المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة

         

‏5/12/2024 ‏

د. منجد أبو بكر

ملخص البحث:

يدَّعي البحثُ أن تأسيس الدولة الإسلامية كان غاية قرآنية مبكرة في المرحلة المكيَّة، وأنه احتشد لهذا المقصد بوسائل متعددة ومن جهات مختلفة تشكل بمجموعها لَبِناتٍ تَكوينية للدولة لا يستغنى عنها، كان الحديث عن إفسادتي بني إسرائيل من أهمها، على اعتباره التحدي الأهم والأكبر أمام مشروع الخلافة الإسلامية الكبير، لأن الإفسادتين -كما يدعي البحث- ستكونان ثمرة دولتين تعلوان علوًا كبيرًا، فحرصت الدراسة على استعراض أهم الأقوال في تعيين الإفسادتين ومناقشتها، ليترجح للباحث أن الخلافة الإسلامية بقيت جامعة للعالم الإسلامي حتى بداية الإفساد الأول الذي انتفش على أنقاضها، وكان لابد من سقوطها كي يتم الإعلان الرسمي عن انطلاق شرارته بوعد بلفور والذي كان الإعلان الرسمي الأول لميلاد أول دولة لبني إسرائيل منذ شروق نور الإسلام، ليدوم الإفساد ما شاء الله له، حتى تكون نهايته على يد عباد الله المرابطين في بيت المقدس بعد مراحل من الضعف والوهن والانكسار، تلتها مراحل من التربية الإيمانية والإعداد والجهاد، فيجدد الله بهم الدين ويبعث الأمة من مرقدها لاسترداد هيبتها ومقدساتها.

ثم يعود بنو إسرائيل كرة ثانية يقودهم الدَّجّال بإفساد وعلوٍّ فوق الأول، حتى يوقفهم عيسى عليه السلام عند باب اللُّد شرق المسجد الأقصى، منهيًا الإفسادة الثانية والأخيرة.

الكلمات المفتاحية:

التنزيل السياسي للقرآن، القرآن المكي، سورة الإسراء، المسجد الأقصى، الإفسادتان، وعد الآخرة، الدَّجَال. 

————————-

 İlk İslâm Devletinin Hazırlanmasında Mekkî Âyetlerin Rolü: İsrâiloğulları’nın İki Defa Fesat Çıkarması Örneği

Öz:

Bu araştırma, İslâm Cumhuriyeti’nin kuruluşunun, Mekke dönemindeki erken dönem Kur’ân hedeflerinden biri olduğunu ileri sürmektedir. Kur’ân, bu hedefe ulaşmak amacıyla farklı araçlar ve yaklaşımlar benimsemiştir. Bu yaklaşımlar, vazgeçilmez nitelikteki devlet temellerini teşkil etmektedir. Bu temellerden en önemlilerinden biri, İslâm projesinin karşısındaki en büyük engel olarak görülen İsrâiloğulları’nın iki fesâdı meselesidir. Bu iki fesâdın tanımlanmasına yönelik en önemli görüşler incelendikten sonra araştırma, İslâm halifeliğinin, ilk fesâdın yayılmasına kadar İslâm dünyasının birleştirici gücü olarak kaldığını ortaya koymaktadır. Halifelik, bu fesâdın resmî olarak ilân edilmesini mümkün kılmak adına Balfour Deklarasyonu ile birlikte yıkılmak zorunda kalmıştır. Bu deklarasyon, İslâm’ın başlangıcından itibaren İsrâiloğulları’nın ilk resmî yerleşim yeri olarak işlev görmüştür. Bu fesat Allah’ın dilediği sürece devam edecektir, ta ki kutsal topraklar ile çevresindeki mücahidler, yani Allah’ın seçkin kulları tarafından sona erdirilene kadar sürecektir. Yüce Allah, zayıflık, yorgunluk ve yenilgi dönemlerinin ardından iman temelli eğitim, hazırlık ve cihad aşamalarını getirecektir. Allah, bu müminler aracılığıyla dinini yeniden canlandıracak, ümmeti kurtaracak, itibarını ve kutsallarını geri kazanmak için onu köklerinden diriltecektir. İsrâiloğulları, deccâlin önderliğinde, öncekinden daha güçlü ve zengin bir şekilde ikinci kez döneceklerdir. Bu süreç, Lüdd Kapısı’nda, Mescid-i Aksâ’nın doğusunda Îsâ aleyhisselam tarafından durdurulana kadar devam edecek ve böylece ikinci ve son fesat sona erecektir.

Anahtar kelimeler:

Kur’ân’ın siyasî tenzîli, Mekkî âyetler, İsrâ sûresi, Mescid-i Aksâ, iki fesat çıkarma, deccâl.

The Role of Meccan Verses in the Preparation of the First Islamic State, the Example of the Israelites Causing Corruption Twice.

Abstract:

This research argues that establishing an Islamic state was an early Quranic goal during the Meccan period.

The Quran employed various means and approaches from different angles to achieve this objective, which collectively formed the foundational building blocks of a state that cannot be dispensed with. As a crucial approach, the holy Quran discussed the two corruptions of the Children of Israel, which were considered the greatest challenge facing the grand Islamic project. Considering the important opinions on identifying these two corruptions and claiming, from my point of view, that they will be after controlling and rolling a great empire, the research concludes that the Islamic caliphate remained the unifying force of the Islamic world until the beginning of the first corruption, which spread on its ruins. The caliphate had to fall for the official announcement of the start of this corruption to be made with the Balfour Declaration, which served as the nucleus for the official establishment of the Zionist entity, the first home for the Children of Israel since the dawn of Islam.

The corruption will last as long as Allah wills until it vanishes by the best of Allah’s servants, the Mujahideen (fighters for the sake of Allah) and guards (Almorabidtons) in the Holy Land and its surroundings. Those best servants who bring victory will be raised after stages of weakness, defeat, and scattering of the Muslim nation. The main virtues of the chosen servants are their holding firmly to the rope of Allah and diligence in faith-based education, preparation, and Jihad. As a fruit, the religion will be renewed, and Allah will liberate the nation, and revive it from its roots to restore its prestige and the sanctities. Afterwards, the Children of Israel will return with greater power and wealth than ever before for a second time; however, this time they will be led by the Dajjal (Anti-Christ). At the time of the second great elevation, they will sweep the world until Isa -Peace be Upon Him- stops them at the Gate of Lud, east of the Al-Aqsa Mosque, ending the second and the final corruption.

Keywords:

The political application of the Quran, the Meccan chapters of the Quran, Surah Al-Isra Al-Aqsa Mosque, The Two Corruptions, The Promise of the Hereafter, The Dajjal (Anti-Christ).

————————

الدراسات السابقة:

شرعت بالبحث خالي الذهن من تقرير أيٍّ من النتائج، وقد حفزني للشروع اطلاعي على بحث مشترك لثلاثة أساتذة من أصدقائي الأعزاء بعنوان: آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء دراسة وتقويم([1]). وقد أحسن الباحثون عرض الآراء بمنهجية علمية دقيقة ومستوعبة، ناقشوها بصورة تفصيلية جيدة، وكان هو الجديد المفيد في بحثهم، وإن لم يأتوا بجديد فيما يتعلق بتعيين الإفسادتين، لأنهم وافقوا جمهور المعاصرين في ذلك، بأن الإفسادتين في عصر الإسلام، الأولى في زمن النبي ﷺ، والثانية ما نجده في عصرنا منذ احتلال فلسطين المعاصر. كما كتب الدكتور جمال أبو حسان بحثًا بعنوان: طلائع الإعجاز الغيبي في طوالع سورة الإسراء، نموذجًا للبحوث المعاصرة في دراسة الإعجاز القرآني، وهو غير منشور بشكل رسمي في مجلة علمية، وجدته في الشبكة العنكبوتية وتحدثت معه عن بعض أفكاره وأثبت بعضها في البحث؛ فهو أستاذي وصديقي، والنتيجة أنه يتفق مع المعاصرين في النتائج. وللأستاذ منذر هواش بحث يمنع فيه البحث في إفسادتي بني إسرائيل على اعتبار أنها من الغيبيات([2]). لكن من ألصقها ببحثي ما كتبه الباحث إسلام طزازة، بعنوان استشراف المستقبل في فلسطين، من خلال أشراط الساعة دراسة حديثية تحليلية، وفيه نتائج قريبة جدًا من نتيجتي في تعيين الإفسادتين، لكن طريقة الاستدلال مختلفة لطبيعة بحثه الحديثية، ولم أطلع على بحثه إلا بعد فراغي من دراستي، لذا فحتى طريقة معالجة النصوص النبوية المشتركة فقد كانت مختلفة من جهات عديدة، فضلًا عن اختلاف البحثين في تعيين النصوص المركزية في ذلك، ولعل السبب الرئيسي في المنطلقات عديدة من أهمها أن بحثي دراسة قرآنية، استحضرت الحديث الشريف توسعًا وتأكيدًا، فوجبت الإشارة للبحث الكريم، لكنه لا يغني عن دراستي([3]).ولا شك ففي بحثي ما يخالف كل الدراسات السابقة، ويزيد عليها، وليس ثمة ما يغني عنه.

