان أنّ مفهوم السيرة أكبر وأعظم وأعم من أن يشتهر بالتاريخ والملاحم ، فهو منهج حياة.

مشكلة البحث:

1/ هل السيرة منهج حياة أم سيرة ذاتية؟.

2/ هل الترجمة العملية معجزات أم واقع تعيشه الأمة؟.

3/ هل تنفصل السيرة عن المعتقد؟.

أهداف البحث:

1/ ربط المسلم بحياة النبي r عملياً وعقدياً.

2/ أن الحياة العملية هي محل القدوة وليست الشعارات.

3/تكوين رؤية علمية عملية لدى الناشئة بأن دينهم واقعي واعي وليس منامات وأحلام وهوس الانبهار بالشخصيات الوهمية.

الدراسات السابقة:

1/ المسائل العقدية المستنبطة من غزوة بدر، د.محمد الغامدي، ماجستير، جامعة أم القرى.

2/ المسائل العقدية المستنبطة من غزوة حنين، د.عبدالله مزهري، ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

وهي مختصة بغزوات محددة، والهدف من البحث الإشارة إلى مواطن متنوعة من السيرة شملت قضايا عقدية مهمة لبيان أن السيرة ليست تاريخ ولا قصة ذاتية، بل هي منهج حياة.

منهج البحث:

اعتمدت في هذا البحث على المنهج الاستقرائي التحليلي بجمع بعض المواطن من السيرة النبوية التي تتجلى فيها مظاهر العقيدة، وكون البحث مختصراً فهو لم يستوعب جميع المواطن، ولعله يكون إضاءة لمن يستطيع أن يجمعها ويستوعبها كاملة.

خطة البحث:

  • المقدمة.
  • التمهيد.
    • أسباب اختيار الموضوع.
    • مشكلة البحث.
    • أهداف البحث.
    • الدراسات السابقة.
    • منهج البحث.
  • المبحث الأول: ترسيخ عقيدة التوحيد.
  • المبحث الثاني: التوكل والأخذ بالأسباب.
  • المبحث الثالث: الفأل والطيرة.
  • المبحث الرابع: الواقعية بين المعجزة والخزانة.
  • المبحث الخامس: الصبر والرضى بالقدر.
  • المبحث السادس: المظاهر العقدية في السيرة النبوية فيما يتعلق بالكفار.
  • المراجع.
  • الفهارس.
  • الخاتمة.


المبحث الأول

ترسيخ التوحيد

سيرة نبينا محمد r عالجت كل مظاهر الانحراف في المجتمع سواء العقدي أو الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لكنه r بدأ بموضوع العقيدة؛ لأنها أساس العمل ومنطلق المنهج، ولأنها سبب الاستقامة إن صلحت وحين تعتريها الانحرافات تنحرف كل الحياة.

فحين فتح الله لرسوله r مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد الحرام، وحوله أصحابه، فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعن بعود تلك الآلهة المزيفة المنثورة حول الكعبة، وهو يردد قول الله تعالى: ﭽﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ ﮢ  ﮣ  ﭼ [الإسراء: 81]، والأصنام تتساقط على الأرض، ونادى مناديه بمكة قائلاً: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره، فطهر الله جزيرة العرب من رجس الوثنية، وهيمنة الأصنام والتماثيل([2]) .

يقول ابن القيم في زاد المعاد – في فقه قصة وفد ثقيف -: “.. هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير، وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين”([3]).

وفي غزوة حنين خرج مع رسول الله r بعض حديثي العهد بالجاهلية، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها .

يقول أبو واقد الليثي t: إن رسول الله r لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها : ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي r: “سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم”([4]).

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال :كنت رديف النبي r فقال: “يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟”، فقلت: بلى، فقال: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”([5]).

فما أحوجنا إلى دراسة السيرة النبوية وربطها بالواقع، فليست سيرة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجرد أحداث وقصص وقعت وانتهت، بل الأمر أكبر من ذلك، فقد حفظها الله لنا لتكون لنا نورًا نستضيء به، ودربًا نسير عليه، ونطبقه في واقعنا .

المبحث الثاني

(التوكل والأخذ بالأسباب في حياة النبي r)

في هجرته r.

اتخذ النبي r في هجرته كل الأسباب من اختيار الزمان والمكان والرفقة وخبير الطريق وخطة السيرة بمحاذاة الساحل وأسماء ومرور غنمها وعبدالله بن أبي بكر ومهمته، إلى إعداد الرواحل كل ذلك أخذاً بالأسباب المادية، والله تعالى قادر على أن تتم الهجرة بمعجزة يُختصر فيها الوقت والمشقة كما تم في معجزة الإسراء والمعراج لكنه تعالى أراد من النبي r أن يباشر الأسباب العملية ويكون قدوة لأمته في معاصرة أتعاب الدعوة، فليست الأمة كلها معجزات، إنما هي نية وجد وعمل وصبر وابتلاء ليتخذ الناس دروساً في التوكل والأسباب([6]).

في صحيح البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه، وهذا لفظ البخاري والرواية عند مسلم قال: قلت للنبي r وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال عليه الصلاة والسلام على الفور: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما”([7]). وهنا معلم من معالم العقيدة في توكيد معية الله تعالى، المعية الخاصة بأوليائه من الحفظ والنصر والتمكين قال تعالى  لموسى وهارون ﭽ ﯝ  ﯞ   ﯟﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ   ﯥ  ﭼ [طه].

وهي تختلف عن معية الله لخلقه عموماً عملاً وإحاطة وإحصاء فلا يخفى عليه شيء من أمرهم ﭽ ﭝ  ﭞ    ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ      ﭣ   ﭤ  ﭥ    ﭦ  ﭧ    ﭨ  ﭩ      ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ     ﭰ   ﭱ   ﭲ   ﭳ  ﭴ  ﭵﭶ  ﭼ [المجادلة: 7]، كما هي أقسام المعية في كتب العقيدة([8]).

وهذا يدلنا دلالة عظيمة على الاستشعار الحقيقي الوثيق في نفس النبي r برعاية ربه له وعناية مولاه به، ونظر الله جل وعلا إلى حاله وكلاءته له سبحانه وتعالى([9]).

هذا من أجلى وأظهر مواقف التوكل في حياة النبي r لاستشعار معية الله له.

ولاشك أن التوكل هنا تظهر آثاره، عندما يكون الإنسان محاطاً بالخطر، والخطر محدق به غالباً ما يكون -إذا كان ضعيف الإيمان- قليل التوكل يضطرب ويحتار، ولا يمكن حينئذ أن يكون له حسن تصرف؛ لأن الأناة تذهب عنه ولأن السكينة تفارقه ويكون عنده شيء من الجزع الذي يجعله في شدة من الحزن والأسى كأنما الأمر قد انتهى.

لكن التوكل يفيض الطمأنينة ويجعل العقل في تمام الرشد والحكمة وحسن التصرف والتدبر، ويفيض كذلك صدق، وهذا أنموذج يكفي عن مواقف كثيرة تجلت فيها مظاهر المعتقد الصحيح في التوكل منطلقاً من الشعور بمعية الله ونصره وتأييده([10]).

حفر الخندق:

غزوة الخندق من الغزوات التي ظهر فيها أثر التوكل جلياً من قدوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، فعن أنس t قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم، ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا والنبي r يجيبهم ويقول: “اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة”([11]).

وقد أخذ النبي وأصحابه بالأسباب الموجبة للنصر في تلك الغزوة، ومن ثم كان تأييد الله عز وجل بعد ذلك، فابتداءً كان التخطيطُ العسكريُ الدقيقُ الذي تمثل بحفر الخندق وتحصينِ المدينة والحيلولةِ دون اجتياحها، والمشهورُ بين المؤرخين أن الذي اقترح حفر الخندق حول المدينة هو سلمانُ الفارسي وقيل: هو إلهام للنبي r من ربه تعالى([12]).

ثم كان لإسلام نعيم بن مسعود أثر في النصر، فروي أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:  يا رسول الله. إني أسلمت فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة”([13])، فذهب إلى اليهود ومشركي قريش، وأوهمهم بما فرق الله به بينهم، وكان مع ذلك يتظاهر لكل منهم بالنصح، وأنه لم يسلم، فكتم إسلامه لأجل هذه المصلحة([14]).

وأيضاً ما حصل من محمد بن مسلمة وصحبه، حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من لكعب بن الأشرف، فإنه آذى الله ورسوله”، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: “نعم”، قال: فأذن لي أن أقول شيئاً. قال: قل. فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنانا،، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضاً والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه([15]).

مخالفته بين درعين :

(حديث مرفوع) نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَجُلٍ ، مِنْ بَنِي تَيْمٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: “ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ”([16]).

التوكل هنا واضح، لكن هناك أسئلة تتعلق بالأخذ بالأسباب لذلك نقول: ليس هنا ترك للأخذ بالأسباب، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين أمرين:

الأمر الأول: درجته العالية في التوكل التام على الله عز وجل.

