26/10/2023
د. محمود مصطفى أبو محمود المدير التنفيذي في هيئة علماء فلسطين
في حال أمتنا اليوم وقد ضاقت الدنيا على أهلنا في فلسطين بما رحبت، وتكالبت أمم الظلم على أهل غزة هاشم، تصير “نصرة الحق” هي حديث المخلصين من أبناء هذه الأمة العظيمة وشغلهم الشاغل.
والنصرة عند أهل اللغة هي: حسن المعونة. واستنصره على عدوه، أي سأله أن ينصره عليه. وتناصروا: أي نصر بعضهم بعضا. والنصرة اسم من نصر ينصر نصرا، أي أعان وقوى وأغاث وأنجد. والنصرة تكون للحق وأتباعه وللمظلوم فردا كان أو جماعة.
والناظر في التاريخ يرى نصرة الله تعالى متحققة لرسل الله الكرام وعباده المؤمنين والمظلومين، فهو سبحانه يدركهم برحمته وغيثه المغيث؛ فنصرة الله لأوليائه سنة ثابتة لا تتخلف؛ ومن شك فلينظر كم من قرية أهلكها الله وهي ظالمة، وكم من نبي استنصر الله على قومه فلم يتأخر عنه عون الله ولا نصره؛ بل كان موعدهم الصبح؛ أليس الصبح بقريب؟ قال تعالى: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾ [غافر:51]، فليهدأ بال المؤمن وليطمئن قلبه.
وإن المؤمن في غمار التحديات المتوالية في الأرض المباركة وفي معركة طوفان الأقصى الدائرة رحاها على أرض غزة هاشم؛ يجاهد صابرا محتسبا واثقا بربه، يرقب عونه، ويحترم حكمة الله ومشيئته في تقدير الأقدار وتحقيق النصر؛ قال تعالى: ﴿ولو يشاء الله لانتصر منهم ولٰكن ليبلو بعضكم ببعض﴾ [محمد:4].
وعجيب ما نراه في هذا الزمان من خذلان الأخ والصديق وتكالب ملة الكفر عموما على غزة وأهلها؛أأ حتى صدق فيهم وفينا وصف النبي ﷺ في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناد حسن، قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت». وهذا هو حالنا والله المستعان؛ تفرقنا وخذل بعضنا بعضا وأخذت الدنيا مكانها في قلوبنا وتربعت، وعاش الكثير منا في دائرة ذاته ونسى أخاه وأمته؛ فاستفرد بنا عدونا واحدا تلو الآخر، دون أن نتعظ ونأخذ العبرة.
ولا شك فإن ترك نصرة المؤمن لأخيه باب شر عظيم، وسبب في حدوث فتنة وفساد كبير فقد تهدمت بالخذلان مربعات سكنية على رؤوس النساء والأطفال والشيوخ، وقصفت مستشفيات ومدارس وتعطلت كنائس ومساجد يذكر فيها اسم الله، وقد حذر ربنا سبحانه فقال: ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ [الأنفال:73]. وعليه فإن الإيمان الصحيح في قلب المسلم يدفعه للنهوض وبذل كل غال لنصرة أمته والذود عن حياضها، والدفاع عن أرضها ومقدساتها، فيكون نصيرا ومخلصا للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، قال تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هٰذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا﴾ [النساء:75].
إن الشرع الحنيف أمر صراحة بنصرة المسلم لأخيه وجعلها حقا واجبا، ونقاها من دعوى الجاهلية وطهرها من العصبية القبلية؛ فكان من أبر البر نصرة المظلوم، ومنع الظالم من ظلمه ولو كان أخ الدم والعشيرة، قال رسول الله ﷺ: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه» وفي رواية «تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» رواه البخاري. وبالمقابل فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة تحرم الخذلان وتحذر المرء من التخلي عن أخيه أو أن يسلمه لعدوه، قال ﷺ: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» وفي رواية «ولا يسلمه» رواه مسلم.
