خاص هيئة علماء فلسطين

    

د. مجدي محمد قويدر

الملخص

تشكل سورة الإسراء مكنزا للسُّنن الإلهية والقوانين الربانية الناظمة لحركة الأحياء، والقراءة القاصدة المتدبرة والمتأنية للقرآن الكريم كفيلة بفتح مغاليق الفهم، والكشف عن سنن الحياة والأحياء وأسرارهما، وتجديد الوعي بالسُّنن الإلهية، واستلهام عطاءاتها، من أهم مناهج معاودة إخراج الأمة الوسط الشاهدة على الناس وهذا البحث يسلط الضوء على سُّنة الاستفزاز في سورة الإسراء، ويبحث مفهوم الاستفزاز ومصادره، وسُّنة الله في عقاب المستفِزين، وسبل مدافعة الاستفزاز كما رسمتها السورة، وقد ختمت البحث بأهم النتائج.

المقدمة

إن القرآن الكريم أرشد إلى منظومة السنن، وأهميتها، ووظيفتها، ومواردها، وخصائصها، وقدم نماذج تاريخية، وتجارب حضارية تجلت فيها عوامل نهوض حضارات، وأسباب سقوط أمم وأقوام وعواقبه، وفق منهج سنني محكم لا يتغير ولا يتبدل.

وقد دعا القرآن الكريم إلى التعامل مع التاريخ البشري، واستشراف المستقبل في ضوء تجارب الأمم من خلال السير في الأرض، والنظر في العواقب والمآلات، واكتشاف سنن الاجتماع البشري المطردة الثابتة، فقال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11]، وقوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾[النمل: 69-70]، وقوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾[الروم: 42].

إن الوعي بوظيفة السنن الإلهية، وأبعادها، ومستوياتها، وتفاعلاتها، وتأثيراتها وفق الرؤية القرآنية، يحمي الأمة من الانكسار والاندثار، ويقيها من استنزاف الطاقات، وهدر الإمكانات، ويعينها على تقويم الحاضر وتصويبه، واكتشاف الخلل وعلاجه، وإعادة ترتيب الحاضر والتأثير فيه؛ بحيث نكون قادرين على صناعة مستقبل راشد لأمتنا.

وإن من أهم السُّنن الإلهية التي يجب استحضار، ونشر الوعي بها، ونحن نحاول التجاوز بأمتنا قنطرة الضعف والاستلاب الحضاري المعاصر هي سنن الصراع بين الحق والباطل، وسنن قيام ونهوض الأمم والشعوب، وعواقب الأمم الهالكة، وتاريخ الشعوب البائدة، واكتشاف الأسباب والعلل، ومواطن الخلل التي قوضت أركانهم، وهدمت بنيانهم؛ لأخذ الدروس والعبر، واستجلاء طريق السير على خطى واثقة، ومنهج واضح، مستنيرا بالرؤية السننة القرآنية، لاستعادة الشهود الحضاري، ومحاولة الإقلاع من جديد.

 ومن هذا المنطلق جاء البحث ليتناول موضوع سُّنة الاستفزاز وعاقبته في سورة الإسراء بما يشكله من أهمية في فهم وسائل الأعداء في معركة المنازلة بين الحق والباطل، ويكشف عن أساليبهم في المساومة والمراوغة، وسعيهم في فتنة المؤمنين عن دينهم وحقهم ولو شيئا قليلا، ويبين كيفية مدافعة هذا الاستفزاز بالتمسك بالثوابت، ودوام الاتصال بالله، والصلاة، والدعاء، واستمداد العون من الله حتى يحق الحق، ويزهق الباطل ويزول بجريان سُّنة الله في المبطلين بإهلاكهم بعذاب من عندهم أو بأيدي المؤمنين. وقد اقتصرت في هذا البحث على استقراء آيات سورة الإسراء، وتتبع ورود لفظ الاستفزاز، وتحليليها بالاعتماد على أقوال المفسرين، للوقوف على مصادر الاستفزاز التي أشارت إليه الآيات، واستخلاص كيفية مدافعته التي رسمتها السورة، وقد جاء البحث في تمهيد ومبحثين على النحو الآتي:

تمهيد: مفهوم السنن الإلهية وأهميتها.

المطلب الأول: مفهوم السنن لغة واصطلاحا.

 فالسُّنة لغة: مأخوذة من “سن” ولها أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطراده في سهولة ويسر، “والأَصل فيه الطريقة والسِّيرَة“([1])، جاء في لسان العرب: “وسُّنة الله: أحكامه، وأمره، ونهيه، وسنَّها الله للناس: بيَّنها، وسنَّ الله سُّنة، أي: بيَّن طريقاً قويماً، قال الله تعالى: ﴿سُّنة اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾[سورة الأحزاب: 62] ([2])، وجاء في التعريفات للجرجاني أن السُّنة في اللغة هي: “الطريقة، مرضية كانت أو غير مرضية”([3])، وفي التوقيف للمناوي أن “السُّنة بالضم طريقة المصطفى التي كان يتحراها وسُّنة الله طريقة حكمته وطريقة طاعته، قال ابن الكمال السُّنة لغة الطريقة مرضية كانت أو لا وشرعا الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب”([4]).

تطلق السُّنة في الاصطلاح على عدة وجوه  حسب مجال الاختصاص:

أولاً: السُّنة عند الأصوليين بأنها: “ما صدر عن الرسولr من الأدلة الشرعية، مما ليس بمتلو، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز”([5]).

ثانياً: السُّنة عند أهل الحديث: “أقوال النبيr، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية، وزاد بعضهم: وأقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم”([6]).

ثالثاً: السُّنة عند الفقهاء: “ما طلب الشرع فعله من المكلف طلباً غير لازم”([7]).

السنن الإلهية: اصطلاحا

وردت السُّنة في القرآن ست عشرة مرة، في إحدى عشرة آية، جاءت مرة مجموعة، ومرة أخرى مفردة، وجاءت مرة مضافة، ومرة أخرى مجردة عن الإضافة، وقد جاءت بمعنيين اثنين في القرآن: الأول: وقائع الهلاك بالمكذبين للرسل. والثاني: المناهج والشرائع في الأمم السالفة.

وللعلماء والمفكرين تعريفات كثيرة للسنن الإلهية، وهي في الأغلب تتفق في المعاني، وتختلف في الألفاظ والمباني، أذكر عددا منها على النحو الآتي:

1- تعريف سيد قطب: هي “النواميس التي تحكم حياة البشر وفق مشيئـة الله الطليقة، وأن ما وقع منها في الماضي يقع في الحاضر إذا أصبحت حال الحاضرين مثل حال السابقين” ([8]).

2- تعريف عبد الكريم زيدان: السنن الإلهية هي: “الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعالهم وموقفهـم من شرع الله وأنبيائه وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة” ([9]).

