خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) البقرة 218
الحمد لله ناصر المؤمنين، وخاذل الكافرين، والصلاة والسلام على رسول الله الذي هاجر لتكون كلمة الله هي العليا، ورضي الله عن صاحبه في الغار، وسائر الصحابة الكرام أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فها هي ذكرى الهجرة النبوية المباركة تعود على الأمة من جديد وقد تكالبت عليها المحن، وعظمت فيها الخطوب، وعلا فيها الطغاة فجوراً وإجراماً، وتمادى الصهاينة في غيهم ووقاحة عدوانهم على الأرض والإنسان، وتأتي هذه الذكرى المباركة في هذا العام متزامنة مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي منح بموجبه رئيس الوزراء البريطاني أرض فلسطين المباركة لليهود الغاصبين، وكان بموجبه الخطوة الأولى على طريق تهجير أهلها وتشريدهم في أصقاع الأرض، وإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج إذ نتوجه إلى الأمة الإسلامية عامةً وإلى شعبنا الفلسطيني بالتهنئة والمباركة بحلول العام الهجري الجديد سائلين الله تعالى أن يكون عام نصر وتمكين وتحرير وخلاص من الطغاة فإننا نؤكد على ما يلي:
أولاً: إن الهجرة النبوية التي شكلت حدثاً مفصلياً في تاريخ البشرية، حيث نقلت الإسلام من طور الدعوة إلى طور الدولة، كانت تتويجاً للتضحيات الجسام التي بذلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين في المرحلة المكية من الصبر على الأذى، ومفارقة الأهل والأوطان والديار ينبغي أن تظل حاضرةً ماثلة في ذاكرة الأجيال المسلمة، ترسم لهم طريق العزة والتمكين، المفروشة بالدماء والأشلاء، ونسيان الذات والتعالي على المصالح الضيقة، ونبذ
النزاعات، وتؤكد أن بين يدي النصر المنشود أخوة غامرة، وقلوب صادقة، ودماء يروى بها الشباب المسلم راية الإسلام لترتفع عالية خفاقة في سماء أمتنا بإذن الله تعالى.
ثانياً: الهجرة النبوية المباركة دروسها لا تنتهي ومعانيها لا تنقضي، ولذا فإننا نهيب بالعلماء والدعاة والخطباء والكتاب إلى تكثيف العمل والجهد لاستحضارها واستذكارها واسقاطها على الواقع الحاضر الذي تمر فيه أمتنا بأحرج ساعات المفاصلة والمواجهة بين الحق والباطل، ونؤكد على أن نشر معاني الهجرة وتعميقها في نفوس أبناء الأمة له كبير الأثر في إنارة الطريق الموصولة إلى العزة والنصر والتمكين بإذن الله تعالى.
ثالثاً: إن وعد بلفور المشؤوم الذي يعد أحد أهم الأسباب الموصولة إلى تهجير أبناء شعبنا الفلسطيني وتكريس الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين المباركة، باطل في قوانين الشرع والبشر والأخلاق كافة، فهو هبة من لا يملك لمن لا يستحق، وإن دروس الهجرة النبوية تذكي فينا الأمل واليقين بالله تعالى أن هذا الظلم إلى زوال، وأن المهجرين سيعودون إلى ديارهم مهللين مكبرين كما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة المكرمة فاتحين.
رابعاً: في ذكرى الهجرة النبوية نستذكر إخواننا من أبناء سورية من السوريين والفلسطينيين في سورية الذين اضطرتهم آلة النظام المجرم إلى الهجرة من ديارهم، وترك أرضهم ليتفرقوا في أصقاع الدنيا ويركبوا البحر نحو المجهول، ونؤكد هنا أن من يتحمل مسؤولة تلك الأرواح البريئة التي أزهقت غرقاً والأجساد النحيلة لأطفالنا ونسائنا الذين يعصف بهم البرد والجوع في الخيام الممزقة هو تلك الدول التي أغلقت الأبواب في وجه هذا الشعب الجريح فاضطرته إلى المخاطرة وركوب البحر نحو مجهول لا تعرف عاقبته، ومثلهم أبناء مصر الحبيبة والعراق العزيز وبورما الجريحة الذين اضطرهم الطغاة والمجرمون إلى الهجرة والتشرد في أنحاء الأرض.
كما نذكر شعوبنا العربية والإسلامية التي آوى إليها هذه الشعوب المظلومة أن يكونوا كما كان الأنصار للمهاجرين في المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم فيواسوا اخوانهم بأنفسهم وأموالهم إلى أن يأذن الله تعالى بالنصر وهلاك الظالمين.
وقل متى هو قل عسى أن يكون قريباً … وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
1/محرم/1435ه
4/تشرين الثاني/2013م