خاص هيئة علماء فلسطين

         

فقه حماية المقدسات في الإسلام دراسة تطبيقية على المسجد الأقصى المبارك

د. مجاهد جمال الحوت[1]

ملخص

الإسلام دين جاء لتعديل ما اعوجّ من القيم والمفاهيم والأخلاق عند الناس، ولم يأت لهدم كل ما هو لديهم والبدء معهم من الخطوة الأولى، وهذا ما عبر عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأكد عليه القرآن الكريم ظاهرًا أو مضمّنًا، ومن هذه القيم والمفاهيم التي جاء الإسلام محافظًا عليها، ومؤكدًا على حرمتها المقدسات، بكل أنواعها وهيآتها، ومن آكدها دور العبادة التي تتخذ لعبادة الله عز وجل، وهذا ما نص عليه الدين الحنيف في السلم والحرب، وبدار الإسلام ودار الحرب.

ومن هذه الحرمات التي اعتنى بها الفقهاء المسلمون المقدسات الإسلامية، كيف لا؟ وقد بينوا أهمية المقدسات لغير المسلمين، فما بالك بمقدسات المسلمين التي توصف بأنها المقدسات الإسلامية؟ ومن جملة هذه المقدسات، بل ومن أوائلها المسجد الأقصى؛ كونه كان الهدف للعديد من الاعتداءات عبر التاريخ من يوم فتحه الأول إلى يومنا، ولذا سيكون جزء من البحث عناية الفقهاء المسلمين بقدسية المسجد الأقصى وضرورة الحفاظ على حمايته، في المبحث الثاني من هذه الدراسة، ومن ثم نتيجة تخلص لأهم النتائج والتوصيات، والتي كان من أهمها أن الجهاد الإسلامي في فلسطين عمومًا وفي بيت المقدس خصوصًا هو جهاد لا شك فيه ولا تردد، وأن كل أشكال الذود عن المسجد الأقصى واجبة بدءًا من حمل السلاح إلى بذل المال والرباط في سبيله أو حتى بذل الكلمة والمقاطعة الاقتصادية.

الكلمات المفتاحية: المقدسات، الجهاد، فقه المقدسات، المسجد الأقصى، الرباط، حماية.

Abstract

Islam is a religion that came to correct the distortions in people’s values، concepts، and morals، not to destroy everything they had and start from scratch. This principle was expressed by the Noble Prophet ﷺ and affirmed by the Holy Qur’an، either explicitly or implicitly. Among the values and concepts that Islam preserved and emphasized their sanctity are the sacred places in all their forms and manifestations—foremost among them the houses of worship dedicated to the worship of Almighty Allah. The Shariah has declared their sanctity in both peace and war، within the Abode of Islam and beyond.

Among the sanctities that Muslim jurists paid great attention to are the Islamic holy sites، for they not only clarified the importance of sacred places for non-Muslims but gave even greater emphasis to those of the Muslims themselves—known as the Islamic sanctities. Among the foremost of these sacred sites is Al-Masjid Al-Aqsa، which has faced numerous aggressions throughout history from its first conquest until today. Therefore، part of this study will focus on the attention given by Muslim jurists to the sanctity of Al-Masjid Al-Aqsa and the necessity of its protection، as discussed in the second section of this research. The conclusion will summarize the key findings and recommendations، the most significant of which is that the Islamic jihad in Palestine in general—and in Jerusalem in particular—is a legitimate and unquestionable form of jihad، and that all means of defending Al-Aqsa، from bearing arms and offering wealth to guarding its sanctity (ribāṭ)، speaking out in its defense، and supporting it through economic boycotts، are all forms of striving in the cause of Allah.

Keywords: Sanctities، Jihad، Jurisprudence of Sanctities، Al-Masjid Al-Aqsa، Ribāṭ، Protection.

مدخل

يمثّل موضوع حماية المقدّسات في الشريعة الإسلامية أحد المحاور المركزية في منظومة القيم والأحكام، لما للمقدّسات من ارتباط مباشر بهوية الأمة وعقيدتها ورمزيتها الحضارية. وقد حظيت هذه الأماكن بمنزلة سامية في النصوص الشرعية، إذ خصتها الشريعة بالأحكام خاصة، وقرّرت لها من الحرمات ما يعكس عمق مكانتها في وجدان المسلمين عبر القرون.

ويأتي المسجد الأقصى في مقدّمة هذه المقدّسات؛ فهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وبوابة التاريخ الديني والحضاري في بلاد الشام. ومع تعرّضه المستمر لأشكال متعددة من الاعتداء والتهويد والانتهاك، تتأكد الحاجة إلى دراسة فقهية تطبيقية توضّح الأصول الشرعية لحمايته، وتبيّن الواجبات والحقوق والمسؤوليات المتعلقة به في ضوء التراث الفقهي الكلاسيكي والمعاصر.

وتحاول هذه الدراسة أن تُعيد تأصيل فقه حماية المقدّسات ضمن بناء منهجي يجمع بين النظرية والتطبيق، لتستكشف الأسس الشرعية لصيانة حرمة المسجد الأقصى، وتستقرئ نماذج عملية من جهود الأمة في الدفاع عنه عبر التاريخ، وتبحث في واجبات المجتمع والأمة والدولة تجاهه، بوصفه ركناً من أركان الهوية الإسلامية الجامعة.

وتنبع أهمية هذا البحث من تزامنه مع واقع تتعاظم فيه التحديات المهددة للمقدّسات، الأمر الذي يستدعي خطاباً فقهياً معاصراً يُفعّل النصوص ويستنطق المقاصد، ويقدّم تصوراً علمياً راسخاً يساهم في بناء وعي حضاري راشد بقضية الأقصى.

وعليه، يسعى البحث للإجابة عن سؤال رئيس: ما الأسس الفقهية والقواعد العملية التي يقوم عليها فقه حماية المقدّسات في الإسلام، وكيف تتجلى تطبيقاته في قضية المسجد الأقصى؟

وبذلك يمهّد هذا البحث لإعادة قراءة قضية الأقصى من زاوية فقهية أصيلة، تجمع بين أصالة النصوص وضرورات الواقع، وتضع لبنة في مسار الوعي الشرعي والحضاري بحماية أعظم مقدّسات الأمة بعد الحرمين الشريفين.

مفاهيم عامة

قبل الحديث عن فقه حماية المقدسات في الشريعة الإسلامية لا بد أولًا من تبيين مفهوم المقدس من الناحية اللغوية والشرعية.

التقديس: من‌القُدْسُ والقُدُسُ: الطُهْرُ، اسمٌ ومصدرٌ، ومنه قيل للجنَّة حظيرة القُدْسِ،[2] ومنه قَوله عز وجل: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: 30]،[3] أَي: نُطَهِّرُ أَنْفُسنَا لَك، والقدوس: الطَّاهِر: وَهُوَ من أَسمَاء الله؛ لأنّه منزه عن الأضداد والأنداد، والصاحبة والولد[4]، وَمن هذا بَيت الْمُقَدّس، أَي: البيتُ المطهر الَّذِي يُتَطَهَّرِ بِهِ مِن الذُّنوبِ، والأرضُ المُقَدَّسَةُ: المطَهَّرةُ. وبيت المُقَدَّسِ والمَقْدِسِ، يشدَّد ويخفَّف. [5]

المقدس: من المعنى السابق الشامل للطهر والبركة أيضًا، ومنه الأَرْض المقدسة، أَي: المطهرة، وَقيل الْمُبَارَكَة، وَهِي دمشق وفلسطين، وَكَذَلِكَ الْوَادي الْمُقَدّس طوى وَبَيت الْمُقَدّس[6]، وأراضٍ مقدَّسة: ذات أهميَّة دينيَّة كالأراضي ‌المقدّسة في مكّة والمدينة وفلسطين[7]، وقدَّس اللهَ: عظَّمه وبجّله ونزّهه عمّا لا يليق بألوهيّته[8]، ومنه يمكن القول: المقدس: الطاهر المبارك، أو المعظم عند الناس المنزه عن النقص أو ما لا يليق به.

وأما المقدس في الشريعة الإسلامية فكل ما له مكانة في الشريعة الإسلامية مكتسبة من القرآن أو السنة، بأمر الله جل جلاله أو بأمر نبيه ﷺ، كقداسة الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومنها المساجد والكتب المنزلة، ومنها قدسية بعض الأماكن التي أقرها رسول الله ﷺ، كالبقاع الطاهرة في مكة والمدينة والشام، وكذا بعض الأشخاص والهيئات كحرمة أزواج النبي وآل بيته وأصحابه، ونحوه مما له مكانة وأهمية في الشريعة الإسلامية، ويختلف حكم منكرها بحسب الدليل الذي ثبتت به[9].

الحماية: من قَوْلهم: أَنا الحِماء لَك والفِداء، وَكَأَنَّهُ مصدر حامى عَنهُ محاماةً وحِماءً، وحَمَى الرجلَ يَحميه ‌حِمايةً، إِذا منع عَنهُ وحَمَيْت المكانَ، إِذا منعت عَنهُ، والحِمَى: الْموضع الَّذِي تحميه[10]، فإذا امتنع وعزّ، قلت أحميته، أي: صيرته ‌حمًى: فلا يكون الإحماء إلا بعد الحماية، ولفلان ‌حمًى لا يقرب[11]، وهذا شيء ‌حمى، أي: محظور لا يقرب، وفي الحديث: “لا حِمى إلاّ لله ورسوله”[12]، وفلان حامي الحُمَيَّا، أي: يَحْمي حَوْزَتَهُ وما وِليَهُ[13]، و‌حمَى فلانًا من الشَّيء: نصره ودافع عنه، حمَاه شرَّ المعتدين، ومنه نظام ‌حماية الأقليات[14].

المسجد الأقصى لمحة تاريخية

المسجد الأقصى يُعدّ من أهم مقدسات المسلمين وثاني مسجد وُضع في الأرض بعد الكعبة المشرفة، ارتبطت نشأته بتاريخ الأنبياء منذ آدم عليه السلام، ثم جدّد معالمه أنبياء كإبراهيم وسليمان عليهما السلام، حيث بُني في عهد الأخير البناء الفخم الذي صار مقصد العبادة[15]، وفي العهد الإسلامي اكتسب المسجد مكانته العظمى بعد الإسراء والمعراج للنبي ﷺ، ثم فتحه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عام 15هـ/636م بعد معركة اليرموك، وأقام فيه مسجدًا بسيطًا، تحول لاحقًا إلى قبة الصخرة والمسجد القبلي في عهد الأمويين (65–86هـ/685–705م)[16]، ثمّ شهد المسجد في العصور اللاحقة أعمال ترميم وتوسعة في عهود العباسيين والفاطميين والأيوبيين، وكان صلاح الدين الأيوبي من أبرز من أعاد له بهاءه بعد تحرير القدس من الصليبيين عام 583هـ/1187م[17].

مرّ الأقصى بمحطات متباينة بين الرعاية والإهمال، إلا أنّه ظل محورًا للفتوحات، وكذا هدفًا للاعتداءات من قبل أعداء الله، ففي العهد الصليبي (1099–1187م) تعرّض للتدنيس، وحُوّل بعضه إلى كنائس وإسطبلات،[18] ثم أُعيد تطهيره بعد الفتح الأيوبي. وفي العصر العثماني (1517–1917م) لقي عناية واسعة بالترميم[19].