المطلب الأول: وفيه تمهيد يبين دور القرآن المكي في التحضير للدولة الإسلامية الأولى

الإنسان هو المخلوق السياسي الوحيد، ففي حين أنه لا يلزمنا أن نؤرخ للتجارب التي يعايشها قطيع الغنم لأنها حالات من التكرار القابلة للتعميم والقياس، أما التجارب الإنسانية فمتغيرة ومتطورة ومتفاعلة في الزمان والمكان والأحداث والأشخاص، ولكلِ تجربةٍ إنسانية سمات خاصة لا تعمم، وقد يُنتج القياس عليها نتائج غير دقيقة.

النَّزعةُ السياسية لدى الإنسان، فضلًا عن فطرته الاجتماعية، وتفضيله العيش في ظل القبيلة جعلتا منه حاكمًا ومحكومًا بالضرورة، وحينها لا بد من تنظيم يضبط العلاقات بين تلك الفئات، وبحكم الواقع فقد اعتاد البشر أن المتغلبين منهم هم من يقرر تلك النظم والقوانين، ولابد من الخضوع لها بالتراضي أو بالإكراه، وعليه فلا بد من سلطة قادرة على الضبط والإكراه، وقادرة على العقاب والجزاء، كل هذه المنظومة تسمى سياسة المجتمعات([4]).

ولا شك فالقرآن منظومة فيها مؤسسية، وقيادة، وقانون، ويحرص على تعزيز الرقابة الذاتية وهي الغاية التي يطلق عليها الإحسان، لكنه واقعيٌّ، ولذلك لابد ألَّا يخلو من القدرة على إكراه داخل أُطُرِهِ العديدة، لذا فقد حرص منذ نزوله على سياسة الناس بالمعنى العام رعايةً لمصالحهم في الدنيا والآخرة، وكذلك بالمعنى الخاص للسياسة، وهو ما يفضي بالضرورة إلى الحرص على إيجاد إطار جامع لأفراد النَّاس يُسمى الدَّولة، ولذلك اعتنى القرآن المكي بالتأسيس للدولة الإسلامية الجديدة بما يراعي البصمات المجتمعية المتبدلة، لكنه حين اعتنى في أول شأنه بالجانب الأخلاقي والقيمي، وترسيخ الأصول الإيمانية والثوابت العَقَدية ظنَّ البعض أنه لا يحمل مشروعًا شموليًا واضحًا، وأنه كان بتلك البدايات محكومًا للبيئة القرشية الوثنية، ينطلق من منطلقاتها العامة، وبحسب نظامها التطوري، وأنه كان يمر في مرحلة التِّيهِ التي يمرُّ بها كلُّ مشروع جديد، وأنه سيحتاج زمنًا كي يصير ناضحًا، وبالتالي فهو نصٌّ تاريخيٌّ مؤثر ومتأثر، وفي حالة من التدافع والتجاذب مع المحيط، كما يزعم ذلك بعض المستشرقين مثل جولدتسيهر وغيره([5]).

لقد حرص القرآن المكي على التأسيس للدولة الموعودة الجديدة في وقت مبكر، واحتشد لهذا المقصد بوسائل متعددة ومن جهات مختلفة تشكل بمجموعها لَبِناتٍ لا يستغنى عنها لتَكوين الدولة، كان الحديث عن إفسادتي بني إسرائيل من أهمها، على اعتباره التحدي الأهم والأكبر أمام مشروع الخلافة الإسلامية الكبير، ذلك أنني أزعم أن إفسادتي بني إسرائيل ستكونان ثمرة دولتين تعلوان علوًا كبيرًا، فحرصت الدراسة على استعراض أهم الأقوال في تعيين الإفسادتين ومناقشتها ليترجح للباحث أن الخلافة الإسلامية بقيت جامعة للعالم الإسلامي حتى بداية الإفساد الأول الذي انتفش على أنقاضها، وكان لابد من سقوطها كي يتم الإعلان الرسمي عن انطلاق شرارته بوعد بلفور والذي يمثلُ الإعلان الرسمي الأول لميلاد أول دولة لبني إسرائيل منذ شروق نور الإسلام، ليدوم الإفساد ما شاء الله له، حتى تكون نهايته على يد عباد الله المرابطين في بيت المقدس بعد مراحل من الضعف والوهن والانكسار، تلتها مراحل من التربية الإيمانية والإعداد والجهاد، فيجدد الله بهم الدين ويبعث الأمة من مرقدها لاسترداد هيبتها ومقدساتها.

ثم يعود بنو إسرائيل كرة ثانية يقودهم الدَّجّال بإفساد وعلوٍّ فوق الأول، حتى يوقفهم عيسى عليه السلام عند باب اللُّد شرق المسجد الأقصى، منهيًا الإفسادة الثانية والأخيرة.

استعلن القرآن المكيُّ بتلك الغاية في زحمة انشغاله بترسيخ القيم الأخلاقية والإيمانية، ولست مضطرًا للتوسع ببيان أدلة حرصه على العقيدة والإيمان، لأنه مُتَّهم بأنه مشغول بها عن غيرها، وسأشير لما يدل على شموليته وذكائه في مرحليته، حيث كان لتشريع الأحكام والمعاملات والتأسيس لنظام العقوبات فضلًا عن العبادات نصيب كبير في مكة، يؤكد ذلك أن كتاب ابن العربي المالكي يضم (400) آية مكية في الأحكام([6])، ومنها تحريم الرِّبا حيث بدأ في زمن اللَّادولة في مكة: (الروم:39)([7]). ومثله الشُّروعَ بتحريم الخمر: (النحل:67). كما أسس لنظام العقوبات في سورة (الإسراء والشورى)([8]). وفي الجانب السياسي وصناعة الحكم ورد الأمر بالشورى في سورة (الشورى)، وسورة (يوسف) تحدثنا عن جواز التطلع للوزارة والعمل السياسي، ولو في ظل دولة كافر إن ترجحت المصالح على المفاسد. وفي سورة (ص) حديث عن الحكم والقضاء وبعض محدداته الضرورية من خلال قصة داود وسليمان عليهما السلام، وفي سورة (الروم) ما يدهش من العناية بالحالة السياسية المحيطة ودول الجوار([9]). ومن أهم أمثلة العناية بالدولة الوليدة التحذيرُ من إفسادتي بني إسرائيل، لأنهما خطر وجودي عليها.

المطلب الثاني: أشهر الأقوال في تعيين إفسادتي بني إسرائيل.

القول الأول: الإفسادانِ وَقَعا وانتهيا قبل الإسلام.

 وهو رأي جمهور السلف، ومنهم الطبري ([10]) وابن عطية([11]) والرازي([12])، ووافقهم القفَّال وله توجيه خاص حيث فسَّر: ﴿فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ (المائدة:٧١) بأنهما الإفسادتان المذكورتان في الإسراء([13])، والزمخشري([14]) والبيضاوي([15]) وأبو حيان([16])، ومن المعاصرين المراغي([17]) وقطب([18]) والقرضاوي([19]) والخولي([20])وطنطاوي([21])، وغيرهم كثيرون. وتظهر خلاصة رأيهم فيما يلي:

  1. ذهب أصحاب هذا الرأي في تحديد الإفسادتين وحقيقة وقوعهما قبل الإسلام لثلاثة مذاهب أساسية، هي:
  2. إنَّ الإفسادَ الأول لبني إسرائيل كان قتلَهم نبيَّ الله زكريا عليه الصلاة والسلام، مع ما كان سلف منهم قبلَ ذلك وبعدَه من الأفعال المنكَرة، إلى أنْ بَعَثَ الله عليهم من أَحَلَّ عليهم  نِقمتَه جزاءَ ما وقع منهم من معاصي الله، والعتوِّ عن أوامره. وهو رأيُ ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد.
  3.  وقيل: كان الإفسادُ الأول ما وُصِفَ من قتلِهم للناس ظلماً، وتغلُّبِهم على أموالِهم قَهْراً، قاله ابن إسحاق.
  4. وقيل: كان الإفسادُ الأولُ مخالفةَ أحكام التوراة وقتلَ شعياء، وقيل: أرمياء ([22]).

وأما الإفسادُ الثاني، فقد كاد يُجمِعُ أصحابُ هذا الرأي على أنه قتلُ يحيى بن زكريا عليهما السلام([23]).  وخالفَ البيضاويُّ في ذلك فقال: “وثانيهما: قتلُ زكريا ويحيى، وقَصْدُ قتلِ عيسى عليهم السلام” ([24]).

  • ماهيةُ الذين سلَّطَهم اللهُ على بني إسرائيل في الإفسادين:

قيل: هم البابِليُّون على يَدِ نبوخذ نَصَّر، وكان هذا في الإفساد الأول، وأما الإفسادُ الثاني فكان على يد الرومان.

وقال سيد قطب: “إنَّ القرآنَ لم ينصَّ على جنسيَّة العباد الذين سلَّطَهم على بني إسرائيل، لأنَّ النصَّ عليها لن يزيدُ في الفوائد شيئاً. والعبرةُ هي المقصودة هنا. وبيانُ سُنَّة الله في كونه هو الغرض … فإذا عادَ بنو إسرائيل للإفساد في الأرض فالجزاءُ حاضر، والسُّنَّة ماضية: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: ٨) ولقد عادوا للإفساد فسلَّطَ اللهُ المسلمين عليهم، فأخرجوهم من الجزيرة تمامًا. ثم عادوا إلى الإفساد في العصرُ الحديث فسلط عليهم هتلر، ولقد عادوا اليومَ إلى الإفساد في صورة دولة إسرائيل التي أذاقت الفلسطينيين أصحابَ الأرض الويلات، ولَيُسَلِّطَنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهم من يسوء وجوههم ويسومُهم سوءَ العذاب؛ تصديقاً لوعده القاطع، ووِفاقاً لسُنَّته التي لا تتخلف، وإنَّ غداً لناظره قريب!” ([25]).

