خاص هيئة علماء فلسطين

         

20/6/2024

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ وبعد:

فإنّ الاحتلال الصهيونيّ ما يزال ممعنًا في إجرامه وإبادته منذ تسعة أشهر بحقّ أهلنا في غزة على وجه الخصوص وفلسطين عمومًا، كما أنّ إجرام العدوّ الصهيونيّ يجري في السجون الصّهيونيّة بعيدًا عن أعين الإعلام وبطرق غير مسبوقة؛ إذ يشهد أسرانا منذ السابع من أكتوبر عمليّات إعدام ميدانيّة بطرق فائقة الإجرام، وليس آخرها ما أعلن عنه من إعدام الدكتور إياد الرنتيسي، كما يمارس التعذيب الجسدي والنفسي بوسائل تندى لها جبهة الإنسانيّة والقيم كما نقل ذلك الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي أعيد اعتقاله بعد أقل من أسبوع من إطلاق سراحه، وغيره من المحامين والحقوقيين؛ وكل هذا يجري في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحديث عن الأسرى الصهاينة ووجوب تحريرهم في ازدواجيّة مفضوحة من هذا العالم الذي يدعي التحضّر.

وفي هذا الوقت أيضًا عاد التجويع الصهيوني لشمال غزة العزة كأبشع ما يكون من ممارسة الإجرام، لكنه هذه المرة يعود في ظل صمت مطبق وانشغال عن هذا الشعب الصامد الصابر الذي يواجه الإبادة بالقتل والإبادة بالتجويع بصبر عزّ نظيره وثبات قل مثيله وكل ذلك بمعيّة الله تعالى وتثبيته.

وإنّنا في هيئة علماء فلسطين في ظل هذه التطورات واستمرارها فإننا نؤكّد الآتي:

أولًا: إنّ إجرام العدو الصهيوني بحق أسرانا في سجونه يؤكد من جديد طبيعته الإجراميّة التي لا يصلح معها إلا استئصال هذا الإجرام من جذوره واقتلاعه من بلادنا، وفي هذا الخير للبشرية جمعاء

ثانيًا: إن هذا الإجرام الصهيوني  يعكس النفاق العالميّ الذي يدعي التحضر والإنسانيّة فتراه يرفع عقيرته بالمطالبة بإطلاق سراح الأسرى الصهاينة الذين أسروا من ثكناتهم وهم يعاملون معاملة بالغة الرقي والإنسانية والقسط بشهادة الأسرى أنفسهم بينما يصيبه الخرس التام تجاه أسرانا وكثير منهم اعتقلوا من المستشفيات والمنازل وكثير منهم يمارس عليهم الاعتقال الإداري الإجرامي دون أية تهم، وكثير منهم أسروا لأنهم يدافعون عن دينهم وعقيدتهم وبلادهم وأمتهم ومقدساتهم، وهذا يوجب فضح هذه الازدواجيّة التي تمثل إسنادًا صريحًا للكيان الصّهيوني في حربه الإجراميّة.

ثالثًا: إنّ أسرانا في سجون الاحتلال الصهيوني يجب أن يكونوا من أولويات شرائح الأمة كافة من علماء وسياسيين وإعلاميين مؤسسات وأفرادًا في تحركاتهم وبرامجهم وأنشطتهم لتحريرهم وفكهم من الأسر وفضح الإجرام الواقع بحقهم؛ فها هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: “لأن أستنقذَ رجلًا من المسلمين من أيدي المشركين أحبُّ إليّ من جزيرة العرب”.

ويقول الإمام القرطبيّ معلقًا على الآية الخامسة والسبعين من سورة النّساء وهي قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}: “وتخليصُ الأسارى واجبٌ على جميع المسلمين إمَّا بالقتال وإمَّا بالأموال؛ وذلك أوجبُ لكونِها دونَ النّفوس إذ هي أهون منها، قال مالك: واجبٌ على النّاس أن يُفْدوا الأسارى بجميع أموالهم؛ وهذا لا خلاف فيه”

رابعًا: ندعو العلماء والدعاة إلى تخصيص جزء من أحاديثهم المنبريّة والدعوية الإعلاميّة المناصرة لغزة وأهلها ليكون عن الأسرى وبيان ما يقع عليهم من إجرام صهيونيّ وتحميل المسلمين واجباتهم تجاههم، والدعاء لهم في قنوت النازلة.

ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول: اللّهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة، الله أنجِ سلمة بن هشام، اللّهم أنجِ الوليد بن الوليد، اللّهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين”.

فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يذكر أسماء الأسرى والمعتقلين الذين وقعوا في يد العدوّ في دعائه وقنوته ويعدّدهم بأسمائهم على مسامع المصلّين في الصّلوات التي هي أعظم موقف للمسلم بين يدي الله تعالى.

خامسًا: ندعو علماء الأمة ودعاتها ومعهم شباب الأمة وإعلامييها وأصحاب التأثير فيها إلى تسليط الضوء بشكل واسع على التجويع الصهيوني لأهلنا في شمال غزة، والضغط على الحكومات وأصحاب القرار للتدخل العاجل لإيقاف هذا التجويع وإدخال قوافل الغذاء والدواء لأهلنا في شمال غزة.

سادسًا: نذكر أبناء أمتنا وشعوبنا الكريمة بأن الحرب على غزة العزة لم تتوقف، وأنّ الإبادة لم تهدأ وأنّ المجازر ما تزال مستمرة، وهذا يوجب على أمتنا الاستمرار في العمل بالوسائل كافة لنصرة أهلنا في غزة دون كلل أو ملل أو اعتياد؛ فاعتياد المذبحة ضربٌ من الخذلان، بل إن حقيقة المطلوب اجتراح آليات ووسائل جديدة تنكي بالعدو الصهيوني وتؤلمه وتدفعه لإيقاف مذبحته المستمرة وقد قال ربنا تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} الشورى: 39

هيئة علماء فلسطين

14/ذو الحجة/1445هـ

20/يونيو/2024م