خاص هيئة علماء فلسطين

    

أحمد باسم سعدي أبو دلال ([1])

الملخص:

هذه الدِّراسة محاولة للكشف عن الإجماع في الفكر الأصوليِّ للقاضي عبد الجبَّار المعتزليِّ، إمام أهل الاعتزال في زمانه، وصاحب كتاب العُمد الذي يعتبر أحدَ أركان علم أصول الفقه.

وقد تناول الباحث مجموعةً مِن المسائل المتعلِّقة بالإجماع عند القاضي، وهي: كيفيَّة استدلال القاضي على حجيَّة الإجماع، وبيان مَن يعتدُّ بإجماعهم، وهل إجماع المؤمنين في كلِّ عصر حجَّة، وحكم انعقاد الاجماع مع مخالفة الواحد أو الاثنين، وطريقة معرفة الإجماع، واختلاف الصَّحابة في المسألة الواحدة على قولين، وحكم إحداث قول ثالث، وفي الإجماع إذا حصل بعد الخلاف، وإجماع أهل المدينة، وانعقاد الإجماع عن طريق القياس والاجتهاد، والإجماع السُّكوتيّ.

This research aims to uncover the consensus (ijma’) in the juristic thought of Judge Abdul-Jabbar Al-Mu’tazili، the leading figure of Mu’tazilite theology in his time، and the author of the book “Al-Umdah، ” considered one of the pillars of the science of Usul al-Fiqh (Principles of Islamic Jurisprudence). The researchers addressed various issues related to consensus، such as how the judge derives the authority of consensus، who acknowledges their consensus، the consensus of believers in every era as an argument، the ruling on consensus when one or two disagree، methods of identifying consensus، differences among the companions in a matter with two opinions، the ruling on introducing a third opinion، consensus occurring after a dispute، consensus of the people.

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، حمدًا يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، ونصلي ونسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيِّدنا محمَّد، وعلى آله، وأصحابه، ومَن سار على دربه إلى يوم الدِّين. وبعد:

فقد كان القاضي عبد الجبَّار بن أحمد (تـ. 415/1025) – رحمه الله – إمامَ أهل الاعتزال في زمانه، حتَّى أطلق عليه المعتزلة لقبَ قاضي القضاة، بل لم يطلقوا هذا اللقب على أحد من علمائهم سواه.

وقد حظي تراث القاضي عبد الجبَّار في علم أصول الفقه باهتمام العلماء من بعده، فلا نكاد نجد مصنَّفًا في هذا العِلْم يخلو من عَرْضٍ ومناقشة لآرائه ومقولاته في مسائله؛ اعترافًا بأهمِّيتها وتقديرًا لمنزلة صاحبها وأثرِه في تطوُّر هذا العلم.

 وقد عبَّر عن ذلك الإمامُ الزَّركشي أحسنَ تعبير، حيث قال: “وجاء مَنْ بعده (أي: مَنْ بعد الشَّافعيِّ) فبيَّنوا وأوضحوا وبسَّطوا وشرحوا، حتَّى جاء القاضيان: قاضي السُّنَّة أبو بكر بن الطَّيِّب وقاضي المعتزلة عبد الجبَّار، فوسَّعا العبارات وفكَّا الإشارات، وبيَّنا الإجمال ورفعا الإشكال، واقتفى النَّاس بآثارهم وساروا على لاحبِ نارهم، فحرَّروا وقرَّروا وصوَّروا، فجزاهم الله خيرَ الجزاء ([2])“.

 وقد عَدَّ ابنُ خَلْدون كتابَ “العُمَد” للقاضي عبد الجبَّار أحدَ مصنَّفاتٍ أربعة في أصول الفقه هي “قواعد هذا الفن وأركانه”، التي لخصَّها مِن بعدُ: “فحلان من المتكلِّمين، وهما الإمام فخر الدِّين بن الخطيب في كتاب المحصول، وسيف الدِّين الآمديُّ في كتاب الإحكام ([3])“.

ولكنَّ آراءَه واختياراته في أصول الفقه لم تَلْقَ مثلَ تلك العناية من التَّحقيق والدَّرس التي لقيها تراثُه الكلاميُّ، على الرَّغم من مكانته في هذا العلم، كما شهد بذلك الزَّركشيُّ وابن خَلْدون، وقد نُسبت للقاضي عبد الجبَّار عدَّة ُكتب في أصول الفقه، منها “النِّهاية” و”العُمَد” و”شرح العُمَد”؛ ولكنَّ هذه الكتب ما زالت مفقودة، ومِن الكتب الموجودة له في أصول الفقه كتاب “الشَّرعيات”، وهو الجزء السَّابع عشر من كتابه الموسوعي “المغني في أبواب التوحيد والعدل”، وكتاب “شرح العُمد”، لتلميذه أبي الحُسين محمَّد بن عليِّ الطيب البصري (تـ. 436/1044).

وفي هذا البحث نلقي الضُّوءَ على الإجماع في الفكر الأصوليِّ للقاضي عبد الجبَّار؛ لنقف على جزء من فكره ومنهجه، وكيفيَّة تقعيده للقواعد الأصوليَّة.

أهداف البحث

يتطلع الباحث من خلال هذا البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية:

  1. بيان مكانة القاضي عبد الجبَّار في الفكر الإسلاميِّ.
  2. تحليل وتركيب ومناقشة الإجماع في الفكر الأصولي للقاضي عبد الجبَّار، وبيان استدلال القاضي عبد الجبَّار لحُجِّيَّته.
  3. الوقوف على الإجماع في الفكر الأصولي للقاضي عبد الجبَّار، وبيان كيفيَّة تأصيله وترتيبه واستدلاله به.
  4. إظهار منهج القاضي عبد الجبَّار في تقرير المسائل والقواعد الأصوليَّة، وتوضيح بعض الخصائص الكبرى لمنهجِيَّته الأصوليَّة.

أهمِّيَّة البحث:

تظهر أهمِّيَّة البحث مِن خلال النِّقاط الآتية:

  1. إنَّ آراء القاضي الأصوليَّة ستوضِّح أهمَّ التَّطوُّرات التي حصلت على المباحث الأصوليَّة.
  2. إنَّ آراء القاضي الأصوليَّة تعبِّر عن واقع الاجتهاد وحال المذاهب الفقهية والأصولية في عصره.
  3. إنَّ آراء القاضي الأصوليَّة ستوضِّح لنا المنهج العلميَّ الدَّقيق الذي كان يتَّبعه في تقرير المسائل وتقعيد القواعد الأصوليَّة.

