البروفيسور الشيخ عبد الله جاب الله

الحمد لله رب العالمين الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما والصلاة والسلام على عبده محمد خاتم الرسل والنبيين المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بحسان إلى يوم الدين.

إنّ المملكة هي أرض الإسلام الأولى، فيها الحرمان الشريفان، ومنها انطلقت دعوة الإسلام وبتضحيات رجالها الأوائل قامت للإسلام دولة لها سلطان نافذ تدين له النفوس بالطاعة والانقياد، فالإسلام لذلك متأصل في المملكة فهي له، ومن واجبه المحافظة عليها، ورفض كل دين آخر أو ملة أخرى أو مذهب آخر أو سلوكات وتصرفات أخرى تتعارض معه.

 وجميع المسلمين يحملون في قلوبهم لمن يحكم أرض الجزيرة العربية الاحترام والتقدير، لذا كان لزاما على حكام المملكة التمسك بالإسلام والذود عنه، والاستعاذة بالله من كل شيطان حتى لا يوسوس بما يتعارض مع الإسلام ولا ينفث شروره في أرضها وبين سكانها، فإنه كما أخبرنا الله تعالى (‌يَعِدُهُمْ ‌وَيُمَنِّيهِمْ ‌وَما ‌يَعِدُهُمُ ‌الشَّيْطانُ ‌إِلَاّ ‌غُرُوراً)[النساء:120].

ولا خلاف في أن شياطين الجن يتعاونون مع شياطين الإنس على نشر الضلال والفساد وشتى أنواع الظلم والباطل، وأسوأ شياطين الإنس هم الكفار المستعمرين وأوليائهم من منافقي هذه الأمة الذين صاروا أكثر نفوذا في دولها، فإليهم يرجع الحكم والأمر في شؤون الدين وشؤون الدنيا على حد سواء .

ورغم أن الاستعمار قد وعد أجدادنا وآباءنا بوحدة تجمع شمل العرب، وخلافة تعيد لهم مجدهم، وملكا طويلا عريضا يرفع لهم قدرهم في العالمين إذا هم وقفوا معه في الحرب العالمية الأولى !! وبعد أن انتصر على أعدائه مزق شمل العرب والمسلمين!!؟، وقسمهم إلى سبع وخمسين دويلة، وزرع بينها من عوامل الفتن والصراع ما يجعل تحالفهم وتعاونهم على ما لا يرضاه المستعمر مستحيلا مهما قامت الحاجة إليه!، ثم خدعهم مرة ثانية لما قامت الحرب العالمية الثانية، وانخدع الحكام بوعوده الكاذبة وعهوده الخادعة فكانوا معه، وتجددت خيانته لهم، وكان جزاء غفلتهم وطمعهم وحسن ظنهم به هو أن نزع منهم فلسطين وأعطاها لليهود!، فكانت الشوكة المغروسة في خاصرتهم لا يقر لهم معها قرار ولا يستقر لهم حال .

لقد كذب الاستعمار الغربي على قادة العرب والمسلمين كثيرا، واستذلهم جميعا واستغل ثروات بلادهم، ولا يزال يتصرف في شؤونهم وكأنهم عبيد وهو وحده السيد، وكأن أرضهم بما فيها من ثروات هي أرضه وهو السيد عليها والمالك لها!

وقد ازداد الأمر سوءً لما سيطرت النخب العلمانية التي تتبنى العلمانية كدين جديد له رؤيته للإنسان ودوره في الكون والحياة حاضرا ومستقبلا، فتلتزم منظوره القانوني والفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي! وترى أنه لا سبيل لها للبقاء في الحكم إلاّ بكسب ثقة المستعمر! وكأنه هو المالك الحقيقي لبلاد العرب والمسلمين، وهم مجرد وكلاء عنه في إدارة شؤونها على الوجه الذي يرضى عنه !

فكانت هذه المصيبة أسوأ وأخطر من المصيبتين السابقتين، وصدق الله تعالى: (‌وَالْفِتْنَةُ ‌أَكْبَرُ ‌مِنَ ‌الْقَتْلِ)[البقرة : 217].

