خاص هيئة علماء فلسطين

         

12/12/2023

بقلم : الدكتور أحمد داود شحروري عضو هيئة علماء فلسطين

شهد الأردن واحدا من أنجح حركات الإضراب في العالم أمس الإثنين ، وقد استبقه  كاتب محسوب على الثقافة الإسلامية بالتصريح في مقال له بأن “الإضراب تعطيل لمصالح الناس العامة والخاصة وأنه ليس من دين الله في شيء بل هو سيطرة للعلمانية والإلحاد وإخضاع أهل الإسلام طوعا أو قصرا لقوانين ذات مرجعيات غير شرعية … ” إلى أن يقول : “أخشى أن يكون هذا مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من قبلكم …” .

أما عن تعطيل الإضراب لمصالح الناس فإن للمصلحة والمفسدة في شرعنا ميزان ، وهذا ما قررته قواعد فقهية عديدة ، فدرء المفسدة أولى من جلب المنفعة ، والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ، والضرر يزال ، هذا وغيره من المنطلقات الشرعية يحكم سلوكنا اليومي ، وما يحققه الإضراب من إثارة للرأي العام العالمي وتنبيه إلى ما نحن فيه من استضعاف وإراقة دماء بريئة وضرب للبدهيات البشرية بعرض الحائط كله يتطلب استفراغ الوسع في محاولة دفعه والخلاص من تبعاته ، فهل هذا تعطيل لمصالح الناس أم هو القيام بمصالحهم التي هي أعلى من مجرد تحصيل أجرة يوم عمل أو إتمام معاملة في ذاك اليوم وعدم تأجيلها إلى الغد ؟!

أما عن كون الإضراب اتباعا لأهل الإلحاد فهل الإضراب عادة من العادات أو عبادة من العبادات ؟ إنه لا هذه ولا تلك ، فالإضراب سلوك اجتماعي نادر الحدوث تستدعيه ظروف طارئة ضاغطة يكون الإضراب من وسائل الخروج منها ولو جزئيا بالتأثير على الرأي العام وإيقاظ ضمائر من لا يستفيقون إلا بالنخز ، والإضراب إجراء اقتصادي واجتماعي يفعل هذا الفعل بجدارة.

ثم ماذا عن لبسك البنطلون يا صاحبي ؟ ماذا عن بلاط السيراميك والرخام في بيوتنا ؟ ماذا عن أساليب الإنارة المختلفة التي نستعملها ؟ ماذا عن النظارات على عيوننا ؟ أليست هذه كلها وغيرها كثير اتباعا لسنن غيرنا كما في حساباتك ولكنك لا ترى فيها شيئا – وأنت محِقّ ، لأنها من التصرفات المدنية ولا علاقة لها بالتشريع ولا بالتدين ، وليست من صميم دين الأغيار ، وإنما نعى نبينا صلى الله عليه وسلم على ما يؤثر في سلوكنا التديني مما نقلد به غير المسلمين في تضاعيف حياتنا اليومية .

يا أيها العقلاء ، يا قادة الرأي ، يا كل مشرفي صفحات الواتس أب وسواها من وسائل التواصل ، ارحمونا فردوا الأمور إلى أهلها ولا تجتهدوا فجلّكم -وأنا معكم- لستم أهلا للاجتهاد ، ودعوا الأمور لأهلها تريحوا وتستريحوا ، فأمتنا بحاجة إلى دفعة إلى الأمام ، وأنتم تجرّونها إلى الخلف أميالا كثيرة ، دعونا نتفرغ لعدونا معا ، فأنتم إخواننا ، يدنا بأيديكم يتعلم جاهلنا من عالمنا ، ويتزود صغيرنا من خبرة كبيرنا ، ويحمل قوينا ضعيفنا ، ويخزي الله بجهودنا عدونا .