خطَّة البحث:

لقد جعلنا هذا البحثَ مكوَّنًا من مقدِّمة، وعشرة مباحث، وخاتمة، وقسمناه على النحو التَّالي:

المقدِّمة: وتشمل: التَّقديم السَّابق، وطبيعة الموضوع، وأهمِّيَّته، وأهدافه.

المبحث الأوَّل: حجيَّة الإجماع عند القاضي عبد الجبَّار، ومَنْ يُعْتَدُّ بإجماعهم، وإجماع المؤمنين في كل عصر حجَّة، وحكم انعقاده مع مخالفة الواحد أو الاثنين.

المبحث الثاني: طريقة معرفة الإجماع. وحكم الاختلاف فيه، وانعقاده عن طريق القياس والاجتهاد، إجماع أهل المدينة، وقول بعض الأمَّة؛ إذا انتشر في جميعهم، ولم يعرف مخالف.

الخاتمة: وتتضمَّن أهمَّ النَّتائج.

المبحث الأوَّل: حجيَّة الإجماع عند القاضي عبد الجبَّار، ومَنْ يُعْتَدُّ بإجماعهم، وإجماع المؤمنين في كل عصر حجَّة، وحكم انعقاده مع مخالفة الواحد أو الاثنين.

المطلب الأول: الأدلَّة على حجِّيَّة الإجماع عند القاضي عبد الجبَّار

إنَّ الإجماع حجَّة عند القاضي عبد الجبَّار ([4])، وهو يأخذ حجِّيته من الكتاب والسُّنَّة، وقد قال القاضي: “اعلم أنَّ الإجماع في كونه حجةً فرعٌ على الكتاب والسنة ([5])“، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ النَّظَّام -وهو من المعتزلة- لا يرى بأنَّ الإجماع حُجَّة ([6])، مخالفًا في ذلك للمعتزلة والجمهور.

وصورة الإجماع عند القاضي: أن تحصل مشاركة للمجمعين فيما نُسب إليهم أنَّه إجماعهم، على وجه التَّعَمُّد والقَصد، ولا اعتبار للسَّهو وما يشتركون فيه باضطرار، ولا فرق بين أن يكون اتفاقُهم في ذلك، واشتراكهم فيه، في وقتٍ واحد، أو أوقات ([7]).

الأدلَّة على حجِّيَّة الإجماع عند القاضي عبد الجبَّار

استدل القاضي على حجِّيَّة الإجماع بأدلَّة مِن الكتاب، والسُّنَّة، والآثار:

أوَّلًا: الأدلَّة من الكتاب: وهما دليلان كما يلي:

الدَّليل الأوَّل: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 115).

وجه الدلالة: إنَّ الله -جلَّ وعلا- توعَّد المُخالف عن اتباع سبيل المؤمنين، كما توعَّد على مشاقَّة الرسول بعد البيان، فدلَّ على أنَّ اتِّباع سبيل المؤمنين صواب، ولا يتحقق ذلك إلَّا باتفاقهم واجتماعهم، “ولا يكون سبيلهم بهذه الصفة إلَّا وهم حُجَّة فيما يتفقون عليه؛ لأنَّهم لو لم يكونوا حجَّةً لم يجب ذلك فيهم، كما لا يجب ذلك فيمن ليس برسول، ويجب فيمن ثبت أنَّه رسول ([8]) “، ممَّا يدل على أنَّ الإجماع حجَّة لا تجوز مخالفتها ([9]).

وهذا الدليل يعدّه القاضي أقوى دليل على حجية الإجماع؛ لأنَّ الله تعالى توعَّد المكلف بعد بيان الحجة، من مشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفة سبيل المؤمنين، “وبَيَّن بذلك وجوبَ القَبول من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتسليمَ لقوله، ووجوبَ اتباع المؤمنين، رضي الله عنهم، ثم الرجوع إلى طريقتهم ([10])“.

الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).

وقد أورد القاضي هذا الدَّليل على صحَّة الإجماع حكايةً عن شيخه أبي علي الجُبَّائي.

 ووجه الدلالة: أنَّ الوسط هو العدل، فمَن كان عدلًا كان من الأخيار؛ لأنَّ الوسط من كلِّ شيء هو المعتدل فيه، وقوله تعالى: ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ (القلم: 28)؛ أيْ: خيرهم، والنَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِن أوسط قريش نسبًا، أيْ: من خيرهم، وقد بَيَّنَ الله تعالى أنَّه جعلهم وسطًا؛ ليكونوا شهداء على النَّاس، كما أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- شهيدٌ عليهم، فكما أنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يكون شهيدًا إلَّا وقوله حُجَّة، فكذلك الكلام ينطبق عليهم، فكلامهم وإجماعهم حُجَّة([11])، وهم المؤمنون الذين يستحقون المدح؛ لأنَّه “واجب في أحكام الخطاب، أنَّها إذا لم تصحَّ إلَّا في بعض المخاطبين يوجب أن يكون هو المراد دون الكلِّ، فكأنَّه عزَّ وجلَّ قال: وكذلك جعلناكم أيُّها المؤمنون أمَّة وسطًا([12])“.

ثانيًا: الأدلَّة من السُّنَّة:

ذكر القاضي أنَّ شيخه أبا هاشم الجُبَّائيَّ قد استدلَّ على حجِّيَّة الإجماع من السُّنَّة النَّبويَّة، فقال: “والأخبار في هذا الباب كثيرة، وجملتها معلومة، وإن كان بعضُها أظهرَ مِن بعض([13])“، ومنها: هذه الأحاديث الثلاثة:

الدليل الأول: قول النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: “لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأ وَلَا عَلَى ضَلَال”.