  • استدل المفسرون المعاصرون ممن يتبنون هذا الرأي بإجماع المفسرين القدامى على أنَّ مَرَّتَيْ الإفساد قد وَقَعَتا، وأنَّ الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما بالهزيمة والأَسْر والهوان والتدمير كما كان على أيدي البابليين الذين مَحَوْا دولتهم من الوجود، وأحرقوا كتابهم المقدس، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاء مُبرماً، وشردتهم في الأرض شَذَرَ مَذَرَ، وقد أشار البيضاوي لذلك في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأعراف: ١٦٧)([26]).
  • إن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء:٨) يشير إلى وقوع الإفسادين قبل الإسلام وأن بني إسرائيل واقعون تحت هذه السنة الإلهية، ولو كانا لم يقعا قبل نزول الآيات لما كان لهذه الآية كبير فائدة في الإشارة إلى مستقبل إفساد بني إسرائيل.

4- استدلالهم برأي القَفَّال في الإفسادَتَيْنِ بأن آيات سورة الإسراء متفقة مع آيات في سورة المائدة صريحة في وقوع إفسادي بني إسرائيل قبل الإسلام، وهو من باب تفسير القرآن بالقرآن. وفيما يلي بيان رأيه:

أوردَ الفخرُ الرازي رأياً للقفَّال في تفسير قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: ٧١)، فقال: قالَ القفَّال رحمه اللهُ تعالى: ذَكَرَ اللهُ تعالى في سورة (بني إسرائيل) ما يجوزُ أن يكونَ تفسيراً لهذه الآية، فقال: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ (الإسراء: ٤ – ٦) فهذا في معنى (فعَمُوا وصَمُّوا). ثم قال: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ (الإسراء: ٧) ، فهذا في معنى قوله: (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)([27]).

وقد نقلَ رأيَ القفَّال هذا عددٌ من المفسرين، منهم أبو حيان([28])، والنيسابوري([29])، والألوسي([30])، والقاسمي([31]). واعتمدَه محمد رشيد رضا، وقال مضيفًا: ﴿وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أي وظنُّوا ظناً تَمَكَّنَ من نفوسهم حتى كانَ كالعلم بقُوَّته أنه لا تقعُ ولا توجد لهم فتنةٌ بما فعلوا من الفساد. والفتنةُ: الاختبارُ بالشدائد، كتسَلُّط الأُمَم القوية عليهم بالتخريب والقتل والاضطهاد. وقيل: المرادُ بالقَحْطُ والجوائح. وليس بظاهر هنا؛ وإنما المتبادر أنَّ المرادَ بما أُجْمِلَ هنا هو ما جاءَ مفصَّلاً في أوائل سورة بني إسرائيل من قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ (الإسراء: ٤) حتى قوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: ٨). فالفسادُ مرَّتينِ هناكَ هو المشارُ إليه هنا بقوله تعالى: ﴿فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: ٧١)([32]). وذكرَ ابنُ عاشور كلاماً قريباً من كلام الشيخ رشيد رضا، ورأى أنَّ رأيَ القفَّال هو الرأيُ المختارُ في تفسير آية المائدة([33]). وبه قال الشنقيطي([34]). وسأترك الرد على هذا القول للصفحات خشية التكرار والإملال لأنه سيأتي لاحقًا ضرورة.  

———-

القول الثاني: أولُ الإفسادَينِ وقعَ قبلَ الإسلام، والآخِرُ في ظل الإسلام، قال به عبد الكريم الخطيب([35])، وبسام جرار([36]) وخالد عبد الواحد ([37]). واستدلوا بعدد من الأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ (الإسراء: ٤) لم يكن لهم دولة ولا قوة إلا بعد دولة سليمان عليه السلام الذي أقامَ لهم دولة، وأنشأَ فيهم مُلكاً واسعاً عريضاً، ثم ضَيَّعُوا هذا الملكَ بفسادهم وبَغْيِهم، فبعثَ اللهُ عليهم من يسومهم سوءَ العذاب، وهم البابليون بقيادة نبوخذ نَصَّر وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ (الإسراء: ٥) فهذا الحَدَثُ هو أقربُ وأبرَزُ بَلاءٍ وَقَعَ على بني إسرائيل، بعدَ أن أفسدوا في الأرض، وعَلَوْا علوًّا كبيرًا.

قلت وهو غير مسلم لأن إفسادهم المذكور كان في منطقة محصورة، وليس له علامة فارقة، وهم فيه كغيرهم من الأمم الذين يفسدهم الترف والبذخ، وقد حدثنا القرآن عن أقوام أشد فسادًا منهم، وعندي الفساد المقصود في الإسراء عام في كل الأرض كما سيظهر لاحقًا.

  • تعبيره عن الإفساد الأول بالفعل الماضي: (بعثنا – جاسوا) في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ (الإسراء: ٥). على حين جعل المرّة التي لم تقع وقت نزول القرآن بلفظ المستقبل ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ (الإسراء: ٧) فلو تساوت المرتان، في الوقوع أو عدمِ الوقوع، عند نزول القرآن، لم يكن لاختلاف النظم فيهما سببٌ ظاهر، وهذا أبعدُ ما يكونُ عن بلاغة القرآن وإعجازه ، حيث لا تجيءُ كلمةٌ أو حرفٌ فيه إلا ومعها ما لا حصرَ له من أسرار.

قلت: وهو بعيد لا تخفى مجافاته للصواب لإن الحرف (إذا) شرطي غير جازم، يمحض الماضي للمستقبل، وفي كليهما عبر بالفعل الماضي (جاء)، أما التحول للمضارع في بعض الأفعال فهو للاستمرار، دلالة على أنه نهاية الإفساد، وليس ثمة ثالث، وأن إساءة الوجه والدخول للمسجد باقية لن تتوقف أبداً، وهو ما لا يصح في المرة الأولى، مما أوجب الصيرورة للأفعال بالماضي، لأنها حدوث بلا تجدد واستمرار.

  • التعبير بالمسجد في سياق حديثه عن الإفسادة الثانية، وهو تعبير إسلامي لم يسبق للأمم قبله استعماله.

قلت: وهو صحيح أتفق معه في إثبات أن الثانية في العصر الإسلامي، وما لا أتفق معه جعل الأولى قبل الإسلام لعدم ذكر المسجد، وهو غير صحيح، لأنه مذكور في بداية السورة صراحة، ثم حضر ذكره بالضمير عند الحديث عن الإفسادة الثانية: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ﴾ ولا شك فهو يقصد الإفسادة الأولى.

  • إنَّ هذه الدولةَ قامت تحت اسم (إسرائيل) ولم تقم تحت اسم (اليهود) أو دولة  (يهوذا)… وهذا ما يجعلُ قولَه تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ (الإسراء: ٤) متوجِّهاً إلى تلك الدولة القائمة تحت اسم (إسرائيل)، الأمرُ الذي يجعلُ من العسير أنْ تدخلَ تحت حكم هذه الآية، لو أنها اتخذت أيَّ اسم آخر غيرَ هذا الاسم.. وهذا إعجازٌ من إعجاز القرآن([38]).

قلت: وهي قضية صحيحة ومهمة لكنها خارج محل النزاع، ولا يستدل بها على تعيين الإفسادتين.

  • واستدل الأستاذ خالد عبد الواحد على صواب هذا الرأي بالتوافقات العددية في آيات سورة الإسراء. وكذا فعل الأستاذ بسام جرار فيما سماه ب (التأويل الرياضي) أو (التأويل الرقمي)([39]). ولم يتسن لي مناقشة الأستاذ عبد الواحد، لكنني سمعت من الأستاذ بسام جرار بنفسي أنه لم يكن دقيقًا في الحساب والعدد، وأنه اعتمد على غيره ونقل عنهم إحصاءاتهم، والتي اكتشف بعد نشر الكتاب أنها مشحونة بالأخطاء، ثم مضى التاريخ الذي حدده لنهاية إسرائيل بتاريخ (5/3/2022م) ص91. لم تتنزل نبوءته، وقد اعتمد الباحثان على توافقات عددية وحسابات رياضية معتمدة على عدد حروف وكلمات سورة الإسراء واستنتاج روابط بينها، وعلى علاقات رياضية، ومعادلات رقمية بين تواريخ مفترضة لحوادث تاريخية مهمة تتعلق ببني إسرائيل قديمًا منذ زمن سيدنا موسى عليه السلام إلى زماننا هذا، ثم استنتاج وقوع أحداث مستقبلية بناء على هذه العلاقات والمعادلات. وكثير من هذه الاستنتاجات اعتمدت على ما يعرف (بحساب الجُمَّل). وهذا الأسلوب في البحث في نظرنا يتعارض مع أسس البحث العلمي المنضبط عند علماء التفسير وعلوم القرآن، وفيه تنبؤ بأحداث مستقبلية محددة تقع في أزمنة محددة معينة بالسنة وبالشهر وحتى باليوم، وهي قضايا غيبية ينبغي عدم التجرؤ على اقتحام تحديدها بهذه الطريقة، فهذا لم يجعله الله تعالى لأنبيائه الذين أطلعهم على كثير من الغيوب. ولذا تجاوزنا عن تفصيل ذلك،  فضلًا على أن نقله ومناقشته تستغرق مساحة كبيرة وجهدا يضيق المقام عن معالجته هنا.