 أما في العصر الحديث، فقد صار مسرحًا لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلال القدس عام 1967م، أبرزها حريق المسجد القبلي عام 1969م، واقتحامات متكررة من المستوطنين تحت حماية الاحتلال، ومحاولات تهويد ممنهجة شملت الحفريات أسفل أساساته[20]، والحفريات أسفل المسجد الأقصى وحوله بزعم البحث عن آثار “الهيكل المزعوم”، مما يهدد أساسات المسجد بالانهيار، ولم يكتف بذلك، بل شملت هذه الحفريات السيطرة على مبنى الخلوة الجنبلاطية وتحويله إلى مركز شرطة داخل المسجد، ومن ذلك مشاريع التقسيم الزماني والمكاني، فقد طرحت أحزاب إسرائيلية متطرفة مشاريع قوانين لتقسيم الأقصى بحيث يُخصَّص وقت أو مكان محدد للصلوات اليهودية داخل ساحاته، وهو أخطر تهديد مباشر لوحدة المسجد، ومنه مصادرة الأبواب والمرافق والسيطرة الإدارية، ومن أبرز مظاهر السيطرة مصادرة باب المغاربة ومنع المسلمين من استخدامه، والتحكم في الدخول والخروج منه، إضافة إلى هدم حارة المغاربة الملاصقة للأقصى للسيطرة على حائط البراق، وكذا منع ترميم المسجد الأقصى، وتقييد الأوقاف الإسلامية حيث منع الاحتلال أعمال الصيانة والترميم داخل المسجد، ومنع موظفي الأوقاف من ممارسة دورهم في حماية المعالم الإسلامية، ما يؤدي إلى تآكل البنية التاريخية والمعمارية للمسجد، وسعيًا بذلك إلى تهويد المسجد الأقصى حيث أصدرت سلطات الاحتلال قوانين مثل “قانون حماية الأماكن المقدسة” الذي فُسّر لصالح اليهود، مما أتاح تغطية قانونية لاقتحاماتهم ومحاولاتهم إقامة الصلوات التلمودية في الأقصى، وتبع ذلك التضييق على المرابطين والمرابطات، فقد شملت الممارسات ضد المرابطين الاعتقال، والإبعاد، ونزع الهويات، والاعتداء الجسدي بهدف تفريغ المسجد من رواده، وإضعاف حركة الرباط التي تشكل الحاجز الشعبي الأول أمام التهويد[21]، وعلى الرغم من هذه الاعتداءات، بقي المسجد الأقصى رمزًا لهوية الأمة الإسلامية ووجدانها، وشاهدًا على صراع طويل حول السيادة والقداسة حتى يومنا هذا.

المبحث الأول: حماية المقدسات بالنفس والمال

إن أهم ما يبذله المسلم في سبيل حماية المقدسات حمايتها من الغصب والضياع، وتسلط الأعداء عليها، وهذا ما أوجب الشرع حياله الجهاد في سبيل الله وبذل النفس والمال، بل وشدد عليه حسب مرتبته بين كونه فرض كفاية أو فرض عين؛ لتحرير كل شبر من أرض المسلمين، فكيف إذا كان هذا من أقدس مقدسات المسلمين، ومما يعد جزءًا من الجهاد الإسلامي الجهاد لأجل حماية المسجد الأقصى خصوصًا، وفلسطين عمومًا، فلا شك أن الجهاد في سبيل نصرة المسجد الأقصى يحمل نفس مراتب الجهاد العامة، وهي الجهاد بالنفس والمال والمرابطة، والكلمة والمقاطعة الاقتصادية.

المطلب الأول: الجهاد بالنفس من الناحية الفقهية

نص جمهور الفقهاء على وجوب الذود عن أرض المسلمين إذا دهمها العدو؛ بأنه يجب النفير العام على جميع أهل هذا البلد، ومن بقربهم وجوبًا عينيًا، فلا يجوز أن يتخلف عنه أحد؛ ممن لا يجب بحقهم في العادة في حال كون الجهاد فرض كفاية، كالفقير الذي لا يجد ما يحمله، والولد، والعبد، والمرأة المتزوجة بلا إذن[22]، فإن عجز أهل البلد التي دهمها العدو ومن بقربهم عن الدفاع يجب على من يليهم، إلى أن يفترض على جميع المسلمين فرض عين كالصلاة تمامًا على هذا التدريج، وكذلك يكون النفير فرض عين على كل من يستنفر ممن له حق الاستنفار كالإمام أو نوابه، ولا يجوز لأحد أن يتخلف إذا دعاه داعي النفير، إلا من منعه الإمام من الخروج، أو دعت الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المال، لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [التوبة: 38][23].

ونص بعض العلماء على أنّ المراد بمداهمة العدو أنه: إذا ‌غلب ‌العدو على بلد من بلاد الإسلام، أو ناحية من نواحيها، والهجوم: الإتيان بغتة، والدخول من غير استئذان، والحكم حينها، أن الجهاد يكون فرض عين فتخرج المرأة والعبد بلا إذن الزوج والمولى؛ لأن المقصود لا يحصل إلا بإقامة الكل؛ فيفرض على الكل، وحق الزوج والمولى لا يظهر في حق فروض الأعيان، وكذا يخرج الولد بغير إذن والديه، والغريم بغير إذن دائنه، وإنّ الزوج والمولى إذا منَعا أثِما[24]، وزاد بعضهم إذا لم يتحقق الدفع إلا بالكون كان الدفع فرضًا عينيًا كالصلاة والصوم[25].

بل وجعلوا من حكم الجهاد أنّه لو سبيت امرأة مسلمة بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها ما لم تدخل حصون الأعداء وحرزهم، على ما نص عليه في البحر[26]، وقال في الذخيرة: “إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو وهم يقدرون على الجهاد، فأما من وراءهم يبعد من العدو، فإن كان الذين هم بقرب العدو عاجزين عن مقاومة العدو القادرين إلا أنهم لا يجاهدون لكسل بهم، أو تهاون افترض على من يليهم فرض عين، ثم من يليهم كذلك حتى يفترض على هذا التدريج على ‌المسلمين كلهم شرقًا وغربُا انتهى”[27]، فعلى هذا لو قيد بالاستطاعة لكان أولى؛ لأنه لا يجب على المريض المدنف، ومن لا يقدر على الزاد والراحلة، تأمل[28].

المطلب الثاني: الجهاد بالنفس في المسجد الأقصى

الجهاد لأجل تحرير المسجد الأقصى قائم، ولم يتم القول ببطلانه عند جمهور علماء الأمة، وهذه جملة من الفتاوى التي أفتى بها هؤلاء العلماء، أبينها فيما يأتي:

فقد جاء في الرد على سؤال: الصلح مع اليهود والمعاهدات مع الدول المعادية، والتي أجاب عنها مفتي الديار المصرية الأسبق حسن مأمون بتاريخ جمادى الأولى 1375 ه / 8 يناير 1956م ما ملخصه: إن أي اعتداء من عدو على بلد إسلامي يوجب على أهله الجهاد بالقوة وقد يكون واجبًا عينًا، ويُعتبر الجهاد واجبًا أيضًا عند التقاء زحفين أو نزول الكفار ببلد أو استنفار الإمام، كما أن استعداد الدولة الإسلامية للحروب الدفاعية واجب، وأن رد ما فعله اليهود في فلسطين واجبٌ أولًا على أهل البلاد، وثانيًا على كل مسلم في البلدان الإسلامية، والصلح جائز شرعًا إذا كان على أساس ردّ العدوان، ولا يجيز الشرع الصلح الذي يثبت الاعتداء، كما أن المعاهدات والموادعات مع جماعات أو دول غير مسلمة جائزة بشرط مصلحة المسلمين وزمنية الموادعة وإثبات منفعة، وتُقيَّد آيةُ: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: 61] بإجماع الفقهاء بمقاسمة المصلحة، ولا تصح المعاهدات التي تقوّي المعتدي، وأخيرًا لليهود في فلسطين وضع خاص بوصفهم واقعًا سياسيًا تحت هدنةٍ دولية أقرتْه بعض الحكومات الإسلامية إلى حين التوصل إلى حلٍّ عادلٍ[29].

وأفتى الرئيس السابق للاتحاد العام للعلماء المسلمين أحمد الريسوني عن الجهاد في فلسطين بما مفاده: الجهاد في فلسطين ولأجل فلسطين لا شك في مشروعيته ووجوبه، وأن الجهاد الذي لا يُشك في مشروعيته ووجوبه، ولا غبار على صحته وسلامته، هو الجهاد الرامي إلى تحرير فلسطين ونصرة شعب فلسطين.

وأردف أنه منذ اغتصاب فلسطين والعدوان والاعتداءِ على أهلها، لم تصدر فتوى أو وجهةُ نظر فقهية، تشكك في شرعية هذا الجهاد ووجوبه وأحقيته وأولويته عن أي عالم أو هيئة علمية معتبرة، والكل متفق على وجوب تحرير فلسطين ونصرة أهلها، ومدِّ يد العون للمجاهدين فيها بكل الأشكال، وختم بأنه من أراد جهادًا لا اختلاف فيه ولا شبهة عليه، ففي فلسطين ولأجل فلسطين[30].

وبنحوه أجاب الشيخ ابن باز عندما سئل عن الجهاد في فلسطين، وما رأي الشريعة فيه؟ بما يأتي: إن جهاد الفلسطينيين في الوضع الراهن يُعد جهادًا شرعيًا في سبيل الله، لأنهم قُدِّموا كمظلومين، ودلل على ذلك ببعض الآيات والأحاديث، ودعا إلى وجوب نصرتهم في ذلك، والجهاد بذات النفس والمال، ويخلص الشيخ إلى أن على الدول الإسلامية وسائر المسلمين دعمهم ومؤازرتهم لتحقيق إخراج العدو واسترجاع الأرض[31].

وبنفس الحكم أفتى جمع من علماء موريتانيا عما حدث في غزة والجهاد في فلسطين، وهل هو جهاد في سبيل الله؟ ببيان معنون: فتوى شرعية عن الجهاد والمجاهدين في فلسطين، نشره موقع هيئة علماء فلسطين، والتي جاء فيها: انطلاقًا من نصوص الكتاب والسنة التي توجب نصرة المظلوم والجهاد في سبيل الله، وتؤسّس للحكم الشرعي بأنّ مقاومة الصهاينة المحتلين للمسجد الأقصى وفلسطين واجب شرعي قطعي، وأن الجهاد في هذا المقام فرض من فروض الدفاع عن الدين والأرض والحرائر، ولا خلاف بين فقهاء المذاهب في تعيينه عند نزول العدو ببلاد المسلمين ودواعي الدفاع. ويُثبِت البيان مشروعية المجاهدين في فلسطين، ويعتبر وصفهم بالإرهاب افتراءً يأتي غالبًا من مؤيدي المعتدين. كما يحذّر من التشكيك في شرعية الجهاد والمجاهدين، ويعدّه تثبيطًا وضلالًا غير مقبول[32].

وجاء في فتوى الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين عن حكم الجهاد في غزة ما مفاده: مشروعية ووجوب الجهاد: جهاد أهالي غزة لتحرير أرضهم المحتلة جهاد شرعي واجب عليهم، وواجب إنهاء الاحتلال واجب شرعي على أهل فلسطين أولًا[33].