ولم أجد هذا الحديث بلفظ: ” لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأٍ”، وأقرب لفظ للحديث الذي ذكره القاضي قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ”، والحديث حَكَم عليه ابن حزم بالضعف متنًا وسندًا، وَصَحَّحَهُ من نَاحية المعنى([14])، وحكم عليه النَّووي بالضَّعف([15])، وقد ذكر القاضي روايات أخرى مشابهة للفظ هذا الحديث، فمنها: ما رُوي عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: “لا يَجْمَعُ اللهُ أُمَّتي عَلَى ضَلَالٍ“، ومنها: “وَلَمْ يَكُنِ اللهَ لِيَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالٍ“، ومنها: “سَأَلْتُ رَبَّي سُبْحَانَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالٍ فَأَعْطَانِيهَا“، والحديث بلفظه الصَّحيح -كما صَحَّحَهُ الألبانيُّ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللهِ عَلَى الجَمَاعَة([16])”، والاختلاف بين تلك الألفاظ يسير؛ إذْ يَبْدُو أَنَّ القاضيَ ذكر الحديثَ بالمعنى، وليسَ بلفظه، والأحاديثُ في الباب مُشْتَهِرة، ويُسْتَدَلُّ بها على حُجِّية الإجماع.

الدَّلِيل الثَّاني: قول النَّبي صلى الله عليه وسلَّم: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحقِّ، حَتَّى يأتي أَمْرُ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ“، والحديثُ مَرويٌّ بألفاظٍ مختلفة، ويبدو أنَّ القاضيَ يقصد الحديث المرويَّ في صحيح مُسلم، فأقربُ لفظٍ للحديث المذكور: ما أخرجه الإمامُ مسلم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ“، وفي رواية: “وَهُمْ كَذَلِكَ([17]).

 والحديثُ استدلَّ به شيخُه أبو هاشم على صحَّة الإجماع، غَيرَ أنَّ القاضي يرى أنَّه لا يمكن أن يُستدَلَّ على صحَّة الإجماع بهذا الحديث، وإنَّما المراد بالحديث: ظهورُ هذه الطَّائفة على الحق، وعُلوُّ حالها على الكفَّار، فيما يتعلَّق بإعزاز الدين([18]).

الدَّليلُ الثَّالث: قول النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “مَنْ سَرَّتْهُ بَحْبُوحَةُ الجنَّة، فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَة، فإنَّ الشَّيْطانَ مَع الواحدِ، وَهو مِنَ الاثنينِ أَبْعَد“، وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “يَدُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى الجَمَاعَةِ“.

وهذا الحديث –على صحَّته- لم أجده بهذا اللفظ؛ ولكنه ورد بألفاظ مخالفة لما ذكره القاضي، ويبدو أن القاضيَ كان مُهْتَمًّا بذكر الحديث بمعناه، لا بلفظه، وأقربُ لفظ للحديث المذكور: ما أخرجه مَعمَر بن راشد في الجامع، أنَّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-قال: “فمَن سَرَّه بَحبُوحَة الجَنَّةِ فَعَلَيهِ بِالجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ الشَّيطَانَ مَعَ الوَاحِدِ، وَهُوَ مِن الاثنين أَبعَدُ([19])”.

 وأخرجه أبو داود الطَّيالسيُّ في مسنده، بلفظ: “فمَن أراد بَحبوحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد وهو مِن الاثنين أبعد([20])”.

 وأخرجه الترمذي، بلفظ: “من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة([21])”

إلى غير ذلك من الأحاديث.

ولا شكَّ أنَّ تَدَاول الصَّحابة والتابعين للأحاديث التي تدُلُّ على الإجماع ظاهر؛ لذلك فإن القاضي يرى أنَّه ليس بحاجة لتتبُّع الألفاظ؛ لأنَّ المعنى المنقول متعارف، وهو أنَّ إجماع الأمة لا يكون خطأً ولا ضلالًا([22]).

 وذكر القاضي عن شيخه أبي هاشم أنَّ هذه الأخبار تُعلم صحَّتُها باضطرارٍ؛ لأنها متظاهرة فاشية، كما عُلم باضطرارٍ أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أقام حَدَّ الرَّجم على الثَّيِّب الزَّاني.

ثالثًا: الاستدلال بآثار الصَّحابة:

ويُستَدَلُّ أيضًا على حجِّية الإجماع بتواصي الصَّحابة بالتَّمسُّك بالإجماع، وذمِّهم للشَّارد عنهم([23])، ويعوِّل القاضي في إثبات صحَّة الآثار على عادة الصَّحابة رضوان الله عليهم، وإطباقهم على العمل بالخبر في إثبات صحَّته([24]).

 يقول القاضي: “وإنَّما تعلقنا نحن بإطباقهم على العمل بالخبر، في تصحيح الخبر؛ ثم الخبر جعلناه عمدة في صحَّة الإجماع([25])”.

وقد ذكر لنا القاضي عبد الجبَّار أن شيخه أبا هاشم الجبائي اعتمد على طريقتين في إثبات صحَّة الآثار الواردة في الإجماع:

الطَّريقة الأولى: احتجَّ الصحابة رضوان الله عليهم بالأخبار المروية، فلا بد أنهم عرفوا صحَّتها بأحد وجوه: إمَّا أن يكونوا سمعوا الأحاديث عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وحصل عندهم العلم بخبر غيرهم، أو علموا بذلك استدلالًا، من حيثُ أخبرهم به جماعة لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب.

          فاحتجاج الصحابة على العمل بالأخبار دليل على صحَّة الخبر؛ لأنَّ منهج الصحابة هو التثبت من الأحاديث قبل العمل بها، وقد نقل عن الصحابة أنهم تمسكوا بالإجماع، واشتهر ذلك عنهم، وقد جعلوه الدليل الثالث بعد القرآن والسنة، فهذا يوجب أنهم عملوا بالإجماع، وتمسكوا به لأجل الأخبار، وهذا ما عَوَّل عليه أبو هاشم في إثبات صحة الأخبار([26]).

          فخلاصة ما اعتمد عليه في الاحتجاج بالأخبار هو تلقي الأمة لها بالقبول، والعمل بموجبها يرفعها من إفادة الظن إلى القطع([27]).

الطريقة الثانية: ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم، قد لازموا النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلَّا في الأوقات اليسيرة، والتَّعبُّد بالإجماع يشمل الخاصة والعامة، فلو قال قائل: إن النَّبيَّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “إن أمتي لا تجتمع على ضلالة“، فلو لم يكن فيهم من سمع الحديث لَرَدُّوه، ولكن الحاصل أنَّ الصحابة قد أذعنوا لهذا الخبر، ولم ينكروه، فدلَّ على صحة الخبر، وهذا القول اعتماد على العادات التي تقتضي صحة الأخبار، فعادة الصحابة التثبت من الأخبار، وإنكار بعض الأقوال إلى حين التثبت([28]).