3- تعريف القرضاوي: “القوانين الثابتة التي أقام الله عليها نظام الخلق، باعتبار أنها الطريقة المعتادة التي يجري عليها القدر في سياسة الخلق عامة، وفي عقاب المكذبين خاصة”([10]).

4- تعريف هيشور: “مجموعة القوانين التي يسير وفقها الوجود كله وتتحرك بمقتضاها الحياة وتحكم جزئياتها ومفرداتها فلا يشذ عنها مخلوق”([11]).

5- تعريف الخطيب: “منهج الله تعالى في تسيير هذا الكون، وعمارته، وحكمه، وعادة الله في سير الحياة الإنسانية، وعادته في إثابة الطائعين وعقاب المخالفين طبق قضائه الأزلي على مقتضى حكمته وعدله” ([12]).

6- تعريف بكار بأنها: “حكم الله المطَّرِد في المكوَّنات”([13]).

 بالنظر إلى التعريفات السابقة يمكن ملاحظة ما يأتي:

– حضور الدلالة اللغوية الأصلية لمعني السُّنة، وهي الطريقة والعادة، وأضافت بعض التعريفات القوانين والنظام.

– سلطت بعضها الضوء على الوظيفة والفاعلية للسنن في التدافع والتداول.

– التمييز بين السنن الكونية والاجتماعية والجمع بينهما في التعريف، وهناك من نظر إليها في بعدها الاجتماعي التاريخي دون التعرض للسنن الكونية.

وأرى أن هذه التعريفات على تنوعها تتكامل وتتعاضد في بيان مفهوم السنن، وطبيعتها، وأبعادها المختلفة، ومجالاتها المتنوعة.

المطلب الثاني: أهمية فقه السنن الإلهية

يمكن أن نجمل أهمية وضرورة فقه السنن في النقاط الآتية:

1- فقه السنن جزء لا يتجزأ من الدين والمعرفة والإحاطة به، واستثماره، والعمل بمقتضاه، واجب شرعي، ومطلب واقعي، إذ من مقتضيات التكليف إعمال النظر والاعتبار، وإقامة العمران، وتحصينه من عوامل الاندثار، وعلل الانحطاط([14]).

2- إن السنن الإلهية تمثل إرادة الله، وأقدار الله وأوامره ونظامه في تسيير الكون، وعدم الإيمان بها، وإدراكها والكشف عنها، ومن ثم القدرة على تسخيرها يعد اختلال في الإيمان، واستسلام وجبرية وعطالة، وانحسار للرؤية، وانطفاء للفاعلية([15]) تتنافى مراد الله وأمره

3- فقه السنن تأصيلا وتنزيلا من خلال أسباب انهيار العمران، وأحوال الأمم السالفة، والاعتبار بما حصل لها يشكل عونا لنا؛ لتلمس مواطن الضعف والخلل في مسيرة الأمة الحضارية، ويدفعها للأخذ بعوامل النهوض، وتجنب أسباب السقوط([16]).

4- يشكل فقه السنن منارا لنا، وهاديا؛ لتسخير الكون بكل ما فيه من أجل فهم أشمل وأكمل للحياة، وبالتالي لامتلاك الأدوات المساعدة على استشراف المستقبل من خلال تلك السنن([17])، وبذلك يستطيع الإنسان القيام بمهمة الاستخلاف في هذه الأرض، وأداء أمانة الشهادة على الناس.

5- إن السنن الإلهية تقدم قراءة شاملة متكاملة للتاريخ من خلالها نفهم التاريخ على حقيقته، ونعرف عوامل البناء والنهوض، وعوامل الهدم والسقوط، وأسباب النصر والهزيمة والنجاح والفشل، ولماذا حلت بنا الهزائم والمصائب، وأصابنا الركود والتخلف، بينما انتصر الآخرون علينا، وتقدموا في كل مجالات الحياة.

إن معرفة التاريخ من خلال السنن يبعث الوعي، ويشحذ الهمم للخروج من حالة التخلف الحضاري، والعمل على التخلص من أسباب الضعف، ويجنب الأمة مصارع السابقين([18]).

6- إن فقه السنن يسهم في إرساء قواعد تفكير منهجي ومعرفي يعمل القراءتين الكتاب المنظور (الكون)، وما فيه من ظواهر مادية، وتاريخية، وإنسانية، وأسرار، وسنن بهدف تسخيرها، وقراءة الكتاب المسطور (القرآن) للاستهداء ببصائره، وكشف سنن الأنفس والمجتمعات؛ تحقيقا لمقصد الخلافة والشهادة على الناس([19]).

المبحث الأول: تعريف عام بسورة الإسراء.

يتناول هذا المبحث إضاءة حول سورة الإسراء من حيث تسميتها، وبيان المكي والمدني منها، وفضلها، ومرحلة نزولها، ومحاورها على النحو الآتي:

المطلب الأوَّل: أسماء السورة

سورة الإسراء من قسم المئين([20]) الذي جاء فيه عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاة السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ»([21])، وهي إحدى المسبحات السبع([22])، التي ورد في فضلهن حديث العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ، وَقَالَ: « إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ »([23]) و ترتيبها في المصحف السورة السابعة عشرة، والسورة الخمسون في تعداد نزول السور المكية، حيث نزلت بعد سورة القصص وقبل سورة يونس، وعدد آياتها مائة وعشر آيات عند الجمهور، ومائة وإحدى عشرة عند أهل الكوفة.

وقدوردت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتسمية بعض السور كالفاتحة والبقرة وآل عمران وغيرها، ولم ترد أحاديث بتسمية جميع السور، وقد تتعدد أسماء السورة الواحدة، أو تقتصر على اسم واحد، وسورة الإسراء ورد تسميتها في السُّنة، وتعددت أسماؤها على النحو التالي:

1- سميت سُورةُ الإسراء في عهد الصحابة بسورة (بني إسرائيلَ) كما ورد عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَنامُ على فِراشِه، حتى يقرأَ كُلَّ لَيلةٍ بـ بني إسرائيلَ والزُّمَر»([24])، وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي»([25])، وذكرها البخاري في ترجمته في كتاب التفسير باسم سورة بني إسرائيل([26])، والترمذي في أبواب التفسير. ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها. وهو استيلاء قوم أولي بأس (الآشوريين) عليهم ثم استيلاء قوم آخرين وهم (الروم) عليهم.

 2- الإسراء عرفت بهذا الاسم، واشتهرت به، وسميت به في كثير من المصاحف وكتب التفسير، وصرح الألوسي بأنها سميت بذلك، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم واختصت بذكره.

3- وتسمى سورة سبحان، لأنها افتتحت بهذه الكلمة، ويلاحظ القارئ أن التسبيح يتكرر في آياتها، وهذا الاسم من اجتهاد العلماء، ولا يوجد دليل عليه من السُّنة النبوية.