———-

القول الثالث: الإفسادان في عصر الاحتلال الأخير الذي نعيشه اليوم. وهو رأي عمر الأشقر، وخلاصته أن الإفسادَيْنِ في زمن الإسلام؛ إلا أنهما متعاقبانِ متواليانِ يصعب الفصل بينهما، وهما واقعانِ في زماننا الحاضر، والبداية باغتصابِ اليهود لفلسطين وإقامةِ دولةٍ لهم فيها، وأنَّ (وعدَ أولاهما) يتمثَّلُ في قيام المجاهدين المسلمين بعمليَّاتٍ موجعةٍ لليهود في فلسطين، وجَوْسِهم خلال ديار اليهود، مع التنبيه إلى أنه لا يلزم من الجوس الفتح والتحرير، وإخراجُ اليهود منها([40]). وهو رأي مقدم على سواه، وإن كان لي عليه تحفظات، سيظهر بعضها في ثنايا الدراسة، اتركها خشية التكرار.

———–

القول الرابع: الإفسادان من القضايا الغَيبيَّة التي استأثرَ الله بعلمها. ومال لهذا الرأي عدد من العلماء في السابق فسكتوا عن الخوض في تعيينهما كالصفدي([41]) والسمين الحلبي([42])، دون التصريح بأنها من الغيبيات التي لا ينبغي الخوض فيها، ومن المعاصرين منذر هواش، وصرَّح بذلك([43]). وهم بذلك يخالفون جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، ذلك أنها مسألة متعلقة بمستقبل الأمة والدين، لاسيما لدى القائلين بأن الإفسادتين في زمن الإسلام، ومتعلقان بصراع المسلمين مع بني إسرائيل على بيت المقدس، كما ان المناقشات حول ألفاظ الآيات ونظمها ودلالاتها اللغوية التي لا تتدخل في مساحات الغيب المنهي عن البحث فيه، وعليه فلا يخفى بُعدُ هذا الرأي.

———-

القول الخامس: هي ثلاث إفسادات؛ اثنتان قبل الإسلام، والثالثة في زمن الدَّجّال، وهي المقصودة بقوله تعالى: ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ (الإسراء:4)، قال به ابن برجان في تفسيره([44]). وقد وافق ابنُ بَرَّجَان السَّلفَ في تعيين الإفسادتين الأوليين، وخالفهم في مفهوم العلوِّ وجَعَلَهُ مغايرًا للإفسادتين، وأنه الإفسادة الثالثة وقت الدَّجَّال، وهو بذلك يزيد على قولهم دون أن يبطل منه شيئًا فالعلو ثابت في الأوليين بداهةً، فزادَ العُلوَّ الكبيرَ غيرَ المألوفِ، بل والمحفوف بما يشبه المعجزات، وقوله فيه وجاهة من جهةٍ، وإغرابٌ من الثانية، فأما الوجاهة ففي عَدِّه لإفسادة الدَّجَّال من إفسادات بني إسرائيل، لا سيما أنها قَطْعيَّةٌ ثابتةٌ، وأما الإغراب ففي مغايرته بين العلوِّ والإفسادتين، وجَعْلهُ العلوَّ مذمومًا ومستقبحًا بالمطلق، وأنه يَنْتُجُ عنه الإفساد، والحقيقة أن العلوَّ لا يستقبحُ إلا بتعلقه بالإفسادتين، إذ الأصل في العلو إذا أطلق أن يكون حميدًا إلا إذا دلَّ السياق على خلاف ذلك، ومنه وصف الله نفسه بالعليِّ والمتعالي والأعلى وذي العلو الكبير، كما وصف القرآن الكريم بالعلو، والملائكة بأنهم الملأ الأعلى، وعموم المؤمنين بأنهم الأعلون، ووصف بعض الماديات بالعلوِّ كالأفق الأعلى والجنة العالية والمثل الأعلى وفي كلها لم يقيده بأنه من المحمود، فليس ثمة حاجة.

وحدثنا عن إبليس وعِلَّة ترْكِهِ السجود، وكأنَّ بعض العُلوِّ يُقبل معه الامتناع: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ (ص:75)، قال أبو السعود: ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ العالين﴾ المستحقِّين للتَّفوقِ([45]). والألوسي يوافقه وله تفصيل جيد([46]). وأحسن منهما الطاهر([47]). فالآية توحي بأنَّ بعض العلوِّ لبعض الفئات من خلق الله تعالى فيه مندوحة عن السجود لآدم.

كما وصف الظالمين بالعلو لكنه قيده دومًا بالإفساد والطغيان، أو العلو على الله، أو الحق، كما حدثنا عن علو فرعون وسحرته، وتهديد سليمان عليه السلام ملكة اليمن إن تعالت عليه، وغيرها.

فالعلوُّ حميد إذا أطلق بلا قَيْدٍ يدل على الذَّمِّ والهُجنةِ، وعليه فإنَّ مذهب ابن بَرَّجَان فيه هجنة وغرابة، فإن قيل: هو علوٌّ مذموم بدليل عطفه على الإفسادتين. قلتُ: ليس في ذلك ما يقطع بذمِّ العلوِّ، بل السِّياقُ يدل على أحسنيته، ففي الآيات لف ونشر مرتب، وذلك في التعقيب على الإفسادتين والعلو، فذكر عاقبة الإفسادتين الوخيمة، أما العلوُّ فعقَّب عليه بقوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾، والأصل أن يعقب بعذاب أو إهلاك أشد مما كان في الإفسادتين الأوليين بحسب قول ابن برجان، لأن الإفسادة الثالثة هي الأقبح والأوسع والأعم، لكنه عقَّب بما يوحي بأنه علوٌّ حميد لِأَجيال ما بعد الإفسادتين، قال الطبري: وعسى من الله حق([48]). وبه قال القرطبي وأبو عبيدة([49]). وعلله صاحب اللباب تعليلًا حسنًا([50]). وهو ما ينسجم مع الخبر بهلاك كل الأديان بعد نزول عيسى عليه السلام وتحول كل الأحياء للإسلام: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ (النساء:159)، قال الطبري: وأولى الأقوال بالصحة أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موته([51]). ووافقه ابن كثير([52]). وبذا يَصدق الوعد الرَّبانيُّ في التائبين الناجين من الهلاك مع الدَّجَّال، ليصيروا مسلمين أَتْباعًا لدولة المَلِكِ عيسى عليه السلام، وفيهم وفي غيرهم تمضي سنة الله: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾، فحين عبر عن الرحمة بما يؤكدها ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾، وعن العودة للإفساد بما يقللها ويستبعدها: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ متحولًا عن التعبير بـ ﴿إذا﴾ كما في الإفسادتين الأوليين إلى ﴿إِنْ﴾ في بيان احتمال العودة للإفساد، تأكد أنه علوٌّ حميد لا كما قال ابن بَرَّجان، وبالتالي يسقط قوله.

————–

القول السادس: وقع الإفسادانِ في زَمَن الإسلام. قال به كثيرون منهم عبد المعز عبد الستار([53])، والشعراوي([54])، وفضل عباس([55])، وأحمد نوفل([56])، وصلاح الخالدي([57])، وجمال أبو حسان([58])، ومحمد الجمل ومنصور أبو زينة ومحمد الحوري([59])، وجوَّزَهُ دونَ أنْ يُرَجِّحَهُ سعيد حوى([60]). وقد استدلَّ أصحابُ هذا الرأي بالسياق واللغة، كما نص على ذلك بحث الأساتذة الثلاثة (الجمل والحوري وأبو زينة) وأقتبس هنا من بحثهم، حيث قالوا: أما سياقُ الآيات فيجعلُنا نُؤَوِّلُ هذه الآيات في ضوء علاقة بني إسرائيل بالأمة الإسلامية. وبيانُ ذلك:

  1.  إنَّ ما ذكره المفسرون من أنَّ إفسادَ بني إسرائيل كان قبل الإسلام لا ينسَجِمُ مع السياق ومع روح الآيات وتوجيهها؛ إذ إنَّ المتأمَّلَ لسورة الإسراء يجدُها قد ربطت الإفسادَيْنِ بالإسلام، فالظاهر أنَّها أحداثٌ ستقع في حِضْن الإسلام. فالحقُّ سبحانه وتعالى بعد أن ذَكَرَ الإسراءَ ذَكَرَ قصةَ بني إسرائيل، فدلّ ذلك على أن الإسلامَ وصل إلى مناطق مُقدَّساتهم، فأصبح بيتُ المقدس قِبْلةً للمسلمين، ثم أُسْرِي برسول الله ﷺ  إليه، وبذلك دخل في حَوْزة الإسلام؛ لأنه جاء مهيمناً على الأديان السابقة، وجاء للناس كافة.
  2.  إذا قلنا بأنَّ الإفسادَيْنِ قد حصلا قبل الإسلام، فعندها لا يكون هناك فائدةٌ من تحديد الإفساد بمرتين؛ وذلك أن المُطالعَ لتاريخ اليهود سيجدُ أنَّ حياتَهم مليئةٌ بالإفساد كاتخاذهم العِجْل، وقتلِهم الأنبياء وغيرها. ثم إنَّ إفسادَ بني إسرائيل قبل الإسلام مما لا يتصل بشأنٍ من شؤون المسلمين.
  3.  الآياتُ التي ذكرت الإفسادين مكيةٌ؛ فالمرتان إذن بعدَ العهدِ المكي.
  4.  المقصودُ بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ (الإسراء: ٦)، ردَدْنا لكم يا بني إسرائيل الكرةَ على ذُرِّية هؤلاء الذين بعثَهم اللهُ عليكم أولَ مرة. والدليلُ على صحة هذا المعنى ما يأتي:
  5. أنَّ هذا المعنى متوافقٌ مع طبيعة الأسلوب القرآني، فقد قال الله لبني إسرائيل وهو يذكرُهم بما كان منهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ (البقرة: ٥٥)، وهذا الخطابُ لأولئك الذينَ كانوا في عهد النبي ﷺ ، والذين قالوا هذا القولَ إنما هم أجدادُهم في زمن موسى عليه السلام.