          وأرى أن الأمر أيسر مِن اعتمادنا على الطريقة الثانية لأبي هاشم الجبائي في تصحيح هذه الأخبار، لأن الأخبار مشتهرة، وهي من قبيل المتواتر معنويًّا؛ فقد قال الفخر الرازي: “هذه الأخبار كلها مشتركة في الدلالة على معنى واحد وهو أن الأمة بأسرها لا تتفق على الخطأ، وإذا اشتركت الأخبار الكثيرة في الدلالة على شيءٍ واحد، ثم إن كلَّ واحدٍ من تلك الأخبار يرويه جمع كثير، صار ذلك المعنى مرويا بالتواتر من جهة المعنى([29])”.

 ويبدو أنَّ أبا هاشم عَدَلَ عن قوله بالاحتجاج بالعادات، وقال: إن هذه الأخبار يعلم صحتها باضطرار؛ نظرًا لشهرتها، فهي متظاهرة فاشية، وهي كما يعلم باضطرار أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أقام حدَّ الرجم على الثيب الزاني، مع أن أخبار الرجم آحاد.

 ويرى القاضي أن هذا القول أحسم للأشاغيب، وقد روي عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يقوِّي ذلك، فقد كانوا يتواصون بالتمسك بالإجماع ويذمون الشَّارد عنهم([30]).

وأريدُ أنْ أُشير هنا إلى أَنَّ القاضي لا يرى إمكانية الاستدلال على حجية الإجماع من النَّاحية العقلية؛ لعدم وجود الدليل على عصمة جماعة من الخطأ، فيما يعملون ويقولون، كما لا دليل يدُلُّ على عدم الخطأ في كُلِّ واحدٍ من المكلفين، فلا فرق عند القاضي بين من جعل الإجماع حجة من الناحية العقلية، وبين من جعل الخلاف حجة، أو جعل قول كل مكلف حجة.

 والذي يميل إليه الباحث، هو أنَّ الاستدلال على حجية الإجماع عقلًا، هو قولٌ لا يسلم من اعتراض، ويمكن دحضه بالدَّليل الذي أورده القاضي، وكذلك أبو إسحاق الشيرازي الأشعري في كتابه اللمع؛ بأن العقل يجيز وقوع الخلق الكثير في الضلال والخطأ، وأوضح مثال على ذلك، النصارى على كثرتهم، وكذلك اليهود، مما يدل على أن الإجماع ليس بحجة من جهة العقل، وإنما طريقه الكتاب والسنة([31]).

المطلب الثَّاني: مَنْ يُعْتَدُّ بإجماعهم

اختلف مشايخ القاضي عبد الجبَّار في هذه المسألة، فرأى أبو عليٍّ الجُبَّائيُّ: أَنَّ الـمُعتدَّ بإجماعهم هم الشُّهداء([32])، ورأى شيخه أبو عبد الله -وحكاه عن أبي هاشم الجبائي([33])- أنَّ الـمُعتدَّ بإجماعهم هم المصدِّقون بالرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- على اختلاف مذاهبهم.

 ويرى القاضي أنَّ الصحيحَ في المسألة: أنَّ الـمُعتدَّ بإجماعهم هم المؤمنون والشُّهداء؛ لأنَّ المؤمنين هم الشُّهداء([34])، وليس كُلُّ من صدَّق بالرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وعلَّل القاضي قوله بأنَّ الكفَّار والضَّالِّين لا يُعتبر إجماعهم؛ بسبب استحقاقهم للذَّمِّ.

 ويرى القاضي أنْ ليس كُلُّ من صدَّق بالرسول -صلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم- ممدوح؛ بل منهم من يستحق التَّكفير والتَّفسيق؛ لأنَّ من جملة المصدقين برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لا يعرف ربَّهُ كالمشبِّهة، ومن لا يعرف حكمته كالمجبِّرة؛ لأنَّ هذه الفِرَق -من وجهة نظر القاضي- لا يعرفون أدلَّة أحكام الشَّرع؛ فلذلك لا يعتبر إجماعهم؛ لأنَّ الإجماع إنَّما كان حجَّةً لأنّه منقول عن دليل.

 وخلاصة القول: أَنَّه لا يصحُّ اعتقاد جميع المصدقين في باب الإجماع([35])، وهذا تشدُّد من القاضي، وتضييق وحصر للإجماع في عدد قليل، واستثناء لأصحاب المذاهب الأخرى؛ كأهل الحديث، والأشاعرة.

 وأرى أنَّ قول شيخيه أبي عبد الله البصري وأبي هاشم الجبائي، أوسع أُفُقًا، وأكثر تسامحًا مع المذاهب الإسلامية الأخرى، والمصدِّقون يدخلون تحت قول النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم-: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ([36])”.

 والذي نميل إليه أن من صَدَّق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- داخل في أمته، وإجماعه معتبر، فالمؤمن عند المعتزلة ضالٌّ عند غيره، والمؤمن عند الأشاعرة ضالٌّ عند غيره، وكذلك باقي الفرق، لذلك ما أجمعت عليه الأمة بعمومها هو المعتبر، وليس إجماع مذهب بعينه.

المطلب الثَّالث: إجماع المؤمنين في كلِّ عصر حجَّة:

استدل القاضي بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 115).، على أنَّ إجماع المؤمنين في كل عصر حجة؛ لعدم تخصيص وقت دون وقت، ولا تتناول الآية عصرًا مخصوصًا؛ لا لفظًا ولا معنى([37]).

وقد أجاب القاضي عبد الجبَّار على مَن استدلَّ بقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة: 143)، أنَّ المقصود هم الصحابة رضوان الله عليهم، وأن إجماعهم حجَّة، ولا ينطبق القول على غيرهم من العصور، قال القاضي: إنَّ الخطاب من جهته تعالى الذي يفيد الإشارة في الشاهد، يفيد الإطلاق؛ لأنَّ الإشارة والمواجهة فيه تعالى لا تصحُّ، فيجب أن يكون الخطاب متناولًا للجميع، ويوضح ذلك قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾(البقرة: 143)، ولم يخصَّ قرنًا دون قرن، ولا يصحُّ أن يكون الصحابة شهداءَ على النَّاس أجمع، فيفهم من قوله تعالى أنَّ المراد قرنٌ بعد قرن([38]).