المطلب الثاني: أقوال العلماء في مكّيَّة السورة من عدمِها:

فقد ذكر عامَّة أهل التَّفسير بأنَّ هذه السورة الكريمة مكيَّة، إلاَّ بعضها؛ فقال العلامة الإمام القرطبي: “هذه السورة مكّيَّة، إلاَّ ثلاث آيات: قوله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ [76] نزلت حين جاء رسولَ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم وفدُ ثقيف، وحين قالت اليهود: ليستْ هذه بأرض الأنبِياء، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ [الْإِسْرَاء: 80]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ ” [الْإِسْرَاء: 60]، وحكي عن مقاتل استِثْناء قوله ” وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ [الْإِسْرَاء: 107] وَقِيلَ: إِلَّا خَمْسَ آيَاتٍ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ الْمُبْتَدَأَةُ بِقَوْلِهِ ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ الْآيَة [الْإِسْرَاء: 33]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ الْآيَة [الْإِسْرَاء: 32]، وَقَوْلُهُ: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْآيَة [الْإِسْرَاء: 57]، وَقَوْلُهُ: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ الْآيَة [الْإِسْرَاء: 78]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ﴾ الْآيَة [الْإِسْرَاء: 26]. بيْنما ذكر الإمام فخر الدّين الرَّازي عن ابن عبَّاس أنَّها مكّيَّة غير قوله: ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ ﴾ [الإسراء: 76] إلى قوله: ﴿ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80] فإنَّها مدنيَّات، نزلت حين جاء وفد ثقيف.

يقول ابن عاشور: “وأحسب أن منشأ هاته الأقوال أن ظاهر الأحكام التي اشتملت عليها تلك الأقوال يقتضي أن تلك الآي لا تناسب حالة المسلمين فيما قبل الهجرة فغلب على ظن أصحاب تلك الأقوال أن تلك الآي مدنية. وسيأتي بيان أن ذلك غير متجه عند التعرض لتفسيرها”([27]).

المطلب الثالث: فضائل السورة ومرحلة نزولها.

روت السيدة عائِشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَنامُ على فِراشِه، حتى يقرأَ كُلَّ لَيلةٍ بـ بني إسرائيلَ والزُّمَر»([28])، وأنَّها مِن السُّوَرِ العَتيقةِ، ومِن قَديمِ ما حُفِظَ عند الصَّحابةِ: فعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي»([29]).

وهي من المسبحات السبع، التي ورد في فضلهن حديث العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ، وَقَالَ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ»([30])، وهي من المئين التي ورد في فضلها عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاة السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ»([31]).

مرحلة نزولها: نزلت هذه السورة في العهد المكي، حيث بلغ العناد، والجحود والجدال بالكفار أَوْجَه لمواجهة دعوة الإسلام، وبلغ النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم شأوا بعيدا، ووصل الصراع بين الحق والباطل حد المصادمة والاقتتال. خاصة بعد نزول سورة القصص التي جاءت فيها أخبار موسى وفرعون؛ وكيف كانت نهاية الأخير نذير شؤم لكل طاغية أثيم، فحمي وطيس الجدال مع الكفار حول هذا القرآن، ومصداقية الوحي الذي يسفه عقائدهم، وينسف باطلهم، ويندد بجاهليتهم، فعمدوا إلى التكذيب والتشكيك في صدق النبوة، وصحة الرسالة، وحاولوا النيل من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، والتنقيص من شأنه؛ فرموه بأقذع التهم من السحر والكهانة والجنون، وطفقوا يطلبون منه الخوارق التعجيزية التعنتية، زاعمين أن الهدف إنما هو التثبُّت من الدعوى.

المطلب الرابع: محاور سورة الإسراء.

تضمنت سورة الإسراء موضوعات ومحاور عديدة وهي:

1- الإخبار عن حدث عظيم ومعجزة لخاتم الأنبياء والمرسلين، وهي معجزة الإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليل، والتي هي دليل باهر على قدرة الله عز وجل، وتكريم إلهي لهذا النبي صلّى الله عليه وسلم.

2- شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وإثبات نبوته، وموقف القوم منه في مكة، وموقف القوم من القرآن الذي جاء به، وطبيعة هذا القرآن، وما يهدي إليه، وطبيعة الرسالة المحمدية امتيازها بطابع غير طابع الخوارق الحسية وما يتبعها من هلاك المكذبين بها([32]).

3- تقرير توحيد الله وتنزيهه عن النقائص، وإقامة الأدلة على تفرده بالإلهية، ونفي الشريك، ودحض عقائد الجاهلية الفاسدة، وافترائهم بنسبة البنات إلى الله، وإقامة الدليل على البعث والنشور.

4- الثناء على هدايات القرآن الكريم، وأنه البشارة للمؤمنين، والنذارة للكافرين، وبيان إعجاز القرآن، وذكر محاولة المشركين تعجيز النبي صلى الله عليه وسلم، ومطالبتهم بالخوارق المادية، وبيان أن الخوارق والمعجزات ليس من وظيفة الرسول، وأن الإعجاز القائم بهذا القرآن عقيدة ومنهجاً وأسلوباً للحياة فليكتفوا به.

5- تقرير التبعة الفردية في الهدى والضلال، والتبعة الجماعية في السلوك والتصرفات([33])، وسعادة الفرد أو شقاؤه في الآخرة منوطة بإرادته، وسعيه في الحياة الدنيا، والجزاء من جنس العمل.

6- بيان سنن الله سبحانه في إهلاك المفسدين، وتدمير المترفين الفاسقين، والمعاندين الذين يمارسون الاستفزاز للأنبياء والمصلحين.

7- الدعوة إلى جملة من الفضائل والآداب الاجتماعية من بر الوالدين، والإحسان لذوي القربى، والتوسط في الإنفاق، والوفاء بالعهد، وإيفاء الكيل والميزان وغيره، ونهت عن غوائل ورذائل اجتماعية منها قتل الأولاد، وقتل النفس التي حرم الله، والزنى، التبذير، واقتفاء الإنسان ما ليس له به علم، وغيره.

8- التذكير بنعم الله الجمة التي سخرها للناس في البر والبحر، وإعراض بعض الخلق عن ربهم بعد زوال الشدة والكرب، وتكريم الله لبني آدم وتفضيلهم على سائر الخلق.

المبحث الثاني: مفهوم الاستفزاز، ومصادره، ومدافعته.

الاستفزاز مصطلح قرآني انفردت به سورة الإسراء، حيث ورد في ثلاثة مواضع، وهي قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾[الإسراء: 64] وقوله: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] وقوله: ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا﴾ [الإسراء: 103]، فما هي دلالته، ومصادره، وعاقبته، وسبل مدافعته، هذا ما تعالجه المطالب المتوالية:

المطلب الأول: مفهوم الاستفزاز

للوقوف على دلالة مفهوم الاستفزاز لا بد من الرجوع إلى معاجم اللغة لاستجلاء معناه ومغزاه:

الدلالة اللغوية للاستفزاز

الاستفزاز: مصدر فعل فَزَزَ، وفزه فزا وأفزه: بمعنى أفزعه، وأزعجه، واستخفه.

