إصدار

مركز معراج للبحوث والدراسات التابع لهيئة علماء فلسطين    

و مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم

تقديم

العلامة البرفسور الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو   رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا وعضو الأمانة العامة لاتحاد علماء المسلمين ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين

تحرير

د. محمد همام ملحم                          د. فادي كاظم الزعتري

بسم الله الرحمن الرحيم 

كلمة التحرير

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا وينبغي له، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

  فقد مرت القضية الفلسطينية منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بالعديد من الخطط الاستعمارية والمؤامرات الدولية والمشاريع الاستيطانية، وبعد اشتداد ساعد الانتفاضة الفلسطينية في أواخر القرن العشرين ظهرت مشاريع التسوية المتلاحقة، وفي الوقت نفسه برزت مشاريع التطبيع والتحالف بين هذا الكيان المسخ وبعض الأنظمة العربية والإسلامية، وكان من أخطر تلك المؤامرات، مشروع صفقة القرن الذي أعلن عنه من قبل الإدارة الأمريكية في عامي 2019 و2020 بشقيه الاقتصادي والسياسي، هذا المشروع الذي يهدف إلى التمكين الاستراتيجي الكامل للكيان المحتل في المنطقة والإقليم من أجل ضمان أمنه، وتحقيق هيمنته وسيادته، هذا وإن كان قد بهت بريقه بعد مجيء إدارة جديدة للبيت الأبيض، لكن المتابع للأحداث يرى بوضوح السعي الحثيث في هذه الأيام لتنفيذ بنود وأجندات هذه الصفقة بمسميات مختلفة من قبل كل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وعدد من الأنظمة المطبعة والمتحالفة معه.

  وقد تواصلنا في مركز معراج للبحوث والدراسات التابع لهيئة علماء فلسطين مع مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم في اسطنبول من أجل القيام بدور علمي في بيان حقيقة هذه الصفقة وأهدافها ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان الواجبات المطلوبة من الأمة والهيئات العلمية والعلماء والأفراد في مواجهة هذه الصفقة وتداعياتها، واتفقنا على عقد ندوة دولية علمية تحت عنوان صفقة القرن، رؤية شرعية وقراءة استراتيجية.

  وقد عقدت هذه الندوة العلمية على مدار يومين كاملين بتاريخ 23- 24/ صفر/ 1442هـ، الموافق  10- 11 / 10/ 2020م، وقد شارك فيها ما يقارب 30 باحثاً، من عدد من البلدان، وتكلم في الجلسة الافتتاحية عدد من كبار العلماء على رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلامة البرفسور أحمد الريسوني، وقد كانت كلمته حول الرؤية الشرعية للتطبيع، والعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين، حيث تناول في كلمته المعلوم من الدين بالضرورة في القضية الفلسطينية، وسعادة البرفسور الدكتور سامي العريان رئيس مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وفضيلة الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين.

وقد قامت اللجنة العلمية المشكلة من المركزين باستكتاب الباحثين وعقد الندوة، حيث قام بأعمالها كل من البرفسور الدكتور سامي العريان رئيس مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وكاتب هذه المقدمة والدكتور محمود النفار من مركز معراج للبحوث والدراسات، وقامت لجنة التحرير والمراجعة بإجراءات المراجعة والتأكد من نسب الاستلال والتحكيم العلمي للبحوث والأوراق المقدمة، وقد قام بأعمال لجنة التحرير كل من كاتب هذه السطور نيابة عن مركز معراج للبحوث والدراسات والدكتور فادي الزعتري من مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وشارك الأخ ياسر القادري الباحث في مركز معراج للبحوث والدراسات في المراجعة والتدقيق والتحرير. وقد بلغ عدد البحوث التي اجتازت التحكيم ثمانية بحوث، وهي البحوث التالية:

  1. صفقة القرن وسياسة الأمر الواقع للدكتور أحمد الحيلة.
  2. أصول الصّراع مع الحركة الصهيونية والمبادئ الاستراتيجيّة لطبيعته وكيفية انتهائه، للأستاذ الدكتور سامي العريان.
  3. صفقة القرن في ضوء القانون الدولي للدكتور سعيد الدهشان.
  4. المسلمات الشرعية التي تنقضها صفقة القرن (إسلامية الأرض، والسيادة عليها، وحق المقاومة) للدكتور محمد سليمان الفرا، والدكتور يونس محيي الدين الأسطل.
  5. صفقة القرن والتأصيل الشرعي لحق العودة للدكتور نواف تكروري.
  6. مفاسد التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني من خلال وثيقة صفقة القرن دراسة تأصيلية مقاصدية، للدكتور محمد همام ملحم، والدكتور محمود النفار.
  7. واجبات الأمة تجاه صفقة القرن المزعومة للدكتور عطية عدلان، والدكتور حاتم عبد العظيم.
  8. دور المؤسسات العلمائية في مواجهة صفقة القرن.. خطة عمل للدكتور مسعود صبري.

مع العلم بأنه كانت هنالك مشاركات قيمة جدا من قبل عدد آخر من الباحثين لكن لم تتوفر فيها بعض الشروط المطلوبة، وبشكل خاص الشرط المتعلق بالحد الأدنى من عدد الكلمات.

هذا وإننا في اللجنة العلمية لهذه الندوة المباركة نشكر كل من كان له دور في نجاح الندوة وإخراج بحوثها ومادتها بهذه الحلة القشيبة ابتداء من أعضاء اللجنة العلمية والعلماء الأجلاء والباحثين الكرام الذين شاركوا في هذه الندوة، وانتهاء بأعضاء لجنة التحرير والمراجعة.

نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منا جميعا هذا العمل وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن ينفع به، اللهم ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د. محمد همام ملحم

عضو اللجنة العلمية للندوة ولجنة تحرير الكتاب

كلمة فضيلة الدكتور نواف تكروري

رئيس هيئة علماء فلسطين

22/8/ 2022م الموافق 24 محرم 1444ه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

فإن كيد الأعداء بهذه الأمة لن ينتهي ما تعاقب الليل والنهار، وما وجدوا حيلة لذلك ﴿وَقَدۡ مَكَرُوا۟ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ﴾ [إبراهيم ٤٦]، ﴿وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟﴾ [البقرة ٢١٧]، وما لأطماعهم ومؤامراتهم أمد تنتهي إليه. وتأتي صفقة القرن كحلقة من حلقات هذا الكيد، وجولة من جولات العدوان المتجدد، وما دامت أمتنا على ضعفها وهوانها على ذاتها، فلن تكون على الناس إلا هينة.

           إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها                هوان بها كانت على الناس أهونا

وقد صدقت العرب إذ قالت: أنت حيث تضع نفسك.

فقضية فلسطين؛ وهي أحد أبرز صور العدوان والظلم لا على الشعب الفلسطيني وحده، بل على الأمة جمعاء في أطهر بقاعها وأعز ما لديها، وعلى البشرية في فطرتها وقيمتها الإنسانية.

وهذه القضية قد تعددت صور العدوان والتآمر عليها منذ أكثر من قرن وربع القرن، منذ مؤتمر بازل ومحاولة اقتطاعها من الدولة العثمانية لإقامة دولة لليهود على ثراها الطهور، ومن يومها إلى اليوم وقعت هذه القضية تحت سلسلة من الخداعات والتضليلات والاعتداءات العسكرية والسياسية، لا من الغاصبين الصهاينة فقط، بل من الدول الكبرى التي دعمت وساندت العدوان الصهيوني، وفي مقدمتها بريطانيا ابتداءً، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي ما عرفت النزاهة ولا العدالة بشأن هذه القضية مطلقاً منذ نشأتها، وإنما شكلت تحالفاً  وثيقاً مع الصهيوني المعتدي.     

ولعل من آخر حلقات هذا الانحياز، بل من أخطرها، هو ما عرف بصفقة القرن والتي قامت على أساس إثبات الرواية والرؤية الصهيونية للقضية، وجاءت لتمنح العدو الصهيوني ما تعذر حصوله عليه في حروبه الماضية وفي مفاوضاته، ففكرتها  تقوم على أساس الاعتراف بالقدس موحدة عاصمة لكيان الغصب، وإسقاط حق العودة للشعب الفلسطيني، وجعل مقدسات المسلمين وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك تحت سيادة الكيان الغاصب، وتقضي لهذا الكيان حتى بما يناقض القرارات الدولية القاضية بخروجه من الأراضي التي احتلها عام 1967م، وتجريم المقاومة وحشد القوى العالمية لمحاربتها.

 فقد منحته هذه الجريمة المسماة “صفقة القرن” بضم أجزاء واسعة في الضفة الغربية وكل مدينة القدس حتى ما احتل منها في عام 1967م، وجاءت لتفرض هذا الكيان على أنه جزء من المنطقة، بل سيداً لها وتحت يديه بلاد المسلمين وأموالهم ومياههم وأيديهم العاملة، فينتفع منها ويترك لأهلها الفتات.

ولا شك أن هذه الجولة من المؤامرات جاءت لتستهدف القضية من أصولها، وانتزاعها من أيدي أهلها بقرارات رسمية، بل مشاركات عربية، ممنين المنطقة بالازدهار والعيش الرغيد كذباً وزوراً.

وإننا في هيئة علماء فلسطين، وبالأخص قسم البحوث والدراسات المتمثل بمركز معراج للبحوث والدراسات، رأينا أن من واجبنا جمع كلمة العلماء على إيضاح هذه الصفقة، ومخاطرها، والتعريف بمراميها السياسية، وموقف القانون الدولي منها، وبالتأكيد البيان الشرعي المفصل لحقيقتها وحكمها، والواجب تجاهها، فكانت هذه الندوة التي عقدت بالشراكة مع مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم، والتي شارك فيها ثلة من العلماء والباحثين الشرعيين والسياسيين والقانونيين، الذين أصّلوا وأوضحوا حقيقتها وموقعها القانوني وأحكام الشرع فيها، فكشفوا اللثام عن هذه الجريمة، وأبانوا طبيعتها العدوانية الشرسة، وبثّوا الوعي وسلّطوا الضوء على ما يجب على المسلمين بكل طبقاتهم وفئاتهم ومواقع وجودهم، من تفاعل وتحرك ومواجهة لهذه الصفقة الجائرة، وأكد الباحثون على خطر هذه الصفقة، والتي امتازت بالوضوح الذي لا يقبل الريبة والشك في سوء ما تنطوي عليه وتهدف إلى تحقيقه..

فجزى الله خيراً إخواننا في مركز معراج  ومركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية على ترتيب هذه الندوة العلمية الشاملة التي تناولت هذه الصفقة بكل تفصيلاتها وأبوابها ومخاطرها وأدلة اعتراضها وعدوانيتها وما ينبغي على الأمة في التعامل مع مثل هذه الصفقة المشؤومة، وكيف أنها باب جديد من أبواب العدوان وأنها تتجاوز في عدوانيتها حدود فلسطين إلى البلاد التي يعيش فيها الكثير من أبناء فلسطين، بمحاولات فرض التوطين عليهم حيث وجدوا، أو حيث ترتب أمريكا وتفرض على البلاد استيعابهم لإراحة اليهود من صمودهم ومطالبتهم بالعودة.

ولا شك أن الجهود لا بد أن تتضافر في مواجهة هذه الاعتداءات، وأن سبيلنا هو جهاد مبرور يذيق العدو وبال أمره ويصد اعتداءاته، لا سيما بعد أن رأينا خوره عندما تكون المواجهة حقيقية.  

وختاماً جزى الله السادة العلماء والأخوة الباحثين خيراً على جهدهم وبحوثهم القيمة، ونسأل الله أن تكون في ميزان حسناتهم، وأن ينفع بها، فتكون تسليطاً للضوء على حقيقة هذه المؤامرة المسماة “بصفقة القرن”، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

كلمة البروفيسور الدكتور سامي العريان

مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية CIGA بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإخوة الكرام.. الإخوة العلماء الأجلاء..

في الحقيقة نحن في غاية الفخر والاعتزاز أن نكون من المنظمين والراعين لهذه الندوة، مع إخواننا في هيئة علماء فلسطين، ومركز معراج للبحوث والدراسات.

أنشئ مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية CIGA من حوالي أربع سنوات -وهذه هي السنة الرابعة لنا- ونحن في حقيقة الأمر لدينا رسالة، وهذه الرسالة هي إجراء أبحاث وتحليلاتٍ لتثقيف العامة وصانعي السياسات وتدريب الخبراء واقتراح أي أفكار نحو بناء هذه الأمة، وفهم الأحداث التي تؤثر على العالم الإسلامي، وعلى تطوير المجتمعات الإسلامية. هذه الرسالة بالنسبة إلينا هي رسالة مقدسة، فلا بد أن يكون هناك نفر من هذه الأمة يستطيعون أن يفكروا ويعطوا عصارة تفكيرهم وجهدهم لإعادة تشكيل هذه الأمة من جديد بعد أن تناهشها الأعداء.

في هذه الندوة سنتناول القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية بالنسبة إلينا هي قضية الأمة العربية والإسلامية المركزية، ذلك في نضالها وجهادها وسعيها لإرساء هويتها الحضارية، وتخطيط وحدتها السياسية ضد الذين دخلوا في عمقنا وفي مركزنا حتى يبقوا هذه الأمة ضعيفة ومقسمة ومنهكة بالتبعية والتجزئة والتغريب.

 لقد جاءت صفقة القرن ليس فقط كغطاء وإنما كنهاية أو لإنهاء هذا الصراع حسب ما يرونه. القضية الفلسطينية بالنسبة إلينا هي الميزان والبوصلة والمسطرة التي يمكن أن نقيس بها انتماء من ينحازون إليها إلى الأمة، والذي يبيعها أو يخونها أو يتآمر عليها يكون قد وضع نفسه في خانة الأعداء وانحاز إليهم ولم ينحز إلى الأمة وعقيدتها أو حضارتها أو حاضرها أو مستقبلها.

نرحب أيها الإخوة الأعزاء وأيها العلماء الأجلاء بكل المتحدثين في هذه الندوة، ونحن عندنا في الحقيقة باقة رائعة من العلماء والخبراء الذين سيتحدثون عن أمور مختلفة فيما يخص صفقة القرن وكيفية مواجهتها من ناحية شرعية كما من ناحية استراتيجية سياسية، والخروج ببرنامج عمل لمواجهة مثل هذه الصفقة التي أسميها (سرقة القرن).

نرحب بالعلامة الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونحن في غاية السعادة والفخر والاعتزاز بوجوده معنا، لأنه يمثّل الآلاف من علماء المسلمين والذين يدعوهم دائماً لأخذ دورهم في هذه القضية المركزية. كذلك نرحب بالعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو وهو علمٌ معروف ما شاء الله من أعلام هذه الأمة من محيطها إلى محيطها. نرحب بجميع الحضور في هذا البرنامج الذي يهدف إلى صياغة فهم استراتيجي وأصولي وشرعي في التعامل مع هذه الصفقة أو هذه السرقة، والأهم من ذلك أن نخرج غداً ببرنامج عمل لمواجهتها ودحضها والانتصار عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الرؤية الشرعية للتطبيع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷺ

حضرات السادة الأفاضل أصحاب الفضيلة، السادة العلماء والرؤساء لهذه الهيئات المباركة التي تنظم هذه الندوة، السادة العلماء والمفكرون من كل أنحاء العالم المشاركون في هذه الندوة، أيها السادة المتابعون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التطبيع كما لا يخفى على حضراتكم هذه الكلمة (المفردة) هذا المصطلح ينطوي على مغالطات كثيرة، وربما نحتاج وأهم شيء من الناحية الشرعية والقانونية أو من أي ناحية أن نكشف ما المقصود من هذا التطبيع عند من يطبقونه وعند من يمارسونه، مِن هؤلاء الأعراب الذين بدأوا يتهافتون ويتساقطون هنا وهناك.

فإذاً التطبيع كما نراه وكما نشاهد مجرياته ينطوي على عدة أعمال يجب تفكيكها ويجب بيانها لكي نعرف ما هو هذا التطبيع.

أولاً أشير إلى أن التطبيع على درجات، مضت علينا أنماط من التطبيع سابقاً، ولكن التطبيع الجديد هو أسوأها وأرذلها وأقبحها وأشدها ضرراً. فإذاً هناك أنواع من التطبيع مرت لا أتحدث عنها، نحن نتحدث اليوم عن هذه الموجة الجديدة من التطبيع التي تتزعمها نيابة عن العدو الصهيوني وعن المحتضن الأمريكي دولة الكيان الإماراتي، ويحاولون زج بعض الدول الهشة والمتذبذبة. فإذاً هذا هو التطبيع الذي نتحدث عنه، أي النموذج الذي جرى وتم التوقيع عليه مؤخراً بين الكيان الإماراتي والكيان الصهيوني، هذا التطبيع ينظر إليه من الناحية الشرعية ومن الناحية الفكرية في الحال والمآل، لأن الأحكام الشرعية ينظر إليها من خلال الحال والمآل،

فقد يكون للحال شأن، ولكن النظر في مآلاته يعطيه درجة أخرى ويعطيه شأناً آخر، وإلا فالتطبيع بجميع أشكاله محرم وخيانة وخذلان وغدر، ولكن هذا طبعاً حين النظر في حاله ليعرف حقيقته، لأن المآل مستقبح عند الذين يقدمون على هذه الخطوات وعند من يخططون لها وعند من يسعون لها.

في الحال يحقق هذا التطبيع ما يلي:

أولاً: يجعل الاحتلال لفلسطين شيئاً مقبولاً وطبيعياً ومعترفاً به وكأنه لم يكن، وفي ضمن فلسطين مدينة القدس والمسجد الأقصى بالإضافة إلى الأراضي السورية واللبنانية المحتلة حتى الآن. إذاً هذا التطبيع يؤدي إلى الاعتراف بكل هذه الخطوات التي تمت منذ سبعين سنة احتلال بالقوة وبالجيوش وبالدعم الغربي؛ فإذاً التطبيع يتضمن طي صفحة اغتصاب وطن عربي إسلامي، هو فلسطين، واغتصاب عدد من الأراضي حول فلسطين، والاعتراف بهذا الواقع والتعامل معه وكأن شيئاً لم يكن، وكأننا كنا مخطئين حينما رفضنا هذا الاعتراف منذ سبعين سنة. فالتطبيع بدل أن يجرّم المجرمين المحتلين الذين غصبوا أرضنا، يجرّم الذين لم يعترفوا بإسرائيل ويعتبرهم مخطئين ومتطرفين ومبالغين.

ثانياً: هذا التطبيع يتضمن التغاضي عن التشريد الذي تعرض له ملايين الفلسطينيين عن وطنهم وأرضهم، لأنه قد يقع أحياناً الاحتلال دون أن يُطرد أحد من بلده، لكن الآن هذا احتلال إحلالي، كما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله: “إنَّ الصهيونية فكرة استعمارية ذات صفة إحلالية”.[1] فإذاً على الذين يطبعون أن يعلموا أنهم يمارسون التأييد والترسيم والشرعنة لهذا العمل.

هذا الاحتلال شرد الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم وأوطانهم. وتعلمون أول مسوغ وأول تعليل لمشروعية الجهاد والقتال في الإسلام هو إخراج الناس من أرضهم وديارهم. فإذاً واقع تشريد الملايين من الفلسطينيين والواقع يراه الجميع ويعرفه الجميع وما من دولة في العالم إلا ووصل إليها عدد من هؤلاء المشردين المطرودين من ديارهم.

فالمطبعون يتنازلون ضمنياً أو صراحة عن حق هؤلاء وعن الظلم الذي لحق بهم وعن حق عودتهم إلى وطنهم وديارهم وعن حق تعويضهم، وعن الأضرار التي لحقت بهم أجداداً وآباءً وأبناءً وأحفاداً إلى الآن.

ثالثاً: هذا التطبيع يتضمن اعترافاً للعدو باستيلائه على الممتلكات، فالاستيلاء على الممتلكات قبل قيام إسرائيل منذ الثلاثينيات والأربعينيات، ولكنه عرف موجة عارمة من الاستيلاء على الأراضي وعلى المنازل وعلى القرى الفلسطينية وعلى المزارع الفلسطينية بعد ذلك وما زال هذا العمل قائماً إلى الآن. فالتطبيع من الناحية الشرعية معناه اعتراف بهذه السرقة، وبهذا الاغتصاب، وبهذا الاستيلاء، وبهذا الغصب لكل هذه الممتلكات التي أخذت من الفلسطينيين منذ عشرات السنين، وما زال الأمر مستمراً، ويمكن لمن أراد أن يطلع على شهادة من العدو نفسه، النظر في الكتاب الذي عرّفت به بعض المواقع الإعلام مؤخراً[2]، والذي يتحدث عن نهب ممتلكات العرب في حرب الاستقلال من الزاوية الإسرائيلية، لأن الكاتب إسرائيلي يهودي وهو المؤرخ آدم راز الذي صدر عن (دار كرمل) الذي صدر بالتعاون مع معهد أبحاث “عكيفوت” الذي يعنى بالكشف عن كواليس النكبة ووثائقها وموادها وعن أرشيفها، والكاتب يحمل مسؤولية ظاهرة السلب والنهب واستمرارها ما بعد النكبة إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني  الأول بن غوريون، الذي قال خلال اجتماع للجنة المركزية لحزب “ماباي”[3] الذي أسس الدولة العبرية “اتضح أن معظم اليهود لصوص.. أقول هذا عن قصد وببساطة، لأن هذا للأسف صحيح”[4]،  فالسرقة جناية، والاغتصاب جناية، والمصادرة بأي شكل من الأشكال جناية، فهذه الحقوق (منازل ومزارع وأراض) صارت بأيدي الصهاينة، وهي بغير حق وبغير سند، فالحق لا يسقط بالتقادم، ولن يسقط ما دام له مطالب، فالاعتراف والتطبيع معناه تجاوز عن كل هذه الاختلاسات والسرقات التي ما زالت مستمرة إلى الآن.

والتطبيع كذلك يقتضي ويتضمن صراحة أو ضمناً التغاضي عن الجرائم والمجازر والاغتيالات والانتهاكات بحق الأفراد والمجموعات، وهذه المجازر كان يقتل أحياناً في المجزرة الواحدة الآلاف، كمجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة كفر قاسم، ومجزرة مخيم جنين، ومجازر الحروب على غزة، وغيرها من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بجيشها وجنودها وقطعان مستوطنيها، وما زالوا يمارسون ذلك ويقتلون في الشوارع وعلى الحواجز الأمنية وفي المدن  والقرى، فالتطبيع يقتضي طي صفحة هذه الجرائم والمجازر والاغتيالات تماماً بل ويقتضي نسيانها كليا وكأنها لم تكن.

وإن هذا التطبيع يؤدي إلى إسقاط مبدأ قانوني وشرعي لا اختلاف فيه بين اثنين من البشر، وهو عدم الإفلات من العقاب، والآن أهم شعار ترفعه المؤسسات والمحاكم الدولية هو عدم الإفلات من العقاب، وإذا كان عدم الإفلات من العقاب يتعلق بقتل بعض الأفراد، أو سجن بعضهم وتعذيبهم وما إلى ذلك فكيف بالذي حل بالشعب الفلسطيني وهو أكبر تعذيب، و أكبر قتل في التاريخ المعاصر، وربما في التاريخ كله، فملايين من الفلسطينيين تعرضوا لجرائم الطرد من الوطن، فتشريد الناس وإخراجهم من أوطانهم جريمة والاستيلاء على أرضهم جريمة والمجازر التي ارتكبت هناك على مدى تاريخ الكيان الصهيوني كلها جرائم، ولا يسقط مبدأ الإفلات من العقاب، لكن هذا التطبيع يسقط كل هذه الجرائم ويطويها، ويريد أن يعاقب الضحايا وليس المجرمين.

والتطبيع معناه كذلك أن يُمَد عمر هذا الاحتلال بحيث لا ينتهي، ويُمد عمر القتل والجريمة والحرب دون توقف، هذا التطبيع لن يدفع العدو للبحث عن أي حل، وقد أصبح الآن أمراً واقعاً، وقد قال رئيس وزراء العدو: لم يبق أي مانع من الاستيطان والمستوطنات بلا عدد ولا حد بالآلاف أو عشرات الآلاف، فهذا التطبيع يمد عمر هذا الاحتلال، ويمد عمر الحرب على الشعب الفلسطيني، ويمد عمر الحرب على الدول والشعوب المجاورة، بالإضافة إلى ذلك فإنه خذلان وخيانة وغدر للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، وهو أيضاً خزي وذل للقائمين به.

هذا يتحقق في الحال، وأما في المآل فإن  التطبيع يعمق ويمد بعمر المآسي الفلسطينية كلها التي ذكرت بعضاً منها، فهو انضمام إلى العدو، الخطاب الإعلامي للمطبعين والخطاب الديني المزور لهم، والخطاب السياسي للمسؤولين الإماراتيين وغيرهم من المطبعين هنا وهناك أصبح معادياً للفلسطيني؛ لأنه فلسطيني، أصبحت المقاومة الفلسطينية إرهاباً، ويعتقل أصحابها، ومن ينتسبون إليها بأي شكل من الانتساب، ولو كان انتساباً قولياً، يعتقلون ويحاكمون؛ فإذاً التطبيع يقلب المسألة ويحول العدو إلى صديق وحليف وحبيب، ويحول الشعب الفلسطيني ومنظماته وقادته إلى مجرمين منبوذين، هذا ما يفعله التطبيع، وهذا ما يريده المطبعون. كذلك هذه الدول المطبعة وبشكل خاص النظام الإماراتي يضغط على الأنظمة المهترئة والهشة لتهرول نحو التطبيع، ويضغط على غيرها من الأنظمة لتنكمش وتسقط، وبالتالي يؤدي ذلك في المآل إلى تمزيق الصف العربي، فهذا انشقاق بعد انشقاق، هذا انشقاق يدفع الرشاوى ويمارس الضغوط لينشق الآخرون، لأنه لا يريد أن يبقى في الجريمة وحده، يريد من يستأنس بهم، ويستشهد بهم، ويسعى ويبذل كل ما في جهده. الإماراتيون وحلفاؤهم في المنطقة والعدو الصهيوني والداعم الأمريكي، كلهم يعملون على تخريب ما تبقى من العمل العربي المشترك الرسمي على ضعفه وهزاله، والآن كما ترون جامعة الدول العربية كأنها انتهت رسمياً؛ اعتذرت ست دول رسمياً عن مجرد رئاستها لأنها تعرف أنها ستترأس على السراب، الجامعة العربية أصبحت سراباً من الناحية الرسمية، أما من الناحية الفعلية فقد حصل هذا منذ زمن بعيد، فإذاً هذا تخريب لما تبقى بقاءً رمزياً من العمل العربي المشترك وتصفية له، وهؤلاء الآن الذين يصفون الجامعة العربية الآن بما فيها من علات هم الذين صفوا كذلك مجلس التعاون الخليجي، وهم الذين بثوا الشقاق في المنطقة كلها فأصبح الشقيق عدواً لشقيقه وعدواً لحليفه الحقيقي وهكذا، وكذلك يسعون إلى قلب الحقائق والمشاعر، فالآن الغرام باليهود والصهاينة وإسرائيل والاعتذار لهم، والزيارات والسهرات الفنية، هذا كله يريد قلب الحقائق وقلب المشاعر حتى لا يبقى عند الناس أي كراهية للظلم والظالمين، وحتى يصبحوا كارهين لإخوانهم ولأشقائهم. هذا كله يتطلب مضاعفة الجهود من الشعوب ومن العلماء ومن المخلصين وممن بقي لهم قدرة على مواجهة هذا المد الجارف لهزيمته ولإيقافه عند حده ولكي تنقلب هذه المحاولات البئيسة إلى نصر وقوة جديدة للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، وبالله تعالى التوفيق وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.   

    كلمة فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو

رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا

وعضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين

المعلوم من الدين بالضرورة في القضية الفلسطينية

الحمد لله وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

   فإن من المعلوم من الدين بالضرورة: أن الظلم حرام، وأنه  لا يقبل بأي وجه من الوجوه، حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44]، وقال: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]، وجعله محرماً بين عباده كما في الحديث القدسي الصحيح: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا”.[5]

   ولا شك أن هذا الاحتلال وكل ما نشأ عنه داخل في نطاق الظلم بتعريفه الشرعي الصحيح، فلذلك من المعلوم من الدين بالضرورة تحريم الظلم، بل وذلك في جميع الديانات السماوية، وفي جميع القوانين الوضعية، وفي جميع أعراف البشر، فلا يمكن أن يأتي يوم من الأيام يكون الظلم فيه مباحاً، ولا أن يكون الظلم فيه محموداً ممدوحاً، هذا لا يمكن أن يقع في حال من الأحوال، بل هو إجماع بين الإنس والجن والخلائق جميعاً، وهو مقتضى الوحي المنزل ومقتضى العقل ومقتضى الفطرة ومقتضى القوانين التي اتفق عليها البشر والأعراف التي تعارفوا عليها. فالظلم محرم في جميع الديانات السماوية، وفي جميع القوانين الوضعية، وفي جميع أعراف البشر.

  ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن فلسطين أرض إسلامية، وأن سكانها من المسلمين، وهم من الدولة الإسلامية ومن رعاياها، وأن في فلسطين مقدسات إسلامية من المعلوم من الدين بالضرورة تقديسها، وبقاؤها تحت الحكم الإسلامي، ومن هذه المقدسات المسجد الأقصى، وهو أكبر أسير في هذا اليوم، فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن المسجد الاٌقصى الذي تحدث الله عنه في كتابه وبارك فيه وحوله وأسرى إليه برسوله ﷺ وجمع له به الأنبياء، وعرج به منه إلى السموات العلى وما فوقها، وأنه هو المسجد القائم الآن في مدينة القدس في فلسطين، ومن أنكر شيئاً من ذلك فقد كفر كفراً أكبر، مخرجاً من الملة لأن هذا من المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، وهو ثالث المساجد التي قال عنها الرسول ﷺ: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد”[6]، وهو كذلك ثالث هذه المساجد من ناحية الفضل والتضعيف في الصلاة.[7]

   ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن الجهاد لرفع الظلم وإغاثة المستضعفين أمر واجب على المسلمين جميعاً، أوجبه الله تعالى في كتابه وقال فيه: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَا⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا، ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا﴾ [النساء 75- 76]، ومن المعلوم من الدين بالضرورة في هذه القضية: أن المعتدين فيها الذين جاؤوا من أطراف الأرض ولم يكن لهم بها وجود ولا سكن ولا لآبائهم من قبلهم ولا لأمهاتهم، وليست معهم جنسية فلسطينية، ولا لهم وجود في هذه الأرض طيلة القرون الماضية كلها، إنما جاؤوا وجيء بهم وجمعوا من أطراف الأرض لإقامة هذا المسلسل من القتل والخراب والتدمير.

    ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن التاريخ الإسلامي يتعاوره إحسان وإساءة فإذا أحسن المسلمون مُكّن لهم، وإذا أساؤوا سُلِّط عليهم العدو، وهذا من سنن الله الماضية المعلومة منه سبحانه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [آل عمران ١٤٠].

  ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن إنقاذ الأسرى واستخراجهم من أيدي العدو من الفرائض الواجبة التي تجب أولاً على حكام المسلمين، وإن عجزوا عنها أو تخاذلوا، فيجب على الأمة كلها، وإن تخاذلوا، فيجب على كل فرد فيها بما يستطيع سواءً كان ذلك بجهده أو بماله أو بوقته أو بلسانه أو بما يستطيعه من كل قوة هو قادر عليها.

  وكذلك من المعلوم من الدين بالضرورة: صدق الأخبار النبوية وقد أخبر رسول الله ﷺ بأمور تقع في هذه الأرض، منها حرب التحرير التي يطهر بها المسجد الأقصى ويحرر، ويهزم بها اليهود، ومنها الحرب التي تكون بين المسلمين والمسيح الدجال، وهذه الحرب يقود فيها المسلمين المسيح عيسى بن مريم، ويقاتل المسيح الدجال ويقاتل اليهود معه، وقد تجمعوا على المسيح الدجال من مشارق الأرض ومغاربها، وعلى مقدمته سبعون ألفاً من يهود أصبهان على رؤوسهم الطيالسة[8]، فيقتلهم المسلمون، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود[9]، ويتمكن المسيح بن مريم من قتل المسيح الدجال فيدركه بالرملة من باب اللد فيقتله، وهذا كله مما ثبت عن رسول الله ﷺ من الأخبار الصحيحة المتواترة.

 ومن المعلوم بالضرورة: أن هذه الأرض كانت أرض الهجرة الأولى؛ هجرة أبينا إبراهيم عليه السلام، عندما هاجر من العراق إلى الشام، وقال: إني مهاجر إلى ربي، وهي كذلك الهجرة في آخر الزمان، كما قال رسول الله ﷺ: “إنها تكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم إلى مهاجر إبراهيم”.[10]

وكذلك من المعلوم من الدين بالضرورة: أن هذه الأرض أرض رباط وجهاد إلى يوم الدين فهي مباركة، باركها الله سبحانه وتعالى، ولا تختص البركة فيها بالمسجد الأقصى ولا بمدينة القدس بل بكل تلك القرى والمدن، ولذلك قال الله تعالى في قصة أهل اليمن: ﴿وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ﴾ [سبأ ١٨]، وقال: ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]، وما حوله هو فلسطين وقد باركها الله وبارك أرضها، فهي على صغرها متسعة لكثير من السكان ولكثير من الشعوب والأمم، وهي كذلك بركة بالعبادة، فالعبادة فيها مضاعفة، وهي بركة في المال والرزق فأهلها مرزوقون برزق الله سبحانه وتعالى وبالبركة التي جعل الله فيها، وهي كذلك أرض الرباط والجهاد إلى يوم الدين، وكذلك البركة في سكانها وعمارها، فسكانها دائماً جبارون، والجبارون معناه الأقوياء الذين لا ينحنون ويركعون ولا يذلون، فإن الله سبحانه وتعالى فطرهم على ذلك، فالعرب الأوائل الذين سكنوا فلسطين وهم من أربع قبائل أصولهم من لخم وجذام وعاملة وغسان وبعد ذلك جاء الأوزاع، وجاء النبيط وهم من العرب أيضاً من المناذرة وغيرهم، كل أولئك العرب الذين سكنوا تلك الأرض قديماً عرفوا بهذه الشجاعة والنخوة والقوة، وفي ذلك قالت بنو إسرائيل لموسى عندما أخبرهم أن الله أمرهم أن يدخلوا تلك الأرض:  ﴿قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ فِیهَا قَوۡمࣰا جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِنَّا دَ ا⁠خِلُونَ﴾ [المائدة ٢٢]، وعندما فتح المسلمون هذه الأرض أصبح من المعلوم من الدين بالضرورة أن هذه الأرض التي فتحت وكانت غنيمة للمسلمين؛ فقد اتفق الصحابة رضوان الله عليهم وحصل الإجماع على وقفها فبقيت وقفاً كلها بمساجدها وبكل ما فيها، فهي وقف بقرار أمير المؤمنين الذي هو الممثل الشرعي لهذه الأمة كلها في ذلك الوقت وهو أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب بن عمرو بن نفيل، وقد رأى هو والمهاجرون والأنصار أن تكون هذه الأرض وقفاً على المسلمين باقية لم يقسموها بين المجاهدين والمقاتلين كما هو الأصل لأن الله سبحانه قال: ﴿وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ..[الأنفال ٤١]، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن هذه الأرض تبقى وقفاً ولا تقسم بين المجاهدين.

 ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن موالاة الأعداء الظالمين الغاصبين من الكفر الأكبر المخرج من الملة وأن التطبيع المعاصر ليس كالتطبيع الماضي، فالتطبيع الماضي كان وضعاً للسلاح مع قوم كانوا يتقاتلون وهو طبعاً خيانة وظلم، لكن التطبيع المعاصر إنما هو دخول في المشروع الصهيوني وموالاة لأهله وانخراط فيه بالكلية، كما قال الله تعالى في أهله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ، فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة٥١-٥٢]، وبين الله سبحانه أن الدخول في هذا المشروع ورفض الولاء والبراء الذي هو عقيدة من عقائد المسلمين مناف للإيمان بالله ورسوله وبالكتاب الذي أنزل على رسوله، قال تعالى: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ (78) كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيراً مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ (80) وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيراً مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَاناً وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [سورة المائدة: 78- 82].

 وإن من الواجب على الأمة أن تعرف عدوها من صديقها وأن تعرف أحوال أعدائها، بأي حال من الأحوال هم، فإن الله سبحانه وتعالى بين أن الظلم في هذا الأمر قسمان: ظلم المحتلين المعتدين الغاصبين، وظلم الموالين لهم كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ﴾ [الممتحنة ٩]، وهؤلاء هم الغاصبون المحتلون الصهاينة، ثم قال: ﴿وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ﴾ وهؤلاء هم المتصهينون من العرب والمساعدون على هذا المشروع.

اللهم ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفقة القرن.. وسياسة الأمر الواقع

د. أحمد الحيلة*

بُعيد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في الـ 20 من كانون الثاني/يناير من العام 2017، أعلن عن عزمه التدخل لإحلال السلام بإنهاء الصراع الفلسطيني ـ “الإسرائيلي” في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حزيران/يونيو من العام 2019 أعلن مستشار وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر من العاصمة البحرينية، المنامة، عن تفاصيل الشق الاقتصادي من خطة السلام الأمريكية، بعنوان “السلام من أجل الازدهار” رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، من خلال تأمين استثمارات دولية بقيمة 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

 وفي ذات السياق، وبعد جولات ولقاءات سياسية متعددة ومكثّفة، أجراها الطرف الأمريكي مع الكيان الصهيوني، ومع العديد من الدول العربية المعنية؛ أعلن الرئيس ترامب، في الـ 28 من كانون الثاني/يناير من العام 2020، عن الشق السياسي لخطته للسلام والتي عُرفت إعلامياً وفي الأوساط السياسية بـ “صفقة القرن”.

شملت خطة الرئيس الأمريكي ترامب، تصوراً لـ “حل” قضايا الصراع والخلاف القائم بين الفلسطينيين والاحتلال “الإسرائيلي”، موزعة على 22 عنواناً رئيسياً، وكان من أبرز ما جاء فيها:

أولاً: سمات الدولة الفلسطينية المقترحة:

تناولت خطة الرئيس ترامب فكرة الدولة الفلسطينية، استناداً لأمرٍ واقعٍ أحدثه الاحتلال في الضفة الغربية بعيداً عن القرارات الدولية ذات الصلة، ومنها القرارات 242، و338، و194؛ واقعٍ احتلالي صادر مساحات شاسعة من الضفة الغربية، وعزل المدن والقرى عن بعضها البعض؛ وفرض حواجز عسكرية وأمنية تجاوزت الـ 98 حاجزاً ثابتاً، وأخرى متنقلة.

