خاص هيئة علماء فلسطين

    

– فتاوى العلامة ابن عاشور نموذجا –

الدكتور حميد رمضان الصغير. أستاذ باحث جامعة محمد الأول وجدة المغرب.

ملخص البحث:

تكمن أهمية الاجتهاد المقاصدي في كونه يعبّر عن كمال الشريعة الإسلامية، وأنها جاءت لتحقيق مصالح المكلفين في العاجل والآجل، فضلا عن ذلك، أن هذا النوع من الاجتهاد يحد من النظرة الظاهرية المحضة للنصوص الشرعية في المجال الفقهي، والتي حولت الفقه الاسلامي إلى مجرد قوالب وقواعد نظرية بعيدة كل البعد عن الارتباط بالمقاصد والعلل والحكم التشريعية، فالمقاصد للاجتهاد ليست فقط أداة لانضاجه وتقويمه، ولكنها أيضا وسيلة لتوسيعه وتمكينه من استيعاب مجالات الحياة بكل تقلباتها وتشعباتها ونوازلها الجديدة والمستجدة.

والبحث يروم تلمس المقصود بالاجتهاد المقاصدي وإبراز أهميته وراهنيته وأثره في النوازل الفقهية عند أحد منظري المقاصد الشرعية المعاصرين وهو الإمام محمد الطاهر ابن عاشور.

الكلمات المفاتيح: الاجتهاد المقاصدي/ الفتاوى/النوازل/ مقاصد الشريعة.

search summary in english:

The importance of intentional ijtihad lies in the fact that it expresses the perfection of Islamic law، and that it came to achieve the interests of the taxpayers in the immediate and the future. Moreover، this type of ijtihad limits the purely apparent view of the legal texts in the field of jurisprudence، which transformed Islamic jurisprudence into mere theoretical templates and rules. Far from being linked to the purposes، the causes، and the legislative rule، the purposes of ijtihad are not only a tool for its maturation and evaluation، but also a means to expand it and enable it to absorb the areas of life with all its vicissitudes، ramifications، and new and emerging calamities.

The research aims to find out what is meant by intentional ijtihad، and to highlight its importance، currentness، and impact on jurisprudential calamities according to one of the contemporary legal maqasid theorists، Imam Muhammad al-Tahir Ibn Ashour.

Key words: Ijtihad maqasid / fatwas / calamities / objectives of the law.

توطئة:

الحمد لله الذي أنزل القرآن شريعة ومنهاجًا، وجعل السنة له شرحًا وتبيانًا، فاتضحت معالم الأحكام، واستبان الحلال والحرام، ثم أكملت المنة، وتمت النعمة على هذه الأمة ببقاء هذه الشريعة الخالدة، ودوام صلاحيتها لكل زمان ومكان، فلا ينضب معينها ولا ينفد عطاؤها، فهي تفي –أبدًا- بحاجات كل عصر، وتلبي مطالب كل دهر. فلا تجد حادثة إلا وللشريعة فيها حكم، ولا تنزل نازلة إلا ولأهل العلم والفتاوى فيها رأي وقول.

لقد من الله تعالى على الأمة الإسلامية أن أكمل دينها، وأتم نعمها، ورضي لها الإسلام دينًا، حيث أودع في أصوله وفروعه من عوامل المرونة والسعة ما يجعله مسايرًا للحوادث والمستجدات، سواء تعلق الأمر بالنصوص الثابتة، أو مقرًا بمبدأ الاجتهاد والنابع من أصالة الفكر في فهم النصوص وحسن تنزيلها في كل ما يجد في ميادين الحياة من وقائع، وما يلم بها من تطورات ومتغيرات ترجع إلى الزمان والمكان والحال، وما تقتضيه سنن الاختلاف من التدافع والخلاف.

ولما كانت نصوص الوحي محدودة ومحصورة؛ في حين أن النوازل الفقهية متجددة وغير متناهية، كانت الحاجة إلى الاجتهاد لفقه تلك النوازل والبحث عن جواب لها، وإلا وقع الناس في الحرج والمشقة.

إشكالية البحث:

لما كانت الشريعة كلية أبدية احتاج أهلها إلى النظر فيها للحكم على الوقائع بحسب الأزمنة والأمكنة والظروف والعادات. ولما كان النظر فيها ليس بواجب على كل مكلف إلا من توفرت فيه شروط معينة، وسمحت له مواهبه بتحصيل هذه الشروط التي هي وسائل للنظر –والمتوسل لابد له من وسيلة- ولما كان تعدد الوقائع وتشابك المسائل من طبيعة الحياة وسنة من السنن الإلهية المعتبرة، سلمنا بضرورة الاجتهاد ممن حصلت له الملكة، فالنصوص محدودة والوقائع غير محدودة، ومن ثم لزم الحكم على الوقائع الحادثة؛ لتعلق حق الله تعالى بها وحق العباد.

ولما كان الأمر بهذه المنزلة من الأهمية وجب وضع حد لكل ما يتعلق بهذا العمل، وهو التعريف بحكم الله تعالى في الوقائع غير المنصوص على حكمها، والاستعانة بوسائل الاجتهاد، ثم محاولة ربط الأحكام الشرعية بالحوادث، فهذه العملية مرتبط بعضها ببعض، ونتيجتها هي الاجتهاد في بيان الحكم الشرعي للنازلة.

 وتدور فكرة الاجتهاد عمومًا حول فهم النصوص الشرعية- والتي هي الكتاب والسنة- ومحاولة استخراج عللها التي شرعت من أجلها الأحكام مع الإحاطة بمقاصد الشريعة العامة، ثم ربط هذه الأحكام بالنوازل والمستجدات الحادثة.

فإلى أي حد التزم الطاهر بن عاشور بتطبيق رؤيته المقاصدية في فتاواه؟ وهل حضر الاجتهاد المقاصدي عنده بقوة؟ وهل استطاع أن يقوم بتنزيل أسس الاجتهاد المقاصدي من النظرية إلى التطبيق العملي؟ وما هي أهم معالم الاجتهاد المقاصدي عنده من خلال فتاواه؟ وكيف يسهم الاجتهاد المقاصدي في رد الاعتبار للتراث الفقهي، ومحاولة إعادة الروح المقاصدية له؟

أهمية البحث وأهدافه:

من الأمور المسلم بها، أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد ورفع العنت عنهم. وتحقيقًا لذلك فإن اعتبار مقاصد الشريعة من أهم ما يسدد عملية الاجتهاد في البحث عن الأحكام وتقريرها. فالمحجور على حرفية النصوص والمتمسك بظواهرها يفقد الشريعة روحها ومقصدها، ويجعل الفقه بلا روح… وهكذا وجب على المجتهد في النوازل أن يراعي تحقيق المصالح في أحكامه وفتاواه حتى لا يخرج عن كليات الشريعة ومقاصدها العليا.

فإذا تقرر هذا، فإنه وجب علينا أن نتجاوز مراحل التنظير للاجتهاد المقاصدي –والذي أثمر العديد من البحوث، والتي لا يمكن إلا الإشادة بها والتنويه بمضامينها ونتائجها- إلى وضع تصورات عملية لهذا الاجتهاد تمكننا من توظيفه في فهم أحكام النوازل الفقهية بفهم ينسجم مع روح الشريعة الإسلامية وحكمها ومصالحها.

لذلك سأحاول من خلال هذه الرؤية المتواضعة تلمس المقصود بالاجتهاد المقاصدي وأثره في أحكام النوازل الفقهية، من خلال أحد أعلام المذهب المالكي وأحد منظري المقاصد الشرعية، العلامة محمد الطاهر ابن عاشور.

وتبرز أهمية الاجتهاد المقاصدي في علاقته بالنوازل الفقهية فيما يأتي:

1-فهم نصوص الشريعة وتفسيرها ومعرفة دلالاتها الصحيحة وفقًا لمقاصد الشريعة ثم تنزيلها على المستجدات.

2- الترجيح بين الأدلة المتعارضة والتوفيق بينها.

3-الحكم على الوقائع والمستجدات التي لم يرد نص مباشر فيها.

4-تحقيق نظرة متوازنة ومعتدلة للأحكام: فهمًا، واستنباطًا، وتنزيلًا.

5-توجيه نظر المجتهدين والمفتين إلى روح النص وشموليته ومقاصده، بدلًا من الوقوف عند ظواهره أو التشبث بحرفيته.

أما أهداف البحث فأجملها فيما يأتي:

* تأصيل الاجتهاد المقاصدي في التراث الفقهي المالكي وحضوره بقوة في أحكام نوازله.

* الاطلاع على أهم معالم الاجتهاد المقاصدي وأسسه عند ابن عاشور من خلال فتاواه.

* إظهار الترابط المتين بين النظرية والتطبيق في الرؤية المقاصدية عند الإمام ابن عاشور.

 الدراسات السابقة في الموضوع:

لقد استاثر الاجتهاد المقاصدي باهتمام العديد من الباحثين والعلماء، فأنتجوا بحوثا وكتبا قيمة، منها ما يأتي:

– بحث مقدم منشور للدكتور نور الدين الخادمي تحت عنوان: “الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه، مجالاته ” فعلى الرغم من قوة الارتباط بين البحثين إلا أن بحث الخادمي جاء نظريًّا خاليًا من الشواهد التطبيقية من فتاوى ابن عاشور.

– بحث منشور في مجلة ” الإحياء” للدكتور محمد العبادي معنون بـ: “النظر المقاصدي وسؤال التجديد”، ويتحدث فيه عن التجديد في النظر المقاصدي، وبعض مباحثه النظرية فقط.

وقد اقتضى النظر المنهجي تقسيم البحث إلى مدخل تمهيدي وستة مباحث، يقوم أولها على بيان مفهوم الاجتهاد وتفصيل أنواعه، وسيجلي الثاني حقيقة الاجتهاد المقاصدي، ويبرز الثالث أهميته وضرورته، وأقف في المبحث الرابع عند مراحل الاجتهاد المقاصدي في تنزيله على الأحداث والوقائع. أما المبحث الخامس فخصصته للاجتهاد المقاصدي عند الطاهر بن عاشور من حيث حقيقته وأسسه، وجعلت المبحث السادس والأخير عمليًّا تطبيقيًّا ينصب على إبراز معالم الاجتهاد المقاصدي من خلال فتاوى الإمام الطاهر بن عاشور، ثم أختم بخاتمة أضمنها أهم النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: مدخل إلى مفهوم الاجتهاد وأنواعه

وقبل تفصيل أنواع الاجتهاد يحسن بي أن أعرف الاجتهاد لغة واصطلاحا؛ كل ذلك باختصار يفي بالمطلوب.

الاجتهاد لغة: مأخوذ من الجهد، وهو المشقة، وقيل: الجهد: المشقة، والجهد: الطاقة، وجهد يجهد جهدًا واجتهد كلاهما بمعنى: جدّ. قال الأزهري: الجهد بلوغك غاية الأمر الذي لا تَأْلُو على الجهد فيه، تقول جهدت جهدي واجتهدت رأيي ونفسي حتى بلغت مجهودي، وأجهد فيه الشيب إجهادًا، إذا بدا فيه وكثر، والجهد: الشيء القليل يعيش به الْمُقِل على جهد العيش؛ والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد وهو الطاقة[1]. وقيل بأن الاجتهاد والتجاهد هو بذل الوسع والمجهود… في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد[2]. ويعرفه الراغب الأصفهاني بقوله: “الاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة، يقال جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر”[3].

 أما الاجتهاد اصطلاحًا فلم يخرج عن معانيه اللغوية وأشهر تعريفاته ما يأتي: عرفه الإمام شهاب الدين القرافي بأنه: “استفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه فيه لَوْمٌ شرعي”[4].

وجاء في تعريفات الجرجاني: ” الاجتهاد بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الاستدلال”[5].

وعرّفه الفقيه الحجوي بأنه: ” استفراغ الوسع؛ لتحصيل ظن بحكم شرعي”[6].

إن استقراء كتب الأصول تطلعنا على تقسيمات الاجتهاد وتفصيلاته عند العلماء، حيث كان الاجتهاد عند الإمام الشافعي منحصرًا في الاستنباط والقياس، ثم برز الجديد بعده في مجاري العلل (تخريجًا وتنقيحًا وتحقيقًا)، وقد اعتبر بعض العلماء تحقيق المناط مسلكًا من مسالك العلة حتى ظهر الإمام الشاطبي ليصحح ذلك، ويكشف عن حقيقة المراد منه، ويميط اللثام عن نقطة أخرى ظهرت عند الإمام الجويني وهي الانقطاع وعدمه في الاجتهاد[7].