ولا شك أن كل زمان ومكان فيه العديد من المرجفين وأتباع الدنيا الساعين لإرضاء الساسة ورجالاتها من السلاطين، ممن يشككون في الجهاد أو المجاهدين لأي سبب أو أمر يرونه بنظرهم من أصول الدين، ومن هؤلاء الوادعِيُّ الذي أفتى بما مجمله عند سؤاله عن ‌الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية حماس في الأراضي العربية المحتلة ‌في ‌فلسطين: أن حركة حماس لا تمثل نصرًا للإسلام؛ لأنها جماعة حزبية لا تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتُنكر على أهل السنة، مما يجعلها منحرفة عن المنهج الشرعي الصحيح، كما يشير إلى أن مشروعها لا يقوم على توحيد كلمة المسلمين ولا يحقق مقصود الجهاد الشرعي، إذ يُخشى أن يؤدي نصرها إلى اقتتال داخلي بين الفصائل، وهو مخالف لمقاصد الشريعة في وحدة الصف ودفع الفتنة[34]، ولا يخفى مدى مخالفته للنصوص الشرعية والفتاوى العامة، وما ذكرته إلا ليعلم أنه: ما كل من أفتى أخذ بفتواه خاصة في المسائل الكبرى المصيرية التي تخص عموم الأمة والمسألة الفلسطينية.

إن الجهاد بالنفس درعٌ روحيّ لحماية الأقصى من الأخطار، وسبيل للتحرير لا بديل عنه ولا محيص منه، وفي ما يأتي بيان كيفية حماية الأقصى بالجهاد بالنفس مع أن ظاهره تضحية بها:

1. التحرير يبدأ من الداخل: المدخل النفسي والتربوي: قبل أن تتحرّر الأرض ماديًا، لا بدّ أن تتحرّر النفوس من أدرانها: الخوف، والكسل، واليأس، والتبعية الثقافية، والفكرية. فمقاومة عدوانٍ ذي أبعاد سياسية وثقافية لا يمكن أن تنجح إذا كانت الروح الجماعية منهارة أو فاقدة للعزيمة. إن بناء مناعة مجتمعية يبدأ من التربية الدينية والأخلاقية، ومن برامج التعليم والتثقيف التي تُعيد إحياء قيمة الانتماء والالتزام الجماعي؛ لذلك، يُعدّ الجهاد بالنفس عملية تربوية مستمرة تهدف إلى استنهاض الهمم، وترسيخ مفاهيم الصبر والثبات والثقة في منهج الشرع، وهو ما يخلق قاعدة بشرية صلبة قادرة على تحمّل الصعاب والمشاركة الفاعلة في جهود الحماية، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، هذه الآية تُعدّ منطلقًا لخطاب الاستنهاض النفسي: فالإيمان عاملٌ فاعل في تقوية النفوس ورفع مستوى التحمل أمام المحن.

2. التحصين النفسي والإيماني كخط دفاعي أوّل: فالتحصين النفسي والإيماني للأمة ليس رفعة معيارية فحسب، بل هو آلية عملية للحفاظ على الحضور الاجتماعي في الأماكن المقدّسة. هذا التحصين يتجلّى في برامج الحلقات العلمية، والدعوة، والتنشئة الشبابية، فضلًا عن دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بالتراث والهوية. فعندما يصبح الحضور في المسجد الأقصى فعلًا روتينيًا مؤسساتيًا وثقافيًا، يتحوّل إلى حصانة ضدّ محاولات التفريغ الرمزي والتغيير التدريجي للوقائع. من هنا، يمكن اعتبار الجهاد بالنفس امتدادًا لواجبات الدعوة والتعليم والإصلاح الاجتماعي، لا فعلًا منعزلًا عن الحياة المدنية.

3. الجهاد بالنفس يربي على الثبات، والمرابطة نموذجٌ عملي ومؤثر، وسيأتي مزيد تفصيل في الفقرات التالية تفصيل عن الرباط والمرابطين: فتجارب المرابطين والمرابطات في القدس وغزة توفّر نموذجًا حيًا لقوة الجهاد بالنفس؛ فهم يحافظون على استمرارية العبادة والتعليم والرباط في ظل ظروف صعبة، ما يحقق أثرًا عمليًا على الأرض: إعاقة محاولات التفريغ، وحماية المساحات العبادية من الاقتحام، والحفاظ على الوجدان الجماعي المرتبط بالمكان. هذه الممارسات اليومية -الصبر على الأذى، والمواصلة في العبادة، تمسّك الأمل -وتُشكّل خطابًا عمليًا يثبت الوجود ويصعب عليه التغيّر بطرقٍ تدريجية.

4. أفق جهاد النفس وأبعاده في حماية المسجد الأقصى -تكاملٌ بين المعنوي والمادي: فالبُعد المعنوي: يقوّي الارتباط بالمقدّس، ويمنح المجتمع القدرة على التحمّل والمقاومة السلمية. والبُعد الاجتماعي والمؤسسي: يجعل الحضور داخل المسجد نشاطًا مؤسسيًا (حلقات علم، مؤسسات خيرية وثقافية) يرتبط باستدامة الوجود والحقوق. والبُعد الرمزي والسياسي: تظلّ التضحيات والشهداء رمزًا موحّدًا يردع سياسات التهويد، ويجعل من أي محاولة لتغيير الواقع مكلفة سياسيًا واجتماعيًا. والتكامل بين هذه الأبعاد يجعل الجهاد بالنفس درعًا أوليًا لا غنى عنه، لأنه يُشكّل الطبقة الأولى من مناعة المجتمع، تليها أدوار أخرى (المال، والقانون، والدبلوماسية) التي تُكمّل وظيفة الحفاظ على المقدسات.

المطلب الثالث: الجهاد بالمال لحماية المسجد الأقصى في ضوء الفقه

الفرع الأول: الجهاد بالمال

من لم يستطع الجهاد بنفسه تعيَّن عليه أن يجاهد بماله؛ فإنّ الله تعالى حينما ذكر الجهاد في كتابه العزيز قرن في الغالب بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال، بل قدّم الجهاد بالمال في مواضع كثيرة على الجهاد بالنفس، وهو ما قرّره المفسّرون، وفي مقدمتهم الألوسي، مستدلين بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 72]، ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ [التوبة: 88]، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ [الحجرات: 15]، وغيرها من الآيات، ولعل تقديم جهاد المال على جهاد النفس؛ لأنّ المجاهدة بالأموال أكثر وقعًا وأتمّ دفعًا للحاجة؛ حيث لا يتصور الجهاد بالنفس بلا جهاد المال[35]، وبعض العلماء جعل التقديم تقديم سببية لا أفضلية، إذ الجهاد يستدعى تقديم الأموال[36].

وعلق بعض العلماء على هذه الآيات كالماوردي بأنّها دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس، فإذا دَهَمَ العدوُّ؛ وجبَ على القادر الخروج بنفسه، فإن كان عاجزًا؛ وجبَ عليه أن يغزو بماله[37]، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد[38].

والمقصود تقديم المال في الذكر، وأن ذلك مشعر على إنكارِ وَهْم من يتوهَّم أن العاجز بنفسه إذا كان قادرًا على أن يغزو بماله لا يجب عليه شيء، فحيث ذكر الجهاد قدم ذكر المال، فكيف يقال: لا يجب به[39].

الفرع الثاني: الجهاد بالمال لحماية المسجد الأقصى

الجهاد بالمال في فلسطين من المسائل التي لا خلاف فيها بين أهل العلم والصلاح من علماء الأمة؛ بل حاول كل منهم التذكير بهذا الأمر والحث عليه بين الفينة والأخرى مغتنمين كل فرصة سانحة لذلك، وما تضمنته الفتاوى السابقة شاهدة على ذلك، ففي فتوى الريسوني ركز على ذلك بقوله: “ومن أراد الإسهام بشيء من ماله أو علمه أو خبرته أو مهنته أو وقته أو جاهه، في جهاد خالص، ثابت النفع في الدنيا والثوابِ في الآخرة، فليدعم جهاد فلسطين ومجاهدي فلسطين”[40].

وأفتى الشيخ الزحيلي بذلك عند حديثه عن مصارف الزكاة بقوله: “إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله، ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام، والعمل على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر ‌الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحته بهذا المعنى الشامل تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان عن المسلمين في شتى ديارهم، مثل حركات ‌الجهاد ‌في ‌فلسطين وأفغانستان والفلبين”[41].

وبنحوه البيان الصادر عن هيئة علماء فلسطين الصادر في 20 أكتوبر 2023م، والموقّع من كبار علماء موريتانيا، والذي تمت الدعوة فيه إلى مؤازرة المجاهدين ماديًا ومعنويًا ودبلوماسيًا[42]، بل أردفت الهيئة فتوى خاصة بذلك وجاء فيها: “فيجب على أغنياء وتجار المسلمين، بل على جميع مَن يقدِر مِن المسلمين، أنْ يُنفِقوا من مالِ الله لأهلنا في غزة؛ لأن الحفاظ على النفوس أَولى من الحفاظ على المال، فأموال الأغنياء ليست أغلَى وأثمَنَ من دماء المجاهدين، فكما وجَب على المجاهدين أنْ يَبذلوا أنفسَهم وأرواحَهم، فكذا يَجبُ على أهل المال أن يَبذلوا أموالَهم، فالجودُ بالنفسِ أقصَى غايةِ الجودِ، فمَن لم يَقدرْ على الجهاد بنفسِه فلا يَسقط عنه واجبُ الجهاد بماله”[43].

مماثلًا لذلك جاءت الفتوى عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابقة الذكر والتي تضمنت: واجب النصر العام لأهل غزة، وجوبًا شرعيًا -رجالًا ونساءً ودوائرَ حكوميةً وشعوبًا- بالنفس والمال والكلمة والسياسة وكل الوسائل الشرعية الممكنة. وأن من مصارف الزكاة: المجاهدون في غزة؛ فهم يُعدّون من أصحاب في سبيل الله في مصارف الزكاة، ويُجيز تعجيل إخراج الزكاة لحالة الطوارئ، كما لهم حق المصارف الأخرى كالفقراء والمساكين. وإن الجهاد بالمال خارج الزكاة: ما سوى الزكاة من الدعم المالي للجهاد جائز ومستحب شرعًا، وهو تجارة مع الله كما ورد في النصوص[44].

وجاء في بيان لرئاسة الشؤون الدينية التركية ما مفاده: أن على المسلمين بشكل خاص والعالم بشكل عام مسؤولية شرعية وإنسانية تجاه مأساة غزة، مبينًا أن مقاومة الظلم ونصرة المظلوم فريضة دينية، وأن الصمت عن العدوان مشاركة في الإثم، مستندًا إلى نصوص القرآن والسنة، وداعيًا إلى وحدة الموقف الإسلامي وتفعيل الواجب الإنساني العالمي لرفع العدوان وتحقيق العدل والسلام، وأن ذلك يشمل أنواع النصرة لهم كافة: ماديًا ومعنويًا[45].

دور الجهاد بالمال في حماية المسجد الأقصى اليوم

إن حماية المسجد الأقصى في العصر الحديث تتحقق بوسائل مدنية مشروعة، تعتمد على الدعم المالي المؤسّس والمنظم الذي يهدف إلى:

1- دعم صمود المقدسيين

فإنّ تمكين الحضور الإسلامي في القدس وتثبيت الأهالي في بيوتهم وأعمالهم ومؤسّساتهم، وتوفير حاجاتهم المعيشية من غذاء ودواء وكساء، وبناء المساكن ورعاية أسر الشهداء، واجب شرعًا، وهذا يتطلّب إستراتيجية مالية محكمة تُصنَع وتُدار كمكوّنٍ أساس للدفاع، يمولها المسلمون حول العالم، في الوقت الذي تتلقّى فيه مشاريع التهويد دعمًا متواصلًا سياسيًا وماليًا من مؤسّسات وأطراف فاعلة داخل إسرائيل وخارجها، فيصبح توفير الموارد والاحتفاظ بها ضرورةً إستراتيجية تُواجه بها المحاولات التدريجية لتغيير الوقائع على الأرض[46].