1. أرض الدولة الفلسطينية:

تذهب خطة الرئيس ترامب إلى اللا-عودة لحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، والمنصوص عليها في القرار الدولي رقم 242 والذي على أساسه تقوم المفاوضات بين الاحتلال “الإسرائيلي” ومنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)؛ فما تقترحه “صفقة القرن”، يعتمد على تثبيت وقائع احتلالية بفعل قوة الأمر الواقع، ومنها:

  • ضم المستوطنات وأراضٍ للكيان “الإسرائيلي”، تصل مساحتها لنحو 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية. 
  • إنشاء شبكة معقدة من الطرق والجسور، المُتحكّم بها “إسرائيلياً”، للوصل بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وبينها وبين قطاع غزة.
  • استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بالسيادة “الإسرائيلية” على الأغوار الفلسطينية ـــ تشكّل نحو 30% من مساحة الضفة الغربية ـــ التي تُعدّ عصباً اقتصادياً ومصدراً أساسياً للمنتجات الزراعية، ومنفذاً برياً وحيداً وطبيعياً للدولة الفلسطينية المفترضة مع الأردن.

2. عاصمة الدولة الفلسطينية:

  • القدس:

تعتبر “صفقة القرن” القدسَ عاصمة موحّدة لدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، في الوقت الذي لا تمانع فيه من إقامة عاصمة لدولة فلسطين في الضواحي المجاورة لشرقي مدينة القدس (في منطقة كفر عقب أو في القسم الشرقي من بلدة شُعفاط أو في بلدة أبو ديس). وتَعِد الولايات المتحدة بإقامة سفارة لها في تلك الضواحي (عاصمة دولة فلسطين). هذا التصوّر “المستقبلي” لمدينة القدس، استبقته واشنطن بخطوة استفزازية حينما أقدمت على نقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس بتاريخ 14 أيار/مايو 2018، تزامناً مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، في إشارة أمريكية لحسم موقفها بالانحياز الكامل للاحتلال “الإسرائيلي”، وهو ما يتعارض، ليس فقط مع القانون الدولي، وإنما أيضاً مع أبسط متطلبات الوساطة السياسية بين الأطراف المتنازعة.

وهنا يجدر الإشارة إلى أن قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس جاء تنفيذاً لتشريع صادر عن الكونغرس باسم (تشريع سفارة القدس لعام 1995) في دورته 104 في 23/10 1995، والذي يُعبّر عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها في “إسرائيل” إلى القدس بدلاً من تل ابيب، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، وذلك في موعد أقصاه أيار/مايو 1999؛ ولكن تنفيذ القرار أُجّل أكثر من مرّة إلى أن أقره الرئيس ترامب في 6 كانون الأول/ديسمبر من العام 2017.

  • الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس:

تنزع الخطة الأمريكية السيادة الفلسطينية عن الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لصالح بسط السيادة “الإسرائيلية” عليها، مع إتاحة المجال لإبقاء الرعاية الدينية للمملكة الأردنية الهاشمية على المسجد الأقصى.

  • الفلسطينيون في القدس:

بشأن السكان المقيمين في مدينة القدس، تنص الخطة على تخيير الفلسطينيين المقيمين داخل الجدار الأمني القائم على خط الهدنة لعام 1949، بأحد الخيارات الثلاثة:

  1. إما أن يصبحوا “مواطنين” عرب في دولة “إسرائيل”.
  2. أو الاحتفاظ بوضعهم كمقيمين في “إسرائيل”.
  3. أو يصبحوا مواطنين في دولة فلسطين المرتقبة.

3. السكان في الدولة الفلسطينية:

تقترح “صفقة القرن”، بأن تستوعب الدولة الفلسطينية، المزمع إقامتها، السكان الفلسطينيين المتواجدين في الضفة الغربية وقطاع غزة، على ما تبقى لها من أراضٍ بعد ضم المستوطنات والأغوار الفلسطينية لدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، والتي تشكل ـــ المستوطنات والأغوار ـــ  نحو 40% من مساحة الضفة الغربية.

  • اللاجئون الفلسطينيون:

لا تعترف خطة الرئيس ترامب (صفقة القرن) بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها قسراً، بل تشترط الخطة لإبرام اتفاقية سلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، تخلّي الفلسطينيين عن أي حقوق تاريخية أو قانونية كفلها لهم القرار الأممي الشهير (194)، والذي نصّ على حق العودة والتعويض. كما تشترط الخطة أيضاً حل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا”، واستبدال مخيمات اللاجئين بأحياء سكنية. 

بداية لا بد من الإشارة إلى أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين تقدر وفقاً لأحدث الاحصاءات بـ 67.4% (أي بواقع 8.990 مليون لاجئ، أما المسجلين كلاجئين لدى وكالة “الأونروا” فيبلغ عددهم 6.172 مليوناً) من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ تعداده حتى مطلع العام 2020 نحو 13.350 مليوناً.

وفي هذا السياق، فإن خطة الرئيس ترامب تنص على أن:

  • اللاجئ الفلسطيني الذي لا يحظى بإقامة دائمة، عليه أن ينتظر الشروط التي قد تنطبق عليه للإقامة في دولة فلسطين المتوقعة، أو الدمج في الدول العربية، أو التوطين في أحد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على مدار عشر سنوات
  • الفلسطينيون في منطقة المثلث:

تطرح “صفقة القرن” فكرة ضم منطقة المثلث الواقعة شمال فلسطين المحتلة عام 1948، والتي تشمل بلدات (كفر قرع، وعرعرة، وياقة الغربية، وأم الفحم.. الخ)، إلى الدولة الفلسطينية، مع إمكانية إعادة رسم الحدود لدولة “إسرائيل” اليهودية.

  • ·       “اللاجئون اليهود”:

في المقابل تعترف خطة ترامب بحق “اللاجئين اليهود” الذين هاجروا “لإسرائيل” من البلاد العربية والتي تدعو إلى تعويضهم عن ممتلكاتهم التي فقدوها في الدول العربية، وما تحمّلته “إسرائيل” من نفقات لاستيعابهم.

ثانياً: مظاهر السيادة:

في سياق الحديث عن المظاهر السيادية لدولة فلسطين المرتقبة، وعلاقتها بدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، فالخطة الأمريكية تحمل في طياتها العديد من النقاط المثيرة للانتباه، ومنها:

  • إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بـ “يهودية الدولة الإسرائيلية”.
  • ألا تشكّل الدولة الفلسطينية، بأي شكل من الأشكال، خطراً على الأمن “الإسرائيلي” كما يرتئيه الإسرائيليون.
  • ألا تقع غزة تحت حكم حركة “حماس” أو التنظيمات الفلسطينية المسلحة.
  • أن تكون القوانين الفلسطينية مقيِّدة لأي نشاط مقاوم للاحتلال.
  • تغيير المناهج التعليمية بما يضمن وقف التحريض على الاحتلال.
  • مقاومة إيران، ومحاصرة نشاطاتها.
  • لا يجوز للسلطة الفلسطينية، أثناء المفاوضات، الانضمام لأي منظمة دولية دون موافقة دولة “إسرائيل”.
  • أن تكون فلسطين المقترحة، دولة منزوعة السلاح تماماً مع التزامها بما يلي:
  • منع أي تنظيم مسلح.
  • يمنع تطوير أي قدرات عسكرية في الداخل أو الخارج.
  • يحق للبحرية “الإسرائيلية” منع وصول الأسلحة والمواد المحظورة إلى دولة فلسطين.
  • يمنع على دولة فلسطين توقيع اتفاقيات عسكرية أو استخباراتية أو أمنية مع أي دولة أو منظمة تهدد الأمن “الإسرائيلي”، وفقاً للتقديرات “الإسرائيلية”، وفي حال وجود أي تهديد أمني يستهدف “إسرائيل” سيكون من حق “إسرائيل” القيام بعمليات عسكرية داخل حدود الدولة الفلسطينية.
  • من حق “إسرائيل” أن تدمّر أي منشأة فلسطينية تراها خطراً عليها.
  • الحدود والمعابر:
  • o      “إسرائيل” مسؤولة أمنياً عن المجال الجوي للدولة الفلسطينية.
  • تبقى كافة معابر الدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطات “الإسرائيلية”.
  • تبقى المياه الإقليمية لغزة تحت السيطرة “الإسرائيلية”.
  • ربط الضفة الغربية وقطاع غزة بخطوط نقل سريعة، خاضعة للسيطرة “الإسرائيلية”.
  • يخضع نهر الأردن للسيادة “الإسرائيلية”، وتعويض المزارعين الفلسطينيين.

ثالثاً: المعتقلون:

الإفراج عن السجناء الفلسطينيين، ما لم يكونوا من المقاومين المتهمين بارتكاب “جرائم قتل أو شروع بالقتل”.

رابعاً: “إسرائيل” في محيطها الإقليمي:

تكون العلاقات “الإسرائيلية” مع محيطها من خلال:

  • تعزيز مسار التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، والتشارك في علاقات مع أوروبا.
  • التعاون العربي “الإسرائيلي” لمواجهة حركتي “حماس” وحزب الله.
  • السماح للفلسطينيين باستخدام الموانئ “الإسرائيلية” في حيفا وأسدود.
  • تسهيل العبور بين الأردن وفلسطين مع حق “إسرائيل” في الرقابة.
  • إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأردن وفلسطين.
  • تَعِد الولايات المتحدة الأمريكية بوضع نهاية لاعتماد الفلسطينيين على المؤسسات الخيرية والمعونة الأجنبية.

خامساً: الموقف الفلسطيني، ومواقف المجتمع الدولي:

نشير بداية إلى مواقف مسبقة لبعض المسؤولين الأمريكيين والتي تعكس التصور الأمريكي للصراع وكيفية حلّه:

  • وزير الخارجية بومبيو (18 نوفمبر 2019): لا تعتبر واشنطن الاستيطان مخالفاً للقانون الدولي”.
  • السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان: في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، 8 حزيران/يونيو 2019، قال: “في ظل ظروف معينة، أعتقد أن إسرائيل تملك الحق في المحافظة على جزء من الضفة الغربية، لكن على الأغلب ليس كل الضفة الغربية”، وأضاف “آخر ما يحتاجه العالم هو دولة فلسطينية فاشلة بين إسرائيل والأردن”.

تلك المواقف المسبقة توضّح مدى انحياز وتبنّي واشنطن للرؤية الصهيونية، التي لا تنظر للفلسطينيين كأمّة أو قومية لها حقوق وطنية، وحق في تقرير المصير، وفقاً للسيرورة التاريخية أو وفقاً للقانون الدولي.

ردود الفعل المحلية والدولية:

مع إعلان الرئيس ترامب عن خطته لحل الصراع الفلسطيني/العربي ـــ “الإسرائيلي”، توالت ردود الأفعال الدولية تجاه تفاصيل الخطة، والتي كان أبرزها ما يلي: 

  • فلسطين:

رفضت (م.ت.ف)، وحركتي “فتح” و”حماس”، والقوى الفلسطينية كافة، الخطةَ على اعتبارها وصفة لتصفية القضية، بما يتناقض مع الثوابت الفلسطينية، وتزامن ذلك مع إعادة النظر وتعليق العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال.

  • الأمم المتحدة:

انتقدت الأمم المتحدة الخطة، مؤكدة على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، وقد صرّح متحدث باسم الأمين العام قائلاً؛ “يتعهد الأمين العام أنطونيو غوتيريش بمساعدة “الإسرائيليين” والفلسطينيين التوصّل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية، والقانون الدولي، والاتفاقات الثنائية ورؤية الدولتين بناءاً على حدود ما قبل العام 1967″.

  • منظمات إقليمية:

رفضت جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي الخطة واعتبرتها تجاوزاً لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتهاكاً للقانون وللقرارات الدولية.

  • الاتحاد الأوروبي:

أكد الاتحاد الأوروبي التزامه بالتفاوض على أساس حل الدولتين، ودعا إلى ضرورة مراعاة التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، مع احترام جميع قرارات الأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية.

  • الصين:

أكدت وزارة الخارجية الصينية على “حل الدولتين”، ومبدأ “الأرض مقابل السلام” كأساس لحل القضية الفلسطينية.

  • روسيا الاتحادية:

عارضت موسكو خطة ترامب، وتمسكت بحل الدولتين.

  • تركيا:

اعتبرت بأن الخطة “تهدف إلى القضاء على حل الدولتين وسرقة الأراضي الفلسطينية” وبأن الخطة “ولدت ميّتة”.

سادساً: الكيان الصهيوني وعقيدته السياسية:

 شهد المجتمع الصهيوني في العقدين الأخيرين انزياحاً كبيراً نحو اليمين المتطرف، لا سيّما نحو حزب الليكود، ويمين الليكود باتجاه الأحزاب الدينية المتطرفة، حتى أصبحت أحزاب اليسار أو الوسط الصهيوني بالكاد تحافظ على وجودها من خلال استرضاء الجمهور عبر تبنيها المزيد من المواقف اليمينية.

  • الضفة الغربية والقدس في عقيدتهم السياسية:
  • الضفة الغربية:

أكّد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو، والذي حظي بأطول فترة حكم متواصلة في تاريخ دولة الاحتلال، في (أيار/مايو 2011) بأنّ: “وجود اليهود في الضفة الغربية ليس احتلالاً، بل عودة إلى أرض الأجداد، فالأرض حق تاريخي لليهود”.

  • القدس:

أعلن الكيان الصهيوني “رسمياً” بسط سيادته الاحتلالية على مدينة القدس، عبر تشريعٍ في الكنيست “الإسرائيلي” عُرف بـ “قانون القدس” ، وذلك بتاريخ 30 يوليو/تموز 1980.

وفي 2 يناير 2018، صادق الكنيست على قانون “القدس الموحّدة”، وأكد فيه أن الانسحاب من شرقي القدس أو تسليم أي جزء منها، سيكون مرهوناً بمصادقة غالبية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضواً من أعضاء الكنيست.

وأكد بنيامين نتانياهو في عدة مناسبات تمسكه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني؛ ففي خطاب أمام المجتمع الدولي في 23 أيلول 2011، أكد بأن القدس ستكون موحدة تحت السيادة “الإسرائيلية”، واستغرب من دعاوى الفلسطينيين بأن “إسرائيل” تهوّد القدس، متسائلاً: “هل يُقال لأمريكا إنها تؤمرك نيويورك!”.

  • حركة السيادة؛ أحد معالم التطرف السياسي في المجتمع الصهيوني:

تأسّست حركة السيادة في الكيان الصهيوني عام 2010، كجماعة ضغط (لوبي) لدعم السيادة “الإسرائيلية” على الضفة الغربية عن طريق التنظير الإيديولوجي، والنشاط السياسي الميداني.

وفقاً لمنظور حركة السيادة؛ فإن خطر إزالة المستوطنات يخيّم دائماً على أي مشروع تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين. وسبب هذا التخوف عدم تمكن اليمين من تقديم رؤية سياسية بديلة لحل الدولتين. والبديل الذي تطرحه حركة السيادة هو مبدأ السيادة “الإسرائيلية” الكاملة على الضفة الغربية بوصفها جزءاً من “أرض إسرائيل الكبرى”، وتسعى لمنع إقامة دولة فلسطينية بأي ثمن.

ولكن هذا لا يعني حصول فلسطينيي الضفة على المواطنة “الإسرائيلية” وحقوق سياسية ومدنية متساوية. بل تتبنى الحركة تطبيق أشكال مختلفة من الفصل العنصري، كمنح الفلسطينيين “سلطات حكم ذاتي” على مناطق مفكّكة بحيث لا يسمح لهم بالتصويت في الكنيست “الإسرائيلي”، وأن يتم التعامل معهم كمقيمين، كما هو الحال مع سكان القدس.

يتعاظم تأثير حركة السيادة على الديناميات السياسية “الإسرائيلية”، إذ يؤيد غاياتها 39 عضواً في الكنيست، منهم 25 ممن شغلوا مناصب وزارية حكومية. وبالتالي، فإنها تعمل جنباً إلى جنب مع اليمين من أجل خلق حقائق جديدة في الضفة الغربية.  أسهمت الحركة في تعزيز خطاب السيادة على الضفة ضمن هياكل الليكود وأحزاب اليمين، وظهر ذلك في انتخابات 2019 حيث أبدا نتانياهو نيته فرض السيادة على الضفة سعياً لجذب أصوات اليمين.

وتسعى الحركة لتعزيز التشريعات الداعمة للاستيطان، وتعمل على توفير ميزانيات أكبر للبناء الاستيطاني، بالإضافة إلى تعزيز رؤيتها للحل عبر المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والكليات الدينية، وتنظيم نشاطات شعبية ومظاهرات داعمة.

وبلغ تأثيرها شخصيات أمريكية مؤثرة مثل ديفيد فريدمان؛ السفير الأمريكي لدى الكيان “الإسرائيلي”، وشيلدون أديلسون؛ رجل الأعمال الأمريكي الجمهوري القوي الذي موّل نفقات إنشاء السفارة الأمريكية في القدس، وأنفق مئات الملايين لدعم الاستيطان واليمين في الكيان “الإسرائيلي”.

سابعاً: قراءة سياسية في صفقة القرن وتداعياتها:

لطالما حرصت واشنطن على تقديم فكرة القرارات الدولية وحل الدولتين أساساً لحل الصراع “الإسرائيلي” -الفلسطيني. ولكن تجاوزت إدارة الرئيس ترامب هذا التقليد وتبنت الرؤية الصهيونية المبنية على سياسة فرض الأمر الواقع بعيداً عن المرجعيات الدولية.

  • أسباب تراجع الموقف الأمريكي (الوسيط المفترض):

تراجع الموقف الأمريكي لعدة أسباب:

  1. السمات الشخصية للرئيس ترامب، والذي يؤمن بمقدرته على فعل ما لم يفعله سابقوه في البيت الأبيض، بصفته أحد تجليات التيار الإنجيلي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.
  2. ضعف الحالة العربية نتيجة عدة عوامل أهمها:
  3. استنزاف الدول والشعوب العربية بالثورات والثورات المضادة، والتي لا زالت تداعياتها قائمة.
  4. سعي بعض الأنظمة العربية لحماية نفسها من التحولات الجماهيرية خلف جدار الحماية الأميركي، ولتعويض الفجوة في شرعيتها الوطنية بشرعيات خارجية داعمة لها.
  5. ضعف وانقسام الفلسطينيين على أنفسهم، وهذا يعود لعدة عوامل أهمها:
  6. فشل قيادة (م.ت.ف) وحركة “فتح” في إدارة المشهد الوطني، بفشل برنامجها السياسي المبني على خيار التسوية السياسية المتوقّف منذ نيسان/أبريل 2014، وبفقدانها أوراق القوة كالقوة العسكرية أو المقاومة الشاملة للاحتلال، وتراجع حاضنتها الشعبية الناظرة بعين الشك في كفاءتها السياسية، ما أضعف شرعيتها الوطنية وتمثيلها للفلسطينيين.
  7. مراوحة مشروع المقاومة الذي تقوده حركة “حماس”، والعجز عن إحداث اختراق في المعادلة الأمنية/ العسكرية مع الاحتلال، وذلك نتيجةً لحصار غزة منذ العام 2007، وضعف بنيته وأدائه في الضفة الغربية نتيجة الهجمة المزدوجة من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
  8. استمرار الانقسام السياسي بين حركتي (“فتح” و”حماس”)، والانقسام المؤسسي بين رام الله وغزة، ما عمّق الآثار السياسية والاجتماعية السلبية على مجمل الحالة الوطنية.

هذا كلّه أحدث فراغاً في القضية الفلسطينية، وشجّع واشنطن وتل ابيب على التقدّم بصفقة القرن كبديل أكثر سوءاً من مسار أوسلو، لا سيّما بعد نقل واشنطن سفارتها إلى القدس، وضعف الموقف وردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على تلك الخطوة الحساسة.

  • الفرص والتحديات أمام الفلسطينيين:
    • التحديات:

لا شك أن صفقة القرن والموقف الأمريكي المنحاز بقوة للرؤية الصهيونية، أحدثا إرباكاً شديداً في المشهد السياسي، وخلقا عدداً من التحديات أمام الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال:

  • ازدياد الضغط الأمريكي ـــ “الإسرائيلي”، سياسياً واقتصادياً..، على السلطة الفلسطينية، مما أدّى إلى تفاقم عجزها عن سداد رواتب الموظفين نسبياً، إضافة إلى أزمة مخصصات الأسرى في سجون الاحتلال.
  • الشرخ في الموقف العربي المتجسّد في المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)؛ فالضغط الأمريكي أدّى إلى إقدام بعضها منفردة كالإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، والسودان، لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال، وتراجع دور جامعة الدول العربية، مما ساهم في عزل الفلسطينيين عن عمقهم العربي.
  • بطء مسار المصالحة الوطنية بين حركتي “فتح” و”حماس”، حيث لم تتراجع معالم الانقسام المؤسسي بين رام الله وغزة على الأرض، بالإضافة إلى استمرار الحصار المضروب على القطاع بنفس الكيفية والأثر.
  • تراجع ثقة الشعب الفلسطيني في القيادة السياسية، بحكم تراجع أدائها الوطني وانشغالها في الانقسام الذي كان له عظيم الأثر على نفوس ومصالح الفلسطينيين المعيشية والأمنية والسياسية. ولعل ضعف أداء اللجنة الوطنية للمقاومة الشعبية، وعدم تفاعل الجماهير معها يُفسر مستوى تراجع ثقة الناس بالقيادة السياسية عموماً.
  • مراهنة حركة “فتح” السياسية على الإدارة الأمريكية لا سيّما بعد فوز جو بايدن في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض. الأمر الذي يساهم في استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي وتعززه.
    • الفرص:

رغم صعوبة الوضع فلسطينياً نتيجة المؤثرات الخارجية، إلا أنه لا زال هناك فرصة أمام الفلسطينيين إن أحسنوا استثمارها، وهي: استعادة وحدة الموقف والصف الفلسطيني بإعادة بناء المؤسسة القيادة (منظمة التحرير الفلسطينية)، والتوافق حول رؤية وطنية لمواجهة المشروع الصهيوني، ما سيفوّت على واشنطن وتل ابيب فرصة التلاعب على التناقضات والخلافات الفلسطينية الفلسطينية، ويحرج الأنظمة العربية ويحد من هرولة بعضها نحو التطبيع، ويعيد للمشهد الفلسطيني قوّته كقوة قاطرة ومنشّطة لشعوب المنطقة العربية ما يوفّر بدوره شبكة أمان عربية وإسلامية للفلسطينيين.

وهذه الفرصة، يدفع بها العديد من العوامل، ومنها:

  • تطور رؤية الاحتلال “الإسرائيلي” لإنهاء الصراع، استناداً لسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة بعيداً عن المرجعيات الدولية، والتي شكّلت السقف الأدنى للمفاوض الفلسطيني طوال 30 سنة.
  • انحياز واشنطن الكبير للاحتلال ولرؤيته لتسوية الصراع.
  • انسداد مسار التسوية منذ العام 2014، وفشله وفقاً لتطور الموقف الصهيوني، واندفاع أنظمة عربية للتطبيع كأحد تجليات تشظي الحالة العربية وانقسام الصف الفلسطيني.

توفّر تلك الأسباب أرضية موضوعية للفلسطينيين لإعادة النظر في المسار السياسي، وفي شكل العلاقة مع الاحتلال على قاعدة؛ شعب يقاوم احتلالاً لاستراداد حقوقه الوطنية، وهي المعادلة والمسار الأقدر على استعادة حرية وكرامة الإنسان. فهل يفعلها الفلسطينيون؟

أصول الصّراع مع الحركة الصهيونية والمبادئ الاستراتيجيّة لطبيعته وكيفية انتهائه

الأستاذ الدكتور سامي العريان*

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ستكون كلمتي في هذا المؤتمر الهام حول أسس الصراع مع الحركة الصهيونية، والاستراتيجيات التي يمكن أن تنهي هذا الصراع.

كما أحبُ أن أنوه إلى أن كلماتِ الإخوة جميعاً كلماتٌ مميزة، وكلمتي ستكون حول أصل هذا الصراع، وكيف يمكن التعامل معه من ناحيةٍ استراتيجيةٍ ومستقبلية.

بداية لا بد أن نحدّد أصلَ الصراعِ تاريخياً. وجد نوعان من اليهود في التاريخ: يهودُ العالم الإسلامي، ويهودُ العالمِ المسيحي. بالنسبة إلى واقع يهود العالم الإسلامي -كما ذكرت الموسوعة اليهودية Encyclopedia Jewish- فقد كان ذلك العصر هو العصر الذهبيَ لليهود، فلم يكن هناك اضطهادٌ ديني؛ أي لم يكنِ اليهودُ مضطهدين في العالم الإسلاميّ، في حين أنهم كانوا مضطهدين مذلولين في العالم المسيحي، يعيشون عيشة بائسة، تحت القيود والأغلالِ والسخطِ والظلم في المجتمعات الأوروبيةِ. طبعاً هناك تاريخ طويل جداً في هذا الصدد لا يسعفنا الوقت لحصره، ولكن نتيجة لذلك وحتى بعد عصور التنوير وبعد انعتاقهم في مجتمعاتهم مع بروز العلمانية والدولة القومية الحديثة كان هناك ما زال اضطهاد ضدهم في أوروبا أدى إلى نشوء الحركة الصهيونية.

مشكلة الحركةِ الصهيونيةِ أنها حركة سياسية نشأت في القرن التاسع عشر، وكان هدفها الرئيس هو تجميعُ يهود العالم في أرض فلسطين من خلال تفريغها من سكانها الأصليين الفلسطينيين، واستيطانها بكافة السبل والوسائل والإمكانات، وإحلال اليهود مكان الشعبِ الفلسطينيِ. إذن هي حركةٌ عنصريةٌ استيطانيةٌ إحلالية استعمارية عدوانية فاشية في وسائلها وفي مآلاتها، حولتِ اليهوديةَ كديانة وثقافة إلى قومية وجماعة إثنية معتدية ظالمة، وإلى مخلب ترتكب فيه الفظائع والمجازر والقتل والنفي والتشريد والاستلاب والإيذاء والمؤامرات والتطهير العرقي خلال المائة سنة الأخيرة.

إذن النقطة الأولى التي أريد أن أركزَ عليها أنّ معركتنا في فلسطين ليست مع اليهودِ أو اليهودية كدينٍ وعقيدة، إنما هي ضدَ الحركةِ الصهيونية التي حولتِ اليهوديةَ وأعادت تعريفَها كجماعةٍ إثنية، ونحن بالطبع نرفض ذلك التعريف.

 العلاقة بين اليهودية والإسلام هي علاقة ثُبتت في القرآن والسنة وفي حياة الرسولِ ﷺ. اليهودُ هم أهل كتاب ولهم على ذلك العهدُ والأمانُ إذا صانوا ذلك العهدَ والأمانَ. لكن قد يكون هناك صراع معهم إذا حصلت منهم خياناتٌ أو اعتداء. وفي هذا نرجع إلى آيات سورة الممتحنة في قوله تعالى: ﴿لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ * إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة ٨-9] إذن هذه هي طبيعة العلاقة مع أي مجموعة أو كيان، فمعركتنا معهم ليست لكي نحولهم إلى مسلمين، وليست لأنهم اعتقدوا اليهودية، والمسألةُ الشرعيةُ في هذه واضحةٌ جداً فقد أقر الإسلام منذ البداية اليهود كأهل ذمة في المجتمع الإسلامي وكانوا يمارسون شعائرهم بكل حرية. معركتُنا الحقيقية هي مع الحركةِ الصهيونية المعتديةِ العنصرية الإحلالية الاستعمارية.

  السؤال هو: من هو الصهيونيُ؟ الصهيونيُ ببساطة شديدة: هو كلُّ إنسانٍ يؤمن أو يقرُ بحق اليهودِ أو المعتدين من اليهود كجماعة عرقية إثنية في أي جزء من أرض فلسطين على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. هذا الصهيوني قد يكون يهودياً وقد يكون مسيحياً وقد يدّعي الإسلام، وقد يكون وثنياً وقد يكون هندوسياً وقد يكون ملحداً. إذن كل من يعتقد بحقٍ لليهود، أو حق للمعتدي في أرض فلسطين فهو صهيونيٌّ وفق هذا المفهوم الذي حددته الحركة الصهيوينة ذاتها. لذلك؛ فالذين يؤمنون مثلاً بحل الدولتين، أو الذين يؤمنون بحق اليهود في جزء من أرض فلسطين، هم صهاينةٌ، ولكن بدرجة أقل من الذين يؤمنون بأن فلسطينَ كل فلسطين التاريخية هي للصهاينة. فهؤلاء جميعاً مؤمنون بشكل أو بآخر بالمشروع الصهيوني.

 وكما أن الكفرَ نوعان، فالصهيونية أيضاً نوعان: هناك كفرٌ بالاعتقاد وآخرُ بالعمل، والصهيونية كذلك؛ هناك صهيونية بالاعتقاد وأخرى بالعمل. أي أن تكون صهيونياً بحكم الأمر الواقع. فكل من يدعو إلى الاعتراف أو يقر بحق الكيان الصهيوني في أي جزء من فلسطين هو صهيوني بطبيعة الحال بدرجة أو أخرى، ولا يحق لأي إنسانٍ أن يغضب لوصفه بالصهيوني إذا أقر بحقٍ أنه مؤمن بهذا التعريف، أو أقر به على أنه أمر واقع، كلا الحالتين اختيار. أجل أيها السادة، الصهيونية كما الكفر اختيار، وليست صفة لازمة، فكما أن الإنسان لا يولد كافراً، وإنما يختار أن يكون كافراً، كذلك فلا أحد يولد صهيونياً وإنما يختار ذلك إما لاعتقادٍ أو ممالأةٍ أو ضعفٍ أو مصلحةٍ أو جهلٍ. سمِّه كما شئت، كله سيان. هذه النقطة الأولى.

أما النقطة الثانية التي أريد أن أركز عليها فهي مسألة استراتيجية. لماذا قضية فلسطين قضية مركزية؟ السبب الرئيس ليس بسبب معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، فمعاناة الشعب الفلسطيني ليست أكثر من معاناة شعوب أخرى. فلو أخذنا معاناة الشعب الأفغاني أو الشعب السوري في السنوات الأخيرة على سبيل المثال فقد تكون معاناتهم أكبر. ولكن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمةِ الإسلاميةِ لطبيعة العدو الذي لديه وظيفة مركزية، حيث إن الغرض الرئيس من زرع الكيان الصهيوني في قلبِ الأمة الإسلامية هو الإبقاء عليها ضعيفةً منقسمة مجزأة ممزقة متنازعة، تتنازعُها المصالح الضيقة وتفرقها الصراعاتُ المذهبية والطائفية والإثنية والفئوية، لأنه بذلك وحده تحيا إسرائيل وتحقق هيمنَتها على المنطقة، لتبقى الأمة الإسلامية فقيرة ومتخلفة تعاني من التجزئة والتبعية والتغريبِ. وكلما زادت هذه المشاكل، تمكنت إسرائيل أكثر وفرضت هيمنَتها. إسرائيل هي المؤشر وهي الضامن لبقاء الأمةِ الاسلامية في ذيلِ الأمم. إذن فلسطين تصبح هي الميزانُ والبوصلة والمسطرةُ التي يمكن من خلالها تحديد تقدمِ الأمةِ أو تأخرها. الاستبدادُ وغياب الديمقراطية في مجتمعاتِنا يضمن بقاء إسرائيلَ. التخلفُ والضعفُ والتجزئة والاحترابُ الداخليُ يضمن بقاءَ إسرائيل. إثارة النزاعاتِ المذهبية والدينية والإثنية واللغوية والفئوية لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ يضمن بقاءَ إسرائيل. تصعيدُ قياداتٍ ونخبٍ تؤمن بوجود إسرائيل وبقائها، وتحاربُ من يحاربها يضمن بقاء إسرائيل. الإبقاء على هذه الأمة ضعيفةً ومهلهلة ومشغولة ببعضها يضمن بقاء إسرائيل، ويعطيها القوة لفرض هيمنتها على المنطقة. كل محاولة للتوحيد ستواجَه لأنها خطرٌ على إسرائيل، كل محاولة للتقدم العلمي والحضاري ستُحارب، وكل ثورة على الاستبدادِ ستضرَب، وكل تجربة لبناء نموذج حضاري أو ديمقراطي ستُحاصر لأنها تهدد وجود وأمن إسرائيل.

وإذا كنا نراقب ما يحدث في أوطاننا ونعي أن ما ذكرته صحيح، فلا بد عندها من مواجهة هذا الخطر المستمر، إسرائيل، ليس بالتفاوض معها، وليس بالتفاوض على كيفية بقائها في هذه المنطقة، وإنما بطريقة تفكيك هذا الكيان، الهدف الاستراتيجيُ للأمة الإسلامية.

الذين يريدون أن يروا هذه الأمة متقدمةً، تصعد وتتوحد وتحقق أهدافَها الحضاريةَ لا بد أن يفكروا ويتبنوا ويبدأوا بهذا الهدف الاستراتيجي. الهدف الاستراتيجي أيها الإخوة ليس في حل دولة أو دولتين، الخطر الاستراتيجي الذي ارتكبته النخبُ الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وبقية القيادات الفلسطينية هي أنها قبلت بهذا المبدأ منذ عام 1974، وبالنقاط العشر، ثم ازداد التورط بعد اعتراف 1988 وبعد مسار أوسلو بحل الدولتين.

القضية الأصلية هي أن هناك مشكلة يهودية لم تستطع أن تستوعبها أو تحلها أوروبا العنصرية والكولونيالية، فصدرت لنا هذه المشكلة لحل مشكلاتها على حسابنا، ولتجزئة هذه الأمة، ولاستمرار تبعيتها لها. إذن الحل الوحيد لا يكون إلا بتفكيك هذا الكيان.

   وهنا تأتي مركزية القضية الفلسطينية بمعنى أنها ليست من ناحية كونها قضية إنسانية أو سياسية أو من أي ناحية أخرى، إنما هي من ناحية مستقبلِ هذه الأمة ودورها وبقائها.

  الآن إذا كان الهدف هو تفكيك هذا الكيان، فالسؤال كيف يمكن ذلك؟ هذا الكيان يعتمد على محددات استراتيجيةٍ، أي على نقاط قوة ونقاط ضعف كأي مشروع بشري، وكلما استمرت وتوطدت هذه المحددات التي تقويه يبقى، أو بالتعبير القرآني من خلال (حبل من الناس). إذا أردنا أن نتعامل مع هذه الظاهرة الإسرائيلية لا بد من تحديد هذه المحددات. ولقد كتبت سابقا إلى أن هناك 12 محدداً لأسباب وجود وبقاء واستمرار المشروع الصهيوني.

  إذا استطعنا أن نحدد هذه المحددات أو المقومات وإذا اتفقنا عليها، لا بد عندئذ من وضع ورسم تكتيكاتٍ واستراتيجيات لإضعافِها. المسألة هنا أن معظم العاملين في القضية الفلسطينية رموا بهذا الثقل على الشعب الفلسطيني في حين أنها قضية الأمة وتمس مستقبلها. والشعب الفلسطيني رغم صموده ونضاله وجهاده وكل التضحيات التي قدمها لا يستطيع وحده أن يضعف أو يتعامل مع هذه المقومات وهذه المحددات الاستراتيجية. بمعنى أنه لا بد من إيجاد وتوفير كل طاقات هذه الأمة وإمكاناتها للتعامل مع هذه المسألة بل أيضاً توفير الطاقات الكامنة من خارج نطاق الأمة الإسلامية. كل حركات التحرر العالمية لا بد أن تكون جزءاً من هذا الصراع، لأنه صراع ببعد عالمي. فإسرائيل تمثل المفاهيم الاستعمارية الظالمة والرأسمالية الجشعة المستغلة التي تريد أن تسيطر على هذا العالم وأن تستغله لصالح قلة أصبحت معروفة للجميع.

الخلاصة أن أي عمل متعلقٍ بمستقبل الصراعِ عليه أن يضع في حسبانه أمران:

الأول: أن الشعب الفلسطيني هو رأس الحربة في هذا الصراع بمعنى أنه لا بد أن يبقى على أرضه، لأنه إذا طرد من أرضه كما تريد صفقة القرن أو غيرها من الصفقات المشبوهة لن يكون هناك شيء للصراع عليه. إذن الإبقاء على صمود الشعب الفلسطيني على أرضه هو من أهم وأَولى القضايا والأهداف.

الثاني: هو الاشتباك الكامل والمستمر مع الحركة الصهيونية في العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً وقانونياً وإنسانياً وحقوقياً وأكاديمياً وعلى المستويات كافة، ومقاومة التطبيع جزء من هذا الاشتباك الذي لا بد أن تحشد له طاقات الأمة كلها.

باختصار شديد لا بد من إدراك ما يلي:

–              إن هذا الصراع هو الذي سيحدد مستقبل هذه الأمة ولا يمكن أن يوضع في ذيل التحديات.

–              لا يمكن أن يترك هذا الصراع للشعب الفلسطيني وحده، صحيح هو رأس الحربة في هذا الصراع ولكنه لا يستطيع وحده أن يحسم الصراع.

–              أن يكون هدفنا هو تفكيك هذا الكيان وهذا يعني تحديد نقاط القوة والضعف ويتم التعامل مع المحددات التي ذكرتها في موضع آخر (حيث إن بعض هذه المحددات تحتاج إلى حركات وتجمعات وبعضها يحتاج إلى حكومات وشعوب، وبعضها إلى تحالفات ويتم التعامل معها وفق تكتيكات محددة لإضعاف هذا الكيان، وإنهاكه حيث إن هذا الكيان بداخله نقاط ضعف كبيرة وكثيرة، مثل العلماني ضد الديني، يهود شرقيين ويهود غربيين، الفقراء والأغنياء، إلخ…) وفي وقت ما ستأتي اللحظة التاريخية التي ستتغير فيها موازين القوى وينهار هذا الكيان.

ولا يقتصر الأمر هنا على تقوية حركات المقاومة كحماس أو الجهاد أو إنهاء الانقسام الفلسطيني، هذه نقاط مهمة، ولكن وحدها لن تحل الصراع، بل هي بمثابة تعامل مع الأطراف في حين أنه لا بد من التعامل في هذه القضية مع جوهر الصراع وإلى نقله إلى مستواه الفعلي.

كما يجب أن ندرك أنه عندما تفكك إسرائيل سننقذ وقتها اليهود من هذه الحال الذي وضعتهم فيه الحركة الصهيونية.