 وقد أجاد الشاطبي تفصيل مبحث الانقطاع من عدمه في الاجتهاد، ليضيف إليه أمرين بارزين، أحدهما: تقرير الاستقراء الشمولي للجزئيات منهجًا موصلًا إلى معرفة قطعية مقاصد الشارع اعتبارًا وإلغاء، وثانيهما: جمع العوارض المنفصلة إلى منع ما أصله الإباحة استثناء، أو إباحة ما أصله المنع استثناء كذلك. كل ذلك وفق موازنة واعية تجعل الكليات القطعية حاكمة على آحاد الجزئيات الظنية. وقبل هذا كله، فإن المجتهد منشغل بأمر آخر يتعلق بالاجتهاد في تصحيح النصوص وترتيبها حسب اعتبارات الثبوت والدلالة، وما ينتج عن ذلك من تقديم بعض النصوص على الأخرى، وربما ترجيح بعضها ببعض، أو تقديم أدلة كلية أخرى على آحادها أو مشتبهاتها وفق ما يعبر عنه الأصوليون بمبحث “التعارض والترجيح”.

 فإذا تقرر ذلك، فإن بعض العلماء قد حصروا الاجتهاد في خمس مراتب كبرى[8]، وهي أصل تقسيم الاجتهاد عند الدكتور أحمد الريسوني وإن بمسميات أخرى وهي: الاجتهاد الترجيحي[9]، والاجتهاد البياني[10]، والاجتهاد القياسي[11]، والاجتهاد التنزيلي[12]، والاجتهاد المقاصدي أو الاستصلاحي[13].

ووجه الحصر أن عمل المجتهد، إما أن يتعلق بالمنصوص عليه، أو بالمسكوت عنه، أو بالموازنة بينهما، فإذا تعلق عمله بالمنصوص عليه فلا يخرج عمله عما يأتي: إما ترتيب الأدلة الواردة في الاجتهاد تعارضًا وترجيحًا؛ أو اقتصار عمله على تحليل الأدلة تفهمًا واستنباطًا. فإذا تعلق عمل المجتهد بالمسكوت عنه فمداره على التقدير والإلحاق؛ وأما إذا تعلق عمله بالموازنة بين التقدير والإلحاق، فمدار اجتهاده على المصالح والمفاسد الشرعية جلبًا ودرءًا. وهي في كل ذلك أحكام مجردة تفتقر إلى التنزيل.

المبحث الثاني: حقيقة الاجتهاد المقاصدي

قبل البدء في بيان مفهوم الاجتهاد المقاصدي، وجب التنويه بأن هذا المصطلح فرض نفسه منذ بعض الوقت على الساحة الأكاديمية الإسلامية، وقد أثار ظهوره كثيرًا من الجدل بين المدافعين عنه والمناوئين له، ودون الخوض في مناقشة الرؤى الواردة حوله، فقد أصبح هذا النوع من الاجتهاد يعبر عن كمال الشريعة الإسلامية وتراثها التشريعي، حيث يستطيع أن يعالج العناصر الثابتة والمتطورة من متطلبات المشروع الإسلامي ونظامه على مستوى الفرد والجماعة والدولة، انطلاقًا من فكرة المقاصد ونظريتها. كما أن له الفضل في إعادة الاعتبار للجانب المنهجي في الدراسات المقاصدية، فالحديث عن المقاصد وتطورها وكذا أسباب نشأتها حديث بقدر ما يحضر فيه التاريخ يغيب فيه المنهج والتأصيل الذي يمثله الاجتهاد المقاصدي.

كما أن هذا النوع من الاجتهاد يحد من النظرة الظاهرية المحضة في المجال الفقهي، هذه العقلية التي حولت الفقه الإسلامي إلى مجرد قوالب وقواعد نظرية بعيدة عن الارتباط بالمقاصد والحكم التشريعية. وقد كان لهذه العقلية غير المقاصدية انعكاس واضح في مسألة الاجتهاد. فالمقاصد للاجتهاد ليست أداة لإنضاجه وتقويمه فحسب، ولكنها أيضًا وسيلة لتوسيعه وتمكينه من استيعاب مجالات الحياة بكل تقلباتها وتشعباتها.

وقد عرف “الاجتهاد المقاصدي” بتعريفات متباينة أورد أهمها، ثم نخلص إلى حد جامع له.

عرف الدكتور نور الدين الخادمي الاجتهاد المقاصدي بقوله: “العمل بمقاصد الشريعة والالتفات إليها والاعتداد بها في عملية الاجتهاد الفقهي”[14]. وعرفه الدكتور محمد بنعمر قائلًا: “هو تنزيل الكليات الشرعية على ما هو جزئي طارئ عن طريق تطبيق القواعد الفقهية والأصول العامة للشريعة الإسلامية مع المحافظة على ثوابت الشريعة الإسلامية وأصولها وقطعياتها في الأحكام العقدية والشرعية والقيم الخلقية”[15].

وعرفه الباحث عبد السلام آيت سعيد بقوله: “هو إعمال العقل في تبيين مقاصد الشرع في كل النصوص والأحكام، وسبر أغوار معانيها، والكشف عن غاية الشارع من تشريعاته رعاية لمقاصد الشريعة في فقه النص وتنزيله التي تشكل الضابط المنهجي والعمق الثقافي والرؤية المستقبلية للأمة في المجال التشريعي والحضاري”[16]. وعرفه الدكتور أحمد الريسوني بقوله: “الاجتهاد المقاصدي مؤسس على استحضار المقاصد واعتبارها في كل ما يقدره أو يفسره ليس في مجال الشريعة وحدها، بل في كل المجالات العلمية والعملية”[17].

ومن خلال ما سبق بيانه، يمكن أن نعرف الاجتهاد المقاصدي بأنه: “استفراغ الوسع وبذل الطاقة في نيل حكم شرعي موافق لغايات الشريعة ومقاصدها وحِكَمها “. فـ” استفراغ الوسع” هو جنس في التعريف يشمل كل من بذل الطاقة؛ ويخرج به مجرد البحث من غير بلوغ المنتهى، إذ ليس كل باحث مجد ومجتهد؛ فالمجتهد هو المستفرغ وسعه في درك الأحكام الشرعية الموافقة لحكم الشريعة ومصالحها، والمحقق لمقاصدها السامية، وليس كل مجتهد مصيبًا في موافقة المقاصد، فكثيرًا ما يجنح اجتهاد بعض المجتهدين إلى التشديد والحياد عن الوسطية، أو مخالفة المقصد من تشريع الحكم الشرعي؛ والذي وجب أن يصب في نهاية الأمر في تحقيق مصالح المكلفين دنيويًّا وأخرويًّا؛ لأن مبنى الشريعة وأساسها الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها.

المبحث الثالث: أهمية استحضار المقاصد في الاجتهاد وضرورتها.

يعد العلم بمقاصد الشريعة الإسلامية أحد شروط الاجتهاد، وقد صرح باشتراطه جمع من علماء الأصول كالعز بن عبد السلام (ت 660هـ) حيث نص على أن المقاصد مرجوع إليها، وأن كل غافل عنها في حكمه أو فتواه يلزمه أن ينقض حكمه ويرجع عن فتواه[18]؛ أما ابن السبكي (ت 756هـ) فلم يجعل مجرد الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة كافيًا في بلوغ هذه الرتبة، بل زاد على ذلك شرطًا آخر يبين مدى أهميته في الاجتهاد، وهو أن يكون للمجتهد من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك وما يناسب أن يكون حكمًا له في ذلك المحل، وإن لم يصرح به”[19]. وقد حصر الإمام الشاطبي أوصاف المجتهدين في وصفين[20]: أولهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها؛ لأن الإنسان إذا بلغ مبلغًا عن الشارع قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها فقد حصل له وصف ينزله منزلة الخليفة للنبي في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله تعالى؛ أما الوصف الثاني فهو: التمكن في الاستنباط بناء على فهمه فيها بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولًا، وفي استنباط الأحكام ثانيًا. ويقول الجويني (ت 487هـ): “ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة من وضع الشريعة”[21]. ويقول ابن تيمية (ت 728هـ): “من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقًّا”[22].

ومن لم يصرح باشتراط هذا الشرط – العلم بمقاصد الشريعة- من علماء الأصول، فلأنه يراه متحققا حُكمًا فيمن توفرت فيه الشروط المفصلة التي ذكروها، ولعل ما يؤكد هذه، أنهم يكادون يتفقون على اشتراط ملكة النظر والتمكن من الاستنباط، والتي يعبر عنها المتقدمون بالقريحة، ولا شك أن هذه الملكة هي التي تمكن المجتهد من المقارنة، والتحليل، والاستنباط، وإدراك العلاقة بين الأدلة الجزئية، والتوصل إلى المعاني الكلية من خلالها.

إن أهمية الاجتهاد المقاصدي تنبع من أهمية ما يبحث ويجتهد فيه، ويتعلق الأمر هنا بمقاصد الشريعة، فهذه الأخيرة “مبناها وأساسها الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل[23]. وكل مجتهد لم يعتبر المقاصد الشرعية في اجتهاده، فلا بد أن يضل فهمه، وتزل قدمه ويحيد عن الحق في حكمه؛ لأنه غير مبصر لحقيقة الشريعة، وغير مدرك لماهيتها وكنهها، وهكذا كل “من لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي، فليس على بصيرة في وضع الشريعة”[24].

إن المجتهد المقاصدي يروم إلى تحقيق مقاصد الشارع، وقد يكون ذلك بطرق شتى منها: عدم تطبيق الحد لتخلف شرط من شروط وجوب الحد كما فعل عمر بن الخطاب عام المجاعة، حيث لم يطبق العمل بحد السرقة، وعلل ذلك بأن الناس تسرق لحماية الأنفس من الجوع، وهذا من فقهه العميق ونظره الدقيق.

 كما أن المقاصد قائمة على استبدال وسيلة بأخرى؛ لتحقيق المراد من التشريع مثل ما فعله عمر أيضًا في سواد العراق، وما قدره الفقهاء في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة، بل قد يكون تحقيق مقصود الشارع أحيانًا بالموازنة بين المفاسد المتعارضة ودرءا لأعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما، ومن ذلك عدم إنكار ابن تيمية على التتار شربهم الخمر علانية، وعلل ذلك بقوله: “إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال فدعهم [25]. ومن الاستنجاد بالمقاصد العمل بالمصلحة التي رآها عمر بن الخطاب في اتخاذ السجون[26].

فإذا تقرر هذا، فإن الجمود على ظواهر النصوص والتشبث بحرفيتها والاقتصار على مبانيها اللغوية فيه بعض المحاذير لعل أهمها التشديد على الناس، وتفويت المقاصد التي من أجلها شرعت الأحكام.

ولكن ينبغي التنبيه هنا إلى أمر مهم، وهو الإشارة إلى أهمية المقاصد في الاجتهاد، باعتبار أن المقاصد تستمد حجيتها ومشروعيتها من النصوص الشرعية وأدلة الشريعة الكلية والجزئية، فمسالك الكشف عن المقاصد كلها منبثقة من استقراء النصوص ومعانيها، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتعارض المقاصد مع النصوص؛ لأنها في حقيقتها ما هي إلا امتداد للنصوص وإعمال لها.

المبحث الرابع: المراحل الثلاث للاجتهاد المقاصدي:

إن عملية تنزيل الأحكام على الوقائع جزء لا يتجزأ من عملية الاجتهاد في شموليتها وكمالها، فهي تمثل آخر مرحلة من مراحل الاجتهاد، ولا يمكن أن تسلم عملية تنزيل الأحكام إلا إذا سلم ما قبلها من المراحل، فالوقوع في الخطأ في أي مرحلة من المراحل السابقة يؤدي لا محالة إلى مجانبة الحق والصواب في الفتوى، فمراحل الاجتهاد حلقات متسلسلة يفضي بعضها إلى بعض، فإذا انفرط عقد أحدها جاءت النتيجة بالفشل.

                وحاصل هذا الكلام أن التصدي للنازلة يمر عبر مراحل ثلاث، وهي: التصور والفهم، ثم التكييف والاستدلال، ثم التنزيل والتطبيق. ولكي يسلم عمل المجتهد من الخطـأ في الحكم النهائي على النازلة فلابد له من استحضار عدد من الأصول لعل أهمها استصحاب مقاصد الشريعة في كل مرحلة من مراحل الاجتهاد، وبيان ذلك على النحو الآتي:

-أولًا: مراعاة مقاصد الشريعة في مرحلة تصور النازلة وفهمها.

لابد للمجتهد المقاصدي من تصور النازلة وفهمها فهمًا صحيحًا ودقيقًا حتى يستطيع الحكم عليها، فالحكم على الشيء فرع من تصوره[27]. والمقصود بالتصور: “إدراك ماهية الشيء من غير الحكم عليها بنفي أو إثبات”[28]. وقيل هو: “إدراك الحقائق مجردة عن الأحكام”[29]. وهكذا وجب على المجتهد المقاصدي أن يتصور النازلة ذاتها بتفاصيلها وحيثياتها تصورًا صحيحًا، دون أن يغفل الواقع المحيط بها ويدركه جيدًا باستحضار ظروفه وملابساته وأحواله كذلك، فتصور النازلة بالشروط السابقة ليس بالأمر الهين عند الفقهاء، وإنما ذلك من شأن المجتهدين.

