مخلص برزق
ويحك.. إن بلغا عندك الكبر فمعنى ذلك أنك أيضاً لم تعُد صغيراً!! وأنَّك قد أصبحت كبيراً وصاحب تجربة معتبرة في الحياة.
فإن كان مقبولاً أن تخطئ بحقهما وأنت صغير غرّ طائش، فليس مقبولاً أبداً أن يصحبك طيشك وقد بلغت أشدّك وأوتيت رشدك. فإضافة إلى أنّه لا يليق بك أن تكرِّر إساءات عوتبت عليها مراراً وتكراراً، فإنّ قدرة والديك على احتمال تصرّفاتك الرَّعناء بحقهم تتناقص طردياً مع تقدّمهم في العمر لعلمهم بأنَّك أيضاً تشاركهم الأمر ذاته.
لم يعد مقبولاً أن تسيء التَّصرف معهما وقد عركتك الحياة وعلَّمَتْكَ كيف تتعامل مع أصناف البشر وتحسب حساب ردود أفعالك حيال الصّالح والطّالح، البريء والشِّرير، الغنيّ والفقير، الماجد والحقير، الحسيب والوضيع، الشّهم والوغد، النّبيل واللّئيم.
لم يعد مقبولاً أن تنتبه لكلماتك وأحرفك مع كلّ هذه الأصناف من البشر خشية أن توقعك في مواقف لا تحمد عقباها، وتترك العنان لنفسك تتفوّه بما تشاء دون أيّ رباط مع والديك.
ولئن كانت “أفّ” تخرج فيما مضى من فمك بلا وعيٍ مع كلماتٍ أخرى كثيرةٍ كنتَ تنشرها هنا وهناك، فأفّ التي تخرج منك اليوم وقد كبرت تحمل الكثير الكثير من المعاني التي بتَّ تعيها جيداً وتعي وقعها الذي يضاهي إطلاق الرّصاص الحيّ.
وإليك هذه المقاربة المهمّة، فهناك كلمات بروتوكولية مهمّة يحتاجها كل من يخالط النّاس سواء كان ذلك في الدّوائر الحكومية أو الأسواق أو في وسائل الإعلام أو حتى على مواقع التّواصل الاجتماعية، ولأجل تعميقها وحصد ثمارها تعقد لها دورات ومحاضرات للتحلّي بها كونها ترفع كفاءة الذي يحسن استخدامها وتفتح له مغاليق أبواب قد تستعصي عليه بدونها، أمّا ذلك الذي أكرمه الله بوجود والديه أو أحدهما عنده فعليه أن ينتقي ما هو أفضل وأطيب وأزكى منها ليخاطبهم بها. عليه أن ينتقي تلك الأقوال التي وصفها الله تعالى بأنّها “كريمة” في قوله: “وقل لهما قولاً كريماً”. وإنَّه والله لوصفٌ آسرٌ للنَّفس والرّوح، وأجمل ما فيه أنّه يشابه وصف الله تعالى لكلامه وكتابه وآياته بقوله: “إنّه لقرآن كريم” أي: كثير الخير، غزير العلم، فلتكن أقوالك مع والديك كثيرة الخير، جميلة المبنى، مباركة الأثر.
تذكّر دائماً أنَّهما إنْ كبرا عندك، فذلك يعني أنّك أنت أيضاً قد كبرت معهما، وأنّك بالضرورة قد خبرت أحوال النّاس ومعادنهم، ورأيت أحوال البارِّين بآبائهم وأمّهاتهم وكيف يكرمهم الله في الدّنيا قبل الآخرة، وكيف يجعل لهم القبول عند الآخرين، وكيف أنَّهم على الأغلب يحظون ببرِّ أبنائهم لهم جزاءً طيّباً من جنس عملهم الطيّب. وفي ذات الوقت فلابّد بأنَّك كذلك خبرت أمثلة من العاقِّين لوالديهم وما يتداول عن قصصهم وما فيها من تجَلِّياتٍ لعدالة السّماء في تدابير القدر. فاستفِق وتفكَّر فإنَّ لك في كلّ ذلك مزدَجرٌ عن التّشبه بهم أو مجرد الاقتراب من سيرتهم السيِّئة، والعاقل من اتَّعظَ بغيره.
وتنبَّه إلى أنّه يفترض بك وقد أمضيت قسطاً من عمرك تتلو كتاب ربِّك، وتستمع إلى آياته وما فيها من أوامر ونواهٍ، وعشت فيه مع قصص الأوَّلين، فتبيَّن لك ما يحبّه الله من صفات وما يرتضيه من أخلاق لعباده الصَّالحين وفي مقدّمتهم صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين، فتتمثَّل أخلاق إبراهيم الخليل عليه السَّلام وهو يخاطب أبيه بكلِّ لطفٍ وترفّقٍ وأدبٍ وإشفاق: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) سورة مريم. ومثله في البرِّ إخوانه الأنبياء ابنا الخالة يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم عليهم السلام فقال عن الأول: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14)- سورة مريم، وقال عن الثاني: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)- سورة مريم.
فكيف لك أن تحيد عن أخلاقهم وصفاتهم المباركة في تعاملك مع والديك وقد كبرا عندك؟ مع اعتبار أنَّه قد يكون حالهم من الصَّلاح والتُّقى أفضل بكثير ممَّن ورد ذكرهم مثل “آزر” والد إبراهيم عليه السَّلام.
وفي السِّياق ذاته، فلابدّ بأنَّ أحاديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن عقوق الوالدين قد طرقت مسمعيك، ويكفيك منها -ويا لهول ما فيها- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين.. الحديث). رواه البخاري.
وانتبه رعاك الله فإذا كنت قد غفلت فيما مضى عن مدى معاناة والديك في تربيتك وتنشئتك حتى تكبر، فلا عذر لك بعد أن ذقت مثيلها مع أبنائك سهراً وتمريضاً وتربية وتعليماً وجهداً وجهاداً لتوفير لقمة عيشهم وتأمين حياة كريمة ومستقبل زاهر لهم. لاعذر لك ألاّ تتذكَّر معروفهم مع كلّ زفرة منك وآهة تطلقها تعباً وإعياءً وإرهاقاً ممّا تلقاه في مسيرة تنشئتك لأبنائك.
وعودة إلى الآية “إمّا يبلغنَّ عندك الكبر”، ففيها إشارة إلى أنّك في حالتهم هذه تكون قد كبرت وكبرت مسؤولياتك وازدادت أعباء الحياة على كاهلك، وهو ما قد يشغلك عنهم أو يخلط الموازنات لديك فتُقدِّم حقوقاً على حقوق، أو أولويات على أولويات، فالحذر الحذر، فليس شيءٌ أولى منهم، ولا انشغالَ يُشغلك عنهم، ولك في أصحاب الصَّخرة مَثلٌ وقدوةٌ وأسوة، فإن رُمتَ انفراج صخور الهمّ والغمّ عنك فافعل فعل ذلك المستجير بالله ببرِّه وإحسانه بوالديه. إنّه ذلك البارُّ بوالديه الذي ادّخر عمله ذلك لشدّة شديدة لا يزيلها إلا صدقٌ في العطاء، ولله درّه، فلثقته بعظيم فعله، بادر قبل غيره بالدُّعاء بعمله الصّالح المبارك الذي لم يكن سوى ذلك البرّ. فعن أبي عبد الرَّحمن عبد اللَّه بن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة). متفق عليه
فيا ترى، هل منَّا من يصمّ آذانه عن أي احتياجٍ سوى احتياج والديه، هل منَّا من يقدِّم احتياجاتهم على أي احتياج لمن يشاركونه حياته؟ والرّسول صلى الله عليه وسلم ينبِّهنا ألاّ نكون مثل جريج العابد الذي نادته أمّه فقال: اللهمّ أمّي وصلاتي. تُعيدُ النِّداء وهو يعيد السّؤال حتى تبرَّمت منه ودعت عليه فاستجيبت دعوتها!!
إنَّ من فلسفة العطاء المبرور أن يُقدَّمَ على طبقِ الحاجة والفاقة ممّن هو محتاجٌ إلى من يَذكُرُهُ في عطائه وإحسانِه، ثمّ هو يُسابق غيرَهُ في البذل والعطاء، تماماً كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الصَّدقةِ أعْظمُ أجْراً؟ قَالَ: أنْ تَصَدَّقَ وأنْت صحيحٌ شَحيحٌ تَخْشى الْفقرَ، وتأْمُلُ الْغنى، وَلاَ تُمْهِلْ حتَّى إِذَا بلَغتِ الْحلُقُومَ). متفق عليه
إنَّ رعايتك والديك وأنت مثقلٌ بالمسؤوليات، ومشاكل الحياة تطوِّقك من كلِّ جانبٍ وناحية، والأزمات تطرق بابك متتالية، هو البرّ الحقيقي الذي يريده الله منك، وليس الإحسان إليهم وأنتَ فارغٌ من كلّ الهمومِ والمشاكل وأعباء الحياة، إذ الأمر في هذه الحالة سهل ميسور على الجميع، وكلّ واحد يحسن أن يقوم به.
وكذلك أيضاً فإنّ رعايتك ومراعاتك لهم لا ينبغي أن تجعلها وهم في أوج قوَّتهم واستغنائهم عنك وعن غيرك، بل حين تزداد مشاكلهم المادية والصحيّة والنفسيّة لتضاف إلى مشاكلك وأعبائك وهمومك التي تحتاج إلى الوقت والجهد والمعونة للتَّعامل معها ووضع حلول لها.
وانتبه لأمرٍ دقيق، فأن يكبر والديك عندك فذلك يعني أنَّ الأجل قد امتدّ بهم ليسجِّل صمودهم أمام نوائب الزَّمن، واحتمالهم غدراته والصَّبر على تقلبّاته. وذلك يعني أنّه قد فاض كأس المرّ والأسى لديهم، وما عاد في مقدورهم احتمال المزيد بعد أن أصابتهم الأرزاء في أفئدتهم حتى تكسَّرت النِّصال على النِّصال. بما يعني أنَّ أيّ شيء ترميهم به ولو كان مجرّد شقّ كلمةٍ نابية، كفيلٌ بأن يهدم كيانهم ويحطّم أركانهم.
أن يكبروا عندك فذلك يدلّ على مدى تمسكِّهم بقربك، واستئناسهم بوجودك، وظنّهم الحسن بك أنّك سترعاهم وتراعيهم، فأيّ إساءةٍ لهما صغيرة كانت أو كبيرة، ستضاعف آلامهم بخيبة أملهم فيك وحسرتهم على تجرّعهم مرارة خذلانك مشاعرهم.
وأن يكبروا عندك يعني أنّك قد أحطتّ بطباعهما ودواخل نفسيّاتهما أكثر من أي شخص آخر، وأنّك قد غدوت بذلك خبيراً بكل ما يفرحهما وما يحزنهما، وبالذي يسعدهما ويغضبهما، فضلاً عن علمك وإحاطتك بمشاكلهم الصحيّة والنفسيّة والعاطفيّة، وذلك يزيد من مسؤوليّتك وتبعات تصرفاتك معهما.
أن يكبروا عندك فذلك يعني أنَّ الله قد اختارك من بين إخوانك وأخواتك ليخصَّك بهذه النّعمة كي تزداد أجراً وفضلاً ومرتبة عليهم، ما يستلزم أداء شكرٍ خاصٍّ بتلك النِّعمة الجليلة بتحرِّي برِّهما والمبالغة فيه، واعلم بأنَّ كلّ تصرُّفٍ لا يُترجم إلى شكرٍ للنّعمة هو في حقيقته كفرٌ لتلك النِّعمة، توشك معه أن تفقدها ويستبدلك الله بمن هو أهلٌ لها.
أن يكبروا عندك يعني أنَّهم بذلك يشاركونك أفراحك وأتراحك، ويتقاسمون معك الحلوة والمُرَّة، وأنَّكم تجتمعون سويّاً على مائدة طعام واحدة، فإن كان الحُرُّ مَن راعى وِداد لحظة، مِن أيِّ شخصٍ كان، فكيف إذا كانت لحظاتٍ ولحظاتٍ مع أقرب النّاس إليك؟
وكأيّ عملٍ صالحٍ يكرمك الله به، ليكن حرصك عليه وعلى أجره كحرصك على القيام به أو أكثر، احذر من مبطلات الأعمال ومحبطاتها واذكر دائماً قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ”، إيّاك أن تزيِّن لك نفسك أنَّك قد استوفيت كلّ مواصفات البررة المحسنين فتعجبك نفسك وتغترَّ بعملك بدل أن تشكر الله على هذه النِّعمة، واحذر أن تنزلق إلى المنّ بإحسانك ولو بنظرة أو إيحاءة لوالديك بأنَّك صاحب فضل عليهم، أو أنّك قدّمت لهم ما لم يقدِّمه أحدٌ من أبنائهم لهم. فالأجدر بك أن تحتقر كل ما يصدر منك لهم، وتستصغر شأنه تجاههم.
وعليك بالصّبر ثمَّ الصّبر ثمّ الصّبر، فقد يملّوا منك ويقصروا اهتمامهم بغيرك من أبنائهم، قد لا تسمع منهم مدحاً ولا ثناءً على ما تقدّمه لهم، فيما هم يسبِّحوا بحمد وثناء أبناء آخرين لا ترى أنّهم قدّموا شيئاً يذكر إلى جانب ما تقدِّمه لهم، وإنَّما هو الشّوق للغائب حتى يعود والمريض حتى يشفى والصّغير حتى يكبر.
وتفكر مليّاً.. فإنّ تلك الآية (إمّا يبلغنَّ عندك الكبر) قد وردت في سورة الإسراء، وجاءت في سياق التّوجيه الإلهيّ للمؤمنين كي يتحلّوا بصفات “عباد الله” الذين يُشرِّفهم الله بحماية أرض الإسراء والمسجد الأقصى المبارك والدِّفاع عن طهره وقداسته.
وكل من تاقت نفسه لنيل شرف الانضواء تحت راية “عباد الله” لتحرير المسجد الأقصى من براثن المحتلِّين، وتطهيره من دنسهم، فعليه أن يتخلَّق بالصِّفات والأخلاق التي أوردها الله لهم في تلك السورة، ومن أوائلها علاقتهم المميَّزة مع والديهم والتي لا تقيَّم وتوزن بمواقف أو أعطياتٍ أو هبات، وإنَّما بأدقِّ التَّعابير والكلمات. إيّاك أن تفسد البوصلة التي تتحرى بها وجهة بيت المقدس، واحذر أن تكسر الدّفة التي توجّهك نحو الأرض المباركة بانفعالاتٍ غير محسوبةِ العواقب تجاه أمِّك أو أبيك، حاذر أن تضيع وقتك وأنت تظنّ أنَّك من أصحاب أعظم مشروع يتعلّق بقضية الأمّة المركزية، وقد أبعدَكَ الله عنه لأفٍّ تساهلتَ في إطلاقها في وجه والديك، وقد بلغا الكبر عندك. احذر عندها، ثمّ احذر أن تكون من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنَّهم يُحسنون صنعاً، ذلك أنَّ جنود الأقصى وعباد الله الذين يصطفيهم لنصرته لا حظَّ لمن تلبَّس بالعقوق أن يكون واحداً منهم.
لن تكون منهم أبداً ولو أمضيتَ حياتك كلّها تسعى لذلك، ولو تصدَّرتَ المجالس وارتقيتَ المنابر، وعُقدت عليك الخناصر، وتجشَّمت لذلك المخاطر، فأمرُكَ معقودٌ على عنايتك ببستانِ والدَيكَ النّاضر.