ليست القضية كما يقول البعض أننا نريد أن نبيد اليهود، فلا خوف على يهودي يحتفل بطقوسه الدينية ويمارسها بشكل طبيعي. المهم ألا يكون ذلك على حساب الحقوق، فهدفنا هو أن نضرب المعتديَ وأن ننهي هذه الحركة ونفككها ونعيد اليهود كأبناء دين سماوي يمكن أن يتعايشوا مع المسلمين وغيرهم. إن لم تستطع أوروبا أن تستوعب يهودها لعنصريتها وحقدها التاريخي والديني، فنحن نقول للعالم أننا نستطيع أن نستوعبهم كما استوعبنا اليهود بعد الأندلس، فعندما اضطهدوا بعد سقوطها ذهبوا إلى العالم الإسلامي وعاشوا في كنفه. ليس عندنا مشكلة مع اليهودي إذا لم يكن معتدياً، مشكلتنا هي مع المعتدي. فالذي يخدم مصالح الصهيونية ممن يدعي الإسلام أشد خطراً من اليهودي الذي لا يدعم الصهيونية، لا بد أن نضع هذه المسألة نصب أعيننا، إننا نتحدث عن الاعتداء ونتحدث عن حل المشكلة من جذورها حتى نعيد الحقوق كاملة. ولذا نقول إنه إن لم تستطع أوروبا أن تستوعب يهودها فنحن نستوعب غير الصهيوني منهم وغير المعتدي على نطاق العالم الإسلامي، فبدل أن يقال سنوزع الفلسطينيين على العالم الإسلامي نحن نقول لهم: إن لم يستطيعوا أن يستوعبوا اليهود غير المعتدين فيمكنهم أن يأتوا ويعيشوا داخل العالم الإسلامي ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني والمقدسات.

صفقة القرن في ضوء القانون الدولي

د. سعيد الدهشان*

في حلقة جديدة من مسلسل المحاولات غير النزيهة لتصفية القضية الفلسطينية، جاءت الرؤية الأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية من خلال المقترح الأمريكي المسمى “صفقة القرن”، حيث قدمت الإدارة الأمريكية مقترحاً لقضايا الحل النهائي، وهي التي ظلت عالقة لسنوات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ولكن المفارقة العجيبة هي أن المقترح الأمريكي ما هو إلا تجسيد للرؤية الإسرائيلية لإنهاء الصراع، ومؤامرة للقضاء على أسس القضية الفلسطينية، وخصوصاً الأرض، والمياه، والحدود، والأمن، والقدس، واللاجئين، وحق تقرير المصير، حيث قدمت “الصفقة” مقترحات لهذه الملفات بما يتلائم من المصالح الإسرائيلية، وينتهك الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، تلك الحقوق التي أكدت عليها عشرات القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، والمبادئ الراسخة في القانون الدولي.

والسؤال هنا إلى أي مدىً تتعارض أو تتفق صفقة القرن مع مبادئ وقواعد القانون الدولي، والشرعية الدولية؟ مع الإشارة هنا إلى أن هذه الدراسة تستمد أهميتها من أنها تقدم تقويماً شاملاً لصفقة القرن قائماً على التكييف القانوني لأبرز النقاط فيها من وجهة نظر قانونية، مع تحديد حجم المخالفات والتعارضات لهذه الصفقة مع مبادئ وقواعد القانون الدولي. كما تعتمد هذه الدراسة على منهجي التحليل والتقويم؛ وذلك في تناول نصوص الصفقة بالتحليل والنظر في مكامن التعارض أو التوافق مع مبادئ وقواعد القانون الدولي، بجانب تقويم المقترحات والخطط في ضوء مبادئ وقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية.

وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى ستة فروع هي:

الفرع الأول: صفقة القرن التعريف والأسس التي قامت عليها

الفرع الثاني: الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة

الفرع الثالث: الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة

الفرع الرابع: موضوع السيادة

الفرع الخامس: قضية القدس

الفرع السادس: اللاجئون الفلسطينيون

الخاتمة والتوصيات

الفرع الأول: صفقة القرن التعريف والأسس التي قامت عليها:

صفقة القرن هي: مقترح سياسي أمريكي وضعته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية أو ما يعرف بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتهدف بشكل رئيسي إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها أو في بلد لجوء ثالث، ولكن خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي إنهاء حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطيين المقيمين في خارج فلسطين، والإبقاء على كافة المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية وضمها لإسرائيل قانونياً، والسيطرة على غور الأردن وضمه كذلك، وتكون دولة فلسطين منزوعة السلاح على مناطق (أ) و (ب) وأجزاء من مناطق (ج) ، وتكون القدس الموحدة بشطريها عاصمة لإسرائيل، وتكون عاصمة الدولة الفلسطينية في الضواحي المجاورة للقدس الشرقية، وتكون المعابر للدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطة الإسرائيلية، وكذلك الطريق الرابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

   تقوم صفقة القرن على عدة أسس، وهي قضايا الحل النهائي التي كانت في اتفاقية أوسلو وكانت مؤجلة للمرحلة النهائية، والتي كان من المفترض الانتهاء منها في العام 1999، وقد استمرت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية دون التوصل لحل وقد جاءت هذه الخطة لتقدم مقترحاتها متماشية إلى أبعد الحدود مع  الرؤية الإسرائيلية لحل قضايا الحل النهائي، وضاربة بعرض الحائط جميع الحقوق الفلسطينية المشروعة، ومتجاهلة حتى رؤية المؤمنون بمسار التسوية وعملية السلام من الشعب الفلسطيني!! وأهم ما جاءت به الصفقة في الملفات الخمسة الرئيسية ما يلي:

  1. الأرض والمياه والاستيطان:

حيث إن الخطة قد أقترحت استقطاع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وضمها لإسرائيل، وأن يكون نهر الأردن خاضعاً للسيادة الإسرائيلية، وضم غور الأردن وما يقارب ثلث مساحة أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، هذا بجانب ضم الطرق الالتفافية بين المستوطنات داخل الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، بحيث تبقى المدن والبلدات الفلسطينية معزولة مقطعة الأوصال، وإزالة الطابع غير القانوني عن المستوطنات واعتبارها جزءاً من دولة إسرائيل.

  • الحدود والمعابر والأمن:

ونصّت الخطة أن تكون المياه الإقليمية لغزة تحت السيطرة الإسرائيلية، كما تكون المعابر للدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطة الإسرائيلية، ولا عودة لحدود 1967، واقترحت الصفقة ربط الضفة الغربية مع قطاع غزة بخطوط نقل سريعة، على أن تكون الطريق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وكذلك السفر بين الأردن وفلسطين، هذا بجانب منح الحق لإسرائيل في الرقابة على السلع المنقولة.

  • القدس:

وورد في الخطة أن تكون مدينة القدس كاملة -بحسب التوصيف والحدود التي وضعتها إسرائيل- مدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل، والإبقاء على الوضع القائم في المسجد الأقصى بالقدس، على الرغم من أنه يقع في شرقي القدس، والذي احتلته إسرائيل في العام 1967، وأن إسرائيل ستواصل حماية الأماكن المقدسة في القدس، وضمان حرية العبادة لليهود والمسيحيين والمسلمين والديانات الأخرى.

  • السيادة وحق تقرير المصير:

ومن أهم ما نصت عليه الخطة في ذلك هو سيطرة إسرائيل على منطقة الأغوار -وهي تمثل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية وتقع غرب نهر الأردن-، وأعطت الصفقة لإسرائيل الحق في تدمير أية منشآت فلسطينية تراها خطراً عليها. كما أنها حظرت على السلطة الفلسطينية الانضمام لأية منظمة دولية دون موافقة إسرائيل، مع اشتراط إقرار الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، وأن تتعهد الدولة الفلسطينية بمواجهة حركة حماس وحزب الله!

  • اللاجئون:

كما نصت الخطة على توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية التي لجأوا إليها، وتعويضهم بمبالغ مالية مقابل التنازل عن المطالبة بحق العودة، بالإضافة إلى أن الخطة ربطت موضوع اللاجئين الفلسطينيين بما يسمى باللاجئين اليهود من الدول العربية! -وهم اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل في الأربعينات إبان قيام دولة إسرائيل- مع الإشارة لحق إسرائيل في التعويض عن أملاك اليهود التي تركوها في الدول العربية، وأكدن الخطة على أن يتم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج دولة إسرائيل -أي إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين!

وبجانب ما سبق فهناك أهداف أخرى للولايات المتحدة وإسرائيل من هذه الصفقة، فهما تهدفان من خلال هذه الرؤية إلى تعزيز مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بالإضافة إلى زيادة احتمال تطبيق إسرائيل لخططها في ترانسفير ديمغرافي للمواطنين العرب في داخل دولة الكيان حيث تقتضي تلك الرؤية. وبحسب مراقبين فقد تكون الخطة التالية هي إقصاء الفلسطينيين الذي يعيشون في المثلث على وجه التحديد، ونزع مواطنتهم الإسرائيلية التي حملوها بحكم الأمر الواقع بعد النكبة، عبر ضمّهم جغرافيّاً وقانونيّاً إلى الدولة الفلسطينية الجديدة”.[11]

الفرع الثاني: الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة:

(ما هو الوضع القانوني لأراضي قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في القانون الدولي؟)

من وجهة النظر الإسرائيلية فإن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967م، هي أراضٍ متنازع عليها، وليست أراضٍ محتلة، وهذا على عكس إجماع فقهاء القانون الدولي، والقرارات الدولية والشرعية الدولية، وتتمسك إسرائيل بهذا الادعاء حتى لا تلزم نفسها بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي لأجل ذلك ترفض تطبيق الاتفاقية قانونياً بأي شكل من الأشكال، ولكنها تقبل تطبيق بعض موادها فقط بحكم الأمر الواقع، وبالرغم من هذا الموق الإسرائيلي تجاه اتفاقية جنيف الرابعة إلا أن فقهاء القانون الدولي يؤكدون أن الاتفاقية تنطبق، بغض النظر عن كل الادعاءات الإسرائيلية.[12]

حيث تنص المادة (42) من اتفاقية لاهاي لعام 1907 على: “تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها”. وتنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أن: “هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية. كما تسري أيضاً في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة”. وهنا لا فرق في القانون الدولي في التسمية (اجتياح أم تحرير أم إدارة أم استعادة) ما دامت السيطرة على تلك الأراضي قد تمت من قبل قوات جيش العدو أثناء عمليات عدائية.

ومما سبق يتضح جلياً بأن الأراضي الفلسطينية التي وقعت تحت سيطرة القوات الإسرائيلية بعد حرب العام 1967م هي أراضٍ محتلة من وجهة نظر القانون الدولي، وبالتالي ينطبق عليها جميع اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية لاهاي لعام 1907م، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، وهذا التوصيف الخاص بوصف أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بأنها أراض محتلة أكدته عشرات القرارات الدولية، لاسيما قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومنها على سبيل المثال قرار مجلس الأمن رقم (242) الذي صدر في أعقاب حرب عام 1967م، الذي يَنُصُّ على “سحب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير”[13]، هذا بجانب ما أكدته العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين، مثل القرار رقم (3257/أ) في العام 1967م، والذي طالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، والتأكيد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، كما أكدت على هذا التوصيف فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في العام 2004م[14]، والذي أكد على انطباق معاهدة جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبين التبعات القانونية التي على دولة “إسرائيل” بوصفها سلطة الاحتلال[15]، كما أكدت جمعية الدول الأطراف في اتفاقية جنيف على هذا الوصف.

وعليه فالأمر واضح ومؤكد من ناحية القانون الدولي بأن جميع الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية في العام 1967 هي أراضِ محتلة، بحكم القانون الدولي، وبنصوص الشرعية الدولية، والقضاء الدولي. وبالتالي تصبح قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بالأراضي المحتلة واجبة التطبيق في قطاع غزة والضفة الغربية، حتى لو لم يواجه الاحتلال الإسرائيلي أي مقاومة مسلحة أو لم يكن هناك قتال، وبالتالي يتعين على سلطة الاحتلال واجبات والتزامات دولية.

منها: (المواد من 42-56) من اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لا سيما المواد من (27-34)، والمواد من (47-78)، بالإضافة إلى بعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي الإنساني العرفي. وتنص المادة (47) من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه لا يمكن للاتفاقيات المبرمة بين سلطة الاحتلال والسلطات المحلية حرمان سكان الأرض المحتلة من الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني، أما المادة (8) من اتفاقية جنيف الرابعة فتؤكد على أنه لا يجوز للأشخاص المحميين أنفسهم التنازل عن حقوقهم في أي ظرف من الظروف.

ومن ناحية ثانية فحالة الاحتلال تحكمها العديد من المبادئ والقواعد في القانون الدولي والتي من أهمها ما يلي:

  1. لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض.
  2. الاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة.
  3. القانون الدولي لم يشرع حالة الاحتلال ولكنه وضع تنظيماً لها باعتبارها أمراً واقعاً، مثل: (اتفاقيات جنيف ولاهاي).
  4. عدم شرعية إحداث تغييرات.

الفرع الثالث: الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة:

(ما هو موقف القانون الدولي من مسألة الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة؟)

هناك قواعد عامة في القانون الدولي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وذلك بعد أن استقرت بكثرة تطبيقاتها وكثرة النص عليها في مواثيق دولية، ومن هذه القواعد مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، فبحسب المادة (43) من اتفاقية لاهاي للعام 1907 يحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وقد تأكد هذا المبدأ في المادة (10) من عهد عصبة الأمم التي نصت على: “يتعهد الأعضاء باحترام سلامة أقاليم جميع الدول الأعضاء فى العصبة واستقلالها السياسي القائم والمحافظة عليه ضد أي عدوان خارجي”. ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة، المادة الثانية: “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة..”.

كما ورد النص على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة فى العديد من قرارات مجلس الأمن، منها القرار (252) فى 21 مايو 1968م، والقرار رقم (298) فى 25 سبتمبر 1971م، والقرار رقم (662) فى 8 أغسطس عام 1990م، كما ورد هذا المبدأ في القرار (242) حيث ورد فيه أن: “القوة لا تخلق الحق”، والقرار رقم (336) أكد على ذات المبدأ.

وقد أصدرت الجمعية العامة قرارات تؤكد على هذا المبدأ، منها القرار رقم (2799) في 13 ديسمبر 1971م، والقرار رقم (2851) في 20 ديسمبر 1971م، والقرار رقم (2949) الصادر في 8/12/1972م، والقرار رقم (3144) الصادر في 14/12/1974م بشأن تعريف العدوان، والقرار رقم (2734) في 16 ديسمبر 1971م، والقرار رقم (2625) الخاص بإعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون الدولي، وإعلان الجمعية للأمم المتحدة رقم (375) لعام 1949م بشأن حقوق الدول وواجباتها.

وكذلك ورد فى أحكام القضاء الدولي، منها الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية بشأن احتلال جنوب إفريقيا لنامبيا فقد ورد فيه أن المحكمة لا تعترف بهذا الاحتلال اعتماداً على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وهذا المبدأ مستقر فى الفقه الدولي العربي والغربي ومتفق عليه من كافة فقهاء القانون الدولي العام.

ترتيباً على ما سبق، فعلى دول العالم الامتناع عن الاعتراف بأي مكاسب إقليمية غير مشروعة، وبالتالي فضم إسرائيل لأراضي المستوطنات في الضفة الغربية وشرقي القدس هي أعمال غير مشروعة وهي بحكم القانون الدولي أراضٍ محتلة، وبالتالي لا تكسب سيادة إقليمية عليها، وعلى دول العالم ألا تعترف بذلك فهي أرض محتلة وتم السيطرة عليها بالقوة، وأي اعتراف بها يعد مخالفاً للقانون الدولي والشرعية الدولية.

الفرع الرابع: موضوع السيادة:

(ما هو موقف القانون الدولي من مسألة منح إسرائيل الحق في تدمير أي منشأة فلسطينية تراها إسرائيل خطراً عليها؟ -في حال قيام دولة فلسطينية- وألا تنضم فلسطين لأي منظمة دولية دون موافقة إسرائيل؟)

هذه الاشتراطات وغيرها مما هو مقترح في صفقة القرن، هي بمثابة انتقاص من السيادة الوطنية للشعب الفلسطيني، بل تفريغ لكل مقتضاياتها، وهي تتناقض مع أهم حقوق الدول في القانون الدولي وهي “السيادة”، وكذلك تتعارض مع مبادئ القانون الدولي وخصوصاً مبدأ احترام سيادة الدول، وكذلك حق تقرير المصير في القانون الدولي.

وتُعرّف السيادة اصطلاحاً بأنها: “السلطة العليا التي لا تعرف فيما تنظم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها”[16]، وعرّفت أيضاً بأنها: “وصف للدولة الحديثة يعني أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه”[17]، ويرى الفقيه الألماني جورج يلينك أن الدولة ذات السيادة لا يمكن أن تخضع لإرادة أعلى من إرادتها لأنها تفقد بذلك كيانها واعتبارها. ووفقاً للقانون الدولي فالدولة ذات السيادة هي كيان يأوي سكانًا دائمين، ولها حدود جغرافية معروفة، وحكومة واحدة، وقدرة على الدخول في علاقات مع غيرها من الدول ذات السيادة. ومن المفهوم أن الدولة ذات السيادة لا تخضع ولا تعتمد على غيرها من الدول أو القوى[18]، وتتمثل السيادة في مظهرين أساسيين هما: مظهر داخلي مبني على حرية الدولة بالتصرف في شؤونها الداخلية وفرض سلطانها على كل ما يوجد في إقليمها من أشخاص وأشياء، ومظهر خارجي يتمثل في استقلال الدولة بإدارة علاقاتها الخارجية بدون أن تخضع لأية هيمنه.

وجاء في مشروع الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة A/RES/375(IV) لعام 1949 بشأن حقوق الدول وواجباتها، بأن حقوق الدول أربعة وهي التي نص عليها هذا المشروع وهي: الاستقلال، السيادة، المساواة في القانون، والدفاع المشروع عن النفس.[19] وطبقًا للنظرية التصريحية عن الدولة، فقد توجد دولة دون الحصول على اعتراف الدول الأخرى بها. ولكنها بذلك ستجد صعوبة في إبرام المعاهدات أو الدخول في العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وقد نالت فلسطين الاعتراف بها كدولة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012، بأغلبية (138) دولة[20]، وبالتالي ففي حالة فلسطين تتوفر كافة عناصر الدولة في القانون الدولي، وهي ثلاثة عناصر رئيسية: (شعب وإقليم وحكومة). لكن اجتماع العناصر الثلاثة لا يكفي بحد ذاته لقيام الدولة فلا بد من وجود اعتراف دول بهذه الدولة، ومع أنه ليس من ضمن العناصر إلا أنه إجراء ضروري لكي تتمكن الدول من ممارسة علاقاتها وحقوقها وواجباتها في المجتمع الدولي.

وفلسطين بالمعنى القانوني الآن هي دولة تحت الاحتلال العسكري من قبل دولة أخرى هي “إسرائيل”، وبالتالي فهي لا تستطيع ممارسة سيادتها على أرضها وشعبها وثرواتها بسبب الاحتلال، وبالتالي فهي لم تنل استقلالها بعد، والاستقلال بالمعنى الحقيقي هو الذي يمكّنها من ممارسة سيادتها الوطنية، فالسيادة والاستقلال مكمّلان لبعضهما، فالاستقلال هو ما يتيح للسيادة ممارسة أعمالها الداخلية والخارجية، وهو بمثابة الباعث لتفعيل وممارسة هذه السيادة.

أما موضوع حق تقرير المصير فهو من المبادئ العامة والمستقرة في القانون الدولي ولا خلاف عليه من الفقه والقضاء الدوليين، كما أنه ورد فى ميثاق الأمم المتحدة فى المادتين الأولى والخامسة والخمسين، وقد ورد هذا المبدأ في كافة مواثيق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية، وحق تقرير المصير هو حق سياسي واقتصادي للشعب الفلسطيني كاملاً، وبالتالي فكل ما تم طرحه في صفقة القرن هو انتقاص أو تفريغ لكل مقتضيات السيادة لدولة فلسطين، وهو انتهاك لحقها في الاستقلال والسيادة والوطنية كما أنه انتهاك لمبدأ المساواة بين الدول في العلاقات الدولية، وانتهاك خطير لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب.

الفرع الخامس: قضية القدس:

(ما هو موقف القانون الدولي من اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل؟)

يرجع أصل موضوع العاصمة الموحدة لإسرائيل إلى تاريخ 30 يوليو 1980، حين أصدر الكنيست الإسرائيلي “قانون القدس”، والذي قرر دمج شطري القدس الشرقي والغربي وجعله في مقام الدستور (قانون أساسي)، وقد حاولت إسرائيل من خلال ذلك القانون إضفاء الصفة الدستورية على ضم شرقي القدس والذي احتل عام 1967 إلى غربي القدس والذي احتل عام 1948، واعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، ولكن المجتمع الدولي رفض الاعتراف بذلك، طالبت الشرعية الدولية بعدم الاعتراف بالقانون الأساس وطالبتها بعدم نقل أي بعثات دبلوماسية إليها، وذلك لأسباب عدة، لها علاقة بطبيعة السيادة الإسرائيلية علىى القدس بشطريها، وهذا له علاقة بثلاث وقائع لها أثر في القانون الدولي، وهي واقعة احتلال إسرائيل لغربي القدس عام 1948، وواقعة احتلال إسرائيل لشرقي القدس عام 1967، وواقعة إصدار الكنيست لقانون القدس الموحدة عام 1980.

فأولاً: إن سيادة إسرائيل على غربي القدس جاء مخالفاً لقرار التقسيم رقم (181) الذي جعل القدس تحت نظام دولي خاص، وحين تم قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة في مايو 1949 تم اشتراط موافقتها على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين لاسيما قراري (181) و (194)، وبعد ذلك بحوالي سبعة شهور جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (303) بتاريخ 9 ديسمبر/كانون أول 1949، والذي يقضي بوضع القدس تحت نظام دولي دائم. فالشرعية الدولية وعلى الرغم من قبولها لعضوية إسرائيل في الأمم المتحدة إلا أنها اعتبرت سيادة إسرائيل على غربي القدس سيادة الأمر الواقع، ومنعتها من إحداث أية تغييرات فيها توثر على وضعها الدولي الخاص، وبالتالي فسيادة إسرائيل على غربي القدس لا يحوز على مقومات السيادة الشرعية.

وثانياً: لا خلاف في القانون الدولي على أن استيلاء إسرائيل على شرقي القدس كجزء من الأراضي التي تمت السيطرة عليها بعد حرب العام 1967 يعد احتلالاً عسكرياً، وأن سيادتها عليها جاءت باستخدام القوة لأراضي الغير، وهذا له توصيف واحد في القانون الدولي وهو “احتلال”. فقد جاء قرار الجمعية العامة رقم (2253) لعام 1967، والقرار (2254) لعام 1967، واللذين يقضيان بأن احتلال “إسرائيل” لشرقي القدس يجب ألا يمس بالوضع الدولي لمدينة القدس. في حين أكد القرار رقم (2253) على أن جميع الإجراءات التي قامت بها إسرائيل بهدف تغيير وضع القدس باطلة، ولذلك تطلب الجمعية العامة من الحكومة الإسرائيلية إلغاء هذه القرارات والتدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس، وعدم اتخاذ أية تدابير أخرى من شأنها تبديل وضع القدس.

ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم (252): “يؤكد المجلس -بأبسط وأوضح صورة ممكنة- أن كل الإجراءات التشريعية والدستورية التي تتخذها إسرائيل لتغيير معالم المدينة، بما في ذلك مصادرة الأراضي ونقل السكان، وإصدار التشريعات التي تؤدي إلى ضم الجزء المحتل من المدينة إلى إسرائيل؛ كل ذلك باطل ولا أثر له، ولا يمكن أن يغير وضع المدينة”. وتبعه قرار مجلس الأمن رقم (271) 1969 بتاريخ 15 أيلول الذي يدين إسرائيل لتدنيس المسجد الأقصى ودعوتها إلى إلغاء جميع الاجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.

وثالثاً: وعلى أثر واقعة قانون الكنسيت بتوحيد شطري القدس فقد جاءت قرارات مجلس الأمن رقم (465) ورقم (467) للعام 1980؛ وقرار مجلس الأمن 478 (1980) بعدم الاعتراف بالقانون الأساسي ” الذي أصدرته إسرائيل” بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها. كما أدان مجلس الأمن هذا القانون واعتبره “انتهاكاً للقانون الدولي ولا أثر له على استمرار تطبيق معاهدة جنيف عام 1949، وأن الإجراءات والأحكام التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل والتي تستهدف تغيير طابع ووضع مدينة القدس باطلة وعديمة الأثر القانوني، ويلزم إلغاؤها على الفور، وعدم الاعتراف بها، ويطلب من سائر أعضاء الأمم المتحدة التي أقامت بعثات دبلوماسية لها في القدس سحب هذه البعثات من المدينة المقدسة.

الفرع السادس: اللاجئون الفلسطينيون:

(ما هو موقف القانون الدولي من خطط توطين اللاجئين الفلسطينيين؟)

ترافقت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مع النكبة عام 1948، وبسبب الأعمال القتالية واعتداءات العصابات الصهيونية على القرى والبلدات الفلسطينية اضطر أهلها للخروج منها خوفاً على حياتهم وحياة عوائلهم، أو بسبب طردهم من قبل العصابات الصهيونية، ولكن بعد انتهاء الأعمال القتالية وقيام دولة “إسرائيل” رفضت الأخيرة السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى قراهم ومدنهم وبيوتهم. وقد دعا قرار الجمعية العامة رقم (194) عام 1948 إسرائيل بوجوب السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن الممتلكات للاجئين الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، كما أكد القرار على مبدأ “الإنصاف” وأن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”. وصدرت تعليمات إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة.

وتم إعادة التأكيد على وجوب السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين بقرار الجمعية العامة رقم (273) سنة 1949، وهو القرار الخاص بالاعتراف بإسرائيل وقبول عضويتها المشروط في الأمم المتحدة، والمتمثل بوجوب اعتراف إسرائيل بقرار التقسيم (181) الصادر في 29/11/1947، والقرار (194) المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين، والتعويض الصادر في 11/12/1948. ثم جاء قرار الجمعية العامة رقم (513) عام 1952 الذي أعاد التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما انتقد عدم سماح إسرائيل لتنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجاء في نص القرار: “نلاحظ بأسف أن اللجنة لم تستطع أن تتم مهمتها بمقتضى قرارات الجمعية العامة، وأن القرارات المشار إليها لم تنفذ بعد ولا سيما بالنسبة إلى إعادة اللاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم”. وأضاف “بالنسبة إلى تقدير التعويض العادل المناسب لممتلكات اللاجئين الذين لا يرغبون في العودة، وتعتبر أن الحكومات المعنية تقع عليها المسؤولية الأولى للحصول على تسوية لخلافاتها القائمة وذلك بمقتضى قرارات الجمعية العامة الخاصة بفلسطين”.

   وبعد حرب العام 1967 صدر قرار مجلس الأمن رقم (237) والذي تضمن دعوة إسرائيل إلى احترام حقوق الإنسان، في المناطق التي تم احتلالها، كما دعى القرار حكومة الاحتلال إلى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق المحتلة، وتسهيل عودة أولئك الذين فروا من هذه المناطق منذ نشوب القتال.

كما تم التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين في أكثر من مناسبة فبعد الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني صدر قرار الجمعية العامة رقم (3236) سنة 1974 والذي نظرت فيه الجمعية العامة في قضية فلسطين، واستمعت إلى بيان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة شعب فلسطين. وقد أكد القرار على حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، غير القابلة للتصرف وخصوصاً: الحق في تقرير مصيره ، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنية. وفي نفس القرار تم التأكيد من جديد أيضاً على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم.

وعلى الرغم من إصرار المجتمع الدولي على حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وبرغم كل تلك القرارت والتي صدرت على مر السنيين إلا أن إسرائيل ترفض تنفيذها ضاربة بعرض الحائط جميع قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي.

الخاتمة:

وبالمجمل فالصفقة وفقاً لما تقدم تأتي لتقوِّيض أسس القانون الدولي ولتكرِّس منطق القوة، وتتبنى الرؤية السرديةَ الإسرائيلية حرفيًّا، بما في ذلك الرواية التوراتية وكأنها قانون دولي ووثيقة سياسية معاصرة أو صك ملكية؛ كما يؤدي إلى إفراز دولة فلسطينية مقطّعة الأوصال بلا حدود نهائية ومحاصرة بالسيادة الإسرائيلية؛ كما يعني تصفية قضايا الصراع الجوهرية لصالح الاحتلال؛ اللاجئين والقدس والحدود والاستيطان، وأيضاً يعني نزع الطابع غير القانوني عن المستوطنات (شرعنة) في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 وتأتي لتكمل المؤامرة على تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية متجاوزةً القانون الدولي وعشرات القرارات للشرعية الدولية، ومستندة إلى الحماية المطلقة لدولة إسرائيل في المحافل الدولية من خلال توفير أقصى دعم سياسي وعسكري ممكن، ومن خلال الفيتو الأمريكي الذي يقف حجر عثرة أمام أي قرار يطالب بتطبيق الشرعية الدولية أو رد إسرائيل عن اعتداءاتها المتكررة على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك يظل الفلسطينيون متمسكون بعدالة قضيتهم، غير مفرطين بحقوقهم، ولن يضيع حق وراءه مطالب.

التوصيات:

دعوة الدول العربية والإسلامية لرفض صفقة القرن جملة وتفصيلاً، ليس فقط كونها تقضي على مقومات وعناصر القضية الفلسطينية؛ بل كونها تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وللشرعية الدولية.

دعوة مجموعة الدول الإسلامية في الأمم المتحدة للتمسك “بالوضع القانوني الخاص لمدينة القدس” والمطالبة بالتمسك بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (303) بتاريخ 09/12/1949، والذي طالب بالحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس، واعتبر الوجود الإسرائيلي في القدس الغربية منذ العام 1948 هو بحكم الأمر الواقع وليس وجوداً شرعياً وبالتالي فهو لا يحوز على مقومات السيادة القانونية.

المسلمات الشرعية التي تنقضها صفقة القرن

(إسلامية الأرض، والسيادة عليها، وحق المقاومة)

د. محمد سليمان نصر الله الفرا*

د. يونس محيي الدين فايز الأسطل**

مقدمة:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وعلى آلِه وأزواجِه الطّاهرينَ، والرّضَا عن الصّحابةِ والتّابعينَ، ومَن سارَ على دربِهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ، وبعدُ..

فإنَّ أرضَ فلسطينَ قد تعلَّقَ بها جملةٌ من الأحكامِ الشرعيَّةِ: العقديّةِ، والعباديّةِ، والجهاديّةِ، التي ميّزَتها عن سائر الأرضينِ، وجعلت لها قدسيّةً خاصّةً في ديننا الحنيف؛ حيثُ ترتَّبَ على ذلكَ التَّميُّزِ آثارٌ شرعيّةٌ حاكمةٌ للتصرُّفاتِ السياسيّةِ المتعلقة بالسِّيادةِ على هذِه الأرضِ، والتّعاملِ مَع غيرِنَا بشأنِها سِلماً وحرباً.

وإن هذه الأحكامَ المُؤثِّرَةَ مهيمنةٌ على أيِّ معاهدةٍ سياسيَّةٍ، أو اتفاقيَّةٍ، أو رؤيةٍ، تحدد مصير هذه الأرض في صراعنا الطّويلِ مع الاحتلال الصهيوني الذِي صالَ على هذه البُقعةِ امتداداً للاحتلالِ البريطانيِّ الذي كان أثراً من آثار ذُبولِ الخلافةِ العثمانيَّةِ الإسلاميَّةِ، وتقسيمِ أرضِها إلى دويلاتٍ مُتنافرةٍ أو مُتناحرةٍ.

وإنَّ (صفقة العَصر) – إذا صحَّ التّعبيرُ – التي اجترحَها الرئيسُ الأمريكيُّ (دونالد ترامب) إنما هي حلقةٌ من حلقاتِ رؤيةِ الغربِ المنحازِ للاحتلالِ الصهيونيِّ، لمستقبل الصراع المريرِ بيننَا – نحن المسلمين – وبينَ واليهود المحتلين الغاصبين لأرض فلسطين، وقد وضحَّت فيهَا الإدارةُ الأمريكيَّةُ الطّاغيَةُ فِي البِلادِ، المُكثرةُ فيهَا الفَسَادَ، رؤيَتَهَا للحلِّ السّياسيِّ المزعومِ لقضيّةِ فلسطينَ، بما يناسبُ منطلقاتِهَا العقديّة والسّياسيّة الشّيطانيَّةِ، ويخدمُ مطامعَها الاقتصاديّة والأمنيَّةَ في المنطقةِ العربيَّةِ بأسرِها.

وقد جاءت هذه الورقةُ البحثيَّة لتُحَرِّرَ بعضاً مِن المُسلَّمَاتِ الشَّرعيَّةَ التِي تَنقضُهَا صفقَةُ القَرنِ، وهِيَ: إسلاميَّةُ الأرضِ، والسّيادَةُ عليهَا، وحقُّ مقاومَةِ المُحتلِّين، وقَد وقعَت فِي ثلاثَةِ مباحِثَ، كمَا يلِي:

المبحثُ الأوّلُ: طائفةٌ من الأحكامِ الشّرعيّةِ المتعلّقةِ بأرضِ فلسطينَ.

المبحثُ الثّانِي: مناقضة جريمةِ صفقة القرن للمُسلَّماتِ الشّرعيّةِ.

المبحثُ الثّالثُ: حكمُ صفقةِ القرنِ في الميزانِ الشّرعيِّ.

المبحث الأول: طائفة من الأحكام الشرعية المتعلقة بفلسطين:

إنَّ أرضَ فلسطينَ المباركةَ، يتعلّقُ بهَا عددٌ مِن الأحكامِ الشّرعيّةِ: العقديّةِ، والعباديَّةِ، والجهاديّةِ، إليك بيانَ أبرزِها فِي المحاوِرِ الثّلاثَةِ التّاليَةِ:

أولاً: الأحكام العقدية:

إنَّ دُرَّةَ فلسطينَ هيَ المسجدُ الأقصَى، ويتعلقُ به وبهَا عددٌ مِن الأحكامِ العقديَّةِ، منهَا الأربعَةُ التّاليَةُ:

  1. إنَّ فلسطينَ أرضٌ مباركةٌ، ودليلُ ذلكَ صَرِيحُ القرآنِ، وصَحِيحُ السُّنَّةِ، ويشهدُ لذلِكَ الدّليلانِ التّاليانِ:

الأوّلُ: قالَ تعالَى: ﴿وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا لِلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء ٧١].[21]

فَقَد نصَّت الآيةُ الكريمَةُ علَى بركَةِ فلسطينَ لجمِيعِ العالمينَ، وليسَ للبشرِ وحدَهُم، فضلاً عَن المُسلمينَ أو الفلسطينيِّينَ، وقالَ أكثرُ المُفسرينَ: إنَّ البركةَ تشملُ بلادَ الشّامِ بأكمَلِهَا، ولذلكَ قالَ زهيرُ بنُ محمّد التّميميِّ: “إنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى، باركَ ما بينَ العريشِ والفراتِ، وخَصّ فلسطِينَ بالتّقديسِ”.[22]

الثَّاني: عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: ذَكَرَ رسولُ اللهِ r: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، وفِي يَمَنِنَا”، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا يا رسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، وفِي يَمَنِنَا”، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا يا رسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ”. [23]

  • إنَّ النبيَّ الكريمَ r قَد قدَّمَ الشّامَ علَى اليمنِ فِي البركةِ، بينَمَا نبّأنا مِن أخبارِ نَجدٍ، ولعلَّ قرنَ الشّيطانِ فيهَا يتجلَّى في هذِه الأيّامِ ظُهوراً غيرَ مَسبوقٍ؛ بما فُرِضَ فيهَا مِن الفُجورِ والفُسوقِ.

واعلم أنَّ مظاهرَ البركَةِ فِي فلسطينَ عديدَةٌ:

  • فهيَ مُباركةٌ بركةً إيمانيّةً؛ ذلكَ أنَّها بلادُ نبوَّاتٍ، ومهبطُ ورسالاتٍ.
  • وهي مباركةٌ بركةً جهاديّةً حضاريّةً، فعليهَا سجّلَ التّاريخُ الإيمانيُّ منعطفاتِهَ الخطيرةَ، وأحداثَهُ العظيمَة، فهنَا معركَةُ اليَرموكِ التِي أطاحَت بالرّومانِ البيزنطيّينَ، وهنا معركةُ حطينَ التِي أذلَّت الصّليبيينَ، وهنَا عينُ جالوتَ التِي أوقفت زحفَ المغولِ التّتريِّينَ.
  • وهي مباركة بركةً اقتصاديةً كذلك؛ فإنَّها من جنانِ اللهِ في أرضِهِ.
  • إنَّ فلسطينَ هي أرضُ المحشرِ والمنشَرِ، ومنها مبعثُ النّاسِ لربِّ العبادِ، ويدلُّ لذلكَ حديثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: “الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ”.[24]

قالَ الإمامُ المناويُّ: “أي البقعَة التي يُجمعُ النّاسُ فيها إلَى الحسابِ، ويُنشرونَ مِن قبورِهم، ثم يُساقونَ إليهَا، وخُصّت بذلكَ؛ لأنّها الأرضُ التِي قالَ الله جلَّ وعلا فيهَا: {بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، وأكثرُ الأنبياءِ بُعِثُوا منها، فانتشرَت فِي العالمينَ شرائعُهم، فناسَب كونَها أرضَ المحشرِ والمنشرِ”.[25]

  • إنَّ المسجدَ الأقصَى المباركَ هو مُنتهَى مُعجزةِ الإسراءِ، ومبتدأُ رحلةِ المعراجِ بالنبيٍّ r إلى السّماءِ، وفي شأنِ ذلكَ جاءَ قولُ اللهِ سُبحانَه وتعالَى: ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١].

فالإسراءُ والمعراجُ مُعجزتانِ مِن مُعجزاتِ النّبيِّ r، ومعلومٌ أنَّ المعجزاتِ مِنَ العقائدِ، وقد أجمعَتِ الأمّةُ علَى وجوبِ الإيمانِ بمعجراتِ الأنبياءِ الثابتةِ، وحرمَةِ إنكارِهَا، وكلُّ مَن أنكرَ معجزةَ ثابتةً للنّبيِّ r قطعاً، كانَ كافراً خارجاً عَن الملَّةِ، ومُكَذِّباً لصريحِ القرآنِ، ﴿وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [العنكبوت ٤٧].

