مقابلة فاطمة عبد الله عزام

    

مقابلة الشهر مع فضيلة الدكتورة فاطمة عبد الله عزام عضو هيئة علماء فلسطين حفظها الله

أجرى الحوار عضو قسم العضوية والفروع الشيخ/ عبد المحسن حوا

بداية نرحب بالدكتورة “فاطمة عبد الله عزام”، من مواليد السيلة الحارثية، قضاء جنين في فلسطين عام 1966م، والحاصلة على درجة: الدكتوراه في الفقه وأصوله، تخصص أصول الفقه من الجامعة الأردنية بتقدير ممتاز، وتعمل حالياً كأستاذ مساعد في الفقه وأصوله في جامعة قطر، كما سبق وأن عملت أستاذاً مساعداً في جامعة القصيم من 1430ــ 1438هـ، ومحاضِرة في كلية المجتمع الإسلامي في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن خلال الفترة 1/10/2005م -15/10/2010م.

وترأس د. فاطمة قسم المرأة في هيئة علماء فلسطين، وهي عضو مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو اللجنة الاستشارية لمعهد الأسرة الدولي في إسطنبول IDSB، وعضو سابق في الجمعية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة، وعضو في اللجنة التأسيسية للائتلاف العالمي لنصرة المرأة الفلسطينية.

وقد شاركت في عدة مؤتمرات ومنتديات علمية ومن أبحاثها العلمية المنشورة:

  • “حجية قول الصحابي” منطلق لحفظ هوية الأمة في زمن العولمة.
  • “استدامة الزواج بغير المسلم رجاء دخوله للإسلام . دراسة تأصيلية معاصرة” بحث محكم.

في فقه الأقليات والنوازل/ مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية – غزة /الموافقة على النشر/ في عددها السابع والعشرون.

  • –       “مفهوم النص بين إطلاق الفقهاء وتقييد الأصوليين” بحث محكم ومننشور في مجلة جامعة القصيم 6-7/7/ 1437ه.

سؤال: حضرتك من مواليد فلسطين فهل لك من ذكريات فيها؟

ج: خرجت من فلسطين وكان عمري عدة أشهر عام 1967/ ولم أعد إليها إلا في عام 2012 حيث أكرمني الله بزيارة مع مؤسسة إغاثية (أميال من الابتسامات) في عام 2012م، وكان موافقا لشهر رمضان المبارك، وكانت الزيارة برفقة الوالدة رحمها الله قضينا في القطاع مدة أسبوعين كانت من أجمل مراحل حياتي حيث شرفني الله بزيارة مجموعة من زوجات وأمهات الشهداء كأم محمد الرنتيسي (رشا العدلوني) زوجة الشهيد بإذن الله عبدالعزيز الرنتيسي، وكذلك زرنا رمز الصبر والمثابرة خنساء فلسطين أم الشهداء (مريم محيسن) أم نضال فرحات يرخمها الله، وقمنا بعدة جولات وصولات اطلعنا فيها على محاضن البطولات وآثار حرب الفرقان وكان أبلغها زيارة موقع استشهاد فضيلة الشيخ الدكتور نزار ريان، وكان لنا لقاء مع زوجات الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار حيث استمعنا إلى معاناتهن ومشاعرهن.

سؤال: نرجو التكرم بتعريفنا بجهودكم ونشاطاتكم تجاه الأقصى والقدس وفلسطين: أهدافها.. وسائلها.. الشرائح المستهدفة مع ذكر أمثلة منها؟

ج: جهودي في خدمة القضية بدأت منذ نعومة أظفاري حيث نشأت وترعرعت في بيت أرضعنا فيه لبان حب الأقصى والدفاع عنه والعمل من أجل تحريره. فلقد ربانا والدي رحمه الله على خدمة الأقصى منذ نعومة أظفارنا وكان بيتنا ملتقى لكبار القادة والمجاهدين الصادقين العاملين من أجل الأقصى، لقد نشأنا على قصص التضحيات والبطولات التي كان يقصها علينا: بطولات عز الدين القسام وعطا الزير وفؤاد حجازي منذ كنت في الخامسة من عمري، إضافة إلى موقف السلطان عبد الحميد ورفضه بيع فلسطين ورده على هرتزل وخسارته عرشه ثمناً للدفاع عن فلسطين، بل وكان يرشدنا أن ما ندرسه من تاريخ الدولة العثمانية كله كذب وبهتان وإجحاف لحق هذه الدولة التي وحدت الأمة وأعادت لها تاريخها العريق، ثم استمرت الوالدة يرحمها الله في إكمال المسير فكان بيتنا مركزاً لعمل المناشط والفعاليات والأمسيات المقدسية ومحطة لاستقبال الأبطال وعائلاتهم وتلمس حاجاتهم.