الأمر الثاني: أراد أن يبين للأمة أن الأسباب ينبغي أن يؤخذ بها، لكنها ليست هي المؤثرة بذاتها([17]).

وما فعله النبي r هو خطة محكمة تامة أخذ فيها بكل الأسباب، لكن الله عز وجل يريد أن تعلم الأمة كلها أن الأسباب ليست بالضرورة  تؤدي إلى النتائج، وإنما هي مقتضى عمارة هذا الكون القائم على الأسباب والمسببات ولما جبلت عليه النفوس من حب الاطمئنان النفسي لاتخاذ الأسباب.

 ولذلك فان السبب ينسجم مع الفطر السوية ولا يعطله إلا مقدوح في عقله، وأما من بالغ في فعل الأسباب واعتمد عليها وغلبت عليه فإن هذا قدح في عقيدته، والناس في الأسباب بين إعمال وإهمال واتكال، والوسط تعاطيها عملياً دون التعلق القلبي فيها، لئلا تخل بالتوكل الشرعي، وليس التواكل والقعود أو الركون إليها كما هم الماديون السببيون حين يغالون فيها.

ومن صور التوكل الحقيقي الثقة بنصر الله مهما تكالب الخصوم ﭽ ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ      ﭼ [آل عمران: الآية 173].

نتيجة الجمع أن يكون هناك خشية وخوف، فماذا قال الله عز وجل في وصفهم: ﭽﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﭼ [آل عمران: الآية 173]، وهنا ملمح واضح في دخول الدعاء ضمن الأسباب الشرعية التي يعمل بها المسلم في الأزمات.

وكان هذا من صدق توكل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، لم يستنصروا بأحد، لم يستعينوا بغيره، لم يأخذوا شيئاً من الأسباب الزائدة عن الحد، بل خرجوا اعتماداً وتوكلاً على الله سبحانه وتعالى.

وما كان في يوم الأحزاب، يوم أحاط المشركون بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، واجتمع بالمسلمين شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، وأكمل صعوبة الموقف شدة وبلاء وعسر نقض قريظة للعهد: ﭽ ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ   ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ     ﮏ  ﮐ  ﮑ   ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ    ﮙ   ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﭼ [الأحزاب] ([18]).

وحين يبلغ الغدر قمته في أحلك الظروف يعلن التوحيد رايته، عندما بلغ النبي r خبر نقض قريظة للعهد، ماذا قال؟ “الله أكبر، الله أكبر، أبشروا، أبشروا”([19]).

يقين كامل، وطمأنينة تامة، وتوكل صادق على الله سبحانه وتعالى، من غير جزع ولا هلع، لماذا؟ لأن الممتثل أمر الله يعلم أن الله جاعل له مخرجاً وعلى قدر توكل المؤمن وفعل الأسباب تكون المخارج([20]).

وقد يتخلف النصر ويقع البلاء لتخلف بعض الشروط أو وجود بعض الموانع ولئلا يظن الناس أنهم بأسبابهم يحققون مرادهم دون مشيئة الله تعالى.

المبحث الثالث

الفأل والطيرة

التعريف:

التَطَيُّر في اللغة: التشاؤم، وهو توقع حصول الشر، وسُمِّيَ التشاؤم تطيراً؛ لأنَّ العرب كانُوا في الجاهلية إذا خرج أحدُهم لأمرٍ قصد عش طائر فيهيجه، فإذا طار الطيرُ من جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر، ويسمون هذا الطائر في هذه الحالة: (السانح)، أما إذا طار جهة يسار الإنسان تشاءم به، ورجع عما عزم عليه، وكانوا يسمون الطير في هذه الحالة: (البارح)([21]).

والتطير قديم الوجود في الأمم؛ فقد أخبرنا الله –سبحانه- أن فرعون وقومه تطيروا بموسى- عليه السلام-ومن معه ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭼ [الأعراف].

فجاء الإسلام فأبطل هذا الأمر ونهى عنه، وشدد في النكير على فاعله، ورد الأمور إلى سنن الله الثابتة وإلى قدرته المطلقة.

وضد التطيّر: التفاؤل: وهو التَّيَمُّن بسماع كلمة طيبة، ويشمل كل قول أو فعل يُستَبْشَر به، والفرق بين التطير والتفاؤل أن الفأل يستعمل فيما يُستَحب، والتطير فيما يُكرَه غالباً.

ومثال التفاؤل: أن يسمع عند عزمه على فعل أمر كلمة طيبة أو اسماً حسناً أو يرى شيئاً طيباً.

وقد كان النبي r : “يتفاءل ولا يتطير”([22]).

حكمه: جعلُهُ – عليه الصلاة والسلام – الطيرة شركاً، ففي قوله: “الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك”([23]).

وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: “من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك”([24]).

وإنما جعل التطير شركاً لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً؛ فكأنهم أشركوه مع الله-تعالى فيصير قلبه متعلقاً بغير الله عبادة وتوكلاً، فيفسد عليه قلبه وإيمانه وحاله، ويبقى هدفاً لسهام الطيرة.

من العادات الجاهلية التي كانت منتشرة بين الناس: التطير والتشاؤم، فقد كان الناس يتطيرون ببعض الطيور كالغراب والبوم، ويتشاءمون بالأسماء والأيام والحيوان والأشخاص، وهذا كله يقدح في عقيدة المرء لمخالفته لصدق التوكل على الله واعتقاد أن النفع والضر لا يأتي إلا من قبله سبحانه وتعالى، والفأل نقيض للتشاؤم، وهو مندوب ومحمود لما فيه من إدخال السرور على النفس مع حسن الظن بالله سبحانه وتعالى.

هناك علاقة بين الفأل وبين الطيرة، فهما يتفقان ويفترقان، فيتفقان في الهمة بالتحريك والدفع، فالطيرة تدفع والفأل كذلك يدفع، لكن الفأل مأمور به محثوث عليه والطيرة لا، فهذا الاتفاق بينهما أنه يمضي المرء أو يرد المرء بالفأل وبالطيرة، والافتراق في أمور([25]).

والفأل الحسن مأمور به شرعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يعجبني الفأل([26])، وأما الطيرة فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

أن الفأل من باب حسن الظن بالله، وحسن الظن بالله أمر الله جل في علاه به، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد صح عن نبينا r أنه قال: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه([27]).

ومما كان يتفاءل به رسول الله r الاسم، الحسن الباعث على التفاؤل، وقد غيَّر كثيرًا من الأسماء التي كانت تحمل دلالة غير مناسبة، فغيَّر اسم امرأة من عاصية فجعلها جميلة([28])، وجاءه رجل فقال: «ما اسمك؟» قال: حَزْن – أي: صعب – فسمَّاه الرسول r (سهل)([29])، وشاهد ذلك في السيرة ما حديث في يوم الحديبية، يوم أن منع أهل مكة محمدًا r وأصحابه من العمرة، وأرادوا المفاوضات حول ذلك الأمر، أرسلوا رسلاً يفاوضونه فلم يصلوا إلى صلح، فأرسل أهل مكة رجلاً – أسلم فيما بعد – اسمه سهيل بن عمرو، فقال r : «لقد سهَّل الله لكم من أمركم» تفاؤلاً باسم الرجل([30]).

أما الطيرة فهي سوء ظن بالله، وسوء الظن بالله إن لم يصل إلى الشرك الأكبر فهو من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: ﭽ ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣﮤ  ﭼ [الفتح:6]، وقال: ﭽ ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦﭧ  ﭼ [آل عمران:154].

أما الطيرة ففيها إدخال الهم والحزن على المرء، فيصل بالمرء إلى التسخط على أقدار الله جل في علاه، وهو منبوذ شرعاً؛ وكان r يقول: “لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل والكلمة الحسنة”([31])([32]).

ومن شواهد أثر الفأل وحسن الظن ما حدث أثناء حفر الخندق، حين ضرب r بمعوله الحجر فبرقت برقة، فكبر r وتكرر ذلك ثلاث مرات، ومما قال: “أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنّصر”. فاستسرّ المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صادق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفته، أشهد أنك رسول الله([33]).

المبحث الرابع

الواقعية بين المعجزة  والخرافة

هذا الدين دين الواقعية والعمل، ودين العمارة والبناء، فحين نقدمه للبشرية على أنه منهج حياة يستوعب كل الطاقات والأطياف والطبقات، فإنه أدعى وأحرى بالقبول، بخلاف ما إذا قُدِّم على أنه مجموعة من الأحلام والرؤى والكرامات والخوارق، فإنه ثمة عقول ترفض أن تكون الحياة بهذا المعنى، وهم يرون سباق الأمم في العلم والابتكار والفتوحات المادية والفلكية، ولقد صَدَّ أقوام عن دين الله حين قدموه للناس على أنه مجرد وجدان وشعور، بعيداً عن المادة والعمل، فكانوا أضحوكة لعالم المادة المفتون بها.