  • ثبتَ فِي مُعجزةِ الإسراءِ والمعراجِ أنَّ النبيَّ r قد صلَّى في القدسِ إماماً بالأنبياءِ أجمعين، وذلكَ إشارةٌ إلى ما هو ثابتٌ من أصول الدينِ، أن النبي r خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو سيد ولد آدم أجمعين، وأن أمته المرحومة المعصومة خير الأمم كذلكَ، فقد قال الله تعالى: ﴿وَكَذَ ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ﴾ [البقرة ١٤٣].

ثانياً: الأحكام العبادية:

وأشيرُ إلى جملةٍ منها في النّقاطِ الخمسِ التالية:

  1. إنَّ فلسطين فيهَا المسجدُ الأقصَى، وَهُوَ القِبْلَةُ الأولَى لنَا فِي الصّلاةِ، فقَد كانَ الصّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم يتَّجِهُونَ إليهِ فِي صلاتِهم؛ قبلَ الهِجرَةِ وبعدَها، إلَى أن أُمِرُوا بالتّوجُّهِ للكعبَةِ فِي الصّلاةِ، فقَد جاءَ في حديثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: “نَزَلَ رَسُولُ اللهِ r أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَصَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ  سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ r يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِی ٱلسَّمَاۤءِۖ فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبۡلَةࣰ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَیۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ لَیَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا یَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ١٤٤] فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ[26]، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ”.[27]
  2. إنَّ المسجدَ الأقصَى هُوَ ثانِي مسجِدٍ وُضِعَ فِي الأرضِ؛ لعبادةِ اللهِ وتعظيمه، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: “الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ”، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: “الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى”، فَقُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: “أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ”.[28] وهذِه مِن خُصوصيَّاتِ نبيِّنَا مُحمّدٍr ، وأمّتِه مِن بعدِه، حيثُ جُعلَت لنَا الأرضُ مسجداً وطَهورا.
  3. إنَّ المسجد الأقصَى هو أحد المساجِد الثّلاثة التِي لا تشدُّ الرحالُ إلّا إليهَا؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِد: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى”.[29]

والمعنَى: لا تُشدُّ الرِّحَالُ طلباً للأجرِ الزّائدِ، إلا إلى هذه المساجِدِ؛ لمَا ثبتَ مِن فضلِهَا، ومُضاعفَةِ ثوابِ الصَّلاةِ فيهَا، فقد قالَ الحافظُ ابن حجرٍ رحمَهُ الله: “فيه فضيلةُ هذِه المساجدِ، ومزيّتُها علَى غيرِها؛ لكونِها مساجدَ الأنبياءِ، ولأنَّ الأوَّلَ قبلةُ النَّاسِ، وإليه حجُّهم، والثَّانِي كانَ قبلةَ الأمم السّالفةِ، والثالثَ أُسِّسَ علَى التَقوى”[30]، وقد ارادَ الحافظُ ابن حجرٍ العسقلانيُّ بالثانِي المسجدَ الأقصَى، وبالثالث المسجدَ النَّبويَّ، مراعيا ترتِيبَ الوُجودِ، لا الترتيبَ الواردَ فِي الحديثِ.

  • إنَّ الصَّلاةَ في المسجدِ الأقصَى ثوابُها مضاعفٌ، فعن أَبِي ذَرّ ٍرضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r عَنِ الصَلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ أَفْضَلُ؟ أَوِ الصَلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ r؟ فَقَالَ: “صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، وَلَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَقَيْدُ سَوْطٍ، أَوْ قَالَ: قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، خَيْرٌ لَهُ، أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”.[31]

قال ابنُ القيم رحمه الله: “وقَد رُوِيَ فِي بيتِ المقدِس التّفضيلُ بخمسمائةِ، وهو أشبَهُ”[32]، ولعله يقصدُ حديثَ جَابِر رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ”.[33]

والحديثُ الأوّلُ يُشيرُ إلَى أنَّ أجرَ الصّلاةِ فِي المسجدِ الأقصَى بخمسينَ ومائتَي صلاة، والحديثُ الثّانِي يُشير إلى أنّه ضِعفُ ذلكَ، ولعلَّ السِّرَّ فِي الإقامَةِ فِي مرأى المسجدِ الأقصَى، ولو على مقدارِ سَوطٍ أو قوسٍ، هو بسببِ أهميّةِ الرّباطِ هناكَ، حيثُ تشتدُّ معركةُ السّيطرةِ عليهِ؛ كمَا فِي صفقةِ القرنِ، وقرارِ الضّمِّ.

  • إنّ الصّلاةَ في المسجدِ الأقصَى سببٌ من أسبابِ تكفيرِ الخطايا والذنوب، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَا يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ”.[34]

ثالثاً: الأحكام الجهادية:

ويمكنُ تلخيصُ أهمِّها في النِّقاطِ الثّلاثِ التّاليةِ:

  1. إنَّ فلسطينَ أرضُ رباطٍ وجهادٍ إلى يومِ القيامةِ، وإنَّ أهلَها مرابطونَ، وإلَى يَومِ القِيَامَةِ؛ فقد جاءَ فِي الحديثِ عَن أبِي الدّرداء رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله r: “أَهْلُ الشَّامِ، وَأَزْوَاجُهُم، وَذَرَيَّاتُهُم، وَعَبِيدُهُم، وإماؤُهُم، إلَى مُنتَهَى الجزيرَةِ، مُرابِطُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَمَنِ احْتَلَّ مِنْهَا مَدِينَةً مِنَ المَدَائِنِ فَهُوَ فِي رِبَاطٍ، ومَن احتلَّ مِنْهَا ثَغْراً مِنَ الثُّغورِ فَهُوَ فِي جِهَادً”[35]، والمُرَادُ بِالفِعلِ: (أحتَلَّ) أي سَكَنَ، وأقامَ بنيَّةِ الرّباطِ والجهادِ، وأنَ يكونَ موطئاً يغيظُ الكفّارِ فِي أضعفِ الإيمان؛ فكيفَ إذَا نالَ مِن عدوٍّ نَيلاً؟!
  2. إنَّ أهلَ فلسطينَ هُم الطّائفَةُ المنصورَةُ، ويشهدُ لذلكَ مجموعة من النُّصوصِ، ومنها الأحادِيثُ الثّلاثةُ التّاليَةُ:
  3. عن سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ رضي الله عنه أَخْبَرَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ r، فَقَالَ: إِنِّي أسَمْتُ الْخَيْلَ[36]، وَأَلْقَيْتُ السِّلَاحَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، قُلْتُ: لَا قِتَالَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: “الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَزْيِغُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”[37]؛ أيْ أنَّ الجهادَ في سبيل الله ماضٍ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ، وإنَّ أهمَّ ساحاتِه الشّامُ، وإنَّه لا غنَاء عن الخيلِ، وربّما يشملُ ذلكَ الآلاتِ المتحركة اليومَ؛ في البرِّ والبحرِ والجوِّ.
  4. عن مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قالَ: سمعت النبيَّ r يقول: “لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَن كَذَّبَهُمْ، وَلَا مَن خَالَفَهُمْ؛ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ” فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ رضي الله عنه: “وَهُمْ بِالشَّأْمِ”[38]، ولمَّا كانَ الجهادُ في سبيلِ اللهِ هو الحياةُ، كانَ مِن بركاتِ الشَّامِ أن يحيَى أهلُه بعزّةٍ وكرامةٍ.
  5. عن جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه يقول سمعت النبي r يقول: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ عليهِ السَّلامُ، فيقول أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لنا، فيقول: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هذه الْأُمَّةَ”[39]، ويكونُ نزولُ عيسَى u في بلادِ الشَّامِ، ويُطاردُ الدّجّالَ حتَّى يُدركه ببابِ لُدٍّ، أو مدينةِ (اللّدِّ)، فيقتُلهُ، ويُبادُ اليهوُد الآتونَ معهُ مِن بلادِ أصفهانَ، حتى ولو اختفَوا خلفَ الشَّجرِ والحجر.[40]
  6. إنَّ النبي r قد حثَّ على الرباطِ في فلسطينَ؛ لحديثِ ابْنِ حَوَالَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “سَتَكُونُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ”، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: فَمَا تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: “عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْتَقِ[41] بِغُدَرِهِ”.[42]

وهذَا يعنِي أنَّ الرِّبَاطَ بالشَّامِ وبيتِ المقدسِ لا عِدْلَ لهُ، فهو خيرُ مواطنِ الرّباطِ علَى الإطلاقِ، وأما الرباطُ فِي العراقِ، فهو متأخرٌ عَن الرباطِ فِي اليمنِ، رُغم مُجاورته لبلادِ الشام، ولعلَّ سببَ ذلكَ أنّه بلدٌ يكثرُ فيه الشِّقاقُ والنّفاقُ.

وقَد ظهرَت مُعجِزَةُ الرِّبَاطِ فِي اليَمَنِ فِي هذهِ الأيَّامِ، بعدَ أن تكالبَ عليهِ العرَبُ المُنافقونَ، وأولياؤُهُم الصّليبيُّونَ، ومَا مكرُ اليهودِ عنهُم ببعيدٍ، فهُم الذينَ كُلّمَا أوقدُوا ناراً للحربِ أطفأهَا اللهُ، ويَسعَونَ فِي الأرضِ فساداً، ولتجدنَّ أشدَّ النّاسِ عداوةً للذينَ آمنُوا اليهودَ والذينَ اشركُوا.

المبحث الثاني: مناقضة جريمة القرن للمسلمات الشرعية:

وبيانُه فِي المِحورينِ التّاليينِ:

أولاً: صفقة القرن: الحقيقة والمآلات:

قامَت الرؤيةُ الأمريكيَّةُ (صفقةُ القرنِ) على ثلاثةِ محاورَ:

الأول: محور الاقتصاد:

تعرض الخطة استثماراتٍ بقيمة 50 مليار دولار، من أجل 179 مشروعِ أعمالٍ، وبنيَةٍ تحتيَةٍ، والتي سيديرها مصرفُ تطويرٍ متعدد الأطراف، وتتصور الإدارة أن الخطة ستمولها في الغالب دولُ عربيةٌ، ومستثمرون أثرياء من القطاع الخاص، وينقسم التمويل إلى 26 مليار دولار قروض، و13.5 مليار دولار منح، و11 مليار دولار في الاستثمار الخاص، سيُنفق معظم الخمسين مليار دولار في الضفة الغربية وغزة كما يزعمونَ، بالإضافة إلى إنفاق 9 مليار دولار في مصر، و7 مليار دولار في الأردن، و6.3 مليار دولار في لبنان، ويتضمن العرض عدداً من المشاريع المحددة، والتي تشمل بناء معبر سفر يربط بين الضفة الغربية وغزة بطريق سريعة.

الثاني: محور السيادة:

أعلنَتْ خطَّةُ ترامب دعمَ دولةِ فلسطينَ، وعاصمتُها بعضُ الضَّواحِي الشرقيَّةِ للقُدسِ، والتي ستعتمد على الفلسطينيين لأخذ خطوات جَعلِهَا دولةً ذاتيَّةَ الحُكمِ؛ بقمعِ الشّعبِ، وإخمادِ المقاومةِ، وتعرض الخطَّةُ على الفلسطينيين دولة فلسطين المستقبلية، والتي لن تتأسس قبل أربع سنوات من إنفاذ الخطة، وقد وُعِدنَا بهَا عام 1999م، ونحنُ اليومَ بعدَ ربعِ قرنٍ بينناَ وبينَها بُعدُ المّشرِقَينِ، وأينَ مَا وُعِد بهِ قبلَ قرنٍ ما يُسمَّى بالشَّريفِ حُسَين.

وستكون دولة فلسطين منزوعةَ السّلاحِ (بدون قوات مسلحة) وستبقى كذلك، وهي دولة بلا أدنى سيادةٍ، وتقوم على أجزاء من الضفة وغزة، بغير القدس الشريف، وبشرط أن يُنهِيَ الفلسطينيون كل المناهج الدراسية والكتب، التي تحضُّ على مقاومة الاحتلال الصهيوني، ولهم السيطرة القانونية المدنية فقط على أراضيهم، بشرط أن يضمنوا نزع سلاح كل مواطنيهم، وعليهم الالتزام بكل الشروطِ المجحفةِ الأخرى للخطة.

الثالث: محور الأماكن المقدسة:

تعترف الخطة بحق الاحتلال في كل (القدس غير المقسمة) معترفة بالقدس عاصمة لدولة الكيان، وسيكتفي الفلسطينيون بأحياء في الأجزاء الخارجية لشرقي القدسِ، وراء الجدار الصهيونيِّ في الضفة الغربية، بما في ذلك كفر عقب، ومخيم شعفاط (توصف على أنها الجزء الشرقي لشعفاط وأبو ديس).

وتضع تلكَ الخطة المسجد الأقصى -متضمنًا المصلى القبلي- تحت سيادة الاحتلال، إذ تدعو الخطة إلى إبقاء الوضع الحالي، وترفض مطالبة الفلسطينيين بالحرم الشريف، مع بقائه تحت الإشراف الأردني، وتعطي للاحتلال مهمة حماية المواقع المقدسة، وضمان حرية التعبد!!

ثانياً: مناقضة الصفقة للمسلمات الشرعية:

يمكنُ بيانُ ذلكَ في النّقاطِ الخمسِ التَاليةِ:

  1. مِنَ المُسلَّماتِ الشّرعيّةِ التِي قامَ عليهَا دليلُ النّقلِ والعَقلِ، وأجمعَت عليها الأمّةُ خلفاً بعدَ سلفٍ، وجوبُ قتالِ المُعتدِينَ الصّائلينَ على الحُرماتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وإخراج المحتلين من أرضنا، فقد قال تعالى: ﴿وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ * وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ﴾ [البقرة 190-١٩١]، والموافقةُ علَى صَفقةِ القَرنِ تُناقضُ هذا الحكم القطعي؛ ذلكَ أنّها تعطِي المحتلينَ حقّاً مزعوماً فِي أكثرِ أرضِ فلسطينَ، وتقرُّ احتلالَهم لبلادِنَا، وتوجبُ تركَ قتالهم، والعيشَ مَعَهُم فِي جوارٍ آمنٍ، وسلامٍ كاذبٍ.
  2. إن أرض فلسطينَ أرضٌ خراجيّةٌ، قد فُتِحَت عُنوَةً، وسالَ علَى تُرابِهَا دماءُ المُجاهِدِينَ مِن الصّحابةِ رضيَ اللهُ عنهُم والمؤمنينَ، ووقفها الفاروقُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه علَى المسلمينَ أجمعينَ، وعليهِ؛ فإن الحقَّ فيها لنَا فقط، ولا يجوزُ لمسلمٍ أن يتنازلَ عَن هذَا الحقِّ الثابتِ للأمّةِ كلِّهَا، وإنَّ الموافقَةَ علَى صفقَةِ القَرنِ تتنكَّرُ لهذَا الحكمِ الثَّابِتِ، وتتنازَلُ عَن أرضٍ موقوفةٍ علَى عبادِ اللهِ الصالحينَ إلَى يومِ الدّينِ.
  3. إنَّ ميراثَ الأرضِ للهِ تعالَى، يورِثُها مَن يشَاءُ مِن عبادِهِ، والعاقبَةُ للمتّقِينَ، وقَد وعَد الذينَ آمنُوا وعملُوا الصَّالحاتِ أن يمكنَهُم فِي الأرضِ؛ كمَا مكَّنَ الذِينَ مِن قبلِهم، والصَّلاحُ إنّما يكونُ فِي امتثال أمرِ اللهِ تعالَى، واجتنابِ نهيِهِ، واتّباعِ سُنَّةِ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ، وإنَّ الموافقَة علَى صفقَةِ القَرنِ تَنَكُّبٌ لهذهِ الُمسلَّمَاتِ الشرعيَّةِ، ولن تؤدِّيَ بالموافقين إلى تحريرِ أرضٍ، ولا بناءِ دولةٍ، ولا تحقيقِ تمكينٍ، وحسبُهم أن يعلمُوا أنَّ اليهودَ إذا كانَ لهم نصيبٌ من الملكِ، فإذاً لا يؤتونَ الناسَ نقيراً.
  4. إنَّ ملايينَ اللّاجئينَ الفلسطينيِّينَ مِن المُهجَّرِينَ وأبنائِهِم عليهِم واجبُ العودَةِ إلَى الأرضِ المُباركَةِ فلسطينَ، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يتنازلَ عَن حقوقِهِم، أو يفاوِضَ عليهَا، أو يوافِقَ علَى أيِّ حلولٍ تمنعُهُم مِن الرُّجوعِ إلَى بلادِهِم وديارِهِم، فقَد أُذِنَ للذينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُم ظُلِمُوا، وإنَّ اللهَ علَى نصرِهِم لقديرٌ، وإنَّ فتنةَ المؤمِنِ بإخراجِهِ مِن أرضه أشدُّ علَى نفسِهِ مِن قَتلِهِ علَى ثراها شهيداً، وعليه؛ فإنَّ الصّفقةَ المشؤومَة مُناقِضَةٌ لهذَا الحقِّ؛ ذلكَ أنّها تشطُبُ واجبَ العودَةِ شطباً كاملاً مِن قاموسِ الفلسطينيِّينَ.
  5. إنَّ السِّيادَةَ علَى أرضِ الإسلامِ إنّما هِيَ لشرعِ اللهِ تعالَى، ولا سُلطانَ علَى هذهِ الأرضِ إلا للمسلمينَ، وإنَّهُ لَن يجعلَ اللهُ للكافرينَ علَى المؤمنينَ سبيلاً، وأيُّ حلٍّ سياسيٍّ يجعلُ السّلطانَ على هذه البلادِ المقدَّسةِ لغيرِ المُسلمينَ، والسيادَةَ عليهَا لغيرِ شَرعِ اللهِ سبحانه وتعالَى، هو مُناقضٌ للعقيدَة، ومخاِلفٌ للشّريعَةِ، ويجبُ التصدِّي لهُ، وقمعُهُ ومنعُهُ بكلِّ سبيلٍ خِفافاً وثقالاً.

المبحث الثالث: حكم صفقة القرن في الميزان الشرعي:

مِن خلالِ مَا سبقَ بيانُهُ من الأدلَّةِ يمكن الخروجُ بالأحكامِ الخمسةِ التاليةِ:

  1. إنَّ ما سبقَ بيانُه يجعلُ أرضَ فلسطينَ المباركةَ دَيْناً فِي أعناقِنَا – نحنُ المسلمينَ – ومعلومٌ أنه يحرُمُ التَّفريطُ فيهَا، ويجبُ الدّفاعُ عنهَا، وتركُ هذا الواجبِ فيهِ مخالفةٌ لأمرِ اللهِ تعالَى.
  2. لا يجوزُ لمسلمٍ أن يعترِفَ بهذَا القرارِ، وكلُّ مَن صدَّقَه، أو أيَّدَه، أو دعَا إليهِ؛ فقد دعَا إلَى غيرِ ما عليهِ ملَّةُ الإسلامِ، والعياذُ باللهِ تعالَى، ولا يحزنكَ الذينَ يسارعونَ في الكفرِ بالمسارعةِ فيهِم، إنّهم لن يضرُّوا الله شيئاً، يريدُ اللهُ ألا يجعلَ لهُم حظاً في الآخرةِ، ولهُم عذاب عظيمٌ.
  3. إن فلسطينَ كلَّها أرضُ وقفٍ إسلاميٍّ؛ فلا فرقَ بينَ قدسِها وصفدِها في الحرمةِ، ووجوبِ الصيانةِ، وإنَّ القدسَ كلَّها عقيدةٌ؛ فلا فرقَ بين شرقِها وغربِها، ولا يجوزُ التّفريطُ فيها، ولا التنازلُ عنها، وكلُّ مَن يفرط في القدس وفلسطين فهو خائنٌ للهِ ورسوله، وخائنٌ للأمانةِ، فقد قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٢٧]، وليسَ من حقِّ أحدٍ أن يُفرّط في شبرٍ واحدٍ من أرض فلسطين، وإنَّ التنازلَ عن 78 % من الأرضِ المقدسةِ للصّهاينةِ ليسَ وطنيةً، ولا شرفاً، ولا تقبلهُ السياسَةُ ولا الكياسَةُ.
  4. إن الاعترافَ للغاصبينَ بحقٍّ مزعومِ في إقامة دولةٍ مسخٍ على ترابنا، ليس شرفاً ولا إنجازاً، بل خيانةٌ لله ورسولهِ، وخيانةٌ لدماء الشهداءِ، وتضييعٌ للأمانةِ، وليسَ صادقاً من اعترفَ بيهوديةِ الكيانِ، وفرَّطَ بغربيِّ القدسِ سلفاً، حينَ يعترِضُ على صفقة القرنِ، ولا يملكُ أحدٌ من أعرابِ النفطِ حقَّ تقريرِ مصيرِ بلادنا الطاهرةِ.
  5. إذا لم تستطِع الزعاماتُ العربيَّةُ المتهالكَةَ المَهينةَ أن تصونَ الحقَّ – ولن تستطيعَ – فليسَ من حقِّها أن تشاركَ في تصفيةِ القضيةِ؛ بل يكفِينا من عواجيزِ التيهِ، وبقايا النّكبةِ والنكسةِ، أن يُورِّثوا الصِّراعَ للأجيالِ القادمَةِ، بل القائمةِ، من أمثالِ كتائبِ القسَّامِ، وهي التِي ستقفُ لها شمسُ الثّباتِ، في كبدِ سماءِ الحقِّ، بعد انقراضِ جيلِ التِّيهِ والخزي، من أصحابِ السعادةِ والسيادةِ والسموِّ؛ فإنَّ الأرضَ المقدسةَ حرامٌ علَى أمثالِهم، شاهَت وجوههُم أجمعينَ أكتعينَ كافَّةً!!

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ، وعلَى آلِه وصَحبِهِ أجمَعِينَ.

صفقة القرن والتأصيل الشرعي لحق العودة

د. نواف هايل تكروري*

مقدمة:

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ جاهدَ في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ شدّهم الحنين إلى مكة بعد أن هجروا منها حتى فتحوها وأعادوها لسيادة الإسلام وسلطان المسلمين، ثم أما بعد:

فابتداءً لا بد أن نبين أن العدوان الصهيوني على فلسطين، والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في فترة الاغتصاب البريطاني لفلسطين وعند إعلان قيام كيانهم وبعد ذلك، أدت إلى تشريد ثلثي أبناء الشعب الفلسطيني وخروجهم من ديارهم وأملاكهم، بعضهم إلى داخل فلسطين في الضفة الغربية وغزة قبل احتلالهما سنة 1967م، وبعضهم إلى خارج فلسطين في الدول المجاورة وفي أصقاع الأرض فراراً بأرواحهم، إذ لم يرعَ الصهاينة المحتلون هدنة ولا غيرها في أبناء فلسطين، فكانت المجازر قبل 1948م وبعدها، وبالتالي فإن أبناء فلسطين خرجوا منها بقوة السلاح بحثاً عن الأمان على حياتهم، لا سيما في ظل وعود وتشجيع الدول المحيطة باستعادة الحق قريباً.

ومنذ ذلك الحين وأبناء الشعب الفلسطيني وأولادهم يطالبون بالعودة إلى ديارهم كحق شخصي لكل واحد منهم، وباستعادة أملاكهم الخاصة. وهكذا استمر هذا الشعب يجاهد لاستعادة الحقوق الخاصة والعامة وتدعمه شعوب الأمة وتشاركه أحياناً، ويخذله كثير من حكامها ويتآمرون على قضيته، بل ويتاجرون فيها ويبيعون الكلام ويطلقون التهديد والوعيد للغاصب والوعد لأصحاب القضية دونما فعل أو تحرك، حتى تكشفت اليوم كثير من الحقائق، وأَعلن كثيرٌ من المتسترين بالقضية الفلسطينية عن حقيقة ما يكنّونه، وظهر أن ما كان من مواقف إنما هو تخدير للشعوب لعلها تنسى، وللشعب الفلسطيني لعله ييأس من البحث عن حقه وتمسكه بأرضه ومقدسات أمته.

وجاء اليوم ما أطلق عليه (صفقة القرن) وهي مؤامرة تأتي على حقوق الشعب الفلسطيني خاصة وحقوق الأمة الإسلامية عامة، ومرادها استغلال واقع الأمة المتردي لتحقيق أهداف الكيان الصهيوني على أرضنا ومقدساتنا ولمزيد من التشريد للشعب الفلسطيني والانتهاك لحرمات الأمة بل والتوسع في بلادها من كل وجه، فهذه الصفقة تحمل في طيات نصوصها عدواناً على المقدسات والحدود والمياه والإنسان والسلطة، ولا تبقي لنا في أرضنا وبلادنا إلا أن تستخدمنا في خدمة الكيان وموارد الأمة المالية والبشرية تحت يده. فمسألة حق الشعب الفلسطيني في أرضه تأتي عليها من أساسها بالإلغاء فتنهي هذا الحق بالكامل فردياً وجماعياً -إن نُفذت لا قدر الله- فهي تنصّ على ما يلي:

1)- أن كل القرارات الدولية والوعود بعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ليست واقعية ويجب أن تلغى، حيث جاء فيها: “لم تكن الاقتراحات التي تطالب إسرائيل بالموافقة على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو التي تعدهم بعشرات مليارات الدولارات كتعويض للاجئين يوماً واقعية”.[43]

2)- المساواة بين المشرد الفلسطيني من أرضه بفعل المذابح التي مورست ضده من قبل العصابات الصهيونية والدولة الصهيونية بعد قيامها، وبين اليهودي الصهيوني الذي قرر أن يترك بلده في أوروبا أو أمريكا أو روسيا أو العالم العربي، ليأتي مغتصباً ومعتدياً إلى فلسطين طمعاً برغد العيش، حيث تنص: “وأنه أسفر الصراع العربي الإسرائيلي عن أزمة لجوء للفلسطينيين واليهود إذ أدى هذا الصراع إلى تشريد العدد نفسه تقريباً من اليهود والعرب”.[44]

3)- توجه الجريمة الشكر للكيان الغاصب على استيعابه اليهود، وتطالب العرب باستيعاب الفلسطينيين، وتلوم بلاد العرب على عدم توطينهم للفلسطينيين.[45]

4)- تعتبر هذه الجريمة أن من الواجب إنهاء حق العودة لأبناء فلسطين فتجعلها حلالاً للصهاينة الغاصبين. حيث تنص: “يجب أن يُنهي اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني على نحو كامل وتام جميع المطالبات المتعلقة بوضع اللجوء والهجرة، ويجب أن يُلغى حق عودة أي لاجئ فلسطيني أو استيعابه في دولة إسرائيل”[46]، وهي تنص أيضاً: “سيُلغى عند توقيع هذه الاتفاقية وجود اللاجئ الفلسطيني وسيتم إنهاء الأونروا ونقل مسؤوليتها إلى الحكومات المعنية، وسيؤدي اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني بذلك إلى إزالة مخيمات اللجوء كافة وبناء مساكن دائمة”[47]، طبعاً ليس في بلادهم وإنما حيث يوطنون ويشردون! ثم تطرح ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الراغبين بالحصول على مكان دائم للإقامة:

1- استيعاب عدد من الفلسطينيين المشردين في العالم فيما سيسمى بدولة فلسطين بوجه لا يضر بالكيان، ومن يتم استيعابهم في الدولة الفلسطينية الممسوخة يخضع لقيود متعلقة بالكيان الصهيوني، جاء في نص الجريمة: “من الضروري التأكيد على أن الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط يأتون من بلاد مزقتها الحروب، مثل سوريا ولبنان اللذان يكنان العداء الشديد لدولة إسرائيل”[48]، ولتبديد هذه المخاوف -لدى الكيان- ستشكل لجنة من الإسرائيليين والفلسطينيين لمعالجة هذه المسألة وحل الخلافات العالقة بشأن دخول اللاجئين بحيث يقتصر حق اللاجئين الفلسطينيين في الهجرة إلى دولة فلسطين وفقاً للترتيبات الأمنية المتفق عليها حتى لا تزيد المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل، فتضبط هذه اللجنة أعدادهم، ومصادر قدومهم، ومواقع وجودهم داخل فلسطين، ومتابعة أمورهم، والتنسيق الأمني بشأنهم. بل إنها تعطي الكيان الحق بإخراج أهل فلسطين المحتلة 1948م من بيوتهم وبلادهم من خلال إقرارها يهودية الدولة.

2- يستوعب عدد آخر في البلاد التي هم فيها بترتيب مع هذه البلدان، ودمجهم محلياً في الدول المضيفة بعد موافقتها.

3- وقسم ثالث ترتب أمريكا وتفرض على دول منظمة التعاون الإسلامي التي توافق على المشاركة في إعادة توطين الفلسطينيين، استيعابهم على مراحل بحيث تستوعب كل دولة (500) سنوياً، وعلى مدى عشر سنوات يصبح العدد (5000).[49] ومن يتبقى تمزقهم الولايات المتحدة في شتى أصقاع الأرض وتوزعهم على بلاد تتوافق وإياها على ذلك.

5)- أما في إطار التعويضات للمهجرين فهي تنص: “سنسعى إلى جمع الأموال اللازمة لتقديم بعض التعويضات للاجئين الفلسطينيين وستوضع هذه الأموال في صندوق اللاجئ الفلسطيني، يديره أمينان تحددهما أمريكا وفلسطين”.[50]

إذن هذا ما تقرره صفقة القرن بشأن حق العودة؛ فهي تقرر إلغاءه، وتؤكد تشتيت الشعب الفلسطيني شتاتاً أكبر من شتاته وتجعل شتاته أبدياً، وتوقف كل أنواع الدعم لأبناء الشعب الفلسطيني بإيقاف الأونروا، وتجعل بيوتهم التي هجروا منها حقاً للغاصبين الذين جاؤوا من أصقاع الأرض، وحتى مسألة التعويض التي هي حقٌ عما مضى من العدوان والشتات تجعلها بحدود ضيقة، وبمقابل التنازل الكلي عن فلسطين، وبإقراره ألا حق له فيها، فمن يستحق التعويض هو من يوطن في أصقاع الأرض حيث لا يشكّل ضغطاً على كيان الغصب والعدوان، ويكون التعويض لدولة المسخ الفلسطينية والدول التي تستوعب الفلسطينيين وتريح اليهود الغاصبين منهم.

ومحل بحثنا في هذه الورقة هو عن الحكم الشرعي في التجاوب مع هذه القرارات الظالمة والخضوع والانسجام معها، وبالتالي الحكم الشرعي للتنازل عن العودة لفلسطين، وبيان هل هذه العودة حق محض كما هو اسمها؛ فيحق للإنسان أن يتنازل عنه لمصلحة أعظم يراها أو ليرعى أموراً يراها أفضل له، أم أنها واجب وليس مجرد حق، وبالتالي فإن المسلم لا يملك التنازل عن العودة بصفتها واجبة عليه، أم أنها تعسّف في استعمال الحق وينبغي التجاوز عنه ونسيانه.

هذا ما سوف تجيب عليه ورقتنا بإذن الله مدعماً بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وقواعد الفقه ومقاصد الشريعة، حيث تكونت من هذه المقدمة ثم ثلاثة مطالب ثم خاتمة:

المطلب الأول: معرفة معنى المصطلحات الواردة: التأصيل، والشرعي، والحق، والعودة، والواجب.

المطلب الثاني: تحديد حكم العودة إلى فلسطين: هل هو حق أم واجب؟ أم حق واجب؟ بمعنى هل طلبه على وجه الإباحة أم على وجه الأمر والوجوب؟

المطلب الثالث: الأدلة الشرعية على ما نذهب إليه: من القرآن، ومن السنة، ومن القواعد والمقاصد، ومن أقوال العلماء وواقع الأمة.

المطلب الأول: معرفة معنى المصطلحات الواردة:

يجدر بنا هنا أن نبدأ بتعريف ألفاظ العنوان فرادى ومصطلحات، وسوف أبدأ ببيان معاني المصطلحات الواردة في الورقة وما المقصود بها هنا، وسأتجاوز عن تفصيل التعريفات فهي معروفة.

الفرع الأول: معنى التأصيل:

التأصيل في اللغة: الرجوع إلى الأصل وإلى الأساس الذي يبنى عليه. وأصل الشيء: ما يستند إليه وينسب له ويبنى عليه[51]، فإذا قلنا فلان أصل فلان، أي: أنه ينسب إليه ويستند إليه. فعندما نؤصل لمسألة نُسندها إلى أصل يكون مصدراً للاعتداد بها.

الفرع الثاني: معنى التأصيل الشرعي:

وإذا كان التأصيل شرعياً: فهذا يعني أنه مستنِد إلى مصدر من مصادر الشرع يوجّه القولَ بها طلباً أو تركاً. فوصفُ الشرعي قيدٌ ورد على التأصيل فحصرها في المصادر الشرعية. فالتأصيل الشرعي: هو الرجوع إلى أصول الشرع ومصادره من كتاب وسنة واجتماع وقياس وبقية المصادر الفرعية لمعرفة الحكم التكليفي للمسألة المقصودة. وخرج بقيد الشرعي التأصيلُ القانوني والعرف، فأردنا بالبحث التأصيلَ الشرعي حصراً.

ولا بد من التذكير هنا بأن المسلم يجب أن ينطلق في أعماله كلها من منطلق شرعي، فيلزم نفسه المأمور به لأن الشارع يدعوه إليه، ويدع من تلقاء نفسه المنهي عنه لأن الشارع لم يرتضه له، قال ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به”.[52] بل يجب أن يرضى في داخله عن حكم الشرع وليس مجرد القبول الظاهر، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا﴾ [النساء ٦٥]. ولا بد من التأكيد على أن للشارع في كل أمر في حياتنا حكم يدور بين الأمر والنهي والترك، فيؤخذ من الأمر الوجوب والندب، ومن النهي التحريم والكراهة، ومن الترك الإباحة. وحكم الشارع قد يكون من خلال النص مباشرة أو إلحاقاً به باجتهاد العلماء ولا يوجد في حياة المسلم موقف أو تصرف لا علاقة للشرع به.

ونحن عندما نتكلم عن التأصيل الشرعي لمسألة من المسائل فإننا نقصد بذلك: العودة إلى أصول الشرع ومصادره من كتاب وسنة وما تفرع عنهما، لتحديد موقع هذا التصرف ومكانه في أحكام الشرع، وهذا هو المراد بالتأصيل الشرعي.

الفرع الثالث: معنى الحق:

أصل الحق: المطابقة والموافقة، وهو في اللغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي العُرف: الحكم المطابق للواقع[53]، ويقال في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه[54]. فالحق: سلطة مباشرة تقرر لشخص أو جماعة بشرع أو قانون أو عرف على أمر عيني أو معنوي.

الفرع الرابع: معنى العودة:

العودة في اللغة: الرجوع أو الطريق القديم.[55] وحق العودة مصطلح أطلق على أحقية الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه التي أخرج منها قسراً من خلال الاعتداءات الصهيونية على أرضه سنة 1948، وسنة 1967، وما بينهما، وما بعدهما.

فالمراد بحق العودة في بحثنا: رجوع الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم ومن تولَّد منهم إلى أرضهم وديارهم التي أخرجوا منها. فالبحث ينصبّ على هذا المفهوم وليس على أي معنى آخر.

الفرع الخامس: معنى الواجب:

وأما الواجب فيفيد في اللغة: اللزوم والثبوت، يقال: وجب الشيء يجب وجوباً إذا ثبت ولزم. والفرض والواجب عند جمهور العلماء سواء، وهو كل ما يعاقَب على تركه. واستوجب الشيء: استحقه، وهو من لوازم الحق كما يقال: حقك عليّ واجب.[56]

المطلب الثاني: تحديد حكم حق العودة إلى فلسطين:

ونبدأ بهذا السؤال: هل التمسك بالعودة إلى فلسطين حق محض للشخص؟ أم أنه ليس مجرد حق وإنما هو حق واجب، فهو حق للمرء وفي الوقت نفسه عليه فعله؟ أم أن طرحه تعسف ومبالغة يجب التجاوز عنها؟

ملاحظة: قد يقول قائل: أنت تبحث في التأصيل الشرعي لحق العودة ليخرج معك حكمه، ثم تسميه وتعنون له بـ(حق العودة)! فأنت تصدر حكماً في العنوان وتحكم بالتسمية أنه حق، وهذا إصدارُ حكم قبل البحث فلا يصح.

وفي هذا الإطار أود أن أبيّن أن (حق العودة) تعبير عن اسم ومصطلح، وبذلك يكون بحثي منصباً على مصطلح متعارف عليه لبيان حكم الشرع فيه؛ هل الاسم فيه منسجم مع المسمى أم مخالف له، فكم من شخص اسمه محمود وهو مذموم، كما أن علماء الحديث يسمون الكلام الموضوع على رسول الله ﷺ: حديثاً، فتسميته حديثاً ليست لبيان الحقيقة، بل كما سماه صاحبه. ومن التقادير أن الاسم هنا لا يمثّل الحقيقة كما ظهر لنا في الحكم، إذ ثبت أنه ليس مجرد حق بل هو واجب كما يظهر من البحث.

الفرع الأول: أقسام الحق:

ثم نأتي الآن لتفصيل القول في المسألة فنقول ابتداءً: كل واجب حق، وليس كل حق واجب. ولا بد أن أبين أن الحق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1)- الحق المحض (الخالص):

وهو ما ينبغي أن يُمكّن منه الإنسان فلا يحال بينه وبين الوصول إليه وممارسته، وهو يملك فعله وتركه ومنحه لغيره، وهذا متعلق بالشخص ولا أثر له على الغير، أو أثره على الغير هامشي لا يستحق تغيير حكمه، كالسفر بشكل عام، وكالتصرف في ملكه في الأحوال العادية بشكل عام، مثل حق الإنسان أن يبيع أرضه، فله أن يفعل ذلك أو أن يمتنع عنه ما دام ذلك لا يُلحق ضرراً جسيماً بالغير. وقد ترد ضوابط على هذا الحق بحيث تجعله مقيداً مراعاةً لحق الغير عند تصرفه بحقه، مثل إعطاء الأولوية للجار والشريك عند البيع دون أن يُنقص من حق المالك شيئاً إنما يقيد الحق في المشتري، ومثله حق الدائن والمرتهن وأولويته دون أن يضر بالمالك.