من هذه المدرسة نهلت وعلى خطاهما سرت، وكان جهدي إلى ما قدموه جهد المقل والبضاعة المزجاة في حق أقدس قضية، وأطهر أرض.

  • وإضافة إلى ماكنت أقدمه برفقتهما، بدأت أخدم هذه القضية المباركة عندما التحقت للتدريس في كلية المجتمع الإسلامي حيث بدأت أولا بأخذ الدورات التي كان يقدمها الدكتور عبدالله معروف في 2005م ودعوته لإعطاء دورات للطالبات في الكلية.
  • وكانت لدي أنشطة مع الطالبات، كلها تصب في خدمة القضية، وكان لدينا نشاط بعنوان “قارب النجاة” محوره خدمة القضية، ومن هذه الأنشطة مجلة شهرية مقدسية، حيث تقدم كل شعبة كفالة فصلية، إضافة إلى أضحية وغيرها من أعمال الخير، وكنت أعمل في تلك المرحلة في الجانب الإغاثي مع لجنة المناصرة ومقرها إيطاليا.
  • في عام 2010 تعاقدت مع جامعة القصيم وصببت كل ما استقيته من خبرات في أروقة الجامعة وفي أذهان طالباتها وكانت لي دورات تدريبية مستمرة في مصلى كلية الشريعة عن المسجد الأقصى.
  • أنشأت فريقًا من الطالبات والمناصرات شعاره “الأقصى مسؤوليتي”، قدمنا من خلاله العديد من الأنشطة على مستوى القسم والكلية والجامعة تحت عناوين كبرى” شدوا الرحال” و”ابعثوا بزيت يسرج في قناديله” إضافة إلى العديد من الندوات والفعاليات التي أثمرت دعما مادياً ومعنوياً.

سؤال: مع وجود الأزمات المالية العالمية والمحلية في جميع الدول هل المطلوب أن يتوجه المسلمون لإغاثة أهلهم وجيرانهم في دولهم مادياً ومعنوياً؟ أم المطلوب إغاثة أهل فلسطين ونصرة المقدسات؟ ما الأولويات وما ضوابطها؟

 ج: يقتضي ترتيب الأولويات حتى لا يفهم الأمر على أنه عنصرية لو كان الأمر يتعلق بالإغاثة الإنسانية فحسب فالأقربون أولى بالمعروف، وكلما كان الفقير والمحتاج أقرب جواراً كان أولى بالإغاثة.

أما بخصوص إغاثة أهل فلسطين ونصرة المقدسات فنصرتهم أولى باعتبار أنهم في جهاد ورباط فهم ينوبون عن الأمة في الدفاع عن الأقصى والوقوف في وجه أعتى قوة تفتك في الإسلام وأهله فكل ما يجري في بقاع العالم ما هو إلا تنفيذ لمخططاتهم وحفظ لمصالحم في العالم العربي والإسلامي.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية فتوى في هذا الباب اعتمدها الوالد في “كتابه الدفاع عن أرضي المسلمين الأعيان” مفادها عندما سُئل ما لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ وَأَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ نَقْتُلُهُمْ بِفِعْلِنَا وَهُنَا يَمُوتُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ. ص537 – كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية – كتاب الجهاد – المكتبة الشاملة الحديثة

وكان والدي دائماً يعقّب على فتوى ابن تيمية بقوله” لأنه لو انهزم المسلمون ذهب الفقراء والأغنياء، وذهب الدّين وذهب العرض، إن أقواتكم من أفواه أعدائكم: أما الجهاد -هذا – فيحمي هذا كله، ويغني الفقراء إذا انتصر لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “جعل رزقي تحت ظل رمحي” جزء من حديث صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير رقم (2831.[(

سؤال: لقد انتشر التعليم عن بعد فجأة في العالم بعد أن كان ثانوياً، كيف يستثمر علماء فلسطين هذه التقنيات؟ وما نصائحكم للاستغلال الأمثل لها بغية نصرة القضية الفلسطينية؟

ج: سبحان الله رُبّ ضارة نافعة، كلنا تضايقنا في بداية الأمر لهذه المسألة، خاصة في الجامعات ونظرنا إلى المسألة على أنها سياسة تجهيل ولا زلت أشعر أنها كذلك في المجال الأكاديمي، أما على المستوى الدعوي والتثقيفي فقد كان فتحاً ربانياً أحدث ثورة ثقافية ومعلوماتية يجب أن تستثمر أفضل استثمار لخدمة القضية الفلسطينية.