ويندرج في تعزيز الصمود إنشاء صناديق طوارئ وحماية الأملاك المقدسية، فاليهود يسعون للاستحواذ العقاري من خلال شراء الأملاك أو تهجير أصحابها في أحياء مُحيطة ببلدة القدس القديمة لتغيير البنية السكّانية والديموغرافية. والضغط المالي المباشر بفرض ضرائب وجبايات وفرض تكاليف تشغيلية تدفع السكان للخروج، أو عوامل تضغط على اقتصاداتهم المحلية. وهذه الصناديق المالية الخيرية لدعم ملّاك العقارات في مواجهة الضغوط التمويلية، وتمويل قضايا تسجيل ملكيتها والدفاع القانوني عنها، وتأمين المساعدات العاجلة لمن يتعرض للتهجير أو هدم بيته، والغرامات. وكذا الاستثمار الاجتماعي والاقتصادي المحلي لدعم مشاريع تمكينية اقتصادية للمقدسيين (مشروعات صغيرة، منظمات مجتمع مدني، برامج توظيف) يقوّي قدرة السكان على البقاء، ويقلّل قابليتهم للرحيل تحت ضغطٍ اقتصادي، ومنه الدعم القانوني والوثائقي والبحثي بتمويل مكاتب محاماة مختصة وقواعد بيانات تاريخية وخرائط وثائقية تُستخدم في المحاكم والمنظمات الدولية لردّ دعاوى الاستحواذ وتشويه الهوية.

2- تمويل مشاريع الترميم والصيانة

يتعرض المسجد الأقصى لانهيارات وتشققات بسبب الحفريات والاعتداءات المتكررة، فتمويل الإعمار والترميم الوقائي بتخصيص موارد للصيانة المستمرة للمصليات والبُنى التاريخية داخل الأقصى ومحيطه ضرورة إستراتيجيّة؛ لأن الفراغ البنيوي يصبح ذريعةً لتدخلات سلطات أو مجموعات الطرف الآخر. وكذا تنشيط مؤسسات الأوقاف ومؤسسات التمويل طويلة المدى، وذلك عبر مشاريع تضمن استدامة التمويل لحماية الأراضي والأوقاف على المدى الطويل، وهذا يجعل مشاريع الترميم والصيانة من أهم أنواع الجهاد بالمال لحفظ بنيانه وهويته.

3- دعم المؤسسات العلمية والدعوية

إن بقاء العلم في القدس أحد أهم سبل حمايتها، فقد قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وكلّ دعم يقدَّم لحلقات العلم، والمدارس والجامعات، والمبادرات الثقافية التي تعزز الوعي، وترفع مستواه، وتحارب الجهل والأمية بين الجيل المقدسي، وتحصن عقله من الغزو الثقافي يُعدّ من الجهاد بالمال.

4- دعم الإعلام الملتزم والجهود الحقوقية

إظهار الحقيقة وفضح الانتهاكات عبر الإعلام والمنصات الحقوقية يحتاج إلى موارد بشرية ومالية.

إن التحديات التي تواجه القدس والأقصى أكبر من أن يتحمّلها المقدسيون وحدهم. والمال الذي يُقدَّم اليوم ليس صدقةً، بل جهاد بالمال من أعلى الطاعات، وهو جزء من واجب الأمة في حماية مقدساتها. وقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، ولا شك أن نصرة الأقصى وتثبيت أهله من أعظم البر وأجلّ القربات[47].

كما أن العلماء متفقون على مشروعية إيصال المال للمستضعفين ونصرة المظلومين، وهذا يدخل في باب الإغاثة والإنفاق في سبيل الله، وهو من الأعمال التي يُثاب عليها المسلم أجرًا عظيمًا.

المبحث الثاني: حماية المسجد الأقصى بالوسائل الأخرى

لا شك أن الدفاع عن المقدسات الإسلامية له وسائل متعددة، وأشكال متنوعة، ومن أهمهما كما ذكر أعلاه الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وهذا ما قدمه القرآن الكريم في معرض الحديث عن الجهاد كلما دعت الحاجة إليه، لكن الجهاد إذا تعذرت وسائله الرئيسة لم تنقطع الوسائل الأخرى، ومنها: الرباط في سبيل الله، وإن لم يكن بحمل السلاح وبذل المال في سبيل قتال العدو، فهو بشد أزر المجاهدين وتثبيتهم، والحفاظ على حمى الإسلام وبيضته، بالرباط تارة، والكلمة تارة أخرى، وإن تعذر، فبالترك والمقاطعة الاقتصادية تارات أخر.

المطلب الأول: الرباط في سبيل الله فقهيًا

الرباط هو: الإقامة في سبيل الجهاد ضد العدو والاستعداد لذلك، وذلك بربط الخيل وتجهيزها للحرب، فشُبِّهت الأعمال التي تفيد في ذلك به. ومنه قيل: أصل المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في الثغور استعدادًا للقاء العدو؛ ولذا سُمِّي المقام في الثغور رباطًا. ومنه قوله ﷺ: “فذلكم الرباط”،[48] أي أن المواظبة على الطهارة والصلاة تشبه الجهاد في سبيل الله، فيكون الرباط مصدرًا من الفعل رابطت، بمعنى لازمت[49].

والرباطُ يُعَدُّ مِنْ شُعَبِ الجهادِ، ويقصد به ملازمةُ الثُّغورِ وحراستُها لحمايةِ أهلِها من اعتداءِ العدوِّ، والمصطلحُ كما مر من معنى الملازمة، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]. ويُقَدَّرُ الأجرُ الحاصل بالرباط بمقدارِ محنةِ الثغرِ وخطرهِ ودرجةِ حاجةِ سكّانه إلى الحماية، فقد ورد عن عبد الله بن عمر ما يُبيِّن فيه تمايز أحكام الجهاد: “فرض الجهاد لسفك دماء المشركين، والرباط لحقن دماء المسلمين، فحقن دماء المسلمين أحب إليّ من سفك دماء المشركين، فقيل: إن ذلك إنما قاله حين دخل الجهاد ما دخل، فقد قال عمر بن الخطاب: اغز ما دام الغزو حلوًا خضرًا قبل أن يكون مرًا عسيرًا، ثم يكون ثمامًا، ثم يكون رمامًا، ثم يكون حطامًا. فإذا انتطت المغازي وكثرت العزائم واستحلت الغنائم فخير جهادكم ‌الرباط”[50]، والثمام: الرطب من النبات، والرمام: اليابس، والحطام: الذي يتحطم ويتكسر، وقوله: انتطت يعني: تباعدت، وقوله: العزائم: يريد حمل السلطان شدة الأمر عليهم والعزم فيما يشق عليهم؛ لبعد المغزى أو قلة عونه لهم وغير ذلك، فدل ذلك من قوله على أن الجهاد على السنة أفضل من الرباط[51].

و‌الرباط فضله عظيم: فقد قال الإمام أحمد: ليس يعدل ‌الرباط والجهاد شيء،[52] وقال رسول الله ﷺ: “رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا”[53]، وأفضله بأشَد ‌الثُّغور خَوْفًا؛ لأَنهم أَحوجُ إليه، ومقامه به أنفع، وقال أحمد: “أفضل ‌الرباط أشدهم كَلَبًا، وقيل لأبي عبد اللَّه: فأينَ أَحَبُّ إليك أن ينزِلَ الرجلُ بأهْلِه؟ قال: كلُّ مدينَةٍ مَعْقِلٌ للمُسْلِمين، مثلَ دِمَشْقَ”[54].

ولذا يمكن القول: إن المستفاد من قول مالكٍ رحمه الله أن المرابطة في الثغور تفوق في الفضل الإقامة في الحرمين؛ لما فيها من حماية المسلمين ودفع العدو، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم يتناوبون الثغور محافظةً على ثغور الإسلام وصيانةً لبيضة المسلمين[55].

وورد في فقه الإمام الأعظم: “والمرابطة المذكورة في الحديث: عبارة عن المقام في ثغر العدو لإعزاز الدين ودفع شر المشركين عن المسلمين، وأصل الكلمة من ربط الخيل، قال الله تعالى ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: 60]، والمسلم يربط خيله حيث يسكن من الثغر ليرهب العدو به، وكذلك يفعله عدوه، ولهذا سمي مرابطة اهـ. واشترط الإمام مالك أن يكون غير الوطن، ونظر فيه الحافظ ابن حجر بأنه قد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى ‌الثغور، وقوله هو المختار؛ لأن مأذونه لو كان رباطًا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون، وتمامه في الفتح. قلت: لكن لو كان الثغر المقابل للعدو لا تحصل به كفاية الدفع إلا بثغر وراءه فهما رباط كما لا يخفى”[56].

واختلف الفقهاء في المحل الذي يتحقق فيه ‌الرباط، فإنه لا يتحقق في كل محل، فقال الحنفية: المختار: أنه لا يكون ‌الرباط، إلا في موضع لا يكون وراءه إسلام؛ لأن ما دونه لو كان رباطًا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون، وقال بعضهم: إذا أغار العدو على موضع مرة سمي ذلك الموضع رباطًا، أربعين سنة، وقال ابن حجر في فتح الباري: إذا نوى بالإقامة في أي مكان، وإن كان وطنه دفع العدو، فإنه يكون مرابطًا[57]، قال: ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى ‌الثغور[58].

المطلب الثاني: الرباط في القدس

الرباط في القدس له عظيم الفضل والأجر، وهو من أفضل أنواع الرباط؛ لأنه إقامة على ثغر لطالما حرص المسلمون على الثبات فيه، والسعي على خدمته، ولكم جُهّزت الجيوش ورتبت الحملات في سبيل بقاء بيت الله المقدس حرًا طليقًا، وكلما ناله من الاحتلال والغزو شيء؛ كان السعي في سبيله عظيم الأجر وافر الثواب، ولذا بشر النبي ﷺ في فضل ذلك قبل أن يفتح بيت المقدس تنويها على أهمية هذا المكان وحرمته؛ فقد ورد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: “أوَّلُ هذا الأمرِ نُبوَّةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةً ورحمةً، ثمَّ يكونُ مُلكًا ورحمةً، ثمَّ يتكادمون عليه تكادُمَ الحُمُرِ، فعليكم بالجِهادِ، وإنَّ أفضلَ جهادِكم الرِّباطُ، وإنَّ أفضلَ رباطِكم عَسْقلانُ”،[59] ولذا حرص المقدسيون في مطلع الألفية الأخيرة بعد أن حل اليهود ببلاد المقدس على الرباط فيه، وخاصة الرباط في المسجد الأقصى؛ كي لا يتجرأ اليهود على وطء حرمته والنيل من قداسته، ولاقوا في سبيل ذلك الكثير من الأذى والتضييق.

وسعى المقدسيون لتنظيم العديد من الرحلات والحملات من أجل إبقاء شعلة الأقصى منارة والمسجد عامرًا بالمصلين، بتنظيم العديد من المسيرات والرحلات الداعمة لإقامة الصلوات والاعتكاف فيه، ومنها: مسيرة البيارق وهو: مشروع أطلقته مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات في 9 نيسان 2001م، يقوم على تسيير حافلات مجانية يوميًا من مختلف مناطق الداخل الفلسطيني (الجليل، المثلث، النقب) إلى المسجد الأقصى، بهدف تمكين المسلمين من أداء الصلوات والرباط فيه، وبعد إغلاق المؤسسة من قبل سلطات الاحتلال، تولت مؤسسة البيارق الإشراف على المشروع، الذي يسعى إلى تكثيف وجود المصلين والمرابطين في الأقصى، وإحياء سنة الاعتكاف والدروس الدينية، إلى جانب دعم الحركة التجارية في البلدة القديمة ومنع تفريغها من أهلها. ولا زالت المؤسسة تسيّر عشرات الحافلات يوميًا، ويبلغ عدد المصلين الذين يصلون إلى الأقصى عبرها نحو ثلاثين ألفًا شهريًا، وتزداد الأعداد في شهر رمضان المبارك[60].

