خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد
فيصدر هذا العدد السابع من مجلتكم المرقاة، والقضية الفلسطينية تواجه تحديات عدة في غاية الأهمية أبرزها:
أولاً: تحدي الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، فالوحدة بلا شك هي القاعدة الصلبة، التي يستند إليها في مواجهة الأعداء، فكيف إذا كان عدواً مجرماً مثل العدو الصهيوني، ورغم محاولات الفصائل الفلسطينية العمل على إنهاء الانقسام، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، بسبب تعنت السلطة الفلسطينية ورئيسها تحديداً، وتراجعهم عن الخطوة الرئيسية المطلوبة في هذا الاتجاه، وهي التوحد على قاعدة المقاومة، وإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، واستيعاب الكل الفلسطيني، والاتفاق على برنامج سياسي موحد، للوصول بالقضية الفلسطينية إلى بر الأمان والتحرير لكل فلسطين، وهذه دعوة عبر هذا المنبر العلمي الأكاديمي لكل الفلسطينين والمهتمين من السياسيين والباحثين والأكاديميين لبذل الجهود باتجاه هذه الوحدة، ودفع كل الأطراف للوصول إلى حالة من الوحدة، وإنهاء الانقسام.
ثانياً: تهويد القدس وتهديد هويتها، فالقدس مركز الصراع، والسعي لطمس هويتها الإسلامية والمسيحية، من أهم التحديات، وقد رأينا الهجوم على القدس والأقصى في أوضح تجلياته قبل معركة سيف القدس، وبعدها حتى اللحظة، فمحاولات طمس المعالم، وتهجير الناس وهدم بيوتهم، وإبعاد المرابطين والمرابطات عن المسجد الأقصى، واعتقال البعض الآخر، وعلى رأسهم جميعا شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح، الذي أفرج عنه قبل أيام وما زال محروماً من زيارة الأقصىى، ومحاولات التهويد وتغيير الأسماء وتهويدها. كل ذلك تحد فكري وثقافي وعلمي وهوياتي، يتطلب منا مفكرين وباحثين وعلماء أن نشمر عن سواعد الجد، ونسعى للحفاظ على إسلامية القدس والأقصى، وبقائها حية في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي بل والإنساني. ومن الموافقات الحسنة أن عددنا هذا يتضمن بحثين تراثيين متعلقين بالقدس، أحدهما حول عناية المقادسة بصحيح البخاري وسماعه وإقرائه في المسجد الأقصى، والآخر حول مسموعات الشهاب أبي محمود المقدسي ومقروءاته الخطية، وهذا ما ينسجم مع سياستنا التحريرية، في دعم وتشجيع الدراسات المتعلقة بالقضية الفلسطينية عموما، وبالمسجد الأقصى وبيت المقدس خصوصاً. وها نحن نكرر ونؤكد لكتابنا وباحثينا الدعوة للإقبال على هذه الدراسات، وهذا من الجهاد والمقاومة وتثبيت هوية القدس والأقصى في ساحة الصراع والمواجهة والتهويد، وكشف زيف الاحتلال وادعاءاته وافتراءاته.
ثالثاً: حصار قطاع غزة، فهذا أطول حصار يمكن أن تتعرض له كتلة بشرية بهذا الحجم وطيلة هذه المدة، إذ مضى عليه قرابة سبعة عشر عاما، وكل محاولات فك الحصار السابقة لم تجد نفعاً بكل أسف، وهو حصار بشع لا إنساني، لا يراعي مريضاً، ولا فقيراً، ولا طاعناً في السن، ولا محتاجا للعمل. حصار يهدر كل حقوق الإنسان وكل قيم الكرامة الإنسانية، فحري بالساسة الفلسطينيين، والباحثين والمفكرين، والاقتصاديين، وحركات التحرر الإنساني على مستوى العالم، السعي لفك الحصار وكسره. والباحثون والكتاب مدعوون من جهة لتعرية هذا الكيان الغاصب المحتل، وكشف وجهه الإجرامي القبيح للعالم، وتسجيل وتخليد ودراسة هذه التجربة البشرية المقاومة الصامدة، التي مثلت نموذجاً يحتذى في المقاومة والتحدي والصمود.
