خاص هيئة علماء فلسطين

         

بسم الله الرحمن الرحيم

“إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا” الإسراء/7-8

    الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فقد شهدت أرضنا المحتلة فلسطين في الذكرى السبعين للنكبة في هذا العام حدثين مفصليين كبيرين على مستوى فلسطين والأمة الإسلامية جمعاء، وهما افتتاح سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة القدس، والمشهد الملحمي الذي سطره أهلنا الأبطال في مليونية العودة الكبرى وما تخلله من مجزرةٍ مروعةٍ أسفرت عن أكثر من ستين شهيداً وألفين وخمسمئة جريحٍ برصاص الكيان الصهيوني الغاصب.

وإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج إزاء ذلك كله نؤكد على الآتي:

أولاً: إنَّ ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية من نقل سفارتها في الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس هو جريمة جديدة من جرائمها بحق الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية، وهذا الفعل يجعل السفارة الأمريكية في القدس هدفاً مشروعاً للمجاهدين والمقاومين، وإننا نؤكد للمقاومة الفلسطينية بأن استهداف هذه السفارة والعاملين فيها هو من الجهاد المبرور في سبيل الله تعالى القائل: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ” الأنفال/39

ثانياً: تحيّي الهيئة أبناء شعبنا الفلسطيني الذي شارك في مسيرات العودة الكبرى في مختلف مناطق وجوده، وعلى الخصوص في غزة العِزّة التي ضَربت المثل الأروع في ملحمة العودة، وعبَّد أبناؤها بدمائهم الطريقَ إلى التحرير والعودة بإذن الله تعالى.

وإنَّ ما سطره أهلنا في غزة من مشاهد البطولة والإقدام في مظاهراتهم السلمية وإصرارهم على العودة لأرضهم المحتلة التي هجّرهم الاحتلال الصهيوني منها هي مِن صور الجهاد التي تحقق النكاية بالعدو وتغيظه وتقذف في قلبه الرعب، ومهما استعلى هذا العدوُّ المتجبر فإنه يبقى جباناً عند أدنى مواجهة ومجابهة، قال تعالى: “لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ” آل عمران/111

ثالثاً: تؤكد الهيئة في ذكرى النكبة على أن حق العودة هو حق لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، وواجبٌ عليهم وعلى الأمة كلها أن تسعى لتحقيقه، ويَحرم التنازل عنه من أي جهةٍ أو شخصٍ كان مهما كانت صفته أو منصبه، وإنَّ التنازل عن هذا الحق هو من الخيانة لله ولرسوله ولعامة المؤمنين.

رابعاً: تطالب الهيئة علماء  الأمة الإسلاميّة أفراداً ومؤسساتٍ بالتحرّك الفاعل في هذه الأوقات العصيبة للوقوف في وجه الإجراءات الأمريكية العدوانية في القدس، والجرائمِ الصهيونية على حدود قطاع غزة، ولدعم أهلنا المرابطين بكل ما يملكون من وسائل الدعم والنصرة المادية والمعنوية، وتحذّر مِن خذلانهم الذي سيرتد أثره على الأمة جمعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ” رواه أبو داود وأحمد.

خامساً: تجدد الهيئة مطالبتها للسلطة الفلسطينية بوقف أشكال التنسيق الأمني والتواصل مع الكيان الصهيوني كافة، والانحياز إلى الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الخطير في القدس وغزة، ورفع الإجراءات العقابية الظالمة عن أهلنا في غزة فوراً ودون أي تأخير، وإطلاق يد الشعب الفلسطيني ومقاومته في الضفة الغربية، وإلاّ فإن هذه السلطة تحكم على نفسها بالوقوف في صف الكيان الصهيوني وموالاته ومظاهرته على المجاهدين والمقاومين من أبناء الشعب الفلسطيني.

سادساً: تتوجه الهيئة بالتحية إلى تركيا التي قامت باستدعاء سفرائها من واشنطن والكيان الصهيوني، وطرد سفير الكيان الصهيوني من أنقرة، وكذلك إلى جنوب إفريقيا التي استدعت سفيرها في الكيان الصهيوني، وتستنكر الهيئة هذا الصمت المريب من عموم الدول العربية والإسلامية، وتطالبهم جميعاً بوقفة جادة يكون أقلها سحب سفرائهم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الكيان الصهيوني، ووقف أشكال التواصل كافة مع الكيان الصهيوني المجرم.

وأخيراً: لا نملك إلاّ أن نقف بكل هيبةٍ وإجلالٍ أمام دماء الشهداء الذين ما زالوا يرسمون الدرب إلى فلسطين، ويؤكدون بأن هذا العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، وإنَّ كلّ يومٍ يمرّ يزيدنا يقيناً بعدالة قضيتنا واقترابنا من النصر المبين بإذن الله تعالى.

رحم الله شهداءنا الأبرار وتقبلهم في عليين، وشفى الجرحى، وربط على قلوب ذويهم جميعاً، وإنَّ النصر مع الصبر وإنَّ مع العسر يسراً.

والحمد لله رب العالمين

  هيئة علماء فلسطين في الخارج

                                                                                           29/8/1439هـ    15/5/2018م