خاص هيئة علماء فلسطين
بشير عبد اللطيف
18/4/2025
الحمد لله القائل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنّ سلاح المقاومة ليس خيارًا سياسيًا ولا ترفًا عسكريًا، بل هو من الثوابت الشرعية والعقلية التي تفرضها طبيعة الصراع مع العدو المحتل. ففي غزة الصامدة، تتجلى هذه الحقيقة بوضوح، حيث أصبحت المقاومة المسلحة عنوان العزة والبقاء، ودرع الأمة المتقدم في مواجهة أشرس محتل عرفه التاريخ الحديث.
أولاً: مشروعية المقاومة المسلحة في الشريعة الإسلامية
إن الشريعة الإسلامية تُقرُّ للمظلوم حق الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه. قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]. وقد أجمع العلماء على أن دفع العدوان من فروض الكفاية، وقد يتحول إلى فرض عين إذا نزل العدو بأرض المسلمين، كما هو الحال في فلسطين.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “إذا دخل العدو بلاد الإسلام، فلا ريب أنّه يجب دفعه على جميع أهل البلاد، فالمقيم فيها يجب عليه أن يدفع العدو بما يقدر عليه، وهذا معلوم من دين الإسلام بالضرورة”.
إن مقاومة المحتل الصهيوني لا تندرج فقط تحت الدفاع عن الأرض، بل هي دفاع عن الدين والعقيدة، لما في هذا الاحتلال من اعتداء على مقدسات المسلمين، وعلى رأسها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ثانيًا: غزة نموذجًا في الثبات والمقاومة
لقد قدمت غزة درسًا عمليًا في مفهوم الثبات على الثوابت، فلم تُغْرَها مشاريع التسوية، ولا سلبتها الحصارات المتواصلة إرادتها. رغم التجويع والقصف والحصار، لم تفرط غزة بسلاحها، لأنه يمثل عند أهلها وأحرارها رمز الكرامة ووسيلة التحرير.
وهذا الثبات له بعد شرعي عظيم، إذ إنّ التفريط بسلاح المقاومة يعد تضييعًا للأمانة، وخيانة لدماء الشهداء، وتنازلًا عن أداة شرعية فرضها الله لحماية الدين والنفس والعرض. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد” [رواه الترمذي].
ثالثًا: لا تفاوض على الثوابت
إنّ من أهم ثوابت الأمة: تحرير الأرض، وعودة اللاجئين، وعدم الاعتراف بالكيان الغاصب، والحفاظ على سلاح المقاومة. وهذه ثوابت لا تقبل التفاوض أو التنازل، لأنها مرتبطة بأصول الدين ومقاصد الشريعة.
والتاريخ علمنا أن من فاوض على سلاحه، فقد فاوض على وجوده. فإن سلاح المقاومة ليس فقط أداة قتال، بل هو رادع يمنع العدو من التوغل، وهو الذي يخلق توازن الردع، وهو الذي يجعل للحق صوتًا يُسمع.
قال بعض السلف: “من رضي بالدنية في دينه، سلط الله عليه من لا يخافه ولا يرحمه”. وإن التنازل عن سلاح المقاومة يُعد من الدنية في الدين، لا سيما إذا كان العدو لا يعرف سوى منطق القوة.
رابعًا: الفرق بين المقاومة والإرهاب
يحاول الإعلام الغربي وبعض الأنظمة تشويه صورة المقاومة وربطها بالإرهاب، لكن الشرع يفرّق بين الجهاد المشروع والإرهاب المحرم. فالجهاد في سبيل الله هو قتال المعتدين، بينما الإرهاب المحرم هو العدوان على الأبرياء الآمنين.
وقد قال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء: 75]، فالله يربط الجهاد بالدفاع عن المستضعفين، كما هو حال أهل غزة الذين يُقتلون وتُدمر بيوتهم منذ عقود، ولا سند لهم بعد الله إلا سلاح المقاومة.
خامسًا: مسؤولية الأمة تجاه سلاح المقاومة
إن واجب الأمة الإسلامية اليوم ليس فقط دعم المقاومة بالمال والدعاء، بل بالدفاع عن ثوابتها في كل المحافل، والوقوف بوجه كل من يحاول تجريدها من سلاحها أو تجريمها أو حصارها.
وكما أن الجهاد من فروض الكفاية، فإن دعم المجاهدين من فروض الوقت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا” [رواه البخاري ومسلم].
إن سلاح المقاومة في غزة لم يكن يومًا عبئًا على الأمة، بل هو عزّها وذخيرتها، وهو الذي يحفظ ماء وجهها في زمن التخاذل. ومن منطلق شرعي، فإن التفريط به هو تفريط في واجب شرعي وأصل من أصول البقاء. فلا مفاوضات على ما أوجبه الله، ولا مساومات على دماء الشهداء، ولا حلول تُبنى على نزع سلاح هو في حقيقته أداة الدفاع المشروع عن الحق المغتصب.
نسأل الله أن يحفظ مقاومة غزة وسلاحها، وأن يربط على قلوب أهلها، وأن يهيئ للأمة أمر رشد تعود فيه إلى دينها وعزتها.