ويتعدى الفعل بنفسه، فيكون بمعنى الإزعاج والإفزاع والاستخفاف، يُقال استفزه: بمعنى خدعه وختله حتى ألقاه في مهلكة، واستفزه الخوف: إذا استخفه([34]).

وقد يتعدى الفعل بحرف الجر مِنْ، فيأتي بمعنى الإخراج والاستئصال بالقتل أو الطرد، يُقال: استفزه من الشيء: إذا أخرجه منه، جاء هذا المعنى في قوله عز وجل: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾[الإسراء: 103] ([35]).

يتبين لي أن الاستفزاز هو الإخراج على وجه الخوف والاضطراب والهلع، أو القتل والاستئصال.

وأما اصطلاحا: فيمكن لي تعريف الاستفزاز: بأنه منهج شيطاني يهدف إلى إزعاج المؤمنين، والتضييق عليهم ماديا ومعنويا؛ لفتنتهم عن دينهم، أو إلجائهم إلى الخروج من ديارهم، أو محاولة قتلهم واستئصالهم.

أو منهج شيطاني يهدف إلى فتنة المؤمنين في دينهم أو إلحاق الأذى والضرر بهم.

المطلب الثاني: مصادر الاستفزاز

للاستفزاز مصدران، وهما الشيطان والطغيان، تحدثت عنهما سورة الإسراء، وتفصيلهما فيما يأتي:

أولا استفزاز الشيطان:

جاء الحديث عن دور الشيطان في استفزاز بني الإنسان في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾[الإسراء: 64]

وقد وردت لفظة الاستفزاز في سياق مخالفة إبليس لأمر ربه، وامتناعه من السجود لآدم عليه السلام، وتكشف عن حسد إبليس الذي رأى الفضيلة لنفسه قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾[الإسراء: 61]، ويبين عداوة إبليس لبني الإنسان الذي يتهددهم بالغواية عن سابق إصرار في قوله تعالى ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾[الإسراء: 62]، والاحتناك في قوله ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ وهو الاستئصال والاستيلاء، أي لأستأصلنهم وأسيطر على عقولهم بالإغواء، وأملك زمامهم، وأقودهم إلى المعاصي كما تقاد البهائم باللجم.

وشاءت إرادة الله أن يمتحن بني الإنسان بهذا العدو المستميت في إغوائهم وإضلالهم بكل الوسائل الممكنة من استخفاف وخداع للعقول، وتزيين للمعاصي والشرور، الوعود الزائفة فقال: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾[الإسراء: 64]، وهذه الآية تكشف عن وسائل الشيطان وقدرته على الاستخفاف، والخداع، والمكر ببني الإنسان، وتحمل في ذات الوقت تهديدا ووعيدا من الله للشيطان بأن سلطانه وقدرته محدودة بأولئك الذين يجنحون إليه، ويستجيبون لتزيينه، وأن مصيره ومن تابعه جهنم، وأنه لا سلطان للشيطان على من اتصل قلبه بالله، وأشرق نور الإيمان في روحه([36]).

وقد فصلت الآية في أساليب الشيطان ووسائله في استفزاز الإنسان على النحو الآتي:

1- صوت الشيطان: ﴿بِصَوْتِكَ﴾

 صوت الشيطان دعوته إلى معصية الله تعالى بكل أنواع الكلام من غناء فاحش، وقول ماجن، وأفلام ساقطة، ومسلسلات هابطة، وأفكار وضيعة، ومشاهد شنيعة، ونظريات مشؤومة، وفلسفات مسمومة تنشر وتذاع عبر وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الاجتماعي، والبث الفضائي، تزين الرذيلة، وتشوه الفضيلة، وتهدم الأخلاق وتزرع النفاق.

2- الإجلاب ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ

 إن الشيطان يحشد جنده وأتباعه من قوى الشر المتاحة الذين يأتمرون بأمره، ويتحركون برأيه، وينفذون خططه، وتسخير ما يملكون من عدة وعتاد وما يتاح من الوسائل للإيقاع بالإنسان في مهاوي الزيغ والضلال، ويبذلون جهدا مضاعفا للاستخفاف بالإنسان، والتسلط عليه والتحكم فيه، وفي قوله: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ تصوير لدور الشيطان وأتباعه في إضلال العباد بساحة الحرب وميدان القتال، يقول سيد قطب: “فهي المعركة الصاخبة، تستخدم فيها الأصوات والخيل والرجل على طريقة المعارك والمبارزات. يرسل فيها الصوت فيزعج الخصوم ويخرجهم من مراكزهم الحصينة، أو يستدرجهم للفخ المنصوب والمكيدة المدبرة. فإذا استدرجوا إلى العراء أخذتهم الخيل، وأحاطت بهم الرجال”([37])، وهذه الاستعارة لصورة المعارك؛ لبيان خطورة الأمر، وضرورة اليقظة لمكائدهم، والمواجهة لمكرهم، والاستعداد لإبطال كيدهم، وكشف زيفهم، ووقف زحفهم.

3- المشاركة في الأموال والأولاد: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾

مشاركة إبليس وأتباعه في الأموال تشمل كل تصرف في المال كسبا له من حرام، أو إنفاقه في الحرام، والصد عن سبيل الله([38])، وهناك دول غنية اتبعت الشيطان، فسخرت أموالها في نشر الفساد، وقتل العباد، وتشويه الحقائق، وتزيين الباطل، وإغراء الأتباع المرتزقة بالثراء لتنفيذ مخططاتهم المشؤومة، والله يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: 36] وقد توعد الله أن يجتمع عليهم الحسرة على ضياع المال، والغلبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

والمشاركة في الأولاد تكون بالإغراء والإغراق في العلاقات المحرمة كالزنا، وتزيين الشذوذ والموبقات، فيؤدي إلى انتشار الفواحش، واختلاط الأنساب، وتفكك الأسرة، ودمار المجتمع، فالجيل الذي يعيش لإشباع شهواته، تلبية رغباته، وتتبع ملذاته لا يتنصر بهم دين، ولا ينهض بهم مجتمع، ويسهل وقوعهم في قبضة عدوهم، وخداعهم لتمرير مكائد هدم الأمة من داخلها، وبأيدي أبنائها.