ب-   كلمةُ (ثُمَّ) الدالَّةُ على التراخي، وهذا التراخي يتَّسِعُ لأزمنة طويلة، فهي دالَّةٌ على المدة الزمنية الممتدة بين أولئك الصحابة وبين عصرنا الحاضر.

جـ-   كلمةُ (الكَرَّة)، فهي عند علماء اللغة يُعَبَّرُ بها عن الدولة، والتاريخُ يشهدُ أنَّه لم تكن لليهود دولةٌ في تاريخ المسلمين، وإنما ظهرت لهم هذه الدولةُ في العصر الراهن.

د-    مما يؤكد القول السابق قوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ (الإسراء: ٦)، ففي الآية حديثٌ عن الإمداد بالمال والبنين، فأما أمرُ المال فجَلِيٌّ ظاهرٌ للعِيان؛ إذ لا يشكُّ أحدٌ في مدى تحكم اليهود في الجوانب المالية اليوم. وأما أمرُ البنين فقد ورد ذكرُهم في سياق الدولة والكرة، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنهم  الذين سيحملون السلاح. وأما قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)، فللعلماء فيه تأويلان، الأول: أنَّ المعنى جعلناكم في هذه المرة أكثرَ منكم في المرة الأولى نفيراً. والثاني: أنَّ المعنى جعلناكم أكثرَ من عدوِّكم نفيراً. وكلا التفسيرين صحيح([61]).

  •  قالوا: في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ (الإسراء: ٥) ما يؤيِّدُ ما نذهبُ إليه من أنَّ الإفسادَتَينِ كانتا بعدَ الإسلام. وبيانُ ذلك:
  • أنَّ (إذَا) ظرفٌ لما يُستَقْبَلُ من الزمان، دالٌّ على أنَّ ما بعدها سيقعُ في الزمن المستقبَل، فوجودُ كلمة (إذا) في الآية تدل على أن الفسادَ والعلوَّ ثم التدميرَ الأولَ آتٍ وأنَّه لم يَمُرَّ، كما أنَّ استعمال (إذا) للمرة الثانية في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ (الإسراء: ٧) يدلُّ على أنها آتيةٌ لم تمُرَّ كذلك؛ وعليه فلا يستقيمُ القولُ بأنَّ الفسادَ الأولَ جاء في قصة طالوت وجالوت، وأنَّ الإفسادَ الثاني جاء في قصة بختنصر.

ب-   قولُه: (وَعْدُ)، والوعدُ كذلك لا يكون بشيء مضى، وإنما بشيء مستقبَل.

جـ-   قولُه تعالى: (عباداً لنا) عبارةٌ قرآنيةٌ تدلُّ على أنَّ هؤلاء المبعوثين على بني إسرائيل ممن أذاقهم الله طعمَ الإيمان، وكرَّمَهم بشرف العبودية؛ وعليه فإنَّ ما ذُكِرَ في كتب المفسرين من أقوال في شأن الذين سُلِّطوا على بني إسرائيل لا يتَّفقُ مع الوصف القرآني الدقيق. ويصدُقُ الوصفُ القرآني على صحابة رسول الله ﷺ  ورضي عنهم([62]).

ويختم أصحاب هذا القول بعدد من المؤيِّداتُ المرجحة لمذهبهم:

أولًا: قوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ (الإسراء: ٦) ضمير المخاطبين في قوله: (لكم، وأمددناكم، وجعلناكم) لبني إسرائيل باتفاق. والضمير في (عليهم) ينبغي أن يعود بالضرورة على الذين سلطوا على بني إسرائيل في المرة الأولى. وصريح نص الآية لا يحتمل تأويلًا آخر؛ فالمسلطون على بني إسرائيل في الإفسادين فئةٌ واحدة لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ (الإسراء: ٦). ولو كانوا فئة أخرى تسلط على بني إسرائيل لما قال تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ (الإسراء: ٦) ولجاء التعبير بما يفيد تعدد المسلَّطين عليهم.

ثانياً: إنَّ الآياتِ ذكرَتْ مسجدَيْنِ  وإفسادَيْنِ؛ فالإفسادُ الأولُ من حَوْل المسجد الأول، وهو المسجدُ الحرام، ويْنْهي هذا الإفسادَ صاحبُ رحلة الإسراء والمُكرَّمُ في السماء محمدٌ ﷺ . والإفسادُ الثاني من حَوْل المسجد الثاني، وهو المسجدُ الأقصى، ويُنهي هذا الإفسادَ أتباعُ صاحب الإسراء عليه الصلاة والسلام وأحبابُه([63]).

ثالثًا: إنَّ الآياتِ الكريمةَ ذكرَتْ إفسادَيْنِ اثنيْنِ وعُلُوّاً واحداً مقروناً بالإفساد الثاني، وهو ما وقعَ من بني إسرائيل فعلاً في صراعها الأمة الإسلامية؛ ففي عهد النبي  كانَ لهم إفسادٌ ولكنْ لم يكن لهم عُلُوٌّ، وفي هذا الإفساد الثاني الذي نعيشُه يرى كلُّ ذي عينين (العُلُوَّ الكبيرَ) الذي بَلَغَه اليهود.

—————————————————-

المطلب الثالث: مناقشة لأهم الأقوال والأدلة السابقة

ناقشت بعض الأقوال السابقة بعد عرضها كرأي الأستاذ بسام جرار وفريقه ورأي ابن برجان والقول بأنها من الغيبيات، وسأعرض لمناقشة أهم الآراء والاستدلالات الأخرى في هذا المطلب، وقد تركت مناقشتها في موضعها لأن الرد على بعضها يستغرق بعضها فهي متداخلة، ولأن القول السادس يرد على بعضها أيضًا، فخشية التكرار أرجأتها لمطلب واحد، وقبل ذلك لابد من الإشارة للاختلاف في تعيين الكتاب الذي قضى الله فيه الإفسادين، وهو خلاف ساهم في إنتاج الاختلاف في الأقوال، فقد انحصر الكتاب بين ثلاثة احتمالات: أولها: اللوح المحفوظ، وثانيها: التوراة، والثالث: القرآن الكريم. وأكثر السلف يرجحون التوراة، وأكثر المتأخرين يقولون بالثالث([64])، ولا يصار إلى الترجيح إلا إذا امتنع الجمع بين الأقوال، والجمع بينها ممكنٌ، وهو الأجود والأسخى، فقطعًا هو مكتوب في اللوح المحفوظ أزلًا ككل المقادير لقول النبي ﷺ: “جَفَّ القَلمُ بما أنتَ لاقٍ“([65]). كما أنه قطعًا في القرآن الكريم نتلوه في سورة الإسراء، ولا مانع أنه في التوراة، وفي الإنجيل، وغيرهما، فالكثير من أخبار الإسلام وردت في الكتب السابقة، كما تصرح آيات القرآن، ومنها: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾(الأعراف:157)، و﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ…﴾ (آل عمران:81)، و﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ…﴾ (محمد:29)، والجمع مقدَّمٌ على التَّرجيح لا سيما أن (الكتاب) جنسٌ صالحٌ لكل الاحتمالات.

وسأبدأ بالمناقشات عبر طرح عناوين تأسيسية ومسائل تفصيلية يتم عبرها مناقشة الأقوال السابقة كلٍّ في موضعه:

  • المسألة الأولى: إثبات العلو الكبير لبني إسرائيل في زمن الإفساد الأول.

 وهو ما منعه ابن برَّجان حين جعل العلوَّ قسيمًا للإفسادتين ومباينًا لهما إشارة لإفسادةٍ ثالثةٍ وقتَ الدَّجَّال([66]). أو بعض المعاصرين الذين أثبتوا العلو للإفسادة الثانية فقط([67]).

