خاص هيئة علماء فلسطين

         

19/4/2025

د. عبد السلام الجالدي

حينما يُصدر العلماء فتوى بوجوب الجهاد، كما فعل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومن قبله هيئة علماء فلسطين، فإن هذه الفتوى لا ينبغي أن تُفهم بمعزل عن مقتضياتها وتبعاتها.

فالحكم الشرعي، لا سيما في مثل هذه القضايا المصيرية، لا يكون ترفًا فكريًا ولا مجرّد تحريك للعواطف، بل هو تكليف ثقيل، يترتب عليه دماء وأرواح ومصائر أمة.

وفي غياب الدولة الراعية أو الجماعة المنظِّمة، لا يبقى أمام من استجاب لنداء الفريضة سوى طريق الجهاد الفردي، ذلك الذي بات يعرف اليوم بـ الذئاب المنفردة أو الأسود المنفردة. هؤلاء سيخوضون معركتهم في ساحة موحشة، لا يجدون فيها نصرة من الأنظمة التي تناصبهم العداء، ولا من الحركات الإسلامية التي – مع الأسف – ما زال كثير منها أسيرًا لمعارك الأمس، غير مستعدٍّ لتحمّل استحقاقات اللحظة الراهنة.

وهذا المشهد يعيد إلى الأذهان ما جرى بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي، حين عاد المجاهدون إلى أوطانهم فلم يجدوا فيها صدرًا رحيمًا، بل وجدوا التهميش أو المطاردة أو التخوين، وكأنهم ما خرجوا دفاعًا عن أمة، بل عبئًا وجب التخلص منه.

من هنا، فإن من يُصدر الفتوى ويحث على الجهاد، عليه أن يكون أهلًا لحمل هذا اللواء حتى النهاية، وأن يكون للمجاهدين سندًا شرعيًا، وعونًا روحيًا، ودليلًا في الطريق.

لا أن يُشعل الحماسة ثم يتنصّل عند أول اختبار.

لا يجوز أن نُكرِّر الخطأ ذاته، فنوقظ الهمم ثم نخذلها، ونحرّك القلوب ثم نتركها في التيه.

إن بعض من يدعو إلى الجهاد إذا ما اقترب أو نزل استحقاقه في بلده، سارع إلى المطالبة بمحاكمة المجاهدين ومعاقبتهم، وكأن الجهاد مشروع هناك محرم هنا، وكأن نصوص الشريعة تتبدّل بتبدّل الأوطان.

لذا، فإن من لم يكن قادرًا على تحمّل تبعات ما يدعو إليه، فليتحلَّ بالشجاعة ويتراجع، فإن الصدق مع الله خير من العجز مع الناس، وإن الكلمة مسؤولية، لا سيما إذا أزهرت دمًا، وامتزجت بأشلاء الشهداء.

اللهم اجعلنا ممن إذا قال صدق، وإذا دعا لم يخذل، وإذا نادى إلى الحق كان له أعوان.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وثبّتهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم وليًّا ونصيرًا.