الملتقى الدولي الخامس للشّباب 2023
“الشباب وصناعة التأثير”
د. رانية نصر
تطلّ علينا هيئة علماء فلسطين -وكعادتها السّنوية- بملتقاها الدّولي الخامس للشّباب؛ والذي يستهدف فئة الشباب والشابات تحت عنوان “الشباب.. وصناعة التأثير”.
يُعقد الملتقى في إسطنبول بعد عدة أيام؛ مستضيفاً تحت مظلّته ثلةً مباركةً من شباب وشابات الأمة الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها، ومن جنسيّات وثقافات ومشاربَ مختلفة، عزموا النيّة على حمل همّ أمتهم والنّهوض بها، وحمل رايات العمل لبناء مستقبل مُشرق لهذه الحضارة العظيمة؛ وذلك من خلال ثنائية التّعلم والتعليم والتّأثر والتأثير والتّخطيط والإنجاز، وتبادل التّجارب، وتلاقح الخبرات، وتوالد الأفكار، وتدارس مشترك لإحداث التأثير والتّغير المرجوّ في مُحيطهم وعلى مستوى قضاياهم الكبرى.
وجديرٌ بالذكر أنّ هذا الملتقى قد راعى معيار النوعيّة والنّخبوية في قبول الشباب المتقدم للالتحاق بهذا الرّكب المبارك، فلا يحمل المسؤولية إلا الشّباب الجاد والواعي والمُهتم والحريص على حمل الأمانة وتأديتها بحقها على الوجه الأكمل.
ويأتي اختيار عنوان الملتقى الخامس “الشّباب وصناعة التّأثير” في ظل فترة حرجة تعيشها الأمة الإسلامية من استلاب حقيقي للهويّات؛ حيثُ عصفت بها رياح تغريب الألسنة والعقول، وتلاطمتها أمواج تشويه الفطرة السليمة، وغالبها تماهي الثّقافات، وذوبان الثّوابت مع المتّغيرات، فضاعت البوصلة وضاق الطريق وتاه الدليل!
يأتي الملتقى الدولي للشباب ليعيد تحديد الاتجاهات من جديد، وليعيد تمركز الأهداف والأقدام، وليصوغ الرسائل والرؤى الطّامحة للتغيير بلوغاً للغايات، على منهج الكتاب والسنة.
وإنّ من أهم الوسائل المعينة على تحقيق هذه الأهداف هو صناعة شباب مؤثر على صعيد بيئته وقضايا أُمّتهم، فصناعة قادة رأيٍ قادرين على إصلاح أنفسهم وإصلاح مجتمعاتهم تحتاج إلى برامج عمل، وإلى تحفيز تلك الطاقات، وإلى استحثاث تلك الإمكانات، وتطوير القدرات من خلال التّفاعل والاحتكاك بالعلماء والمصلحين والعاملين المُخلصين وأصحاب الخبرات والتّجارب، وهذا ما حرصت عليه إدارة الملتقى من خلال استضافة ثلة مباركة من علماء الأمة الرّاسخين في العلم، ومتخصصين في الشريعة والإعلام والتربية والدعوة وغيرها من التخصصات الأخرى لإثراء الملتقى بالندوات والمحاضرات والدورات التّخصّصية وورشات العمل الحوارية على مدى أيام الملتقى.
تأتي أهميةُ موضوع صناعة التأثير انطلاقاً من تغوّل ثقافة التفاهة واستشرائها واستشراسها خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمحاربة المحتوى الغَثّ لا يواجَه إلا بصناعة محتوى سمين، وامتلاك مفاتيح وفنون وأسرار الصّنعة الإعلامية والتكنولوجية لبث الأفكار القادرة على مواجهة تلك التّفاهات وتغييرها، ولقد اهتمّت إدارة الملتقى بجعل جزء من برنامجها في هذا الموسم للحديث عن ثقافة التّفاهة وعن أسبابها ومآلاتها وأنواعها، وآليات المعالجة.
وإذا تحدثنا عن مسؤولية الشباب والتأثير على مستوى قضايا الأمة؛ فلا نستطيع إغفال الحديث عن أوجاع فلسطين والقدس وما تعانيه اليوم من احتلال وتدنيس وتهويد ومحاولة لطمس معالم المقدسات الإسلامية، وما يعانيه أبناء شعبنا من قتل وأسر واعتقال وهدم للمنازل ومصادرة للأملاك؛ خاصة في ظل توظيف الدبلوماسيّة الرّقميّة للتّرويج للبروباجندا الصهيونية مقابل دحض وتقييد الرّواية الرّقمية الفلسطينية، ولذلك راعت إدارة الملتقى تخصيص محاضرات وورشات عمل للحديث عن التأثير على مستوى القضية الفلسطينية واقعياً ومواقعياً.
إضافة إلى البرامج العلمية الفكرية والعملية، تم تخصيص فقرات للبرامج الإيمانية لإثراء الجانب الروحي، وأخرى للسّمر والرّحلات الدينية والترفيهية، وأخرى للتّعايش مع شخصيّات رائدة وفاعلة ومؤثرة في المجتمع، لشحذ النّفوس وتجديد الطّاقات للتأثير في الشباب والشابات من خلال النّماذج العملية الواقعية الحيّة بآلية تفاعلية، فتحقيق التّوازن النّفسي مع الفكريّ أحد أهم أهداف الملتقى؛ حيث يكفل ويضمن إنجاح البرنامج على أعلى مستوى.
وفي كل ميدان وكل زمان لا يمكن إغفال دور المرأة الحقيقي في بناء نهضة الأمة، وبناء الأجيال وصناعة الوعي والإنسان؛ فهي تقف كتفاً بكتف إلى جانب شقيقها الرجل، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنما النساء شقائق الرجال”، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة والمستشارة، ولقد استشار رسول الكريم أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- في صلح الحديبية، -وكانت صاحبة رأي ومشورة-، حيث أخذ برأيها الحكيم صلوات الله عليه وسلامه، وبه كان الخروج من تلك الأزمة، فبصلاح المرأة يكون صلاح واستقرار وبناء المجتمعات، ويأتي برنامج ملتقى الشابات الذي يتزامن مع أيام ملتقى الشباب ليكرّس لهذا المبدأ، في ضرورة إشراك المرأة في مشاريع الإنجاز وللتأكيد على أهمية دورها في صناعة التّاريخ.
هذا الفكرة -فكرة الملتقى- التي كانت بذرة صغيرة وأصبحت شجرة فارعة بجهود العُلماء والعاملين والمخلصين في هيئة علماء فلسطين لن تنضج وتثمر إلا بالمداوة على روائها بماء الحب والعطاء والبذل والإخلاص في العمل لهذا المشروع القيمي الساعي لبناء الإنسان والأوطان.
فهلمّوا شباب وشابات الأمّة الطّامح للتّأثير والتّغيير، للعمل بكل حماسة ولهفة وهمّة ولصناعة مستقبلٍ مشرقٍ ينهض بالأمة وحضارتها من جديد، ففيكم الأمل.
بقلم رانية نصر
عضو هيئة علماء فلسطين