المطلب الرَّابع: حكم انعقاد الاجماع مع مخالفة الواحد أو الاثنين:

إنَّ المعتبر عند القاضي هو إجماع جميع المؤمنين، فلو خالف واحد الإجماع، لم يكن إجماعًا؛ لأنَّ ظاهر الآية يقتضي ذلك؛ لعموم جميع المؤمنين بإضافة السبيل إليهم، فالحجة اتِّباع سبيل المؤمنين جميعِهم، ولا يجوز أن يُحمل النَّصُّ على أقلِّ الجمع، والواجب حمله على الاستغراق([39])، واسم الأمة لا يُحمَلُ على الأكثر، إلَّا من باب المجاز، ولا يوجد دليل يدُلُّ على أن اسم الأمة يدُلُّ على الأكثر، فيبقى اللفظ على حقيقته، والقول الشاذُّ لا يُعَدُّ في الخلاف؛ إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت، ثم شَذَّ بعض العلماء؛ فأما إذا لم يثبت الإجماع فقول الواحد معتبر، وقول القاضي هو قول جمهور العلماء، ولكنَّ هذا القول في وقتنا الحاضر يجعل انعقاد الإجماع أمرًا صعبًا؛ بل مستحيل.

 ونرى أن القول بأن مخالفة الواحد لا تخرم الإجماع، فيه وجاهة، فالعبرة بالجماعة، وهذا ما ذهب إليه ابن جرير الطبري؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عليكم بالسواد الأعظم“، والسواد الأعظم هم غالبية المؤمنين أو العلماء، وليس جميعهم.

وإذا كان القاضي يرى عدم انعقاد الاجماع بمخالفة الواحد، فكيف يتسنى لنا معرفة الإجماع؟!، وقد مال كثير من المعاصرين إلى أنه إذا التقى عدد كبير من علماء الأمة في مؤتمر علمي، وجنح أكثر الحاضرين إلى رأيٍ في نازلة، فإنه لا مانع من عَدِّ ذلك ثابتا بالإجماع؛ فكيف لو كان المخالف عددًا هزيلًا كالواحد والاثنين؟!

المبحث الثاني: طريقة معرفة الإجماع. وحكم الاختلاف فيه، وانعقاده عن طريق القياس والاجتهاد، إجماع أهل المدينة، وقول بعض الأمَّة؛ إذا انتشر في جميعهم، ولم يعرف مخالف.

المطلب الأول: طريقة معرفة الإجماع

إنَّ الإجماع عند القاضي حجَّة، والطريق إلى معرفة الإجماع يكون إما بدليلٍ عقليٍّ، أو سمعيٍّ، وقد نفى القاضي أن يُعرف الإجماع عقلًا؛ لأنَّه لا يوجد دليل من الناحية العقلية على منع الخطأ على جماعة من الناس([40])، فاليهود والنصارى على كثرتهم أجمعوا على معتقدات فاسدة، حتى فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى ذاتًا وصفاتٍ.

وقد بيَّن القاضي طريقةَ شيوخه لمعرفة ثبوت الإجماع، وهي المشاهدة أو الخبر، وهذا الأمر غير متعذر المعرفة، فكما لا يتعذر العلم بأن الروم يغلب عليهم مذهب النصارى، وكذلك سائر المذاهب التي تغلب على البلدان، فبالطريقة نفسها نعرف ثبوت الإجماع([41]).

المطلب الثاني: اختلاف الصحابة في مسألة على قولين، وحكم إحداث قول ثالث.

اتفق شيوخ القاضي عبد الجبَّار من المعتزلة على عدم جواز إحداث قول ثالث إذا اختلف الصحابة على قولين، وهو قول أبي علي الجبائي، وابنه أبي هاشم، وأبي عبد الله البصري.

“وَاحْتج قَاضِي الْقُضَاة للْمَنْع من إِحْدَاث قَول ثَالِث بِأَن الْأمة أَجمعت على الْمَنْع من ذَلِك، كَمَا أَجمعت على الْمَنْع من إِحْدَاث قَول يُخَالف الْإِجْمَاع الْمُصَرّح، والاتفاق على ذَلِك سَابق([42])“.

وبناء على هذا الرأي كان الأشعريُّ ينكر على المعتزلة قولهم بالمنزلة بين المنزلتين؛ حيث إن المسلمين قبل المعتزلة قد اختلفوا في مرتكب الكبيرة من أهل الملة على قولين:

القول الأول: مؤمن، وهو قول المرجئة.

القول الثاني: كافر، وهو قول الخوارج.

فأتى المعتزلة، وأنكروا قول الجميع، واعتبروا مرتكب الكبيرة لا هو مؤمن ولا كافر، “فخرقوا الإجماع فكانوا محجوجين بمن مضى من الأمة في إجماعه على خلاف قولهم([43]).

وأرى أن كلام الإمام الأشعري فيه وجاهة، وأميل إلى رأيه في ردِّه على المعتزلة؛ لأنَّ قولهم بالمنزلة بين الإيمان والكفر لمرتكب الكبيرة خارق للإجماع بأنَّ المسألة دائرة بين قولين، فلم يَجُزْ إحداث قولٍ ثالث.

المطلب الثالث: في الإجماع إذا حصل بعد الخلاف:

وهو الإجماع بعد خلافٍ لم يُحْسم فيه النزاع، ولم يُجْمع فيه على قول، فهل يجوز أن يجمع على قول؛ ليحسم الخلاف، ويحصل الإجماع؟

 في المسألة ثلاثة أقوال([44]):

القول الأوَّل: ليس بحجة، وإنْ صحَّ أن يقع.

القول الثَّاني: لا يصحُّ أن يقع، ولو وقع لكان حجة.

القول الثالث: يصح أن يقع، وإذا وقع فهو حجة، ولا فرق بينه وبين الإجماع المبتدَأ، ولا يفصلون بين إجماع بعد خلاف، في زمان الخلاف وعصره، أو بعد ذلك.

          ويرى القاضي أن الإجماع إذا وقع بعد مسألة خلافية لم يحسم القول فيها، يصحُّ أن يقع، ويكون حجة؛ لأنَّ الدليل على حجية الإجماع وهو قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 115)، يتناوله كتناول الإجماع المبتدَأ؛ ولأن ما أجمعوا عليه هو سبيل المؤمنين، فيجب أن يُتَّبَعَ سبيل المؤمنين ولا يُعْدَلَ عنه([45]).

 ويقول القاضي: “وقد بَيَّنَّا في “العُمَد”: أنَّ جَعْلَنَا ذلك حجَّة إنَّما يصح في المنع من القول بخلافه في المستقبل، لا أنه يطعن فيما تقدم من الخلاف، وأنه في هذا الباب كالناسخ الذي يحرم الخلاف في المستقبل ولا يبطل ما تقدم([46])”.

والذي يميل إليه الباحث، أنَّه يصح أن يقع الإجماع بعد الاختلاف، لحسمه، وهو حجة؛ لأنه بذلك أصبح سبيلًا للمؤمنين، وهو واجب الاتِّباع.

المطلب الرابع: انعقاد الإجماع عن طريق القياس والاجتهاد

الإجماع الواقع عن قياس واجتهاد، وفيه ثلاثة أقوال([47]):

القول الأوَّل: إنَّه لا يقع البتَّة.

القول الثَّاني: يقع، ولا يكون حجَّة.

القول الثَّالث: يقع، ويكون حجَّة بمنزلة الإجماع الواقع عن توقيفٍ ونصٍّ.

يرى القاضي عبد الجبَّار أن الإجماع يقع عن طريق الاجتهاد والقياس، وهو بمنزلة الإجماع الواقع عن توقيف ونص؛ حيث يقول: “فأما الإجماع فقد يجوز أن يقع عن سائر الأدلة، من غير اختصاص؛ لأن الدليل الـمُوجب لكونه حجَّةً لا يفصل بعض ذلك عن بعض؛ فإذا جاز أن يُجمعوا عن توقيفٍ؛ فما الذي يمنع أن يُجمعوا عن قياسٍ واجتهادٍ؟! ([48])”، وعند أكثر الفقهاء من الأحناف والشافعية جواز وقوع الإجماع من جهة الاجتهاد والاستنباط؛ كجوازه من جهة النص والتوقيف، وهو قول أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم، وأبي عبد الله البصري([49])، فالقاضي يتبنى رأي مشايخه في هذه المسألة.

والذي يؤكد عليه القاضي أنَّه من غير المقبول؛ بل يجب القطع بعدم صحَّته أنْ يصدر الإجماعُ عن تبخيتٍ([50]) وتقليدٍ، وهو بذلك يردُّ على قول بعض المتكلمين الذين أجازوا أن يقعَ الإجماع دون الاستناد إلى دليل شرعي، والإجماع عندهم يكون بالتوفيق؛ أيْ أنَّ الله يوفِّقهم للصِّدق والصَّواب([51]).

والذي يميل إليه الباحث، أنَّ الإجماع عن طريق الاجتهاد والقياس حجَّةٌ كالإجماع عن توقيف ونص؛ لأنَّ الأدلة على حجية الإجماع لم تخصص دليلًا عن دليل.

المطلب الخامس: إجماع أهل المدينة

يرى القاضي عبد الجبَّار القولَ باعتبار إجماع أهل المدينة قولًا بعيدًا عن الصَّواب؛ لأن ما دلَّ على الإجماع يقتضي أنه لا معتبر ببلدٍ دون بلد، ولا ببُقعةٍ دون بُقعة، والمعتبر عند القاضي كلُّ الأمة، أو كلُّ المؤمنين، فالمعتبر أهل البلد، لا مكانهم، فمكة كالمدينة، فالحال لا تختلف، أما من اعتبر إجماع أهل المدينة له خصوصية؛ لأن المدينة مستقر الشرع، وموضوع كمال الدين، وقد مدحها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقوله مردود؛ لأنَّه لا يوجب أن إجماع أهل المدينة هو المعتبر؛ لأنَّ مدحهم يتناول خيارهم، وهذا ينطبق على المدينة وغيرها، ففي كل بلد خيارٌ عدولٌ يستحقون المدح، وخلاصة القول أن العبرة بالإجماع غير مرتبطة بالبلد، ولا يرى القاضي اعتبارا لإجماع أهل المدينة بسبب البلد([52]).

ويؤيِّد الباحث رأيَ القاضي؛ فالعبرة بالمجتهد لا بموطنه، والحالة قد تغيرت في زماننا، فالعلماء تفرقوا في الأمصار، ولم يعد لبلدٍ خصوصية، فقد تجد العالم في بلاد غير المسلمين، وله تأثير قوي، وآراء نَيِّرة.

المطلب السادس: في قول بعض الأمة؛ إذا انتشر في جميعهم، ولم يعرف مخالف:

تعرفُ المسألة عند الأصوليين بالإجماع السُّكوتي، وذكر لنا القاضي عبد الجبَّار رأي مشايخه على ثلاثة أقوال([53]):

القول الأوَّل: إذا ظهر القولُ فيهم وانتشر، ولم يظهر منهم خلاف، فهو إجماع، وحجَّة، وهو قول أبي على الجُبَّائيِّ.

القول الثَّاني: ليس إجماعًا، ولكنَّه حجَّة يجب اتباعها، ولا يجوز مخالفتها، وهو قول أبي هاشم الجُبَّائيِّ.

القول الثَّالث: ليس إجماعًا ولا حُجَّة، وهو قول أبي عبد الله البصري.

ودليل أبي عليٍّ: أنَّ القول إذا انتشر عند العلماء؛ فعادة العلماء المخالفين أن ينتقدوا القول، ويُظهروا الخلاف، وسكوتهم دليلٌ على رضاهم بالقول وموافقتهم، فالموافقة لا داعيَ لإظهارها، بخلاف المخالفة؛ لأنَّ الطِّباع تدعو إلى إظهار القول عند المخالفة، لذلك فإن عدم وجود المخالفة يدلُّ على انتفائها، ومثال ذلك معارضة القرآن، إذْ لو كان في مقدورهم أن يأتوا بمثله لفعلوا، وعدم فعلهم يدل على التعذر([54]).