2)- الحق المهدور:

وهو ما كان في أصله حق، كحق الإنسان التصرف في ملكه والسماح باستعماله أو المنع منه، ولكن التمسك به لا ينبني عليه منفعة له أو يترتب عليه إضرار بالغير، أو أن المصلحة المحدودة المترتبة عليه يقابلها هدر مصلحة أو إلحاق مفسدة بالغير أكبر، أو بالحق العام، فعند ذلك يُهدر الحق ويُسلب، ولا يبقى حقاً، ويمنع صاحبه من التصرف به. ومنه ما يعرف في القانون بالتعسف في استعمال الحق، أي استخدامه على وجه يضر بالغير، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمحمد بن مسلمة لما أراد أن يمنع الضحاكَ من أن يُمر بالماء من أرض محمد ليسقي أرض أخيه الضحاك -مع أنه ينفعه ولا يضره مروره-، ولكن كون هذا التصرف يلحق ضرراً معتبراً بالغير ولا مصلحة لصاحب الأرض به منعه منه عمر وقال له: “ليمرنّ به ولو على بطنك”[57]، وعندها أمر عمرُ الضحاكَ أن يمرر الماء من أرض محمد بن مسلمة، وأهدر حق محمد بن مسلمة بالتصرف بملكه، لأنه تصرف فيه تعسف.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟﴾ [البقرة ٢٣١]، فحق إمساك الرجل زوجتَه مقيدٌ بأن لا يكون إضراراً بها. وكذلك حق الوصية في الثلث مقيد بأن لا يكون إضراراً بالورثة كما في قوله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ﴾ [النساء ١٢].

3)- الحق الواجب:

وهو ما ينبغي أن يُمكَّن منه الإنسان ولا يحال بينه وبين تحقيقه، ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يتنازل عنه، وذلك لكونه تكليفاً شرعياً كالصلاة وكالحجاب للمرأة. فحق الإنسان ألا يحال بينه وبين عبادته لله تعالى ولا يمنع منها حتى ولو كان في سجن، وحق المرأة أن تلبس الحجاب فلا تمنع من ذلك فهو من حقوقها الشخصية، فما تفعله فرنسا من تشريع منع الحجاب، وكذلك ما فعلته أنظمة عربية من نزع الحجاب هو اعتداء على حق المرأة.

ولكن هذا الحقَ حقٌ واجب لا يجوز لها التنازل عنه، وهي شرعاً ليست مخيرة فيه، بل ملزمة من الشارع تحاسب عليه يوم القيامة، فلا تستطيع امرأة أن تقول كون الحجاب حقّي فأنا متنازلة عنه، فإن فعلت فإنها تكون آثمة ومسؤولة عند الله عز وجل لأن ما تنازلت عنه ليس حقاً محضاً، وإنما حق واجب.

الفرع الثاني: حكم حق العودة إلى فلسطين:

وقد يصبح الحق واجباً لتعينه طريقاً لحقٍ موازٍ أو أكبر للعموم، أو طريقاً لحق أكبر للغير، أو بمعنى آخر لأثر التنازل السلبي عنه على مصلحة عامة كحق الله والحق العام، أو على حقوق خاصة أعظم منه، إذ يتحول الحق عندئذٍ من حقٍ محضٍ إلى حقٍ واجبٍ لا يحق لصاحبه التنازل عنه، كما في التمسك بحق العودة إلى فلسطين، فمن حق الإنسان أن يتمسك بالعيش بوطنه أو أن يختار تغييرَه أو أن يهاجر منه، ولكن إذا ترتب على ذلك إضرارٌ ببقية الملّاك بأن أضعف ذلك حقهم في ملكهم، أو ترتب عليه فقْد الحق العام وهو سلطان الإسلام على هذه الأرض، فإن التمسك بالحق الخاص يصبح واجباً حفظاً للحق العام الذي تعين هذا التمسك طريقاً إليه، إذ لو كان الخيار لكل فرد فإن الحق العام يكون في خطر الزوال، وهذا ينطبق تماماً على التمسك بحق العودة.

والحق أن هذه المسألة محل اتفاق عند العلماء، لا يخالف فيها ممن يُقبل قولُه أحد، فالعودة كما بيّنا ليست مجرد حق بل هي واجب يوجبه الشرع، ولا يجوز لمالك أي جزء من أرض فلسطين أن يتنازل عنها بمقابلٍ أو دون مقابل للأعداء الغاصبين، أو على وجه تؤول إليهم ولو بالظن. والأدلة على ذلك كثيرة جداً من الكتاب والسنة والتاريخ الإسلامي والقواعد الفقهية ومقاصد الشرع وأقوال علماء العصر، ولا يخرج عن ذلك إلا من باع دينه بعرض من الدنيا.

المطلب الثالث: الأدلة الشرعية على ما نذهب إليه:

وفيما يلي أسوق الأدلة على هذا من الكتاب والسنة وقواعد الفقه ومقاصد الشرع وأقوال العلماء:

الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

أما من الكتاب فقد وردت عدة آيات يمكن للناظر بها أن يستخرج هذا المعنى بجلاء ووضوح، منها:

1)- قوله تعالى: ﴿وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ﴾ [البقرة ١٩١]

جاء هذا النص في إطار بيان الواجب تجاه العدو، وهو خطاب للمسلمين بضرورة رد عدوان المعتدي، واستخلاص الحق من بين يديه وإعادته إلى أهله، وهو خطاب للمسلمين لإخراج المشركين من مكة كما أَخرجوا المسلمين منها.[58] ومعنى أخرجوكم: أخرجوا بعضكم يعني: النبي والمهاجرين. والخطاب للمهاجرين والأنصار على حد سواء على الأصح من قول العلماء.[59] ومع أن الذين أُخرجوا هم المهاجرون وحدهم، ولكن الأنصار حيل بينهم وبين زيارة مكة، وهو مسوغ لهم بالاشتراك في دفع أذى المخرج، والمساهمة باستعادة الحق منه، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى فإن إخراج المهاجرين من أرضهم يوجب على الأنصار الوقوف إلى جانب إخوانهم حتى لو لم يكن لهم حق خاص، فصار لهم بذلك حقان -وهما واجبان- وكذا فإن ما ذكر من واجب على الأنصار هو واجب على المهاجرين من باب أولى، فصار كل مسلم بهذا يدافع عن حقه وحق إخوانه، وكل سبب من السببين لو انفرد لكان موجباً للجهاد، فكيف وقد اجتمعا!

وهذا الحكم واقع في قضية فلسطين بتفصيله، فالواجب على المسلمين تجاه اليهود الغاصبين هو العمل سوياً من أجل إخراجهم من هذه البلاد التي اغتصبوها؛ أما أهل فلسطين فلأجل استرداد أرضهم المغصوبة، وأما غيرهم من المسلمين فانتصاراً لحقهم إذ حيل بينهم وبين التعبد في المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال.

وكذلك فإن الحق الثابت بفلسطين حقان: خاص وعام، فالحق الخاص الذي هو ملك المسلم، والحق العام للمسلمين أجمعين، وبهذا أيضاً صار المتنازل عن حق العودة إنما يتنازل عن حقه وحق غيره بل عن الحق العام والخاص على حد سواء، وهو أمر لا يملكه ولا يجوز له فعله شرعاً. وبناء عليه فإن التمسك بهذا الحق واجب، بدلالة مفهوم التكليف بالإخراج، لأنه إذا كان التكليف بالإخراج وجوباً فمفهومه عدم جواز التنازل لهم، وفي هذا السياق يقع قوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ﴾ [البقرة ١٩٤]، فالنص تكليف برد العدوان وليس مجرد إباحته. ومن لم يستطع تنفيذَ الإخراج وردَّ العدوان لظرف ما، لم يجز له أن يتنازل عنه، فالواجب باقٍ ينتظر القدرة عليه، ولا يتحول إلى محظور أو مباح بعجز شخص أو فئة أو تخاذلها.

2)- قوله: ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ [الأنفال ٦٠]

الخطاب في قوله: (وَأَعِدُّواْ) للمسلمين جميعاً، وذلك لإرهاب العدو ومنع عدوانه من الوقوع فإذا كان العدوان واقعاً كان الإعداد أولى لدفع العدوان واسترداد الحق.[60] وفي قضية فلسطين فإنّ الخطاب موجَّه لكل مسلم أن يعد ما بوسعه واستطاعته لتحقيق إرهاب العدو وصد عدوانه. ومما لا شك فيه أن هذا التكليف يجب أن يتلقفه كل مسلم لينفذه في إطار وسعه واستطاعته، ومن موقعه وإمكاناته وظروفه، وقد أكد الشعب الفلسطيني من موقعه للعدو أن ثمن استمرار عدوانه باهظ لا يقدر على دفعه اليهود الذي قال فيهم ربنا: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ﴾ [البقرة ٩٦] حتى قال أحد قيادات المحتل يائساً: “إننا نشعر أننا مازلنا في حرب إعلان الدولة”.

ولما كان الخطاب موجهاً للمسلمين جميعاً كما أسلفت، فإن الفلسطينيين خارج فلسطين وكذلك بقية المسلمين واقعون في دائرة التكليف بإعداد ما يرهب العدو وينزع أمنه. وإذا كان أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1967 (الضفة والقطاع) يمكنهم أن يمارسوا ألواناً من المقاومة العسكرية تنزع أمن الكيان الصهيوني، وتدخل الرهبة إلى قلوب أفراده، فإنه واجب عليهم بقدر إمكاناتهم. وإذا كان أهلنا في فلسطين المغتصبة عام 1948 يمكنهم تثبيت إخوانهم، ورعاية أسر الشهداء والمجاهدين، والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وتسيير القوافل للتعبد فيه على وجه يحفظ هويته، ويرهب العدو من التمادي في العدوان عليه ويشعرهم بخطورة الإقدام على هدمه، فإن ذلك كله واجب عليهم. ولعل من أوجب ما يقع على عاتق أبناء فلسطين المشردين خارجها إضافة إلى دعمهم المادي والمعنوي لإخوانهم المجاهدين أن يعلنوا تمسكهم بالعودة إلى أراضيهم، ورفضهم المطلق لأي بديل يطرح من مال أو بلاد أو حتى العودة إلى غير مواقعهم التي أبعدوا منها، كرجوع أصحاب الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الأراضي المحتلة عام 1967.

3)- قوله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ، مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِینَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن یَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا یَرۡغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا یُصِیبُهُمۡ ظَمَأࣱ وَلَا نَصَبࣱ وَلَا مَخۡمَصَةࣱ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰا یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلࣱ صَـٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ، وَلَا یُنفِقُونَ نَفَقَةࣰ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةࣰ وَلَا یَقۡطَعُونَ وَادِیًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [التوبة 119-١٢١].

أولاً: كلفت الآية المؤمنين بالسير على نهج الصادقين، ومفهومها يدل على التكليف بالبعد عن منهج الكاذبين. والصادقون هم المتمسكون بحقوق الأمة المعظّمون للمقدسات ولسلطان الإسلام، وهم الذين يختارون نهج رسول الله ﷺ في الصبر على الشدائد لتحقيق المقاصد والغايات السامية، لا الذين يتبعون سبل الراحة والدعة.

ثانياً: نهت الآيات عن التخلف عن رسول الله ﷺ في غزوه وفي سننه وسيرته، واستعظمت من المسلمين أن يتخلوا عن المنهج الذي رسمه ﷺ وسار عليه. ومع أن نفسَه هي النفس الأنفس والأولى بالحفظ فقد عرّضها للمخاطر إعلاءً لكلمة الله، لهذا لم يجز لمسلم من بعده أن يعد نفسه أولى بالحفظ والرعاية فيضِن بها عن مواقع التضحية والفداء. قال محمد رشيد رضا: “إن المتخلف يفضِّل نفسه ويؤثرها على نفس رسول الله ﷺ التي لا يكمل إيمان أحد حتى يحبه أكثر من حبه لنفسه، وهذا يصح بعده ﷺ في كل راغب عن سنته والتأسي به”.[61] وقال الزمخشري: “أُمروا أن يصحبوه على البأساء والضراء وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما تلقاه نفسه، علماً بأنه أعز نفس على الله وأكرمها، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرّض له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيمون لها وزناً”.[62]

ثالثاً: ثم جاء التعليل في النص لضرورة المتابعة لما يترتب على ذلك من المثوبة، وهو تقرير بأن طريق العزة مؤلم ولكن ثماره في الدنيا والآخرة جليلة. فيواسي تعالى أتباعَ المصطفى ﷺ في الجهاد وأهلَ فلسطين وكلَّ أبناء الأمة الثابتين المتمسكين بالحق فيما يلحقهم من مشاق وآلام بأن الثمار عظيمة، وأن كل ما قد يفوتهم من مال وتعويض مكفولٌ عند الله بأجر الآخرة والتأييد منه بالنصر والتمكين في الدنيا: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ..﴾ [النور ٥٥].

رابعاً: لقد جعل سبحانه كل ما يغيظ العدو وكل ما ينال منه باباً من أبواب الأجر. ولا شك أن التمسك بحق العودة هو أغيظ تصرفات الشعب الفلسطيني خارج فلسطين لهذا العدو، فأكثر ما يغيظه هو أن يجد الأجيال تتعاقب وتتواصى على التمسك بالحق والمقدسات، وبالمقابل فإن أكثر ما يثلج صدره ويطمئن قلبه أن تخشى الأجيال على ذواتها، وتفرط بالحقوق العامة والخاصة حفاظاً على الراحة والدعة.

خامساً: أكد سبحانه أن كل ما يفوت من النفقات ويذهب من الأموال محفوظ عند الله تعالى، كما أن التمسك به طريقُ عزة وباب إرهابُ للعدو، فإن العدو إذا علم أن عامة الشعب يجودون بالغالي والنفيس ولا يضرهم عَرض ولا يرهبهم تخويفه وإجرامه، فإنه يوقن عند ذلك بقصر أجله، ويعلم أنه لا استمرار لمشروعه، فيسرع في الاندحار.

والخلاصة في توجيه الآية:

1- أن منهج الرسول ﷺ في التعامل مع المعتدي كان بالجهاد وكسر شوكة هذا المعتدي، وليس بالتساهل والتنازل وقبول التعويض، فلا يجوز لأهل فلسطين وغيرهم أن يحيدوا عن هذا المنهج، ويجب عليهم الاستمرار بالثبات وإعانة إخوانهم في ساحة الجهاد والمقاومة، والتمسك بالحقوق وعلى رأسها حق العودة.

2- أن كل ما يعانيه أهلنا من جراء رفض التوطين من قلة المال والمأوى مع استمرارهم بالمطالبة والمقاومة من أجل تأكيد هذا الحق، أجره على الله سبحانه، وكل ذلك من ضروب جهاد الأعداء ومقاومة مشاريعهم العدوانية.

3- أن ضيق العيش الذي يعانيه أهلنا في مواقع غربتهم وشتاتهم وهم القادرون على أن يتوسعوا بتعويض عن العودة، وهو مال سحت وبيع للمقدسات، أن هذا كله مكتوب لهم عند الله عز وجل، وسوف يجزون به إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، فسوف يجزون بأحسن ما كانوا يعملون من الجهاد والصبر والثبات، وتقديم المصالح العامة والمتعلقة بعزة الأمة، على المصالح الآنية الضيقة من الخلود إلى الراحة وتحصيل المال.

4)- قوله: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن یَدۡخُلُوهَاۤ إِلَّا خَاۤىِٕفِینَۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة ١١٤]

  قيل إنها نزلت في تخريب اليهود بيتَ المقدس[63]، والمراد كل المساجد. واليهود منذ احتلالهم فلسطين وهم يخربون المساجد ويحولونها إلى متاحف ومطاعم وبارات وإسطبلات، ولا شك أن التنازل عن حق العودة اطمئنان للعدو وترسيخ لتخريبه للمساجد وإقرار له وتحويله إلى أمر دائم. فالمتنازل عن حق العودة مقِر بتخريب المساجد وشريك في الوزر، والمطالِب به منكر بالحد المستطاع لديه تخريبَ المساجد، وهذا الإنكار واجب وما يؤدي إليه واجب.

5)- قوله: ﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَانِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [المائدة ٢]

لقد حرم الشارع على المسلم أن يساعد مسلماً في مأثمة أو عدوان، وأن يكون سبباً في التمكين للمعتدي، ولو كان هذا المعتدي مسلماً، بل أوجب المصطفى ﷺ على المسلم أن يمنع أخاه من الظلم والعدوان، وأن يقف في وجهه ليصده عن مثل ذلك، وأن يجعل ذلك انتصاراً له وإعانة له، فقال: “انْصُرْ أَخاكَ ظالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ”.[64]

فإذا كان التعاون مع المسلم لا يجوز إذا كان هذا التعاون على عدوان، فكيف بالتعاون مع الكافر المعتدي؟ وأي تعاون مع اليهود الغاصبين أكبر من ترسيخ عدوانهم من خلال التنازل عن العودة وترك المجال لهم يعيثون في الأرض فساداً دون أن يقطع عليهم حبلَ عدوانهم وقوفُ أصحاب الملك مطالبين به رافضين التنازل عنه.

6)- قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ، وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ، یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27-٢٩].

قيل إن هذه الآيات نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، بعثه رسول الله ﷺ إلى بني قريظة فأشار إليهم أنه الذبح -أي إذا استسلموا أو نزلوا على حكم أحد- قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فلما نزل شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي، حتى تاب الله عليه بقوله: ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُوا۟ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُوا۟ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَءَاخَرَ سَیِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [التوبة ١٠٢]. ثم قال أبو لبابه: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي، فقال ﷺ له: “يجزئك الثلث أن تصدق به”.[65] فإذا كان أبو لبابة لكلمة قالها قد تؤثر على استسلام العدو بالسلب عدّها خيانة، مع أن العدو ضعيف ولا مجال أمامه إلا للاستسلام، فكيف بمن يقدم عوناً كبيراً للعدو القوي يزيده تمكناً من الأرض والمقدسات بالتنازل عن حق العودة؟ لا شك أن ذلك خيانة كبرى.

وكل هذه الأمانات من أموال وأنفس وأحكام ومواقف، رسم الله تعالى للمسلم كيفية التعامل معها، وكل انحراف عن الخط الذي رسمه إنما هو خيانة للأمانة. قال سيد قطب: “إن التخلي عن تكاليف الأمة المسلمة في الأرض خيانة لله والرسول”[66]، ولما كان الحرص على الأموال والأولاد والمصالح الضيقة غالباً ما يكون السببَ في إضاعة الأمانة وتجاوز حدودها، لذلك قال: ﴿إِنَّمَاۤ أَمۡوَا⁠لُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ﴾. وقيل أن أبا لبابه كان له أموال وأولاد في بني قريظة مما حمله على ملاينتهم، فقال: ﴿وَٱللَّهُ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ﴾، قال القرطبي: “أي فآثروا حقه على حقكم”.[67] وقد وعد سبحانه الذين يحفظون الأمانات، ويؤدون ما عليهم، ويتقونه فلا يتجاوزون حدوده لمصالح ضيقة أن يعوضهم خيراً فيحقق لهم مخرجاً[68] من كل ضائقة، ونصراً[69] على أعدائهم بإثبات حقهم وإزالة عدوان أعدائهم في الدنيا، ووعدهم في الآخرة أن يكفر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم ذنوبهم: ﴿وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال ٢٩]”.

7)- قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى ٣٩].

اختلف العلماء بمصدر البغي، فذهب بعضهم أنه سبحانه امتدح الذين ينتصرون من المشركين المعتدين، وقال آخرون بل امتدح المنتصرين من المعتدي حتى لو كان مسلماً، لا سيما إذا تمادى في ظلمه وعدوانه وصار العدوان والظلم سجيته.[70] فالله سبحانه يمتدح عباده أنهم لا يخنعون ولا يقبلون الضيم ولا يستكينون للمعتدي. ولذلك فإن الراضين بالضيم والخاضعين للاستضعاف والذين لا ينقلبون على الباطل ويخرجون عليه قال فيهم: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ﴾ [النساء ٩٧]. وربما يقول قائل إن الآية تتكلم عن الهجرة ولكني أقول: إن الآية استعظمت على المسلمين أن يقبلوا الهوان ولو اقتضى الأمر أن يخرجوا من أرضهم، وقديماً قيل: “تموت الحرة ولا تأكل بثدييها”. فالآية توجه المسلم لرفض الضيم والذل، وأما الهجرة فهي استعداد للعودة كهجرته ﷺ وليست تنازلاً عن البلاد.

الفرع الثاني: الأدلة من السنة النبوية:

8)- أن رسول الله ﷺ قد أخُرج من أرضه –مكة المكرمة– فراراً بدينه، وهيمن الأعداء عليها ثمان سنوات، فماذا صنع ﷺ للحفاظ على الحق واسترداده؟ لقد بقيت استعادة مكة هدفَه، والتمكن منها من أولوياته مع وجود فارق بين حالة مكة وحالة فلسطين، وهي أن رسول الله ﷺ وأصحابه مالك وشريك في الملك وليس له السلطة على مكة حقاً، فمكة حينئذ لم تكن دار إسلام وإنما دار كفر، وأهل مكة اعتدوا على أموال وأملاك خاصة لأفراد المسلمين وليس على السلطة فهي لهم ابتداءً، بخلاف الكيان الصهيوني الذي لا وجود له أصلاً إلا على وجه الغصب والعدوان. ومع ذلك فقد بقي ﷺ ساعياً لاسترداد حقه واسترجاع بلده حتى حقق ذلك، وفي سبيله حارب وهادن، ولكنه لم يتنازل، ولم يجعل مكة والبيت الحرام حقاً خالصاً لهم بل ضحى لاسترداد الحق وعانى، ومن يرغب عن سنته فمصيره الفشل ومن يسلك دربه فهو المنتصر.

9)- ما جاء في الأثر: “من دعا لظالم بطول البقاء فكأنما أحب أن يعصى الله”[71]، فإذا كان من دعا مجرد دعاء يعد محباً لعصيان الله، فكيف بمن قدم للظالم أسباب البقاء؟ ووفر له أجواء استمرار ظلمه وعدوانه عملياً، ودفع عنه المطاردة والمطالبة، فلا شك أنه شريكه في العدوان.

الفرع الثالث: الأدلة من القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة:

10)- من القواعد الفقهية المرعية شرعاً:

أن المصالح العامة أولى بالجلب وتُهدر لأجلها المصالح الخاصة، وأن المفاسد العامة أولى بالدفع وتحتمل في سبيل دفعها المفاسد الخاصة. وتمسُّك الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه ورفضه للتنازل عن أية بقعة منها إنما هو حق عام ومصلحة عامة لجميع المسلمين بل هو كما يقول الفقهاء: حق الله، لما فيه من علو سلطان الإسلام على تلك البقاع. وبالتالي فإن هذا التمسك واجب على كل فلسطيني، وسيُسأل عنه يوم القيامة. وإذا تعارض الحق العام مع حق خاص مثل التصرف بأرضه وحاجته لمن ملكه فإن المصلحة العامة تقدم.

وبناء عليه فإنه إذا كان تصرف المرء بحقه يلحق ضرراً بغيره من الخواص روعي الحقّان معاً على وجهٍ يدفع الضرر عن الآخر المتضرر مع الحفاظ التام على حق صاحب الحق، فالضرر يزال. ومن هنا شُرع حق الشفعة بأن يكلف البائع بالبيع بالثمن المتاح للشريك أو الجار فيحفظ الحقان حق المالك بأخذ بدل ملكه، وحق الجار أو الشريك بأن لا يدخل عليه من لا يريده، أما إذا كان المتناقض مع الحق الخاص حقاً عاماً ومصلحةً للأمة، روعيت المصلحة العامة ولو كان ذلك على حساب تفويت المصلحة الخاصة بالكامل عند الاضطرار.

إن التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغاً بالمصالح الخاصة للآخرين وضرراً عاماً بالأمة. أما الضرر الخاص فلأنه يضعف حقهم في المطالبة بالعودة وهو الحق الأصلي، وأما الضرر العام فهو ترسيخ الاحتلال وشرعنته وهو أمر لا يجوز بحال ويضر بمصالح الأمة ومقدساتها، فعندئذ يجب أن يُنظر إلى الحق الخاص -حق التصرف بالملك الشخصي- على أنه متعارض مع المصالح العامة فيجب تركُه والحفاظ على الحق العام مهما كانت الأمور، ومن فعل غير ذلك كان خائناً للأمانة، متجاوزاً للحدود التي كلف الشارع رعايتها وعدم تجاوزها.

11)- أن الذهاب إلى التنازل عن حق العودة نقض للأصل الذي وجب عند العدوان وهو الجهاد.. والجهاد فقط، وكل ما عدا الجهاد ما جاز إلا لضرورة. فعندما اعتدى اليهود على فلسطين فإن الأصل الأول الذي وجب وتعين هو الجهاد والمقاومة ورفض الهجرة، والهجرة الاختيارية في وقت العدوان ضرب من ضروب الفرار يوم الزحف، وهي جريمة بل كبيرة من أكبر الكبائر، بل من السبع الموبقات فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “اجتنبوا السبع الموبقات” وذكر منها: “التولي يوم الزحف”.[72] والموبقات: أي المهلكات.

وأما الهجرة القسرية التي فُرضت على الشعب الفلسطيني فهي حالة اضطرار بالنسبة لمن هاجر، إلا أنها لا يجوز أن تتحول إلى أصل وإلى واقع دائم، وباختيار أهلها. فالأصل كان هو الثبات على الأرض والممتلكات في وجه المعتدي، تثبيتاً لهوية الأرض ودفاعاً عنها، إلا أن الإجرام الصهيوني مع خذلان كثير من حكام الأمة جعل الهجرة مباحة اضطراراً، وحماية للنفس من الهلاك المحتم دون جدوى –كما قدر العامة– ولكن هذه الإباحة لابد أن تبقى بقدر هذا الاضطرار، فالتمسك بهذا الحق ورفض التنازل عنه أمر مقدور عليه، ولا تشمله حالة الضرورة التي رفعت الحرج عن المهاجر. فالتمسك واجب والتنازل محظور ومحرم. والضرورة كما هو مقدر شرعاً تباح بقدرها ولا تبيح المحظور إطلاقاً، فالهجرة محظورة أباحتها الضرورة الواضحة، والتنازل عن العودة بعد الهجرة الاضطرارية محظور ولا ضرورة لإباحته فيبقى على أصل الإباحة.

12)- أن بيع الأرض للعدو في مثل حالتنا هو تنازل عن سلطان الإسلام على هذه الأرض، وإن غياب سلطان الإسلام على أرض بالغلبة والقهر يختلف عن قيامه بالتوافق والتراضي. فقيامه بالغلبة والقهر أمر لا يؤاخذ به المسلمون ما داموا يبذلون جهودهم في دفعه ومحاولة منعه، وما داموا لم يستكينوا لقيامه ولم يرضوا باستقراره. فأن يُغلب المسلمون على أرضهم ويهزمون في معركة أو يطردوا من بلادهم أو يهيمن عليهم عدوهم -على الرغم من قسوته واستغراب وصول المسلمين إليه- إلا إنه أمر يمكن وقوعه لظرف أو لضعف، ولكن الذي لا يجوز هو قبول هذا العدو والإقرار له بما أنتجه له عدوانه فضلاً عن الرضا بهذا الأمر والتوافق عليه.

13)- وقد دل عدد كبير من القواعد الفقهية الأخرى على حرمة التنازل عن حق العودة:

أسوق هنا بعضها وأدع التفصيل لبحث خاص. فمن القواعد التي تنطبق على هذا الموضوع ويمكن أن يكون لها أمر من الحكم فيه:

  • قاعدة الأمور بمآلاتها، أو: الاعتبار بمآلات الأفعال.
  • ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
  • ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
  • المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة.
  • تحتمل المفسدة الخاصة لدرء المفسدة العامة.
  • لا ضرر ولا ضرار، أو: الضرر يزال.
  • إذا تعارضت مفسدتان روعي دفع أعظمهما ضرراً.
  • يُختار أهون الشرين.
  • التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.
  • الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان.
  • الخيانة لا تتجزأ.
  • ليس لعرق ظالم حق، وهي جزء من حديث: “من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق”.
  • ما يشترط فيه عدة شرائط ينتفي بانتفاء أحدها
  • وقد ذكر الأستاذ أحمد الزرقا رحمه الله في ضابطِ لِما يسقط من الحقوق بالإسقاط وبين أن من جملته ألا يترتب على إسقاطه تغير وضع شرعي وكان خالصاً للمسقط أو غالباً.

وغيرها من القواعد التي لها علاقة بالموضوع، فهذه القواعد تدل على وجوب التمسك بحق العودة وحرمة التنازل عنه. وذلك أنه لما كان التنازل عن حق العودة يترتب عليه تمكين للكيان الصهيوني، وترسيخ لهيمنته وظلمه وإطالة عمر إجرامه واحتلاله للأرض والمقدسات، ومنحه الاستقرار على ظلمه وعدوانه على أرض فلسطين، كان كل ما يؤدي إلى ذلك محرم. فمن يتنازل عن حق العودة يعد فعله ضرب من ضروب الدعم للكيان الصهيوني، سواء كان ذلك ببيع الأرض له أو بالقبول بوطن بديل في أي بلد كان، ولو كان أعظم مكانة دينية من فلسطين كمكة أو المدينة، أو أفضل قيمة مادية، أو حتى بالرضى أو القبول القولي ببدل أو تعويض.. فهو وما يؤدي إليه حرام.

ولما كان إخراج العدو مما اغتصبه واجباً، وكان التمسك بالحق في ملكية الأرض عامة وخاصة من وسائل تحقيق ذلك، ومسوغاً للجهاد لتحقيق هذا الإخراج، فإن التمسك بملكية الأرض يكون واجباً وجوب الجهاد الذي دعا إليه القرآن الكريم لتحقيق الإخراج. بل إن التمسك بحق العودة وملكية الأرض هو ذاته ضرب من ضروب الجهاد والرباط لأنه يؤدي مثل غرضه، فهو وسيلة لإثبات الحق كما الجهاد وسيلة لذلك فيأخذ حكمه وله مثل فضله. ولما كان الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة لاسترداد المغتصب حتى تتحقق غايته وهو التحرير، فكل ماله مثل أثره أو بعض أثره يأخذ ذات الحكم، فالتمسك بحق العودة واجب على كل مالك أرض أو حق في فلسطين.

وكذا لما كان المراد بالتنازل عن حق العودة تحقيق مصلحة خاصة محدودة، وهي تتعارض مع المصلحة العامة المتعلقة بملكية الأمة للأرض وإثبات سلطان الأمة على الأرض والبلاد، فإنه يجب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أو احتمال الضرر الخاص أو المفسدة الخاصة لدفع العامة. مع ملاحظة أن المصلحة الخاصة موهومة وليست حقيقية، فإذا وجب التنازل عنها لو كانت مصلحة حقيقية فكيف إذا كانت موهومة؟!

وكذا لما كان التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغير من الأفراد وكذا ضرراً بالأمة في مقدساتها، وجب إزالة هذا الضرر وذلك بالتمسك بحق العودة، وكذا فإن ما يسقط من الحقوق لا بد أن يتوفر فيه شرطان: أولاً: أن يكون الحق خاصاً للمسقط أو غالباً: وهذا لا ينطبق على ملكية الأرض في حالة الاحتلال فإطلاق يد المالك في حقه يضر بالحق العام فلا بد أن يقيد بما يحفظ الحق العام. وثانياً: ألا يترتب على إسقاطه تغيير وضع شرعي: وإسقاط المسلم حقه في ملكه في فلسطين يترتب عليه تغيير وضع شرعي، إذ يؤدي تراكم التنازل عن حق العودة إلى زيادة نسبة ملك اليهود للأرض الذي يترتب عليه إضرار بالحق في السلطة على البلاد والمقدسات وهو تغيير خطير للحق الشرعي في فلسطين.

وغير ذلك من القواعد الفقهية وضوابط تصرف الانسان في ملكه التي تدل دلالة واضحة على حرمة التنازل عن حق العودة مهما كان الغرض وأياً كان البديل.

14)- وأما من المقاصد الشرعية:

فإنه مما لا شك فيه أن غاية ما يمكن أن يراد تحقيقه من التنازل عن حق العودة هو البحث عن الكسب المالي الذي هو ضمن مقصد حفظ المال، ويترتب على ذلك إخلال بمقصد حفظ الدين والنفس لضياع سلطان الاسلام وتأكيد سبيل لليهود الغاصبين على الأرض والإنسان، وهو خلل شرعي كبير ولما كان حفظ الدين والنفس مقدم على حفظ المال، فإنه لا يجوز للمسلم أن يسعى لتحقيق مكسب مالي على وجه يلحق ضرراً بمصلحة دينية أو متعلقة بحياة المسلمين، هذا فضلاً عن أن المصلحة المالية هي وهم لا حقيقة.

الفرع الرابع: الأدلة من أقوال العلماء وواقع الأمة:

15)- لقد اتفقت كلمة علماء العصر الذين يعتد بقولهم بحرمة التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين لليهود الغاصبين، وأنه لا يجوز للمسلم أن يبيع أرضه لليهود المعتدين قبل الاحتلال. وقد أصدر العلماء في شتى بقاع العالم الإسلامي منذ سعى اليهود نهاية القرن التاسع عشر لاحتلال فلسطين مجموعةً من الفتاوى بحرمة التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، وحرمة بيع المسلم جزءاً من أرضه لليهود، أو لمن كانوا يعملون سماسرة للعصابات الصهيونية.

وإذا كان تحريم بيع الأرض لليهود قبل قيام كيانهم احتياطاً ووقاية من خطر مظنون أو متوقع، فإنّ تحريم التنازل عن حق العودة علاج ودفع لخطر مؤكد واقع، وبالتالي -ومن باب أولى- فإن حرمة التنازل عن حق العودة أكبر من حرمة بيع الأرض لليهود وهم عصابات، لما له من ذات الأثر الذي حرم بيع الأرض والتنازل عنها من أجله. ومن هذه الفتاوى:

1- فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: وجاء فيها: “ونحن نعلن -بما آخذ اللهُ علينا من عهد وميثاق في بيان الحق- أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تُقرَّ اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها.

إن هذا الاعتراف خيانة لله وللرسول، وللأمانة التي وُكِّلَ إلى المُسلمين المحافظة عليها، واللهُ يقولُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٢٧]، وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسله والمؤمنين.[73]

2- في 26\1\1935 انعقد في القدس اجتماع كبير لعلماء فلسطين، وأصدروا فتوى أيّدت فتوى علماء المسلمين في أقطار عدة وفتوى مفتي القدس التي تقضي بتحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادراً من عالمٍ بنتيجته راضٍ بها، ولذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حِلِّهِ. وأشارت الفتوى إلى أن البائع والسمسار والمتوسط في الأراضي بفلسطين لليهود والمُسَهِّلِ له هو: عاملٌ ومُظاهرٌ على إخراج المُسلمين من ديارهم، ومانعٌ لمساجد الله أن يُذكر فيها اسمُه وساعٍ في خرابها، ومُتخذٌ اليهود أولياء لأن عملهُ يُعدُّ مساعدةً ونصراً لهم على المسلمين، ومؤذٍ لله ولرسوله وللمؤمنين وخائنٌ لله ولرسوله وللأمانة.[74]

3- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا بتحريم بيع أراضي من فلسطين لليهود: حيث أفتى الشيخ بأن من يبيع شيئاً من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنكليز، فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى وكمن يبيع الوطن كله، لأن ما يشترونه وسيلة على ذلك وإلى جعل الحجاز على خطر، فرُتبة الأرض من هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده، وهي بهذا تُعدُّ شرعاً من المنافع الإسلامية العامة لا من الأملاك الشخصية الخاصة. وجعلت الفتوى هذا الفعل خيانة لله ورسوله ودعت إلى مقاطعة هؤلاء الخونة في كل شيء: المعاشرة، والمعاملة، والزواج، والكلام، حتى رد السلام.[75]

4- فتوى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق بأنّه لا يَحِلُّ بيعُ شبرٍ من أرض فلسطين لليهود، ولا السماح لهم بالهجرة إليها والاستيطان فيها ولو عهداً وسلماً. وجاء فيها: “إن بيع الأرض لهم جريمةٌ كبرى، وموالاةٌ عُظمى لأعداء الله، ولا يُرَدُّ على ذلك أنهم اغتصبوها، وسواءً أُخذ منهم مالٌ أو لا فإن يدهم عليها، واغتصابها قائمٌ”![76]

5- فتوى الشيخ العبيلان في الإجابة على سؤال يتعلق بتهجير الفلسطينيين لبعض الدول مقابل تعويض مالي يسقط بموجبه حقه في الرجوع إلى فلسطين أو المطالبة بأي أملاك كانت له فيها؟

قال: “أما المسؤولية هنا فيجب أن يُعلم أنها ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم إنما هي مسؤولية أمة محمد ﷺ بأكملها… وأن بيت المقدس وأرض فلسطين أرض للمسلمين فحينئذ ليست القضية قضية فلسطين إنما هي قضية الأمة كلها فالأمة كلها آثمةٌ، وخصوصاً من كان لهم القدرة على الجهاد والقتال، آثمين في تركهم جهاد الكفار وهم اليهود.[77]

6- فتوى الدكتور القرضاوي في حكم قبول التعويض عن أرض فلسطين[78]، وجاء فيها: أما بيع الأرض أو التنازل عنها بأي تعويض –مهما علا– لأمة أخرى، سواء تَمثل ذلك في دولة أم في أفرادها، فلا يجوز بحال، لأنه في هذه الحال يُعطي باختياره من يُعوضه حقَّ نقل ملكية الأرض الإسلامية إلى أمة أخرى، ولا سيما أن هذه الأمة هي العدو الذي اغتصب هذه الأرض وأخرجه منها بالحديد والنار والدم، وبهذا تخرج الأرض الإسلامية من دار الإسلام إلى دار أعدائه. لهذا ليس مجرد حرام، بل هو من أكبر الكبائر، التي تصل بمن يستحلها إلى الكفر الأكبر، والعياذ بالله تعالى. ويتضاعف الإثم إذا تم ذلك بصفة جماعية، فهو بمثابة بيع شعب لوطنه في المزاد، والأوطان لا تُباع بملء الأرض ذهباً. فكيف إذا كان هذا الوطن بلد المقدسات وأرض النبوات، الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؟!

وهناك العشرات من الفتاوى لكبار علماء الأمة ولمؤسسات العلماء كالأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهيئات وروابط العلماء في عموم بلاد المسلمين بهذا المعنى..

ويمكن القول: إن هذه المسألة محل إجماع علماء الأمة، وإن من خالفوا في هذا الأمر لم يكن خلافهم خلاف اجتهاد بالمعنى العلمي الحقيقي، وإنما مواطأة للحكام؛ فانحرفوا عن الجادة وحادوا عن الدليل ولووا أعناق النصوص لتوافق أهواء حكامهم..

خاتمة:

وخلاصة القول فإن ما يسمى (صفقة القرن) إنما هي مؤامرة خبيثة على حقوق الشعب الفلسطيني خاصة وحقوق الأمة الإسلامية عامة، تستهدف الإمعان في تشريد الشعب الفلسطيني وإلغاء حقه في أرضه التي هُجّر منها اضطراراً.