وتعدُّ مرحلة فهم النازلة وتصورها من أخطر مراحل الاجتهاد المقاصدي؛ لكونها الأساس الذي يبنى عليه الحكم الشرعي المستنبط، فالخطأ فيه يؤدي بصاحبه إلى مجانبة الحق في الفتيا يقينًا؛ لأن حكمه متعلق بموضوع آخر غير موضوع النازلة قيد الدرس، وهذا ما نبه عليه العلامة يوسف القرضاوي بقوله: “فإذا تصور المفتي الواقع على غير ما هو عليه كانت فتواه في موضوع آخر”[30]؛ غير موضوع النازلة المستفتى فيها. ويستدعي تصور النازلة وفهمها فهمًا دقيقًا الأصول الآتية:

-النظر في جذور النازلة وتأريخ نشأتها، فهذا النظر في التاريخ يسهل على المجتهد عمله، وييسر عليه فهم الظروف المحيطة بها، حتى يكون حكمه عليها حكمًا صحيحًا.

– التحري عن فتاوى الفقهاء وأقوالهم في النازلة المستفتى فيها، فوجب على المجتهد معرفة ماضي النازلة، ومن سبقه من الفقهاء في بيان حكمها، وإدراك مصادر فتواه ومرتكزاتها. فذلك يسهل عمله. ويؤكد الإمام ابن عبد البر على ذلك ويقول: “لا يكون فقهيًا في الحادث من لم يكن عالمًا بالماضي”[31].

– جمع جميع المعطيات والمعلومات المتعلقة بالنازلة من حيث موضوعها، وماهيتها، ومدى انتشارها، أو انحصارها، وأسبابها، ودوافعها… فكل ذلك يخفف من عبء نزولها على الناس، ويرشد المجتهد إلى أقرب السبل لأحكامها.

– استحضار مقاصد صاحب النازلة؛ “لأن الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات”[32]، ومن ذلك أن يعرف المجتهد هل فعل المستفتي ما فعل، أو قال ما قال عن اختيار أو اضطرار؟ وهل عن تبصر أم نسيان؟ وهل عن حصول عقل أو غيابه؟ وما قصده من قوله أو فعله؛ لأن كل ذلك مؤثر في الحكم، ولا يكفيه أن يعرف ظواهر ما صدر منه من الأقوال والأفعال فقط. ومن ذلك ما وقع للإمام القرافي قال: سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة هل يجوز أم لا؟ فارتبت في الأمر، وقلت له: ما أفتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فإن كل أحد يعلم أن عقد النكاح بالقاهرة جائز، فلم أزل به حتى قال: “إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة فمنعنا؛ لأنه استحلال، فجئنا للقاهرة عقدناه”، فقلت له: “هذا لا يجوز بالقاهرة ولا بغيرها”[33].

_ اعتبار المعاني والعلل والمصالح والحكم والأهداف والمقاصد والغايات الشرعية التي توخاها الشارع من تشريع حكم النازلة؛ وهذا لا يحسنه إلا المجتهد المقاصدي.

– ثانيًا: مراعاة المقاصد في مرحلة التصنيف والتكييف:

بعد تصور النازلة وفهمها فهمًا مقاصديًّا دقيقًا، ينتقل المجتهد المقاصدي إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التصنيف والتكييف، ولا يتم تكييف النازلة إلا بالتصنيف، وهو: “إرجاع المسألة إلى الأصل الذي تنتمي إليه”[34].

 أما التكييف الفقهي فلا تخرج معانيه اللغوية عن: الإنقاص والأخذ من الأطراف[35]. واصطلاحًا عرف بتعريفات تباينت ألفاظها وتقاربت معانيها، ومنها أنه: “تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية”[36]. وقيل هو: “تحرير النازلة، وبيان انتهائها إلى أصل معين معتبر”[37]. وعرف أيضًا بأنه: “التصور الكامل للواقعة، وتحرير الأصل الذي تنتمي إليه”[38].

إن تكييف النازلة متوقف على تحصيل أمرين: أولهما: التصور التام للمسألة النازلة، وثانيهما: معرفة أحكام الشريعة ومقاصدها لدى الناظر. فبعد استيعاب النازلة من جميع جوانبها وإحكام تصورها تصورًا شموليًّا وكاملًا، يمكن تكييفها فقهيًّا؛ لتحرير الأصل الذي تنتمي إليه، والبحث عن الحكم الشرعي المناسب لها، وهو ما يعرف عند الأصوليين بتحقيق المناط. إن تكييف النازلة لا يقل خطورة عن المرحلة السابقة والمتعلقة بالفهم والتصور فهو يقتضي من المقدم عليها التمكن من آليات الاستدلال وشروط الاجتهاد المعروفة عند العلماء، ولعل من أهمها إدراك مقاصد الشريعة واستحضارها، فالمجتهد المقاصدي وهو يبحث في النصوص عن حكم النازلة وجب عليه أن يستحضر علة الحكم، ويدرك المقصد الذي يسعى الشارع إلى تحقيقه من خلال تشريع الحكم، ولا يكفيه أن ينظر إلى ظواهر النصوص ومبانيها اللغوية فقط، فإذا ظهر له المقصد وأدرك العلة إدراكًا دقيقًا، وجب عليه أن ينظر في تعدية الحكم، وهل هو مقصد جزئي يتعدى أم أنه خاص بحال ووضع معين؟ فإن كان متعديًا قام بتعديته، وإن كان خاصًّا قصره على ما ورد به النص.

– ثالثًا: مراعاة مقاصد الشريعة في مرحلة تنزيل الحكم على النازلة.

تعدُّ مرحلة تنزيل الحكم على النازلة آخر مراحل الاجتهاد المقاصدي، وهي لا تقل خطورة عن سابقتيها؛ لأن الغلط فيها قد يؤدي إلى إهدار جهد المرحلتين السابقتين، ويؤدي إلى فشل عملية الاجتهاد من أساسها، ومثال ذلك أن ينجح الطبيب في الكشف عن العلة، ويحسن تشخيصها، ثم يخطئ في وصف الدواء المناسب لها.

إن مراعاة مقاصد الشريعة من أهم ضوابط عملية تنزيل الحكم على محله، فلا يكفي للمجتهد أن يفهم النازلة فهما صحيحا، ويعلم حكمها، بل لابد له أن ينظر هل سيحقق المقصد عند تنزيل الحكم على الواقعة أم لا؟ فإذا تحقق القصد أنزل الحكم المستنبط، وإن غلب على ظنه عدم تحقق المقصد الشرعي، فلا ينبغي له أن ينزل الحكم على إطلاقه، بل قد يتوقف ويتريث وينتظر زوال العارض، وهذا من فقه المجتهد وحسن إلمامه بمقاصد الشريعة.

إن النظر في تحقق المقصد الشرعي عند تنزيل الحكم على النازلة واستحضار مآلاته المعتبرة دليل على كمال الشريعة في تحقيق ما أنزلت من أجله في حفظ المصالح في العاجل والآجل. إن مسألة تنزيل الأحكام على المستجدات ترجع إلى أمرين أساسيين: أولهما: فهم النازلة فهمًا صحيحًا، وثانيهما: فهم الواقع ومدى تحقق المقصد الشرعي فيه.

لهذا فإن العلم بمقاصد الشريعة الإسلامية شرط ضروري في سبيل سلامة عمل المجتهد، سواء أكان مجال الاجتهاد فهم النّص واستنباط مدلوله منه، أو كان مجاله في تطبيق الأحكام الشرعية على الأفراد والأفعال والمواقع المناسبة؟ ذلك أن النظر الاجتهادي كما يكون في فهم النص واستنباط معانيه، فكذلك يكون في تطبيقه على أفراده وجزئياته المناسبة.

إن تنزيل الأحكام الشرعية على محالها عملية منهجية دقيقة تخضع لجملة من الشروط والمعايير والضوابط التي ينبغي على المجتهد أن يستحضرها ويحيط بها، وأن العلماء قد تنبهوا إلى أهمية عملية تطبيق الأحكام الشرعية، وأشاروا إلى جملة من شروطها ومعاييرها عند تناولهم لموضوع تحقيق المناط الذي يعدُّ العمود الفقري لعملية تطبيق الأحكام الشرعية[39].

والناظر في الضوابط التي يحتكم إليها في عملية تطبيق الأحكام الشرعية يجد أن من أبرزها وأظهرها: النظر العميق لمقاصد الشريعة الإسلامية، والإدراك الواعي للغايات والمصالح التي شرعت الأحكام من أجلها، ووجه اشتراط هذا الضابط: أن الحكم قد شرع ابتداءً؛ لتحقيق مقصد شرعي، فكان لا بد أثناء التطبيق أن يحقق الحكم هذا المقصد الذي شرع من أجله حتى يكون التطبيق على الوجه الذي أراده الشارع وتغيّاه، وإلا وقع التفاوت والاختلاف بين التشريع الذي يهدف إلى تحقيق مصالح معينة، وبين التطبيق الذي لا يعير هذه المصالح أي أهمية، وينزِّل الحكم الشرعي على الأفراد بطريقة آلية مجردة، دون أيِّ اعتبار للنظر المقاصدي الكلي العميق. ولقد عرف الأصوليون أهمية مراعاة المقاصد أثناء تنزيل الأحكام الشرعية، وتجلّت هذه المعرفة من خلال إنتاج العديد من الأصول والقواعد التي أرسوها وصاغوها لسلامة عملية التنزيل وتحقيقها لمقاصد الشارع، مثل: الاستحسان، وسدّ الذرائع، والعرف، وقواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة، واعتبار المآل… وغيرها من القواعد التي تعدُّ من تجليات الاجتهاد المقاصدي في تنزيل الأحكام الشرعية.

إن إصابة الحق في الفتوى رهين بمراعاة مقاصد الشريعة في جميع مراحل الاجتهاد، وإن أي خطأ في إحدى مراحله ينسف عملية الاجتهاد من أساسها، مما ينعكس سلبًا على طبيعة الفتاوى الصادرة، فتصبح غير ذات جدوى؛ لأنها لا تعالج نوازل العصر معالجة دقيقة، مما يحول نظام حياة المكلفين إلى فوضى وجحيم لا تطاق، فيضيع نعيمهم الدنيوي والأخروي.

المبحث الخامس: الاجتهاد المقاصدي عند الإمام الطاهر ابن عاشور: حقيقته وأسسه.

لقد اهتم الباحثون بتراث الشيخ العلامة الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، ونشروا عدة بحوث ورسائل تتعلق بحياته، وإصلاحاته، وتفسيره، وبالمسائل الأدبية والبلاغية في آثاره، وفي غمرة هذا الاهتمام بقيت فتاوى الشيخ طي النسيان –على الرغم من أهميتها وكثرتها- فإذا استقصينا النبش عن فتاويه نجد هناك محاولتين فقط، الأولى عبارة عن رسالة دكتوراه للأستاذ محمد السويسي، وعنونها بـ”الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر”، وقد تطرق فيها إلى بعض فتاوى الشيخ الإمام، وقد بلغت ثمانيَ وثمانين فتوى[40]. أما المحاولة الثانية وهي عبارة عن عمل قام به الأستاذ محمد بن إبراهيم بوزغيبة من خلال البحث والتنقيب عن فتاوى الشيخ التي حبرتها يده، فتمكن بعد جهد وعناء من جمع ما يقارب (113) فتوى في مختلف المجالات؛ كالتفسير، وتأويل الحديث، والعقيدة، والعبادات… [41].

إننا نجزم أن فتاوى الشيخ قد تجاوزت العددين في المحاولتين معًا، فكيف بهذا العدد القليل من الفتاوى والشيخ قد تحمل مسؤولية الإفتاء طوال سبعين سنة! فكانت أول فتوى له سنة: 1903م، وكانت تتعلق بجواز لبس البرنيطة وإباحة طعام أهل الكتاب، حيث أيد الشيخ فيهما ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده من القول بالجواز في المسألتين معًا. واستمرت حلقات الفتوى إلى قبيل وفاة الشيخ ببضعة أيام سنة 1973م.

فضلًا عن ذلك، فقد تقلد الشيخ مناصب الفتوى تدريجيًّا، فبدأ مفتيًا مالكيًّا، إلى خطة شيخ الإسلامي المالكي، إلى عميد جامعة الزيتونة. وقد صدرت جل فتاويه لما تولى خطة مشيخة الإسلام المالكي، وقد نشرت في ما يزيد عن عشرين مرجعًا ومصدرًا. كما كانت الفتاوى ترد عليه من المراكز العلمية والثقافية والسياسية المختلفة داخل تونس وخارجها مثل: مصر والجزائر وطرابلس… وبذلك تبوأ الشيخ المرتبة الأولى وفق الترتيب الذي قام به الدكتور محمد السوسي للمفتين الرسميين بتونس في القرن الرابع عشر الهجري[42].