ولأنها قضية مركزية في تثبيت الرأي الذي رجحه ابن بَرَّجَان وبعض المعاصرين فإنني حريص على مناقشة هذه القضية بتفصيل، فإذا ثبت لنا عبر السطور القادمة أن العلوَّ ليس قسيمًا للإفسادتين، وأنه مقرون بهما، وشرط لابد منه لوقوعهما، وأنه هو ما يفرقهما عن غيرهما من الفساد والإفساد الكثير الدائم لبني إسرائيل، يتم مقصودي وتظهر حجتي لمذهبي، لا سيما أن المعاصرين يعترفون بأنَّه لم يثبت علوٌّ لبني إسرائيل في زمن رسول الله ﷺ فضلًا عن أن يكون كبيرًا ، فضلًا عن أن يكون شرطًا، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته، والحال بيني وبين الفرقين التناقض، فعلوّ نقيض لا علوّ.

لا أعرف من السلف من قال بعدم العلوِّ في الإفسادة الأولى، حتى بعض العلماء الذين قالوا بالرأي الثالث، فظاهر القرآن يؤكد أن العلوَّ مقرونٌ بالإفسادتين، بل لقد اكتفى  جُلُّ من اطلعت على تفسيرهم من السلف والخلف بالتصريح باقترانه بالأُولى، وأنه شرطٌ لوقوعها، تاركين التأكيد على أنه شرط في الثانية لظهوره ([68])، وبه قال الزمخشري([69])، والرازي([70])، وأبو حيان([71])، والطاهرُ([72])، والسياق يؤكد أن العلو مرتبط بالإفسادتين، ثم زادهم الله بقضائه القديم مالًا ونفيرًا في الثانية فوق الذي كان في الأولى ليُتمّمَ قَدَرَه وحِكمَته فيهم وفي عباده، وهو ما يفهم مما توَخَّاه النحو والإعراب من دلالات، حيث إنه أراد تمييز هاتين الإفسادتين بأنهما مقترنتان بعلوٍّ كبيرٍ، ولو كانت الأولى بغير علوٍّ إذن فهي كغيرها من الإفسادات الكثيرة سواها، ولا حاجة لتخصيصها، ولا شك فإن العلو داخل في جواب القسم معطوف على الإفسادتين([73])، وأذكر مثالًا صنعته لتقريب الصورة، فلو قال أحد الناس لصديقه مُبشرًا: رأيتك في المنام تدخلُ مَشروعينِ تجارِيينِ وتنجحُ نجاحًا عظيمًا. فإنه قطعًا سيفهم أن النجاح متعلق بالمشروعين، لأن التعبير بالمصدر يدل على جنس النجاح لا عدده، وكذلك العلوِّ، فلا حاجة أن يحترس القرآن ويقول: (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّينِ كبيرينِ)، بل هو دون حد البلاغة، ومثلها قوله: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ (النساء:164)، فهل من قائل أنه كلمه مرة واحدة، وأظهر من ذلك: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ (الإسراء:43)، المراد جنس العلوِّ، لا أنه علوٌّ واحدٌ، وأضراب ذلك في القرآن كثيرة، وممن صرَّح بأن العلوَّ ثابت في الإفسادتين مع أنه من أصحاب القول الثالث الخالدي([74]). وسعيد حوى([75]). والأشقر([76]).

وعليه فإن ما ذهب إليه ابن برجان مجانب للصواب، ومثله ما ذهب إليه بعض المعاصرين في نفي العلو وقت الإفساد الأول، وهي قضية مركزية لإثبات زمنه، وهي كافية لنفيه عن عصر رسول الله ﷺ، فلم يثبت لهم علوٌّ في ذلك الزمن، ولو اعترضوا بأنَّهُ الأوَّلُ لعظمة قدر رسول الله ﷺ حيث آذوه وأرادوا قتله مرارًا ووضعوا السُّمَّ في طعامه، أقول: نعم هو إفساد عظيمٌ وكبيرٌ لا أنكره، لكنَّ جِنايتهم هذه دون ما اقترفوه من إفساد قبل ذلك، ويدل لذلك عدد من الأمور:

  1. ما سجله القرآن عليهم من رذائل شنيعة من أعظمها تحريف كلام الله تعالى بقصدٍ وتدرجٍ ماكر([77]).
  2. ومن أشنع صور إفسادِهم قتلُهُم الأنبياء والرسل، وعليه فإن إفسادهم قبل بعثة النبي ﷺ أقبح وأفحش مما كان زمنها.
  3. كما كانت الغلبة لرسول الله ﷺ على اليهود في معظم الجولات، ولم ينتصروا البتة، سوى ما كان من تحريشهم للقبائل العربية ضد المؤمنين كيوم الأحزاب وغيرها.
  4. لم تكن لهم دولة تجمعهم([78]).

وبعد فإني أزعم أن العلو شرط لابد منه لتحقق الإفسادَين العريضين، والله أعلم بالصَّواب.

  • المسالة الثانية: العدد ﴿مرَّتينِ﴾ مقصودٌ، وليس ثمة ثالثةٌ.

 هما إفسادتان عظيمتان كبيرتان عامتان، وأما الإفساد الجزئي الذي صدر عنهم أو عن غيرهم فلا حصر له، والاستثناء أن يؤمنوا، والفارق الأساسي بين إفساداتهم وبين هاتين الإفسادتين أربعة أشياء مهمة لأجلها خصهما القرآن الكريم بالذكر:

أولًا: لبني إسرائيل فيهما دولتان بالمعنى السياسي، وعلو كبير، وهو ما لم يكن في غيرهما.

ثانيًا: أنهما إفسادتان عامتان في كل الأرض أو جلِّها.

ثالثًا: أن مركز الإفسادتين ومحورهما في بيت المقدس، منتهى الإسراء ومبتدأ المعراج.

رابعًا: أنهما أكبر خطر يهدد المشروع الإسلامي الكبير، ويمنع إعادة الخلافة على منهاج النبوة.

أقول: الإفساد الجزئي لا يتقيد بعدد في معهود القرآن، وقد حدثنا الله عن إفساد المنافقين في الأرض في قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة:11)، فمع أنه إفساد جزئي لكنه أطلق الأرض مجازًا وهو يريد بعضها، لأغراض بلاغية لا تخفى، ودون التقييد بعدد مرات معين لكثرتها، والأمثلة كثيرة، وقال الله عن بني إسرائيل عمومًا: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة:64)، وهو إفساد خاص لا يعم الأرض كلها، وكي نقول بالعموم لا بد من قرينة تدل عليه، كما في قوله: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ (الكهف:94)، والقرينة خارجية من الحديث الشريف حيث ثبت أن إفسادهم يعم الأرض([79]).

وعليه فإن لتقييد إفسادتي بني إسرائيل بمرتين خصوصية ليست لغيرهما من الإفسادات، وإطلاق الأرض يراد به الحقيقة لا المجاز، والحقيقة هي الأصل إلا إنْ مَنعتْه قرينةٌ لفظية أو عقلية؛ فيُصار إلى المجاز، وليس ثمة مانعٌ من الحقيقة في الآية، بل إن ﴿مرَّتينِ﴾ قرينة للحقيقة والعموم، وشمولُ فسادِهم كلَّ الأرضِ لا يناكده تخلفه في بعض البلاد القليلة النائية البعيدة، فالحكم للغالب -هذا إن ثبت تخلفه ولا أظنه يثبت- فالعالم قرية صغيرة لا تخفى فيه خافية، يتأثر كله بكله، وتنتقل أخبار كله إلى كله، متجاوزة الزمان والمكان والحدود والثقافة بل والدين، وكل مراقب يدرك أن إفسادهم في عصرنا عمَّ الأرض كلها؛ بالربا، وتجارة الجنس، وبيع السَّلاح، وهوليود، ووسائل التواصل الاجتماعي لا سيما بجوانبها السلبية، فضلًا عن التحكم بالدول والبلاد من خلال لوبيات الضغط الفاعلة، وهو علوٌّ جليٌّ لا يخفى، وإفساد يعم الأرض أو جُلَّها، وليس ثمة إفساد مثله سابق، والقرآن اشترط كل الأرض، بدليل القيد: ﴿مرَّتينِ﴾.

  • المسألة الثالثة: التعبير عن الإفسادة الثانية بلفظ: ﴿الآخِرَةِ﴾.

ومما يؤكد أن التقييد بالمرتين يراد به العدد على ظاهره أنه عبَّر عن الثانية بلفظ ﴿الآخِرَةِ﴾، ولا يُطلق لفظُ الآخِرة على الثاني إلا في القسمة الثنائية حيث لا ثالث، وإلا لقال الثانية، وهو عُرفٌ لغوي قرآني لعله لا يختص بالعربية وحدها، ويسمي الثالث الآخِر في القسمة الثلاثية حيث لا رابع، ولذلك تُسمي القيامة اليوم الآخِر، فالأيام معدودة وإذا بلغ اليوم الذي ليس بعده يوم -بصرف النظر عن رقمه- يسميه القرآنُ الآخِر، لعدم الأيام بعده، قال البيضاوي: والمراد باليوم الآخر من وقت الحشر إلى ما لا ينتهي، أو إلى أن يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ لأنّه آخرُ الأوقات المحدودة([80]). وقال الشيخ زاده: وهذا الوقت آخِر الأوقات المحدودة وما بعده هو الأبد الذي لا حدَّ له([81]).

ولذلك فالقرآن يسمى الدنيا بالأُولى، والحياة بعد الموت -والتي هي حقيقةً الثانية- بالآخرة، ولم يقل الثانية لعدم الثالثة، قال تعالى: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ (القصص:70)، وحين كان إحياء المخلوقات مرتين: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾، عبَّر عنهما بالأولى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى﴾ (الواقعة:62)، والثانية سمَّاها الآخرة: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ (العنكبوت:20)، سماها الآخرة لأنهما جنس واحد، والقسمة ثنائية، قال أبو السعود: ولا فرقَ بينَهما إلا بالأوَّليَّةِ والآخِريَّةِ ([82]).

