الحديث الأوّل:
“عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهَا أنَّهَا سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِ”
الحديث أخرجه البخاريّ في صحيحه، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده بلفظ ” فَيَمْكُثُ في بيتِه”
أوَّلًا: الوباء الذي يتفشّى هو من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين، يرسلُه عليهم رحمةً بهم وتأديبًا لهم كي يتوبوا ويتضرّعوا، ويؤوبوا ويتوبوا ويرجعوا، وهو ليس انتقامًا ولا استئصالًا لهم.
ثانيًا: يأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالحدّ من الحركة والامتناع عن الانتقال من بيئة الوباء إلى غيرها تجنبًا الانتقال العدوى
ثالثًا: الحديث يقرّر آليّة الحجر المنزليّ لمواجهة الأوبئة المعدية، وذلك في رواية الإمام أحمد ” فَيَمْكُثُ في بيتِه” أي يبقى موجودًا منتظرًا في بيته دون تضجّر أو تبرّم
رابعًا: يرسم الحديث المنهجيّة الإيمانيّة والنفسيّة التي ينبغي أن يتحلّى فيها المسلم في زمن الأوبئة المعدية، وهذه المنهجيّة تتمثّل في الصبرِ والتّسليم والاحتساب.
خامسًا: بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم الجزاء المترتّب على التّعامل وفق المنهج النبويّ مع الأوبئة المعدية فمن يفعل ذلك كان له أجر شهيد في سبيل الله تعالى
وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنَّ أجر الشّهيد لا يناله فقط من مات بسبب هذا الوباء المعدي بل يناله من تعامل مع الوباء وفق هذه المنهجيّة ولو بقي على قيد الحياة.
وقد بيّن الإمام ابن حجر العسقلانيّ ذلك إذ يقول في شرحه للحديث: ” وأمّا ما اقتضاه مفهوم حديث الباب أنّ من اتّصف بالصّفات المذكورة ووقع به الطّاعون ثمّ لم يمُت منه أنّه يحصل له ثواب الشّهيد”