ومن حقنا أن نتساءل كيف بهذا التاريخ الحافل بالعطاء، مع تقلد الشيخ لمختلف مناصب الإفتاء أن يفضي إلى ما يزيد عن مائة فتوى فقط!؟ إننا نؤكد أن فتاوى الشيخ الإمام أكثر بكثير من ذلك، والله نسأل أن يقيد لها من الباحثين وطلبة العلم من ينفض عنا تراب النسيان، ويخرجها للناس من بطون آثار ما خطته أنامل الشيخ، حتى ينتفع بها الناس؛ تكريمًا له على مجهوداته العلمية وأعماله الإصلاحية التي قدمها طوال حياته، ثم العمل على معالجتها من وجهة نظر مقاصدية صرفة، خاصة أن صاحبها وريث الشاطبي في علم المقاصد ومجدده في العصر الحالي.

وباستقراء فتاوى الشيخ يتضح لنا جليًّا منهجه في الإفتاء، حيث كان يتقيد في الغالب الأعم بمذهبه المالكي، وينص على النزاهة بالفتوى بمذهب إمامه، وكان يعمد إلى إبراز الدليل الصحيح في المنقول والمعقول، فهو يعتمد أولًا على النص الشرعي، وقد جمع له محقق فتاواه 208 آية وحديث[43]، ثم كان يعقبه برأي إمام مذهبه وتلامذته وكبار فقهاء المذهب المتقدمين منهم والمتأخرين. كما أن الشيخ يقيد فتاواه بقواعد بلاغية ونحوية مثل فتاوى التفسير، وكان يعود إلى كتب الحديث وشروحها في فتاوى تأويل الأحاديث.

وكان لا يكتفي في فتواه بمجرد الإخبار عن الحكم في النازلة المستفتى فيها، بل كان كثيرًا ما يقدم تقريرًا طويل المدى، ويلم بالمسألة من كامل أطرافها عندما يطلب منه المستفتي إيضاحًا وإرشادًا، ويظهر ذلك جليًّا في فتاوى العقيدة، ومسائل الحلال والحرام، والمناكر التي تشغل بال الناس قديمًا وحديثًا.

وتأسيًا بأهل الأصول، وتوظيفًا لنزعته المقاصدية كان الشيخ يبيح للمفتي المقلد الخروج عن المذهب الذي يقلده، وذلك في الاضطرار الذي يفضي إلى المشقة المبيحة للترخيص كما في فتوى “القول بالمساقاة في الشجر المخلف للأثمار[44]. وكان كثيرًا ما يستعمل القياس، ويعده ضروريًّا للمفتي إذا أحسن تطبيقه على النوازل كما في فتوى “الأوراق المالية”[45]. كما تميز ¬ بكثرة تعليلاته في بعض الفتاوى خاصة عندما يغفل الفقهاء القدامى تعليل حكم من الأحكام كما في فتوى “زكاة الزروع”[46].

وكان يعتمد في بناء فتواه على العرف والعمل كأصل من أصول المذهب، ويظهر ذلك واضحًا في فتوى “زكاة الفطر”[47]، وفي فتوى “التحبيس على البنين دون البنات”[48]. وقد دفعته نزعته المقاصدية إلى ابتكار قول لم يسبق إليه، حيث اجتهد ¬ محدثًا قولًا جديدًا عندما أفتى للحاج المسافر بالطائرة بأن يحرم من جدة[49]، كما كان ¬ محيطًا بحيثيات الفتوى كثير الاطلاع على ما كتب حولها، بالإضافة إلى تضلعه في كثير من العلوم، ويظهر ذلك واضحًا في فتوى “الحساب القمري”، وفتوى “شروق الشمس وغروبها”[50].

يعتمد الاجتهاد المقاصدي عند الطاهر بن عاشور على عد المصلحة معيارًا في تقرير الأحكام. فابن عاشور يرى أن “طريق المصالح هو أوسع طريق يسلكه الفقيه في تدبير أمور الأمة عند نوائبها، إذا التبست عليه المسالك، وأنه إن لم يتبع هذا المسلك الواضح والمحجة البيضاء فقد عطل الإسلام من أن يكون دينًا عامًا وباقيًا”[51].

وإذا غاب النص يلتجئ الفقيه إلى الفتوى اعتمادًا على المقاصد أو المصالح المرسلة. وهذا الاتجاه المقاصدي – عند ابن عاشور- “ينطوي على وعي تام بأن شؤون الحياة وأحوالها ليست منتظمة داخل النص، وإنما هي من مشمولات العقل البشري استقراء واستجلاء وبحثًا وتحليلًا وتركيبًا؛ وصولًا إلى استنباط الأحكام. ولكن هذا الاتجاه المقاصدي لا يقطع مع النص قطعًا تامًّا، ولا يمنح العقل وظيفة تقدير المصالح منحًا مطلقًا، إنما يراعي في ذلك المقاصدية الشرعية بما في ذلك حفظ الكليات الخمس، فكل حكم هادف إلى جلب مصلحة أو دفع مفسدة فإنما لغاية حفظ الكليات الخمس، لذلك تكون مسايرة الشريعة الإسلامية للأمور المتغيرة في الأحكام الجزئية دون الأصول.

إن الاجتهاد المقاصدي عند ابن عاشور في علاقة وطيدة مع فقه النوازل ومتغيرات الحياة، فأهميته تكمن في إيجاد الحلول للحوادث المستجدة وإلا أثمت الأمة بغياب ذلك. ويرى الإمام المجدد أن المجال الأنسب لهذا النوع من الاجتهاد هو مجال المعاملات، فالمجال الذي تتحدد فيه وبه المصلحة بحسب تصوره إنما هو مجال الفعل البشري بوسائله وإكراهاته. وقد دلت مراعاة المقاصد في التشريع على شمولية هذه المقاصد، وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وهو ما يحقق توازن النظام التشريعي في الإسلام. ويفسر “صاحب المقاصد” معنى صلوحية شريعة الإسلام لكل زمان ومكان بقوله: “أن تكون أحكامها كليات ومعاني مشتملة على حكم ومصالح صالحة لأن تتفرع منها أحكام مختلفة الصور متحدة المقاصد”[52].

هذه المقاصد هي التي ستمكن العقل البشري من مواجهة الحياة ومتغيراتها، وتقدير المصالح في إطارها بلا إفراط ولا تفريط، أي: لا تهيمن النزعة النصية على فهم الواقع، ولا يترك للعقل الحرية المطلقة في تقدير المصالح.

وكخلاصة لما سبق بيانه، فالاجتهاد المقاصدي عند الإمام ابن عاشور ينطوي على وعي نقدي للأسس التي انبنى عليها العقل الفقهي القديم، وعلى هاجس تطوير البناء الفكري للمنظومة التشريعية الإسلامية، مما يجنب المسلم عواقب التعارض والصدام بين النص والواقع.

فإذا تقرر هذا، فإن الاجتهاد المقاصدي عند ابن عاشور يتحدد وفق ثلاثة أبعاد: الإحاطة بأحكام الشريعة ومقاصدها، والخبرة بأحوال الأمة ومتطلباتها، والنظر العقلي. وهذه الأبعاد الثلاثة – هي في الحقيقة- الشروط التي اشترطها ابن عاشور في الفقيه المجتهد، فهو يرى أن وظيفة المقاصد تظهر أساسًا في علاقتها بالفقيه المجتهد أكثر من غيره. وهو بذلك يرد على موقف الشاطبي المقتضى من أن المكلف في حاجة إلى معرفة المقاصد الشرعية، وعلى عكس ذلك يرى ابن عاشور أن المكلف العادي ليس محتاجًا إلى معرفة المقاصد الشرعية، وإنما يكتفي بنقل الشريعة كما هي؛ لأن علم المقاصد علم دقيق لا يرقى إليه فهم العوام.

المبحث السادس: نماذج من تطبيقات الاجتهاد المقاصدي عند ابن عاشور من خلال “فتاواه”.

وحتى لا نكثر من التأصيل النظري في بيان معالم الاجتهاد المقاصدي عند ابن عاشور أرى أن تنزيل الرؤية المقاصدية العاشورية على فتاواه تؤدي إلى إبراز معالم هذا الاجتهاد وآلياته بصورة أفضل. وسأركز على بعض قواعد الاجتهاد المقاصدي عنده من خلال نماذج تطبيقية واضحة منها ما يأتي:

قاعدة: نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال.

* نموذج: الفتوى رقم 16: عدم قتل المشعوذ.

انتقد الشيخ الإمام قول الفقهاء القاضي بقتل المشعوذ، وعدَّ ذلك خطأ في فهم مقاصد الشريعة، وعاب على من أفتى بذلك بقوله: “فمن حق الفقيه إذا تكلم عن السحر أو سئل عنه أن يبيّن أو يستبين صفته وحقيقته، وأن لا يفتي بمجرد ذكر اسم السحر، فيقول بقتل الساحر، ولا تقبل توبته، فإن ذلك عظيم”[53].

والحق أن ما أفتى به المقاصدي ابن عاشور صحيح لا غبار عليه؛ “لأن مقصد الشريعة من أحكامها كلها إثبات أجناس تلك الأحكام لأحوال وأوصاف وأفعال من التصرفات خاصها وعامها باعتبار ما تشتمل عليه تلك الأحوال والأوصاف، فالأفعال من المعاني المنتجة صلاحًا ونفعًا، أو فسادًا وضرًا قويين أو ضعيفين”[54].

وبناء على ذلك، يحذر الشيخ الإمام القارئ من أن يتوهم أن بعض الأحكام منوط بأسماء أشياء أو بأشكالها الصورية غير المستوفية للمعاني الشرعية، فتقع أخطاء في الفقه مما يسيء إلى الشريعة الإسلامية ومقاصدها السامية خاصة في ما يتعلق بالإباحة أو التحريم.

فإذا تقرر هذا، وجب على الفقيه المستفتى إذا سئل عن شيء، أو استفتي في أمر ما أن ينظر إلى الأسماء الموضوعة للمسمى أصالة أيام التشريع، وإلى الأشكال المنظور إليها عند التشريع، من حيث أنهما طريق لمعرفة الحالة الملحوظة وقت التشريع؛ لتهديه إلى الوصف المرعي للشارع.

وقد اصطلح العلامة المقاصدي على ما سبق بيانه اسم “نوط الأحكام الشرعية بمعان وأوصاف لا بأسماء وأشكال”[55]. وهكذا فالساحر قديمًا وفي أصالة التشريع يختلف تمامًا عن المشعوذ والساحر في عصرنا الحالي –دون تعميم للحالة طبعًا- فقد اعتبر الرسول عليه السلام أن السحر ثاني الموبقات السبع بعد الشرك بالله، وذلك أن السحر يومئذ كان أول معانيه عبادة الجن، والانسلاخ من التوحيد وعدم الإيمان بالرسول وبالقرآن، وليس كما يفهمه الناس اليوم من ترسيم حروف وكتابة طلسمات، أو ما جعل منه لمجرد اللهو والإغراب من أعمال المشعوذين، لذلك خلط الفقهاء بين المعاني والأوصاف لكلمة الساحر وبين أسمائها وأشكالها.

فإذا فهم هذا، فليس كل مشعوذ يقتل، ولا تقبل منه توبته، فمراعاة الأوصاف التي قام عليها التشريع أصالة كان يقضي بحكم القتل واعتبار السحر من الموبقات السبع. أما لفظة “ساحر” فلا تنطبق بأوصافها الشرعية ومعانيها المقصودة على كل مشعوذ، خاصة إذا علمنا أن بعض أعمال الشعوذة في عصرنا الحالي هي مجرد ألعاب خفة اكتسبها الإنسان بكثرة التداريب والمداومة على الرياضة عليها، ولا علاقة لها بالسحر لا من قريب ولا من بعيد.

ومن أخطاء الفقهاء أيضًا –خاصة الذين لم يميزوا بين المعاني والأوصاف واكتفوا بحدود الأسماء- القول بحرمة صنف من أصناف الحيتان وهو المعروف باسم “خنزير البحر”، وأفتوا بأنه لا يؤكل؛ لأنه خنزير[56]. فهؤلاء الفقهاء اكتفوا بالأسماء وأغفلوا المعاني المقصودة شرعًا من تحريم الخنزير حقيقة، وبنوا حكم التحريم على الاسم دون الوصف المعتبر شرعًا في النهي عن أكل لحم الخنزير.

إن عدم استحضار مقاصد الشريعة وإغفال غاياتها والحكم منها يحيد بالفقيه عن إصابة الحق في فتواه، ومن ذلك ما أفتى به بعض الفقهاء من تحريم نكاح امرأة زوَّجها وليها بمهر، وزوج في ذلك الولي امرأة هو وليها بمهر مساو لمهر الأخرى أو غير مساو، باعتبار هذا النكاح نكاح شغار[57]، لأن شكله الظاهر كشكل الشغار غاضين الطرف عن المعنى والوصف الذي لأجله أبطلت الشريعة الإسلامية نكاح الشغار.

