خاص هيئة علماء فلسطين
13/2/2024
عَـــزَّام بَـــحَــر
الحمد لله الذي جعل ذروة سنام هذا الدين الجهاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام العُبَّاد، وعلى آله وصحبه الذين فتحوا مختلف البلاد وسطروا الأمجاد.
وسط المشهد التاريخي الذي تُصنع فصوله في فلسطين وغزة طيلة الأشهر الماضية، ما زلنا نرى من يهَوِّنُ من وقع الأحداث هناك، أو لا يبالي بها، ولا يتفاعل معها، ولا تحرك فيه جفنا أو قلبا أو عقلا، بل نرى من يلوم المجاهدين الذين يفعلون الواجب العيني (جهاد الدفع)، وكأنما صاحبنا اللائم هنا فعل كل الواجبات والمندوبات، بينما هو يمارس كبيرة من الكبائر، وهي: التخاذل، قال النبي – صلى الله عليه وسلم: “ما من امرئ يخذل امرأً مسلما في موضع تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته” [أخرجه أبو داود: 4884]
إن مثل المخذل الذي يلوك لسانه بـ”انتقاد” المجاهدين على ما فعلوه، كمثل من رأى رجلا أراد أن يصلي صلاة في آخر وقتها الاختياري، فبدل أن يدفع بالمصلي لتدارك الصلاة في الوقت الاختياري، صار يلومه على الصلاة ويقول له: ليس الآن وقت الصلاة، والأمر ليس مناسبا الآن، كيف تفعل ذلك؟
ولكن، دعونا نتتبع قليلا درب التخاذل وترك نصرة فلسطين، وترك العمل لتطهير المسجد الأقصى والأرض المباركة من الغاصبين، دعونا نتتبع طريق التقاعس عن الجهاد والنضال لتحرير فلسطين، ولننظر معا في النتائج “المثمرة” التي سنجنيها، وإلى أين سنصل باتباع تلك الطريق:
- عليك أولا أن تمحو من ذهنك شيئا اسمه “فلسطين” أو “قضية فلسطين” أو “الشعب الفلسطيني”، فالدولة اسمها “إسرائيل” والشعب هو “الشعب الإسرائيلي” والقضية هي مأساة “الشعب اليهودي” جراء مظلومية “الهولوكوست”، وأما الأقليات التي تعيش على أرض إسرائيل فوطنها الحقيقي قطعا ليست الأرض التي وعد الرب الشعب اليهودي بالعيش فيها، وهذه الأقلية “العربية” هي في الحقيقة “حيوانات”، كما يقول أحد قادة “جيش الدفاع”:
“نحن نقاتل حيوانات، ونتصرف وفقا لذلك.”
يوآف غالانت – وزير الدفاع في حكومة الاحتلال الصهيوني
- لن يكون هناك مكان اسمه “المسجد الأقصى” يُتَعَبَّدُ بالصلاة فيه، بمعنى أنك لن تستطيع امتثال أمر النبي – صلى الله عليه وسلم: ”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى” [أخرجه مسلم: 3384]، والواقع أن هناك معبدا يسمى ”الهيكل” هو حق خالص لليهود، يتعبدون فيه للرب، أما المسلمون فلهم مسجدان في مكة والمدينة المنورة، هذا إن كان اليهود “طَيِّبِين” وتنازلوا عن حقهم في يثرب، لكنهم قطعا لا يتنازلون عن حقهم في “الهيكل”، ومن ظن أن هذا مجرد ادعاء منا فليراجع كلام مسؤوليهم، من ذلك:
“يجب عقد مجلس الوزراء الأمني على الفور، للنظر في فتح جبل الهيكل أمام اليهود على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مع إمكانية العبادة هناك وما إلى ذلك”
إيتمار بن غفير – وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال
- لن تقوم للمسلمين قائمة في هذا العالم، ولن يكون لهم صوت ولا قوة، وربما لن يكون لهم وجود، فإن كان لهم حظ وظلوا أحياء، فسينالون ما يستحقونه من القتل والتعذيب والتهجير، فهم إرهابيون وخطر على هذا العالم المثالي المليء بالرحمة والعدل ما داموا لا يحكمونه.