وباعتبار أن حق العودة إلى فلسطين ليس حقاً محضاً؛ بمعنى أنه ليس ملكاً لأفراد الناس أو عموم الشعب الفلسطيني له أن يتصرف به، فإن شاء تمسّك به وإن شاء اختار وطناً غيره أو قَبِل تعويضاً مادياً مقابل التنازل عنه أو رضيَ مكاناً آخر بديلاً عنه، بل هو حق واجب لا يجوز لصاحبه التنازل عنه حفظاً للحق العام الذي تعين هذا التمسك طريقاً إليه. ولما كان التمسك بحق العودة مصلحة حقيقية دائمة شاملة فتقدَّم على المصالح الآنية الضيقة، ولما كان التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغاً في المصالح الخاصة للآخرين بإضعاف حقهم، وكذلك ضرراً عاماً بالأمة ومصالحها بترسيخ احتلال أرض المسلمين ومقدساتهم، لذلك فمهما بلغت مصلحة من يتنازل عن حق العودة فهي مصلحة خاصة موهومة مهدرة أمام المصالح الخاصة الأخرى وأمام المصالح العامة المتعلقة بعزة الأمة وديار المسلمين.

وبالتالي فإن الرضا أو التعاقد أو التراضي مع العدو أو وسطائه أو عملائه على قيام سلطان اليهود على فلسطين، أو على أي جزء منها، أو من غيرها من بلاد المسلمين، أمر لا يجوز بحال من الأحوال، وكذلك التنازل عن حق العودة أمرٌ لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغصب، وترسيخ أقدام المحتل، وإضاعة لحقوق المسلمين العامة، بل لحق الله تعالى. كما أن مواجهة هذه المؤامرات التي يحيكها اليهود الغاصبون واجب على المسلمين جميعاً؛ أما أهل فلسطين فلأجل استرداد أرضهم المغصوبة ومقدسات المسلمين، وأما غيرهم من المسلمين فإعانةً لإخوانهم وانتصاراً لحقهم في التعبد في المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال. كما يجب على فلسطيني الخارج إعانة إخوانهم في ساحات الجهاد والمقاومة، والتمسك بالحقوق كلها وعلى رأسها حق العودة، وكل ذلك من ضروب جهاد الأعداء ومقاومة مشاريعهم العدوانية.

إن من يتنازل عن حق العودة مهما كانت دوافعه ومهما كان الثمن مقابله أو ما يتوهمه من المصالح، خائن لله ورسوله وللأمانة التي أمر الشارع برعايتها وعدم تجاوزها، وهو من أكبر الكبائر التي تصل بمن يستحلها إلى الكفر، إذ لا يجوز التنازل عن أرض إسلامية مطلقاً، فكيف إذا كانت هذه الأرض بلد المقدسات وأرض النبوات المباركة.

مفاسد التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني من خلال وثيقة صفقة القرن

دراسة تأصيلية مقاصدية

د. محمد همام ملحم*

د. محمود نمر النفار**

الملخص

  تناولت هذه الورقة دراسة حقيقة التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني في ضوء صفقة القرن خصوصا والإتفاقيات التي سبقتها عموما مع التأصيل الشرعي لأحكامه، وتسليط الضوء على أهم مفاسده، مع تحديد مراتبها.

  وقد تعرضت الورقة إلى تصوير واقع التنسيق الأمني من خلال بيان مفهومه وتاريخه وأهم صوره، ثم بينت أهم أحكام التنسيق الأمني، وقد تم حصر مفاسد التنسيق الأمني الواردة في وثيقة الصفقة من خلال استعمال المنهج الاستقرائي، مع بيان مرتبة كل مفسدة منها بالاعتماد على أهم القواعد المقاصدية في تصنيف مراتب المفاسد والمصالح.

  وخلصت الورقة إلى أن التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني ضرب من ضروب التجسس، وصورة من صور موالاة الكفار وأنه على مراتب، كما خلصت إلى أن معظم المفاسد التي يجلبها التنسيق الأمني هي مفاسد تهدم الضرورات العامة المرعية في الشريعة، وهو ما يحتم منع هذه المفاسد ومدافعة الأسباب التي تفضي إليها.

كلمات مفتاحية: التنسيق الأمني-مقاصد الشريعة- موالاة الأعداء-التجسس.

مقدمة:

   يمثل التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني أحد أهم معالم صفقة القرن كما طرحتها الإدارة الأمريكية في رؤيتها المعروفة باسم: “سلام من أجل الازدهار.. رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”.

   وإذا كانت الخطة مكونة من جزئين فإن ما يتعلق بالأمن في الخطة يشغل معظم الجزء الأول، حيث خصص له الفصل السابع، كما ألحقت به ثلاثة ملاحق من أصل أربعة: الأول: اعتبارات الأمن، والثاني: معايير الأمن، والثالث: معايير نزع السلاح وترتيبات الأمن الأخرى.

ومقصد الوثيقة جلي جداً في التركيز على الجانب الأمني. ومن أقوال معدّي الخطة في ذلك:

  • قالوا في المدخل تحت عنوان حل الدولتين الواقعي: “هذه الرؤية مركزة على الأمن”.[79]
  • وذكروا بأن أهم قيد من القيود المتعلقة بالسيادة على المناطق الفلسطينية من أجل الوصول إلى حل واقعي هو: “الحفاظ على المسؤولية الأمنية الإسرائيلية”.[80]
  • وقالوا في القسم السابع المخصص للأمن: “إن الهدف من هذه الرؤية … مواجهة … التحديات الأمنية”، وبأن هذه الرؤية تدرس تسهيل التنسيق الأمني ​​الوثيق بين دولة إسرائيل والدول المجاورة لها.[81]
  • وورد في القسم السابع عشر المخصص للعلاقات العربية الإسرائيلية بيان الهدف من هذه الرؤية وهو أن تتعاون الدول العربية تعاوناً كاملاً مع دولة إسرائيل”.[82]
  • وقد بينوا أن أحد الأهداف المهمة للرؤية معاملة إسرائيل كجزء شرعي من المجتمع الدولي من قبل الجميع.[83]
  • وفي القسم الرابع خلال حديثهم عن الحدود قالوا بأنهم قاموا بتصميم خريطة مفاهيم من أجل إظهار جدوى إعادة رسم الحدود بما “يلبي المتطلبات الأمنية لدولة إسرائيل”.[84]

وتسلط هذه الورقة الضوء على حقيقة التنسيق الأمني الوارد في صفقة القرن، وفي الاتفاقيات والتفاهمات التي حصلت قبلها مع التطرق إلى بيان الحكم الشرعي لأهم أعمال التنسيق الأمني، ومن ثم بيان مفاسده ومراتبه من خلال ما ورد من نصوص في هذه الصفقة المشؤومة، علماً بأننا قمنا بكتابة هذه الورقة في أوج تبني الإدارة الأمريكية لهذه الصفقة المشؤومة، ويبدو أنها جُمدت مع رحيل تلك الإدارة ومجيئ إدارة أخرى، لكن الشيء الوحيد على الأقل الذي لن يتغير برحيل الإدارات الأمريكية وتغيرها هو مسألة التنسيق الأمني. ولهذا فدراسة مسألة التنسيق الأمني كما تعرضها هذه الصفقة المشؤومة مفيد حتى بعد تجميد صفقة القرن من جهة معرفة حقيقة التنسيق الأمني الذي يقوم الاحتلال بتنفيذه على الأرض داخل فلسطين، ومع السلطة الفلسطينية، ومع الدول المطبعة معه.

وقد تم تقسيم الورقة إلى مقدمة ومطلبين وخاتمة:

المطلب الأول: مفهوم التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني وتاريخه وصوره

المطلب الثاني:  التأصيل الشرعي لأحكام التنسيق الأمني وبيان لمفاسده ومراتبه من خلال وثيقة صفقة القرن

المطلب الأول: التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني حقيقته وخلفيته التاريخية:

   الفرع الأول: حقيقة التنسيق الأمني:

      المسألة الأولى: الأمن في اللغة والاصطلاح:

الأمن من (أمن)،  قال ابن فارس: “الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق”.[85] والأمن ضد الخوف[86]،وهذا المعنى راجع إلى سكون القلب، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِ﴾ [النساء ٨٣]، وقوله تعالى: ﴿وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ﴾ [قريش ٤]. والمراد بالخوف هنا: العدو[87]، والأمن منه هو أن “لا يتعرض لهم أحد بسوء”.[88]

وقد استعمل الفقهاء مفهومي الأمن والأمان للدلالة على حصول الأمن لغير المسلم مطلقاً مستدلين بقول الله تعالى: ﴿وَإِنۡ أَحَدࣱ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥ﴾ [التوبة ٦]، والاستجارة: سؤال الأمان.[89]

والعقود التي تفيد الأمن عند الفقهاء ثلاثة: الأمان والجزية والهدنة، والفرق بينهم أن ما تعلق بمحصور من الحربيين فهو الأمان، وما تعلق بعدد غير محصور وانتهى إلى مدة فهو الهدنة، وما لا ينتهي إلى مدة وتعلق بعدد غير محصور فهو الجزية.[90]

وفي الدراسات الغربية المعاصرة عرّفت دائرة المعارف البريطانية الأمن بأنه: “حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية”[91]، وهذا التعريف التقليدي للأمن مرتبط بالقوة العسكرية، وقريب منه تعريف موسوعة السياسة للأمن بأنه: “تأمين سلامة الدول من أخطار خارجية وداخلية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي”.[92]

ونظراً لزيادة التهديدات واتساع دائرة المخاطر تطور مفهوم الأمن في الحقول المعرفية ذات الصلة بالسياسة والأمن والدفاع، فقد عرفه باري بوزان barry buzan بأنه: “العمل على التحرر من التهديد”[93]، وعرفه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت مكنمارا Robert Strange McNamara بأنه: “التطور والتنمية سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة”[94]، وعرفه هنري كيسنجر Henry Kissinger وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: “أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء”.[95]

ولا يخفى أن مفهوم الأمن في التعريفات الأخيرة يتسع ليشمل كافة التدبيرات التي من شأنها حماية المصالح التي تبغيها الدول والمنظمات والفواعل السياسية ويقيها التهديدات الواقعة أو المتوقعة التي تتفاداها.

وهذا القدر كافٍ في بيان المراد بالأمن وتطور مفهومه. وننتقل إلى بيان مفهوم التنسيق.

      المسألة الثانية: التنسيق لغة واصطلاحاً:

  • مفهوم التنسيق لغةً:

التنسيق مشتق من الجذر (نسق). وقد بين الإمام ابن فارس أن معانيه ترجع إلى معنى واحد   وهو: التتابع فِي الشَّيْءِ.[96] وقال ابن منظور : “النَّسَقُ من كلّ شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، عامٌّ فِي الأشياء”، ثم عرف التنسيق بأنه “التنظيم”.[97] ويمكن القول بأن تعريف التنسيق لغة بالتنظيم يتفق بشكل تام مع المعنى الاصطلاحي المتأخر للتنسيق.

  • مفهوم التنسيق اصطلاحاً:

ظهر مصطلح التنسيق بشكل مبدئي في حقل العلوم الإدارية ثم انتقل إلى الحقول الأخرى التي لها ارتباط بإدارة الأفراد أو المنظمات أو الأجهزة أو الدول أو المجالات الوظيفية المختلفة وذلك كالحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها.[98]

 ويمكن تعريف التنسيق من وجهة نظر إدراية بأنه: “تنظيم الجهود الجماعية بغرض توحيدها وتوجيهها نحو تحقيق هدف مشترك”.[99] وقد فرق دونل Donnel Koontz بين نوعين من التنسيق أحدهما سماه بالجيد والآخر بالممتاز،  فوصف التنسيق الجيد بأنه الذي يزيل المواقف الحرجة فور ظهورها،  ووصف التنسيق الممتاز بأنه الذي يتوقع حدوث المواقف الحرجة ويمنع ظهورها[100].[101]

      المسألة الثالثة: مفهوم التنسيق الأمني:

يمكننا أن نعرّف التنسيق الأمني من خلال الجمع بين تعريف الأمن والتنسيق بأنه تنظيم الجهود بين جهات عديدة قد تكون تابعة لدولة واحدة أو أكثر من دولة، وذلك من أجل تحقيق أهداف محددة متفق عليها متعلقة بتأمين سلامة الدولة أو الدول من الأخطار.[102]

وننتقل الآن إلى بيان المقصود بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني وهو مرادنا في هذه الورقة.

لم نجد -فيما اطلعنا عليه من مراجع- من عرّف التنسيق الأمني مع الاحتلال بشكل دقيق، فقد عرفه أحد الباحثين بأنه: “مجموعة من التفاهمات الموقعة مع الاحتلال الصهيوني، التي جاءت بناءً على اتفاقيات مبرمة معه، وما تبعها من بروتوكولات الترتيبات الأمنية، والتي تحدد شكل هذا التنسيق”.[103]  ويمكن أن نعرفه بتعريف أوجز وأدق بشكل مجرد دون النظر إلى الواقع وكيفية التطبيق بأن نقول هو: “قيام كل من الطرفين بجملة من الأعمال المنبثقة عن اتفاقيات وتفاهمات والتزامات تؤدي إلى حفظ أمن كل طرف”.[104]

أما إذا أردنا أن نصف حقيقة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني من خلال النظر إلى التطبيق العملي له في الواقع فنقول: هو قيام السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالعمل على حماية مصالح الكيان الصهيوني الأمنية، والقضاء على أية مقاومة له وتجفيف تمويلها والتجسس على كل ما يساعد المقاومة.

   الفرع الثاني: الترتيبات الأمنية بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى في الاتفاقيات قبيل طرح الصفقة:

هناك مجموعة من الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية التي جرت بين الكيان المحتل وكل من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وقد بدأت هذه الاتفاقيات باتفاقية أوسلو التي تأسست بموجبها السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات آنذاك، وقد شغلت الترتيبات الأمنية المساحة الأكبر من نصوص  هذه الاتفاقيات والتفاهمات؛ وذلك لما لها من انعكاس مباشر على أعمال المقاومة في مناطق عمل السلطة -قطاع غزة وأريحا أولاً ثم الضفة الغربية فيما بعد- وقد ربطت هذه الاتفاقيات والتفاهمات التقدم في بنودها المختلفة بالتقدم في الملف الأمني حصراً.[105]

هذا وقد نصت اتفاقية أوسلو في البند الثامن على حق دولة الاحتلال في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية وحماية أمن الإسرائيليين، ونصت في البند العاشر على تشكيل لجنة ارتباط مشتركة من أجل التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ونصت على التنسيق الأمني المشترك مع بيان بعض تفاصيله في البروتوكولات الملحقة بالاتفاقية.[106]

وتم الاتفاق في اتفاقي القاهرة في 9 /2/1994 و 4/5/1994م على جملة من القضايا الأمنية منها إدارة الدوريات المشتركة والوحدات المتحركة المشتركة، بالإضافة إلى جملة من الترتيبات الأمنية على المعابر في غزة وأريحا[107].[108]

وفي اتفاقية واشنطن في 28/9/1995م تم النص على تشكيل لجان تنسيق وتعاون أمني مشتركة، منها لجنة تنسيق وتعاون مشتركة من أجل الأمن المتبادل سميت ب JSC، ولجنة أمن إقليمي مشتركة سميت ب PSCs، ومكاتب مشتركة للتنسيق في المناطق سميت ب DCOs.[109]

وقد اشترطت الاتفاقية التنسيق مع الجانب الصهيوني في الوظائف المنوطة بالشرطة الفلسطينية في المناطق المسماة “ب” -وهي تمثل 21% من مجمل المناطق المحتلة عام 1967م-، وأضافت إلى وظائفها: منع الأعمال التي تترتب عليها مضايقات وإيقاع عقوبات ومحاربة الإرهاب ومنع التحريض على أعمال العنف، وحظرت على السلطة ملاحقة عملاء الاحتلال وجواسيسه مع عدم الاضرار بمصالحهم، والأدهى والأمر أن السلطة لم تكتف بعدم ملاحقة عملاء الاحتلال بل وقامت بدمجهم في الأجهزة الأمنية لكي ترسخ التنسيق الأمني، ولكي يكمل هؤلاء الجواسيس دورهم من خلال أجهزة السلطة الرسمية.[110]

وفي مؤتمر شرم الشيخ في عام 1996م والذي جاء إثر عمليات للمقاومة الفلسطينية أكد المشاركون على دعم تنسيق الجهود لوقف أعمال الإرهاب على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، وبذل أقصى الجهد لتحديد مصادر تمويل حركات المقاومة والتعاون على إيقافها.[111]

وفي العام 1998م وقعت اتفاقية واي ريفر وتأسس بموجبها إطار ثلاثي يضم كلاً من السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال برئاسة مسؤولي وكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة، ويهدف إلى التنسيق لاجتثاث الخلايا العسكرية الفلسطينية ومنع تهريب السلاح لها، وجمع المعلومات حول قادة المقاومة وكوادرها.[112]

ونظمت الاتفاقية إعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة الغربية، مع نقل مساحات محدودة للسيطرة الأمنية الفلسطينية مقابل مجموعة من التدابير الأمنية الواجب اتخاذها في مجالات “التصدي للإرهاب، واعتبار المنظمات الإرهابية خارجة عن القانون، ومنع الأسلحة غير الشرعية، ومنع التحريض، وتقديم لائحة باسم أفراد الشرطة للجانب الإسرائيلي، واعتقال ثلاثين مشبوهاً أمنياً حددتهم إسرائيل”.[113]

وفي عام 1999م شددت مذكرة شرم الشيخ على ضرورة وفاء السلطة بالتزاماتها الأمنية المنصوص عليها في الاتفاقيات السابقة في مجالات “جمع الأسلحة غير المشروعة، وإلقاء القبض على المشبوهين أمنياً، وتقديم تقارير دورية بهذا الخصوص، ومواصلة التنسيق الأمني”.[114]

وفي عام 2002م إثر انتفاضة الأقصى طرحت الإدارة الأمريكية خطة خارطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية، ونصت الخطة على ضرورة التعاون الأمني، وبذل كل جهد لاعتقال وعرقلة كافة أعمال حركات المقاومة، كما دعت إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتدريبها، وتأهيلها بما يضمن “مواجهة جميع الأفراد الضالعين في الإرهاب، والقضاء على بناهم التحتية الإرهابية”.[115]

وفي لقاء العقبة الذي جمع رئيسي وزارء السلطة ودولة الاحتلال آنذاك محمود عباس وأرييل شارون بتاريخ 4/6/2003م تعهد عباس بتنفيذ خارطة الطريق، والعمل على وضع حد للانتفاضة المسلحة.[116]

وبعد وفاة عرفات وانتخاب عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، وفي آذار 2005م جرى اتفاق بين عباس وشارون وإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على تشكيل فريق تنسيق أمني أمريكي بين الاحتلال والسلطة. وقاد الفريق الأمني الجنرال الأمريكي كيث دايتون وتركزت مهمته على تدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية بما يضمن حماية أمن إسرائيل.

وبعد الحسم العسكري في قطاع غزة تركز عمل دايتون في الضفة الغربية. وصرح دايتون في عدد من محاضراته بأن مهمته تنحصر في “وضع حد لكل أشكال العنف والإرهاب وتعليم قادة وأفراد الأجهزة الأمنية على “حفظ النظام والعيش بأمن وسلام مع إسرائيل وليس قتالها”.[117]

   الفرع الثالث: التنسيق والترتيبات الأمنية مع الكيان الصهيوني كما تعرضها صفقة القرن:

   تتأسس صفقة القرن وتتمحور حول أمن الكيان الصهيوني بشكل فج وسافر، والخلفية الأمنية التي كُتبت بموجبها الصفقة هي خلفية صهيونية لا تراعي سوى الاحتياجات والطموحات الصهيونية.

وبحسب الذين صاغوا الصفقة فإن الجزء الأمني منها قد تمت صياغته بالاستناد إلى الفهم الأفضل للمتطلبات الأمنية للمشروع الصهيوني “كما قدمتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للولايات المتحدة”[118]، كما تصرح الوثيقة بأن “أمن إسرائيل محمي بموجب هذه الاتفاقية”[119]، وتنص على “مراعاة الاعتبارات الأمنية لدولة إسرائيل”.[120]

ولا عجب في ذلك فإن “من مصلحة الولايات المتحدة الإستراتيجية الحاسمة أن تظل دولة إسرائيل قوية وآمنة”[121]، و” لا يمكن للولايات المتحدة أن تطلب من أي دولة، ناهيك عن دولة إسرائيل، الحليف الوثيق، تقديم تنازلات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني ​​المحفوف بالمخاطر بالفعل”[122]، كما يقول كاتبو الصفقة!

 وتتجاوز ترتيبات الأمن في فلسطين المحتلة كالاستيطان وضم الأغوار حيث تهدف إلى أمرين:

الأول: هندسة الأمن في فلسطين بشكل يجعل من يجعل منها دولة وهمية منزوعة السلاح بالكامل وظيفتها حماية أمن المشروع الصهيوني ومكافحة العمل المقاوم بشتى أنواعه، وسيادته على البر والبحر والجو بدعوى أنها حيوية لأمن الكيان الصهيوني.

الثاني: هندسة الأمن الإقليمي بشكل يجعل الهيمنة والسيادة الأمنية المطلقة للمشروع الصهيوني عبر بناء منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تدمج دولة الاحتلال في المنطقة بشكل علني، وتضمن أمن المشروع الصهيوني وتمكينه من تحديد الأصدقاء والأعداء وبناء التحالفات، واتخاذ كافة الترتيبات التي تلبي احتياجاته الأمنية الحيوية، والعمل على دمج الاحتلال في المحيط الإقليمي.[123]

وهناك الكثير من الأبعاد والترتيبات الأمنية التي تعالجها الصفقة والتي تفرقت على القسم السابع والملاحق في نهاية الشق السياسي من الخطة ففي القسم السابع تشير إلى العناصر التالية:[124]

  1. تمكين الكيان الصهيوني من مواجهة التحديات الأمنية، وتحميل السلطة الفلسطينية أكبر قدر من مسؤوليتها تجاه الأمن الصهيوني.
  2. تسهيل التنسيق الأمني وتوثيقه بين مصر والأردن والسلطة والكيان الصهيوني.
  3. احتفاظ دولة الاحتلال بالمسؤولية الأمنية الغالبة داخل فلسطين وفق المبدأ الآتي: “كلما قامت دولة فلسطين بعمل المزيد قل ما يتعين على دولة إسرائيل القيام به”.
  4. تعظيم القدرة الأمنية للسلطة الفلسطينية من أجل منع الإرهاب.
  5. نزع سلاح غزة بالكامل وبقاؤها في المستقبل بلا سلاح وبلا جيش، فيما يقتصر دور قوى الأمن الداخلي على منع الهجمات الإرهابية والعمل مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب.
  6. ربط الحصول على المصالح الوهمية التي تمنحها الخطة للفلسطينيين بالتقديرات والقرارات الإسرائيلية التي تقوم ب “تحديد ما إذا كانت دولة فلسطين قادرة على الوفاء بالمعايير الأمنية”، وفي حال فشلت “ستزداد البصمة الأمنية لدولة إسرائيل في كل أو أجزاء من دولة فلسطين نتيجة لتصميم دولة إسرائيل لاحتياجاتها الأمنية الموسعة والوقت اللازم لمعالجتها”.
  7. دخول مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل في تعاون دائم وشامل لمنع المنظمات الإرهابية من الحصول على قاعدة لعملياتها، ومكافحة جميع أشكال النشاط العسكري والإرهابي.
  8. تشكيل لجنة أمنية إقليمية تكون مهمتها مراجعة السياسات ومكافحة الإرهاب وتشتمل على ممثلين أمنيين من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل بالإضافة إلى ممثلين عن السعودية والإمارات والولايات المتحدة.
  9. احتفاظ إسرائيل بمحطة واحدة على الأقل للإنذار المبكر داخل دولة فلسطين وضمان وصول القوات الإسرائيلية إليها دون انقطاع، وكذلك اعتمادها على المعدات الجوية في الأغراض الأمنية مثل المناطيد والطائرات بدون طيار وما شابهها.
  10. خضوع تقسيم المناطق المتاخمة للحدود للمسؤولية الأمنية الطاغية لدولة إسرائيل.

المطلب الثاني: التأصيل الشرعي وبيان مفاسد التنسيق الأمني ومراتبها في ضوء صفقة القرن:

   الفرع الأول: التصوير الشرعي لواقع التنسيق الأمني:

مما هو مقرر عند الأصوليين والفقهاء أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وقد بين الإمام ابن قيم الجوزية أنه لا يمكن للمفتي والحاكم أن يفتيا إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، وثانيهما: فهم الواجب في الواقع وهو الحكم الشرعي فيه.[125] ولهذا لا بد قبل أن نبدأ ببيان حكم التنسيق الأمني أن نتصور واقعه بشكل دقيق، فنقول وبالله التوفيق:

انطلاقاً من مجموع ما سبق بيانه حول أعمال التنسيق الأمني فإن التنسيق الأمني تجتمع فيه مجموعة من المحرمات الكبيرة التي تكفي أي واحدة منها لتحريم هذا العمل وتجريمه، ومن أهم هذه المحرمات والفواحش:[126]

  1. الولاء لأعداء الله عز وجل ومناصرتهم في عدوانهم. وهذا الجرم تتفاوت درجته من فرد إلى آخر من أفراد الأجهزة الأمنية، فمنهم الذي جنده المحتل ليعمل في التجسس لصالحه اعتقاداً وولاءً لهم وهذا في أعلى مراتب الخيانة، ومنهم من يعمل في هذه الأجهزة الأمنية وهدفه الانتقام من بعض الفئات كالمقاومة، فهو ينصر المحتل على أبناء جلدته من المقاومة،  ومنهم من يعمل في الأجهزة الأمنية في مجال من المجالات التي لا تدخل في دائرة التجسس والتعرض للمقاومين وتقديم معلومات حولهم من أجل لقمة العيش مع عدم اعتقاده موالاة العدو وعدم رضاه بما تقوم به هذه الأجهزة.[127]
  2. التجسس لصالح العدو الصهيوني على الفلسطينيين، وخصوصاً المقاومين منهم من خلال الأجهزة الأمنية عموماً، ومن خلال أفرادها، وتزويد الاحتلال بمعلومات المقاومين والمطلوبين له، وقد ينبني على ذلك تصفية المطلوبين أو اعتقالهم.

وهنالك موبقات أخرى عظيمة تترتب على التنسيق الأمني منها قتل المقاومين الفلسطينيين إما عمداً أو خطأ، ومنها الاعتراف بالكيان الصهيوني وامتلاكه لمعظم أرض فلسطين وغيرها من الموبقات..

   الفرع الثاني: التأصيل الشرعي لحكم العاملين في التنسيق الأمني مع الاحتلال:

سوف نقتصر على بيان حكم موالاة العدو الصهيوني والتجسس لصالحه لأنهما يمثلان الأساس الذي ترجع إليه جميع موبقات التنسيق الأمني مع الاحتلال:

  1. مسألة موالاة العدو الصهيوني ونصرته :

                وردت نصوص كثيرة تبين عظم جريمة موالاة أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومشركين وسوف أقتصر على ذكر بعض هذه النصوص الشريفة التي تربط بين موالاة يهود ونصارى بالنفاق وتجعل موالاة يهود على وجه الخصوص من أهم علامات النفاق، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة ٥٢].

                فقد بينت الآيات الكريمات أن الذين في قلوبهم مرض -وهم المنافقون- كانوا يسارعون في التنسيق مع يهود ومعاونتهم ونقل الأخبار لهم،  وقد بين علماء التفسير حجةَ المنافقين في المسارعة في معاونة يهود ومصانعتهم والتنسيق معهم وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى: ﴿یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ﴾، فقالوا: “الدائرة التي كان يخشاها المنافقون هي الهزيمة أو الدبرة أو القحط أو الحوادث المخوفة أو عدم الحصول على الميرة والقرض منهم عند الحاجة”.[128] وهذه هي سياسة المنافقين في كل زمان ومكان، أنهم يعتمدون على الولاء لليهود والنصارى وغيرهم من المشركين من أجل تأمين مستقبلهم إذا دارت عليهم الدوائر، وهو حال الذين يتولون التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني وما وصلوا إليه من المسارعة إلى إرضاء عدوهم والقيام بدور الحارس الأمين له مع التنكيل بالمؤمنين وملاحقة المقاومين والمطلوبين للعدو وسجنهم وتعذيبهم وتقديم كل ما يطلبه العدو من معلومات حول أبناء شعبهم؛ وذلك كله من أجل الحصول على رواتب زهيدة لموظفي الأجهزة الأمنية. 

وهنا يتساءل الناظر هل هنالك فرق بين مبررات المنافقين الأوائل للتنسيق الأمني مع يهود، والتي كانت تدور حول تأمين المستقبل في ظنهم، والخوف من أن تصيبهم دائرة؛ فتكون لهم يد عند يهود، وبين مبررات مسؤولي السلطة والأجهزة الأمنية التي لا تخرج في بدايتها عن وعود بسلطة وهمية، وفي نهايتها عن مجرد مصالح مادية تقتصر على رواتب الأجهزة الأمنية ومسؤولي سلطة التنسيق الأمني ونحوها؟

                أما الحكم الشرعي فيمن يعمل في التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني من خلال حكم موالاة أعداء الله تعالى، فنقول بأن الحكم يختلف بحسب اختلاف اعتقاد العاملين في هذا المجال وأحوالهم، فالتنسيق الأمني ما هو إلا صورة من صور موالاة الكفار التي يتراوح الحكم فيها بين الكفر المخرج من الملة إذا كان تجسسه حباً في انتصار الكفار وعلو شوكتهم على المسلمين وكرهاً للمسلمين ولدينهم، وبين الكبيرة من كبائر الذنوب إذا كان لغرض شخصي أو دنيوي كالحصول على راتب أو جاه، وتختلف مرتبة هذه الكبيرة بحسب عمل هذا الموظف الأمني في التنسيق الأمني ومآلاته وبحسب نيته، فإذا ترتب على تنسيقه قتلُ مقاوم أو أكثر أو جرحهم أو استهداف لمنزل عائلة آمنة أو أسْر لمقاوم أو تعطيل لعمل جهادي مقاوم أو كشف لأنفاق المقاومين وأماكنهم، فهذا العمل يعد من أكبر الكبائر، وأما إذا لم يترتب على تنسيقه أي ضرر فهو أقل مرتبة مما سبق. أما الذين يقومون بالتنسيق المدني كالتنسيق من أجل نقل مريض للعلاج أو تسهيل خروج طالب للدراسة، فهذا قد يصل إلى الإباحة في حالات الاضطرار والحاجة الماسة.[129]

  • التجسس لصالح العدو الصهيوني:

                وردت عدة نصوص في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه الكريم ﷺ في بيان حكم جريمة التجسس على المسلمين لصالح العدو المحارب لهم، فقد بين الشارع الحكيم بأن المنافقين كانوا جواسيس على المسلمين لليهود، وأن عموم يهود كانوا جواسيس على المسلمين أيضاً لفئة خاصة من يهود، وهم يهود خيبر وعدد من رؤساء يهود عموماً،  فقد قال الله عز وجل: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِأَفۡوَا⁠هِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِینَ لَمۡ یَأۡتُوكَۖ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِ…﴾ [المائدة ٤١]. قال الإمام السمعاني في تفسير قوله سبحانه: ﴿سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِینَ لَمۡ یَأۡتُوكَۖ﴾ “أَي: جواسيس لقوم آخَرين لم يأتوك، وهم أهل خَيْبَر، يصف الْمُنَافِقين وَالْيَهُود، وَأما المُنَافِقُونَ: كَانُوا جواسيس الْيَهُود، وَأما الْيَهُود كَانُوا جواسيس لأهل خَيْبَر، وسُئِلَ سُفْيَان الثوري: هَل فِي الْقُرْآن للجاسوس ذكر؟ فقال: (بلَى) وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة”.[130]

                ففي هذه الآية الكريمة ربط دقيق بين المنافقين والتجسس لصالح يهود وكأننا نتكلم عن منافقي هذا الزمان، وخصوصاً منافقي التنسيق الأمني الذين يتجسسون على المقاومين من أبناء الشعب الفلسطيني لصالح الكيان الصهيوني، وقد امتد تجسسهم إلى التجسس على المسلمين في دول مختلفة لصالح هذا الكيان الغاصب.

وفي هذه الآية أيضاً دلالة على أن اليهود لا يكتفون بتجسس هؤلاء العملاء، بل لهم أساليب أخرى وأجهزة وجيش من الجواسيس من بني جلدتهم، ينشرونهم في كل مكان من أجل خدمة مصالح كيانهم.

أما بالنسبة لحكم الجاسوس المسلم لصالح العدو الحربي، فقد اتفق علماء الإسلام على كون تجسس المسلم على المسلمين لصالح الكفار الحربيين من أكبر الكبائر، لكنهم اختلفوا في عقوبته، فبعضهم ألحقه بالعقوبة الواردة في حد الحرابة، وبعضهم ألحقه بالعقوبات المتعلقة بالقتل أو الصلب فيه فقط دون غيرها من العقوبات، وبعضهم اقتصر على عقوبات تعزيرية من باب الحبس أو الجلد أو الجمع بين الجلد والحبس، وبعضهم أضاف النفي إلى ذلك، وبعضهم فرّق بين من كان له عذر ولم يتكرر منه التجسس ومن كان معتاداً على ذلك أو تكرر منه، وبعضهم فرّق في الحكم عليه من خلال مآل التجسس، فإذا انبنى عليه قَتْلٌ قُتلْ، وإذا لم يترتب على ذلك شيء يعزّر ولا يقتل.

                ونقول بأنه من الممكن الجمع بين معظم هذه الأقوال في حكم موظفي التنسيق الأمني وذلك من خلال النظر إلى اعتقاد كلّ منهم ودوره، وإلى مآلات تنسيقهم وطبيعة عملهم في التنسيق وهل هو تنسيق أمني تجسسي محض أم هو تنسيق مدني محض.[131]

   الفرع الثالث: مفاسد التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني ومراتبها:

اقتصر الباحثان في حصر مفاسد التنسيق الأمني على أهم المفاسد الواردة في وثيقة صفقة القرن الرسمية، وذلك من أجل بيان مدى خطورة هذه الصفقة على أمن الدولة الفلسطينية خصوصاً وعلى الأمن الإقليمي وأمن الأمة الإسلامية عموماً، بل ويتعدى خطرها النواحي الأمنية ليصل إلى استلاب سيادة ما تسميه الوثيقة بدولة فلسطين بشكل طاغٍ[132] وقاهر وسيادة دول الإقليم وسيادة الدول الإسلامية عموماً. ومن الغريب تكرر ذكر مصطلح الطاغي في الصفقة وخصوصاً في المجال الأمني كثيراً، وفي ذلك اعتراف بالطغيان والظلم والعدوان؛ لأن الكثير من الدول العربية والإسلامية للأسف رضيت بظلم الصهاينة وطغيانهم.

وفيما يلي بيان لأهم مفاسد التنسيق الأمني، وسنلحق كل مفسدة بمرتبتها من خلال تطبيق أهم قواعد مراتب المفاسد[133]، وقد استخرجنا أكثر من ثلاثين مفسدة عظمى من وثيقة الصفقة المترجمة،  ثم قمنا بتصنيفها وجمعها في إحدى عشرة مجموعة:

  1. الهيكلة الأمنية الإقليمية المبنية على التعاون الاستراتيجي بين دول المنطقة والكيان الصهيوني:[134]

                هذه من المفاسد العظيمة التي نُص عليها في ثنايا الصفقة، وهي تقتضي هيمنة الكيان الصهيوني أمنياً على الإقليم عموماً، بل وتتعدى تلك الهيمنة الإقليمَ إذا استحضرنا بعض النقاط الواردة في الصفقة والتي تتمثل في تشكيل تحالف استراتيجي بين الكيان الصهيوني ودول الشرق الأوسط من أجل الوقوف في وجه التهديد الإيراني، وهذا يعني تغييراً في ثوابت الأمة في تحديد العدو وفي تحديد الحلفاء، ومن المفاسد التابعة لهذه المفسدة التي وردت في وثيقة الصفقة الآثمة ما يلي:

  • تشكيل منظمة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط على غرار النموذج المستخدم من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.[135] وهذا يقتضي ملاحقة المقاومة ومن يدعمها بالمال ومن يساندها عموماً في الشرق الأوسط، وبالتالي سيكون العلماء والمفكرون والتجار والمستثمرون وعموم الحالة الشعبية الحاضنة للمقاومة من المستهدفين.
  • تحقيق الأمن الإقليمي للكيان الصهيوني من خلال تشكيل لجان تنسيق أمنية مشتركة على مستوى الإقليم. وهذه الهيمنة الأمنية الصهيونية على الإقليم تحقق السيطرة التامة والسيادة المطلقة للكيان الصهيوني على الإقليم عموماً.[136] 

                وهذه المفسدة وما تبعها من مفاسد: (مفسدة مخلة بالضروري العام من حفظ الدين والنفس).

  • مفسدة السيطرة الأمنية على المحيط الخارجي للكيان الصهيوني وذلك يعني السيطرة الحقيقية على أجزاء من دول الطوق:

                مرتبة هذه المفسدة: (مفسدة مخلة بالضروري العام من حفظ النفس).

  • مفسدة السيطرة الحقيقية والهيمنة الأمنية الشاملة للكيان الصهيوني على دولة فلسطين:

                وقد وردت بنودٌ تؤكد هذه المفسدة أو تحققها من جوانبَ مختلفة، ومن ذلك:

  • السيادة الأمنية الكاملة على الأراضي الفلسطينية، وربط الاتفاقية عموماً بالوفاء بالمعايير الأمنية.
  • السيطرة الأمنية للكيان الصهيوني على الأجواء الفلسطينية بشكل كامل وعلى المناطق المتاخمة للحدود، وعلى المياه الإقليمية لدولة فلسطين، وعلى الطرق إلى دولة فلسطين، واحتفاظ الكيان الصهيوني بمحطات إنذار مبكر داخل دولة فلسطين، وضمان وصول الأمن الصهيوني إليها دون انقطاع.

                وهذه المفسدة: (مفسدة مخلة بالضروري العام من حفظ الدين والنفس والمال).