إن الاجتهاد المقاصدي يتوخى التفرقة بين الأوصاف المقصودة للتشريع والأوصاف المفارقة لها، والتي لا يتعلق بها غرض الشارع وتسمى بـ”الأوصاف الطردية”، وإن هذه الأخرى هي الغالبة على الحقيقة الشرعية، فالمجتهد المقاصدي المتشبع بروح المقاصد لا يقف عند الأسماء والأشكال، وإنما يتجاوز ذلك إلى الأوصاف الشرعية ويتوخى المعاني المقصودة أصالة في التشريع، وهكذا فالأسماء الشرعية إنما تعتبر باعتبار مطابقتها للمعاني الملحوظة شرعًا في مسمياتها عند وضع المصطلحات الشرعية، فإذا تفسر المسمى لم يكن لوجود الاسم اعتبار، ولعل أبرز مثال على ذلك عند فقهاء المالكية أن صيغ التبرعات قد يستعمل بعضها في بعض، فالعمرى المعقبة تصير إلى معنى الحبس، والحبس المجعول فيه شرط البيع يؤول إلى معنى العمرى، والصدقة المشروط فيها حق الاعتصار تؤول إلى الهبة، والعطايا المشروط فيها إلى موته تؤول إلى الوصية، وإن سموها حبسًا أو هبة أو عمرى[58]. ولعل هذا الأمر هو ما أنذر إليه مبكرًا، حيث أنكر على أناس من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها[59]؛ فلما كان تغيير الاسم غير مؤثر في تحليل الحرام، كذلك لا يكون مؤثرًا في تحريم الحلال.

وخلاصة القول في كل ما سبق ذكره وبيانه: إن التسمية والشكل لا يكونان مناط الأحكام، ولكنهما تدلان على مسمى ذي أوصاف، وهذه الأخيرة هي مناط الأحكام في التشريع الإسلامي، فالمنظور إليه والمعتبر في التشريع الموجب للحكم هو الأوصاف الخاصة فقط.

قاعدة: تفعيل مسلك التعليل واستحضار المقصد العام من التشريع:

*نموذج: الفتوى رقم: 77 جواز النمص والوصل للمرأة.

وظف الشيخ الإمام نزعته المقاصدية فأباح النمص والوصل للمرأة، وسلك في ذلك مسلك التعليل عندما نظر إلى ظواهر تلك النصوص الواردة في تحريم ذلك على أنها أولًا: في باب ما يدخله التعليل، وثانيًا: أن ذلك الوعيد الشديد الوارد في تلك الأحاديث إن حمل على ظاهره كان مما ينافي سماحة الإسلام[60]. والسماحة – عند ابن عاشور- أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها وهو يسميها: سهولة المعاملة فيما يظن الناس التشديد فيه، ومعنى كونها محمودة أنها لا تفضي إلى ضر أو فساد[61]. فمحل الوعيد الشديد لأحاديث النهي عن الوصل والنمص يخالف سماحة الإسلام ويسره؛ ما دفع ابن عاشور إلى حمل ذلك النهي في تلك الأحاديث على أنه إنما يقصد به ما كان شعارًا لرقة عفاف نساء معلومات، فيقول موضحًا ذلك: “وأحسب تأويله أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تعد من سمات العواهر في ذلك العهد، أو من سمات “المشركات”[62].

فالعلامة المقاصدي يرى أن النمص والوصل والوشم وتفليج الأسنان إنما نهي عنها؛ اعتبارًا لمآلها المفضي إلى التعرض لهتك العرض بسببها، وفي ذلك يقول: “ووجهه عندي الذي لم أر من أفصح عنه أن تلك الأحوال كانت في العرب أمارات على ضعف حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها، أو عن التعرض لهتك العرض بسببها”[63].

لقد سلك ابن عاشور –وهو يخالف ما درج عليه المذهب من تحريم النمص والوصل وتتابع المالكية في ذلك[64] –مسلكًا يقوم على قراءة متأنية تراعي ملابسات ورود النص، مع استحضار العوائد والأعراف التي أوجبت تحريم ذلك فيقول: “ومن معنى حمل القبيلة على عوائدها في التشريع إذا روعي في تلك العوائد شيء يقتضي الإيجاب أو التحريم، يتضح لنا دفع حيرة وإشكال عظيم يعرض للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا تجد فيها وجه مفسدة بحال، مثل تحريم وصل المرأة وتفليج الأسنان والوشم… فإن الفهم يكاد يضل في هذا يرى ذلك صنفًا من أصناف التزين المأذون في جنسه كالتحمير والخلوق والسواك، فتعجب من النهي الغليظ عنه”[65]. ويجزم ابن عاشور أن الوصل والنمص ليس من تغيير خلق الله؛ لأنه ليس فيه حظ من طاعة الشيطان، ولم يجعل علامة لنحلة شيطانية كما هو سياق الآية[66] واتصال الحديث بها[67].

إن حيرة ابن عاشور في فهم الوعيد الشديد الوارد في أحاديث النهي عن النمص والوصل استبدت قبله بالقرافي –مع قوة تعليلاته وترجيحاته- فيقول: “لم أر لفقهاء المالكية والشافعية وغيرهم في تعليل هذا الحديث إلا أنه تدليس على الأزواج ليكثر الصداق، ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به وبالوشم، فإنه ليس فيه تدليس، وما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه، فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر… وصبغ الشعر وغير ذلك”[68].

إن نظرية المقاصد عند ابن عاشور قائمة على أربعة مفاهيم أساسية لا تخلو منها عقائد الإسلام وتعاليمه وتشريعاته وهي: الفطرة والسماحة والحرية والحق. إن زينة المرأة راجعة إلى فطرتها، وميلها الجبلي إلى الجمال، فالفطرة تحتل منزلة الواسطة من العقد، ذلك أنها في نظر ابن عاشور هي: “الوصف الأعظم الذي تنبني عليه مقاصد الشريعة، وهي عنده: الحالة التي خلق الله عليها عقل النوع الإنساني سالما من الاختلاط بالرعونات والعادات الفاسدة، وهي حالة صالحة لصدور الفضائل عنها”[69]. ويزيد ابن عاشور مفهوم الفطرة بيانًا وتوضيحًا فيقول: “الفطرة ما فطر عليه الإنسان ظاهرًا وباطنًا أي: جسدًا وعقلًا… فسير الإنسان على رجليه فطرة جسدية ومحاولة مشيه على اليدين خلاف الفطرة”[70].

وبناء على ركيزة الفطرة ومحوريتها في نظرية المقاصد عند ابن عاشور فهو يرى جواز النمص والوصل للمرأة؛ لأن ذلك لا يخرج عن فطرتها، وما جبلها الله عليها من حب الزينة والتجميل، والأمر بعيد كل البعد عن تغيير خلق الله، وهذا ما ينكره أيضًا أحد أعلام المالكية ويتعلق الأمر بالإمام القرافي، فيصرح بذلك ويقول: “وما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه، فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر وصبغ الشعر وغير ذلك”[71].

ويعلق ند الشيخ ومعاصره محمود شمام على ما ذهب إليه الشيخ الإمام شارحًا ومسلمًا له فيقول: “فالشيخ ابن عاشور يفتي تفهمًا لمعنى الأثر والمورد الذي ورد فيه؛ لأن هذه الأمور يقصد بها الآن الزينة لا تغيير خلق الله ولا تبديله، وما ورد من نهي فالمقصود به نساء في ذلك العصر اتصفن برقة عفاف، وضعف في الدين، وسوء السيرة، ولا يشمل النساء كافة، ولا العصور كافة “[72].

وينبه العلامة ابن عاشور على ثمار هذه القراءة المقاصدية لأحاديث النهي والتحريم في أحكام الشريعة الإسلامية فيقول: “والتفقه في هذا والتهمم بإدراك علل التشريع في مثله يلوح لنا منه بارق فرق بين ما يصلح من جزئيات الشريعة لأن يكون أصلًا يقاس عليه نظيره، وبين ما لا يصلح لذلك، فليس الأمر في التشريع سواء”[73].

قاعدة: اتباع مسلك المنع من المباح إذا أفضى إلى مضار محققة:

* نموذج الفتوى رقم 90: مسألة تعدد الزوجات.

اتصل الشيخ محمود شمام مع ثلة من شيوخ الزيتونة بالشيخ الإمام في بيته، وسألوه عن موضوع تعدد الزوجات في قوله تعالى: ” فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً”. [النساء: 3]

هل يجوز إيقاف العمل به إذا اقتضت المصلحة ذلك ودعت الضرورة؟ [74].

فكان رد الشيخ المفتي أن الجواب عن السؤال يقتضي وجود عناصر ثلاثة:

– أولًا: الاعتراف بحلية التعدد، وإقامة الدليل على ذلك.

– ثانيًا: وجود المضرة من التعدد، وإقامة الدليل على ذلك.

– ثالثًا: أن التعدد مباح، وأنه يجوز بصورة محققة، ولولي الأمر أن يمنع الناس من فعل المباح لوجود مضرة فيه، والتاريخ الإسلامي حافل بأمثلة تدل على ذلك، وقد تعاطاها الصحابة رضوان الله عليهم”[75].

لاشك أن هذه الفتوى بنيت بناء مقاصديًّا محكمًا، ورتبت أولوياتها ترتيبًا منهجيًّا ينم على إدراك واضح لمقاصد الشريعة الأساسية، فالنقطة الأولى تتعلق بالاعتراف المطلق بحلية التعدد والتقيد بشروطه، كما ضبطته أحكام الشرع الحكيم. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن من أبرز مقاصد الشريعة مقاصد أحكام العائلة “فانتظام أمر العائلات في الأمة أساس حضارتها، وانتظام جامعتها، فلذلك كان الاعتناء بضبط العائلة من مقصد الشرائع البشرية كلها، وكان ذلك من أول ما عني به الإنسان المدني في إقامة أصول مدنية بإلهام إلهي”[76].

ولا جرم أن الأصل الأصيل في تشريع العائلة هو أحكام آصرة النكاح، والمحافظة عليها، لذلك كان اعتناء الشريعة بأمر النكاح من أسمى مقاصدها؛ لأنه جذر نظام العائلة والمجتمع والأمة، ومتى تعرض هذا الأصل للتشويش أو الشبهة، فإن ذلك يخالف حتمًا مقاصد الشريعة وتعاليمها السامية، وهكذا كان الاعتراف بحلية التعدد وشروطه أحد أحكام الشريعة الخالدة. أما ما يتعلق بالنقطة الثانية والمتمثلة في وجود المضرة في التعدد، فلا بد من إقامة الدليل على ذلك؛ لأن من مقاصد النكاح الأساسية في نظر الشرع حسن المعاشرة، وجعل الإضرار بالزوجة اختلالًا مفضيًا إلى فسخ عقد النكاح بحكم الحاكم بالطلاق إذا ثبت الضرر.

ويحسب ابن عاشور أن تحديد تعدد الزوجات إلى الأربع دون زيادة ناظر إلى تمكين الزوج من العدل وحسن المعاشرة، كما أومأ إليه قوله تعالى: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3][77].

وقد عاب العلامة المقاصدي ظاهرة التعدد عند أهل البادية في وقته، حيث رأى أنهم يعددون؛ لأجل كسب اليد العاملة باستغلال النساء في أعمالهم اليومية كالزراعة والتجارة مثلًا. وفي مقابل ذلك امتدح فعل أهل المدن بالاكتفاء بواحدة فقط[78]. ومن خلال الفتوى نلحظ أن ابن عاشور استند إلى قاعدة “اعتبار المآل”، وذلك بالنظر لما أصبح يؤول إليه تعدد الزوجات من الخروج عن مقاصد الزواج الشرعي ومنها: تكثير النسل في المسلمين، وحفظ النوع البشري، والعفاف في الدين… فأصبح الناس –خاصة أهل البادية- يعددون لأجل أعمال زراعتهم وتنشيط تجارتهم؛ ما قد يفضي إلى مآلات فاسدة وعواقب وخيمة، ومنها: الميل إلى الزوجة العاملة دون غيرها، وذلك بتفضيلها على البقية، والتفريط في التربية والتنشئة الحسنة للأبناء بالانشغال بالأمهات عنهم، وكثرة حالات الطلاق، وجعل النساء كالسلع في التداول، بما أنه يتزوجهن لأجل العمل… وكل ما سبق ذكره يخالف مقاصد أحكام الأسرة، وينافي أيضًا مقاصد النكاح وقيمه السامية.

وبناء على ما سبق ذكره، يرى ابن عاشور أن للحاكم أن يمنع من التعدد؛ حذرًا من الوقوع في هذه المآلات الفاسدة أو زيادتها، وحفاظًا على مقاصد نظام المجتمع ومقوماته، لذلك كله جاز للحاكم أن يعطل العمل بالنص، وهو من باب منع المباح؛ لوجود مضرة فيه، والتاريخ الإسلامي حافل بأمثلة مثله تعاطاها الصحابة رضوان الله عليهم، ومنها: جمع الناس على مصحف واحد، وحرق ما عداه من المصاحف أيام سيدنا عثمان بن عفان، والعدول عن إعطاء سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، وتعطيل العمل بحد السرقة عام المجاعة أيام عمر بن الخطاب، وهذا تفسير النقطة الثالثة في فتوى ابن عاشور.

