خاص هيئة علماء فلسطين

         

11/6/2025

بقلم: بيان محمد أبو جامع

تعيش غزّة اليوم إبادة جماعية غير مسبوقة، خلّفها عدوان إسرائيلي دموي دمّر البنية التحتية وأوقع آلاف الشهداء والجرحى.

ففي خضمّ ما تشهده غزة اليوم، تتكرر التساؤلات حول النصرة الحقيقية: هل يكفي أن نرفع شعارات الدعم عبر الفضاء الإلكتروني؟ أم أن الواجــب يتجـــاوز “الترنــد”  “والهاشتاق” إلى واقع حقيقي ملموس يحتــاج إلى تضحيـات حقيقية وخطط عمليــة؟ هذا المقال يسلّط الضوء على أبعـاد نصرة غزة بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.

  • أولًا: الواقع… حيث الألم والعمل

الواقع في غزة يختصره المشهد الدموي اليومي: منازل مدمّرة، أجساد تحرق حية، وأخرى تقطع أشلاء، أُسر مفجوعة، أطفال فقدوا ذويهم، النصرة في هذا السياق تعني أولًا الاعتراف بحجم الواقع المعاش، بحجم المعاناة، ثم التفاعل العملي من خلال مناهضة الشعوب لتجهيز الجيوش وتكثيف الجهود الإغاثية والضغوط السياسية، والمقاطعة الاقتصادية.

وقد جاءت النصوص الشرعية مؤكدة على وجوب النصرة، قال تعالى:﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُالأنفال: 72]، وقال ﷺ: »انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا. فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قال: تَحْجُزُهُ -أوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ»[صحيح البخاري].

  • ثانيًا: المواقع… بين التفاعل الافتراضي والفعل الحقيقي

لا يمكن إنكار أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منابر عالمية تعبّر فيها الشعوب عن غضبها وتضامنها ودعمها.

لكن السؤال هو: هل يكفي وسم (#غزة_تباد) (غزة-تحت-النار) (غزة_تقاوم) وحده لنصرة أهلها؟ هل اسقطنا واجب النصرة عنا إذا اكتفينا بإعادة نشر الأخبار والصور ومقاطع الفيديو؟

لا شك أن التفاعل الرقمي عبر الفضاء الإلكتروني مهم، لكنه يجب ألا يتحول إلى شكلانية لا يتبعها أثر واقعي وحقيقي،  بل يجب أن يكون جسرًا نعبر به نحو العمل الواقعي، لا بديلاً عنه.

  • ثالثًا: التوازن بين الواقع والمواقع

ما أحوجنا إلى موازنة حقيقية دقيقة بين الواقع والمواقع: لا نقلل من أثر الصوت الرقمي، لكنه يجب أن يكون بداية الطريق، لا نهايته.

النصرة الواقعية تحتاج إلى تخطيط، تنظيم، تنفيذ دعم عسكري ومالي وإعلامي، وتضامن سياسي، وتقاطع اقتصادي.

الحضور الرقمي يجب أن يتحول إلى حركة ضغط جماهيرية واعية، تتحدث بلغة الأرقام والحقائق، وتكشف جرائم الاحتلال بمنطق القانون والضمير.

وقد وجّه الله المسلمين إلى التناصر والتعاون فقال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، فالنصرة بر وتقوى، والتخاذل إثم وعدوان.

ختاماً: إن نصرة غزّة ليست لحظةً عاطفيّة فحسب، بل هي واجب يفرض علينا أن نكون أكثر وعيًا بوسائلنا، وأكثر صدقًا في مواقفنا، فغزّة لا تحتاج فقط إلى من يتحدث عنها، بل إلى من يقف معها بالفعل، ويجعل من نُصرتها مشروعًا دائمًا، لا موسميًّا ولا افتراضيًّا فحسب.