وحين يكون الشعور والعاطفة الإسلامية حية في مواضعها كنوع من التكامل في الشخصية الإسلامية فإنه لا ينبغي أن يطغى على كل شيء، “وإنَّ انتظارَ الكرامات والخوارق دون العمل يفتح الباب لإشاعة الخرافة والبدعة”([34])، وتغييب السُّنَّة التي هي القانون الجاري ويؤخر النصر لتأخر الأسباب ويفتح باب القعود والانتظار وكأننا أمة تعيش على الأحلام والأماني والترقب دون أن يكون لديها منهج وسنن جارية من أخذ بها وصل، ومن عطل تعطل .. وقد رحب بهذا النوع من الإسلام المعاصر وعرضه للناس أمم الكفر، فقد سرَّهم أن يقدم الإسلام على أنه مجموعة من قصص الدروشة والتسالي والاتكاء على الخوارق وانتظار الفرج الوهمي دون أن يقدموا للناس منهجاً متكاملاً عقيدة وشريعة وأخباراً ومستقبلاً. فدعوا مدارس غلاة التصوف ومهدوا لإسلام بديل لا يتعارض مع مشاريع الغرب الاستعمارية التي تسترق الشعوب وتزيد من أغلالها وتبعيتها له عبر الرق المعاصر والحجر على البشر في حقوقهم وحرياتهم.

وجاءت العقيدة والشريعة لتكون مساحةُ الاقتداء والتَّأَسِّي واسعةً وشاملةً لكافَّة القُدُرات البشريَّة بفروقها الفرديَّة وسجاياها الفطريَّة ولئلا يتسع باب الكرامات ويقضي على مساحة كبرى من العمل واتخاذ الأسباب، وحتى لا يتوسع الناس في هذا الباب، ثم يكونون فتنه للمكذبين حين يبالغون في تصوير كرامة ما ليس كرامة من الأمور العادية التي تحصل لكل الناس، فيصدون عن الدين بهذه الأمور التي تنكرها العقول([35]).

وحين يتجلى الإسلام للناس على أنه دين حياة كامل واقعي من حيث مطالبه، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وواقعي من حيث استجابته لنداء الفطرة ومطالب البشرية وتحقيق مقاصد الأنفس بصور تحميها من الانزلاق في لشهوات سواء التبتل أو الإغراق في الشهوات، تزواج وبيع وشراء وحرب وسلم عقود ومعاهدات وسلسلة من الحقوق المتبادلة والالتزامات التي تعطي الحياة معنى آخر غير ما تملية الانفس حين تنحرف.

والمعجزة هي الـمُعجزةُ – بفتحِ الجيم وكسرِها – مفعلة من العَجْزِ، وهو عدمُ القدرةِ([36]).

وفي الاصطلاح: ما خرَقَ العادةَ من قولٍ أو فعلٍ إذا وافَق دعوَى الرِّسالةِ وقارنَها، على جهةِ التَّحدِّي ابتداءً، بحيثُ لا يقدِرُ أحدٌ على مثلِها، ولا على ما يقارِبُها([37]).

من أمثلة ذلك: عدمُ إحراق النَّارِ إبراهيمَ – عليه السلام – وتحوُّلُ عصا موسى – عليه السلام – إلى حيَّةٍ، وانشقاقُ القمرِ للرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم.

الكرامة في الاصطلاح: أمرٌ خارق للعادة، يُظهِرُه الله – تعالى – على يدِ ولِيٍّ من أوليائِه؛ تكريمًا له، أو نُصرَةً لدينِ الله([38])، كإيتاءِ السَّيدةِ مريمَ – عليها السَّلام – ثَمَر الشِّتاءِ في الصَّيف، وثَمَر الصَّيفِ في الشِّتاءِ، ونداءِ عمرَ – رضي الله عنه – لساريةَ أنْ ينحازَ للجبلِ، وسماعِ ساريةَ لندائِه، مع أنَّ بينهما آلافَ الأميالِ.

 الولِيُّ: كلُّ مؤمنٍ تقيٍّ؛ أي: قائمٍ بطاعةِ اللهِ على الوجه المطلوبِ شرعًا([39]).

وكراماتِ الأولياء معتادةٌ من الصَّالحين، ومعجزاتُ الأنبياءِ فوق ذلك، فانشقاقُ القمر والقرآنُ وانقلابُ العصا حيَّةً، وخروجُ الناقة من آياتِهم الكبرى؛ والكرامة لا يدعيها الرجل الصالح ولا يسعى إليها، لكن الله تعالى يكرمه بها، ثم لا يسعى هو لنشرها، كما يفعله بعض المفتونين من جهلة المسلمين([40]).

والخارقة : أمرٌ خارقٌ للعادة، يُجريه الشَّيطانُ على أيدي أوليائِه، ولعلَّ من أمثلةِ هذه الخوارق، ما نراه اليوم من الذين يمشون على النَّارِ أو الماء، أو يجرُّ السيَّارةَ بشعرةٍ أو بأسنانه، ومَن يأكلُ الحديدَ أو الزُّجاجَ، كلُّ هذه الأنواع من الشَّعوذة التي يتخيَّلها الناسُ، وهي سِحر العين([41]).

ولا يخفى ما في هذا من تلبيس على الناس ثم إن بعضه مما يمكن فعله عن طريق الدربة والمهارة كخفة الحركة والتواء الأجسام وحركات رياضية موغلة في المهارة والتوسع في هذا الباب جر على الناس شئياً كثيراً من المخالفات وتهوين المعجزات وخلخلة الفهم الصحيح للكرامات حتى التبس على بعضهم الأمر فخلطوا بين الصالح والطالح لكثرة ما يرد عليهم من هذا اللبس.

 وقد خرقت للنبي آيات ومن ضمنها القرآن الكريم مقرونة بالتحدي ﭽ ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ   ﯪ  ﯫ   ﯬ  ﯭ  ﭼ [البقرة: 23]، ﭽ ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭼ [الإسراء:].

ومن السنة ما حصل لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم من حنين الجذع، فقد روى البُخاريُّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يقُومُ يوم الجُمُعة إلى شجرةٍ أو نخلةٍ فقالت امرأةٌ من الأنصار أو رجُلٌ: يا رسُول الله ألا نجعلُ لك منبرًا؟ قال:  »إن شئتُم«، فجعلُوا له منبرًا، فلمّا كان يومُ الجُمُعة صعد إلى المنبر فأنّت النّخلةُ أنين الصّبيّ ثُمّ نزل النّبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ فضمّها إليه([42]).

فإن القرآن معجز في لفظه ومعناه، أما في لفظه فمن حيث بلاغته وأسلوبه، وأما في معناه فإخباره بما كان وما سيكون وإخباره بحقائق بعض المخلوقات ودقائق تركيبها، مما لا يصل إليه البشر بعلومهم وعقولهم وما ورثوه من أسلافهم.

وقال الألوسي: والمعنى بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة والأسلوب المعجز([43]). انتهى.

بين الشيخ الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى – في الأضواء وجه الإعجاز بها، فقال: “أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو أن الحروف المقطعة ذكرت أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب ونصره الزمخشري في الكشاف، قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية، ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائما عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه الحق الذي لا شك فيه وذكر ذلك بعدها دائما دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن وأنه حق قال تعالى في البقرة: الم ـ وأتبع ذلك بقوله: ﭽ ﭓ  ﭔ  ﭕ   ﭖﭗ  ﭼ [البقرة: 2]، وقال في آل عمران: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭼ ، وأتبع ذلك بقوله: ﭽ ﭓ  ﭔ     ﭕ    ﭖ      ﭗ   ﭘ        ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ     ﭞ  ﭼ الآية [آل عمران 2، 3]، وقال في الأعراف: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭼ ، ثم قال: ﭽﭓ  ﭔ  ﭼ [الأعراف: 2]، وقال في سورة يونس: ﭽ ﭑﭒ  ﭼ، ثم قال: ﭽ ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭼ [يونس]”([44]).

مما سبق يتضح لنا أهمية عرض القرآن والسنة كما هي دون أي تدخلات من اجتهادات بعض المتحمسين للدين على غير هدى ممن يبالغون في تفاسير غير مأثورة، أو نسج حكايات يزعمون أن بها تأليف على الدين أو تفاسير موغلة في الغرابة أو تنزيل الآيات على وقائع ليست صحيحة، فإن القرآن نزل موعظة وهدى وبياناً، وليس بحاجة إلى من يدعمه برؤى شخصية أو تطبيقات معاصرة سواء على أدوية أو أحداث أو نوازل أو مكتشفات أو نظريات لئلا يتخذ القران العوبة بأيدي العابثين أو يهون وقعه على عامة الناس ممن لا تحتمل قلوبهم كشف التناقضات، فيقعوا في حيرة واضطراب أو يردوا بعض الحق الذي قد يعرضه المتعالمون.

