يوميات مشارك في الملتقى الدولي السادس للشباب

    

27/7/2024

الكاتب: د. محمد الطاهري من المغرب، أحد المشاركين في الملتقى الدولي السادس للشباب.

وصلت الحافلة إلى İlmi ve Fikri Araştırmalar Merkezi حيث سيكون ملتقانا، وكان في استقبالنا شباب لا يخطئ وجوههم النور، ونظرة واحدة فيهم بصدق قد تغنيك عن قراءة الاف الكتب المنظرة لخيالات المدينة الفاضلة، فهؤلاء لا يتكلمون كثيرا وإنما يعملون، بل لا ابالغ إن قلت إنهم أخلاق تمشي على الأرض، في زمن كاد يصير الخلق الكريم فيه قطعة مهملة في كتب تراثنا القديم!

وكان مشهد ترحيبهم بنا كما لو أنهم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين كانوا يستقبلون أصحابهم من المهاجرين من مكة!

بعد ما مر بنا من التعب الناتج عن طول الطريق استسلمت في الغرفة التي جهزوها لي مع من معي – كما شأن الجميع-لنوم لم أذق مثله من قبل!

ورغم كثرة ما أحمله من تساؤلات رافقتني طوال الرحلة وإيماني أن انعدام النوم لا يعني شيئا سوى التساؤل؛ إذ لا ينام النائم عادة إلا حين يحصل على الإجابة، إلا أني نمت!

وفي الصباح كان لنا موعد مع الجمعة في الجامع القريب لمركز الإيواء، وهو رغم صغره مقارنة بغيره يسع اعدادا كبيرة من المصلين، إذ له طابقين علويين، وهذا من عجيب صنع المساجد في البلاد، فهي تركز في بنائها على ارتفاعها العمودي أكثر من تركيزها على التوسع الأفقي!

كان الخطيب قبل إلقاء خطبته يعطي درسا باللغة التركية فهمت من خلال الآيات التي يسردها بين الحين والآخر أنه متعلق بضرورة الاعتصام بكتاب الله، ويا كم كان الفرح يغمر داخلي وأنا أرى هذا الجامع يدخله المشاركون في الملتقى، والقادمين من مختلف بلدان العالم، وهم يرتدون ازياء بلدانهم التي جاؤوا منها، هذا من خلال زيه ماليزي، وذاك كردي، وآخر يماني، وبعده تونسي، ثم جزائري، وكنت المغربي الوحيد يا سادتي ممثلا لبلدي، وحمدت الله حين وجدت أني قد حضرت ومعي قميصي الأبيض الذي وضعت فوقه جلابة خفيفة مطروزة بالبني تمتد من فوق المنكب إلى حذو الكعبين، وذات أكمام طويلة تصل إلى معصم اليد أو تزيد حتى الإبهام، كنت اشتريتها منذ زمن للمناسبات الدينية كالأعياد، ارتديتها وانتعلت بلغتي البيضاء، وهي حذاء من الجلد الفاسي(نسبة إلى مدينة فاس) على شكل محذب بعض الشيء، وأمامية مجموعة تغطي كامل القدمين، ولا علو فيها على الاطلاق.

انتهى الخطيب من درسه فقام الناس يصلون أربع ركعات كما عادتهم قبل الفريضة، وكذلك يفعلون بعدها أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر العالي الذي لم أر مثيلا له في العلو، ومزخرفا بدقة وإبداع يبرز معه جمال الذوق عند أهل هذه البلاد، فحمد الله وأثنى عليه وصل وسلم على رسول الله وأصحابه وتلا خطبة مكتوبة على ورقة أمسكها بيده، فهمت منها أنها تتناول حث الاسلام على توقير الكبير واحترام الصغير.

بعد الانتهاء من الصلاة وبعد الغذاء كان لنا موعد مع إدارة الملتقى رحبوا فيها بعموم المشاركين، ثم انطلق بعدها لقاء الافتتاح، ويا لجمال ما جاء في كلمات المتدخلين فيه، وعلى رأسهم عالم من العلماء في المنطقة يسمى الشيخ إحسان شان أوجاكİhsan ŞENOCAK ، أدع الحديث عنه وعن تأثري به إلى وقت لاحق..

كنت بعد جلسة الافتتاح أتفكر فيما كان قد قاله لي صديقي الذي تعرفت عليه في الطريق إلى هذا الملتقى، والذي هو س.ن الذي كنت حدثتكم عنه وذكرت لكم أن له أخا قياديا في القسـ..ـام استشهد في بدايات حرب الطوفـ..ـان، قال لي: تصور يا أخي محمد حجم ما نحن عليه الآن من النعم لو قلت لك إن بعض إخواننا في رفـ..ـح يغبطون إخوانهم الذين دمرت بيوتهم في شمال غـ..ـزة على أمر ..!

