خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ على يوم الدّين وبعد:
فإنَّ أمَّتنا تعيش هذه الأيام الذكرى الحادية والخمسين لذكرى هزيمة حزيران عام 1967م التي أسفرت عن احتلال الكيان الصّهيونيّ ما بقي من مدينة القدس وفيها المسجد الأقصى المبارك، وقطاع غزّة والضّفة الغربيّة من فلسطين، والجولان من سورية، وسيناء من مصر، وأجزاء أخرى من الأردن ولبنان، هذه الذكرى التي تعاودنا هذا العام وأمّتنا تعيشُ أوضاعًا قاسيةً تُسامُ فيها سوء العذاب من المحتلّين والطّغاة على حدّ سواء، وتتنازع فما بينها أمرها فتتعمّق جروحها وتتعاظم قروحُها، وتشتدّ الهجمة على القدس والمسجد الأقصى المبارك والقضيّة الفلسطينيّة برمّتها من المحتلّ الصهيونيّ والولايات المتحدة الأمريكيّة وتزداد وتيرة الترويج لصفقة القرن وتنفيذها من قبل الولايات المتحدة الأمريكيّة وعملائها في المنطقة، وقد شهدت السنة الأخيرة إعلان الولايات المتحدة الأمريكيّة القدس عاصمةً أبديّةً للكيان الصّهيونيّ ونقل السفارة الأمريكيّة إليها، وإنَّ هيئة علماء فلسطين في الخارج في تؤكّد في هذه الذكرى على الآتي:
أولًا: إنَّ قصيّة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وسائر أرضنا المحتلّة من الكيان الصهيونيّ هي قضيّة عقيدةٍ، وإنَّ الخطر الصّهيونيّ يتهدّد الأمّة الإسلاميّة كلّها في وجودها، ودينها وهويّتها، وهذا يقتضي أن لا يكون الحديث عن هذا الخطر حديث مناسبات عابرة بل يجب أن يبقى ماثلًا أمام أعيننا وأبصارنا وتتربّى الأجيال على مدى الخطر المتربّص بأمّتنا، قال تعالى: ” وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” البقرة: 217
ثانيًا: إن هزيمة حزيران كانت ثمرةً طبيعيّةً لتمزّق الأمة وتفرقها، وما كانت تعانيه من التيه الفكري والانحراف الإيمانيّ واستبداد الرايات الجاهلية، وإنّ أوّل خطوات محو هذه الهزيمة وآثارها واستعادة الأرض السليبة هو في العودة الصادقة إلى معين الإسلام الصافي ورفع رايته في القلوب وفي الحياة الاجتماعية والسياسية لأمتنا، وحشد الطاقات وتوحيد وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين، قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ” الرعد:11
ثالثًا: تؤكّد الهيئة بأنَّ طريق تحرير فلسطين والمسجد الأقصى المبارك هو طريق الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو واجبٌ بالنّفس والمال والكلمة في حقّ جميع المسلمين حكّامًا وشعوبًا، وإنَّ طريق التسوية وما يسمّى زورًا السّلام هو تضييع للحقوق وتفريط بالمقدّسات وتخاذلٌ عن القيام بالواجب، قال تعالى: ” انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” التوبة: 41
رابعًا: تجدّد الهيئة دعوتها للسلطة الفلسطينية إلى التوقّف التام عن المفاوضات العبثيّة والتنسيق الأمنيّ مع الكيان الصهيونيّ والانحياز إلى شعبنا المرابط المجاهد في خيار المقاومة وجهاد الكيان الصّهيونيّ، وتحذّرها من الاستمرار في تلبية رغبات الاحتلال الصّهيونيّ في مطاردة المجاهدين والتضييق على التحرّكات الشعبيّة في الضّفة الغربيّة، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” الممتحنة:1
خامسًا: تؤكّد الهيئة دعوتها إلى فصائل المقاومة الفلسطينيّة بضرورة المزيد من الوحدة والتلاحم، وتنسيق الجهود، ونبذ العصبيّات الحزبيّة والفصائليّة، والتّسامي على الخلافات، ومواجهة الاحتلال الصّهيونيّ وصفقة القرن وغيرها من المؤامرات التي تحاك للقضيّة الفلسطينيّة صفًا واحدًا، قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” الصّف:4
سادسًا: تؤكّد الهيئة بأنّ حريّة الشّعوب مرتكزٌ أساسيٌّ للتّحرير، وبأنَّ ثورات الشّعوب الطامحة للحريّة حقٌّ شرعيّ وثوراتٌ عادلةٌ وأنّ مواجهة الطغاة لها من الإفساد في الأرض، ولا يُقبَل ولا يجوز التّذرّع بمناصرة القضيّة الفلسطينيّة وبالمقاومة والممانعة في قمع الشعوب وتوراتها وارتكاب المجازر في حقّها، ولن تكونَ فلسطينَ على الإطلاقِ الثوب الذي يمسح به الطغاةُ جرائمهم مهما تغنّوا بها أو رفعوا المقاومةَ شعارًا لهم.
سابعًا: تؤكّد الهيئة بأنَّ علماء الأمّة على اختلاف مؤسساتهم وبلدانهم وتوجهاتهم يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة ورياديّةً في إصلاح الأمة وتوعية الشعوب وتبيين الحقّ وترشيد السبيل وحضّ الجماهير ونفث روح الجهاد فيها ودعم الثابتين المرابطين على أرض فلسطين، قال تعالى ” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ” آل عمران: 187
ثامنًا: تحيي الهيئة أهلنا المرابطين في القدس وفي المسجد الأقصى المبارك، وأهلنا المرابطين في مسيرات العودة الكبرى في غزّة، وأهلنا الذين ينتفضون في مسيرات العودة في الضفة الغربية وأرضنا المحتلّة عام 1948م وفي مخيّمات الشتات، كما تحيّي الهيئة أبناء أمتنا الذين ما زالوا على عهد الثبات في مواجهة الاحتلال الصهيوني ودعم فلسطين وأهلها ماديًّا ومعنويًّا بمختلف الوسائل، وإنَّ الطريقَ الشّائك لن يمنع من مواصلة المسير، وإنّه ليس بعد الليل إلّا فجر نصرٍ بإذن الله تعالى القائل: “وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” الصّافات: 171،173
هيئة علماء فلسطين في الخارج
21/رمضان/1439هـ
الموافق 05/06/2018م