وقد فهم اليهود أهمية هذه الحملات ودورها في حماية المسجد الأقصى فقاموا بالتضييق على المرابطين بوضع شروط عديدة، منها الأعمار التي يسمح لها والتي لا يسمح لها بدخول المسجد والصلاة فيه، وكذلك بوابات للتفتيش والتضييق عليهم، ولكن ذلك لم يثن المقدسيون عن هدفهم العظيم، وكذا نفذ اليهود العديد من المداهمات للمسجد الأقصى، وقاموا بإيذاء المرابطين فيه لثني عزيمتهم عن هذا الواجب المقدس[61].

ولقد جاء في مقال للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين مفادها: يؤكد الوحي والحديث النبوي أن لبيت المقدس وفلسطين ومناطق الشّام منزلةً خاصةً في الإسلام؛ فقد أوصى النبي ﷺ بالسكن والرباط فيها؛ لأنّها من مهاجر الأنبياء وميدانُ اختبار الإيمان، ووردت أحاديثٌ كثيرة تبيّن فضل مرابطة الشام وبيت المقدس، وبيان أن أفضل الجهاد في بعض الأحوال هو الرباط في الثغور، وقد شهد التاريخ الإسلامي تحقق هذه البشارات بصمود أهل الشام ودورهم في صدّ العدوان عن الأمة، كما أن المرابطة تُعدُّ من توابع الجهاد وفرض كفاية على المسلمين، أجرها عظيم يمتد أثره إلى ما بعد الموت لمن احتسب النية والإخلاص، وتعظم منزلة المرابطين فهم سيف الأمة ودرعها في وجه الطامعين، ومع ذلك، فإن الرباط لا يُحسب بلا إخلاص ونيّة صالحة، فلا يُعَدُّ كل مقيم في فلسطين مرابطًا إلا من قصد بها ثواب الله وحماية أهلها، ولذا تبقى بلاد الشام وفلسطين أرضَ رباطٍ وجهادٍ ومكانَ أجرٍ ومضربِ مثالٍ للمؤمنين إلى يوم القيامة[62].

ولذا يمكن القول بأن الرباط في المسجد الأقصى يُعدّ من أبرز صور الجهاد السلمي والدفاع المعنوي عن المقدسات الإسلامية، إذ يجسّد حالة من الثبات والوجود المستمر في وجه محاولات الإخلاء والتهويد. فالمرابطون والمرابطات يشكّلون خط الدفاع الإنساني الأول عن المسجد، عبر حضورهم اليومي في ساحاته ومصلياته، ومشاركتهم في الأنشطة التعليمية والدعوية التي تُبقي الأقصى عامرًا بالعبادة والحياة. إلا أنّ هذا الرباط لا يمكن أن يستمر دون بنية دعم اقتصادية واجتماعية تُمكّن هؤلاء الأفراد والأسر من الصمود. فالمرابطون يواجهون ضغوطًا متعددة: اعتقالات متكرّرة، إبعاد قسري، هدم للمنازل، ومنع من الوصول إلى أماكن العمل والتعليم. لذلك يحتاجون إلى دعمٍ منتظم في الجوانب الآتية: المساعدات الغذائية والصحية التي تضمن استمرار الحياة الكريمة للأسر المتضررة. والخدمات التعليمية والسكنية التي تتيح للأبناء متابعة دراستهم دون انقطاع وتحول دون تهجير الأسر الفلسطينية في ظل التهويد والتضييق عليهم. وكذا صناديق الطوارئ لمواجهة نفقات المحامين، ورسوم المحاكم، والخسائر الناتجة عن الاعتقال أو الإغلاق أو الطرد. ولذا يمكن الحكم بأنّ تمويل مشاريع الرباط ليس مجرد إحسانٍ تطوعي، بل هو استثمار في بقاء الهوية الإسلامية والعربية للقدس، لأنّه يوفّر للسكان أدوات الصمود ويحول دون تفريغ المسجد من روّاده، وهو ما تسعى إليه سياسات الاحتلال بشكل منهجي. فكل دعمٍ يُقدَّم للمرابطين يُترجم ميدانيًا إلى استمرارية الوجود الإسلامي في الأقصى، وكل إهمالٍ لهذا الجانب يُسهّل للخصم تنفيذ سياسات التهويد والإحلال السكاني. ومن هنا يمكن القول: إنّ دعم الرباط يُعدّ مسؤوليةً جماعية تتجاوز حدود الصدقة الفردية، ليصبح واجبًا مؤسساتيًا يتطلّب تنسيقًا بين الهيئات الخيرية، والمؤسسات التعليمية، والمنظمات الوقفية، لتكوين منظومة دعم متكاملة تحفظ كرامة المرابطين وتؤمّن لهم شروط الثبات والبقاء في أرض الرباط.

المطلب الثالث: جهاد الكلمة من الناحية الفقهية وأثره في قضية القدس

وجهاد الكلمة له أنواع وأشكال عدة تبدأ بقول الحق، والتشجيع على الجهاد، والرد على الأعداء، والإعلام، وكذا كل أصناف الذبّ عن المسلمين باللسان، ولذا قيل: جهاد الكفار المعتدين والمنافقين المرجفين يكون بالأموال والألسن والأنفس، فقد ورد بالحديث عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: “جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم”[63]، وجهاد ‌اللسان يكون بالحجة والبيان والإعلام،[64] وجعل الثعلبي جهاد اللسان أخص بالمنافقين[65]، و‌‌جهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان. وهو ليس كذلك على سبيل الحصر؛ لأن الجهاد قد عرّف شرعًا بأنه: “الجهاد يستعمل في ‌بذل ‌الوسع ‌والطاقة ‌بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال ‌واللسان، أو غير ذلك، أو المبالغة في ذلك”[66]، ويؤيده ما ورد عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: “مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ”[67]، الثاني: جهادٌ باللسان، وذلك كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزجرِ أهل الباطل، والإغلاظ عليهم، وما أشبه ذلك، مما يجب إبراء القول فيه. وهذا الضرب واجب على المكلَّف بشروط: منها: أن يكون عالمـًا بطرق الإنكار، ووجه القيام في ذلك، من التَرَفُّقِ تارة، والغلظة أخرى، بحسب الـمُنكر في نفسه، والأحوال التي تَعترض، فإنْ لم يكن كذلك لم يجب، بل قد يحرم عليه القيام؛ لأنه ربما وقع في أَشدّ مما أنكر[68].

وأما جهاد الكلمة من أجل تحرير فلسطين فهذا أيضًا مما لا خلاف فيه، وقد شملت جميع الفتاوى التي دعت لنصرة فلسطين الجهاد بالكلمة والموقف السياسي، فقد مر أن الريسوني قد قال: “ومن أراد الإسهام بشيء من ماله أو علمه أو خبرته أو مهنته أو وقته أو جاهه، في جهاد خالص”[69]. وجاء في فتوى الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين: “نصرة إخواننا الفلسطينيين في غزة واجبة على كل مسلم، ومن أهمها: النصرة الإعلامية، فكل كلمة أو تقرير أو توثيق يعتبر من المطلوب الشرعي في نصرة القضية، ويشهد لذلك ما أخرجه مسلم عن عائشة، قالت: فسمعت رسول الله يقول لحسان: “إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ”[70]، وأخرج أحمد والنسائي أن النبي ﷺ قال: “جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم”[71]، فبان أن الجهاد بالكلمة من الواجب الشرعي”[72].

وجاء في فتوى دار الإفتاء المصرية عن الجهاد ضد العدو المحتلّ المتعدي في فلسطين ما نصه: “أنواع الجهاد متعددة؛ ومنها: الجهاد بالنفس، والجهاد بالمال، والجهاد بالكلمة”[73].

وخلاصة ذلك يمكن القول: إن الاحتلال كما هو قائم وفق منظومات مترابطة ومتنوعة، وخاصة بعد أن أتم بس سيطرته على الغالب من فلسطين المحتلة عزز وجوده بالعديد من المؤسسات والدوائر التي تعد بذاتها احتلالًا أيضًا، وأهمها الاحتلال الفكري والعقائدي، عبر إقامة منظومات إعلامية داخلية وخارجية لتمكين الاحتلال وتحسين صورته في العالم، وإظهار صورته بأنه دولة مدنية قائمة وفق القوانين والنظم الدولية وحشد الدعم لذلك، ومما لا يخفى أن أهم الأساليب لمواجهة ذلك هو الجهاد بالكلمة المرئية والمكتوبة والمسموعة، وهذا لا يخفى على أحد وخاصة ممن هو عامل في السلك الإعلامي، ومدى أهمية دعم هذا القطاع لمواجهة الاحتلال في أساليبه الإعلامية.

المطلب الرابع: حكم المقاطعة الاقتصادية وأثرها في دعم المسجد الأقصى

ربما لم ينص الفقهاء قديمًا على ما هو معروف في أيامنا هذه بمصطلح المقاطعة في التعاملات الاقتصادية مع غير المسلمين وخاصّة المحاربين، ولكن ورد في كتب الفقه من الأحكام ما تفيد هذا المعنى ضمنًا، وهو أحكام التعاملات المالية من البيع والشراء لأهل دار الحرب أو مع غير المسلمين حال الهدنة وغيرها، وهذه جملة من الأحكام مما نص عليه الفقهاء.

فقد ذكر الفقهاء هذا الحكم تحت عدة أبواب منها: ذكر ما يمنع الداخلون إلينا بأمان من حمله إلى بلدهم، وجاء فيه من الأحكام: “وقال في أهل العهد وتجار الحربيين إذا انصرفوا من عندنا منعوا من حمل السلاح والحرير والحديد والصفر والإدم معمولة أو غير معمولة، ومن الخيل والبغال والحمير والغرائر والأخرجة، ولا يترك لهم حمل كل شيء فيه قوة في المغازي ولا الزفت ولا قطران الشمع واللجم والسروج والمهامز والسياط ولا شقق الكتان والصوف ولا الطعام من القمح والشعير، ولا كل ما لهم فيه قوة حربهم، وليأخذ الإمام في منع ذلك والتغليظ فيه، وينذر أنّ من فعل ذلك فهو نقض للعهد، ويتقدم للمسلمين ألا يبيعوه منهم وينادى بذلك، ويفتش عليهم في انصرافهم، وكذلك جرى عمل أهل العدل. قال الحسن: فمن حمل إليهم الطعام فهو فاسق. ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن”، وورد: “وكره الأوزاعي بيع الطعام والسلاح منهم، وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: أما في الهدنة فيجوز، وأما في غير الهدنة فلا يباع منهم طعام ولا شيء مما فيه قوة، فيبيعونه في دار حربهم، وأما الكراع والسلاح والحديد والنحاس واللجم والسروح والحرير والجلود وما يستعان به في الحرب فحرام بيعه منهم في الهدنة وغيرها”[74].