قلت له: ما هو؟

قال لي: يغبطونهم على أنهم يجدون جدرانا ولو مهدمة يسندون ظهورهم عليها، بينما هم في الخيام الحارقة لا يجدون حتى ما يسندون عليه ظهورهم منذ أشهر!

تذكرت ذلك وتذكرت أيضا معه حجم التصفيقات التي قوبل بها عدو الله النتن ياهو وهو امام الكونغريس الأمريكي قبل يومين او ثلاثة، ولست أدري لما وجدتني اصف المشهد ذاك بكلمات كتبتها، ومما فيها:

اخطب ودعهم يصفقون يا عدو الله يا جبان، دمر ما استطعت، واقتل من النساء والأطفال ما شئت!

اما انتم يا اعداء الانسان فصفقوا، وقولوا يا غزة هكذا فلتكوني، خرابا وموتا في الخيام وبين الجدران والشوارع في كل لحظة وحين..

يا عدو الله قل لهم ما شئت نحن جند الله لك ولجيشك بالمرصاد، اسقط علينا قذائفك ولتكن لك امريكا وغيرها مؤيدة، ولتقل لك هاك المزيد من السلاح.. هاك الدعم والولاء.

إن لنا الله هو خير منتقم، ولنا هو سبحانه نعم المولى. نعم النصير..

يا أمتنا لا تتركوا غزة وفلسطين بلا حماة، كونوا كجند القسام والجهاد.. اذيقوهم الموت بالكمائن وبالقنص والعبوات، وليصفقوا على جيشهم المنكسر المنهار..

تالله إن النصر قريب، وشمسه بالنور تلوح في الافق مشرقة، فيا أمتنا انفضي عنك الغبار وقومي وأعلني أنك مع غـ.ـزة وفي صف واحد مع كل حر فلسطيني، قومي وانصري الحق فمهما طال الليل يزول، والصبح قريب وجند الله هم الغالبون.

دعوني الآن ياسادة أحدثكم في كلمات عن الشيخ إحسان الذي ذكرت لكم شيئا عنه فيما مضى..

هو رجل جيد البنية أقرب مايكون إلى هيئة الشباب رغم بياض الشيب الذي يزين لحيته، عالم بلدة سامسون الصغيرة في مساحتها والكبيرة بعطائه، يتميز بجهوده الدعوية والعلمية وبجمال خطابه وأشياء أخرى يكتشفها فيه الناس بعد ظهورها، هذه المدينة التي تشرق شمس انوارها الايمانية به، فتتدفق أشعتها نحو كل الاناضول خيوطًا بلورية وهاجة، تصل الأرحام القديمة وتذكي الحنين الجريح.

 أذكر أني حين كنت في قاعة العروض الكبرى المقامة أعلى المركز الذي أسسه، وهو بناية ضخمة من ست طوابق او اكثر، وتجاوره بناية اخرى تابعة له بنفس الحجم، مع ما يضمه من مرافق متنوعة ومجهزة كالمكتبة وغيرها، سألت بعض طلابه من هو أستاذ أستاذكم؟ فقالوا لي: محمود أفندي الأوفي النقشبندي، وهو أحد أشهر رجالات الدعوة والتربية في البلاد! فعلمت حينها جانبا من جوانب تقوى الشيخ إحسان وعلمه.

وأذكر أنه في النشاط الليلي المقام في إحدى ميادين المدينة نصرة لغزة وفلسطين، والذي حضره مشاركوا الملتقى، كان هناك إلى جانب الشيخ إحسان الشيخ عبد الله الزنداني ابن العالم اليمني المشهور المتخصص في الاعجاز العلمي رحمه الله، فكان الشيخ إحسان ينصت بأدب كبير وإمعان شديد لخطابه المذكر للحاضرين بمعاني الصدق واهميته في نصرة المستضعفين، وكان من بين ما استدل به قول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، فقال تعليقا على هذه الآية: إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يعدون خير من عملوا بالصدق، ومثل لذلك بقصة الصحابي الجليل انس ابن النضر الذي انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم جميعا، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟ (قوموا ) فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل.