4- الوعود الزائفة: ﴿وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾

الوعود الزائفة من أخطر وسائل الشيطان في خداع الإنسان، كالوعد بالغنى من الحرام، أو الإفلات من العقوبة، أو السعادة بتناول المحرمات وتعاطي الممنوعات، أو الإغراء بالعفو بعد الوقوع في الفواحش والموبقات([39]) وغيرها من الوعود الزائفة التي تنطلي على ضعاف النفوس وما هي إلا سراب بقيعة ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: 120] ثم تتجلى شمس الحقائق، ويكذب الشيطان وعده، فإذا أوهام السعادة شقاء وضنك، وظلام في النفس، وضيق في الصدر، مصداقا لقوله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى﴾ [طه: 124] ومما يجدر التنبيه عليه أن بعض الناس والقرناء يقوم بدور الشيطان في الخداع بالوعود الخادعة “ويدخل في وعد الشيطان وتمنيته ما يكون من أوليائه من الإنس، وهم قرناء السوء الذين يزينون للناس الضلال والمعاصي ويمدونهم في الطغيان وينشرون مذاهبهم الفاسدة وآراءهم الضالة التي يبتغون بها الرفعة والجاه والمال، وهؤلاء يوجدون في كل زمان ومكان”([40]).

ثانيا: استفزاز الطغيان:

المصدر الثاني للاستفزاز هو قوى الشر والطغيان ودهاقنة الاستبداد وقد ورد الحديث عن هذا المصدر في موضعين من سورة الإسراء، هما:

الأول: استفزاز كفار مكة وطغاتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولتهم مساومته وفتنته عما أوحى الله إليه ليفتري عليه غيره، ولو استجاب وتنازل لهم لاتخذوه خليلا ولولا فضل الله أن ثبت رسوله وعصمه، فلم يَفْتَرِ على الله جلَّ وعلا غير ما أوحى إليه، لركن إليهم شيئًا قليلًا، ولاقى عاقبة الركون لفتنة المشركين والتنازل عن ثوابت الدين ولو واحدا منها لأذاقه الله ضعف العذاب في الدنيا والآخرة.

 ولما فشلت محاولة استمالة النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق، أو قبوله بالحلول الوسط، والتقائه معهم في منتصف الطريق بدأ المشركون بالتضييق على النبي صلى الله عليه وسلم واستفزازه بكل السبل والوسائل لإجباره على الخروج من مكة المكرمة قال تعالى ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ [الإسراء: 76]، ولكن اللّه أوحى إليه أن يخرج هو مهاجرا، لما سبق في علمه من عدم إهلاك قريش بالإبادة. ولو أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنوة وقسرا لحل بهم الهلاك ﴿وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[الإسراء: 76] ([41])، فهذه هي سُّنة اللّه النافذة: ﴿سُّنة مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾[الإسراء: 77]، ولقد جعل اللّه هذه سُّنة جارية لا تتحول، لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق التأديب الحاسم. وهذا الكون تصرفه سنن مطردة، لا تتحول أمام اعتبار فردي. وليست المصادفات العابرة هي السائدة في هذا الكون، إنما هي السنن المطردة الثابتة. فلما لم يرد اللّه أن يأخذ قريشا بعذاب الإبادة كما أخذ المكذبين من قبل، لحكمة علوية، لم يرسل الرسول بالخوارق، ولم يقدر أن يخرجوه عنوة، بل أوحى إليه بالهجرة. ومضت سُّنة اللّه في طريقها لا تتحول ([42]).

والثاني: استفزاز فرعون لموسى وأتباعه

عرضت سورة الإسراء للمشهد الأخير، وبلوغ المعركة ذروتها بين موسى وفرعون، والنهاية البائسة لفرعون وجنده بهلاكهم غرقا في اليم، ونجاة موسى والمؤمنين من بني إسرائيل من كيد الظالمين عند قول الله تعالى: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾[الإسراء: 103]، فهذه الآية تسلط الضوء على اللحظة الحاسمة من القصة، فالمواجهة بين موسى وفرعون التي استخدم فيها فرعون دهاقنة السحرة انتهت إلى إذعانهم للحق، وانقلابهم إلى مؤمنين أبرار، وجهرهم بالإيمان دون خشية من العواقب، وهزيمة فرعون على رؤوس الأشهاد عندها لجأ فرعون إلى التهديد بالعذاب والوعيد بالنكال

فأوحى الله إلى موسى أن يسري بعباده ليلا، فلما علم فرعون تبعهم بجنده وتقفوا أثرهم، فلما أدركوهم عند البحر عزم على قتلهم، واستئصالهم، والتخلص منهم، وإبادتهم، «فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ»([43])، وفي تلك اللحظة الحرجة، وقد بلغ الكرب مداه، ولا سبيل للنجاة، فالبحر من أمامهم، والعدو من خلفهم، ﴿قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾[الشعراء: 61] لكن موسى يقينه بربه وثقته به تامة ﴿قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[الشعراء: 62]، فأوحى الله إلى موسى ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾[الشعراء: 63]، فوقف الماء على جانبي الطريق كالطود العظيم، فسلكه موسى ومن معه، فكان سبيلا لنجاتهم، واقتحمه فرعون وجنوده، فكان هلاكا لهم ﴿فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ [الإسراء: 103-104].

وهكذا كانت عاقبة الطغيان والتكذيب بآيات الله، فقد مضت سنته سبحانه في إهلاك الظالمين، وتمكين عباده الموحدين، وإسكانهم في الأرض التي كانوا يستضعفون فيها([44]) ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص، الآية 6]، ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾] إبراهيم، الآية 14].

وهذا المشهد من القصة سيق لإنذار مشركي مكة، وتخويفهم، وتهديدهم بأن عاقبة مكرهم وكيدهم ومحاولاتهم آيلة إلى ما صار إليه مكر فرعون وكيده، فقد أضمر المشركون إخراج النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من مكة، فمثلت إرادتهم بإرادة فرعون استفزاز موسى وبني إسرائيل من الأرض([45]).

المطلب الثالث: سُّنة الله في عاقبة الاستفزاز

إن الاستفزاز منهج شيطاني استخدمه الطغاة والمستبدون قديما وحديثا حيث قاموا بالتضييق على دعاة الحق وإزعاجهم، وإخراجهم من ديارهم، ونفيهم من أرضهم؛ لإرغامهم على التنازل عن مبادئهم، وقد تحدث القرآن في أكثر من موضع عن إخراج الأنبياء، وطردهم من ديارهم، وهو من أقسى العقوبات على النفس قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾[إبراهيم: 13]، وقال عز من قائل: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[الأعراف: 82]، وغيرها من الآيات، أو الاستفزاز بالقتل والاستئصال والإبادة كما قال الله تعالى حكاية عن فرعون: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26] ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127]، وقوله تعالى عن مؤامرة قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم لقتله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾[الأنفال: 30] وهناك من قتل بالفعل من الأنبياء ودعاة القسط، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: 21]، والمراد بهذه الآية اليهود خاصة، وقد نسب إليهم قتل النبيين، وهموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في زمن نزول الآية، وقد تكرر في القرآن ورود قتل بني إسرائيل أنبياءهم بغير حق، مثل قول الله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]، وقوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].