وأما إن كان الأمر منوطًا ببيع السلاح فهو مما أجمع الفقهاء على منعه، ونصوا عليه في كتبهم: “ولا يصح بيع ‌سلاح في فتنة، أو لأهل ‌الحرب”[75].

هذا جزء من الأحكام التي أوردها العلماء فيما يجب الابتعاد عنه مما يقوي العدو من السلاح ونحوه وكذا كل ما يفيد في إضعاف شوكتهم، ويكون سببًا في نصر المسلمين، وبنحوه جاءت العديد من الفتاوى التي تنص على نحو هذه الأحكام تقوية لأهلنا في فلسطين، ودعمًا لهم في جهادهم ودعوة لإضعاف عدوهم بالمقاطعة الاقتصادية.

وقد خلصت فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن المقاطعة الشاملة، وخاصة الاقتصادية، لدولةالاحتلال الصهيوني واجبة شرعًا حتى زوال الاحتلال الكامل عن جميع الأراضي الفلسطينية، واستندت الفتوى إلى النصوص القطعية في الكتاب والسنة التي توجب جهاد المحتلين وردع المعتدين، وتحرّم التعاون معهم أو دعمهم ماليًا بأي شكل؛ لأنّ ذلك يُعدّ عونًا على الإثم والعدوان وموالاةً للكافرين، وهو من الكبائر؛ بل قد يبلغ حدّ الكفر إن كان عن محبةٍ ونصرةٍ لهم. كما بيّنت أن أموال المحتلين مغصوبة ومحرم التعامل فيها بيعًا وشراءً واستيرادًا، وأن المقاطعة الاقتصادية تدخل في باب الجهاد بالمال وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، إذ تُضعف العدو وتردعه عن الظلم. وانتهت الفتوى إلى التأكيد على أن الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية واجبٌ شرعي على الأفراد والدول حتى تحرير جميع الأراضي المحتلة والقدس الشريف[76].

وبيّن عضو لجنة الفتوى العراقي الشيخ طه أحمد الزيدي أن المقاطعة الاقتصادية للدول أو الشركات الداعمة للكيان الصهيوني حكمها مشروع، وقد تكون واجبة إذا ترتب عليها إضعاف المعتدين ودفع الضرر عن المسلمين، لأنها تدخل في باب الجهاد بالمال وضمن قاعدة تقييد المباح للمصلحة الراجحة. واستدلّ لذلك بالكتاب والسنة وإجماع الفقهاء على تحريم ما يقوّي العدو على المسلمين، واعتبرها من المصالح المرسلة المشروعة شرعًا. كما أكّد أن المقاطعة تستثني الضروريات وما لا بديل له، وأنها لا تشمل المنتجات العربية أو الإسلامية المنتجة بامتياز محلي. ودعا إلى التزام الحكومات والتجار بها، وتنظيمها عبر لجان اقتصادية مختصة لضبطها وفق الضوابط الشرعية والمصلحة العامة[77].

وهذا ليس خاصًا بما حدث الآن في غزة، بل هو مما علم وأفتي به سابقًا لأحداث غزة؛ فقد نشر القره داغي عبر موقعه فتوى سابقة للمقاطعة وفيها: أفتى العلماء، ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي، بوجوب المقاطعة الشاملة للبضائع الإسرائيلية دون تفرقة بين صغيرة أو كبيرة، وعدّوا إلغاء المقاطعة الاقتصادية بعد اتفاقية أوسلو (1993م) مخالفةً للشرع ولمصلحة الأمة، إذ إن إسرائيل لم تنهِ احتلالها حتى لأراضي 5 حزيران 1967م. كما دعوا إلى إعادة المقاطعة الاقتصادية التامة ردًّا على جرائم الاحتلال. أما الولايات المتحدة فبحكم دعمها لإسرائيل يجب مقاطعة سلعها الاستهلاكية حتى تغيّر سياستها، مع استثناء الوسائل التقنية والصناعية التي يؤدي تركها إلى ضرر أكبر بالأمة، لأن الفتوى تُبنى على اعتبار المقاصد والنتائج وموازنة المصالح والمفاسد[78].

وفي تركيا دعا رئيس الشؤون الدينية التركي، علي أرباش، خلال اجتماع استشاري شاركت فيه 54 منظمة أهلية، إلى مقاطعة حازمة ومستمرة لمنتجات الشركات الداعمة للصهيونية، ومواجهة الظلم والظالمين بالوسائل كافّة، مشدِّدًا على أن القدس قضية إيمانية وأخلاقية تتطلب توحيد الصف الإسلامي وتحركًا عمليًا عاجلًا؛ وطلب أن تتولى منظمة التعاون الإسلامي مبادرات دبلوماسية واقتصادية صارمة لوقف العدوان ومحاسبة المعتدين وداعميهم، مع تعزيز وعي القدس لدى الشباب وتكثيف التعاون بين المنظمات المدنية المحلية والدولية، هذه المواقف لاقت تأييدًا من قادة منظمات مدنية أكّدوا ضرورة عمل خطة وطنية وإقليمية، وتوسيع حملات المقاطعة والاستفادة من القدرة السوقية والمنتج المحلي للحد من دعم الكيان المحتل[79].

فالمقاطعة، وإن كانت برأي البعض، مجرد امتناع عن عمل تجاري أو مالي ونحوه، وأن أثرها ضعيف ولا يمكن أن توفر الدعم الحقيقي في سبيل حماية المسجد الأقصى يمكن القول لهم: إن أثر الدعم المالي المباشر للمرابطين حاسم عمليًا، فالاستمرارية الميدانية عبر المساعدات الغذائية، والصحية، والسكنية تحافظ على حياة الأسر، وتجعل الإقامة في القدس وبقرب المسجد الأقصى ممكنة عمليًّا. وبالمقابل غياب هذا الدعم يؤدي بسرعة إلى تفريغ المجتمع المقدسي وإضعافه عبر ضغوط مادية مباشرة. فالتمويل لا يعدّ مجرد شراء سلع وخدمات، بل يؤمن قدرةً على الصمود المستمر.

وإنّ للمقاطعة أثر كبير على الشركات: فمما تُبيّنه الخبرات والدراسات الأخيرة أنّها تُظهِر نمطًا مركّبًا: فالمقاطعات قد لا تُحدث دائمًا أثرًا ماليًا هائلًا وفوريًا على كبرى الشركات أو على الاقتصاد الإسرائيلي ككل، لكنها قادرة على إحداث تأثيرات رمزية، قانونية، وسياسية تُفضي إلى تغييرات تشغيلية أو سياسية في بعض الحالات، والأمثلة العالمية للعديد من الشركات أكثر من أن يتم تجاهلها.

ولذا يمكن القول: المقاطعات قد لا تكسر العجلة الاقتصادية وحدها، لكنها تُعدُّ أداة ضغط إستراتيجية تخلق تكلفة سياسية وسمعة، وتدفع بعض الشركات إلى تعديل سياساتها، أو تحفّز تدخلًا تنظيميًا وقانونيًا، أو تُفضي إلى إجراءات محلية (مثل نقل منشآت أو بيع حقوق) حمايةً للسمعة أو لتقليل الانكشاف القانوني. ورفع كلفة التهويد: فتمويل المرابطين يجعل من كل محاولة تغيير للهوية أو السيطرة المكانية عمليًا أكثر تكلفة للجهة الطامعة؛ إذ تزداد الحاجة إلى موارد أعلى متابعة للسيطرة على الأقصى، وبالمقابل يؤدي إلى استدامة المقاومة: فبينما تضغط المقاطعات على الشركات وتؤثر على الرأي العام الدولي، تبقي مؤسّسات الدعم المالي وجودًا بشريًا دائمًا يُعيق تنفيذ الوقائع الميدانية لليهود على الأرض.

الخاتمة

يتضح من خلال الدراسة أن البلاد الإسلامية مصونة من أي اعتداء أو محاولة احتلال، وفي حال وقوع أي تهديد لأي شبر من أراضي المسلمين يتوجب على المسلمين بذل الجهد في سبيل تحصين تلك البلاد، والسعي لتحرير أي حبة تراب استولى عليها الأعداء، وفق أحكام ومراتب شرعية نص عليها العلماء، ووفق قدرة أبناء تلك المنطقة ثم من يلونهم، الأقرب فالأقرب، ومما لا شك فيه أن قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية ليست قضية سياسية فحسب، بل هي قضية شرعية إسلامية وجهادية لها أبعاد فقهية واضحة، وجاءت الدراسات القديمة والحديثة مفصلة للعديد من هذه الأحكام، والتي يمكن إجمالها وفق ما جاءت به الدراسة بما يأتي:

  • الشرع يأمر بنصرة المظلوم ويدين التعاون مع الظالم: فالقرآن والسنة ألزما الأمة بنصرة المظلوم ودرء الظلم عن المستضعفين، وحرّمَا كل أشكال التعاون مع المعتدين -ماديًا أو معنويًا- التي تسهل عليهم استمرار ظلمهم أو تعزيز قوتهم.
  • كل فعل يردّ الظلم ويُعين المظلوم مشروع شرعًا: فالفقهاء عدّوا الأعمال الداعمة لردّ الظلم من قبيل الجهاد المشروع: سواء كان جهادًا ماديًا (مثل تمويل المقاومة)، أو جهادًا معنويًا (بالكلمة والدعوة)، أو جهادًا اقتصاديًا (بالمقاطعة)، فمهمّة الفعل وهدفه هو المعيار الشرعي.
  • المقاطعة الاقتصادية شكل عملي ومؤثر في الجهاد العصري: فالمقاطعة تقطع عن المعتدي مواردَ الدعم والشرعية الاقتصادية؛ لذا عدّها عدد من العلماء والهيئات المعاصرة واجبًا شرعيًا عمليًا عندما تُسهم في إضعاف القدرة على الاستمرار في العدوان.
  • الرباط وسيلة أساسية لحماية المقدسات والمساجد، وأهمها المسجد الأقصى: فالرباط هو نوع من الحراسة الشرعية للثغور والأماكن المقدسة، وله أجرٌ كبير وأثرٌ عملي في حفظ الحضور الإسلامي في المواقع الحساسة، ويُعد جزءًا من منظومة الجهاد الشرعي.
  • الجهاد واسع الأبعاد ولا يختزل في السلاح فقط: فالمعنى الشرعي للجهاد يشمل وسائل متعددة: القتال المسلح حيث يُرَتِّبُه الشرع، والمال، والكلمة، والتنظيم المدني، والمقاطعة، وكل وسيلة شرعية تُساعِد الأمة على ردّ الظلم واستعادة الحقوق.
  • أهمية التنظيم والتخطيط لنجاح المقاطعة والوسائل الأخرى: لتثمر المقاطعة يجب أن تكون شاملة ومستمرة ومنظمة (قوائم منتجات، بدائل، حملات توعوية، إجراءات رقابية) مع مراعاة المصالح العامة لتجنّب أذى ذاتي أو تأثيرٍ سلبي يفوق أثر المقاطعة على المعتدي.
  • الوحدة الإسلامية شرط ضروري لتحقيق النتائج المرجوة: فاتساق المواقف الفقهية والسياسية والاقتصادية بين الدول والمنظمات والأفراد يعظّم أثر المقاطعة وباقي وسائل الجهاد السلمي، ويمنع التفرّق الذي يستغله المعتدون لإطفاء تأثير الإجراءات.
  • الجانب التربوي والدعوي عنصر محوري: فرفع الوعي لدى الجماهير في مقاصد الشريعة وأحكامها، وتوجيه النشء لحفظ المقدسات والمرابطةِ وفضائلها، يُعدّ داعمًا أساسيًا لاستدامة الحضور والعمل الجماعي المؤثر؛ فالدعوة والتثقيف يساندان المقاطعة والرباط.
  • الفتاوى المعاصرة دعمت شرعية الجهاد بوسائل متعددة: مؤسسات وهيئات عديدة، بالإضافة إلى علماء معاصرين مثل الشيخ أحمد الريسوني والشيخ علي القره داغي والشيخ عبد العزيز بن باز وهيئات فقهية فلسطينية ودولية، بيّنت أن نصرة المقدسات واجبة شرعًا، وأن المقاطعة الاقتصادية من وسائل النصر المشروع.
  • توازن المصلحة: مقاطعة فعّالة مع حفظ مصالح الأمة: يجب عند رسم سياسات المقاطعة مراعاة عدم الإضرار بالمجتمعات المسلمة ذاتها (وظائف، اقتصادات محلية) والعمل على بدائل وطنية واقتصادية تقلّل أثر المقاطعة على المواطن العادي، وتزيد من ضغطها على المعتدي.