ولذلك حين أراد مشركو قريش منع دين التوحيد الذي جاء به رسول الله ﷺ قالوا: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ﴾ (ص:7)، وتعبيرهم بالآخرة لمنع دين حادث ينسخ دينهم؛ فهي الملة أو الدين الأخير الذي لا ينبغي أن ينسخه دين بعده، سواء قصدوا المسيحية أم الشرك([83]).

وقوله ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ تهديد، ولا يلزم أن يقع مضمون الجملة الشرطية، بل الأصل ألَّا يقع إن كانت أداة الشرط (إنْ) كقوله: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ (الزخرف:81)، وقوله: ﴿انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ (الأعراف:143)، وقوله لسيدنا النبي ﷺ: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (المائدة:67)، وكذلك في الإسراء علق الجزاء على شرطٍ محال -كما سأبينه لاحقًا- للمبالغة في التهديد والوعيد والتأكيد على الاستئصال لو عادوا ثالثة، ولن يعودوا، ولو أراد تأكيد إفسادةٍ ثالثةٍ لقال: (وإذا عدتم)، وشأنُ (إذا) مختلف؛ فهي لليقينيات، كما في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ (البقرة:180)، وقوله: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت﴾ (الكهف:17)، لذا فإنَّ كل آيات علامات الساعة صُدِّرت بـ (إذا)، ويظهر الفرق بين (إن) و(إذا) في اجتماعهما: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ… وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾ (المائدة:6)، فالقيام للصلاة كثير، والجنابة والمرض استثناء، وقوله: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ (النساء:25)، وقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ (البقرة:180)، لذا فإنني لا أرتضي قول سعيد حوى: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ إلى الإفساد في الأرض ﴿عُدْنَاإلى التسليط عليكم، كما سيفعلُ اللهُ تعالى يومَ يأتونَ مع جُنْدِ الدَّجَّال([84])، إذ مجيء الدَّجَّال حتم لازم، وأخباره متواترة، ويستغرب أن يعبر القرآن عنه بحرف التقليل والتشكيك، في الحين الذي عبَّر فيه عن الإفسادتين بالحرف (إذا): ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾، و:﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ﴾.

  • المسالة الرابعة: الإفسادتان نتيجة تأسيس دولتين لليهود.

هما دولتان، ولكل من الدولتين علوٌّ كبير لقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾، ذهب جمهور المفسرين إلى أن معنى الكرة هو الدَّولة والغلبة، ولا يراد بالدولة المعنى السياسي الحديث، فلا يلزم من كل غلبةٍ وانتصارٍ نشوءُ دَولة بالمعنى السياسي، وإن كانت -في الغالب- نتيجة من نتائج الغلبة، كما لا يلزم أنَّ الكرة والغلبة لا تكون إلا لِدَولة قائمة، وإن ثبت مثل هذا التلازم لبني إسرائيل في الإفسادتين الكبيرتين، فالتوافق لا يعني السببية أو الشرطية.

فالدَّولة المرَّةُ من التَّداول، مِنْ دال يَدول، قال ابن منظور: الدَّوْلةُ والدُّولةُ العُقْبة في المال والحَرْب سَواء. وقيل: الدُّولةُ بالضم في المال، والدَّوْلةُ بالفتح في الحرب. وقيل: هما سواء فيهما يضمان ويفتحان. وقيل: بالضم في الآخرة وبالفتح في الدنيا. والجمع دُوَلٌ ودِوَلٌ([85]). ومعناها صيرورة الغلبة من المسلمين إلى بني إسرائيل، كقوله: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس﴾ (آل عمران:140)([86])، والتعبير بكلمتي (رَدَدْنا وكرة) لتأكيد الترديد والتكرار لأمر واحد، فهي كرَّةٍ سابقة ودولة كانت لهم وقت الإفساد الأول، وكَرَرْتُ رجعتُ إليه بعدَ المرَّة الأولى، وكذلك الترديد([87]). وبمثله قال الواحدي([88]). إذًا هما كرَّتان أو دَوْلتان لبني إسرائيل بالمعنى اللغوي، وعُلوَّان، وإفسادان عامّان، وكل ذلك لا يكون إلا بوجود المُلك والدولة والسلطان، وهو ما قرره جمهور السلف حيث اعتبر أكثرُهم أن الإفساد الأول وقع بعد موت ملكهم صِدِّيقة، فهي مملكة ودولة، وكان رد الكرة لهم بقتل داود عليه السلام لجالوت وصيرورته نبيًا ملكًا للمملكة والدولة المحررة وهي بيت المقدس، وموضع الشاهد عندي هو إقرار السلف بالمملكة والدَّولة بالمعنى السياسي في الإفسادتين، لا تعيين زمن الإفسادتين، فهو ما لا أُقِرُّه، وقد نص ابن عطية على وجود المملكة والدولة لهم وبعدها أفسدوا([89]). وبمثله قال أبو حيان ([90]).

وأصرح منهم ابن خلدون، يقول: ووقع بيدي وأنا بمصر تأليف لبعض علماء بنى اسرائيل من أهل ذلك العصر في أخبار البيت والدولتين اللتين كانتا بها ما بين خراب بختنصر الأول وخراب طيطش الثاني([91]).

ولم أجد أحدًا من السلف خالف في تقرير وجود المملكة والدولة لبني إسرائيل وقت الإفسادتين العظيمتين، وهو لازم عقليٌّ عرفيٌّ، فالعلو الكبير لا يكون إلا في ظل دولة وسيادة، كما أن تعميم الفساد في جلِّ الأرض كذلك لا يمكن في العادة من أفراد، أو حتى جماعات، بلا مظلة دولة ترعاهم وترعى الفساد وتخطط له وتنشره وتزينه للناس، كما أن الخطاب القرآني لكل بني إسرائيل أو جلِّهم، ولا يتوقع منهم الاجتماع على إفساد عام وكبير بلا مظلة تؤطرهم وتحدد وظائفهم وأدوارهم، فالفساد الدَّولي لا يتوقع إلا من دولة، والإفساد المؤسسيُّ لا يكون إلا من المؤسسات، ولئن اعترض عليَّ معترض بأن القوم ما اشترطوا الدولة بل وصفوا الواقع، والواقع أنه كانت لبني إسرائيل في تلك الإفسادتين دولة. أقول: لبني إسرائيل إفسادات كثيرة جدًا لا حصر لها، والذي حمل القوم على اعتبار هاتين الاثنتين هو أنهما في ظل دولة، فهم وإن لم يشرطوه صراحة فقد شرطوه في تطبيقهم العمليِّ، ولم يقع اختيارهم على هاتين الإفسادتين اعتباطًا.

وعليه فالدولة شرط والتاريخ المعاصر يشهد؛ فلم يكن لليهود قدرة على الإفساد في كل الأرض قبل تكوين دولتهم في فلسطين، بل كانوا مشتتين في الأرض ومكروهين ومضطهدين، وغير خاف فعل الأوروبيين بهم لا سيما هتلر، والتاريخُ ناطقٌ أنَّه لم تكن لليهود دولةٌ في القرن الإسلامي الأول، بل كانوا قبائل متفرقة بلا مملكة تجمعها، وبالتالي لا علوَّ لها، وقد أشرت لهذا فيما مضى، فإذا كانت المملكة والدولة شرط منطقيٌّ للعلو والفساد فإنه يتقرر أننا في زمن الإفساد الأول، واستطرادًا أقول: الدَّولة والقوة والعلو لازم عقليٌّ وعُرفيٌّ لفرض الأفكار والمناهج عمومًا سواء كانت طيبة وخَيِّرَةً أم خبيثة وفاسدة، وبقدر قوتها تزيد قدرتها على نشر وفرض ثقافتها ولغتها ودينها على محيطها، والنموذج الأمريكي في عولمة ثقافته بكل تفاصيلها حتى في اللباس والطعام لا تخفى، وهو ذات المنطق الذي كان يحرك النبي ﷺ باحثًا عن أرض يقيم فيها دولته لتكون المنطلق الحقيقي للدعوة([92])، فما إن وجدها واستقر حتى بادر لغزوة بدرٍ الكبرى كأول إعلان صريح للقوة والعلوِّ الإيجابي؛ لأن الدولة بالمعنى اللغوي يتوقع أن تنتج الدولة بالمعنى السياسيّ، فهي وإن كانت غزوة بسيطة في أحداثها قياسًا بالمعارك التي تلتها كفتح مكة وتبوك ومؤتة وغيرها من المعارك الفاصلة في عهد الخلفاء الراشدين، والتي أعقبتها فتوحات عظيمة، لكنها كانت الكُبرى لتوقيتها، ومكانها، ونتائجها، ورسائلها السياسية، فقد أعلنت الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية الجديدة، وهي محاطة بهالة من المَهَابةِ والقوة التي جعلت الكيانات والدّول حولها تحسب لها ألف حساب.

  • المسألة الخامسة: قوله تعالى: ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾.