رابعاً: الأسرى، حيث يقبع الآلاف من رجالنا ونسائنا وأطفالنا في زنازين هذا العدو المجرم، وبعضهم يمضي أحكاما تتجاوز عمره بأضعاف كثيرة، وكم من معتقل إداري بلا تهمة أو محاكمة. وبعضهم خاض ويخوض معركة الأمعاء الخاوية، طلباً للحرية، وضغطاً على هذا الاحتلال المجرم. ودعم هؤلاء الأسرى، ونصرة قضيتهم، والعمل على تحريرهم، ووقف الممارسات الصهيونية تجاههم، وفضح هذا الوجه البشع للاحتلال الغاشم، من أوجب الواجبات، وهذه دعوة أيضاً للكتاب وأصحاب الأقلام والمحامين والحقوقيين، ليقوم كل بدوره في نصرة هذه القضية العادلة، وإيصال هذه القضية الإنسانية القانونية، لأروقة المؤسسات والمحاكم الدولية، وتوثيق هذا الصمود الأسطوري لأسرانا الأبطال، وفضح الإجرام الصهيوني باعتقال الأبرياء. كل ذلك من أهم مجالات البحث والدراسات العلمية والقانونية والسياسية.
خامساً: تحدي الهوية، فهذا الاحتلال الصهيوني المجرم، لا يكتفي بسرقة أرضنا ومقدساتنا، ومحاولة طمس هويتنا وتاريخنا، وتغيير أسماء الأماكن والمقدسات، والعمل على تهويدها، بل يسرق تاريخنا وتراثنا، فزعم أن الأكلات الشعبية الفلسطينية أكلات إسرائيلية، وزعم أن لباس جداتنا وأمهاتنا، المنتسب إلى قراننا ومدننا، لباس إسرائيلي، وحاول الترويج لهذا التزوير سياحياً وإعلامياً، وكانت مسابقة ما يسمى ملكات الجمال، وإلباسهن الأثواب الفلسطينية على أنها تراث إسرائيلي، إحدى آخر صرعات التزوير هذه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على خطورة التحدي الذي نواجهه مع هذا العدو المجرم، وعلى أهمية الدراسات العلمية والتراثية، التي توثق هذه السرقات، وتؤصل لتراثنا وتاريخنا وهويتنا، وتربطه بعقيدتنا وتاريخنا وأمجادنا.
سادساً: تحدي التطبيع: وهو بلا شك من أخطر التحديات، إن لم يكن أخطرها جميعاً، فهو من جهة ترسيخ وتمكين للاحتلال، ومن جهة محاولة لتغيير القناعات تجاه الاحتلال، وتزوير الوعي، وجعل العلاقة مع العدو طبيعية، فهو تزييف للحقائق والوعي والتاريخ، ومسح لذاكرة الأجيال، خاصة أن الدول المطبعة أسفرت عن وجهها القبيح، وأصبحت تقدم خدمات مجانية للاحتلال، وتشكل بوابة له لاختراق الدول العربية. وما أحرانا باحثين وأكاديميين وعلماء ومفكرين، أن نواجه هذا التطبيع بأقلامنا وفكرنا وأبحاثنا، ونعري المطبعين ونكشف حقيقتهم، ونرسخ عداوة المحتل، ونبث الوعي بين أبناء الأمة، فمعركة التطبيع معركة وعي بالدرجة الأولى.
وبعد فهذه أبرز التحديات التي تواجه قضيتنا، أحببنا أن نذكر بها لندرك دورنا في خدمة القضية الفلسطينية، ونساهم بجهدنا البحثي في مواجهة هذه التحديات، وبالتالي الإسهام الفاعل في مشروع التحرير.
ولا يفوتني في هذا المقام وقبل أن أنهي هذه الافتتاحية أن أشير إلى وفاة أحد أعضاء هيئة التحرير، وهو الأستاذ الدكتور عبد المعز حريز-رحمه الله- وأن أشيد بجهوده في خدمة المجلة ورسالتها، وأرجو الله أن يتقبل جهده وأن يثقل به موازينه، وأن يجيرنا في مصيبتنا وأن يخلفنا خيراً منها، وأن يرحم شيخنا وأن يغفر لنا وله، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأستاذ الدكتور عبد الجبار سعيد
رئيس هيئة التحرير
لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :
https://drive.google.com/drive/folders/1-c8YNu0zYF0yOoCj8yal3v750UDO8fdj?usp=sharing