وسورة الإسراء تؤكد أن سُّنة الله ماضية في القساة الطغاة لم يفلت منها أحد من المجرمين الأولين، وبالأخص فرعون وجنوده، عندما أراد أن يستفزَّ بني إسرائيل وسيدنا موسى من الأرض، ولن يفلت منها جبابرة العصر وطغاته الذين يستفزون دعاة القسط من الناس، ﴿سُّنة مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾[الإسراء: 77]، فجعل الله عقوبة الاستفزاز سُّنة جارية لا تتحول، وعادة مطردة لا تتغير، كلما أخرجت أمة نبيها نالها العذاب، واستأصلها الهلاك، ولم تلبث بعده إلا قليلا([46]).

وعناية القرآن بمشهد نجاة موسى وبني إسرائيل وهلاك فرعون وجنوده الذي جاء مُفَصَّلاً في سورة الشعراء التي تحدثت عن مشهد الفَلْق للبحر ما لم تذكره سورة أخرى، وورد مُجملاً في مواضع من البقرة، والأعراف، والأنفال، ويونس، والإسراء، وطه، والزخرف، والدخان، والذاريات، والمزمل، يحمل البشرى، ويمد الأجيال بالأمل أن ليل المحنة سيطوى قريبا، وعتمة الأزمة ستنجلي، وفجر الفرج سيشرق، وضياء الحق سينبعث، وأن الاستضعاف سيتبدل إلى قوة واستخلاف، وبعد الخوف والتشريد أمن وتمكين، ولن يخلف الله وعده، وستطوي سننه التي لا تحول ولا تزول المكذبين البغاة، ويدمر ما يصنعه فراعنة العصر من فساد واستبداد.

ولا شك أن اليهود المحتلين لفلسطين اليوم في مقدمة شياطين الإنس الذين يمارسون الاستفزاز بكل صوره لأهل فلسطين تقتيلا وتشريدا، ونفيا وسجنا؛ لأنهم لم يركنوا إليهم شيئًا قليلا؛ بالتنازل عن الحقوق والثوابت، ووعد الله لنا أن تجري عليهم سنته في هلاك المستفِزين وفق قوانين الله في المرسلين، أو نكون نحن العباد الذين يسومونهم سوء العذاب، ويتبّروا ما علوا تتبيرا، وهذا يبعث على الاطمئنان بأنهم يحفرون قبورهم ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.

المطلب الرابع: مدافعة الاستفزاز

تناولت سورة الإسراء وسائل مدافعة الاستفزاز بما يتناسب مع مرحلة المواجهة بين الإسلام والكفر في العهد المكي، وحالة الاستضعاف التي عاشها المسلون الأوائل في مكة، وهذه الوسائل هي على النحو الآتي:

1- الثبات على الثوابت:

الثبات على الدين والتمسك بالنهج القويم قوة معنوية تبعث على الصمود في وجه الإغراء والإغواء، والثبات سر النجاح في تحقيق الأهداف، والوصول إلى الغايات، وهو ضريبة النصر والتمكين، وهو نعمة عظيمة امتن الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}، فحاجة المؤمن إلى توفيق الله وتثبيته أمام الشدائد والمغريات التي تعرض له في طريق الحياة ملحة، وإلا زاغ عن الدين، وانحرف عن الطريق المستقيم، ولهذا كان من دعاء الصالحين الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يثبته على دينه: كما في حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»([47])، وعَنْ رَجُلٍ مَنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، قَالَ: صَحِبْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا سَلِيمًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ»([48])

                إن المطلوب هو الدخول في الإسلام كافة، وعدم التفريط في أيٍّ من أوامره ونواهيه، فالدين لا يقبل المساومة ولا المداهنة، ولو ترتب على الثبات الإخراج من الديار، فإنه أهون من الخروج من الدين، والكفار لن ييأسوا من محاولة فتنتنا عن بعض ما أنزل الله إلينا، فطبيعتهم أنهم وَدُّوا لوتُدْهِنُ فيدهنون، ويكرهون أن يروا الناس مبصرين يمشون في النور مهتدين، ولهذا يحاولون حرف المؤمنين عن المنهج ولو قليلا؛ ليتمكنوا بعد ذلك من حرفهم بالكامل في نهاية الطريق.

2- عدم الركون إلى المشركين

حذر القرآن الكريم أشد تحذير من الركون إلى الظالمين والمستبدين في قوله تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود: 113] والمراد بالركون: الميل والاطمئنان إليهم، والرضا بما هم عليه، وموافقتهم في أمورهم أو مطالبهم([49])، وهذا النهي شامل لكل أشكال التقارب من المشركين لما فيه من الفتنة عن الدين، والتنازل عن بعض ما أنزل الله، وقد كشفت آية سورة الإسراء ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} عن عصمة الله نبيه عليه الصلاة والسلام من الركون إلى قريش التي حاولت فتنته عما أوحى الله إليه، ومساومته على القبول بأن يَكُفَّ عن تحقير آلهتهم في مقابل إيمانهم به، أو أن يجعل لهم مجلساً خاصاً، دون بقية أصحابه من الضعفاء والمساكين، إذْ لا يليق بالكبراء أن يجمعهم بهؤلاء مجلس واحد، ولو فعل الرسول شيئاً مما راودوه عليه لاتخذوه صديقاً حميماً([50])؛ لأجل أن يغروه بترك جميع ما أوحي إليه من ربه، والكف عن تبليغه.

إن محاولات الظالمين والمستبدين إغراء أصحاب الدعوات بالرضا بالحلول الوسط، والتنازل الطفيف عن بعض الثوابت من أجل تقريب وجهات النظر، والالتقاء في منتصف الطريق، وقد تبدو هذه المطالب للوهلة الأولى أنها هينة، ولكنها طرف الخيط للتسليم الذي إن أمسك به المشركون لن تقف المطالب عند حَدٍّ، والاستدراج للتنازل يتزايد كلما رجع صاحب الحق خطوة للوراء، وقد يُخَيَّلُ لحملة الدعوة أن التقارب، والالتقاء في منتصف الطريق، خير من المفاصلة، فأهل الباطل يخاصمون الحق لجهلهم به، فإذا حصل الاقتراب منهم أمكن أن يسمعوا كلام الله، وأن يَحُسَنَ إسلامهم فيما بعد([51])، وهذا فهمٌ خاطئ؛ لأن التنازل، ولو عن جزءٍ ضئيل، يفقد الهيبة، ويكشف عن ضعف الإيمان بالفكرة، وعن نوعٍ من الهزيمة الروحية، وهو ما يغري أصحاب السلطان بمزيد من الإغراء أو الضغط؛ حتى ينقلب على عقبيه، ويرتد عن دعوته؛ لأن الانحراف في بداية الطريق مؤذن بالانحراف الكامل في نهايته([52]).

3- الصلاة وقيام الليل

وجه الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام إلى الصلاة وقيام الليل باعتبارهما من أهم الزاد في مواجهة الاستفزاز، ولما لهما من أثر كبير في تثبيت المؤمنين في الطريق، والاستمداد الروحي الذي يمنح المؤمن الصمود والتّحدّي، فقال سبحانه: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} [الإسراء: 78] وإقامة الصلاة في أول النهار وإقبال الليل لهما وقعهما العميق في النفس، فإن مقدم الليل وزحف الظلام، كمطلع النور وانكشاف الظلمة.. كلاهما يخشع فيه القلب، وكلاهما مجال للتأمل والتفكر في نواميس الكون التي لا تفتر لحظة ولا تختل مرة. وللقرآن – كما للصلاة – إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته، ونسماته الرخية، وهدوئه السارب، وتفتحه بالنور، ونبضه بالحركة، وتنفسه بالحياة([53]).

والعبادة فرضا أو نافلة منهج تربية، وتهيئة، وإعداد؛ لتحمل التكليف، ومكابدة المشاق، ومجاهدة النفس والأعداء، فالدور المنوط بالمؤمنين عظيم، وطريق الدعوة شاق وطويل، والصلاة وترتيل القرآن وقيام الليل يوثق الصلة بالله، ويفيض بالطمأنينة على القلب، ويغرس الثقة في النفس، ويبعث العزيمة، ويحيي الهمة، ويبث الأمل، فيتقدم المؤمنون في طريق الشهادة على الناس، وإحقاق الحق بقوة معنوية، وروح وثابة، تعاند الباطل بصبر وجلد، حتى يزول ويضمحل ﴿إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً} [الإسراء: 81].

4- الدعاء

الدعاء عبادة لله رب العالمين، وسُّنة الأنبياء والمرسلين، وديدن الصالحين المهتدين، وسلاح المؤمنين؛ وبالدعاء يُدفع شرَّ القضاء، ويعالج البلاء، ويكشف الضراء والبأساء، ويرفع السوء والشقاء، وينزل الخير والعطاء، فمن لجأ إلى ربه، ولاذ بجنابه، وتضرع إليه، وأظهر فاقته بين يديه، استجاب له، فأمده وأعطاه، وحقق له مناه، وكشف بلواه، ونصره على من آذاه، وقد جاء التوجيه الإلهي في سورة الإسراء للنبي صلى الله عليه وسلم تعليما له ولأمته من بعده بالتوجه إليه بالدعاء بصدق المدخل والمخرج والتأييد في قوله: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾، والمراد أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور، ويحاول من الأسفار والأعمال، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة([54])، وهو كناية عن صدق رحلة الحياة كلها، ابتداءً وختاماً وما بينهما([55])، وهذا التلقين بسؤال التوفيق والصدق في الخروج من مكان والدخول إلى مكان كي لا يضره أن يستفزه أعداؤه من الأرض ليخرجوه منها([56])، وعطف الله عليه سؤال التأييد والنصر بأن يجعل له الله حجة بينة، وملكا وعزا عظيما، وغلبة وقهرا لمن عاداه، وقد آتاه الله ذلك كله، فنصره على أعدائه، وسخر له من لم ينوه بنهوض الحجة، وظهور دلائل الصدق، ونصره بالرعب([57]).

ومن أعظم ما يسأل العبدُ ربَّهُ الإخلاص، فلا يدخل في أمر ولا يخرج منه إلا صادق التوجه، مخلص القصد، ﴿قُلُ اُ۟دْعُواْ اُ۬للَّهَ أَوُ اُ۟دْعُواْ اُ۬لرَّحْمَٰنَۖ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ اُ۬لَاسْمَآءُ اُ۬لْحُسْن۪يٰۖ﴾ [الإسراء: 110].

5- الاتصال باللّه والاستمداد من عونه

الاتصال بالله، والاعتماد عليه، والثقة به، والاطمئنان إلى رعايته، واستمداد العون منه، والتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، يحصن صاحب الدعوة من الضعف والانكسار، أو الخوف والانهيار أمام استفزاز شياطين الجن والإنس، ويحميه من التنازل والتسليم، ويمنحه الصلابة والقوة، فلا يخشى إلا الله، ولا يعمل حسابا إلا لله، والاتصال باللّه هو السلاح الذي يعصم صاحبه من الفتنة والاستفزاز، ويكفل له النصر على أعدائه الذين يكيدون لدعوته، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر، ويمنحه السلطان والقوة الظاهرة، والحجة الواضحة.

ولا شك أن استمداد العون من الله، ودوام الصلة به صلاة، وتلاوة، ودعاء وسائل بالغة الأهمية في استحقاق التثبيت، والنصر على الأعداء، وإعلاء كلمة الحق، وإزهاق الباطل.

الخاتمة

بعد هذه الرحلة الماتعة في تتبع سُّنة عاقبة الاستفزاز في سورة الإسراء توصلت إلى أهم النتائج وهي:

  • الاستفزاز من الأرض بالإخراج من الديار، والتهجير من الأوطان، أو بالقتل والاستئصال منهج شياطين الجن والإنس، ووسيلة قديمة ومعاصرة تستخدم لفتنة الناس عن دينهم ومساومتهم عن حقهم.
  • أن محاولة مساومة الطغاة لأصحاب الحق تبوء بالفشل أمام ثبات المؤمنين، وتمسكهم بحقهم، وعدم التفريط بالمنهج، أو القبول بالمداهنة.
  • إن الاتصال بالله واستمداد العون منه بالصلاة، وقيام الليل، والترتيل، والدعاء من أهم وسائل استحقاق نجاة المؤمنين، وإهلاك الطغاة والكافرين الذين يستفزون المؤمنين من الأرض بالإخراج أو الاستئصال.
  • إن حالة الضعف وعدم القدرة على مواجهة المستفِزين لا تجيز التنازل أو القبول بالحلول الوسط، والتسليم بما يريده أعداء الدين.
  • إن وسائل مدافعة الاستفزاز من الأرض المذكورة في سورة الإسراء، تتناسب مع حالة الاستضعاف، والمطلوب من المؤمنين السعي الحثيث في امتلاك القوة الممكنة لجهاد من يحاول استفزازهم من الأرض.

المصادر والمراجع

 ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، الدار التونسية، 1984م.

ابن عطية، عبد الحق بن عطية- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، وزارة الأوقاف، قطر، ط1، 2015م.

ابن كثير، إسماعيل بن عمر- تفسير القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ه.

ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، دار صادر، ط1، بيروت.

أبو داود، سليمان بن الأشعث- سنن أبي داود، المحقق: شعَيب الأرنؤوط – محَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة، 2009م.

أبو شهبة، محمد- الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، عالم المعرفة بجدة، 1413ﻫ/1983م.

الآمدي، سيف الدين علي بن أبي علي- الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت.