تطبيقات مبدأ نصرة الحق
بداية فإن أهل غزة وفلسطين يقدرون أيما تقدير لصبرهم وثباتهم وجهادهم؛ فهم رأس حربة لأمتهم، وقد كان من نصيبهم أن يقاتلوا العدو الصهيوني الغاشم على أرضهم نيابة عن أمتهم؛ لذا فإن نصرتهم نصرة للحق والدين والمقدسات. ويحرم خذلانهم بأي حجج قطرية أو مصلحية. ويتجاوز المسلم الحق العصبية والقبلية والوطنية في موقفه من أهل غزة والمجاهدين في فلسطين، فيعدل في حكمه وموقفه وشهادته، ولا يكون عونا لليهود الصهاينة على إخوانه وأبناء جلدته.
يقع على عاتق أهل العلم والمثقفين التوعية بمفهوم نصرة الحق، وأدلته من القرآن والسنة التي تبين وجوبه على الأقرب فالأقرب من الأفراد والجماعات والدول، كل بقدر استطاعته، وتستمر النصرة حتى تسد الحاجة وترفع الكربة ويزول العدوان، والفتوى في ذلك معروفة مشهورة.
ينبغي بناء الدوافع لنصرة الحق وتذكير الناس بها، باعتبارها طريقا لإحقاق الحق وتحقيقا للعدل ودفاعا عن المظلوم، وامتثالا لقيم التضامن والتراحم والنجدة وإغاثة الملهوف والجهاد بأنواعه.
ينبغي أن يتسابق أهل الإسلام رجالا ونساء في نجدة المجاهدين والمرابطين في فلسطين وغزة ونصرتهم بكل ما أمكن من وسائل وأدوات النصرة المادية والمعنوية الفردية والجماعية، ومراعاة الحكمة في طرق وأساليب نصرة الحق والتنويع فيها والابتكار.
ينصر المسلم أخاه في غزة بقلبه ودعائه ولسانه وقلمه وبريشته وبما تيسر وبما يحسن، فالكلمة والموقف لا تقل أهمية عن نصرة السيف والبندقية، قال ﷺ: «اهجوا قريشا، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل» رواه مسلم.
إن الجهاد بالمال من أعظم من أشكال النصرة وقد أفتى أهل العلم أن مصارف الزكاة الثمانية تنطبق على أهل غزة، كما أفتوا بجواز تعجيل الزكاة لهم، وأكدوا أن توجيه الزكاة لغزة وفلسطين الآن وفي ظل معركة طوفان الأقصى جهاد بالمال ومن أوجب الواجبات.
إن مفارقة أهل الكفر والنفاق، ومغادرة مجالسهم، وترك العمل معهم، ومقاطعة بضائعهم وتعرية موقفهم وكشف زيفهم، والخروج في الساحات تنديدا بهم؛ من النصرة الفاعلة المؤثرة المقدرة، ويحتسب المسلم ما يصيبه من أذى بسبب ذلك.
تجريم التعاون مع العدو الصهيوني، وتخوين كل من طبع معه أو نصره أو نسق معه ضد المؤمنين والمجاهدين؛ كيف وقد حذر الله تعالى من ذلك أيما تحذير، فقال: ﴿بشر المنٰفقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكٰفرين أوليآء من دون المؤمنين﴾ [النساء:138-139]، فمن مسلمات الإيمان الصحيح وأول ثمراته أنه يمنع موالاة الكافرين على حساب المسلمين.
يجب أن تتخندق الأمة في صف واحد، لنصرة المسلمين والمجاهدين في الأرض المقدسة، وتعلن النفير العام لرفع الحصار الظالم عن أهل غزة، قال تعالى: ﴿انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ۚ ذٰلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ [التوبة: 41].
رسالة نبعثها إلى القادة الشرفاء، والأمراء والوزراء، وزعماء الأحزاب والجماعات، وشيوخ القبائل والعشائر أصحاب النخوة والشهامة، وكل من استطاع في دول الطوق خصوصا وفي دول العالم الإسلامي عموما أن يقوم بواجبه في نصرة أهل غزة فيخذل عنهم ما استطاع ويوقف الحرب الظالمة عليهم، لقوله تعالى: ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾ [الأنفال/72].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
نقلاً عن: