خاص هيئة علماء فلسطين

         

مخلص برزق

نبحث عن أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله في أفضل أيام الدنيا كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنتواصى فيما بيننا بشد الرحال لأداء مناسك الحج والعمرة لمن أكرمه الله تعالى بذلك. ويحث بعضنا بعضاً على الصيام مع تخصيص يوم عرفة بذلك وبالقيام والذكر والتسبيح والتكبير والتهليل وسائر الطاعات.

إنه مضمار واسع رحب لا يضيق إلا على من لا همة له ولا إرادة عنده للخير واغتنام مواسم الطاعات ولذلك فإننا لا نستهدف تلك الفئة الخائرة الخاملة ولكننا نبحث عن صنف آخر يتطلع دائماً لمعالي الأمور ولا يقنع بما يقدمه عوام الخلق فهو في سعي حثيث دائم لتقدم الصفوف في مضمار المتنافسون على الخير، ولا تعجبه إلا الصفقات الكبرى في تجارته مع الله تعالى. وهو ما يجعلنا نيمم الوجوه هذه الأيام المباركة نحو غزة.. فلماذا غزة؟

غزة التي ملأت ليالينا العشر في رمضان بالدعاء والابتهال والمناجاة.. وأذاقتنا –رغم آلامها وجراحها- طعم الأمل، حري بنا بأن نرد لها الجميل في أيامنا العشر، فنخصها بالدعاء أن يتقبل الشهداء ويداوي الجرحى والمصابين ويعافي المبتلين ويفك كرب المكروبين ويكسر الحصار الظالم عن المحصورين.

غزة التي تضمخ عيد الفطر فيها بدماء أطفالها تستحق منا أن نروِّي أرضها بدماء الأضاحي في عيد الأضحى المبارك. فمن الصحيح ما روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا. قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح: صحيح. فلتكن أضحيتك هذا العام في غزة العزة فأجرها مضاعف لزيادة الحاجة وشحها في ظل الحصار وما خلفه العدو من دمار.

غزة التي هدم العدو مساجدها تنتظر المعلقة قلوبهم بالمساجد ليسارعوا إلى إعمارها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا (رواه مسلم) فكيف بمساجد الأرض المباركة فلسطين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ (البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي) وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

غزة المرابط أهلها بحاجة إلى من يثبت قلوبهم في أرض رباطهم كي لا يتيه المركب وتعظم الفاجعة بغرق الذين نجوا من جحيم القصف والتدمير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً) السلسلة الصحيحة(906)

فطوبى لمن سارع في تقديم العون والإغاثة لهم وقد انشغل الناس عنهم وعما أصابهم من كرب.

غزة التي ملأت أنوارها آفاق أمتنا، قصف العدو المجرم محطتها الكهربائية وأغرقها بالظلام، فلنرسل لها قبساً من نور أو جذوة من نار لعلهم يصطلون. ولنغتنم هذه الأيام النيّرات بالسعي لإنارة بيوت غزة وشوارع غزة ومساجد غزة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، وأن يؤمن روعاتكم ).الصحيحة 4/511(1890)

غزة التي قدمت الشهداء تلو الشهداء ولم تبخل على أمتها بدماء أبنائها تستحق منا وقفة مع ضعفائها لتبقى قوية في وجه المؤامرات والمحن.

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: “وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يُفطر”. أخرجه البخاري ومسلم.

أما من أراد أن يجمع بين حصد الحسنات في هذه الأيام المباركات وصلاح البال ورقة القلب فعليه بغزة ففيها مراده. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ أردتَ أنْ يَلينَ قلبُكَ ، فأطعِمْ المسكينَ ، وامسحْ رأسَ اليتيمِ) صحيح الجامع1410 . فما أكثر الأيتام وما أكثر المساكين في غزة الجريحة وحاجتنا لترقيق القلوب أكثر.

ولأن هذه الأيام هي أفضل الأيام فالفطن من اختار لها أفضل الصدقات ألا وهي زاد المجاهدين وعتادهم ودعمهم وتمويلهم كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : “أفضلُ الصدقاتِ ظِلُّ فُسْطاطٍ في سبيلِ اللهِ عزَّ و جلَّ ، أو مِنْحَةُ خادمٍ في سبيلِ اللهِ ، أو طَرُوقَةُ فَحْلٍ في سبيلِ اللهِ”. صحيح الجامع – 1109

ومعناها نصب خيمة أو خباء للغزاة يستظلون به أو هبة عبد للمجاهد ليخدمه أو ناقة لا يقل سنها عن ثلاث سنوات أو فرس ليركبها فهذه أفضل الصدقات.

فإذا كنا نحتفي ونحتفل بهذه الأيام العشر التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري] فلنجعل لنا نصيباً في مزرعة غزة التي طاب غراسها وأينعت ثمارها ففيها خرج المجاهد بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء بعد أن طحنت آلة الدمار الصهيونية الدور والبيوت على ساكنيها واستشهد وأصيب وتشرد أهل غزة، وبقي حداؤهم كلنا فداء المقاومة وفلسطين، (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) وبقوا صابرين صامدين محتسبين.. ما ضرهم من خذلهم من العرب ولا من ناوأهم من اليهود وأعوانهم.