وقد علق الشيخ محمود شمام على الفتوى السابقة بقوله: “وبالرجوع إلى الأساس الذي أشار إليه الأستاذ ¬ نجد أن الأصل يقتضي الوجوب أو المنع أما ما هو مباح وجائز فإنه لولي الأمر أن يعطل هذه الإباحة لمصلحة تقتضي ذلك، وحكم الحكم يرفع الخلاف”[79].

قاعدة: من مقاصد التشريع: تيسير المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان:

نموذج الفتوى رقم: 104: جواز المساقاة في الشجر المخلف للأثمار.

أفتى الشيخ الإمام بجواز المساقاة في الشجر المخلف للأثمار، معتبرًا تكثير المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان مقصودة في الشريعة، مخالفًا في ذلك رأي إمام مذهبه، كما أفتى بتأجيل هذه المساقاة في الشجر المخلف للأثمار كالموز أجلًا يحصل به الانتفاع للعامل، وعده خيرًا من إبطال المساقاة في مثله[80].

وقد بنى العلامة ابن عاشور فتواه على مقاصد الشريعة، فهذه الأخيرة قصدت من تشريعها في التصرفات المالية إنتاج الثروة للأفراد ولمجموع الأمة، والثروة تتقوم من المتمولات ومن العمل. فالعمل أحد أركان الثروة وآلة استخدام ركنيها الآخرين. إن القول بالجواز في الفتوى قائم على مقاصد ثمانية استقرئت من ينابيع السنة في مثل هذه المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان، وهذا مدلول كاف لاغتفار الغرر فيها، فلولا الحاجة إليها لما اغتفرت الشريعة فيها ما لم تغتفره في المعاملات المالية، وقد رجعت بذلك إلى قسم المصالح الحاجية، وقد أعطى الأنصار حوائطهم للمهاجرين على أن يكفوهم العمل ولهم نصف الثمرة… [81]. وجاء في المقصد الثامن من هذه المقاصد: الابتعاد عن كل شرط أو عقد يشبه استبعاد العامل بأن يبقى يعمل طوال عمره أو مدة طويلة جدًّا، بحيث لا يجد لنفسه مخرجًا، ولأجل هذا نجد علماءنا يقولون بفساد المساقاة في الشجر الذي لا ينقطع إثماره في وقت من السنة كشجر الموز والقصب، وكذلك ما تطول مدة إثماره؛ لصغره كالمساقاة في وادي النخل، ونشء شجر الزيتون[82]. وقد أفتى علماء إفريقيا أن تلقيح الشجر الذي لا ينتفع به كجبوز[83] الزيتون الضيق في جبل وسلات بقرب القيروان، أن ذلك يجري مجرى المغارسة لا مجرى المساقاة[84].

 واستحضارًا لكل المقاصد أفتى ابن عاشور أن تأجيل مدة المساقاة في الشجر المخلف للأثمار كالموز أجلًا يحصل به الانتفاع للعامل خير من إبطال المساقاة في مثله. معتبرًا أن تكثير هذه المعاملات البدنية، وحفظ حقوق العامل فيها مقصودة في الشريعة الإسلامية.

قاعدة: استحضار الأعراف والعادات؛ لأن مقصد التشريع: تغيير وتقرير:

 الفتوى رقم: 75: في لبس قلنسوة أهل الكتاب.

أيّد ابن عاشور فتوى محمد عبده في جواز لبس البرنيطة أو القلنسوة[85] خاصة أن بعض شيوخ تونس أفتوا بعدم جواز لبسها ومنهم الشيخ محمد السنوسي في “الرحلة الحجازية”، وجنح إلى أن لبسها ردة عن الدين، ثم فتوى الشيخ محمد بن الخوجة الحنفي القاضية بأن لبس البرنيطة كفر وخروج عن الملة[86].

          لقد وظف ابن عاشور نزعته المقاصدية فأفتى بخلاف شيوخ تونس فأجاز لبس البرنيطة أو القلنسوة، وقد ارتكزت فتواه على أسس ثلاثة وهي: أولًا: أن اللباس لا دخل له في الدين، وإنما يحرم منه ما كان من لباس الدين كالزنار لباس الكنيسة؛ ثانيًا: اختلاف الشعوب في اللباس مع عدم اقتضاء ذلك الاختلاف في الدين؛ ثالثًا: أن لباس النبي ‘ وأصحابه رضوان الله عليهم كان موافقًا للباس المشركين.

          وبخصوص النقطة الأولى فالشيخ الإمام يرى أن اللباس خاضع للعادات والأعراف، فالإسلام لم يحرم منه إلا ما كان لباسًا دينيًّا خاصًّا لأهل فرقة دينية، عرفوا واشتهروا به كالزنار لنصارى الكنيسة، أما أن يلبس الإنسان لباس شيء من ثياب الكفر فليس هذا دليل على كفره، يقول الشيخ الإمام معللًا ذلك: “أما مسألة القلنسوة فحسبهم من حيث التقليد أن الفقهاء ما قالوا أن لبس أي شيء من ثياب الكفار موجب للردة، إلا لباس الدين، حيث ينضم إليه قرائن تفيد كثرتها قطعًا بأن صاحبه انسلخ عن الدين”[87]. ويتعجب العلامة المقاصدي كيف يربط المفتي بين اللباس والردة والكفر، فيعقب قائلًا: “فإن كنا من أهل النظر قلنا: إن الردة والإيمان أمران لا يتعلقان إلا بالفؤاد فالإسلام شيء يتعلق بالإذعان إلى الأحكام الشرعية، والإعلان بتصميم القلب على تصديقها، فلا يبطلان إلا حيث انهدمت هذه المقومات، وربما كان بعض اللباس مع بعض القرائن مؤذنًا بانسلاخ صاحبه عن الإسلام”[88]. فالردة عن الإسلام –حسب ابن عاشور- تقضي أن يلبس الإنسان لباس الدين لا لباس الأمة، وينضم إلى ذلك ترك الإعلان بكلمة الإسلام والتردد على شعائره… أما التزام عادة من عادات الكفار لحب في العادة لا في دين أهلها، أو لانطباق على حاجة الرقي في الوجود المدني فليس من الكفر في شيء”[89].

لم يخرج ابن عاشور في تعليلاته لإباحة لبس البرنيطة عما أصّله الشيخ محمد عبده في فتواه فهو يقول: “أما لبس البرنيطة إذا لم يقصد فاعله الخروج عن الإسلام والدخول في دين غيره فلا يعد مكفرًا، وإذا كان اللبس لحاجة من حجب شمس أو دفع مكروه، أو تيسير مصلحة لم يكره كذلك لزوال معنى التشبه بالمرة”[90]؛ أما بخصوص النقطة الثانية فإن اختلاف الشعوب في اللباس لا يقتضي قطعًا اختلافهم في الدين، فليس إسلام العربي في عمامته، وإلا لكفر إذا خلعها عند وضوئه، ولا كفر الكافر في قبعته، وإلا كان مسلمًا إذا كشف رأسه للسلام.

وقد ارتكزت فتوى ابن عاشور مقاصديًّا على أن مقصد التشريع: تغيير وتقرير، فالمقام الأول يقتضي تغيير الأحوال الفاسدة وإعلان فسادها، أما المقام الثاني فيقتضي تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس، وهي الأحوال المعبر عنها بالمعروف”[91]. وإذا نزلنا هذه المقاصد على اللباس، وجدنا أن الإسلام قد غير ما كان لباسًا دينيًّا فقط، واشتهرت به طائفة أو أمة تدين بدين معين كالزنار للنصارى، أما لباس الأمة والشعب فهو مقرر ولا يحتاج إلى قول، فقد كان الناس يدخلون في دين الله أفواجًا على عهد رسول الله ’ والخلفاء الراشدين، فما سمعنا – ولو كنا سمعنا شيئًا تتوفر دواعي العلماء على نقله ولا يعقد به شيوعه على وصول ذكره- أحدًا منهم أمر الفارسي أن يتحول إلى اللباس العربي، ثم مشاهدة المساواة اليوم بين مسلمي القطر الواحد وكفاره في زي واحد شاهد على ما نقول[92].

أما ما يتعلق بالنقطة الثالثة، فهل كانت ثياب رسول الله ‘ وأصحابه إلا كثياب العرب؟ أم هل علمنا أنهم حين دخلوا في الحنيفية استبدلوا لبوسهم؟ [93]. كلا إن الدين أكبر من أن يهتم بما يهتم له سخفاء المزينين، أما أن يستبدل الرجل زيّ قومه بزي آخر بلا سبب ودون مسوغ فشيء يدل على سخافة عقل وانحراف إدراك، لذلك يكون محط سخرية للناس وتقززهم منه، دون أن يكون ذلك ردة منه، ولا حكمًا على كفره من طرف الآخرين.

قاعدة: اعتبار المآل المفضي للمصالح أو المفاسد:

نموذج الفتوى رقم 63: الحرب والفطر في رمضان.

وجه الوزير الأكبر الهادي الأخوة سؤالًا إلى الشيخ يتعلق بصيام العساكر المسلمين في رمضان سنة 1356هـ/1939م، هل يعفون من الصيام لتبقى لهم قواهم كاملة؟ حيث إن الصوم من شأنه أن يحط من قواهم بالنسبة للعدو؟ فأجاب الشيخ: “إن العسكر المذكورين يجوز لهم فطر رمضان ما داموا في حالة حرب والمشاركة فيه”[94].

لقد انبنت فتوى الشيخ على أصول نصية أهمها أحاديث الرسول صلى الله عيه وسلم وسنته العملية، ثم دعمتها مرتكزات مقاصدية؛ فقد كان عليه السلام: ” يأمر الجيش في رمضان بالفطر، ويقول لهم: “تقووا لعدوكم”[95]. قال أبو الوليد الباجي: “كان قوله ذلك هو سبب وجوب الفطر أو ندبه”[96]. وقال ابن العربي: “قال علماؤنا: الفطر في الغزو أفضل من الصوم لما فيه من القوة على الحرب”[97]. أما المرتكزات المقاصدية في الفتوى فكثيرة ومنها: إن من مقاصد الحرب في الإسلام تجنب أسباب الضعف للجنود أمام العدو، ورفع المشقة عنهم حتى يكونوا في كامل قواهم البدنية، وتلك ذريعة إلى تحقيق النصر ورفع راية الإسلام.

لم يبق مجال للشك -يخالج به نفس الناظر- في أن أهم مقصد للشريعة من التشريع هو انتظام أمر الأمة بجلب الصالح لها ودرء الضر والفساد عنها، وقد استشعر الفقهاء في الدين كلهم هذا المعنى في خصوص صلاح الأفراد، خاصة إذا تعلق الأمر بالحرب، وإعلاء كلمة الله، فكان وجوب توفر القدرة على الحرب في الجنود، وتجنب أسباب الضعف مقصدًا مهمًّا، وذريعة للنصر، وردع الأعداء. أما المرتكز الثاني للمقاصد في الفتوى فيتعلق بالرخصة، فإن الفقهاء إنما فرضوا الرخص ومثلوها في خصوص أحوال الأفراد؛ دفعًا للمشاق التي تصيبهم. فكان الفطر في رمضان رخصة لاقتران الحرب بها، فكان جواز الفطر للجنود في رمضان رخصة، ويجب عليهم أن يقضوا ما أفطروه منه حين يرجعون من الحرب.

          والرخصة عند ابن عاشور- هي وصف للفعل يجعل به الصلاح أي: النفع منه دائمًا أو غالبًا للجمهور أو للآحاد. فالمصلحة هي كاسمها شيء فيه صلاح قوي[98]. ثم إن مقصد الشريعة في نظام الأمة أن تكون قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال، ولا يتحقق ذلك لها إلا بالجهاد، وبث الرعب والخوف في قلوب الأعداء، واستحضارًا لهذه المقاصد أفتى ابن عاشور بجواز فطر العسكر في رمضان، ثم قضاء أيام الفطر بعد الرجوع من الحرب.

قاعدة: استحضار مقاصد ضبط أحكام العائلة وانتظامها في التشريع:

* نموذج الفتوى رقم 93: شروط ثبوت الرضاع.

ورد على الشيخ سؤال نصه ما يأتي: رجل تزوج بامرأة زواجًا شرعيًّا، ورزق منها بعدة بنين وبنات، ولكنه كان يحس بنفور من زوجته، وكلما هم بطلاقها خاف الإثم؛ لأنها لم تقترف ذنبًا، ولكن بعد بحث عن سبب هذا النفور حدثته بعض قواعد العائلة بأنها أخته من الرضاع، وهنا وقعت الطامة الكبرى. فما هو الحكم في هاته المسألة؟ [99].