وقد اعترض عليه: بأن عدم إظهارهم القول قد يكون لبعض الأغراض، وليس دليلًا على الموافقة، فيمكن أن يمتنع العالم من الإفصاح عن قوله حياءً، أو تهيُّبًا، أو توقُّفًا.

فأجاب بأنَّ انقراض القوم يكشف هذه الأقوال، فالامتناع عن القول خوفًا، أو حياءً، لا يستمر، فإذا انقرض العصر، ولم يُعرف مخالف، دلَّ على حُجِيَّة الإجماع السُّكوتي([55]).

ويمكن أن يعترض عليه: بأنه قد يموت العالم، ولم يفصح عن بعض آرائه، لأسباب مختلفة؛ فكيف ينسب له قول لم يقله، والتعبير بلفظ: لم يُعرف للقول مخالفٌ أسلم وأولى من التعبير بالإجماع السكوتي.

          فأما قول أبي هاشم فهو إذا ظهر في الباقين الرضا؛ أَنَّه كان قولًا لهم، يُعتبر ذلك إجماعًا، فإذا سُئلوا عن المسألة، أفتوا بنفس القول، وأمَّا إنْ ظهر منهم الرِّضا بالقول فقط؛ فإنه يدُلُّ على صوابه، فإن كان من باب ما الحق فيه واحد؛ فهو إجماع، وإن كان من باب الاجتهاد؛ فليس بإجماع، لكن ظهور القول وانتشاره فيهم، يجعل منه حجةً وصوابًا، وإن لم يكن إجماعًا بعد ظهور الخلاف، ومثال ذلك حكم الحاكم الذي ثبت أنَّه صحيح ولا ينقض، كان من باب الاجتهاد، وإن لم يكن ذلك إجماعًا([56]).

وأما أبو عبد الله البصري: فالإجماع السكوتي عنده لا يكون حُجَّة؛ لأنَّه لا يرى ثبوت إجماع الصحابة على بيع أمهات الأولاد، وظهور ذلك، وأنه لم ينقل فيه الخلاف، ولم يوجب ذلك أنه لا يجوز خلافه، وذلك لأن الخلاف ظهر في التابعين؛ بل صار إجماعًا، فالواجب إن كان ذلك من باب الاجتهاد أن يجوز مخالفته، ويكون بمنزلة الحادثة، إذا قال بعض العلماء بقول فقط، فذلك لا يمنع من جواز المخالفة([57]).

والذي يميل إليه الباحث أن الإجماع السكوتي ليس بحجة، وأنه لا يُنسب لساكت قول، خاصة أننا نرى في عصرنا الحالي أن المجتهد قد يُعتقلُ لرأيه، أو يمنعُ من السفر، أو تعطَّلُ مصالحه؛ بل قد يُغتال غدرًا، مما يجعل كثيرًا من المجتهدين يخفون آراءهم، وفي بعض الحالات يتوقف المجتهد في المسألة، ولا يستطيع أن يتبنى رأيًا؛ فكيف ينسب له قول؟!.

الخاتمة

واشتملت على أهم النَّتائج على النحو الآتي:

  1. إنَّ الإجماع حجَّة عند القاضي عبد الجبَّار، وهو يأخذ حجِّيته من الكتاب والسُّنَّة.
  2. إنَّ القاضي عبد الجبَّار لا يرى إمكانية الاستدلال على حجِّيَّة الإجماع من النَّاحية العقليَّة.
  3. يرى القاضي أنَّ الـمُعتدَّ بإجماعهم هم المؤمنون والشُّهداء؛ وليس كُلُّ من صدَّق بالرَّسول صلى الله عليه وسلم، وهذا تشدُّد من القاضي وتضييق وحصر للإجماع في عدد قليل، واستثناء لأصحاب المذاهب الأخرى؛ كأهل الحديث، والأشاعرة. ونرى أن قول شيخيه أبي عبد الله البصري وأبي هاشم الجبائي، أوسع أُفُقًا، وأكثر تسامحًا مع المذاهب الإسلامية الأخرى، والذي يميل إليه الباحث، أن من صَدَّق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- داخل في أمَّته، وإجماعه معتبر.
  4. يرى القاضي أن إجماع المؤمنين في كلِّ عصر حجَّة.
  5. إنَّ المعتبر عند القاضي إجماع جميع المؤمنين، فلو خالف واحد الإجماع، لم يكن إجماعًا.
  6. إنَّ الإجماع عند القاضي حجَّة، والطريق إلى معرفة الإجماع يكون إمَّا بدليلٍ عقليٍّ، أو سمعيٍّ، وقد نفى القاضي أن يُعرف الإجماع عقلًا؛ لأنَّه لا وجود لدليل من الناحية العقليَّة على منع الخطأ على جماعة من النَّاس.
  7. اتَّفق شيوخ القاضي عبد الجبَّار من المعتزلة على عدم جواز إحداث قول ثالث، إذا اختلف الصحابة على قولين، وهو قول أبي علي الجُبَّائيِّ، وابنه أبي هاشم، وأبي عبد الله البصري
  8. يرى القاضي أنَّ الإجماع إذا وقع بعد مسألة خلافيَّة -لم يحسم القول فيها- يصحُّ أن يقع، وهو حجَّة.
  9. يرى القاضي عبد الجبَّار، القولَ باعتبار إجماع أهل المدينة قولًا بعيدًا عن الصَّواب؛ لأن ما دلَّ على الإجماع يقتضي أنه لا معتبر ببلدٍ دون بلد، ولا ببُقعةٍ دون بُقعة.
  10. يرى القاضي عبد الجبَّار أن الإجماع يقع عن طريق الاجتهاد والقياس.

11- ترجيح اعتبار الإجماع السكوتي ليس بحجة، وأنه لا يُنسب لساكت قول.