وقد ملئت المكتبات بتفاسير منحرفة، مثل تفسير الجواهر لمؤلفه طنطاوي جوهري، وغيره من كتابات في النت اشتغل عليها مفتونون ومرتزقة جرأت العامة ونشرت البلبلة، وهنا يأتي دور العلماء في كشف التلبس وبيان الحق للناس.

المبحث الخامس

الصبر والرضى بالقدر

الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭼ … الآية [الكهف: 28]، أي احبس نفسك معهم. 

واصطلاحاً: حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله قال تعالى: ﭽﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭼ [الرعد: 22]، والصبر: أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن حتى لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة موضع، وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه.

حكمه

الصبر من حيث الجملة واجب، ويدل لذلك: 

أ – أمر الله به في غير ما آية قال تعالى: ﭽ ﯳ  ﯴ   ﯵ ﭼ  [البقرة: 153]، ﭽ ﯭ   ﯮ  ﭼ [آل عمران: 200]، وله مقام عظيم في تقبل المصائب؛ ﭽﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩﭪ  ﭫ   ﭬ    ﭭ  ﭮ  ﭯ       ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ     ﭴ  ﭵ    ﭶ       ﭷ     ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾﭿ  ﮀ   ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﭼ [البقرة]،

عظم الصبر وأشده حين تدلهم الخطوب وتبلى الأنفس بالامتحان  كما حدث في أحد حين انكشف المسلمون وشاع أن رسول الله r قتل، انجفل فريق من المسلمين منهزمين، وصبر آخرون فنزل من القرآن إشادة بمن صبروا، وإنكار على أولئك: ﭽ ﭘ   ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ   ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭼ [آل عمران]، ثم لا يعذرهم في فرارهم وانهزامهم ﭽ ﭳ  ﭴ    ﭵ    ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ   ﮁ  ﮂ  ﮃﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ       ﮋ  ﮌﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﭼ [آل عمران]، إلى أن قال: ﭽ ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ     ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ    ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ   ﯞ  ﯟﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤﭼ [آل عمران].

وأقوى من يمثل الصبر في حياته الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وفي مقدمتهم نبينا r.

وقال الله: ﭽ ﯢ  ﯣ     ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ            ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮﯯ   ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ     ﯺ  ﭼ [الأنعام]، وجاء الأمر صريحاً لرسول الله r بالاقتداء بالصابرين قبله: ﭽ ﯪ  ﯫ ﯬ   ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ     ﯱ   ﯲ  ﯳﯴ  ﭼ [الأحقاف: 35]. 

الإيمان بقدر الله

إن إيمان العبد بقدر الله النافذ واستسلامه له أكبر عون على تجشم مصاعب المصائب، وعلم العبد بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه برد من اليقين يصب على فؤاده و الجزع والهلع والتبرم والضيق لا يرد من قدر الله شيئاً([45]).

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول اللَّهِ r: “مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ”([46]) .

روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : “مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا”([47])

والصبر على أقدار الله تعالى من المصائب دون المعائب من مقامات الأولياء، روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: مرَّ النبي r بامرأة تبكي عند قبر، فقال: “اتقي الله واصبري!”، قالت: إليك عني، فإنك لم تُصب بمصيبتي! ولم تعرفْه، فقيل لها: إنه النبي – صلى الله عليه وسلم – فأتت باب النبي – صلى الله عليه و سلم – فلم تجد عنده بوابين! فقالت: لم أعْرِفْكَ! فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”([48]).

 فقد كان رسول الله مبادراً بتقديم النصح عند دواعيه رحمة وشفقة بالأمة، وهو بذلك يقرر مسائل الاعتقاد، ويؤسس لسلوك المسلم الذي تنطلق تصرفاته من عقيدته في كل شيء؛ السراء والضراء بحد سواء، وقد بين لها أن الصبر عند فجأة الخبر والحدث أما ما سواه فهو سلو كما تسلوا البهائم.

وهذا مقام غير الرضى فإنه منزلة أعلى، لذلك فإن الصبر واجب، فلا يجوز النياحة ولا قص الشعر ولا شق الثوب ولا الدعاء بدعوى الجاهلية.

وروى مسلم في صحيحه قال: حدثنا الحكم بن موسى القنطري، حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن القاسم بن مخيمرة، حدثه قال: حدثني أبو بردة بن أبي موسى، قال: “وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً فلما أفاق قال أنا بريء مما برئ منه رسول الله r فإن رسول الله r برئ من الصالقة والحالقة والشاقة”([49]).

وعن أبي موسى عبدالله بن قيس: “أن رسول الله r بريء من الصالقة والحالقة والشاقة”([50]).

الصالقة: “التي ترفع صوتها عند المصيبة فيه دليل على تحريم هذه الأفعال، والأصل “السالقة” بالسين، وهو رفع الصوت بالعويل والندب. وقريب منه : قوله تعالى: ﭽﮠ   ﮡ  ﮢ  ﭼ والصاد قد تبدل من السين . 

و”الحالقة” حالقة الشعر، وفي معناه: قطعه من غير حلق، و”الشاقة” شاقة الجيب([51])، وكل هذه الأفعال مشعر بعدم الرضى بالقضاء، والتسخط له، فامتنعت لذلك.

وهذا كل مناف لكمال الايمان بالقدر ويؤاخذ الانسان عليه لأنه بإمكانه منعه والصبر عنه، ولو عبر عن ذلك بدمعة عين أو تغير لون لا يملكه أو انعقد لسانه عن التعبير أو ظهر عليه شيء من معان الحزن فلا يعد إثماً لأنه دخل في باب الرضى وهو مندوب.

أما مجرد دمع العين أو حزن القلب وتألمه على فراق حبيب لا يؤاخذ به  لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال: “ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم”، والثواب في الابتلاء يكون لمن صبر فلم يتسخط على أقدار الله تعالى، والبكاء والحزن لا ينافيان الصبر.

 وذكر ابن القيم في المدارج أنه لا تنافي بين رضى العبد بالقدر مع كراهته أحياناً، فذكر أنه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يجب من رضى الله عنه وتكفير ذنوبه ويكرهه من جهة تألمه به، ومثل لذلك بالدواء الكريه الذي يعلم فيه الشفاء فيجتمع فيه الرضى مع الكراهة.

وقال أيضا: والرضى بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما لا يلائمه ولا يدخل تحت اختياره مستحب وهو من مقامات أهل الإيمان وفي وجوبه قولان وهذا كالمرض والفقر وأذى الخلق له والحر والبرد والآلام ونحو ذلك([52]).

أما الصبر في سيرته r

فإن الحديث عن صبره عليه الصلاة والسلام، هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلها، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها، فحياته r كلها صبر ومصابرة، وجهاد ومجاهدة.

فمنذ لحظة بعثه، وبعد أول لقاء بجبريل عليه الصلاة والسلام في غار حراء،  وقد أخذ منه الخوف مأخذه، وخففت خديجة من روعه وطمأنته بالحديث المشهور ذهبت به خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، فقال له ورقة : يا ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك، فقال له عليه الصلاة والسلام: “أو مخرجي هم؟”، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي([53]). حينها وطن نفسه منذ البداية على تحمل الصد والإيذاء والكيد والعداوة، وهي إرهاصات الابتلاء وتهيئة نفسية لتقبل الامتحان .

فقد مَكَثَ r فِي الشِّعبِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاثِ سِنينَ، فِي شِدَّةِ الجهْدِ وَالجُوعِ، لَا يَصِلُ إليهِمْ شيءٌ إِلَّا سرًّا، حَتَّى أنهُمْ أَكلُوا وَرَقَ الشَّجَرِ، وَاستَمَرَّ الحالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى السَّنةِ العَاشِرَةِ, حَيثُ قَام رِجالٌ مِنْ قُرَيْشٍ بنقْضِ الصَّحِيفةِ, فَخَرجَ رَسولُ اللهِ r وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الشِّعْبِ([54]).

وفي يوم من الأيام كان عليه الصلاة والسلام يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس، فقال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فانتظر حتى سجد النبي r فوضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله r ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره الأذى([55]).

فَلَمَّا اشتدَّ الْأَذَى بِرسُولِ اللهِ r خَرَجَ إِلى الطَّائِفِ، فَدَعَا قَبائِلَ ثَقيفٍ إِلى الْإِسْلامِ, فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ إِلَّا العنادَ وَالسُّخْرِيةَ وَالأَذَى، وَرَمَوْه بالحجارةِ حَتَّى أدْمَوْا عقبَيْهِ، فقرَّر الرُّجوعَ إِلى مكَّة.

روى البخاري ومسلم أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقالت : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : “لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال : يا محمد فقال : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي r: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”([56]).

وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله r؟ قال: “بينا رسول الله r يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة ابن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله r، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا”([57]).

وفي المدينة يبدأ عهد جديد ًمن الصبر والتضحية، وحياة فيها الكثير من الجهد والشدة، حتى جاع وافتقر، وربط على بطنه الحجر، يقول النبي r: “قد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يُؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعامٌ يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال”([58]).