وفي الختام، يظهر جليًا أن الجمع بين الجهاد الشرعي بأنواعه المختلفة، وبين الرباط والمقاطعة الاقتصادية والسياسية، ووحدة الأمة الإسلامية في موقف موحد، هو الطريق الفعلي لتحقيق نصرة فلسطين والقدس، ورد الظلم، واسترداد الحقوق المغتصبة. وهذا يتطلب التزام الأفراد والجماعات والدول بما أمر الله ورسوله من نصرة المظلوم، وقطع كل وسائل الدعم عن المعتدي، وفق ضوابط الشريعة، مع مراعاة مصالح الأمة العامة، وتعزيز الوعي الجهادي والفقهي لدى جميع الأجيال؛ لضمان استمرار نصرة القضية الفلسطينية بشكل مشروع وفعال.

المراجع

القرآن الكريم

الأبياري إبراهيم بن إسماعيل، الموسوعة القرآنية، القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1405هـ.

أحمد بن حنبل، المسند، تح: شعيب الأرنؤوط وآخرون، بيروت: مؤسسة الرسالة، الأولى، 2001م.

أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، القاهرة: عالم الكتب، الأولى، 2008م.

الأزهري الهروي محمد بن أحمد بن الأزهري أبو منصور، تهذيب اللغة، تح: محمد عوض مرعب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الأولى، 2001م.

الألوسي شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تح: علي عبد الباري عطية، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1415هـ.

البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي، صحيح البخاري، تح: مصطفى البغا، دمشق: دار ابن كثير ودار اليمامة، الخامسة 1993م.

أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، جمهرة اللغة، تح: رمزي منير بعلبكي، بيروت: دار العلم للملايين، الأولى، 1987م.

ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الحنبلي، الحسبة في الإسلام، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى.

ابن تيمية، مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى، الرياض: أضواء السلف، الأولى 2002م.

الثعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تح: ابن عاشور، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الأولى 2002.

الجوزي جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، تاريخ بيت المقدس، تح: محمد زينهم محمد عزب، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.

الجوهري أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، الرابعة 1987م.

حسن موسى، القدس والمسجد الأقصى المبارك، بيروت: باحث للدراسات، الأولى، 2010.

داماد أفندي عبد الرحمن بن محمد بن سليمان، مَجمع الأنهُر في شرح ملتقَى الأبحُر، تح: أحمد بن عثمان القره حصاري، تركيا: دار الطباعة العامرة بتركيا، 1328هـ.

الدجيلي سراج الدين أبو عبد اللَّه، الحسين بن يوسف، الوجيز في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تح: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الرياض: مكتبة الرشد ناشرون، الأولى، 2004م.

الذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تح: عمر عبد السلام التدمري، بيروت: دار الكتاب العربي، الثانية، 1993م.

الرافعي القزويني عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، تح: علي محمد عوض وغيره، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1997م.

ابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي، المقدمات الممهدات، تح: محمد حجي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1988م.

الزُّحَيْلِيّ وَهْبَة بن مصطفى، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، دمشق: دار الفكر، الرَّابعة.

الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1998م.

السبتي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاهرة: المكتبة العتيقة ودار التراث.

السرخسي محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة، المبسوط، تح: مجموع من العلماء، مصر: مطبعة السعادة.

سعيد القحطاني، الجهاد في سبيل الله في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير.

شريف أبو شمالة، الدور الشعبي في الدفاع عن المسجد الأقصى: الرباط نموذجًا، مجلة دراسات بيت المقدس، 21/2021، 253-268.

الصاوي المالكي أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، بلغة السالك لأقرب المسالك، بيروت: دار المعارف.

الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب، المعجم الكبير، تح: حمدي بن عبد المجيد السلفي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، الثانية.

ابن عابدين محمد أمين، حاشية ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الثانية 1966م.

ابن العربي أبو بكر القاضي محمد بن عبد الله المعافري الاشبيلي المالكي، المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، تح: محمد بن الحسين السُّليماني وغيره، الناشر: بيروت: دَار الغَرب الإسلامي، الأولى، 2007م.

العسقلاني أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح البخاري، تح: محب الدين الخطيب، مصر: المكتبة السلفية، الأولى 1390هـ.

العسيري أحمد معمور، موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام إلى عصرنا الحاضر، الرياض: خاصة موجود في مكتبة الملك فهد الوطنية، الأولى، 1996.

ابن فارس أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، بيروت: دار الفكر، 1979م.

 ابن قدامة المقدسي موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد الدمشقي الحنبلي، الكافي في فقه الإمام أحمد، بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م.

ابن قدامة المقدسي، المغني، تح: عبد اللَّه التركي، الرياض: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، 1997م.

القرطبي الأزدي محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ، الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه، تح: مشهور بن حسن آل سلمان وغيره، لبنان: مؤسسة الريان.

ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب، بدائع الفوائد، تح: علي بن محمّد العمران، بيروت: دار ابن حزم، الأولى، 2019 م.

الكاساني علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصر: مطبعة الجمالية، الأولى 1328هـ.

كُرْد عَلي محمد بن عبد الرزاق بن محمَّد، خطط الشام، دمشق: مكتبة النوري، الثالثة، 1983م.

الماوردي أبو الحسن علي بن محمد البصري، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تح: علي محمد معوض وغيره، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1999م.

مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 1404 – 1427هـ.

مجير الدين الحنبلي عبد الرحمن بن محمد، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، تح: عدنان نباتة، عمان: مكتبة دنديس.

مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، تح: محمد ذهني أفندي وغيره، تركيا: دار الطباعة العامرة، 1334هـ.

ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1997م.

ابن منظور محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل الإفريقي، لسان العرب، بيروت: دار صادر، الثالثة 1414هـ.

منلا خسرو الحنفي، درر الحكام شرح غرر الأحكام، بيروت: دار إحياء الكتب العربية.

ابن نجيم المصري زين الدين بن إبراهيم بن محمد، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، بيروت: تصوير دار الكتاب الإسلامي، الثانية.

النفزي القيرواني أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن، النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ، تح: محمَّد حجي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1999م.

الوادعِيُّ أَبِو عَبد الرَّحمَن مُقْبلُ بنُ هَادِي بنِ مُقْبِلِ، تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب، اليمن: دَارُ الآثَار للنشر وَالتوزيع، الثانية، 2002م.

وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دمشق: دار الفكر، الأولى، 1991م.

مواقع الانترنت

أحمد الريسوني، الجهاد في فلسطين ولأجل فلسطين لا شك في مشروعيته ووجوبه، موقع الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين، 21/11/2021. https: //www. iumsonline. org/ar/ContentDetails. aspx?ID=21660

جمعٌ من علماء ومشايخ موريتانيين، فتوى شرعية عن الجهاد والمجاهدين في فلسطين، موقع هيئة علماء فلسطين، 21.10.2025. https: //palscholars. org/news/% /

حسن مأمون، الصلح مع اليهود والمعاهدات مع الدول المعادية، مجموع فتاوي دار الإفتاء المصرية، نشرها موقع جامع الكتب الإسلامية، 6/72. https: //ketabonline. com/ar/books/77/read?part=6&page=2620&index=4620527

الريسوني والقره داغي، وجوب المقاطعة الشاملة – وخاصة المقاطعة الاقتصادية – للمحتلين المعتدين، إلى أن يخرجوا من جميع الأراضي المحتلة، 03.01.2021.

 https: //iums. me/12917

طه أحمد الزيدي، حكم المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول المعتدية والمساندة للكيان الصهيوني، 21 نوفمبر، 2023، موقع هيئة علماء فلسطين. https: //palscholars. org/?p=17151

عبد العزيز بن باز، ما حكم جهاد الفلسطينيين؟ نشرت الفتاوى في مجلة الدعوة الصادرة في 9/8/1409هـ، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 295، نقلًا عن موقع الشيخ. https: //binbaz. org. sa/fatwas/886/%D9%85%

علي أرباش، يجب مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للصهيونية بشكل حازم ومستمر، موقع رئاسة الشؤون الدينية التركي، 01.11.2023. https: //www. diyanet. gov. tr/tr-TR/Kurumsal/Detay/35938/

علي القره داغي، حكم وجوب مقاطعة البضائع الإسرائيلية، الموقع الرسمي. https: //alqaradaghi. com/%D8%A – /

لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى حول العدوان الإسرائيلي على غزة، 22/10/2023.

 https: //iums. me/31250

لجنة لفتوى في هيئة علماء فلسطين، الجهاد بالمال فرض عين على كل مسلم ومسلمة، موقع الهيئة، 18/8/2024.

 https: //palscholars. org/?p=20077

مجلس الشؤون الدينية الأعلى، المسؤولية تجاه الظلم الواقع في غزة، 02.11.2023.

 https: //kurul. diyanet. gov. tr/soru/gazzede-yasanan-zulum-ve-katliam-hakkinda-insani-ve-islami-sorumluluk/1c99b842-98a5-40d4-08db-08dd1c135351

مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، 8/849 ر20027. http: //www. islamweb. net

نصر فريد واصل، الجهاد ضد العدو المحتلّ المتعدي في فلسطين، 04 سبتمبر 2000 م، موقع دار الإفتاء المصرية.

 https: //dar-alifta. org/ar/fatwa/details/19757/

 موقع أخوات من أجل الأقصى، نشر بتاريخ السبت، 12 تشرين1/أكتوبر 2013،

 https: //www. foraqsa. com/index. php/glad-tidings/inside-aqsa/rebat/biareq

 تيسير رجب التميمي، وبيت المقدس أرض رباط وجهاد في سبيل الله إلى يوم القيامة، نشر بتاريخ عبر الموقع الخاص بهم، 10/09/2023، https: //iums. me/30499


[1] أستاذ التفسير واللغة العربية المشارك في جامعة آغري إبراهيم ججن: البريد الالكتروني: melhut@agri. edu. tr

[2] الجوهري أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، الرابعة 1987م، 3/960 قدس.

[3] الأزهري الهروي محمد بن أحمد بن الأزهري أبو منصور، تهذيب اللغة، تح: محمد عوض مرعب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الأولى، 2001م، 8/303 قدس.

[4] ابن فارس أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، بيروت: دار الفكر، 1979م، 5/64.

[5] الجوهري، الصحاح، 3/961 قدس.

[6] السبتي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاهرة: المكتبة العتيقة ودار التراث، 2/174.

[7] أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، القاهرة: عالم الكتب، الأولى، 2008م، 1/84.