إن قادة العرب بدل أن يتعظوا بكل التجارب السابقة فيعودوا إلى الإسلام عامل قوتهم ومصدر عزتهم وكرامتهم، فيكون لهم دورا قويا شجاعا واضحا في صداقتهم لمن يصادق، وصريحا في عداوتهم لمن يعادي، فيكون دورهم في الدفاع عن حقوقهم وإغاثة المستضعفين من إخوانهم في غزة وفلسطين دور السيد الموجه والقائد المغيث والحاكم الأمين على أرواح المسلمين وأرضهم وثرواتهم، يسارعون في تحريرها من العدو ورفع الظلم والعدوان الواقع على إخوانهم من الرجال والنساء والأطفال المعتدى عليهم في غزة وسائر أرض فلسطين، فيرضون الله تعالى بذلك ويفرحون المؤمنين، ارتضى معظمهم لنفسه دور التابع المقلد للمستعمر البغيض الذي هو شر الخلق أجمعين .( ‌إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)[البينة: 6].

1)     إن سلوك الحكام في بلاد العرب والمسلمين وأخص بالذكر بلاد الحرمين الشريفين سلوك مخالف للإسلام ومحارب له، لأن الإسلام يدعو إلى الحرية والاستقلال الكامل عن العدو.. وهم يدعون إلى التبعية له وتقليده في كل شيء، والله تعالى يقول فيهم وفي أمثالهم:.( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ‌هُمُ ‌الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[المنافقون:04].

(‌إِنَّ ‌الشَّيْطانَ ‌لَكُمْ ‌عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ)[فاطر:06].

2)     والإسلام يدعو إلى محاربة الاستبداد بجميع أصنافه، ويحرم الظلم بجميع صوره، ويمنع التعاون مع الظالمين والسكوت عنهم، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي ‌وجعلته ‌بينكم ‌محرما فلا تظالموا»  .

.. وهم يدعون إلى تسليم الأرض للعدو والاستسلام له، ويساعدونه في إبادة من يقف في وجهه ويدعو إلى محاربته .

3)     إن الإسلام يحرّم الكفر والبغي والفحشاء والمنكر، (‌وَيَنْهى ‌عَنِ ‌الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90] .. وهم يجتهدون في نشر الفواحش والمنكرات والبغي والضلال وهو محرم عليهم (‌إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19] .

4)     إن الإسلام يجعل الحكم بما أنزل الله تعالى عقيدة وعبادة، ويعتبر التخلي عنه من الحكام والمحكومين موجب للكفر والشرك والظلم والفسق، (‌اتَّبِعُوا ‌مَا ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:03].. وهم يعطلون أحكامه ويقدمون عليها القوانين الوضعية والأهواء البشرية .

5)     إن الإسلام يجعل الحكم بين الناس بالعدل وأداء الأمانات إلى أهلها، (‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يَأْمُرُكُمْ ‌أَنْ ‌تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء: 58]، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (الَّذِينَ ‌إِنْ ‌مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41]، وما يتفرع عنها من واجبات تفصيلية واجبات مقدسة ملقاة على عاتق الحكام.. وهم يستغلون السلطة لخدمة مصالحهم ونهب ثروات شعبهم، ويمكنون فيها لأوليائهم، ويرتكبون فيها كل ظلم وينشرون كل فساد ومنكر .

6)     إن الإسلام يجعل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كطاعة الله تعالى،( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ‌فَقَدْ ‌أَطاعَ ‌اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)[النساء: 80]،  وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم كحكم الله تعالى ؛ واجب الاِتّباع والالتزام، (وَما ‌آتاكُمُ ‌الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر:07]، ويعتبر مناقشة الرسول صلى الله عليه وسلم والإعراض عن أمره مبطل للعمل وماحق للإيمان ومزيل لحقيقته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لَا ‌تُقَدِّمُوا ‌بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: 1-2].. وهم يجتهدون في نشر التمرد على الدين ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفته في أمره ونهيه.

7)     إن الإسلام يجعل أسباب الفتن والمحن والشدائد والمصائب والاضطرابات هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه، (‌فَلْيَحْذَرِ ‌الَّذِينَ ‌يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63] .. وهم يجعلون مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه سياسة متبعة ترصد لها مئات الملايير، ويقوم عليها العديد من المؤسسات والهيئات والتنظيمات.

8)     إنّ الله تعالى منع التشريع عن البشر ابتداء، وخص به ذاته عز وجل ورسوله صلى الها عليه وسلم، فالله تعالى هو صاحب الحق في الأمر والنهي (‌أَلا ‌لَهُ ‌الْخَلْقُ ‌وَالْأَمْرُ)[الأعراف: 54]، وأن الإيمان به خالقا يقتضي الإيمان به حاكما، فليس من حق أحد أن يغير أي شيء جاء في الكتاب والسنة، ولا يملك أي أحد سلطة تغيير أو تعديل أي شيء من الأصول والمبادئ والأحكام الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة .. وهم يوالون الأمريكان واليهود ويتبعون آراءهم ومواقفهم في كل ما يأمرون به وينهون، وإن تعارض مع صريح الكتاب والسنة .

9)     إن الإسلام يجعل اتّباع البشر في التحليل والتحريم عبودية للبشر، واتخاذهم أربابا من دون الله .. وهم يجعلون اتّباع البشر الغربيين في ذلك سياسة وحكمة بالغة لكسب ثقة الغربيين من صهاينة أمريكيين ويهود وغيرهم . قال تعالى: (‌اتَّخَذُوا ‌أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[التوبة:31].

10)   إن الإسلام يبيّن أن النظام الإسلامي يتميز عن النظم الوضعية، فالنظام الإسلامي يخضع للشريعة ويسهر على حفظها ونشرها والدفاع عنها، ويجتهد في الالتزام بها في قوانينه وسياساته وبرامجه ومواقفه وعلاقاته بمراعاة الواقع القائم والظروف المحيطة به .. وهم يخضعون نظامهم السياسي إلى ما جاءت به النظم الوضعية وفلسفتها، ويلتزمون بقوانينها الوضعية وقرارات الدول الكبرى وتوجهاتها وإن تعارضت مع الدين وألحقت بالغ الضرر بالمسلمين، والله تعالى يقول : (‌وَأَنِ ‌احْكُمْ ‌بَيْنَهُمْ ‌بِما ‌أَنْزَلَ ‌اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)ّ[المائدة:49-50].

11)   إن مهمة الدولة في الإسلام كما اتفقت آراء فقهاء السياسة الشرعية هي حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي، وهو ما يلتقي مع تعريفهم للإمامة بقولهم : ” خلافة عن صاحب النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به “، والحمل هو الإلزام بالإصلاح جبرا، وكذا النيابة عن النبوة، إنما كانت من أجل مهمة الإصلاح البشري، ولو كانت على خلاف ذلك تترك الناس على ما هم عليه من الضلال والفساد والباطل والظلم، لما كانت ثمة حاجة ولا معنى لإرسال الرسل وإنزال الكتب وخاتمها القرآن الكريم حاملا لمنهج الله تعالى لعباده ليؤدوا به وظائفهم التي خلقهم من أجلها، فيسعدون في الدنيا والآخرة (‌فَمَنِ ‌اتَّبَعَ ‌هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى)[طه: 123] .