  • جعلُ وظيفةِ السلطة بأجهزتها المختلفة وأنظمتها وقوانينها وعلى رأسها الأجهزة الأمنية أداةً لتحقيق أهداف الاحتلال الصهيوني والحفاظ على أمنه واستقراره:

                وقد وردت مجموعة من البنود التي تمثل مفاسد تابعة أو مؤكدة لهذه المفسدة العظيمة منها:

  • احتفاظ دولة الاحتلال بالمسؤولية الأمنية الغالبة داخل فلسطين[137] وفق المبدأ الآتي: “كلما قامت دولة فلسطين بعمل المزيد قل ما يتعين على الكيان الصهيوني القيام به”[138] وهذا يعني بأن الدولة الفلسطينية ليست إلا أداةً لتحقيق أمن الاحتلال الصهيوني.
  • إسهام أجهزة الأمن الصهيونية في بناء قدرات قوى أمن السلطة الفلسطينية في مجال منع المقاومة ومكافحة الإرهاب على حد زعمهم![139]
  • تعظيم القدرة الأمنية للسلطة الفلسطينية من أجل منع الإرهاب.[140]
  • اعتبار مكافحة الإرهاب أحد أهم مهام قوى الأمن في دولة فلسطين وأهم نظام في نظامها العام.[141]
  • تنفيذ السلطة معايير الأمن للكيان الصهيوني واتخاذ كافة الترتيبات التي تلبي الاحتياجات الأمنية للكيان الصهيوني.[142]
  • وضع نظام قانوني لمكافحة المقاومة (الإرهاب) في دولة فلسطين.[143]
  • ووصل بهم الصلف والغرور إلى الاشتراط على السلطة أن تعمل بحسن نية في الأمور الأمنية.[144] وهذا الشرط يقتضي أن يكون الدور الأمني لأجهزة السلطة في خدمة الاحتلال والمحافظة على أمنه مبنياً على تغيير جذري في العقيدة الأمنية لدى السلطة الفلسطينية وأجهزتها وعموم الشعب الفلسطيني وعلى تغييرٍ للعقائد والقيم والمبادئ والأصول الشرعية وقلبٍ للمفاهيم بحيث تتحول الخيانة للدين ولأهله إلى حسن نية.

   ومرتبة هذه المفاسد العظيمة تصل إلى: (الإخلال بالضروري البعضي من حفظ الدين والنفس والعقل).

  • مفسدة نزع سلاح الدولة الفلسطينية عموماً بالكامل وبقائها كذلك بشكل دائم[145] حيث نص بند خاص على هذه المفسدة العظيمة والتي تعني ضمنياً تعطيل فريضة الجهاد في سبيل الله، والقضاء على أي أمل في استعادة فلسطين السليبة، بالإضافة إلى ضمان التفوق العسكري في الإقليم عموماً للكيان الصهيوني.

                ومرتبة هذه المفسدة : (مفسدة مخلة بالضروري العام من حفظ الكليات الخمس عموماً).

  • ومن المفاسد العظيمة المتعلقة بغزة العزة سيطرة جهة مقبولة لدى الكيان الصهيوني على قطاع غزة، ويترتب على هذه المفسدة مجموعة من المفاسد التي نصت عليها الاتفاقية والتي منها: نزع سلاح غزة بالكامل وبقاؤها في المستقبل بلا سلاح وبلا جيش.[146]

                وهذه المفسدة: (مفسدة مخلة بالضروري العام من حفظ الكليات الخمس عموماً).

  • الهيمنة الحصرية للكيان الصهيوني على أمن المسجد الأقصى ومدينة القدس خاصة، حيث تنص الصفقة على الهيمنة الحصرية للقوات الأمنية الصهيونية في مدينة القدس تحت السيادة الصهيونية، نظراً لكون القدس من أكثر المناطق حساسية في العالم.

                ومرتبة هذه المفسدة: (مخلة بالضروري العام من حفظ الدين).

  • منع دولة فلسطين من أية حقوق أمنية، ومن أي انضمام إلى أية منظمة دولية في كل ما من شأنه محاسبة دولة الاحتلال أو معارضة التزام دولة فلسطين بنزع السلاح، ومن أية ملاحقة لأي مواطن صهيوني أمام أي نظام قانوني عالمي أو في أي دولة من الدول.

   ومرتبة هذه المفسدة: (مخلة بالضروري البعضي من حفظ النفس والمال).

  • التغيير الجذري للقيم والمفاهيم والمبادئ الأمنية الإسلامية في فلسطين وفي الإقليم وفي الأمة الإسلامية عموماً، واستبدالها بقيم ومفاهيم ومبادئ أمنية تخدم الكيان الصهيوني وتحقق أهدافه، بالإضافة إلى تغيير الأنظمة والقوانين الأمنية لكي تكون متفقة مع رؤية الكيان الصهيوني الأمنية، حيث ورد في الصفقة الإشارة صراحة إلى هذا التغيير ومن ذلك تغيير مفهوم مقاومة الاحتلال إلى الإرهاب، وتسمية المقاومين بالإرهابيين. كما ورد بند خاص بتغيير الأنظمة الأمنية، وبند آخر متعلق بتغيير القوانين المتعلقة بالأمن.

   وهذه المفسدة: (مخلة بالضروري العام من حفظ الدين والعقل).

  1. مفسدة تهديد أمن أفراد المقاومة وعائلاتهم والداعمين لهم والمناصرين لهم: فقد نصت الاتفاقية على محاربة المقاومين الذين وصفتهم بالإرهابيين، ونصت على المعايير الأمنية التي يجب على الدولة الفلسطينية الالتزام بها، ومنها سجن المقاومين (الإرهابيين)، والاكتشاف المبكر لأية نية للمقاومة، وهذا يقتضي امتلاء السجون بالمقاومين وعموم الناس من غيرهم.

   وهذه المفسدة: (مخلة بالضروري البعضي لحفظ النفس والمال).

  1. مفسدة تحقيق الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.

   وهذه مفسدة عظيمة جداً وهي من أخطر المفاسد على الإطلاق[147]، وهي: (مخلة بالضروري العام المتعلق بالدين).

خاتمة:

                الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

                فقد قام الباحثان في هذه الورقة بتجلية مدى خطورة التنسيق الأمني على الأمن الفلسطيني والعربي والإسلامي، وبيان عظم مفاسده مع تأصيل موجز للأحكام الشرعية المتعلقة بالعاملِين في مجال التنسيق الأمني.

                ويرجو الباحثان أن تفتح هذه الورقة أفقاً للباحثين الراغبين في تناول الأحكام الأمنية للقضية الفلسطينية من منظور مقاصد الشريعة. وفيما يلي بيان أهم النتائج والتوصيات:

أولاً: أهم النتائج:

  • على المستوى الأمني:
  • يمثل التنسيق الأمني أحد أهم معالم صفقة القرن التي طرحتها الإدارة الأمريكية.
  • يتعدى خطر الصفقة النواحي الأمنية ليصل إلى استلاب سيادة ما تسميه الوثيقة بدولة فلسطين بشكل طاغٍ -بتعبير واضعي الصفقة- وسيادة دول الإقليم والدول الإسلامية عموماً.
  • ترنو الصفقة إلى تشكيل تحالف استراتيجي بين الكيان الصهيوني ودول الشرق الأوسط من أجل الوقوف في وجه تهديد بعض مكونات الأمة، وفرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة. وهذا يعني تغييراً في ثوابت الأمة في تحديد العدو، وفي تحديد الحلفاء.
  • تشتمل الصفقة على ما يربو على ثلاثين مفسدة عظمى من المفاسد الأمنية تتتنوع بين مفاسد تفضي إلى الهيكلة الأمنية الإقليمية المبنية على التعاون الاستراتيجي بين دول المنطقة والكيان الصهيوني، وأخرى تفضي إلى السيطرة الأمنية للكيان الصهيوني على فلسطين ومحيطها الخارجي المعبر عنه بدول الطوق.
  • على المستوى الشرعي:
  • تجتمع في التنسيق الأمني مجموعة من المحرمات الكبيرة التي تكفي أي واحدة منها لتحريم هذا العمل وتجريمه؛ كالولاء لأعداء الله ومناصرتهم في عدوانهم، والتجسس لصالحهم، وإيقاع الضرر بالمجاهدين إن قتلاً أو جرحاً أو أسراً، وغير ذلك من الموبقات..
  • يختلف الحكم الشرعي فيمن يعمل في التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني بحسب اختلاف اعتقاد العاملين في هذا المجال وأحوالهم، ويتراوح الحكم فيها بين الكفر المخرج من الملة إذا كان تجسسه حباً في انتصار الكفار وعلو شوكتهم على المسلمين وكرهاً للمسلمين ولدينهم، وبين الكبيرة من كبائر الذنوب إذا كان لغرض شخصي أو دنيوي كالحصول على راتب أو جاه، وتختلف مرتبة هذه الكبيرة بحسب عمل هذا الموظف الأمني في التنسيق الأمني ومآلاته وبحسب نيته، فإذا ترتب على تنسيقه قتل مقاوم أو أكثر أو جرحهم أو استهداف لمنزل عائلة آمنة أو أسر لمقاوم أو تعطيل لعمل جهادي مقاوم أو كشف لأنفاق المقاومين وأماكنهم فهذا العمل يعد من أكبر الكبائر، وأما إذا لم يترتب على تنسيقه أي ضرر  فهو أقل مرتبة مما سبق، أو قام بالتنسيق المدني كأن ينسق من أجل نقل مريض للعلاج أو تسهيل خروج طالب للدراسة فهذا قد يصل إلى الإباحة في حالات الاضطرار.
  • اتفق علماء الإسلام على كون تجسس المسلم على المسلمين لصالح الكفار الحربيين من أكبر الكبائر، لكنهم اختلفوا في عقوبته، فبعضهم ألحقه بالعقوبة الواردة في حد الحرابة، وبعضهم ألحقه بالعقوبات المتعلقة بالقتل أو الصلب فيه فقط دون غيرها من العقوبات، وبعضهم اقتصر على عقوبات تعزيرية من باب الحبس أو الجلد أو الجمع بين الجلد والحبس، وبعضهم أضاف النفي إلى ذلك، وبعضهم فرّق بين من كان له عذر ولم يتكرر منه التجسس ومن كان معتاداً على ذلك أو تكرر منه، وبعضهم فرّق في الحكم عليه من خلال مآل التجسس.
  • معظم المفاسد التي يجلبها التنسيق الأمني هي مفاسد تهدم الضرورات العامة المرعية في الشريعة بشكل عام، وكليّ حفظ الدين بشكل خاص.
  • 9-     تحتم هذه المفاسد الخطيرة الواردة في الصفقة بذل كل جهد من أجل العمل على إفشال هذه الصفقة المحرمة، والأخذ على يد الموافقين عليها، ومنع من يدعون إليها رغباً أو رهباً، وتثبيت الرافضين لها، وإن هذا فريضة من فرائض الشريعة، وواجب من واجبات الملة.

ثانياً: أهم التوصيات:

يوصي الباحثان بمزيد من الدراسات التي تتناول نوازل القضية الفلسطينية وبشكل خاص فيما يتعلق بالبعد الأمني، كما يوصيان بضرورة إعمال منهج الاجتهاد المقاصدي في دراسة هذه النوازل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

قائمة المصادر والمراجع

أولا: الكتب:

  1. ابحيص، حسن، أداء الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، بحث منشور ضمن كتاب السلطة الوطنية الفلسطينية دراسات في التجربة والأداء 1994-2013م، تحرير الدكتور محسن صالح، من إصدارات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات-بيروت، 2015م.
  2. ابحيص، حسن، ووائل سعد، التطورات الأمنية في السلطة الفلسطينية 2006-2007، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، سلسلة: ملف الأمن في السلطة الفلسطينية، سنة الطبع 2008م.
  3. ابن جزيء، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الكلبي الغرناطي،  التسهيل لعلوم التنزيل، تحقيق: د. عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت.
  4. ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979م.
  5. ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، بيروت.
  6. ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414ه.
  7. أبو الخير، كمال حمدي، أصول الإدارة العلمية، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1974م.
  8. الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، دار الفكر للطباعة والنشر، 1994م.
  9. الجوهري، إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، ط4، 1987م.
  10. السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، بحر العلوم، تحقيق: د. محمود مطرجي، دار الفكر – بيروت.
  11. السمعاني، أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى، تفسير القرآن، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض – السعودية، 1997م.
  12. الشنواني، صلاح، التنظيم والإدارة: قطاع الأعمال، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1987م.
  13. عبد الحفيظ، علاء، الأمن القومي: المفهوم والأبعاد، بحث نشره المعهد المصري للسياسات ضمن سلسلة الدراسات السياسية بتاريخ 11 مارس 2020م.
  14. كيالي، عبد الوهاب، ومجموعة من الباحثين، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الهدى.
  15. الماتريدي، محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور،  تفسير الماتريدي – تأويلات أهل السنة- تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، 2005م.
  16. محمود، خالد وليد، آفاق الأمن الإسرائيلي الواقع والمستقبل، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2007م.
  17. مقبل، إبراهيم، وخالد زين الدين، ورائد غباين، سياسات مقترحة لتطبيق قرارات وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ورقة تحليل سياسات نشرها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات.
  18. ملحم، محمد همام،  بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط.
  19. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القواعد المقاصدية في تصنيف الأولويات وتطبيقاتها في القضية الفلسطينية، دار النداء- اسطنبول، 2019م.
  20. النسفي، عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، دار القلم، بيروت، ط1، 1406ه.
  21. الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، التفسير البسيط، عمادة البحث العلمي – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط1، 1430م.
  22. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم , الدار الشامية – دمشق، بيروت، ط1، 1415ه.
  23. وثيقة “سلام من أجل الازدهار” رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ترجمة: د. نايف جراد.

ثانياً: المواقع الإلكترونية:

  • اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا – ملحق 1 (بروتوكول بشأن الترتيبات الأمنية)، https://ar.wikisource.org/wiki
  • موقع الشارع السياسي بتاريخ 21 فبراير 2020م دراسة :الأبعاد الأمنية في صفقة القرن.. قراءة في مستقبل غزة والمقاومة.
  • على الرابط الآتي:  https://cutt.us/fYeTX
  • موقع طريق الإسلام    https://ar.islamway.net/article
  • موقع موسوعة أحداث فلسطين، https://pal-encyclopedia.org.
  • موقع الموسوعة الفلسطينية، https://www.palestinapedia.net
  • موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية(وفا)   https://info.wafa.ps/ar   

واجبات الأمة تجاه صفقة القرن المزعومة

د. عطية عدلان*

د. حاتم عبد العظيم*

تمهيد:

     تعيش الأمة الإسلامية بمجموعها العام في هذه الآونة حالة استثنائية من الوهْن والتراجع الحضاري رغم ما تملكه من مقومات وإمكانات ومقدرات..

ولا يخفى على الناظر في ربوع الأمة شواهد هذا الوهن ومظاهره، حتى وصلنا إلى درجة من الغثائية لم تكن تخطر على خيال العدو قبل الصديق، وصارت عواصم عربية كبرى تسارع في بني صهيون تطبيعاً مجانياً ودعاية رخيصة وتبييضاً لجرائم المحتل، وكأن الأمة الآن تعيش تلك الحالة التي وصفها القرآن الكريم بدقة في قوله تعالى : ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ (51) فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ (52) وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ﴾ [المائدة: 51 – 53].

لقد رآينا عواصم الفتنة وأنظمة الضرار تصفق لمشروع ترامب لإعادة رسم خارطة المنطقة في المشروع المعروف بصفقة القرن، والذي بُني على أسس أهمّها دمج الكيان الصهيوني في المنطقة بوصفه دولة طبيعية، وإنهاء القضية الفلسطينية بتسوية نهائية، تحرم اللاجئين حق العودة، وتعيد توطين الشعب الفلسطيني على أرض عربية أخرى، وتسلم الأرض الفلسطينية للمحتل.

وهذه المؤامرة الكبرى تستوجب استنهاض عزائم الأمة لمدافعتها، وفي الأمة خير لم تغيبه المحنة، وعناصر قوة لا يستهان بها، والله تعالى يقول في سورة الحج: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 39 – 40].

فلا مناص أمام الأمة من مدافعة هذا الفساد العريض الذي تحمله صفقة القرن وسباق التطبيع وإلا سوف تُهدم معاقلها ومقدساتها في وضح النهار، يقول الزمخشري : “ولولا أن اللَّه يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم، لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض”.[148]

وهذه المدافعة القرآنية لا تنحصر في مجال واحد ولا صورة واحدة، بل تشمل كل جهد ممكن، وكل فعل مستطاع لإيقاف المؤامرة وإحباط الصفقة المشؤومة.

وإننا اليوم إذ نتباحث حول واجباتنا الشرعية أفراداً وشعوباً ومؤسسات إزاء صفقة القرن المزعومة، إنما نصدر في ذلك عن الواجب الشرعي والأخلاقي والإنساني والمصلحي للأمة المسلمة وللعالم كله. ونؤكد على أننا اليوم نكتب ما نكتب ورغم ما نجد في أنفسنا من آلام أمتنا إلا أننا أمضى عزيمةً وأقوى إرادة، وكلنا استبشارٌ وتفاؤل بأن الله –عز وجل– لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، فالليل إن تشتد ظلمته نقول: الفجر لاح، ورب ضارة نافعة، ولعل –صفقة القرن– كذلك، عسى ربنا أن يجعلها سبباً في بعث أمة الإسلام من جديد وعندها نردد قوله تعالى: ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا﴾ [الأحزاب ٢٥].

صفقة القرن بين الواجبات العينية والكفائية:

   تتكامل فروض الأعيان وفروض الكفايات في سبيل استكمال الحقيقة الشرعية في باب الواجبات وتحقيق المقصود الشرعي منه، وبين هذين القسمين من الواجبات تكامل دقيق، بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر، نعم قد يبدو فرض العين تكليفاً فردياً خالصاً، لكنه في الحقيقة خاص أريد به العموم؛ فالخطاب بالصلاة فرديٌّ والمراد منه جماعي لذلك كانت المساجد والجُمع والجماعات، والتكليف بالزكاة فرديٌ والمقصود منه جماعي يتمثل في كفالة الضعفاء وكفاية الفقراء والارتقاء بالمجتمع كله. أما فرض الكفاية الذي يبدو للوهلة الأولى تكليفاً جماعياً محضاً فهو في الحقيقة عام أريد به الخصوص -كما قال الشافعي رحمه الله- فالتكليف فيه عام للأمة، لكنَّ كلّ فرد مطالب بالمبادرة إليه ما كان أهلاً لذلك سداً للثغور ووفاءً بمصلحة المجموع.

فالفرد المسلم في التكييف الفقهي يجب أن يستشعر الانتماء لأمته ومجتمعه في أخص عباداته، حتى يظلَّ وهو في أخص أحواله منتمياً لأمته ولمصلحتها العامة وقضاياها الجامعة. كما أن المجتمع في تكليفاته العامة يستنفر أبناءه الأكفاء، ويحرّضهم على القيام بالمهام المختلفة التي يستطيعونها ويملكون متطلباتها، فيندبون أنفسهم للقيام بها نيابة عن مجموع أمتهم.

ومشروعُ التطبيع والتركيع الذي تحمله صفقة العار والخيانة تتعلق به في الحقيقة عشرةٌ من الواجبات العينية والواجبات الكفائية، على نحو ما يأتي:

أولاً: الواجبات العينية على آحاد المسلمين تجاه صفقة القرن:

ثمة واجبات شرعية منوطة بكل مسلم على ظهر الأرض تجاه تلك المؤامرة الخبيثة يمكن أن نحصر بعضها فيما يأتي:

  1. إخلاص النية لله تعالى في الذود عن بيت المقدس، فصدق النية بوابة التوفيق ومعراج القبول،  وإن من أول الواجبات على المسلمين في كل شأن أن يخلصوا نيتهم ويوجهوا قصدهم لله، ويجددوا إيمانهم، ويصلوا أنفسهم بالله، ويستعينوا به على أمرهم، ويتوكلوا عليه في كل أعمالهم.
  2. تصحيح العقيدة، والثقة في قدرة الله وصدق وعده والإيمان بأن النصر والمستقبل والعزة لهذا الدين، وأن تحرير بيت المقدس وعد إلهي لا يمكن أن يتخلف، وأن أعداء الله لا يعجزونه في الأرض، ولا يعجزونه هرباً، وأن استعظام قوة العدو وخشيتهم من دون الله يقدح في سلامة الإيمان، والله تعالى يقول: ﴿لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَا⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِیهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرُۢ﴾ [المائدة ١٢٠]. وإن العقيدة الحقة ليست في حفظ المدونات ودراسة المطولات والإحاطة بالمصطلحات والتقسيمات والتفريعات بقدر ما هي السعي في الأرض بمقتضى كليات الإيمان وثوابت الدين، ومن أعظم آثار العقيدة الصحيحة ألا يخاف المسلم إلا من الله وأن يبرأ من الخوف مما سواه.
  3. البراءة من أعداء الله: لا يستقيم الإيمان في قلب المؤمن حتى يبرأ من أعداء الله، ويعاديهم طاعة لله، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [المائدة 53].

فما بالنا! ويهود اليوم غاصبون محتلون معتدون، أوجب الشرع الشريف دفعهم بكل سبيل ممكنة، وحرم على المسلمين موادتهم على أي نحو، قال تعالى﴿إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة ٩].

يقول ابن القيِّم -رحمه الله- في قصيدته النونيَّة:

أَتُحِبُّ أَعْدَاءَ الْحَبِيبِ وَتَدَّعِي حُبًّا لَهُ مَا ذَاكَ فِي الإِمْكَانِ!

وَكَذَا تُعَادِي جَاهِرًا أَحْبَابَهُ أَيْنَ الْمَحَبَّةُ يَا أَخَا الشَّيْطَانِ؟!

شَرْطُ الْمَحَبَّةِ أَنْ تُوَافِقَ مَنْ تُحِب عَلَى مَحَبَّتِهِ بِلاَ نُقْصَانِ

فَإِنِ ادَّعَيْتَ لَهُ الْمَحَبَّةَ مَعْ خِلافِكَ مَا يُحِبُّ فَأَنْتَ ذُو بُطْلاَنِ[149]

  • التوبة والإقلاع عن المعاصي والرجوع إلى الله تعالى، فالله تعالى لا ينصر العصاة إنما ينصر الطائعين الذين يخافونه بالغيب، وينصرونه في خلواتهم وجلواتهم، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾ [محمد ٧]، ويقول: ﴿وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ (40) ٱلَّذِینَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡا۟ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]، فجعل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شروط النصر والتمكين.
  • نشر الوعي بخطورة المؤامرة وآثارها المدمرة على الأمة ووجوب العمل على إسقاطها، والتحرك الواسع بهذه المفاهيم في كل الدوائر الأسرية والمجتمعية، والتأكيد على ضرورة ممانعة الأمة ورفض شعوبها لهذا المخطط المجرم والعمل على إسقاطه، والرد على الدعاوى الزائفة التي تزعم أن ذلك المشروع البغيض يحمل للمنطقة السلام والتنمية والرخاء، وهي شبهات خطيرة يجري ترويجها عبر وسائل إعلام المطبعين، وينطلق الرد عليها من بيان طبيعة المحتل الصهيوني التوسعية التي لا تعرف التعايش، وبيان تجارب المطبعين السابقين، وما جنَوه من فشل سياسي واقتصادي بعد عقود من التطبيع، ثم وهو الأهم؛ أن التطبيع خيانة للدين وللأوطان، والله تعالى لا يهدي كيد الخائنين.
  • مدارسة سيرة النبي ﷺ وخاصة المراحل التي مرت فيها الجماعة المسلمة بحصار الأعداء وكثرتهم وتكالبهم على الجماعة المؤمنة، كما هو الحال في غزوة الأحزاب التي تشبه حال الأمة في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة من كل الوجوه، وتأمل قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا (9) إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ (10) هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا (11) وَإِذۡ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ إِلَّا غُرُورࣰا (12) وَإِذۡ قَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ یَـٰۤأَهۡلَ یَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواۚ وَیَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنَا عَوۡرَةࣱ وَمَا هِیَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن یُرِیدُونَ إِلَّا فِرَارࣰا (13) وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَیۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُىِٕلُوا۟ ٱلۡفِتۡنَةَ لَـَٔاتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُوا۟ بِهَاۤ إِلَّا یَسِیرࣰا (14) وَلَقَدۡ كَانُوا۟ عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا یُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَـٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولࣰا (15) قُل لَّن یَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذࣰا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا (16) قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِی یَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوۤءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةࣰۚ وَلَا یَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا (17) قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِینَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَاۤىِٕلِینَ لِإِخۡوَا⁠نِهِمۡ هَلُمَّ إِلَیۡنَاۖ وَلَا یَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِیلًا﴾ [الأحزاب: 9-18]، وفي تلك الآيات دروس للواقع وتصحيح للمفاهيم وبيان لسنن الله في خلقه، ينبغي على المسلم أن يتأملها حتى يستلهم منها زاد الطريق وشعاع النور نحو الخلاص.
  • 7-           التخفف من الدنيا، وتأهيل النفس للتضحية في سبيل الله، والاستعداد لبذل النفس والنفيس استنقاذاً لبيت المقدس ودفاعاً عن الحرم القدسي الأسير، استجابة لقوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا۟ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا وَیَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَیۡـࣰٔاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾ [التوبة 38-39]. والمؤمن الحق يعلم أن حياته هي رسالةٌ غايتها تمكين الدين والحق في الأرض، ومجاهدة الباطل والظلم ما وسعته الحيلة، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاق”.[150]
  • المسارعة لكل عمل جماعي فيه نصرةٌ لفلسطين ومقاومةٌ لمشروع التطبيع، سواء بالمشاركة في المظاهرات أو الوقفات أو المؤتمرات أو الندوات أو غير ذلك من وسائل الحراك التي تعبر بها الشعوبُ عن رفضها لمشروع الخيانة، وتلك الأعمال هي نوع من المدافعة التي أَمرنا بها الشرع الشريف.
  • تحويل قضية فلسطين إلى جزء رئيس من حياة كل أسرة مسلمة، مدارسةً لتاريخها ومتابعةً لأخبارها وتبرعاً لمساندتها، وتخصيصَ وقتٍ للدعاء لها وعلى عدوها، وتشكيل وجدان النشء المسلم على نصرتها وفهمِ أبعادها.
  • تفعيل الوجود على وسائل التواصل الاجتماعي بما له من تأثير، ونشرُ الوعي بمشروع الصفقة وخطورته على الأمة، وخطورةِ التطبيع الذي يمثل مقدمة هذا المشروع ولبنته الأولى، وما يمثله من تهديد لكل الشعوب المسلمة .
  • إحياء ذكر شهداء الجهاد الفلسطيني ورموز القضية والتعريف بهم؛ حيث إنهم قدوات للأمة، وتضحياتُهم الجليلة باعثةٌ للهمم ومحفزة لروح التضحية والفداء.
  • نشر الفتاوى الشرعية التي تحرّم التنازل عن أرض فلسطين، والتي تجرّم مصالحة المحتل، وعلى رأسها فتوى الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس عام 1922[151]، وفتوى علماء المسلمين في مؤتمر القدس المنعقد 1935[152]، وفتوى جمعية العلماء المركزية في الهند 1935[153]، وفتوى علماء نجد 1937[154]، وفتوى علماء العراق 1937[155]، وكذلك فتاوى الأزهر الشريف المتعاقبة[156] وفتوى الشيخ محمد رشيد رضا[157]، وغيرها من الفتاوى التي تواطأ فيها علماء الأمة ومجامعها الفقهية على الفتوى بتحريم التنازل عن أرض فلسطين أو مصالحة المحتل.
  • اقتطاع جزء من المال والتبرع به لنصرة القضية، وفي الصحيحين من حديث زَيْد بْن خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا”.[158]
  • الدعاء في الصلوات والخلوات بنصرة قضية فلسطين العادلة وإحباط ما يحاك ضدها من مؤامرات امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾ [غافر ٦٠]، وقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦].

 
ثانياً: الواجبات الكفائية على ذوي الاختصاص من المسلمين:

  • واجبات العلماء:

     إن علماء الأمة هم قادتها على الحقيقة؛ فهم صناع الوعي وموضع الثقة ومرجعية الأمة وورثة النبوة وحملة الوحي، ومن ثم فأثرهم في الأمة عظيم، جِد عظيم.

وإن عليهم تجاه قضية فلسطين وما يحاك لها واجبات عظيمة أهمها ما يأتي:

  1. إصدار فتاوى جماعية تؤكد ما أفتى به الأسلاف من العلماء أفراداً وجماعات من حرمة التنازل عن أرض فلسطين بوصفها أرضاً مفتوحة موقوفة على المسلمين، والتأصيل لهذه الحقيقة الشرعية بمختلف الأدلة، وترسيخ هذا الحكم في نفوس العامة.
  2. الرد على الشبهات التي أثارها علماء السلطان ودعاة التطبيع، وبيان المغالطات الضخمة في استدلالهم بوثيقة المدينة التي كانت مع بعض سكان المدينة، وكان مفادها دخولهم تحت سلطان المسلمين، وفي استدلالهم بصلح الحديبية الذي كان على أرض لم تُفتح بعد، واستدلالهم بدعوة الإسلام للسِّلم والموادعة وهي دعوة مشروطة برغبة العدو في السلم، ولا يتحقق ذلك إلا بجلائه عن الأرض وفكاكه للأسرى.. وغير ذلك من الشبهات التي يروّج لها المطبعون.
  3. إشاعة روح الأمل والثقة في موعود الله وإخراج الأمة من حالة اليأس والإحباط إلى حالة الفعل والمدافعة، فاليائس منهزم من داخله مستسلم لعدوه لا يدفع ضراً ولا يحرز نصراً، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: ” ﴿وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [يوسف ٨٧]، ويقول سبحانه: ﴿قَالُوا۟ بَشَّرۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَـٰنِطِینَ (55) قَالَ وَمَن یَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦۤ إِلَّا ٱلضَّاۤلُّونَ﴾ [الحجر: 55، 56].
  4. الردُّ على شبهةِ بيعِ الفلسطينيين لأرضهم، وشبهةِ فلسطينيةِ القضية ببيان الجذور العقدية للصراع، والحقائقِ التاريخية للقضية، وبيانُ تضحيات الشعب الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة.
  5. إبراز نماذج العلماء المجاهدين الذين خاضوا شرف الجهاد على أرض فلسطين بدءاً بعز الدين القسام، ومروراً بالشيخ ياسين والرنتيسي ونزار ريان، وغيرهم من العلماء المجاهدين الشهداء.
  6. التبني والدعم والإشراف على المؤسسات الشبابية ووصلها بالزاد التربوي لمواجهة هذه الصفقة، وتحصينهم بالفكر الواقي ضد دعاوى المساواة بين الجهاد والإرهاب، وبيان أن الجهاد تضحية في سبيل لله ردعاً للمغتصب ودفاعاً عن العرض وطرداً للمحتل، لتكون كلمة الله هي العليا، وأن الإرهاب هو احتلال بلاد الغير، ونهب خيراته، وإخراج أهله الآمنين، وإراقة دماء الأبرياء من أبنائه ونسائه وأطفاله.
  7. أن يجعل كل عالم جزءاً من منجزه الشخصي في نشر العلم والدعوة للتوعية بخطورة هذه الصفقة الآثمة سواء كان هذا المنجز منشورات على منصات التواصل، أو مقالات في المدونات، أو مقاطع فيديو قصيرة، أو خطب الجمعة والدروس العامة..
  • واجبات الفصائل الفلسطينية:

إن القضية الفلسطينية تمر بمنعطفها الأصعب، وتعيش تحدياً وجودياً غيرَ مسبوق، وهو ما يستتبع واجبات جساماً على قدر التحدي تتمثل فيما يأتي:

  1. تحقيق المصالحة الوطنية المنتظرة منذ عقود بأسرع ما يمكن، وأعمق ما يمكن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعبر عن المجموع الفلسطيني في رفض الصفقة والسعي لإسقاطها.
  2. إصدار إعلان وطني فلسطيني بأن دولة فلسطين تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل كامل مسؤولياته القانونية تجاه الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة بالقوة.
  3. التمسك بهدف إنهاء الاحتلال وتحرير كامل الأرض كقاعدة مشتركة للمجموع الوطني الفلسطيني، وتوفير شروط الصمود والمواجهة والمقاومة للشعب الفلسطيني فوق أرضه.
  4. التمسك بالمقاومة الشعبية الفلسطينية خياراً استراتيجياً للشعب الفلسطيني والمحافظة على مكتسبات المقاومة خلال الفترة الماضية.
  5. تطوير الاحتجاجات لتشمل كل الأراضي المحتلة.
  6. دعوة المجتمع الدولي للتحضير لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات وعلى أساس القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
  7. اتخاذ قرار جماعي بمقاطعة دول التطبيع مقاطعة تامة على المستوى السياسي.
  • واجبات وسائل الإعلام:

     لا يخفى على أي عاقل اليوم ما تستطيعه الآلة الإعلامية الجبارة من السيطرة على عقول وقلوب الناس، ولقد أغفل أهل الإسلام أهمية هذا المارد في عصرنا الحديث حتى سيطر عليه الصهاينة المجرمون.

ولا نجحد فضل الذين تنبهوا من المسلمين لهذا الثغر مبكراً، ولكننا نقول أن مجهودهم وحده لا يكفي وقد آن الأوان أن نأخذ الأمر على محمل الجد، ونكرس له الطاقات والجهود المؤسسية الفاعلة.

ولعل أهم ما يجب على رجال ومؤسسات الإعلام هو:

  1. فضح جرائم الاحتلال ونشر تاريخه الأسود بدءاً من وعد بلفور المزعوم وحتى اليوم.
  2. فضح خيانات حكام العرب وتفريطهم في القضية الفلسطينية وأنها ليس لها بعد الله إلا الأمة بمخلصيها وأحرارها.
  3. فضح ازدواجية المواقف الدولية ما بين التشدق بالدفاع عن الحقوق والحريات، وما بين الصمت الرهيب إزاء القضية الفلسطينية، ثم الدعم والتأييد لصفقة القرن المزعومة.
  4. إنتاج قوالب إعلامية وفنية مختلفة لفضح الصفقة وبيان مخاطرها.
  5. الاهتمام بمنصات التواصل الاجتماعي والإكثار من المنافذ عليها للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الفاعلين.
  6. التركيز في عرض القضية على عمقيها التاريخي والعقائدي.
  • واجبات مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية:

    مؤسسات المجتمع المدني في عصرنا هذا أحد الفواعل المؤثرة في صناعة الحدث في العالم، وعلى تلك المؤسسات أن تضطلع بواجبها في التصدي لتلك الصفقة المشؤومة من واقع مسئوليتها الوطنية والأخلاقية والدينية ومن منطلق  قول النبي  ﷺ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مَسْئولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ- وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.[159]

ومن أهم ما يجب على تللك المؤسسات:

  1. التواصل مع المؤسسات المشابهة في مختلف بلدان العالم وتدويل القضية ما أمكن.
  2. مخاطبة الجهات الأممية بجرائم الاحتلال ومطالبتها بحماية الشعب الفلسطيني.
  3. إصدار التقارير التي تبرز جرائم الاحتلال واعتداءه على حقوق الشعب الفلسطيني.
  4. إصدار التقارير التي تبين الانتهاكات والأضرار المتوقعة على الشعب الفلسطيني جراء هذه الصفقة.
  • واجبات الحكومات والأحزاب والجماعات السياسية:

ينبغي على الحكومات الشريفة في العالم والأحزاب والقوى السياسية أن يكون لها عمل مؤثر في مواجهة ذلك المشروع البغيض، ويمكن دراسة المقترحات الآتية:

  1. عمل تكتل سياسي واسع رافض لتلك الصفقة وإصدار بيانات باسم ذلك التكتل.
  2. تنظيم فعاليات جماهيرية واسعة للتنديد بالصفقة.
  3. الضغط في المحافل الدولية لدعم الموقف الفلسطيني الوطني الرافض للصفقة.

وأخيراً إلى أهلنا أهل فلسطين الأبية:

ثبَّت الله أقدامكم، وربط على قلوبكم، وأفاض عليكم من خيراته وبركاته، وأمدكم بجند ونصر من عنده، ونحن معكم بكل ما نملك، ولن نتخلى عنكم مهما كانت التضحيات: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 139-141].

والله الهادي إلى سواء الصراط..

دور المؤسسات العلمائية في مواجهة صفقة القرن.. خطة عمل

د. مسعود صبري*

مقدمة:

انتشر في الآونة الأخيرة الحديث عن صفقة القرن، والتي يقودها الرئيس الأمريكي رونالد ترامب والتي تتعلق بتغيير مسار حل القضية الفلسطينية؛ لتحل محل قرار الأمم المتحدة بجعل دولتين واحدة للكيان الصهيوني والثانية لفلسطين وعاصمتها القدس، والمعروفة بحدود عام 1967م.

وتتسارع الخطى نحو تحقيقها، بدءاً بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، مروراً بتطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وجاهزية بعض الدول الأخرى، مما يوجب على المسلمين، وعلى رأسهم علماء الأمة أن يقوموا بدورهم تجاه القضية الأم في الأمة، وأن يحركوا جماهير المسلمين نحو إسقاط تلك الصفقة الساقطة.

وقد جعلت الورقة في محورين:

الأول: مختصر حول الحكم الشرعي؛ تأكيداً لهوية المسألة، وعدم إخراجها من الحيز الشرعي.

الثاني: وضع خطة عمل من الناحية الإدارية لما يمكن أن تقوم به مؤسسات العلماء لإسقاط صفقة القرن.

وطبيعة هذه الورقة تتجه نحو الأداء الإداري والوظيفي للعلماء، وتنوع الأدوار التي يجب أن يقوموا بها.

وهذه الورقة ترسم الملامح العامة لخطة العمل، لكنها بحاجة إلى وضع تصور أعمق يفصل ما جاء مجملاً هنا، ويكمل ما ذكر.. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.                  

المحور الأول: مختصر الرؤية الشرعية في صفقة القرن:

تصور المسألة:

تتلخص صفقة القرن حسب دراسة للمركز الفلسطيني للإعلام فيما يلي:

  • الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إليها.
  • اختراع إدارة الرئيس ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومتر) عن حدود عام 1967م.
  • الإعلان عن “مفهوم أمني مُشترك لإسرائيل، ودولة فلسطين”: أن تكون الدولة الفلسطينية، على مساحة قطاع غزة الموسع، و39% من مساحة الضفة الغربية.
  • اعتراف دول العالم، بدولة عبرية كـ “وطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين وطناً قومياً للشعب الفلسطيني”.
  • تضمن “إسرائيل” حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها حالياً.
  • إيجاد “حل عادل” لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين.
  • نهاية ما يسمى “حل الدولتين” واستحالة العودة لخطوط عام 1967م كحدود لأي كيان فلسطيني مستقبلي.
  • عدم شمول القدس بأي حل مع إعادة هندسة ديمغرافية لتحقيق أغلبية يهودية 88% في القدس المحتلة بشطريها الشرقي والغربي.
  • توطين اللاجئين وتعويضهم في أماكن سكناهم، مع عودة أعداد محدودة إلى الكيان الفلسطيني في غزة.
  • إقامة كيان فلسطيني أقل من دولة، مع نوع من العلاقة بين الأردن والضفة الغربية، وغزة مع مصر، بترتيبات أمنية.
  • التعامل مع كيانين منفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إمكانية توسيع قطاع غزة باتجاه شمال سيناء أو البحر أو كليهما في سياق تبادل أراضٍ إقليمي.

الإشكاليات الشرعية في صفقة القرن:

وتتمثل في عدة قضايا شرعية، وهي:

أولاً: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

ثانياً: التنازل عن القدس وغالب الضفة الغربية.

ثالثاً: التنازل عن حق اللاجئين في العودة.

أولاً: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني:

ومضمون هذا هو الاعتراف بالدولة العبرية، وأن اليهود هم أصحاب الحق في فلسطين، ومثل هذا الاعتراف حرام شرعاً، وهو كبيرة من الكبائر، وخيانة للأمة، وضياع لديار المسلمين.

وقد صدرت فتاوى تحريم الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومن أهمها:

  • فتوى دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن:

حيث أصدرت دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن فتوى بحرمة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وذلك عقب خــروج قـرار من مجلس الكونغرس الأمريكي القاضي بذلك.

ومما جاء فيه: “إنَّ قرار الكونغرس الأمريكي القاضي بضم القدس يشكل عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، وتعتبر الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان الذي تمارسه إسرائيل… القدس الشريف جزء من عقيدة كل مسلم يحافظ عليها كما يحافظ على دينه”.[160]

  • فتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر 1947م:

كما صدرت فتوى عن لجنة الفتوى بالجامع الأزهر عام 1947م، بوجوب الحفاظ على المسجد الأقصى، وحرمة قبول تقسيم فلسطين حسب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947م، والذي يقتضي الحل على أساس وجود دولتين: الأولى عبرية والأخرى عربية.

وقد وقع عليها ستة وعشرون عالماً من علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم بعض شيوخ الأزهر وبعض ممن تولوا منصب دار الإفتاء المصرية وكبار علماء الأزهر، مثل الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز.

ومما جاء في فتوى الجامع الأزهر: ” إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين مُلك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة، وستبقى إن شاء الله مُلك العرب والمسلمين رغم تحالف المبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها”.[161]

  • فتوى الشيخ القرضاوي:

ويقول الشيخ القرضاوي: “إن السيادة على القدس –الشرقية خاصة- يجب أن تكون إسلامية عربية فلسطينية وهذا لا يمنع النصراني، كما لا يمنع اليهودي، أن يقيم شعائر دينه فيها بكل حرية وسماحة عرف بها الإسلام على توالي العصور.

على أن قرارات الشرعية الدولية، الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تؤكد أن القدس ضمن الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967م.

ومن ثم نجد الأدلة كلها من التاريخ ومن الدين، ومن القانون الدولي متضافرة على إثبات حق الفلسطينيين في القدس”. 

ثانياً: التنازل عن القدس وغالب الضفة:

وفحواه أن يتم الاعتراف بأحقية الكيان الصهيوني بالقدس باعتبارها جزءاً من الدولة العبرية، وكذلك أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو أيضاً لا يجوز شرعاً.

وقد صدرت فتاوى عديدة بحرمة التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ومن ذلك:

  • فتوى جمع من فقهاء الأمة:

كما صدرت فتوى من أكثر من ستين عالماً وفقيهاً في الأمة عام 1410هـ، على رأسهم الشيخ محمد الغزالي، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور وهبة الزحيلي، والدكتور خالد المذكور، والدكتور عجيل النشمي، والدكتور جاسم مهلهل الياسين، والشيخ نادر النوري، والدكتور توفيق الواعي، والدكتور عيسى زكي وغيرهم، تحرم الاعتراف بأي حق لليهود في فلسطين، أو التنازل عن أي شبر من أراضيها، ويشمل ذلك – بالطبع- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومما جاء في الفتوى:

“لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين. وليس لشخص أو جهة أن تقر اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف لهم بأي حق فيها.

إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، والله يقول: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾، وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسوله والمؤمنين.

إننا نوقن بأن فلسطين أرض إسلامية ستبقى إسلامية، وسيحررها أبطال الإسلام من دنس اليهود كما حررها الفاتح صلاح الدين من دنس الصليبيين، ولتعلمن نبأه بعد حين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم”.[162]

  • فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله:

كما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما الواجب على المسلمين فعله، فأجاب: “فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة”، وقال: “فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم”.[163]

  • فتوى الشيخ القرضاوي: يقول فيها:

“لا يجوز لمسلم -مسؤولاً كان أو غير مسؤول- أن يتنازل عن أي جزء من أرض الإسلام، فأرض الإسلام ليست ملكاً لرئيس ولا لأمير ولا لوزير ولا لجماعة من الناس، حتى تتنازل عنها تحت أي ضغط أو ظرف. 

وإنما الواجب على الأفراد والجماعات الجهاد والنفير والمقاومة لتحرير أي أرض احتلها الأعداء، أو لاستعادتها إذا اغتصبها مغتصب، والأمة كلها مسؤولة بالتضامن عن ذلك، لا يملك حاكم ولا محكوم التفريط في هذا الأمر. وإذا عجز جيل من أجيال الأمة أو تقاعس، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة القادمة إلى يوم القيامة، فيتنازل عما لا يجوز له التنازل عنه”.[164]

  • فتوى الشيخ عكرمة صبري:

كما أفتى الشيخ عكرمة صبري مفتي فلسطين سابقاً، بحرمة التنازل عن أي شبر من فلسطين، وحرمة الاعتراف بالكيان الصهيوني. ومما جاء في الفتوى:

“يحرم التنازل عن القدس كلها أو عن جزء منها، كما يحرم الإقرار للدولة اليهودية الغاصبة بالسيادة عليها، ومن باب أولى يحرم قطعاً أن يُعطَى اليهود جزءاً من ساحة المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم عليه، وإن أي اتفاق بين اليهود وبين أي قيادة عربية يتم على هذا الأساس يعد باطلاً من أساسه لعدم مشروعية محله، لأن محل هذا الاتفاق هو تمليك جزء غال من أرض الإسلام للعدو الغاصب أو إقرار لسيادته عليه، وهذا غير مشروع بالنص والإجماع، أما النص فقوله تعالى: ﴿وَلَن یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ سَبِیلًا﴾ [النساء ١٤١]، ومعنى الآية: لا تجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً، ومن أبرز السبل والكبائر أن يقر عدوان اليهود وغصبهم بتنازل أو باتفاق يوقع عليه قادة نصبوا أنفسهم لحماية الأرض والعرض والمقدسات، ومن الطامات الكبرى أن يحول جزءٌ من ساحات المسجد الأقصى الذي اختاره الله للإسلام والتوحيد وعبادة الله وحده إلى كنيسة يكفر فيه بالله تعالى ويسب فيه أنبياؤه عليهم السلام ويؤذى فيه رسولنا محمد ﷺ وتنكر فيه رسالة الإسلام، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا﴾ [الجن ١٨]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن یَدۡخُلُوهَاۤ إِلَّا خَاۤىِٕفِینَۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة ١١٤]”.[165]

ثالثاً: التنازل عن حق العودة:

كما أفتى علماء المسلمين بحرمة التنازل عن حق عودة اللاجئين، ومن ذلك:

  • فتوى الشيخ عكرمة صبري في 9/9/200م: ومما جاء فيها:

“إن التعويض عن الأرض الفلسطينية كبيعها سواء بسواء ولا يجوز مطلقاً شرعاً، وينطبق على الذي يأخذ التعويض عن ممتلكاته الفتوى الصادرة عن علماء فلسطين منذ الثلاثينات من القرن الماضي والتي تنص على التحريم القطعي، لأن الأرض الفلسطينية ليست سلعة للبيع والشراء. فهي وقفية مباركة مقدسة، كما أن علماء الأمة الإسلامية وقتئذ وحتى يومنا هذا قد أصدروا فتاوى مؤيدة لهذه الفتوى.

لذا فإن عبارة: “حق العودة والتعويض معاً” جائزة شرعاً، أي أن اللاجئ له الحق في العودة إلى دياره كما أن له الحق أيضاً في المطالبة بالتعويض عن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده”. في حين أن العبارة التي تقول: “حق العودة أو التعويض” لا تجوز شرعاً لأن المحظور قائم فيها، لأن التعويض عن الأرض محرم شرعاً. أما الذي لا يرغب في العودة فليس له الحق بأخذ التعويض مطلقاً، مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات. وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.[166]

  • فتوى الشيخ القرضاوي: ويقول الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله:

“أصدرنا فتوانا بتحريم قبول التعويض عن أرض فلسطين بالنسبة للاجئين المشردين في أنحاء العالم، ولو بلغ مئات المليارات، فأوطان الإسلام لا تقبل البيع ولا التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال”.

المحور الثاني: خطة عمل لدور مؤسسات العلماء:

الملخص التنفيذي:

  1. الوصف:
  • الاسم: مبادرة العلماء للتصدي لصفقة القرن
  • الموقع: مؤسسات العلماء في العالم
  • الجانب القانوني:
  • –       ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ لَتُبَیِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۖ فَبِئۡسَ مَا یَشۡتَرُونَ﴾ [آل عمران ١٨٧].
  • واجب المسلمين في الدفاع عن حقوقهم الشرعية تاريخياً.
  • الأدوار:
  • الفتاوى والبيانات
  • التواصل مع المسئولين وأصحاب القرار
  • الوقفات الاحتجاجية
  • الخطب والدروس
  • البحوث والدراسات
  • الندوات والمؤتمرات
  • البرامج الإذاعية والفضائية
  • بيان الخطر عبر الميديا ووسائل التواصل
  • رسائل للسفارات في الدول العربية والأجنبية
  • رسائل للكيان الصهيوني والأمريكان
  • الجانب القانوني الدولي
  • مجال العمل:
  • الوعظ والإرشاد
  • 2.       المتابعة والتنسيق
  • 3.       المجال الإعلامي
  • 4.       العلاقات الدبلوماسية
  • 5.       الحشد الشعبي
  • 6.       الجانب القانوني
  • ح‌-         التمويل:
  • الخطة المالية
  • 2.       الميزانية العامة
  • 3.       الميزانية التشغيلية
  • 4.       مصادر التمويل
  • الجمهور المستهدف:
  • أنواع الجمهور: مؤسسات العلماء والدعاة
  • الموقع الجغرافي: أنحاء العالم خاصة في العالم العربي
  • خصائص الجمهور: المؤسسية- العلم- الجهاد الفكري
  • اتجاهات الجمهور: المؤسسات الرسمية- المؤسسات غير الرسمية
  • المنافسون:
  • أنواع المنافسين: مؤسسات العلماء التابعة للأنظمة المطبعة مع الصهاينة
  • تأثير المنافسين على الجمهور المستهدف:
  • تأثير ديني
  • تأثير إعلامي
  • المزايا عن المنافسين:
  • وضوح الرؤية
  • التجرد للقضية والإخلاص لله
  • العمل التطوعي
  • أصحاب حق
  • أصحاب رسالة
  •       ث‌-       عوائق المنافسة:
  • العوائق من الأنظمة
  • العوائق المادية
  • قوة المنافسين وكثرتهم
  • توافر المعلومات
  • 5.       التأثير
  • 6.       تنوع المنافسين
  • 7.       نقاط القوة والضعف
  • خطة التسويق والدعاية:
  • الرسالة: التصدي لمواجهة صفقة القرن ومنع حصولها
  • أدوات التسويق والدعاية:
  • تعريف الخطة التسويقية
  • التعريف بمخاطر صفقة القرن
  • كيفية وصول الرسالة
  • صياغة استراتيجية لترويج الرسالة
  • الأدوات الترويجية:
  • الصحف والمجلات
  • مواقع الإنترنت
  • وسائل التواصل والسوشيال ميديا
  • الإذاعة
  • التلفاز
  • البريد الإلكتروني (المؤسسات الرسمية)
  • خطبة الجمعة
  • وسائل أخرى
  • الاستراتيجيات التسويقية:

الخطة الشامة التي توضع لتحقيق الأهداف والأنشطة، بحيث تبنى على مجموعة من البيانات والأبحاث التي تساعد في التوجه التسويقي العام، ضمن إطار أعمال الدعاية والترويج. وتتكون من:

  • معرفة الحاجات أو المنتج
  • صفات الجمهور المستهدف لصياغة الرسالة
  • ضبط التكاليف لتنفيذ الخطة الاستراتيجية
  • فريق التسويق والدعاية
  • العمليات:

عمليات التصميم والتنفيذ والإنتاج والمراقبة.

عناصر إدارة العمليات:

  • الموارد البشرية
  • الآلات
  • الخطط التنظيمية
  • المواد الخام
  • المال
  • العناصر الرئيسة للعمليات:
  • الداخل:
  • جانب العلماء والدعاة
  • الحكام والساسة
  • عموم المسلمين
  • الخارج:
  • تهديد المصالح الأمريكية
  • 2.     المقاطعة الاقتصادية
  • 3.     المقاومة المسلحة داخل القدس
  • الخطة التكنولوجية:
  • مميزات التشغيل:
  • بعض الوسائل المجانية
  • قليلة التكلفة
  • الخبرة عند بعض الإخوة
  • ·        التطوع
  • التحديات الحالية والمحتملة في التشغيل:
  • قلة الجودة في الوسائل المجانية
  • الهاكرز
  • المسئولية الاجتماعية
  • الهيكل الإداري:
  • طبيعة فريق العمل:
  • فريق العلماء
  • الفريق التقني
  • الفريق الإعلامي
  • الفريق الإداري
  • هيكل فريق العمل:
  • رئيس الفريق
  • نائب رئيس الفريق
  • مشرف فريق العلماء
  • مشرف الفريق التقني
  • مشرف الفريق الإعلامي
  • مشرف الفريق الإداري
  • التنمية المستقبلية:
  • الأهداف بعيدة المدى:
  • خمس سنوات
  • الأهداف الأساسية لا الثانوية
  • دراسة جدوى
  • وضع بدائل
  • الأحداث المستقبلية: (تصور وضع مستقبلي للموضوع)
  • المحتمل في المستقبل
  • الممكن في المستقبل
  • المفضل في المستقبل
  • الاحتمالات القليلة ذات التأثير الكبير

نماذج الدراسات المستقبلية:

  1. النموذج البديهي: يعتمد على الخبرة العملية دون البيانات والمعلومات.
  2. النموذج الاستكشافي: استكشاف المستقبل من العلاقة بين التشابكات (الماضي والحاضر والمستقبل).
  3. النموذج الاستهدافي أو المعياري: تطوير للنموذج البديهي مع الاستفادة من التقنيات العلمية المستخدمة.
  4. نموذج التغذية العكسية: يركز على جميع المتغيرات، فيجمع بين البحوث الاستكشافية والبيانات والوقائع والبحث التنظيمي مع الإبداع والخيال والتقدير.

السيناريو:

تعريفه: وصف لوضع مستقبلي، وتوضيح خصائص المسارات التي تؤدي إليه، من الوضع الراهن أو الوضع المفترض.

  • وصف لمختلف الأحداث المحتملة وتحليل نتائجها.
  • وصف لوضع مستقبلي وسبل إدراته.
  • قصص عن المستقبل يشمل الماضي والحاضر.
  • وصف لمستقبل محتمل لا مجرد توقعات.
  • يكون من سيناريوهين أو أربعة سيناريوهات.

أنواع السيناريوهات:

الأول: سيناريو صنع الأزمة: سيناريو إيجابي يفرض إرادته على الطرف الآخر.

الثاني: سيناريو مواجهة الأزمة: إجراءات دفاعية وهجومية لمعالجة مراحل الأزمة.

  • تقييم المخاطر:

يتكون تقييم المخاطر من خمسة أسئلة:

الأول: ما الذي يمكن أن يحدث ولماذا؟

الثاني: ما النتائج المحتملة؟

الثالث: ما احتمال حدوثها في المستقبل؟

الرابع: ما العوامل التي تخفف من حدوث المخاطر؟

الخامس: هل يمكن تحمل درجة الخطر وما الإجراءات المحددة لمعالجتها؟

  • الأمور المالية:
  • الدخول المالية
  • مخطط التدفق النقدي
  • الحساب الختامي
  • المصادر والاستخدام
  • بيانات مالية داعمة إضافية

الخلاصة:

 وجوب عمل ورش عمل للخروج بخطة تشغيلية لمواجهة صفقة القرن.
2-   أن دور العلماء لا ينبغي أن يقتصر على الأدوار التقليدية، بل يجب أن تكون لهم أدوار نوعية بجوار تلك الأدوار التقليدية.

[1] انظر: المسيري، الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية: دراسات في بعض مفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية،  بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ١٩٩٠، ص 17.

[2] انظر موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/10/6

[3] هذا اختصار لاسم الحزب المطول وهو حزب عمال أرض إسرائيل وكان برئاسة بن غوريون.

[4] انظر موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/10/6

[5] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث رقم (2577).

[6] حديث متفق عليه، له روايات عديدة: منها رواية أبي هريرة رضي الله عنه أخرجها البخاري في صحيحه،  كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، حديث رقم :1189 ، ومسلم في صحيحه في كتاب الحج باب لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، حديث رقم 1397.

[7] وردت أحاديث عديدة في فضل وتضعيف أجر الصلاة في المسجد الأقصى، منها حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ أيهما أفضل: مسجد رسول الله ﷺ، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله ﷺ: ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن ألا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا – أو قال: خير من الدنيا وما فيها” أخرجه الحاكم في المستدرك ج4/ ص 554، وهو حديث صحيح.

[8] ورد ذلك في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم وغيره، أنّ رسول الله ﷺ، قال: يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً، عليهم الطَّيَالِسَة.، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية أحاديث الدجال، حديث رقم 2944.

[9] ورد ذلك في عدد من الأحاديث منها حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه في سننه، قال: خطَبَنا رسول الله ﷺ، فكان أكثر خطبته حديثاً حدّثَناه عن الدجّال، وحذّرَناه،.. وفيه : “قال عيسى عليه السلام: افتحوا ، فيُفتح، ووراءه الدجّال، معه سبعون ألف يهوديّ، كلّهم ذو سيفٍ مُحلّى وساجٍ. فإذا نظر إليه الدجّال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً. ويقول عيسى عليه السلام: إنّ لي فيك ضربةً لن تسبقني بها، فيُدركه عند باب اللدّ الشرقيّ فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء ممّا خلق الله يتوارى به يهوديّ إلّا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابّة ـ إلّا الغرقدة، فإنّها من شجرهم، لا تنطق ـ إلّا قال: يا عبد الله المسلم، هذا يهوديّ فتعال اقتله”. كتاب الفتن، باب بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَالِ، وَخُرُوجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ”. كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، حديث رقم 4077، وهو حديث حسن.

[10] أخرجه الحاكم في المستدرك بهذه السياقة ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا. ج4/ ص 556، حديث رقم 8558.

* د. أحمد الحيلة: كاتب ومحلل سياسي

* البروفيسور سامي العريان مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية CIGA بجامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول.

* سعيد طلال سعيد الدهشان، مواليد غزة 1972، دكتوراه في القانون الدولي، ودكتوراه في حقوق الإنسان، رئيس الوحدة القانونية بمؤسسة قدسدار التركية – إسطنبول.

[11] صفقة القرن: السلام من أجل الازدهار، الشق السياسي، ترجمة مركز الدراسات السياسية والتنموية، 2020، انظر: https://www.palinfo.com/Uploads/files/2020/1/31/-1226010187.pdf

[12] فارت، بول دي. “جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة: وفقًا لمعاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”؛ مقال منشور في مؤلف (إسرائيل والقانون الدولي)، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2011م، صـ360-361.

[13] انظر: نص قرار مجلس الأمن (242)، موقع ويكي مصدر، انظر: ar,wikisource.org

[14] جمعية الحق. “الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في ضوء القانون الدولي الإنساني والعام”، مقال منشور في الموقع الإلكتروني للجنة العربية لحقوق الإنسان، تاريخ النشر 11/1/2009م، تم التصفح بتاريخ 22/4/2012م انظر: http://www.achr.nu/art543.htm

[15] http://www.hlrn.org/img/documents/ICJ%20AdvOp%2009_07_04%20AR.pdf

[16] عبد الحميد متولي. الوجيز في النظريات والانظمة السياسية ومبادئها الدستورية، القاهرة: المكتب العربي الحديث، 2012، صـ126.

[17] مجمع اللغة العربية (مجموعة خبراء قانونيين). معجم القانون، القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1999، صـ637:  ‘وهو من المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها النظام الدولي المعاصر’.

[18] جبار محمد مهدي السعدي، “مفهوم السيادة بالقانون الدولي العام”، انظر: https://law.uodiyala.edu.iq/pages?id=1033

[19] https://research.un.org/en/docs/ga/quick/regular/4

[20] Said Talal Aldahshan. Palestine and the International Criminal Court, Istanbul: AsaletAjans. 2020. P 53

* عضو رابطة علماء فلسطين، وأستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بالجامعة الإسلامية – غزة

* * عضو رابطة علماء فلسطين، وعضو البرلمان الفلسطيني

[21] وقد ثبتَت مباركةُ اللهِ جلَّ وعلا لأرضِ فلسطينَ فِي أربعة مواضعَ أخرَى مِن كتابِ الله، وهي: سورة الأعراف (137)، وسورة الإسراء (1)، وسورة الأنبياء (81)، وسورة سبأ (18).

[22] تاريخ دمشق، لابن عساكر: 1/140.

[23] متفق عليه: البخاري: 1037، ومسلم: 2905.

[24] أخرجه البزار: 3965، وإسنادُه صحيحٌ.

[25] فيض القدير، للمناوي: 4/171.

[26] لأنها أولُ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ، وحرصاً علَى عدمِ التّشبُّهِ باليهودِ، ولأنها قبلةُ إبراهيمَ عليهِ الصًّلاةُ والسّلامُ.

[27] متفق عليه: البخاري: 399، ومسلم: 527.

[28] متفق عليه: البخاري: 3366، ومسلم: 520.

[29] متفق عليه: البخاري: 1188، ومسلم: 1397.

[30] فتح الباري، لابن حجر العسقلاني: 3/65

[31] أخرجه الحاكم في المستدرك: 8553، وإسناده صحيح.

[32] المنار المنيف، لابن القيم: 93.

[33] كنز العمال، للمتقي الهندي: 34631، وفي إسناده لينٌ.

[34] سنن ابن ماجه: 1408، وإسناده صحيح.

[35] أخرجه ابن عساكر: 58/206، وقالَ الهيثميٌّ: رواهُ الطّبراني من رواية أرطاة بن المنذر، عمن حدثه عن أبي الدرداء، ولم يسمه، وبقية رجاله ثقاتٌ، فيكونُ في سنده انقطاعٌ.

[36] أي تركتُها سائمةً ترعَى، فلا تخرج للقتالِ

[37] مسند أحمد: 16965، وإسناده حسنُ.

[38] صحيح البخاري: 3641.

[39] صحيح مسلم: 156.

[40] ويشهدُ لهُ حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ) [مسلم: 2922].

[41] قولُهُ: (وَليَسْتَقِ) أمرٌ مِن الاستِقَاءِ، وقوله: (مِن غُدُرِه): َجمعُ غَدِيرٍ، ويقصدُ غديرَ الماءِ [التنوير، للصنعاني: 7/297].

[42] مسند أحمد: 20356، وإسناده صحيح

* أستاذ الفقه وأصوله المساعد، رئيس هيئة علماء فلسطين، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

[43] خطة ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن” سلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ترجمة: د. نايف جراد، يناير 2020، صـ53

[44] المرجع السابق، صـ53

[45] المرجع السابق، صـ53

[46] المرجع السابق، صـ54، صـ56

[47] المرجع السابق، صـ56

[48] المرجع السابق، صـ55

[49] المرجع السابق، صـ54

[50] المرجع السابق، صـ54

[51] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399ه-1979م، 1/109، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، دار صادر-بيروت، 11/16.

[52] ذكره النووي في الأربعين النووية وقال: حسن صحيح، وذكره الذهبي في الكبائر وقال: إسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه على عمدة التفسير، 1/533.

[53] المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، عالم الكتب-القاهرة، ط1، 1410ه-1990م، صـ143

[54] الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مكتبة نزار مصطفى الباز، 1/165

[55] انظر: لسان العرب، 3/315-316، ومعجم مقاييس اللغة، 4/181-183

[56] انظر: لسان العرب، 1/793

[57] أصله ذكره بإسناد صحيح ابن حجر في فتح الباري، 5/133، والعيني في عمدة القاري، 13/15، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى مرسلاً، ٦‏/١٥٧

[58] انظر: القرطبي، تفسير القرطبي، دار هجر، ط1، 1422ه-2001م، 2/35، محمد رشيد رضا، تفسير المنار، مطبعة المنار بمصر، 1350ه، 2/209، تفسير روح المعاني 2/113، المعاني الحسان في تفسير القرآن، عمر الأشقر، ط1، صـ265

[59] ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بتفسير ابن عطية، دار ابن حزم، 1/170

[60] وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، دار الفكر، دمشق-سوريا، ط1، محرم 1422ه-نيسان2001م، 1/817

[61] تفسير المنار، 11\75

[62] الزمخشري، تفسير الكشاف، دار المعرفة، بيروت-لبنان، ط3، 1430ه-2009م، 11\453

[63] انظر: الواحدي، أسباب النزول، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط1، 1411ه-1991م، صـ39

[64] أخرجه البخاري عن أنس بن مالك برقم: 2444 ومختصراً برقم: 2443 ومطولاً برقم: 6952

[65] انظر تفسير القرطبي 9/490-491، وتفسير الطبري 11/121-123، وتفسير الألوسي 6/283

[66] سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 1435ه-2014م، 3/1497

[67] تفسير القرطبي 9/492

[68] تفسير الطبري 11/128، تفسير الألوسي 6/285، تفسير القرطبي 9/493

[69] تفسير الطبري 11/128، تفسير الألوسي 6/285

[70] انظر تفسير الألوسي 2\770، تفسير القرطبي 18\489، تفسير الطبري 20\523

[71] أخرجه البيهقي في قص الإيمان، وابن أبي الدنيا في الصمت من قول الحسن البصري، وأخرجه ابن القيم في ترجمة سفيان الثوري من قوله، وذكره الغزالي في تفسير سورة هود، وقد ذكر البعض أنه حديث ولكن الصحيح أنه لم يرد في المرفوع… انظر كشف الخفاء حديث رقم 2474 / ج2 / ص248.

[72] صحيح البخاري، صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب الإيمان باب 145 – 2/109-110

[73] راجع النص في موسوعة الفتاوى الفلسطينية، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، ط2، 1433ه-2012م، صـ386-387

[74] موسوعة الفتاوى الفلسطينية، صـ388-391

[75] المصدر السابق، صـ392-393

[76] المصدر السابق، صـ394

[77] المصدر السابق، صـ395-396

[78] راجع الفتوى كاملة في: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، ط3، مكتبة وهبة، القاهرة، 1431ه-2010م، 2/1455

* أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة والسياسة الشرعية المشارك، عضو هيئة علماء فلسطين، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس مركز معراج للبحوث والدراسات.

** دكتوراه أصول الفقه ومقاصد الشريعة والسياسة الشرعية، عضو هيئة علماء فلسطين، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائب رئيس مركز معراج للبحوث والدراسات سابقاً.

[79] وثيقة “سلام من أجل الازدهار” رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ترجمة د. نايف جراد، صـ10

[80] المرجع السابق، صـ9

[81] المرجع السابق، صـ33

[82] المرجع السابق، صـ57

[83] المرجع السابق، صـ58

[84] المرجع السابق، صـ19

[85] ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979م، 1/ 133

[86] الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، 5/ 2071، ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414ه، 13/ 21

[87] الماتريدي، تفسير الماتريدي، تأويلات أهل السنة، 10/ 621

[88] ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل، 2/ 515

[89] النسفي: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، صـ 32

[90] زكريا الأنصاري، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، 2/ 215

[91] خالد وليد محمود، آفاق الأمن الإسرائيلي الواقع والمستقبل، صـ 35

[92] عبد الوهاب كيالي، موسوعة السياسة، 1/331

[93] Barry Buzan, People, States and Fear (London: Wheatsheaf Books, LTD, 1983), PP 6-10 نقلاً عن: خالد وليد محمود، آفاق الأمن الإسرائيلي الواقع والمستقبل، صـ 34-37

[94] McNamara, The Essence of Security (New York: Harper Press, 1966), p149 نقلاً عن: علاء عبد الحفيظ، الأمن القومي.. المفهوم والأبعاد، صـ6، بحث نشره المعهد المصري للسياسات ضمن سلسله الدراسات السياسية بتاريخ 11 مارس 2020م.

[95] Henry Kissinger, Nuclear Weapons and Foreign Policy (London: Wild Field and Nicholson, 1969), p46. نقلاً عن: علاء عبد الحفيظ، الأمن القومي.. المفهوم والأبعاد، صـ6، بحث نشره المعهد المصري للسياسات ضمن سلسلة الدراسات السياسية بتاريخ 11 مارس 2020م.

[96] ابن فارس، مقاييس اللغة، 5/420

[97] ابن منظور، لسان العرب، 10/ 352- 353

[98] ملحم، محمد همام،  بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط

[99] صلاح الشنواني، التنظيم والإدارة، قطاع الأعمال،  مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1987م، صـ63

[100] بتصرف: نقلا عن كمال حمدي أبو الخير، أصول الإدارة العلمية، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1974، صـ204

[101] ملحم،  محمد همام، بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط

[102] انظر المرجع السابق

[103] إبراهيم مقبل، خالد زين الدين، رائد غباين، سياسات مقترحة لتطبيق قرارات وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، صـ6، ورقة تحليل سياسات نشرها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات، باختصار وتصرف يسير

[104] ملحم، بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط

[105] بتصرف: حسن ابحيص، أداء الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، صـ447، بحث منشور ضمن كتاب السلطة الوطنية الفلسطينية دراسات في التجربة والأداء، 1994-2013م، تحرير الدكتور محسن صالح، من إصدارات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات-بيروت، 2015م.

[106] بتصرف: موقع موسوعة أحداث فلسطين،  https://pal-encyclopedia.org

[107] أوسلو والاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية، موقع الموسوعة الفلسطينية، https://www.palestinapedia.net

[108] اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا – ملحق 1 (بروتوكول بشأن الترتيبات الأمنية)، https://ar.wikisource.org/wiki

[109] موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية(وفا)، https://info.wafa.ps/ar

[110] المرجع السابق

[111] حسن ابحيص ووائل سعد، التطورات الأمنية في السلطة الفلسطينية، 2006-2007م، صـ9

[112] المرجع السابق

[113] المرجع السابق

[114] المرجع السابق

[115] المرجع السابق

[116] المرجع السابق

[117] انظر: مقال للشيخ حامد العلي بعنوان الجنرال أبو حنيك، دايتون والأربعين حرامي، موقع    https://ar.islamway.net/article

[118] انظر: صفقة القرن صـ66، الملحق A2 ، اعتبارات الأمن، فقرة: مشكلة القوى الدولية

[119] انظر: المرجع السابق صـ33، القسم السابع: الأمن

[120] انظر: المرجع السابق صـ44، القسم الثاني عشر، فقرة: إسرائيل

[121] انظر: المرجع السابق صـ68، الملحق A2 ، اعتبارات الأمن، فقرة: مشكلة القوى الدولية

[122] انظر: المرجع السابق صـ15، القسم الثاني، فقرة: أسبقية الأمن

[123] دراسة بعنوان: الأبعاد الأمنية في صفقة القرن.. قراءة في مستقبل غزة والمقاومة، نشرها موقع الشارع السياسي بتاريخ 21 فبراير 2020م، انظر الرابط المختصر: https://cutt.us/8mTTH

[124] انظر: المرجع السابق صـ33، القسم السابع: الأمن

[125] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/ 69

[126] انظر التفصيل في بيان هذه المحرمات وتأصيلها وبيان أحكامها الشرعية في: ملحم، بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط.

[127] وإن كنت لا أتصور وجود هذا الصنف من أفراد الأجهزة في هذا الوقت، وذلك لأنهم أعادوا بناء عقيدة أفراد الأجهزة الأمنية وفق خطة الجنرال الأمريكي دايتون ومن تبعه.

[128] الواحدي، التفسير البسيط، 7/420، والوجيز في تفسير الكتاب العزيز، صـ323، والسمرقندي، بحر العلوم، 1/ 397

[129] انظر بتفصيل موسع: ملحم، بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط

[130] السمعاني، تفسير القرآن ، 2/ 38

[131] انظر بيان مفصل لأقوال العلماء وأدلتهم مع مناقشتها في: ملحم، بحث التأصيل الشرعي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، مخطوط

[132] ورد النص التالي في ص 36 من ترجمة الصفقة : “تقسيم المناطق وتخطيط دولة فلسطين في المناطق المتاخمة للحدود بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الحدود بين القدس (لإسرائيل) والقدس (لفلسطين) ستخضع لمسؤولية أمنية طاغية لدولة إسرائيل”.

[133] سيتم الاعتماد في بيان المفاسد ومراتبها على طريقة: ملحم، محمد همام،  كتاب القواعد المقاصدية في تصنيف الأولويات وتطبيقاتها في القضية الفلسطينية، دار النداء، اسطنبول، 2019م

[134] انظر: وثيقة “سلام من أجل الازدهار” (صفقة القرن)، ترجمة د. نايف جراد، صـ59

[135] انظر: المرجع السابق، صـ59

[136] ورد في ص 35 ترجمة الصفقة: “توصي الولايات المتحدة بتشكيل لجنة أمنية إقليمية. تكون مهمة اللجنة مراجعة السياسات والتنسيق الإقليميين لمكافحة الإرهاب. من الناحية المثالية سوف تشمل اللجنة ممثلين أمنيين من الولايات المتحدة ودولة إسرائيل ودولة فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.

[137] ورد في ص33 ترجمة صفقة القرن ما يلي:” ستحافظ دولة إسرائيل على المسؤولية الأمنية الغالبة لدولة فلسطين”.

[138] المرجع السابق، صـ33

[139] ورد في ترجمة صفقة القرن ص33: “ستعمل دولة إسرائيل على زيادة التعاون المشترك مع قوى أمن السلطة الفلسطينية للمساعدة في بناء قدراتها على منع الإرهاب”.

[140] المرجع السابق، صـ33

[141] المرجع السابق، صـ33

[142] المرجع السابق، صـ34

[143] ورد في ص69 من ترجمة الصفقة : “ستقيم دولة فلسطين نظامًا قانونيًا يواجه الإرهاب ويحافظ عليه بوضوح، بما في ذلك عن طريق: أ-وضع وإنفاذ قوانين تحظر جميع الأنشطة الإرهابية والمنظمات الإرهابية وتحظر كل التحريض على الإرهاب، وكذلك تمويل هذا النشاط والمنظمات العاملة به. ب- مقاضاة المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في النشاط الإرهابي وإصدار الأحكام عليهم بشكل مناسب. ج- إنهاء جميع المدفوعات التي تكافئ الإرهاب، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأولئك المتورطين في نشاط إرهابي أو أسرهم”.

[144] ورد في ص36 من ترجمة الصفقة : “سيعمل الطرفان معًا، بحسن نية في الأمور الأمنية، لحماية الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.

[145] ورد في ص33 من ترجمة الصفقة: “تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح بالكامل وتظل كذلك”.

[146] ورد النص على ذلك في أكثر من موضع في الصفقة ومن ذلك في ص18: ” لن يُتوقع من دولة إسرائيل أن تنفذ التزاماتها بموجب اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني إلا إذا كانت السلطة الفلسطينية، أو هيئة أخرى مقبولة لدى إسرائيل، تسيطر بالكامل على غزة، والإرهاب. المنظمات في غزة منزوعة السلاح، وغزة منزوعة السلاح بالكامل”.

[147] المرجع السابق، صـ14

* الدكتور عطية عدلان باحث وأكاديمي مصري، أستاذ الفقه وأصوله، متخصص في السياسة الشرعية، ورئيس مركز محكمات.

* الدكتور حاتم عبد العظيم باحث وأكاديمي مصري، أستاذ الفقه وأصوله، عضو سابق بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

[148]  الزمخشري، تفسير الزمخشري: ( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل)، 1/ 296

[149] ابن قيم الجوزية، القصيدة النونية، صـ 221

[150] أخرجه مسلم في صحيحه، 3/ 1517، حديث رقم: 1910

[151] راجع النص في موسوعة الفتاوى الفلسطينية، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، ط2، 1433ه-2012م، صـ386-387

[152] المصدر السابق، صـ388-391

[153]  انظر: جريدة فلسطين، عدد: 81/ 3272 بتاريخ 18/ 6/ 1936.

[154] أكرم زعيتر ، الحركة الوطنية الفلسطينية : 1935-1939 (يوميات أكرم زعيتر ) ، سلسلة الدراسات رقم 55 (بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1980) ، صـ302

[155] المصدر السابق

[156]  ومن ذلك فتوى علماء الأزهر سنة 1947م، الهيئة العربية العليا (فلسطين)، حكم الإسلام في قضية فلسطين: فتاوى شرعيَّة خطيرة لمناسبة معاهدة الصلح بين مصر والعدو الإسرائيلي، ص: 14 ـ 15. وقد وقَّع على هذه الفتوى (26) عالماً من علماء الأزهر، كـان مـنهـم: الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز، وغيرهم من أهل العلم والفضل والدين.

[157] موسوعة الفتاوى الفلسطينية، صـ386-387

[158] أخرجه البخاري في صحيحه، 4/27، حديث رقم: 2843، ومسلم في صحيحه، 3/1506، حديث رقم: 1895

[159] متفق عليه: صحيح البخاري، 2/ 5، رقم الحديث: 893، وصحيح مسلم، 3/ 1495، رقم الحديث: 1829

* باحث ومحلل سياسي

[160] فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، توزيع: دار الفرقان، صـ17-18

[161] الهيئة العربية العليا (فلسطين)، حكم الإسلام في قضية فلسطين: فتاوى شرعية خطيرة لمناسبة معاهدة الصلح بين مصر والعدو الإسرائيلي، صـ14-15

[162] فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، توزيع: دار الفرقان، صـ51، صـ60

[163] نشر في مجلة (البحوث الإسلامية) العدد (28) عام 1410ه، ومجموع فتاوى ابن باز، ج4، صـ295

[164] راجع: التنازل عن القدس خيانة، بموقع المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

[165] راجع: مقال بعنوان: “صفقة القرن في ميزان الفقه”، مجلة المجتمع الكويتية، 10 يوليو 2019

[166] المصدر نفسه