9/11/2023
د. محمد غازي الجمل
من طبع البشر إيثار السلامة، والإتيان بشتّى المبررات للدفاع عن ميولها وتفضيلاتها. إلا أنّ من مقاصد الله عزّ وجلّ الارتقاء بالنفوس إلى ما يصلحها، على ما فيه من جهد ومجانبة للراحة.
وفي مقدّمة ما يرتقي بالنفوس الجهاد في سبيل الله، وهو بذل غاية الجهد لإعلاء كلمة الله، وفيه امتحان لموازين الناس، وتصديق لمقولات إيثار الآخرة أو تكذيب لها، فإذا استلزم موقف بذل النفس والمال ومواجهة الأعداء فإن النكول عن ذلك يعني الانحياز إلى الدنيا ومكاسبها.
وما أوجبه الله عزّ وجلّ على المسلمين هو قتال المعتدين وليس الاكتفاء بدعم من يقاتلهم، خصوصاً إذا قصر قتال هؤلاء عن دفع العدوّ الصائل. وبالمسميات الدارجة فإن الفريضة هي مقاومة الاحتلال وليس مجرّد دعم مقاومته.
ولا تصح تعطيل فريضة كهذه استناداً إلى اتفاقات سياسية، بل يلزم نبذها إلى أصحابها؛ هذا إذا كانوا ملتزمين بها ولم يبادروا بنقضها من طرفهم.
ومعلوم أن فرضية قتال المعتدين تتعين على أهل البلد الذي وقع عليه الاحتلال أو العدوان، فإن عجزوا عن دفعه اتسعت لتشمل ما يجاوره من البلدان، حتى تعمّ المسلمين جميعاً. وإذا كان الامر كذلك؛ فلا يصحّ استنفار أهل البلدان البعيدة مع تحييد أهل البلدان المجاورة، جميعهم أو بعضهم، لأنّ في ذلك تناقضاً لا يقبله عقل ولا يسنده شرع.
وعند الحديث عن أمر كهذا لا يصحّ الاتكاء إلى هوية من يتخذ موقفاً كهذا مهما كانت، فقول الله عزّ وجلّ “وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ” نزل في صحابة رسول الله، وهم خير القرون.
وختاماً فإنّ بذل غاية الجهد تتضمّن بذل غاية الجهد في الاجتهاد وإعمال العقل، للإتيان بما بما يناسب الحال، فإذا كان القتال هو الواجب في ظرف ما فلا مفرّ عنه، ولا يصح الاكتفاء بما دونه من قول أو فعل، وفي مثل هذا يصدق قول الشاعر:
إنّ ألفي قذيقةٍ من كلامٍ . . لا تساوي قذيفةً من حديدِ!