12)   إن أعظم واجبات السلطة في الإسلام هو الالتزام بالشريعة في القيام بوظائفها سواء كانت اختصاصات لا تملك أمامها إلا الحفظ والأداء، أو كانت سلطات يتسع فيها دورها في الاجتهاد والنظر ضمن ضوابط الاجتهاد وشروطه، وأن هذا الالتزام هو الركن الأساس لشرعيتها .. وهم لا يعظمون شعائر الله تعالى، ويعطلون العمل بالشريعة، ويتهجمون على الكثير من أحكامها، وقد بلغت الوقاحة بهم إلى سجن العلماء والدعاة الذين يقولون الحق وينصحون به، وإسناد المسؤوليات إلى غير أهلها من أصحاب التوجه العلماني، ثم وصل التطاول والسخرية بالدين وحرماته إلى حد الاستهتار بالكعبة المشرفة والسخرية منها وبما ترمز إليه من مبادئ وشعائر وفضائل وقيم، فجعلت لها مجسما في “الرياض”؛ عاصمة البلاد، للهو والرقص والغناء يمارسه الكفار من الرجال والنساء العاريات على مرأى من العالم كله، واله  تعالى يقول : (‌وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ ‌لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)[التوبة : 65-66].

13)   إن الإسلام يجعل الشخص الذي يرأس الدولة قائما مقام النبوة، لأن وظائفه ذات تنوع واتساع، لذلك وضعوا شروطا كبيرة فيمن يتقدم للمنصب، ومنها شرط العلم حتى يكون مدركا لتبعات الإمامة – السلطة العليا –  ووظائفها وأعبائها، ومنها شرط الاستقامة أو العدالة ليكون قدوة حسنة لعموم المسؤولين والشعب (‌وَلَوْ ‌رَدُّوهُ ‌إِلَى ‌الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء:83]، .. وهم لا يلتفتون لذلك، ولا يقدمون للحكم إلاّ من كان من سلالة الحاكم وإن كان جاهلا وفاسقا، ظالما للشعب وناشرا للفساد.

هذه مخالفات لبعض الأصول السياسية التي تقوم عليها دولة الإسلام، أما المخالفات لواجبات النصرة، فمنها :

14)   إن فلسطين هي أرض الإسلام والمسلمين، فهي مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقصاها هو ثالث الحرمين، فيه أمّ الرسول سائر الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام، ومنه كان معراجه إلى السماء، ثم إنه إلى أرض الشام – ومنها فلسطين- تكون هجرة المسلمين في آخر الزمان، وفيها يَقتل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام المسيح الدجال لعنه الله، فهي لذلك أمانة الإسلام في أعناق المسلمين جميعا، وخاصة حكامهم وأغنياؤهم لا تبرؤ ذممهم إلا بتحريرها والحفاظ عليها كاملة غير منقوصة .. وهم يتنازلون عنها لليهود تحت شعار الأرض مقابل السلام، وهو شعار باطل وظلم .

15)   إن الجهاد من أجل تحرير فلسطين وحماية المسلمين هو واجب الوقت الذي لا يتقدمه واجب آخر، وإن التخلي عنه والتثاقل في القيام به تحت أي عذر مصيبة ومعصية كبرى موجبة للعذاب الأليم ؛ (‌إِلَاّ ‌تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : 39].

16)   إن التضحية بالمال والنفس لنصرة الدين وتحرير فلسطين وإعانة المستضعفين هو عهد أخذه الهإ تعالى على المؤمنين في التوراة والإنجيل والقرآن ؛ (‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 111].

وإن ذلك واجب ملقى على عاتق كل مسلم يستوي فيه الرجال والنساء والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء، كل يؤدي ما عليه بحسب قدرته، وقدرة الأنظمة والحكومات أكبر من قدرة غيرهم، وقدرة المملكة أكبر من قدرة غيرها، وقد بيّن الله تعالى أن المسلمين أمام هذا الواجب بين صادق في عهده فبشره الله تعالى بالجزاء، وبين منافق ترك أمره إلى المشيئة يوم القيامة إن شاء عذبه وان شاء عفا: ‌(مِنَ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : 23-24 ].

17)   إن الإسلام يوجب نصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، ‌(وَما ‌لَكُمْ ‌لَا ‌تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً)[النساء: 75] .. وهم يحرضون على قتلهم، ويحاربون من يمد لهم يد المساعدة والنصرة .