 ولم يكن يخرج من غزوة إلا ويدخل في أخرى، حتى شُجَّ وجهه الشريف، وكسرت رباعيته، واتهم في عرضه، ولحقه الأذى من المنافقين وجهلة الأعراب، روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قسم رسول الله r قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، قال ابن مسعود: فأتيت رسول الله r فأخبرته، فتمعر وجهه وقال : “رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر”([59]).

كان له من الذرية سبعةٌ، توالى موتهم واحداً تلو الآخر حتى لم يبق منهم إلا فاطمة رضي الله عنها، فما وهن ولا لان، ولكن صبر صبراً جميلاً، حتى أُثر عنه يوم موت ولده إبراهيم قوله: “إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”([60]).

 هذه بعض مواقف الصبر في حياة النبي r وفي سيرته التي هي حياة إنسان وبشر يأكل ويمرض وينام وهو القدوة، تتجلى فيها بشريته في الإحساس والشعور والعاطفة المعتدلة وبث الشكوى لله وأخذ الحيطة والحذر ما أمكن، فهي أسباب لا تنافي التوكل، وهي ابتلاءات لرفعة الدرجات وتحقيق أسوة الطريق الشائك فطريق الأنبياء ليس مزروعاً وروداً ورياحين، لكن الله تعالى أعدهم لمقامات أعلى في الملا الأعلى.

المبحث السادس

المظاهر العقدية في السيرة النبوية فيما يتعلق بالكفار

الذمي والمستأمن والمعاهد:

أهل الذمة: الكفَّار المقيمون تحت ذمَّة المسلمين بدفع الجزيَّة([61]).

المعاهَد: هو الكافر الذي بينه وبين المسلمين عهد مهادنة([62]).

قال ابن بطال: “والمعاهَد: الذي بينه وبين الإمام عهد وهدنة”([63]).

وإذا دخل ديار المسلمين سُمِّي مستأمنًا.

المستأمن: هو الحربِي المقيم إقامة مؤقتة في ديار الإسلام([64]).

والفرق بين أمان الذمِّي وبين المستأمن هو أنّ أمان الذمِّي مؤبد، وأمان المعاهد والمستأمن مؤقت بمدة إقامته التي يصير بتجاوزها من أهل الذمّة، وتضرب عليه الجزية([65]).

تعريف المعاهدات والاتفاقيات:

المعاهدات هي تلك الاتفاقات أو العهود أو المواثيق الَّتي تعقدها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول في حالتي السلم والحرب، وتُسَمَّى المعاهدة في الحالة الأخيرة موادعة أو مصالحة أو مسالمة، ويُقَرَّرُ بمقتضاها الصلحُ على تَرْكِ الحرب([66])، لقوله تعالى: ﭽ ﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃﰄ  ﭼ [الأنفال:61].

الأصل في العَلاقة هو السلم، فالمعاهدات تكون إمَّا لإنهاء حربٍ عارضة والعود إلى حال السلم الدائم، أو أنها تقريرٌ للسلم وتثبيت لدعائمه، لكيلا يكون من بعد ذلك العهد احتمال اعتداء، إلاَّ أنْ يكونَ نقضًا للعهد([67]).

 والمعاهدات فيها منافع كثيرة، منها إتاحة الفرصة للإسلام أن ينتشر بأمان، ومنها إعطاء فرصة لغير المسلمين أن يفكروا بهدوء للدخول في الإسلام، ومنها تحقيق مصالح متبادلة بين المسلمين والكفار لا تتم إلا بها، من تحديد مواقف واضحة من عدو مشترك، كما في منع قريش من غزو المدينة، وتحالف اليهود على البند لئلا يكون ثمة رخاوة أو خيانة الموقف، فقول رسول الله: “وإنه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها”، وأن لا تكون المعاهدة مخلة بشي من الدين، قبل ذلك قال: “إن بينهم النصرَ على من دَهِمَ يثرب”([68]).

وحتى يكون الجميع مسؤول عن مصالح البلد، بذلك يتضح الموقف من خلال نماذج من السيرة.

امتثالاً لقوله تعالى: ﭽ ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﭼ [النحل: 91].

وقوله تعالى: ﭽ ﭹ  ﭺ      ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ    ﮃ       ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ     ﮏ  ﮐ  ﮑ   ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ   ﮖ  ﮗ  ﮘ ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ   ﮤ  ﮥ     ﮦﭼ [الممتحنة: 8، 9].

على هذه المبادئ سارت حياة رسول الله r، بل وربَّى أصحابه عليها، فقال رسول الله r: مُعَلِّمًا إياهم قيمة الوفاء بالعهد: “مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلا يَحُلُّهَا، حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ”([69]).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي r قال: “من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً”([70]).

وعن أبي هريرة عن النبي r قال: “ألا من قتل نفساً معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً”([71]).

ومن نماذج ذلك في السيرة:

1/ قصة ثمامة:

عن أبي هُرَيْرَةَ t قَالَ :بَعَثَ النَّبِيُّ r خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ r فَقَالَ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟”، فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ! إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ .فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟”، قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ !فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟”، فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ !فَقَالَ : “أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ..”.

فَانْطَلَقَ ثمامة إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ! يَا مُحَمَّدُ ! وَاللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى الأرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ. وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ : صَبَوْتَ ؟ ! قَالَ : لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ r، وَلا، وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ r([72]).

وحيث كانت سرية محمد بن مسلمة t هي أول عمل عسكري بعد غزوة الأحزاب وقريظة، وقد تحركت هذه السرية في المحرم من العام السادس للهجرة، في مهمة عسكرية ضد بني القرطاء في أرض نجد.. وفي طريق عودة السرية؛ تم أسر ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، والصحابة لا يعرفونه، فقدموا به المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد، فلما خرج إليه رسول الله r قال: “أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ؟ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ”([73])([74]).

ورجع رسول الله r إلى أهله، فقال لهم: “اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ” .. وقد أمر – صلوات الله وسلامه عليه – بِلِقْحَتِهِ – أي ناقته – أَنْ يشرب ثمامة من حليبها([75]).

ولا زال رسول الله r يتودد إليه ويتردد عليه، ويدعوه إلى الإسلام، ثم أمر أصحابه بفك أسر ثمامة.

فذهب ثمامة من تلقاء نفسه إلى نخل قريب من المسجد النبوي – ولم يذهب إلى أهله – فاغتسل غُسل المسلمين، ثم قدم إلى المسجد هذه المرة على قدم وساق، في حَبْرة وسرور، قد هطلت على وجهه مُزنة الإيمان، وتهللت أساريره بشاشة ووضائه، وإذا به ينطق كلمات ما أجملها! صدّرها بشهادة التوحيد، وثنَّاها بكلمة حق، وأعقبها بكلمة حب، وختمها باستئذان، فقد قصد العمرة، وكأنما هو جندي من أجناد الدعوة الإسلامية في عشية أو ضحاها، فأذن له قائده الذي أسره مرتين! رهبًا ثم رغبًا، ثم علَّمه أستاذه صفة العمرة على منهج التوحيد، ولقنه التلبية خالية من الشرك، نقية طيبة .

وانتشر خبر إسلام ثمامة، سيد اليمامة، فلما قدم مكة، عيره قرشي قائلاً : أصبوت ؟! أي أكفرت بدين الآباء ؟ ! فقال – قولة من أُطعم غضارة الإيمان – : “لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”. وهكذا يعلن هويته بين ظهراني قريش – فهو السيد القوي صاحب العزيمة – ويعتز بدينه، ويفتخر بعقيدته، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

ثم يأخذ قراره، ويعلن موقف اليمامة المسلمة، من قريش الجائرة : “وَلا، وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ r”، فهي المقاطعة لمن حاد الله ورسوله .. فأرسل وجهاء قريش إلى رسول الله r يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليخلي لهم حمل الطعام([76]).

وإن كان في قصة ثمامة من الدروس والعبر ما لا يسعه هذا البحث، إلا أنني سأكتفي بالإشارة إلى بعضها:

منها: أن ثمامة كان أول مسلم يلبي علناً بين ظهراني قريش والأصنام حول الكعبة، حيث أنه حين أُسر كان ينوي العمرة، فأمره رسول الله r بإتمام عمرته، ولكن على المنهج الحق الذي شرعه الله ورسوله. 

ومنها: أن يتمثل من يدَّعون حمل راية الجهاد أخلاق النبي العظيم r بتعامله مع الأسير، وكيف أنه أمر أصحابه وأهل بيته بحسن معاملته، وأشربه من حليب ناقته، وأطعمه من طعامه، وخاصة كمن هو بمنزلة ثمامة السيد المطاع في قومه، الذي كان لإسلامه أثراً عظيماً على المسلمين، فلك أن تقارن كيف أن الصورة تحولت حين كان المسلمون محاصرون في الشعب، ثم بعد إسلام ثمامة تُحَاصَرُ قريش اقتصادياً حتى رضخت واستجدت رسول الله r بعد أن كانت تستعديه.

ومن نماذج الوفاء مع الكفار في معاهداتهم، والتي تعكس عمق التوحيد وأثره على صاحبه، وتعدي هذا الأثر على غيره :

2/ قصة أبي بصير:

وموجز قصة أبي بصير أن النبي r عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يرد إليهم من أسلم منهم وقدم إليه؛ كما هي الحادثة مدونة في كتب السيرة([77]):

كان حليفاً لبني زهرة، أسلم بمكة قديما فحبسه المشركون عن الهجرة، وذلك قبل عام الحديبية، فلما نزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الحديبية، وقاضى قريشاً على ما قاضاهم عليه وقدم المدينة أفلت أبو بصير من قومه فسار على قدميه سعيا حَتَّى أتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أن يرده إليهم على ما اصطلحوا عليه، وبعثاه مع خنيس بن جابر، فخرج خنيس ومعه مولاه كوثر فدفعه إليهما فخرجا به، فلما كانا بذي الحليفة عدى أبو بصير على خنيس فقتله، فقال: وفت ذمتك يا رسول اللَّه، دفعتني إليهم فخشيت أن يفتنوني عن ديني فامتنعت، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكوثر: «خذه فاذهب به» فقال: إني أخاف أن يقتلني، فتركه ورجع إلى مكة، فأخبر قريشاً بما كان.

وخرج أبو بصير إلى العيص فنزل ناحية على طريق قريش إلى الشام، فجعل من بمكة من المحتبسين يتسللون إلى أبي بصير، فاجتمع عنده منهم قريب من سبعين، فجعلوا لا يظفرون بأحد من قريش إلا قتلوه، ولا بعير لهم إلا اقتطعوها، فكتبت قريش إلى رسول الله r يسألونه بأرحامهم ألا أدخل أبا بصير وأصحابه إليه فلا حاجة لنا بهم، فكتب النبي r إلى أبي بصير أن يقدم عليه مع أصحابه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عينيه، فمات وهو في يديه، فغسله أصحابه وصلوا عليه ودفنوه هناك وبنوا عند قبره مسجداً، ثم قدموا على رسول الله r فأخبروه فترحم عليه([78]).

ومما يستنتج من هذه القصة:

أن رسول الله r كان يهتم بالوفاء بالعهود والمواثيق، ولم يكن عنده مجرد نظرية مكتوبة على الورق، ولكنه كان سلوكًا عمليًّا في حياته وفي علاقته الدولية، فقد أوصى الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالعهود، وحذر من نقض الأيمان بعد توكيدها في كثير من الآيات القرآنية, قال تعالى: ﭽ ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛﮜ  ﮝ      ﮞ  ﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﭼ [النحل: 91]، وقال جل وعلا: ﭽ ﯚ  ﯛﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ ﯠ ﭼ [الإسراء: 34].

والدروس والعبر من صلح الحديبية كثيرة، والأحكام العقدية المستنبطة منها تحتاج لمؤلف خاص، فمن قصة أبي بصير استدل بعض الناس بهروب أبي بصير ومن معه إلى ساحل البحر مع التعرض لعير قريش بقتلهم وسلب أموالهم دون إذن النبي r، وأنه r لم ينكر عليه وعليهم، فالجواب عن هذا الاستدلال: 

أنه لا يجوز أن يحتج بحال أبي بصير من كان في عنقه بيعة لإمام فيخرج بدون إذنه فيقاتل لقوله – فيما روى الشيخان -: “وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ”([79])، وروى مسلم قَالَ: “مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ : يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ”([80]). وروى الشيخان عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: “مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً”([81]).

قال ابن قدامة: “وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك”([82])أ.هـ. وإنما يصح أن يحتج بقصة أبي بصير في حال تعدد الولايات بأن من كان تحت ولاية إمام فلا يلزمه استئذان إمام آخر ليس هو تحت ولايته ؛ فإن أبا بصير لم يكن تحت يد النبي وحكمه بل صار متميزاً له أحكامه الخاصة التي تلزم من كان تحت يده.

قال ابن القيم: “والعهد الذي كان بين النبي وبين المشركين لم يكن عهدًا بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهدٌ جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد ، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين”([83])أ.هـ.

ورد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان على هذه الشبهة بقوله: “أبو بصير ما هو في قبضة الإمام ، أبو بصير في قبضة الكفار في ولايتهم ، فهو يريد أن يخلص نفسه  من الكفار وليس هو تحت ولاية الرسول؛ لأن الرسول رده لهم بموجب العهد والصلح”([84])أ.هـ.

وقصة أبي بصير نتيجة لصلح الحديبية، ودروس وعبر صلح الحديبية كثيرة كما ذكرنا، فمن الدروس المستفادة من صلح الحديبية اعتراف قريش بالمسلمين كقوة ودولة تعاهدها، وهو من أهم الأمور، ومن أعظم ثمرات صلح الحديبية، وهذا الاعتراف جاء من قريش أعظم قبيلة عربية، فهذا يعتبر الميلاد الرسمي لدولة الإسلام في الجزيرة العربية.

والمستأمن، وهو جنس ينتظم أنواعاً عديدةً، وهي :

1-  من أعطاه مسلمٌ أماناً .

فالمسلم يُدخل الكافرَ في جِواره، قال r: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ »([85]).

وقد قال النبي  r في الصحيحين  لأم هانئ بنت عمه أبي طالب وأخت علي t “قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ”([86]).

فمن دخل في جوار مسلم فلا يجوز قتله لحديث: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»([87]).

قال ابن حجر رحمه الله: “وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان ، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم”([88])، وقد أوجب الله علينا أن لا نتعرض له فقال: ﭽ ﯦ  ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﭼ  [التوبة:6]، وجاءت هذه الآية بعد قول الله تعالى: ﭽﮨ  ﮩ  ﮪ    ﮫ    ﮬ  ﮭﭼ [التوبة: 5]، أي فاقتلوهم ولكن إذا أراد أحد منهم أن يتعرف على الإسلام فأعطه الأمان ، فإن أسلم وإلا فلا إكراه في الإيمان ، والواجب علينا أن نُبلِّغَه ما يأمن فيه من مكان .

ومما يدل على أنّ المعاهد يشمل هذه الأنواع حديث النبي  r: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([89])، فهذا في الذمي سماه النبي r معاهداً .

2 – الرسل:

رسل المشركين لا يقتلون، فلقد نهى رسول الله r عن قتل الرسل، ولقد بعث إليه مسيلمة الكذاب برسولين قد صدقا بنبوته قال لهما النبي  r: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا»([90])، ومثلهم في الحكم السفراء ، وأعضاء البعثات الدبلوماسية لا يشك عاقل في ذلك .

3 – من دخل إلى الدولة بإذنها:

فكل من سمحت له الدولة بدخولها فلا يجوز التعرض له، كالتجار ومن دخل لحاجة كعلاج وتعليم ، وإذا كان رسول الله r قد أنفذ جوار امرأة فكيف بإذن دولة؟ ولو وُجد من ليس عنده إذن من الدولة فهذا يُرفع أمره لولي الأمر ولا يجوز لأحد أن يتعرض له بسوء .

وكما دلت النصوص على تحريم التعرُّض لهؤلاء الكفّار فقد دلّت الفطرة السليمة على ذلك ، فالفطرة دالة على وجوب احترام مثل هؤلاء([91]).

الخاتمة

تم بحمد الله تعالى ما أردت من الإشارة إليه، بعد الاجتهاد في تحري مظاهر الاعتقاد في سيرة النبي r .

وحيث أنها شاملة لحياته كلها، فقد استوعبت السيرة ما بين غزوة وسرية معظم الفترة المدنية، وتجلت فيها صور حية وتطبيق لأهم مسائل الاعتقاد، ولأن السيرة جزء من حياته r فإن الأحاديث الواردة في كتب السنة داخلة ضمن ذلك ولو لم تكن بمسمى السيرة.

ومن أهم ما يمكن ثبته من نتائج توصلت إليها في هذا البحث:

أولاً: أن العقيدة الإسلامية (التوحيد) هي أهم ما ينبغي للمسلم أن يثبته في قلبه، ومن أهم ما يجب أن يُدعى إليه غير المسلم.

ثانياً: من أهم ما يثبت عقيدة المسلم هي دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم دراسة مستفيضة، فكل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم ما هو إلا تثبيت لعقيدة الإيمان وترسيخ لها، وربطٌ لقلوب المؤمنين بالله عز وجل.

وظهر لي من خلال ذلك أن البحث أن أوصي بما يلي:

1 / التوجيه بإيجاد مشاريع بحثية تتولى جميع التآليف في مسائل محدودة من جميع مواطن السيرة.

2 / تدريس المعتقدات من خلال دراسة السيرة فليست مادة تاريخ مجرد.

3 / تحرير بعض القصص التي وردت من بعض الرواة وهي غير مؤصلة عليماً.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر والمراجع

  1. الأم، للشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ابن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي، دار المعرفة – بيروت، بدون طبعة، 1410هـ/1990م
  2. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، زين بن إبراهيم بن بكر، دار المعرفة، بيروت، د.ط، د.ت.
  3. بدائع الصنائع، للكاساني، أبي بكر بن مسعود، تحقيق: محمد عدنان، ط الثانية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1419هـ.
  4. تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد – جدة، 1399هـ.
  5. تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن ، لسيد قطب، علوي بن عبد القادر السَّقَّاف، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الطبعة : الثانية ، 1416هـ/ 1995م.
  6. جامع الأصول في أحاديث الرسول، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد ابن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط – التتمة تحقيق بشير عيون، مكتبة الحلواني – مطبعة الملاح – مكتبة دار البيان، الطبعة : الأولى.
  7. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله r وسننه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
  8. جمع الوسائل في شرح الشمائل، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري، المطبعة الشرفية – مصر، طبع على نفقة مصطفى البابي الحلبي وإخوته.
  9. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى – 1405هـ.
  10. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1415هـ.
  11. زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، مؤسسة الرسالة، بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة: السابعة والعشرون, 1415هـ /1994م.
  12. سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1414هـ – 1993م.
  13. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1412هـ/ 1992م.
  14. سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، أبو عيسى تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة: الثانية، 1395 هـ – 1975 م
  15. سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي)، محمد بن إسحاق بن يسار المدني، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر – بيروت، الطبعة: الأولى، 1398هـ /1978م.
  16. السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ – 1955م.
  17. السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1424هـ-2003م.
  18. شرح السنة،  أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة: الثانية، 1403هـ – 1983م.
  19. العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، دار الفكر، 1415هـ/ 1995م.
  20. الفروع، لابن مفلح، محمد بن مفلح المقدسي، تحقيق: أبي الزهراء حازم القاضي، ط.الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418هـ.
  21. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشهير بالمتقي الهندي، تحقيق: بكري حياني – صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الطبعة الخامسة، 1401هـ/1981م.
  22. لسان العرب؛ لابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة ، 1414هـ.
  23. مسند ابن الجعد، علي بن الجَعْد بن عبيد الجَوْهَري البغدادي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1410هـ/ 1990م.
  24. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2001م.
  25. المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله r، مسلم ابن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  26. مشكاة المصابيح، محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1985م.
  27. المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي، محمد (أو عبد الله) بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري، أبو عبد الله، جمال الدين ابن حديدة، تحقيق: محمد عظيم الدين، عالم الكتب – بيروت.
  28. المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1409هـ/1989م.
  29. المغني لابن قدامة، لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الشهير بابن قدامة المقدسي، مكتبة القاهرة، 1388هـ.
  30. المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ – 1985م.
  31. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ/ 1992م.
  32. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب،  بطال بن أحمد بن سليمان بن بطال،  تحقيق: مصطفى عبد الحفيظ سالم، 1408 – 1988.
  33. الهداية في شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، تحقيق: طلال يوسف، دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان.

فهرس الموضوعات

الموضوعرقم الصفحة
المقدمة.1
التمهيد.3
المبحث الأول: ترسيخ التوحيد.5
المبحث الثاني: التوكل والأخذ بالأسباب في حياته r وأنواع المعية.7
المبحث الثالث: الفأل والطيرة.12
المبحث الرابع: الواقعية بين المعجزة والخرافة.15
المبحث الخامس: الصبر والرضى بالقدر.20
المبحث السادس: المظاهر العقدية في السيرة النبوية فيما يتعلق بالكفار.27
الخاتمة.36
المصادر والمراجع.37
فهرس الموضوعات.41


ملخص البحث

بسم الله الرحمن الرحيم

مختصر بحث مظاهر العقيدة في السيرة النبوية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن والاه وبعد:

كانت فكرة البحث الإشارة الى أهمية دراسة السيرة دراسة عقدية، وذلك لأنها ديوان ملئ بمواقف عقدية مؤثرة، ولأنه شاع أنّ السيرة مجرد تاريخ ومغازي وحروب وسير ذاتية والواقع أنها ثرية بمادة علمية في العقيدة والفقه والأخلاق واصول السياسة والعلاقة بالآخرين واصول الحوار  وهذا يؤكد مزيدًا من تأملها وعرضها كمشاريع بحثية في جميع أبواب الاعتقاد على طلاب الماجستير.

وأن تكون مادة أيضًا لإعادة النظر في توصيف مناهج غير المختصين في الثقافة الإسلامية لتعزيز الصلة بالمنهج الصحيح.

والبحث كان إشراقة موجزة لإيضاح هذه الفكرة وهي مفتاح متاح لكل من أراد التوسع في ربط العقيدة بالسلوك.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ترجمة ملخص البحث

Summary for Search “faith appearances in the Prophet’s    biography

Praise be to God, prayer and peace be upon the Messenger of Allah.

      The main idea of this research, pointing to the importance of studying nodal Biography because it is rich in influential nodosum positions. As well as the common concept of history and biography that just Indicate to wars and Resume. In fact, it is a scientific material and rich in faith, doctrine, ethics, political origins, relationships, and the art of dialogues. This emphasizes the importance of presentation to Master students as research projects in all belief sections.

Also, making this subject as a material reconsider about curriculum characterization for non-professionals on Islamic culture to strengthen the bond of the right approach.

This research is a brief sight to clarify the key idea for everyone who wants to expand the knowledge about the relationship between religion and behavior.

God only knows

May Allah bless our Prophet Muhammad

لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :

https://drive.google.com/drive/folders/1ZDoZNZFySzrdmILoMtn-pZ0no9Lbh7VU?usp=sharing



([1]) انظر: مقال بعنوان: “السيرة النبوية، أهميتها، أقسامها، ومقاصد دراستها”، للدكتور: محمد صامل السلمي، على الرابط: http://www.ktibat.com/showsubject-link-1191.html.

([2]) ينظر: مغازي الواقدي (2/870-871)، المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي (2/239).

([3]) زاد المعاد، لابن القيم (2/526).

([4]) رواه الترمذي، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (4/475) برقم (2180)، وقال: “حديث حسن صحيح، وأبو واقد الليثي اسمه الحارث بن عوف”، والحديث صححه الألباني في مشكاة المصابيح (3/1488) برقم (5408)، وينظر: مغازي الواقدي (3/890-891)، سيرة ابن هشام (2/442).

([5]) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/18-19) برقم (2802)، وقال محققو المسند: “حديث صحيح”، .

([6]) ينظر: السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها (ص306).

([7]) رواه البخاري في صحيحه، باب قوله: “ثاني اثنين إذ هما في الغار” (6/66) برقم (4663)، ومسلم في صحيحه، باب من فضائل أبي بكر الصديق (4/1854) برقم (2381).

([8]) ينظر في ذلك: جمع الوسائل في شرح الشمائل، لعلي ملا القاري (2/221)، ولأقسام المعية انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص146).

([9]) انظر: مقال للدكتور علي بن عمر بادحدح على موقع الإسلام ويب على الرابط:

http://www.islameiat.com/Pages/Subjects/Default.aspx?id=15221&cat_id=5.

([10]) انظر: المرجع السابق. 

([11]) رواه البخاري في صحيحه، باب حفر الخندق (4/25) برقم (2835).

([12]) ينظر: سيرة ابن هشام (2/224) .

([13]) أورده السخاوي في المقاصد الحسنة (ص304) برقم (400)، والمتقي الهندي في كنز العمال (4/469) برقم (11397)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (8/253) برقم (3777) من أجل طرفه الأول “خذل عنا”، وإلا فأصل الحديث صحيح متواتر متفق عليه بلفظ: “الحرب خدعة”.

([14]) ينظر: زاد المعاد، لابن القيم (3/244).

([15]) رواه البخاري، باب قتل كعب بن الأشرف (5/90) برقم (4037).

([16]) رواه أحمد في مسنده (24/499) برقم (15722)، وقال محققو المسند: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”.

([17]) انظر: مقال للدكتور علي بن عمر بادحدح على موقع الإسلام ويب على الرابط:

http://www.islameiat.com/Pages/Subjects/Default.aspx?id=15221&cat_id=5.

([18]) انظر: مقال للدكتور علي بن عمر بادحدح على موقع الإسلام ويب على الرابط:

http://www.islameiat.com/Pages/Subjects/Default.aspx?id=15221&cat_id=5.

([19]) ينظر: زاد المعاد (3/118، 243)، والحديث أورده علوي بن عبدالقادر السقاف في تخريج أحاديث وآثار كتاب ظلال القرآن (ص357) وقال: “ضعيف، رواه ابن معلقاً ومنقطعاً ومن طريقه الطبري في التاريخ، والبيهقي في الدلائل، والخبر مشهور في كتب السيرة”ا.ه.

([20]) انظر: مقال للدكتور علي بن عمر بادحدح على موقع الإسلام ويب على الرابط:

http://www.islameiat.com/Pages/Subjects/Default.aspx?id=15221&cat_id=5.