وقد عجبت بعد سماعي لهذه القصة من صدق هذا الصحابي الجليل فتذكرت قول الله عز وجل: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) وبدا لي واضحا من جديد ذلك المشهد العجيب للشابين المجاهدين على ثغر من ثغور غـ..ـزة، حين استشهد أحدهما فرآه صاحبه بجواره فأخذ منه سلاحه وأكمل ما بدأه الأول إلى أن لحق به، فقلت في نفسي: تالله هاؤلاء إرث النبوة و الصحابة، يسيرون على درب الصدق، ولم يفت الشيخ عبد الله ان ينبه الحاضرين الذين احتشدوا إلى المكان على خطورة النفاق العقدي الذي يصلى به صاحبه الدرك الاسفل من النار، والنفاق العملي الذي قد يكون في المؤمن، وهو الذي أشارت إليه الآية قول الله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، زقد فهمت على العموم من الخطاب القوي للشيخ الزنداني أن الصادقين لا يمكن ان يكون إلا أصحاب نية وعزيمة وإرادة وأن بهذه الأشياء يحصلون الأجر مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر”، كما علمت أن بعد النية الصادقة يوجد صدق آخر لمن صدق في طلب الجـهاد، يتمثل في بذل الوسع وتحريض المؤمنين، وهو متضمن الآية قول الله عز وجل(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا).

وحين عدت إلى غرفة الإيواء قلت في نفسي وانا أستعيد ما سمعته: والله إن الصادق اليوم امام ما يجري من حرب على إخواننا في غزة وسائر فلسطين لا يمكن أن يكون كذلك حقا إلا بأن يعد لنصرتهم عدته فيبرئ بذلك ذمته، أما القول: إن عيوننا بصيرة وأيدينا قصيرة ونحن مع الصادقين فلا يعبر عن الحقيقة، وبيان ذلك ان تعالى يقول: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)، فهؤلاء يحرمون ثواب الصدق كما يحرمون تأييد الله وليس لهم في نصر المؤمنين نصيب.

وأصدقكم القول يا سادتي إني بعد أن فهمت مراد الكلام علمت لما أهل غزة اليوم صامدون ولسان حالهم يردد قول الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، بينما غيرهم ممن فقد الصدق من المنافقين ومن في قلوبهم مرض يقولون:(ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا)، فشتان بين الصادقين والمدعين الكاذبين الزائفين، أسأل الله لي ولكم ألا نكون منهم.

وفي أثناء ذهابنا إلى المسجد لأداء صلاة العشاء، اغتنمت الفرصة فرافقت الوفد الذي يضم الشيخ الزنداني، وكان بجانبه الشيخ إحسان، واقتربت منه فالتفت إلي وسألني من أكون؟ فلما عرفته بنفسي وعلم أني قد التقيت بالأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله أمسك يدي التي سلمت عليه بكلتا يديه وأبى أن يطلقها طوال الطريق حيث كان يحدثني عن محبته لأستاذي الأنصاري رحمه الله،إلى ان بلغنا باب المسجد، ويا لأدبه الكبير مع طويلب علم صغير مثلي، وانظر كيف يظهر له هذا الحب كله، ويقول له عند بلوغ باب المسجد تفضل يا بني، ادخلوا أنتم اولا!

لا أخفيكم ياسادتي أني اكتشفت حينها سر محبة الشباب له، وسر تأثرهم به، ولماذا يقبلون من مختلف البلدان على معهد IFAM الذي يدرس به لينهلوا من علمه، ولم أغبطهم على شيء أكثر مما غبطتهم على فضل صحبتهم له وقربهم منه.

يتبع….

—-

نقلاً عن:

https://www.facebook.com/mohamed.tahiri.0/videos/1693465554789464

قد يعجبك أيضاً

خطبة الجمعة في الملتقى العلمي الدولي للشباب

ألقى الشيخ محمد الصغير خطبة الجمعة بتاريخ 5/8/2022 في مقر الملتقى العلمي الدولي الرابع للشباب، وتحدث للشباب عن الهوية الإسلامية، وجمع بين توجيهات القرآن الكريم وأهداف اللقاء في الملتقى، كما ضرب أمثلة من المشاركين وأمثلة من تاريخ الأمة، وأجاب عمّن ينتقد الأمة بأنها أمة لا تعرف إلاّ تاريخها الماضي بذكر بعض النماذج التي تفخر بها الأمة اليوم لأشخاص ومؤسسات وشعوب مسلمة، ثم ذكر بعض أسباب نهضة الأمة ليعمل عليها شباب الملتقى في بلادهم بعد عودتهم.

محاضرة طوفان الأقصى في ميزان الشريعة

د. نواف تكروري

ندوة التأثير الحضاري

تقديم د. حسين القزاز والبروفيسور سيف الدين عبد الفتاح