[8] أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، 3/1782.

[9] مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، 8/849 ر20027، http: //www. islamweb. net

[10] أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، جمهرة اللغة، تح: رمزي منير بعلبكي، بيروت: دار العلم للملايين، الأولى، 1987م، 2/1052.

[11] الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1998م، 1/216.

[12] أحمد بن حنبل، المسند، تح: شعيب الأرنؤوط وآخرون، بيروت: مؤسسة الرسالة، الأولى، 2001م، 27/236. إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن أحمد، فمن رجال النسائي، وهو ثقة.

[13] الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، 6/2319 حمي.

[14] أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، 1/568.

[15] الجوزي جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، تاريخ بيت المقدس، تح: محمد زينهم محمد عزب، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ص37.

[16] العسيري أحمد معمور، موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام إلى عصرنا الحاضر، الرياض: خاصة موجود في مكتبة الملك فهد الوطنية، الأولى، 1996م، ص111.

[17] مجير الدين الحنبلي عبد الرحمن بن محمد، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، تح: عدنان نباتة، عمان: مكتبة دنديس، 1/25.

[18] الذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تح: عمر عبد السلام التدمري، بيروت: دار الكتاب العربي، الثانية، 1993م، 41/27.

[19] كُرْد عَلي محمد بن عبد الرزاق بن محمَّد، خطط الشام، دمشق: مكتبة النوري، الثالثة، 1983م، 4/221.

[20] حسن موسى، القدس والمسجد الأقصى المبارك، بيروت: باحث للدراسات، الأولى، 2010، ص186.

[21] شريف أبو شمالة، الدور الشعبي في الدفاع عن المسجد الأقصى: الرباط نموذجًا، مجلة دراسات بيت المقدس، 21/2021، 253-268.

[22] مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 1404 – 1427هـ، 22/119.

[23] الموسوعة الفقهية الكويتية، 4/127.

[24] داماد أفندي عبد الرحمن بن محمد بن سليمان، مَجمع الأنهُر في شرح ملتقَى الأبحُر، تح: أحمد بن عثمان القره حصاري، تركيا: دار الطباعة العامرة بتركيا، 1328هـ، 1/633.

[25] الرافعي القزويني عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، تح: علي محمد عوض وغيره، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1997م، 11/344.

[26] ابن نجيم المصري زين الدين بن إبراهيم بن محمد، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، بيروت: تصوير دار الكتاب الإسلامي، الثانية، 5/79.

[27] منلا خسرو الحنفي، درر الحكام شرح غرر الأحكام، بيروت: دار إحياء الكتب العربية، 1/282.

[28] داماد أفندي، مَجمع الأنهُر في شرح ملتقَى الأبحُر، 1/633.

[29] حسن مأمون، الصلح مع اليهود والمعاهدات مع الدول المعادية، مجموع فتاوي دار الإفتاء المصرية، نشرها موقع جامع الكتب الإسلامية، 6/72. https: //ketabonline. com/ar/books/77/read?part=6&page=2620&index

[30] أحمد الريسوني، الجهاد في فلسطين ولأجل فلسطين لا شك في مشروعيته ووجوبه، موقع الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين، 21/11/2021، https: //www. iumsonline. org/ar/ContentDetails. aspx?ID=21660

[31] عبد العزيز بن باز، ما حكم جهاد الفلسطينيين؟ نشرت الفتاوى في مجلة الدعوة الصادرة في 9/8/1409هـ، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 295، نقلًا عن موقع الشيخ https: //binbaz. org. sa/fatwas/886/%D9%85%D8%A7-

[32] جمعٌ من علماء ومشايخ موريتانيين، فتوى شرعية عن الجهاد والمجاهدين في فلسطين، موقع هيئة علماء فلسطين، 21.10.2025. https: //palscholars. org/news/%D9%81%D8%AA%D9%88%D9%89-

[33] لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى حول العدوان الإسرائيلي على غزة، 22/10/2023، https: //iums. me/31250

[34] الوادعِيُّ أَبِو عَبد الرَّحمَن مُقْبلُ بنُ هَادِي بنِ مُقْبِلِ، تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب، اليمن: دَارُ الآثَار للنشر وَالتوزيع، الثانية، 2002م، 228.

[35] الألوسي شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تح: علي عبد الباري عطية، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1415هـ، 5/232.

[36] الأبياري إبراهيم بن إسماعيل، الموسوعة القرآنية، القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1405هـ، 2/403.

[37] الماوردي أبو الحسن علي بن محمد البصري، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تح: علي محمد معوض وغيره، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1999م، 14/111؛ السرخسي محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة، المبسوط، تح: مجموع من العلماء، مصر: مطبعة السعادة، 10/20.

[38] ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الحنبلي، الحسبة في الإسلام، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، ص30.

[39] ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب، بدائع الفوائد، تح: علي بن محمّد العمران، بيروت: دار ابن حزم، الأولى، 2019 م، 1/136.

[40] الريسوني، الجهاد في فلسطين، موقع الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين، 21/11/2021، الفتوى السابقة.

[41] الزُّحَيْلِيّ وَهْبَة بن مصطفى، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، دمشق: دار الفكر، الرَّابعة، 10/7930.

[42] جمعٌ من علماء ومشايخ موريتانيين، فتوى شرعية عن الجهاد والمجاهدين في فلسطين، موقع هيئة علماء فلسطين.

[43] لجنة لفتوى في هيئة علماء فلسطين، الجهاد بالمال فرض عين على كل مسلم ومسلمة، موقع الهيئة، 18/8/2024، https: //palscholars. org/?p=20077

[44] لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى حول العدوان الإسرائيلي على غزة، 22/10/2023، https: //iums. me/31250

[45] مجلس الشؤون الدينية الأعلى، المسؤولية تجاه الظلم الواقع في غزة، 02.11.2023،
 https: //kurul. diyanet. gov. tr/soru/gazzede-yasanan-zulum-ve-katliam-hakkinda-insani-ve-islami-sorumluluk/1c99b842-98a5-40d4-08db-08dd1c135351

[46] أنظر: دوابه، أشرف- نحو جهاد اقتصادي لتحرير الأقصى، دار المدرس، تركيا، ط1، 2019م، ص31-32.

[47] دوابه، أشرف- نحو جهاد اقتصادي لتحرير الأقصى، ص20.

[48] الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ‌فذلكم ‌الرباط”. مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، تح: محمد ذهني أفندي وغيره، تركيا: دار الطباعة العامرة، 1334هـ، 1/151/251.

[49] ابن منظور محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل الإفريقي، لسان العرب، بيروت: دار صادر، الثالثة 1414هـ، 7/302 ربط.

[50] ابن العربي أبو بكر القاضي محمد بن عبد الله المعافري الإشبيلي المالكي، المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، تح: محمد بن الحسين السُّليماني وغيره، الناشر: بيروت: دَار الغَرب الإسلامي، الأولى، 2007م، 5/19. لم أر أي تعليق عليه من حيث الحكم والدرجة.

[51] ابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي، المقدمات الممهدات، تح: محمد حجي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1988م، 1/365.

[52] ابن قدامة المقدسي موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد الدمشقي الحنبلي، الكافي في فقه الإمام أحمد، بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م، 4/120.

[53] البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي، صحيح البخاري، تح: مصطفى البغا، دمشق: دار ابن كثير ودار اليمامة، الخامسة 1993م، 3/1059ر2735.

[54] ابن قدامة المقدسي، المغني، تح: عبد اللَّه التركي، الرياض: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، 1997م، 13/20.

[55] ابن تيمية، مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى، الرياض: أضواء السلف، الأولى 2002م، ص48.

[56] ابن عابدين محمد أمين، حاشية ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الثانية 1966م، 4/121.

[57] العسقلاني أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح البخاري، تح: محب الدين الخطيب، مصر: المكتبة السلفية، الأولى 1390هـ، 6/85.

[58] مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، 22/78.

[59] الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب، المعجم الكبير، تح: حمدي بن عبد المجيد السلفي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، الثانية، 11/88، رجاله لا بأس بهم غير واحد.

[60] موقع أخوات من أجل الأقصى، نشر بتاريخ السبت، 12 تشرين1/أكتوبر 2013،
 https: //www. foraqsa. com/index. php/glad-tidings/inside-aqsa/rebat/biareq

[61] شريف أبو شمالة، الدور الشعبي في الدفاع عن المسجد الأقصى: الرباط نموذجًا، مجلة دراسات بيت المقدس، 21/2021، 253-268.

[62] تيسير رجب التميمي، وبيت المقدس أرض رباط وجهاد في سبيل الله إلى يوم القيامة، نشر بتاريخ عبر الموقع الخاص بهم، 10/09/2023، https: //iums. me/30499

[63] أحمد بن حنبل، المسند، 21/232 ح12246، والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم.

[64] وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دمشق: دار الفكر، الأولى، 1991م، 17/285.

[65] الثعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تح: ابن عاشور، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الأولى 2002، 5/69؛ سعيد القحطاني، الجهاد في سبيل الله في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، ص12.

[66] الكاساني علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصر: مطبعة الجمالية، الأولى 1328هـ، 7/97.

[67] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْإِيمَانِ، ح50.

[68] القرطبي الأزدي محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ، الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه، تح: مشهور بن حسن آل سلمان وغيره، لبنان: مؤسسة الريان، ص13.

[69] الريسوني، الجهاد في فلسطين، موقع الاتحاد العالمي لعلماء فلسطين، 21/11/2021، الفتوى السابقة.

[70] صحيح مسلم، كتاب الفضائل، بَابُ فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، 7/164 ح2490.

[71] أحمد بن حنبل، المسند، 21/232 ح12246، والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم.

[72] لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى حول العدوان الإسرائيلي على غزة، 22/10/2023.

[73] نصر فريد واصل، الجهاد ضد العدو المحتلّ المتعدي في فلسطين، 04 سبتمبر 2000 م، موقع دار الإفتاء المصرية،
 https: //dar-alifta. org/ar/fatwa/details/19757/%D

[74] النفزي القيرواني أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن، النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ، تح: محمَّد حجي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1999م، 3/377؛ الصاوي المالكي أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، بلغة السالك لأقرب المسالك، بيروت: دار المعارف، 3/20.

[75] ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1997م، 4/42؛ الدجيلي سراج الدين أبو عبد اللَّه، الحسين بن يوسف، الوجيز في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تح: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الرياض: مكتبة الرشد ناشرون، الأولى، 2004م، ص 175.

[76] الريسوني والقره داغي، وجوب المقاطعة الشاملة – وخاصة المقاطعة الاقتصادية – للمحتلين المعتدين، إلى أن يخرجوا من جميع الأراضي المحتلة، 03.01.2021، https: //iums. me/12917

[77] طه أحمد الزيدي، حكم المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول المعتدية والمساندة للكيان الصهيوني، 21 نوفمبر، 2023، موقع هيئة علماء فلسطين، https: //palscholars. org/?p=17151

[78] علي القره داغي، حكم وجوب مقاطعة البضائع الإسرائيلية، الموقع الرسمي، https: //alqaradaghi. com/%D8

[79] علي أرباش، يجب مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للصهيونية بشكل حازم ومستمر، موقع رئاسة الشؤون الدينية التركي، 01.11.2023، https: //www. diyanet. gov. tr/tr-TR/Kurumsal/Detay/35938/siyonizmi-destekleyen-firmalarin-urunleri-kararli-ve-devamli-bir-sekilde-boykot-edilmeli