الشباب وصناعة التأثير

    

د. عبد السلام الجالدي

الشباب في كل أمة عماد نهضتها وسر قوتها ودليل فتوتها ومصدر حيويتها

فلا جرم أن الله تعالى حينما ذكر في سورة الكهف القصص العظيمة في المسيرة التاريخية للبشرية بدأ بالشباب فقال: إنهم فتية

يعتبر الشباب عنصراً أساسياً في المجتمع وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فالشباب هم القوة الحية والنشطة التي تسهم في بناء الأمة والدفاع عنها والحفاظ على هويتها وقيمها كما أن الشباب هم الجيل الذي يحمل آمال المستقبل ويتحمل مسؤولياته.

لذلك، يجب أن يكون للشباب دور فعال وإيجابي في المجتمع، وأن يشاركوا في صنع القرارات التي تخصهم وتخص مصير بلادهم ولتحقيق ذلك، يجب أن توفر للشباب فرص التعليم والتدريب والتوظيف والرعاية الصحية والثقافية والرياضية، وأن تدعم مبادراتهم وإبداعاتهم وطموحاتهم

كما يجب أن يكون للشباب دور إنساني وتضامني في المجتمع، وأن يساهموا في حل المشكلات التي تواجهه، مثل الفقر والبطالة والفساد وأن يكونوا سفراء للسلام والإسلام والتعاون بين الشعوب.

فدور الشباب في المجتمع هو دور حيوي ومؤثر، يحدد مستوى التقدم والرخاء الذي يصل إليه الوطن فالشباب هم رأس المال الأغلى لأي مجتمع، وهم المورد الأكثر قدرة على التغيير والابتكار لذا، على كل شاب أن يدرك قيمة نفسه وأهمية دوره، وأن يعمل بجد وإخلاص لخدمة مجتمعه ووطنه.

والشباب هم العماد الذي تقوم عليه الأمة وهم القوة التي تحركها نحو التقدم والرقي والإسلام هو الدين الذي يهتم بتنمية الشباب وتوجيههم نحو ما يفيد أنفسهم ومجتمعاتهم. فالإسلام يعطي الشباب حقوقهم وواجباتهم ويحثهم على المشاركة في الحياة العامة والدفاع عن قيمهم ومبادئهم كما يربي الإسلام الشباب على الأخلاق الحسنة والسلوك الراشد والتعاون مع الآخرين والتسامح والعدل. ويوجه الإسلام الشباب إلى استغلال طاقاتهم ومواهبهم في مجالات العلم والإبداع ويحذر الإسلام الشباب من الانحرافات والمخاطر التي تهدد سلامتهم وأمنهم ودينهم، مثل المخدرات والجريمة والإرهاب والفساد فسن الشباب في الإسلام أمانة في أعناقهم يجب أن يحافظوا عليها وأن يؤدوا دورهم في بناء حضارة إسلامية رائدة تنير العالم بنور الإيمان.

وعلى الأمة صناعة مجموعة من الأفراد المتحمسين والموهوبين الذين يسعون إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية يستفيدون من التراث الإسلامي الغني في هذه المجالات، ويساهمون في تحديثه وتطويره بما يتناسب مع احتياجات العصر الحالي.

فإن العلماء الشباب في الإسلام يتميزون بروح التعاون والتفاعل مع أمتهم والعالم من حولهم، وبالانفتاح على التعلم من كل مصدر نافع.

ويسعى العلماء الشباب في الإسلام إلى تحقيق التوازن بين التزامهم بالقيم والأخلاق الإسلامية، وبين تطبيق مبادئ العلم والمنهجية العلمية في أبحاثهم ودراساتهم يهدفون إلى خدمة المجتمع والإنسانية بإبداعاتهم واكتشافاتهم، وإلى نشر ثقافة العلم والقرآن بين أفراد البشرية.

خذوا مثلا الصحابي الجليل أسامة بن زيد فهو في شبابه أحد الصحابة الكرام والقادة العسكريين في الإسلام كان أسامة بن زيد شجاعا وفطنا وماهرا في الحرب والسياسة قاد عدة غزوات وفتوحات في شام والعراق ومصر وأفريقية أبرزها غزوة أسامة التي كانت آخر غزوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، اختار النبي أسامة بن زيد لقيادة جيش مؤلف من عشرة آلاف مقاتل من أفضل الصحابة وكان عمر بن الخطاب من المعترضين على هذا الاختيار لصغر سن أسامة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أكد على قدرته وثقته به وأمر بالطاعة له تأخرت غزوة أسامة بسبب مرض ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر أنفذه وكان ما كان.

ومع شاب هو عمار بن ياسر رضي الله عنه، الذي كان من أول المسلمين ولد عمار في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بعشر سنوات، وكان أبوه ياسر وأمه سمية من بني مخزوم، وهما من العبيد المستضعفين عندما أسلم عمار ووالديه، تعرضوا للتعذيب والاضطهاد من قبل قريش، وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام، وقتل ياسر بعدها بقليل نجا عمار من الموت بعد أن قال كلمة الكفر تحت التهديد، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه مؤمن في قلبه، وأن يعود إلى كلمة الكفر إذا عادوا إلى تعذيبه هاجر عمار إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشارك في جميع الغزوات والمعارك معه.

كان عمار من أفضل الصحابة في الفقه والتفسير والحديث، وأحد المؤسسين للمسجد النبوي توفي عمار في معركة صفين عام 37 هـ، عن عمر يناهز 94 سنة، بعد أن قتله المخالفون لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وخذوا مثلا آخر الشاب محمد بن مسلمة، فهو واحد من أبرز القادة العسكريين في العصر الإسلامي الأول قاد عدة حملات في خراسان والسند والهند، وأسس الحكم الإسلامي في هذه المناطق كان محمد بن مسلمة رجلاً شجاعاً وذكياً ومخلصاً لدينه وخليفته استطاع أن يفوز بثقة وولاء السكان المحليين، وأن ينشر الإسلام بالحكمة والرفق والجهاد يعتبر محمد بن مسلمة من أعظم الفاتحين في التاريخ الإسلامي، وقد ترك إرثاً عظيماً في الحضارة الإسلامية رغم صغر سنه.