4/8/2024
د. محمد الطاهري
من سامسون إلى كل بلاد الأناضول، وفي مدن كثيرة من بلاد أمتنا الاسلامية انطلقت تظاهرات الغضب تنديدا باغتيال القائد إسماعيل، وأقيمت الجنازة في المساجد بعد الجمعة، ولقد عجبت يا سادتي كيف أن أصداء كلمات الشهيد تتردد في داخل كثير من المتأثرين بموته وتنبعث مواعظ حية تشعل بين أضلعهم لوعات الأشواق إلى بسمته ونظراته وجمال كلماته الصادحة بالحق.
حين خرجت من الصلاة رفعت رأسي باتجاه أعلى بناية الجامع فإذا بسرب من الطيور قد حط بشكل عجيب على شرفات المئذنة والقباب كما لو أنه جاء ليشهد الجنازة كما شهدها جمع غفير من الناس.
وي كأن القائد إسماعيل صار له ألف طيف وطيف، وغذت كلماته أنوارا تضيء بها الأمة الطريق من جديد.
بحثت عن صديقي س.ن لأطمئن عن حاله، فوجدته يخفي تأثره بشكل واضح، وأدركت مع حاله أن الاصعب من البكاء هو أن نحاول إخفاءه، فحين نكون موجوعين من الداخل نجد رغبة كبيرة في البكاء.
سألته: كيف حالك؟
أجابني: الحمد لله على كل حال..
قلت له: أين غبت، لقد افتقدتك في بناية الغرف وفي الساحة وفي قاعة العروض..
صمت قليلا وقال: لا أخفيك يا أخي محمد، لقد انزويت بنفسي في مكان خفي وبكيت لما يزيد عن الساعتين!
قلت له: هل قابلت إسماعيل هنـ..ـيـ.ـة في غـ..ـژة؟
نظر إلي وأخرج في الحال هاتفه وبدأ يقلب بين الصور إلى أن وجد صور له معه، فقال لي: هذه يوم عقد قراني وقد كان أبرز الحاضرين، وهذه حين كنت في مستشفى كمال عدوان بعد العملية الأولى جاء ليطمئن علي، وهذه في زيارة له مع قيادات الحركة للجامعة الاسلامية حيث حفل تخرج دفعتنا يسلمني شهادة النجاح، وهذه…إلخ
كان يشير إليه في الصور ويتنهد بحزن ويقول: رحمك الله يا أبا الـ..ـعبد!
علمت من خلال ما رأيته من الصور أن الرجل رحمة الله عليه لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان أبا وسندا ونورا لغزة وأهلها ولفلسطين والأمة عامة..
نظرت إلى صديقي س.ن وقلت له وأنا أشاركه ألمه وأشعر بشيء كبير مما يشعر به: أريد أن أقول لك يا أخي بأني أحببتك، أحببت صدقك، وهمك، ومشاعرك، وكل شيء يتعلق بك.
لم يكن لقاؤنا طويلا، فقد استأذنته وغادرت إلى غرفتي فجلست أتأمل وأتفكر في حال أمتنا بعد هذا الذي حل بها، هذه الظلمات التي عمت العالم الإسلامي اليوم لابد لها من نور يخرقها ويجليها ويبينها، لكن ما يؤلمني بصدق ياسادة هو هذه الحيرة التي أجدها داخلي، لماذا كلما خطونا خطوات على الطريق الذي يوصلنا الى الحقيقة تضيع منا العلامات فتفرق بنا السبل عن بغيتنا فنتيه من جديد؟! هل سنقدم قاداتنا في كل مرة بنفس الطريقة ونلدغ من الجحر مرتين وثلاثة وأربعة وأكثر ..؟!
شعرت بعد ذلك أن من الواجب علينا هذه المرة، أكثر من أي وقت آخر، أن نعثر على العلامات التي ترشدنا إلى الحقيقة، لا إلى انعكاسها الخادع، وأنه يتعين علينا أن نفهم الإشارات التي تدلنا على منهج العمل وطبيعة الانسان الذي يقوم بهذا العمل.
نقلاً عن: