د. سفيان أبو زيد
5/8/2019
مما لمسناه في هذا الملتقى المبارك، وتجسد لنا أجزاءُ ذلك الجسد وأطرافه وملامحه على اختلاف ألوانه وأشكاله وأعراضه..
ومما اكتشفته مع الأسف أننا أمة لا يعرف بعضها بعضا، لا نعرف بعضنا إلا من خلال إعلام مأجور أو مشكوك في مقاصده، أو من خلال سياسات مفرقة هدامة متآمرة، وإن كانت هناك معرفة فلا تعدو أن تكون معرفة من بعيد، هذا على العموم…
لذلك لابد من إحياء مفهوم #أمة_الجسد_الواحد..
ذلك الجسد الذي كنا نتصوره نظريا من خلال إشارات الوحي المرغبة فيه والواصفة لمعالمه، رأيناه رأي العين، حين تضمحل موانع وحواجز التواصل التي يحدثها اختلاف اللغة أو العرق أو المذهب أو الفكر، أمام أعصاب وروابط ذلك الجسد الإيمانية، فتتشكل وسيلة تواصل وتفاهم معنوية يصعب التعبير عنها، بل تعجز كل لغات العالم لتوجد لها أساليب، وعبارات التعبير والتواصل..
ذلك الجسد الذي إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء، بالحمى والسهر، فالحمى نموذج لذلك التأثر العضوي المادي الذي يسببه ذلك المرض وتلك الشكوى، والسهر نموذج لذلك التأثر المعنوي..
فمن وصله لظى تلك الشكوى تأثر ماديا ومعنويا باعتبار قربه الجغرافي أو الزماني أو لاعتبارات أخرى، ومن لم يصله ذلك، فينبغي أن يتأثر معنويا بالسهر والتفكير والدعاء وحمل هم ذلك الجسد، ووضع واجب الدعم والتطوير والترابط من أولى الأولويات.
ذلك الجسد، الذي ينبغي أن يساهم في صيانته وتطويره كل خلية من خلاياه، وكل جزء من أجزائه بشكل متوازن عادل، فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بمدى الإسهام والفاعلية في تلك الصيانة وذلك التطوير، وهذا معنى مهم من معاني التقوى، فلا ينبغي أن نحصر النهضة أو الأستاذية في عرق أو طائفة أو مذهب أو قطر، بل ينبغي أن يفتح المجال أمام الجميع بمنهجية عادلة متوازنة، المفاد منها الوصول إلى أرقى مستوى لكفاءة ذلك الجسد..
ذلك الجسد الذي يراد له اليوم وقبل اليوم وفي كل زمان و مكان، أن يتفكك ويتشرذم، ويتوزع لينفرد كل عدو بوصلة من أوصاله، يعيث فيها فسادا أو دمارا أو سلخا أو غواية وتيها، ويكون ذلك إما بالفرض والغصب كما حصل ويحصل في حملات التصليب والاحتلال، أو ببعض الدعوات البراقة التي قد يصدقها البعض، كإحلال رحمات الديموقراطية التي أرجعت بعض الأقطار مئات السنين إلى وراء التخلف بعد أن كانت على أعتاب الصعود، وإغراقها في أوحال الطائفية المقيتة المدعومة من الخارج والموهومة بمصالح وهمية ضيقة، وتارة تكون تلك الدعوات بالترغيب في الانهماك بالشأن الداخلي والانطواء على النفس، والاهتمام بذلك أحيانا على حساب متطلبات ذلك الجسد وحقوقه، فيتضخم ذلك الانعزال والانطواء وتتغاصر تلك الآصرة، فيستغل العدو والخصم ذلك الضعف والتصاغر ليفصله ويقطع مفاصله، لينفرد بذلك الجزء المفصول الذي قد ساهم سابقا بفصل نفسه.. وتارة يكون بالتعالم وادعاء الاستاذية المطلقة، التي لا تنظر لتجارب الآخرين، ولا تسمع لنصائحهم، ولا تسعى إلى تجديد أو تطوير حقيقي، ولا ترى نفسها إلا ناصحة موجهة مرشدة، فينسحب عنها من حولها يمنة ويسرة مشكلا ذلك شرخا غائرا في هذا الجسد..
لذلك فلا نهضة ولا عودة ولا سؤدد إلا بتماسك ذلك الجسد وتلاحمه وتقوية روابطه تقوية فعلية فاعلة مؤثرة، وهذا مطلب ضروري ومشروع، وإن لم ندرك تلك الضرورة ونطبق تلك المشروعية، سنؤكل يوم أكل الثور الأبيض…
وإن لم نتكامل فإننا سنتآكل ونتقاتل..
إلى مفهوم آخر..
والحمد لله رب العالمين