استحضر ابن عاشور من خلال نظره المقاصدي مقاصد أحكام العائلة، وما يتفرع عنها من أحكام آصرة النكاح، ثم أحكام آصرة القرابة، ثم أحكام آصرة الصهر، وما قد تؤول إليه الأسرة –خاصة الأبناء والبنات- من مآلات فاسدة منها: تشرد الأبناء وضياعهم، وتعرض المرأة للطلاق، فحكم بأن خبر المرأة غير ملتفت إليه؛ لأنها فاسقة بسكوتها على رؤية المنكر[100].

وإن لم تكن عالمة بالمعاشرة بين الزوجين إلا حين سؤالها، فإخبارها أيضًا غير موجب شرعًا لفسخ نكاح على المشهور، إذ يشترط في ثبوت الرضاع الموجب للفسخ أن يكون بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأة عدلين أو امرأتين عدلين إذا كان قولهما فاشيًا قبل العقد[101]. ولكن في المشهور يستحب للزوج أن يتنزه عن استدامة هذه الزوجية مراعاة لرواية من روى عن مالك ¬ فسخ النكاح بشهادة امرأة واحدة عدلة إذا كان قولها فاشيًا قبل العقد[102]. أما إذا لم يكن قول المرأة فاشيًا قبل العقد بأنها أخته من الرضاع، ولم تخبر الزوج بذلك، ولا رفعت أمرها إلى القاضي فخبرها غير ملتفت إليه لما يترتب عليه من مآلات فاسدة تهدم كيان أسرة كاملة، وما يترتب على ذلك من ضياع حقوق الأبناء وتشردهم.

خاتمة

إن مبحث الاجتهاد المقاصدي هو بحث جدير بالاهتمام، فقد رسخ ابن عاشور أسسه النظرية في كتابه “مقاصد الشريعة الإسلامية”، ثم قام بتنزيل مضامينه على فتاواه، لكن الدراسات العلمية التي تطرقت إلى تنزيل الاجتهاد المقاصدي على الفتاوى لازالت تراوح مكانها، ولم تأخذ بعد حظها من الدراسة والتحليل، وأنا لا أدعي استيفاء هذا الأمر حقه، ولكن يبقى هذا البحث محاولة لجذب الأنظار إلى أهمية هذا البحث وضرورته، خاصة أن نظرية المقاصد كما وظفها ابن عاشور تهتم بالشريعة في كلياتها وغاياتها الاجتماعية، وبذلك تتوسع دائرة التشريع بشكل كبير، ويصبح مدار إجراء الأحكام ما تلاءم مع المقاصد العامة للتشريع. إلا أن أثر المقاصد في الواقع لا ينجلي إلا بالتطبيق الذي يعني وضع الأحكام الشرعية مواضعها من حوادث الناس ونوازلهم التي يحدثونها في حياتهم بتصرفاتهم القولية أو الفعلية وإخضاعها إلى هذه الأحكام وفق مراد الشارع، لا حسب أهواء الناس وشهواتهم.

                ومن أهم نتائج البحث ما يأتي:

– يتجلى أثر المقاصد في النوازل الفقهية في توجيهها، بحيث يهتدي كل مجتهد بمقصود الشارع، لا يملك الخروج عنه، كما يتجلى في تقويم عمله بحيث مهما اختلفت الآراء الفقهية فإنها تتفق على الرأي الصواب، ولا يتحقق ذلك إلا بجلب المصالح للمكلفين، ودر المفاسد عنهم وفق مراد الشارع.

– تكمن أهمية الاجتهاد المقاصدي في حفظ مصالح المكلفين؛ فالمقاصد معانٍ تتضمنها مصالح محفوظة بأمرين: إما بجلبها أو درء المفاسد عنها، والمصالح المجتلبة بعضها آكد من بعض، و المفاسد المدروءة بعضها أشد ضررًا من بعض، ولا سبيل إلى التميز بين أفراد المصالح لترتيبها حسب أهميتها، وبين أفراد المفاسد لترتيبها حسب خطورتها إلا بالاجتهاد المقاصدي، ومدى براعة المجتهد في تنزيل أسسه، والعمل وفق مرتكزاته في أحكام الفتاوى.

– إن المقاصد الشرعية توجه الاجتهاد الفقهي توجيهًا مقاصديًّا، وتصلحه، وترشده وتقومه. باعتبار أن الاجتهاد هو الأس والمفتاح للخير كله متى نشأ صحيحًا، موافقًا لمراد الشارع، وفي مقابل ذلك هو المبدأ والمفتاح لكل شر متى نشأ فاسدًا، مخالفًا لمقاصد الشارع مجانبًا لمصالح المكلفين.

– تنوع قواعد الاجتهاد المقاصدي ومرتكزاته عند ابن عاشور.

– جمع العلامة الطاهر ابن عاشور بين الاجتهاد المقاصدي نظريًّا وتطبيقيًّا، حيث فعّله بشكل قوي وحضور وازن في فتاواه وبذلك يمكن أن نتحدث عن نظرية كاملة للمقاصد عنده.

أما توصيات البحث فأجملها على النحو الآتي:

– الاهتمام بالدراسات التنزيلية للاجتهاد المقاصدي عند مختلف الأعلام في مختلف المذاهب الفقهية؛ لإغناء المكتبة الإسلامية ببحوث تطبيقية في مجال المقاصد، وسدًا لفراغ علمي في هذا التخصص.

– الدعوة إلى تفعيل المقاصد في مختلف مجالات التراث النوازلي: اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ثقافيًّا، وسياسيًّا.

– الاستفادة من اجتهادات ابن عاشور المقاصدية في مختلف المسائل الفقهية لتصنيف معجم لمفردات المقاصد الشرعية ومعانيها.

– تكثيف الدراسات والبحوث حول مصنفات رواد المقاصد وصياغتها ضمن محاور دقيقة ومحددة في مختلف مجالات الفقه والأصول والحديث و القرآن والجدل.

– تخصيص دراسات عميقة لأنواع الاجتهاد والاستدلال عليها من خلال التراث النوازلي المالكي.

– تنظيم ملتقيات علمية يؤطرها مختصون وأكاديميون في مختلف التخصصات حول سبل الاستفادة من قواعد الاجتهاد المقاصدي في معالجة القضايا الشائكة والمستعصية المعاصرة.

المصادر و المراجع

  1. ابن العربي، أبو بكر، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، تحقيق محمد عبد الله ولد كريم، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط، 1، 1992م.
  2. ابن بدران، عبد القادر، المدخل الى مذهب أحمد بن حنبل، تحقيق عبد بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401ه/ 1981م.
  3. ابن بيه، عبد الله، علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط، 2006 م.
  4. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، بيان الدليل على بطلان التحليل، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، ط1، 1418ه، 1998م.
  5. ابن جزي، محمد بن أحمد، القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية و الحنبلية، تحقيق الدكتور محمد بن سيدي محمد مولاي. دت، دط.
  6. ابن رشد الجد، محمد بن أحمد، المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام والشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، تحقيق الأستاذ سعيد أحمد أعراب، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1408هـ، 1988م.
  7. ابن رشد الحفيد، أبو الوليد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، اعتنى به الشيخ هيثم خليفة طعيمي، صيدا بيروت، المكتبة العصرية، ط، 1427هـ، 2006م.
  8. ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية للنشر، ط، 1986م.
  9. ابن عاشور، محمد الطاهر، فتاوى الشيخ الإمام، جمع وتحقيق الدكتور محمد بن إبراهيم بوزغيبة، مراجعة قسم الدراسات والنشر بمركز الماجد للثقافة والتراث، دبي، ط1، 1425هـ، 2004 م.
  10. ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق محمد الطاهر ميساوي، الأردن، عمان، دار النفائس، عمان ط، 2010م.
  11. ابن فارس، أحمد بن زكريا(ت 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار الفكر، بيروت، د ت.
  12. ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ط، 1، 1406هـ، 1986م.
  13. ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، مصر، طبعة إدارة الطباعة المنيرية، دت.
  14. ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، بيروت، دار الكتب العلمية.
  15. ابن ماجه، أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 273هـ)، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، دت، دط.
  16. ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، تحقيق مجموعة من الأساتذة، دار المعارف، دت.
  17. أبو البصل، عبد الناصر، المدخل إلى فقه النوازل، الأردن، اربد، جامعة اليرموك، دط، دت.
  18. الأصفهاني، الراغب، معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، بيروت، المكتبة العصرية، 1432ه، 2012م.
  19. آيت سعيد، عبد السلام، الاجتهاد المقاصدي: مفهومه مجالاته ضوابطه، موقع مغرس، ( مقال الكتروني ).
  20. الباجي، سليمان بن خلف بن سعد، المنتقى شرح الموطأ، القاهرة، مصر، مطبعة السعادة، ط، 1، 1332هـ.
  21. البغدادي، عبد الوهاب، التلقين في الفقه المالكي، تحقيق ودراسة محمد ثالث سعيد الغاني، الرياض، مكتبة نزار مصطفى الباز، دت، دط.
  22. البغدادي، عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس، تحقيق ودراسة حميش عبد الحق. والكتاب أصله رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى بمكة،، مكة المكرمة، المكتبة التجارية، دت.
  23. البناني، محمد بن عبد السلام، حاشية البناني على المحلى على جمع الجوامع، دار الفكر، دت.
  24. بنعمر، محمد، من الاجتهاد في النص إلى الاجتهاد في الواقع، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2009م.
  25. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسرورجدي أبو بكر البيهقي (458هـ)، السنن الصغرى، تحقيق عبد المعطي أمين قلعه جي، كراتشي، باكستان، جامعة الدراسات الإسلامية،، ط، 1 1410هـ، 1989م.
  26. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسرورجدي أبو بكر البيهقي (ت 458هـ)، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط، 3، 1424هـ، 2003م.
  27. الجرجاني، علي بن محمد السيد، التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي، القاهرة، دار الفضيلة، دط، دت.
  28. الجويني، عبد الملك، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب، قطر، ط1، 1379ه.
  29. الحجوي، محمد، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، تـ. عبد العزيز القارئ، المكتبة العالمية. مدينة الرسول ‘. ط1، 1396هـ.
  30. الخادمي، نور الدين، الاجتهاد المقاصدي، الكويت، كتاب الأمة، عدد، 65.
  31. الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي(ت 666هـ)، مختار الصحاح، الدين تحقيق يوسف الشيخ محمد، بيروت، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، ط، 5، 1420هـ، 1999م.
  32. الريسوني، أحمد، الفكر المقاصدي قواعد وفوائده، الجديدة، مطبعة النجاح، منشورات الزمن كتاب الجيب، 1999م.
  33. السبكي، عبد الباقي وتاج الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، ط، 1984م.
  34. السنوسي، محمد، الرحلة الحجازية، تحقيق علي الشنوفي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، ط، 1396ه، 1976م.
  35. السوسي، محمد بن يونس، الفتاوى التونسية في القرن 14 هـ، تونس، ط، 1986م.
  36. الشاطبي؛ إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، بيروت، دار الكتب العلمية، ط8، 2011م.
  37. عبده، محمد، الفتاوى في التجديد والإصلاح الديني، سوسة تونس دار المعارف، ط، 1989 م.
  38. العز، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، فتاوى سلطان العلماء، تعليق عبد الرحمان بن عبد الفتاح، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1406ه، 1986م.
  39. الفيومي، أحمد بن محمد بن علي(ت 770هـ)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق عبد العظيم الشناوي، القاهرة، دار المعارف، ط، 2. د ت.
  40. القحطاني، مسفر بن علي، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، دار ابن حزم، ط، 2006م.
  41. القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، تحقيق: د. محمد حجي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994م.
  42. القرضاوي، يوسف، الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها، القاهرة، دار الشروق، ط2، يونيو2010م.
  43. القرضاوي، يوسف، الفتوى بين الانضباط والتسيب، القاهرة، دار الصحوة، ط1، 1408ه، 1988م.
  44. قطب، مصطفى سانو، معجم مصطلحات أصول الفقه، تقديم ومراجعة محمد رواس قلعجي، دمشق، دار الفكر، ط1، 1420ه، 2000م.
  45. قلعه جي، محمد رواس، قنيبي حامد صادق، معجم لغة الفقهاء، بيروت، دار النفائس، ط2، 1408هـ، 1985م.
  46. مالك، بن أنس بن عامر الأصبحي المدني، (ت 179هـ)، الموطأ، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت لبنان، دار إحياء التراث العربي،، ط، 1، 1406هـ، 1985م.
  47. مالك، بن أنس، المدونة الكبرى، مصر، مطبعة السعادة، دت، دط.
  48. مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري (ت 261هـ)، صحيح مسلم، بيروت، دار صادر، ط، 1، 1425هـ، 2004م.
  49. المواق، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الغرناطي، التاج والإكليل لمختصر خليل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط، 1، 1416هـ، 1994م.
  50. هلال، هيثم، معجم مصطلحات الأصول، تحقيق محمد التونجي، دار الجيل، ط1، 1424ه، 2003م.

[1] – ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، تحقيق مجموعة من الأساتذة، دار المعارف، دت، 3/225. مادة (جهد).