([21]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/152).

([22]) رواه أحمد في مسنده (4/169) برقم (2328)، و(4/489) برقم (2766)، و(5/96) برقم (2925)، وكلها قال عنها محققو المسند “حسن لغيره، لضعف الليث”، والطبراني في المعجم الكبير (11/140) برقم (11294)، والبغوي في شرح السنة (12/175) برقم (3254).

([23]) رواه أبو داود في سننه، باب في الطيرة (4/17) برقم (3910)، وابن ماجه في سننه، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة (2/1170) برقم (3538)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/791) برقم (429).

([24]) رواه أحمد في مسنده 11/623) برقم (7045).

([25]) مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية – التطير والتشاؤم –  للشيخ: محمد حسن عبد الغفار على موقع الإسلام ويب على الرابط http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=179178.

([26]) أخرجه البخاري في صحيحه، باب لا عدوى (7/139) برقم (5776)، ومسلم في صحيحه، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم (4/1746) برقم (2224) بلفظ: “لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قال: قيل: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة” .

([27]) رواه أحمد في مسنده (22/366) برقم (14481)، وقال محققوا المسند: “إسناده صحيح على شرط مسلم”.

([28]) رواه مسلم في صحيحه، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن … (3/1686) برقم (2139).

([29]) رواه البخاري في صحيحه، باب اسم الحزن (8/43) برقم (6190).

([30]) رواه البخاري في صحيحه من حديث طويل، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (3/193) برقم (2731).

([31]) سبق قبل قليل بلفظ آخر.

([32]) مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية – التطير والتشاؤم –  للشيخ: محمد حسن عبد الغفار على موقع الإسلام ويب على الرابط http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=179178.

([33]) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (4/368)، وأصل القصة في صحيح البخاري، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب (5/108) برقم (4101).

([34]) انظر: مقال بعنوان: “السيرة النبوية، أهميتها، أقسامها، ومقاصد دراستها”، للدكتور: محمد صامل السلمي، على الرابط: http://www.ktibat.com/showsubject-link-1191.html.

([35]) انظر: مقال بعنوان: “السيرة النبوية، أهميتها، أقسامها، ومقاصد دراستها”، للدكتور: محمد صامل السلمي، على الرابط: http://www.ktibat.com/showsubject-link-1191.html.

([36]) لسان العرب؛ لابن منظور (5/369).

([37]) لومع الأنوار البهية (2/289-290).

([38]) ينظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (4/311).

([39]) سلسلة شرح الرسائل للإمام محمد بن عبدالوهاب، للشيخ صالح بن فوزان الفوزان (ص277).

([40]) ينظر: النبوات لابن تيمية (ص802).

([41]) سلسلة شرح الرسائل للإمام محمد بن عبدالوهاب، للشيخ صالح بن فوزان الفوزان (ص277).

([42]) رواه البخاري في صحيحه، باب علامات النبوة في الإسلام (4/195) برقم (3584).

([43]) تفسير الألوسي = روح المعاني (1/196) .

([44]) أضواء البيان، للشنقيطي (2/166-167) .

([45]) الصبر في القرآن، لمحمد بن عبدالعزيز الخضيري، مقال على موقع صيد الفوائد على الرابط:

 http://www.saaid.net/bahoth/10.htm.

([46]) رواه البخاري في صحيحه، باب الاستعفاف عن المسألة (2/122) برقم (1469)، ومسلم في صحيحه، باب فضل التعفف والصبر (2/729) برقم (1053) .

([47]) رواه مسلم في صحيحه، باب ما يقال عند المصيبة (2/631) برقم (918) .

([48]) رواه البخاري في صحيحه، باب زيارة القبور (2/79) برقم (1283) .

([49]) رواه مسلم في صحيحه، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (1/100) برقم (104).

([50]) رواه مسلم في صحيحه، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (1/100) برقم (104).

([51]) ينظر: شرح السنة، للبغوي (5/438).

([52]) ينظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم (2/189).

([53]) رواه البخاري في صحيحه، باب بدء الوحي (1/7) برقم (3)، وباب أول ما بُدئ به رسول الله r (9/29) برقم (6982)، من حديث طويل.

([54]) ينظر: سيرة ابن إسحاق (ص156 وما بعدها)، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (ص189-192)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، أحمد أحمد علوش (ص360).

([55]) من حديث أخرجه بغير هذا اللفظ البخاري في صحيحه، باب ما لقي النبي r وأصحابه (5/45) برقم (3854)، وانظر: السيرة النبوية لابن كثير (ص486)، والخصائص الكبرى، للسيوطي (1/339).

([56]) رواه البخاري في صحيحه، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (4/115) برقم (3231)، ومسلم في صحيحه، باب ما لقي النبي r من أذى المشركين والمنافقين (3/1420) برقم (1795)، وانظر: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام (4/30)، والسيرة النبوية لابن كثير (2/152).

([57]) رواه البخاري في صحيحه، باب قوله: (فنفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض ..) (6/127) برقم (4815).

([58]) رواه الترمذي في سننه (4/645) برقم (2472)، وقال: “حديث حسن صحيح”.

([59]) رواه البخاري في صحيحه، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام (4/157) برقم (3405)، وفي غير موضع أيضاً.

([60]) رواه البخاري في صحيحه، باب قول النبي r “إنا بك محزونون” (2/83) برقم (1303).

([61]) الدرّ النقي (ص289(.

([62]) جامع الأصول لابن الأثير (7/466).

([63]) نظم المستعذب (1/157،156).

([64]) الهداية شرح البداية للمرغيناني (1/221)، والبحر الرائق لابن نجيم (7/95)، والأم للشافعي (4/283)، والفروع لابن مفلح (2/367).

([65]) انظر: بدائع الصنائع (7/106).

([66]) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (25/231)، وبحث منشور على الشبكة بعنوان “المعاهدات في الشريعة الإسلامية” المبحث الأول: تعريف المعاهدة لغة وشرعاً، موقع “ملتقى أهل الحديث”.

([67]) ينظر: العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة (ص79).

([68]) ينظر: السيرة النبوية، لابن هشام (1/504).

([69]) رواه أبو داود في سننه، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد (3/83) برقم (2759)، وأحمد في مسنده (32/181-182) برقم (19436)، وقال محققوا المسند: “صحيح بشاهده”، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/1105) برقم (6480).

([70]) رواه البخاري في صحيحه، أبواب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم، (3/1155) برقم(2995).

([71]) رواه الترمذي في سننه، كتاب الديات عن رسول الله، باب ما جاء فيمن يقتل نفسا معاهدة (4/20) برقم (1403)، قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبيr  .

([72]) رواه البخاري في صحيحه، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (5/170) برقم (4372).

([73]) ينظر: تاريخ المدينة لابن شبة (2/435).

([74]) ينظر: السيرة النبوية، لابن هشام (2/638).

([75]) ينظر: السيرة النبوية، لابن هشام (2/639)، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (6/71-72).

([76]) انظر: المصادر السابقة، ودلائل النبوة، للبيهقي (4/79-80) .

([77]) ينظر: مغازي الواقدي (2/625)، سيرة ابن هشام (2/323)، دلائل النبوة، للبيهقي (4/173).

([78]) ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (3/292)، مغازي الواقدي (2/625)، سيرة ابن هشام (2/323)، دلائل النبوة، للبيهقي (4/173).

([79]) رواه البخاري في صحيحه، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به (4/50) برقم (2957)، ومسلم في صحيحه، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (2/1466) برقم (1835).

([80]) رواه مسلم في صحيحه، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر (3/1476) برقم (1848).

([81]) رواه البخاري في صحيحه، باب قول النبي r “سترون بعدي أموراً تنكرونها” (9/47) برقم (7053)، ومسلم في صحيحه، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر (3/1478) برقم (1849).

([82]) المغني، لابن قدامة (8/354) .

([83]) زاد المعاد، لابن القيم (3/267).

([84]) الجهاد وضوابطه، للشيخ صالح بن فوزان الفوزان (ص52).

([85]) رواه أبو داود في سننه، باب في السرية ترد على أهل العسكر (3/80) برقم (3751)، تعليق الألباني: “حسن صحيح”.

([86]) رواه البخاري في صحيحه، باب أمان النساء وجوارهن (4/100) برقم (3171)، ومسلم في صحيحه، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان … (1/498) برقم (336).

([87]) رواه البخاري في صحيحه، باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم (4/99) برقم (3166).

([88]) فتح الباري (12/259).

([89]) رواه أبو داود في سننه، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا (3/170) برقم (3052)، تعليق الألباني: صحيح.

([90]) رواه أبو داود في سننه، باب في الرسل (3/83) برقم (2761)، تعليق الألباني: صحيح.

([91]) انظر: أقسام الكفار، د.مهران ماهر عثمان، مقال على موقع صيد الفوائد، على الرابط:

http://www.saaid.net/Doat/mehran/54.htm?print_it=1