- سنرى ازدياد وتمدد مساحة دولة “إسرائيل الكبرى”، وسنرى بطولاتها في السيطرة على البلدان وتحريرها، وربما يقول قائل: سنرى “النكبة المصرية” ومذبحة “اللاذقية” وحصار ”عمَّان” و”إقليم غرب الفرات المحتل”، لكن لن يستطيع أحد التَّفوُّه بهذه المصطلحات، فهي تُجَرِّمُ حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، وللدولة اليهودية كل الحق في الدفاع عن نفسها، حتى لو اتهمها خصومها “المخربون” بأنها تقتل المدنيين، فالدولة اليهودية الكبرى وعد من الرب لشعبه المختار، ولا بد من تحقيق هذا الوعد:
“سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات”
التوراة المُحَرَّفَة
- لن تستطيع الجهر بمفاهيم ومصطلحات تناهض الدولة الإسرائيلية وتتضمن معاداة السامية، منها: (الجهاد – المقاومة – الاحتلال – الكيان الصهيوني …) وغيرها الكثير، فمتى رأيت “إرهابيا مخربا” ينطق مصطلحا دخيلا على عقلك الوفي للشعب اليهودي ودولته، فعالم أن هذا المصطلح خطير، واحرض على أن لا تؤمن به وتدعو إليه، وإلا فإن مصيرك سيكون كمصير كل من انشق عن طاعة “ولي الأمر” اليهودي، الذي تجمعنا به الأخوة في معتقدنا “الإبراهيمي”
- وفوق كل ذلك سنكون قد حذفنا آية من القرآن الكريم، وهي قول الله-تعالى: {سُبْحَٰنَ اَ۬لذِے أَسْرَى بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَى اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْأَقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَاۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ} [الإسراء: 1]
”إذا أراد أحد أن يقول لي تنازل عن القدس كأنه يقول لي احذف من القرآن سورة الإسراء”
رمضان شلح – الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي
سيسأل البعض: كيف نكون قد حذفنا آية من كتاب الله-تعالى- والله يقول: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ}؟ [الحجر: 9]
والجواب: أن الحذف إنما يكون بالتنكر لهذه الآية وحذف مقتضاها من عقولنا وأعمالنا والتخلي عن معانيها، وهذا لا شك كبيرة من الكبائر، والأدهى والأَمَرُّ أن نرى من يساوم على هذه الحقائق ليجني مكاسب شخصية، أو ليرضي القوى الكبرى الحاكمة في عالمنا اليوم.
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 173]
وإن النتيجة الحقيقية للسير وراء أجندة الاحتلال وأذنابه ليست حذف آية واحدة فقط، بل حذف القرآن والسنة وكل الإسلام بمبادئه ونصوصه، فهذا العدو يناصبنا العداء في ديننا، وغايته أن نعطي الدنيَّة في عقيدتنا ومقدساتنا.
{وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّا أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} [البروج: 8]
وإن هذا الاحتلال لا يطمع فقط في فلسطين، بل يريد إحكام السيطرة على البلاد العربية والإسلامية، بل على كل العالم، ولو تركناه يستمر في إجرامه في غزة وفلسطين فسيأتي الدور على عمَّان والقاهرة وطرابلس والرباط وبغداد، بل والمدينة المنورة، وسائر حواضر الإسلام والمسلمين.
إن المشهد المخزي الذي ذكرناه وقد نراه واقعا إن قويت شوكة العدو وتركنا مواجهته، هو نزر يسير مما قد يحدث – لا قدر الله – ولا يغرنَّ أحدَنا شعاراتهم وأقنعتهم، فكلها قد سقطت في عدوانهم الوحشي المستمر على شعب فلسطين.
{لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ} [التوبة: 10]
وبعد بيان الصورة والواقع، ومعرفة وإدراك مسؤوليتنا وتقصيرنا تجاه فلسطين والمسجد الأقصى، هل سننتظر اكتمال المخطط الصهيوني حتى يبتلعنا ونكون جزءا منه، فنجني الخسران في الدنيا والآخرة؟
أم أن الوقت قد حان لنتدارك تقصيرنا، فننصر المقدسات والشعب الصامد ومجاهديه، وننتصر لدماء الأطفال والنساء والمسنين والرجال، الدماء الطاهرة الزكية، التي سفكها العدو ويسفكها وسيستمر بسفكها ما لم نقف بقوة في وجهه ونقاومه ونجاهده على كل الجبهات والمستويات.
وإن من فضل الله – تعالى – على هذا العالم أن فيه من يدافع الباطل ويدفعه، ومنهم هؤلاء المجاهدون على أرض فلسطين، وشعب فلسطين الصامد الثابت الذي يستمر في التضحية إحقاقا لسنة الله في كونه.
{وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّفَسَدَتِ اِ۬لْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى اَ۬لْعَٰلَمِينَۖ} [البقرة: 249]
إن أرض فلسطين وشعبها والمسجد الأقصى المبارك يستصرخون فينا الحميَّة على الدين والأمة والعقيدة والمقدسات، فإن أجبنا النداء وانخرطنا في مشروع التحرير والنصرة والجهاد فذلك فضل الله، وهو واجبنا لا نتفضل به، وإن تكاسلنا وتخاذلنا عن تلبية النداء فلن نجني غير الخزي والذل، وليتذكر كل واحد منا أنه سيسأل يوم البعث: ماذا عملت وقدمت لتحرير الأرض المباركة؟ فليحضر كل منا جوابا لهذا السؤال قبل أن يتوفانا الله – تعالى.
{يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪سْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]
{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اَ۬للَّهِ قَرِيبٞۖ} [البقرة: 212]
عَـــزَّام بَـــحَــر
الاثنين 24 – رجب – 1445هـ
5 – فبراير – 2024م