[2] – المرجع السابق: 3/225.

[3] – الأصفهاني، الراغب، معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، بيروت، المكتبة العصرية، 1432ه، 2012م، ص، 115، جهد.

[4] – القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، تحقيق: د. محمد حجي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994م، 1/139.

[5] – الجرجاني، علي بن محمد السيد، التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي، القاهرة، دار الفضيلة، دط، دت، ص، 10.

[6] – الحجوي، محمد، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، تـ. عبد العزيز القارئ، المكتبة العالمية. مدينة الرسول ‘. ط1، 1396هـ. ص، 250.

[7]– الشاطبي؛ إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، بيروت، دار الكتب العلمية، ط8، 2011م، 4/64.

[8] – ” جعل بعض المتأخرين أقسام المجتهدين على خمس مراتب، وممن علمناه جنح إلى هذا التقسيم: أبو عمرو بن الصلاح، وابن حمدان – من أصحابنا – في كتابه: “ادب المفتي” وتلاهما شيخ الاسلام أحمد بن تيمية فإنه نقل في: ” مسودة الأصول” كلام ابن الصلاح و لم يتعقبه، وتبعهم العلامة الفتوحي في آخر كتابه: “شرح المنتهى”.

انظر: “المدخل الى مذهب أحمد بن حنبل” للعلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق عبد بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401ه/ 1981م: ص: 374 و375.

[9] – هو: ” تقديم أحد طريقي الحكم لاختصاصه بقوة الدلالة، ورجحان الدليل عبارة عن كون الظن المستفاد منه أقوى”.

انظر: “المدخل إلى مذهب أحمد بن حنبل” ص: 395.

[10] – وهو: ” الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية وبيان مضامينها ومعانيها وأحكامها. ويحتاج إليه في الفهم السليم لكافة النصوص التي قد يكون في ألفاظها ومعانيها نوع من الخفاء أو الالتباس”. انظر: ” الاجتهاد الفقهي وأنواعه” لاحمد الريسوني، منشور في موقعه الشخصي بتاريخ: الجمعة 09 رمضان 1436 ه/ 26/06/2015 م.

[11] – والمراد به الاجتهاد المعتمد على القياس. أي قياس الوقائع الجديدة التي لا نص فيها، على نظائرها المساوية لها في علة الحكم. فهذا النوع من الاجتهاد ينحصر في الوقائع الجديدة، لكنها مماثلة لتلك المنصوص عليها. والاجتهاد هنا يكمن في التأكد من كون الحالة غير منصوص عليها، وفي أن هناك حالة مماثلة منصوص عليها، وأن الحالتين بينهما عنصر مشترك هو علة الحكم. فإذا تأكد الفقيه من كل ما سبق، أصدر الحكم في الحالة المستجدة، بمثل ما هو عليه في الحالة المنصوصة. انظر مقال: ” الاجتهاد الفقهي وأنواعه” للدكتور الريسوني، أحمد، (مقال الكتروني).

[12] – يراد به تحقيق مناط الحكم المستنبط على الوقائع والأحداث؛ فإذا كان غرض الاجتهاد االقياسي هو الوصول إلى حكم الله ومراده؛ فإن الاجتهاد التنزيلي يهدف إلى تحقيق هذا الحكم والمراد على أرض الواقع فيما يسميه العلماء تحقيق المناط، وهذا النوع قال عنه الشاطبي: أنه لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف وذلك عند قيام الساعة وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله ومعناه: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله. انظر: ” الموافقات”: 4/64.

[13] – وهذا النوع من الاجتهاد يكون في المسائل التي ليس فيها نص مباشر يتضمن حكمها، وليس لها نظير مماثل تقاس عليه. فحينئذ تكون عمدة المجتهد هي المصالح والمقاصد الشرعية، فيتحرّاها ويبني عليها، مستعينا في ذلك بالأصول والقواعد الشرعية ذات الصلة، مثل: أصل المصالح المرسلة، وأصل سد الذرائع وفتحها، وقواعد الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد … انظر مقال: ” الاجتهاد الفقهي وأنواعه” للدكتور الريسوني، أحمد، (مقال الكتروني).

[14]– الخادمي، نور الدين، الاجتهاد المقاصدي، الكويت، كتاب الأمة، عدد، 65، 1/39.

[15]– بنعمر، محمد، من الاجتهاد في النص إلى الاجتهاد في الواقع، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2009م، ص، 117.

[16]– آيت سعيد، عبد السلام، الاجتهاد المقاصدي: مفهومه مجالاته ضوابطه، موقع مغرس، ( مقال الكتروني ).

[17]– الريسوني، أحمد، الفكر المقاصدي قواعد وفوائده، الجديدة، مطبعة النجاح، منشورات الزمن كتاب الجيب، 1999م، ص، 34، 36.

[18]– العز، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، فتاوى سلطان العلماء، تعليق عبد الرحمان بن عبد الفتاح، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1406ه، 1986م، ص، 145.

[19]– السبكي، عبد الباقي وتاج الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، ط، 1984م، 1/07، والبناني، محمد بن عبد السلام، حاشية البناني على المحلى على جمع الجوامع، دار الفكر، دت، 2/383.

[20]– الشاطبي، الموافقات، 4/56.

[21]– الجويني، عبد الملك، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب، قطر، ط1، 1379ه، 1/91.

[22]– ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، بيان الدليل على بطلان التحليل، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، ط1، 1418ه، 1998م، ص، 351.

[23]– ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، مصر، طبعة إدارة الطباعة المنيرية، دت، 3/05.

[24]– الجويني، البرهان، 1/295.

[25]– ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، 3/05.

[26]– “علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه: “للعلامة ابن بيه: ص: 184.

[27]-السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، 1/171.

[28]– قطب، مصطفى سانو، معجم مصطلحات أصول الفقه، تقديم ومراجعة محمد رواس قلعجي، دمشق، دار الفكر، ط1، 1420ه، 2000م، ص، 134.

[29]– هلال، هيثم، معجم مصطلحات الأصول، تحقيق محمد التونجي، دار الجيل، ط1، 1424ه، 2003م، ص، 89.

[30]-القرضاوي، يوسف، الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها، القاهرة، دار الشروق، ط2، يونيو2010، ص، 61.

[31]– ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، 2/818.

[32]– الشاطبي، الموافقات، 2/323.

[33]– ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، 4/237.

[34]– أبو البصل، عبد الناصر، المدخل إلى فقه النوازل، الأردن، اربد، جامعة اليرموك، دط، دت، ص18.

[35]– انظر: لسان العرب: 5/3968 و “مختار الصحاح”: ص: 244 و”معجم مقاييس اللغة”: 5/150، “المصباح المنير”: ص: 208 و”القاموس المحيط”: 4/1372.

[36]– القرضاوي، يوسف، الفتوى بين الانضباط والتسيب، القاهرة، دار الصحوة، ط1، 1408ه، 1988م، ص، 67.

[37]– قلعه جي، محمد رواس، قنيبي حامد صادق، معجم لغة الفقهاء، معجم لغة االفقهاء، بيروت، دار النفائس، ط2، 1408هـ، 1985م، ص، 123.

[38]– القحطاني، مسفر بن علي، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، دار ابن حزم، ط، 2006م، ص، 354.

[39] – الشاطبي، الموافقات، 3/43.

[40]– الكتاب عبارة عن أطروحة دكتوراه تقدم بها محمد السويسي إلى جامعة الزيتونة.

[41]– ابن عاشور، محمد الطاهر، فتاوى الشيخ الإمام، جمع وتحقيق الدكتور محمد بن إبراهيم بوزغيبة، مراجعة قسم الدراسات والنشر بمركز الماجد للثقافة والتراث، دبي، ط1، 1425هـ، 2004 م.

[42]– انظر: السوسي، محمد بن يونس، الفتاوى التونسية في القرن 14 هـ، تونس، ط، 1986م، 1/114.

[43]– ابن عاشور، فتاوى الشيخ الإمام، ص، 20.

[44]– المرجع السابق، ص، 391.

[45]– المرجع السابق، ص، 253.

[46]– المرجع السابق: ص: 235.

[47]– المرجع السابق: ص: 300.

[48]– المرجع السابق: ص: 384.

[49]– المرجع السابق: ص: 325.

[50]– المرجع السابق: ص: 415.

[51]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 257.

[52]– المرجع السابق، ص، 376.

[53]– انظر: ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 347 و فتاوى، ص، 155، رقم، 16.

[54]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 346.

[55]– المرجع السابق، ص، 346.

[56]– المرجع السابق، ص، 346.

[57]– المرجع السابق، ص، 347.

[58]– انظر ما يأتي: ابن جزي، محمد بن أحمد، القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية، تحقيق الدكتور محمد بن سيدي محمد مولاي. دت، دط، ص، 545 و 553؛ والبغدادي، عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس، للقاضي، تحقيق ودراسة حميش عبد الحق. والكتاب أصله رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى بمكة، المكتبة التجارية، دت، 3/1091. و له أيضا، التلقين في الفقه المالكي، تحقيق ودراسة محمد ثالث سعيد الغاني، الرياض، مكتبة نزار مصطفى الباز، د ت، ر ط، 2/549؛ وابن رشد الجد، محمد بن أحمد، المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام والشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، تحقيق الأستاذ سعيد أحمد أعراب، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1408هـ، 1988م، 2/407.

[59]– الحديث أخرجه ابن ماجة في: “السنن” كتاب رقم 30: الأشربة: باب رقم: 08: الخمر يسمونها بغير اسمها رقمه: 3385: 2/1123، وأخرجه البيهقي في: “السنن الكبير”: كتاب رقم: 57: الأشربة: باب: الدليل على أن الطبخ لا يخرج هذه الأشربة… رقمه: 17383: 8/512: وفي: “السنن الصغير”: كتاب رقم: 19، الأشربة: باب تفسير الخمر التي نزل تحريمها، رقمه: 2673: 3/333.

[60]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 345.

[61]-ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 268و269.

[62]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 354.

[63]– المرجع السابق، ص، 353.

[64]– انظر: ابن جزي، القوانين الفقهية، ص، 435.

[65]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 353.

[66]– قوله تعالى: “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 119]

[67]– ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية للنشر، ط، 1986م، 5/206.

[68]– القرافي، الذخيرة، 13/415.

[69]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 91.

[70]– المرجع السابق، ص، 262.

[71]– القرافي، الذخيرة، 13/315

[72]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 354.

[73]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 91.

[74]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 364.

[75]– المرجع السابق، ص، 364.

[76]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 430.

[77]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 440.

[78]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 365.

[79]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 365.

[80]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 391.

[81]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 482.

[82]– مالك، بن أنس، المدونة الكبرى، مصر، مطبعة السعادة، دت، دط، 4/14.

[83] – يراد به: الزيتونة الجدباء. انظر: فتاوى: ص: 392.

[84]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 392.

[85]– سميت هذه الفتوى وفتوى أكل ذبائح أهل الكتاب بالفتوى الترنسفالية، وهي مقاطعة إفريقية ورد منها سؤال للشيخ محمد عبده حول حل ذبائح أهل الكتاب التي لا تتوفر فيها شروط الذكاة، ثم حكم لبس البرنيطة.

[86]-السنوسي، محمد، الرحلة الحجازية، تحقيق علي الشنوفي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، ط، 1396ه، 1976م، ص، 117.

[87]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 347.

[88]– المرجع السابق: ص: 347 و 348.

[89]– المرجع السابق، 348.

[90]– عبده، محمد، الفتاوى في التجديد والإصلاح الديني، سوسة تونس دار المعارف، ط، 1989 م، ص، 20.

[91]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 340.

[92]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 348.

[93]– المرجع السابق، ص، 348.

[94]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 319.

[95]– الحديث أخرجه مالك في الموطأ: كتاب رقم: 18: الصوم: باب: ما جاء في الصيام في السفر، رقمه: 22: 1/294. وأخرجه البيهقي في: “السنن الكبير”: كتاب رقم: 11: الصيام: باب: تأكيد الفطر في السفر… رقمه: 8150: 4/407.

[96]– الباجي، سليمان بن خلف بن سعد، المنتقى شرح الموطأ، القاهرة، مصر، مطبعة السعادة، ط، 1، 1332هـ، 2/49.

[97]– ابن العربي، أبو بكر، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، تحقيق محمد عبد الله ولد كريم، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط، 1، 1992 م، 2/495.

[98]– ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص، 278.

[99]– ابن عاشور، فتاوى، ص، 371.

[100]– المرجع السابق: ص: 371.

[101]– ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ط، 1، 1406هـ، 1986م، 1/295.

[102]– انظر: ابن رشد الحفيد، أبو الوليد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، اعتنى به الشيخ هيثم خليفة طعيمي، صيدا بيروت، المكتبة العصرية، ط، 1427هـ، 2006م، 2/59. والمواق، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الغرناطي، التاج والإكليل لمختصر خليل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط، 1، 1416هـ، 1994م، 4/171.