18)   إن الإسلام يوجب الولاء للمسلمين، إِنَّما ‌وَلِيُّكُمُ ‌اللَّهُ ‌وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)[المائدة: 55]،  والبراءة من الكافرين وعدم اتخاذهم أولياء، قال تعالى : (‌إِنَّما ‌يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة : 09] .. وهم يوالون الكافرين من اليهود والأمريكان، وغيرهم الذين استعمروا فلسطين، وعملوا ويعملون على إبادة الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وهم يحاصرون المسلمين في غزة خاصة وفلسطين عامة ويتآمرون عليهم، ويحرضون الأعداء عليهم، ويمدونهم بالمال والسلاح والطيران والغذاء والمقاتلين.

19)   إن الإسلام قرر الحقوق والحريات بأحكام الشرع التكليفية، والحكم التكليفي ينشئ واجبات ولا يرتب حقوقا، وإنما تتحقق الحقوق وتحترم لما تؤدى الواجبات، وعليه فليس للأمة ولا للحكام أي حق في الأرض حتّى يتصرفوا فيها بالتنازل والمساومة والتخلي عن تحريرها، وإنما هناك واجبات المحافظة عليها وتحريرها من الاستعمار والدفاع عنها عند تعرضها للعدوان.

 وعليه فإن التنازل عن فلسطين أو عن جزء منها للعدو وإقراره على عدوانه وظلمه،  جرائم في حق الإسلام والأمة تجعل أصحابها آثمين يتحملون مسؤولية كل الأرواح التي أزهقها العدو، وكل الأعراض التي انتهكها أثناء ذلك، وكل الأموال التي تنهب والممتلكات التي تهدم وتصادر من طرف الأعداء.

20)   لا يجوز التقاعس عن نصب الحرب على العدو ما دامت دواعي الجهاد قائمة دفاعا عن إقليم الدولة كما هو الحال اليوم في فلسطين التي هي جزء من إقليم أمة الإسلام وبها العديد من المقدسات، وقد احتلها العدو وهم ماضون في تشويهها وتهويد الأقصى الشريف، فالجهاد من أجل تحريرها واجب مقدس، ونصرة المجاهدين الأبطال الساعين في تحريرها فريضة مقدسة ملقاة على عاتق الأمة وأنظمة حكمها .

21)   إن عقد السلم والصلح مع دولة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين حرام حرمة أبدية للعديد من الأدلة منها على سبيل المثال :

–       إن الإسلام لا يعترف بالظلم والعدوان ولا يستسلم للظالم ولا يتعاون على إقرار ظلمه لأنه إثم وعدوان والله تعالى يقول: (‌وَلا ‌تَعاوَنُوا ‌عَلَى ‌الْإِثْمِ ‌وَالْعُدْوانِ)[المائدة].

–       إن الإسلام لا يقر سلم الهوان لقوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا ‌إِلَى ‌السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) [محمد: 35]. والنهي يفيد التحريم لأنه لا صارف يصرفه عن هذا المعنى، ولأن فيه تشجيع على شيوع الظلم وإلحاق الضرر بالمستضعفين، وهذا باطل ودفعه واجب كما بيّنا .

–       إن الإسلام منع البغي والعدوان وأمر برفعه إن وقع، ولم يجز المساعدة على وقوعه أو استمراره بأي حال من الأحوال منعا لتحكيم منطق القوة الغاشمة في العلاقات الدولية والمحلية .

–       إن الإسلام أمر أتباعه أن يردوا على من اعتدى عليهم بالمثل (‌فَمَنِ ‌اعْتَدى ‌عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة :194].

–       إن الإسلام حرّم كل عقد أو شرط حرم حلالا أو أحل حراما، لقوله عليه الصلاة والسلام : ((‌المسلمون ‌عند ‌شروطهم إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما “، والشرط عقد، فالعقد الذي يكون حراما لا يجوز إبرامه .. وأنتم تصرون على الاتفاق مع دولة الكيان الصهيوني وتقدمون له الدعم في عدوانه على غزة .