البخاري، محمد بن إسماعيل- صحيح البخاري، الرسالة ناشرون، 2018.

البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبوية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2018م.

البيهقي، أحمد بن الحسين- شعب الإيمان، مكتبة الرشد، 2003م.

الترمذي، محمد بن عيسى- سنن الترمذي، دار الغرب، بيروت، ط1، 1998.

الجرجاني، علي- التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه‍.

الحاج جاسم، بكار- سنن الطبيعة والمجتمع في القرآن الكريم “دراسة تأصيلية تطبيقية”، دار النوادر بدمشق، ط1/2012م.

حسنه، عمر عبيد- المنهج السنني أفق حضاري متجدد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 2009.

حوى، سعيد- الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، ط6، 1424ه.

خصاونة، عماد وقزق، خضر- السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل، مجلة المنارة، المجلد15، العدد 2، 2009م.

الزحيلي، وهبة- الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر بدمشق: ط4.

الزحيلي، وهبة- التفسير المنير، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط1، 1418ه.

زيدان، عبد الكريم – السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد، مؤسسة الرسالة، ط3، 2002م،

السعدي، عبد الرحمن- تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الراسالة، ط1، 2000م.

شريف الخطيب، السنن الإلهية في الحياة الإنسانية، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ط1، الرياض، 2004م.

 الفخر الرازي، محمد بن عمر- مفاتيح الغيب، دار الفكر، 1981م.

القرضاوي، يوسف- مدخل لدراسة السُّنة النبوية، مؤسسة الرسالة، 1990م

قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م.

كهوس، رشيد- السنن الإلهية من الوعي النظري إلى التأسيس العملي، مركز جمعة الماجد، دبي، ط1، 2015م.

المراغي، أحمد- تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، 1365 هـ – 1946 م.

المناوي، محمد – التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق د. محمد رضوان الداية، عالم الكتب، ط1، بيروت، 1410هـ.

الميداني، عبد الرحمن- معارج التفكر ودقائق التدبر، دار القلم، دمشق، ط1، 2002م.

هيشور، محمد- سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996م.


  • ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، دار صادر، ط1، بيروت، ج13، ص220.
  • ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، 13/225.
  • الجرجاني، علي- التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه‍، ص161.
  • المناوي، محمد – التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق د. محمد رضوان الداية، عالم الكتب، ط1، بيروت، 1410هـ، ص198.
  • الآمدي، سيف الدين علي بن أبي علي- الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1/156.
  • أبو شهبة، محمد-  الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، عالم المعرفة بجدة، 1413ﻫ/1983م، ص 16.
  • الزحيلي، وهبة-  الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر بدمشق: ط4، 1/ 52.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م، 1/480.
  • زيدان، عبد الكريم – السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد، مؤسسة الرسالة، ط3، 2002م، ص13.
  • القرضاوي، يوسف- مدخل لدراسة السنة النبوية، ص10.
  • هيشور، محمد- سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996م،  ص27.
  • شريف الخطيب، السنن الإلهية في الحياة الإنسانية، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ط1، الرياض، 2004م، ص27.
  • الحاج جاسم، بكار- سنن الطبيعة والمجتمع في القرآن الكريم “دراسة تأصيلية تطبيقية”، دار النوادر بدمشق، ط1/2012م، 19.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبوية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2018م، ص192.
  • حسنه، عمر عبيد- المنهج السنني أفق حضاري متجدد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 2009، ص29.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبوية، ص196.
  • خصاونة، عماد وقزق، خضر- السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل، مجلة المنارة، المجلد15، العدد 2، 2009م، ص215.
  • كهوس، رشيد- السنن الإلهية من الوعي النظري إلى التأسيس العملي، مركز جمعة الماجد، دبي، ط1،2015م.، ص100-101.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبوية، ص201.
  • المِئُون، هي السور التي يقترب عدد آياتها من المائة أو تزيد.
  • البيهقي، شعب الإيمان، ح2484.
  •  هي السور التي في أوائلها سبحان، أو سبح بالماضي، أو يسبح، أو سبح بالأمر، وهي سبع: {سبحان الذي أسرى} [الإسراء: 1] والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى. 
  • سنن أبي داوود، كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم، ح5057.
  • سنن الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح2920.
  • صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]، ح4739.
  • صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب سورة بني إسرائيل، ح4708. ” العتاق جمع عتيق، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا، وقوله: (من العتاق الأول) أي: من قديم ما نزل، والأُول: الأولية باعتبار حفظها أو باعتبار نزولها؛ لأنها مكية، والتلاد ما كان قديما وقوله (وهن من تلادى) أي: من قديم ما قنيت وحفظت من قديم ما أخذت من القرآن، وذلك أن هذه السور نزلت بمكة “
  • ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، الدار التونسية، 1984م، 15/6.
  • سنن الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح2920.
  • صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]، ح4739.
  • سبق تخريجه .
  • سبق تخريجه.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م، 4/2208.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م، 4/2208.
  • ابن منظور – لسان العرب، 5/391.
  • المرجع السابق،5/391.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م، 4/2239.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • المراغي، أحمد-  تفسير المراغي، دار الفكر، 2/217.  
  • انظر: الفخر الرازي، محمد بن عمر- مفاتيح الغيب، 21/381، ابن عطية- المحرر الوجيز، وزارة الأوقاف، قطر، ط1، 2015م، 6/209، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • انظر: الزمخشري، محمود بن عمرو- الكشاف، 2/698، المراغي- تفسير المراغي، 15/105، حوى، سعيد- الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، ط6، 1424ه، 6/3131، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • انظر: ابن عطية- المحرر الوجيز، 6/298، ابن كثير، إسماعيل بن عمر- تفسير القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ه، 5/116، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، 15/228.
  • انظر: ابن عطية- المحرر الوجيز، 6/261، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239.
  • سنن الترمذي، كتاب أبواب القدر، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّحْمَنِ، ح2140.
  • سنن الترمذي، كتاب أبواب الدعوات، باب منه، ح3407
  • انظر: ابن عاشور- التحرير والتنوير، 12/177، السعدي، عبد الرحمن- تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الراسالة، ط1، 2000م،  ص390، الزحيلي، وهبة- التفسير المنير، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط1، 1418ه،  ،12/ 169، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2239
  • انظر: الميداني، عبد الرحمن- معارج التفكر ودقائق التدبر، دار القلم، دمشق، ط1، 2002م،  9/797-798، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2245.
  • انظر: الميداني- معارج التفكر، 9/797.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2245.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2245.
  • انظر: ابن عطية- المحرر الوجيز، 6/270.
  • انظر: قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2247.
  • انظر: ابن عاشور- التحرير والتنوير، 15/186.
  • انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 5/102، الزحيلي- التفسير المنير، 15/148، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 15/186.