لكن هناك ثغرة لا بد من التنبه لها وهي ضرورة التنسيق بين المؤسسات العاملة لخدمة القضية حتى لا يؤدي الضخ المعلوماتي إلى ضجر لدى العامة وحتى لا يحدث تعارضًا بين الأنشطة والفعاليات خاصة في المناسبات الكبرى والأحداث الكبرى.

أنصح بضرورة وجود “تنسيقية مشتركة” راعية لهذه الفعاليات تتكون من عدة أعضاء يكون كل عضو منهم مندوباً عن مؤسسته ووضع خطة تنفيذية مشتركة بين المؤسسات والعمل على تنفيذها وهذا يساعد على ضخ أعمال وفعاليات ذات قيمة مثل المؤتمرات الكبرى والملتقيات والدورات.

السؤال: هل يمكن أن يضع المسلمون خطة عملية لخروج الأمة مما هي فيه من هذه الأحوال الصعبة، وهل يمكن أن تبرمج عملياً للتنفيذ؟

ج: نعم، بكل تأكيد، ولا خروج ولا خلاص لهذه الأمة إلا بالعودة للإسلام الصحيح والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين، ويمكن الاستفادة من التجربة التركية، من كان يتوقع أن تتحول تركيا من دولة بعيدة عن أحكام الإسلام إلى دولة راعية وخادمة لقضايا الأمة.

سؤال: هناك انقسامات كثيرة بين المسلمين، ولعل أصعبها ما يحدث بين العلماء أنفسهم وكذلك بين الحركات الإسلامية، ما الخلاص من ذلك؟

ج: لا بد أن تتوحد الأمة وتؤثِر المصلحة العامة على الخاصة، وأن توازن بين المصالح والمفاسد وأن ينظر أبناؤها إلى القضية الكبرى والأولية العظمى وهي تحرير المقدسات وتخليص الأمة من هذا الكيان الصهيوني الغاشم، ويتناسون الخلافات الفكرية والمنهجية فيما بينهم. قال تعالى: (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)).

سؤال: هل ترون خلاصاً لفلسطين والمقدسات مما هي فيه من الاحتلال، وما هي مبشرات ذلك اليوم؟

ج: نعم بكل تأكيد الانتصار حتم مقضي، ووعد إلهي فعلى الرغم مما يعيشه المسلمون في واقعهم الراهن من تمزق وتشرذم وضعف وتداعٍ من أمم الأرض عليهم من كل حدب وصو ، إلا أن القلب منعقد باليقين على أن النصر لهذه الأمة ولدينها، وهو وعد صريح من الله – عز وجل – وهو قادم لاريب، أخبرنا به البلاغ القرآني، وأكده ووضحه البيان النبوي. قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)     (النور 55)

قال ابن كثير : هذا وعد من الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وسلم) بأنه سيجعل أمته الولاة على الناس فتصلح بهم البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم بعد خوفهم أمناً وحكماً، وقد تم ذلك ففتح الله على رسوله مكة وخيبر والبحرين وجزيرة العرب واليمن.

وقال عز من قائل: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) الصافات (171 ،172, 173)

الوعد واقع وكلمة الله قائمة، ومن أصدق من الله قيلا ؟ ومن أصدق من الله حديثا ؟ { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }.

سؤال: هل من رسالة إلى هيئتكم هيئة علماء فلسطين وعلمائها؟

ج: أشكر الهيئة على ما تقوم به وما تقدمه من أجل خدمة القضية والسعي قدماً لتحقيق الغاية المنشودة وهي جمع شتات علماء الشريعة خارج فلسطين من أجل استثمار جهودهم للعمل لها، وترسيخ العلم الشرعي لخدمتها.

 رسالتي إلى الهيئة أن تعمل على توحيد الجهود وأن تجمع علماء فلسطين تحت مظلتها، وأن تكون هي المظلة والمرجعية التي تجمع المؤسسات العلمائية للعمل من أجل القضية، وأن تحرص على أن تكون الأعمال فوق الأقوال، وأن تكون الأعمال ترجمة حقيقية للأقوال.

بارك الله فيكم، وكل الشكر لكم منا ومن متابعي موقعنا، ونشكركم على إتاحة الفرصة للقائكم.

قد يعجبك أيضاً