22)   إن الله تعالى بيّن في القرآن حقيقة اليهود فهم أمة كافرة كاذبة مناورة لا عهد لها ولا ميثاق ولا وفاء، وهم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم وأعداء الملائكة الكرام، يكرهون المسلمين ويتآمرون عليهم ويسعون للقضاء عليهم، وجرائمهم في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق شواهد صارخة !! .. فكيف تواسونهم وتحالفونهم وتساعدونهم؟! .

23)   إن أمريكا برهنت خلال تزعمها للعالم بعد الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم أنها مع اليهود باستمرار، وأنها هي حاميتهم والمدافعة عنهم، وهي من يمدهم بعوامل القوة والاستمرارية، وهي من تحاول دائما شرعنة ما تقوم به دولة الكيان الصهيوني من قتل وتدمير وتشريد للفلسطينيين وسجن ومصادرة الأموال والممتلكات والأرض والديار، وهي من يضغط على النظام الرسمي العربي ليكون معهم في جرائمهم أو على الحياد، وتمنع تقديم المساعدة للفلسطينيين، فأمريكا بهذه الجرائم هي العدو الأكبر ويجب أن تعرف ذلك، وتسحب منها ورقة رعاية المفاوضات مع دولة الكيان الصهيوني .

هذه أنواع من مخالفاتكم للدين وتآمركم عليه وعلى الأمة عامة وفلسطين خاصة، ومع كل هذه المخالفات: اعلموا أن طوفان الأقصى لـ 07 أكتوبر 2023 الذي فاجأ دولة الكيان الصهيوني، وفاجأ العالم بأسره قد قدم الدليل العملي على هشاشة جيش دولة الكيان الإسرائيلي، فالفرقة التي هجم عليها أبطال كتائب القسام هي أكبر الفرق في جيش العدو، وقد تم القضاء عليها في زمن قياسي حيّر جميع الخبراء ومكاتب الدراسات العسكرية، ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم (ونحن في أواخر نوفمبر 2024)، انتصرت المقاومة على جيوش العدو في كل الاحتكاكات العسكرية، ولم يستطع العدو تحقيق أي هدف من أهدافه الكبرى إلا قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم المباني وتجريف المزارع والطرقات بالطيران والصواريخ والمدفعية رغم الدعم الأمريكي والأوروبي وكثير من الأنظمة المجاورة والقريبة من فلسطين .

ألا يدل هذا على استحالة انتصار دولة الكيان الصهيوني واستحالة بقائها؟ ثم ألا تستحق المقاومة منكم ومن النظام الرسمي القائم في العالم العربي والإسلامي كل دعم واحترام وتقدير يأمر به الإسلام وتدعو إليه طبيعة الصراع وتقتضيه المصالح العليا المشتركة للعالم العربي والإسلامي؟

 ولكن للأسف! رفضتم آداء واجبات النصرة، وغفلتم على أن الإعراض عن كل ذلك هو إصرار على الاستمرار في معصية الله تعالى، وعقوق لحق أخوة الإسلام والعروبة، وولاء لدول الكفر المستعمرة للأرض والمعتدية على الأمة، فماذا بقي لكم من معاني الإسلام وخصائص شخصية المسلم؟!

 فاذكروا قيمة البلد الذي تحكمونه، وعظم شأن الحرمين الشريفين وما لهما عليكم من حقوق ثابتة في ذمتكم، تُسألون عنها يوم القيامة أمام الله تعالى، ثم أمام أصحاب الحقوق فيها من ملايين المسلمين، فماذا يكون جوابكم؟ وكيف يكون خلاصكم ؟ واخشوا مكر الله تعالى وغضبه في قوله عز وجل: (‌وَإِذا ‌أَرَدْنا ‌أَنْ ‌نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)[الإسراء : 16]،  فتوبوا إلى الله تعالى قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، فتندمون ندما لا مخرج منه.

وتأملوا قوله تعالى: (‌وَنَضَعُ ‌الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء :47].

البروفيسور الشيخ عبد الله جاب الله

الجزائر في: 26 جمادى الأولى 1446هـ // 28/11/2024م