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. الإحكام في أصول الأحكام، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، بيروت: دار الآفاق الجديدة.
  3. البحر المحيط، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، تحقيق: عبد القادر العاني وعمر سليمان الأشقر، الغردقة: دار الصفوة، ط2، 1413ه/1992م.
  4. الجامع، معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، توزيع المكتب الإسلامي، ط2، 1403 هـ.
  5. سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى، تحقيق: حمد محمد شاكر (جـ 1، 2)، ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3)، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5)، القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1395 هـ / 1975 م.
  6.  صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
  7. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، بيروت، دار الكتاب العربي، ط3، 1407ه.
  8. مجرد المقالات، ابن فورك، أبو بكر محمد بن الحسن، بيروت: دار المشرق، د. ط.، 1987م.
  9. المحصول، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1418 هـ / 1997م.
  10. مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، القاهرة: دار هجر، ط1، 1419ه/1999م.
  11. المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي الطيب أبو الحسين البَصْري المعتزلي، تحقيق: خليل الميس، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1403ه.
  12. المغني في أبواب التوحيد والعدل، عبد الجبَّار بن أحمد الهمذاني، تحقيق: مجموعة من العلماء بإشراف طه حسين، القاهرة: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ط1، د. ت.
  13. مقدمة ابن خلدون، الإمام عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، بيروت: المكتبة العصرية، ط2، 1416ه/1996م.
  14. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392ه.
  15. نفائس الأصول في شرح المحصول، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، ط1، 1416هـ / 1995م.
  16. نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1420ه/1999م.

 ([1])طالب دكتوراه، وأمين مجلس الاجتهاد الفقهيِّ-غزة- فلسطين. مدير الدَّائرة العلميَّة بوزارة الأوقاف والشُّؤون الدِّينيَّة-غزَّة تاريخ استلام البحث 25/4/2024م، وتاريخ قبوله للنشر 12/5/2024م، ahmed. abudalal. 87@gmail. com

 ([2])الزركشي، البحر المحيط، الزركشي، تحقيق: عبد القادر العاني وعمر سليمان الأشقر، 1/6

([3]) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، 426/427.

([4]) القاضي عبد الجبَّار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/91.

([5]) المصدر نفسه، 17/216.

([6]) محمد بن علي الطيب أبو الحسين البَصْري المعتزلي، المعتمد في أصول الفقه، تحقيق: خليل الميس، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1403ه)، 2/458؛ جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الشافعيّ الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الوصول، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، (بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1420ه/1999م)، 2/741.

([7]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/153.

([8]) المصدر نفسه، 17/160.

([9]) أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (بيروت: دار الكتب العربي، ط3، 1407ه)، 1/565.

([10]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/203.

([11]) المصدر نفسه، 17/171.

([12]) المصدر نفسه، 17/172.

([13]) المصدر نفسه، 17/180.

([14]) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، (بيروت: دار الآفاق الجديدة، د. ط، د. ت)، 4/131.

([15]) أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392ه)، 13/67.

([16]) أخرجه الترمذي، سنن الترمذي، كتاب: الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة، حديث رقم: 2167، 4/ 466.

([17]) أخرجه مسلم، صحيح مسلم، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، حديث رقم: 1920، 3/1523.

([18]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/201.

([19]) أخرجه معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي، الجامع، حديث رقم: 20710، 11/341.

([20]) أخرجه أبو داود، مسند أبي داود الطيالسي، حديث رقم: 31، 1/34؛ أخرجه ابن حبان، صحيح ابن حبان، حديث رقم: 6728، 15/122، وصححه شعيب الأرناؤوط.

([21]) أخرجه الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم: 2165، 4/465، وحكم عليه الترمذي بأنه حديث حسن صحيح غريب، وصحَّحه الألباني.

([22]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج17، ص181.

([23]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/193.

([24]) المصدر نفسه، 17 /194.

([25]) المصدر نفسه، 17/ 202.

([26]) انظر: القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/ 187-189.

([27]) انظر: القاضي عبد الجبَّار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/ 187-189؛ أبو الحسين البصري، شرح العمد، 1/97، وهو تعليق للمحقق عبد الحميد أبو زنيد.

([28]) انظر: القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/ 191-192.

([29]) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري، المحصول، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، (مؤسسة الرسالة، ط3، 1418 هـ / 1997 م)، 4/ 83.

([30]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/193.

([31]) انظر: أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1424 هـ/2003 م)، 88.

([32]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/168.

([33]) المصدر نفسه، 17 /207

([34]) المصدر نفسه، 17/209.

([35]) انظر: المصدر نفسه، 17/168-169.

([36]) أخرجه الترمذي، سنن الترمذي، كتاب: الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة، حديث رقم: 2167، 4/ 466.

([37]) القاضي عبد الجبَّار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/169.

([38]) المصدر نفسه، 17 /173.

([39]) المصدر نفسه، 17 /170.

([40]) انظر: القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/199.

([41]) انظر: المصدر نفسه، 17/199، أبو الحسين البصري، شرح العمد، 1/117.

([42]) أبو الحسين البصري، المعتمد، 2/45.

([43]) انظر: ابن فورك، مجرد المقالات، 194.

([44]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/217.

([45]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/217.

([46]) المصدر نفسه، 17/218.

([47]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/217.

([48]) المصدر نفسه، 17/224.

([49]) أبو الحسين البصري، شرح العمد، 1/234.

([50]) يرى محقق الجزء السابع عشر من المغني أمين الخولي: أن الكلمة الأقرب للصواب كلمة (تنجيث)، وهي بمعنى: الاستخراج، والذي يميل إليه الباحثان، أن كلمة (تنجيث) لا تنسجم مع السِّياق، والكلمة الصحيحة هي (تبخيت)، أي القول بالتوفيق دون مستند، بل يوفقهم الله تعالى للصدق والصواب، والمسألة موجودة في كتب الأصوليين قال الرازي: “المسألة الأولى: لا يجوز حصول الإجماع إلا عن دلالة، أو أمارة، وقال قوم: يجوز صدوره عن التبخيت”، ثم يذكر لنا قول أبي الحسين البصري: “لا تجتمع الأمة تبخيتًا”، أما كلمة (تنجيث) فلم أجدها في كتب أصول الفقه، انظر: شهاب الدين القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، ج6، ص 2736، ورجعنا لكتاب شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبَّار، ص 189، فوجدناه يذكر كلمة التبخيت في مواضع، نذكر منها قوله: “ومعلوم أن اعتقاد التقليد والتبخيت ليس بعلم”، فيظهر للباحثين أن الكلمة الصَّواب هي (تبخيت)، وليس (تنجيث).

([51]) شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، 6/2738.

([52]) المصدر نفسه، 17/214-215.

([53]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/236.

 

([55]) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، 17/236.

([56]) المصدر نفسه، 17/237-238.

([57]) المصدر نفسه، 17/238