 الحديث عن ذات المسجد، بدليل ضمير الغيبة العائد للاسم الصريح، ومن الغريب أن يجعلوا التعريف في المسجد للجنس لا للعهد، فمن جعل المسجد الأول هو الحرام، وأن الدخول كان يوم الفتح فقد أَبْعدَ النُّجعَةَ وقال شططًا([93]).

 السياق عن إفسادتي بني إسرائيل، ومعلوم أن مكة كانت تحت حكم قريش، ولم يكن ثمة إفساد فيها، بل كانت قريش حينها تُعظم مكةَ، وما كانت تقوم به من بعض المظاهر القبيحة كالطواف عراة، ووضع الأصنام عند الكعبة، وغيرها، إنما كان تعظيمًا للبيت، وتقربًا لصاحبه، لا بقصد الإفساد، ومعلوم أن قريشًا حين أعادت بناء المسجد لم تقبل الربا أو مال الفاحشة، وقد أدرك وجهاء قريش خاصة، وأهل مكة عامَّة ما عليهم من واجبات نحو الكعبة والحجاج، وكانوا يرون لأنفسهم حق الحُرمة والاختيار على العرب بسبب اختصاصهم بكرامة جوار البيت الحرام، ويعتبرون أنفسهم أهله وأولياءه، كما كانوا يدركون مركز بلدهم، وما أنعم الله عليهم من كرامته وقدسيته؛ ولذا تضامنوا في القيام بواجبهم نحو وفود الحجاج بالسقاية والرفادة، ولتعظيمهم للبيت علقوا عليه عيون شعرهم. وعليه فإن فتح مكة لم يكن بقصد إزالة إفساد مادي وعلوٍّ، بل كان فتحًا كما هو الحال مع كل بلد فتحه المسلمون لا سيما أن قريشًا هم السُّكان الأصليون غير منازعين. وآيات سورة الإسراء تخاطب بني إسرائيل بصراحة لا لبس فيها، فكيف نفهم أن المقصود بالإفساد الأول بنو إسرائيل، وأن المسجد هو المسجد الحرام الذي ما سكنه بنو إسرائيل!

أظنه فهم يفكك النَّص، وما قال بذلك أحدٌ من السلف، وهنا ملحظ مهم، يمكن ألَّا نقبل قول السلف في تعيين الإفسادتين، لكننا يجب أن نذعن لهم في فهم اللغة وطريقة تركيبها ودلالاتها؛ فالقرآن على مهيعهم وطريقتهم، وإجماعُهم فيه معتبر يحرم الخروج عليه، وهما أمران منفكان، فالأول غيبٌ وظنٌّ، وفيه تكييف للنصوص مع الوقائع، ولابد لذلك من قدر كبير من الاجتهاد والتوفيق في تنزيل النصوص على التاريخ والجغرافيا والأحداث، ولا يتوقع منهم معرفة الغيب، ولا ينتظر منهم تخمين عودة بني إسرائيل لاحتلال فلسطين، وبالتالي يتعذر عليهم تعيين الإفسادتين إلا من خلال من انتهى لعلومهم من أحداث وأخبار، أما قضية دلالة الألفاظ في نفسها ومرجع الضمائر والإعراب ومعانيه فقضية مختلفة تمامًا، وحين نعلم أن السلف لم يختلفوا في أن المسجد الأول هو ذات المسجد الثاني وأن التعريف فيه للعهد، وأن الضمير في ﴿دَخَلُوهُ﴾ يعود على أقرب مذكورٍ، أي عليه نفسه، وهي قضية لغوية لا علاقة لها بالتنزيل، كما اتفقوا في معنى (الكَرَّةِ)، وتعيين مرجع (العُلُوِّ)، وغيرها، ولا شك فإن صلاحية القرآن لكل زمان ومكان لا تعني طروء التغيير على لغته سواء في مبانيها أم معانيها أم نظمها أم صناعة نحوها، وما يذهب إليه الدكتور أحمد نوفل في مرجع الضمير، أو من قال بأن العلوَّ مقصور على الإفسادة الثانية أو أنه كرةٌ ثالثة لا صلة له بالإفسادتين مخالف لما أجمع عليه السلف، والحقيقة أن عودَ الضمير على المسجد، وأنه مسجدُ بيت المقدس موضعُ إجماع لديهم، وهو ما نصَّ عليه بعض القائلين بالقول الثالث: إنَّ موضِعَ الإجماع الذي لا تجوزُ مخالفتُه من كلام المفسرين القُدامى لهذه الآيات هو تفسيرُهم وبيانُهم لدلالات الألفاظ والتراكيب([94]). وهنا أسأل: تعيين مرجع الضمير وتعلق العلوِّ بالإفسادتين من أي الواديين، أهو من واد التنزيل أم من واد اللغة والنَّظم؟

وبالمقابل فقد أحسن الأشقر في تعيين مرجع الضمير موافقًا السلف وقواعد اللغة، لكنه جانب الصواب في التنزيل على الواقع([95]). وموضع الإشكال في مذهبه تقريره أن الإفساد الأول بدأ منذ احتلال فلسطين الأخير، وأن المقاومة الفلسطينية هم أولو البأس الشديد وهم الذين يجوسون خلال ديار بني إسرائيل، وفي ذات الوقت ينسب الدخول الأول للمسجد لزمن الفتح العمري، وهو تفكيك للنص غير حميد، والبلاغة والانسجام في النظم العالي يقضيان بغير ذلك، فأولًا عمر بن الخطاب كان فاتحًا للقدس وليس محررًا كما كان الشأن في فتح مكة وقد أشرت لذلك، وكان يسكن القدسَ أهلُها وليس غرباء غاشمين، وفرق كبير بين الأمرين، كما أنه فتحها وكانت في حكم النصارى لا اليهود، كما أنَّ إرجاع الضمير للفتح العمري يقتضي تقدير محذوف كبير لا حاجة له، وينوب عنه أن نقرر أن التحرير سيكون على يد العباد أولي البأس الشديد الذين يجوسون خلال الديار، سواء كان هذا التحرير قريبًا أم يتأخر قليلًا، فالحرب جولات ودولٌّ بيننا وبين الصهاينة، ويقينًا سيكون التحرير قبل كرور الإفساد الثاني زمن الدَّجَّال، فقد تقرر لدى أهل السنة أن المهدي يخرج قبيل ظهور علامات الساعة الكبرى، والأشقر على ذلك، وأكد أن أحاديثه متواترة تواتراً معنويًا، وأنه يحرر بلاد المسلمين تحت حكم الخلافة الواحدة([96])، وهو ما قال به ابن خلدون([97]).

وعليه فإنَّ إنهاء الإفساد الأول والتحرير واقع لا محالة قبل بداية الإفساد الثاني، بصرف النظر عن طول المدة بينهما، وعلى هذا القول ينسجم الكلام أكثر ويتساوق أوله مع آخره، لا سيما أن الدكتور الأشقر يقرر أنه لا يوجد فاصل زمني بين الإفسادتين.

وبعد فمن اللافت في إنهاء الإفسادة الأولى أنه عبَّر بالبعث للعباد: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا﴾، وله دلالات لغوية متعددة([98])، يحسن تنزيلها على واقعنا:

أولًا: البعث إحياء بعد موت أو إيقاظ من نوم أو نحوه، وكذلك حال الأمة الإسلامية، فهي في حالة ضعف شديد قريب من الموت، لكن الله بحكمته ييسر لها بعثًا وإحياءً بقدرته وفضله لتنصر مسرى رسوله ﷺ ومعراجه، وتطهر أرض المحشر والمنشر من رجس الصهاينة.

ثانيًا: البعث إحياء وإصلاح ودعوة للحق، نعم فيه قوة وبأس شديد وإرهاب للخصوم بدليل تعدية البعث بالحرف (على)، ولم يقل: (بعثنا لكم)، وبينهما فرق كبير، لكنهم لا يقصدون من الجوس قتل كل العدو وإزهاق الأرواح، إلا المحاربين منهم، والقصد إرجاع الحق لأهله، والدعوة إلى الله تعالى، حتى الأسرى منهم لا يُقتلون: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء﴾ (محمد:4)، أما في الإفساد الثاني فالشأن مختلف، فإمَّا إسلامًا وإما موتًا، وليس ثمة احتمال ثالث في منهج عيسى عليه السلام، فإنه سيضع الجزية، كما سيمر بنا.

  • المسألة السادسة: اجتماع بني إسرائيل في فلسطين شرط للإفسادة الأخيرة.

مما يمنع أننا في الإفساد الثاني وبالضرورة أنه وقع سابقًا عدم اجتماع بني إسرائيل في فلسطين، والشرط في وعد الآخرة ﴿جِئْنا بِكُمْ لَفيفا﴾ (الإسراء:104)، وأكثرهم خارج فلسطين، فيهود أمريكا وحدها كعدد اليهود الغاصبين لفلسطين، والتعبير بكلمة لفيف سخيٌّ جدًا، ومن وجوه بلاغته أنه ينهي جدلية العرق الإسرائيلي ومعضلة ثبوت نسب يهود اليوم ليهود الأمس، ليتحول الأمر من انتماء قبليٍّ عرقيٍّ يتصل بالنبي إسرائيل عليه السلام ليصبح انتماءً للفكرة والمشروع، قال ابن منظور: واللَّفِيفُ القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أَصلُهم واحداً، وقولهم جاؤوا ومَن لَفَّ لَفَّهم أَي ومَن عُدَّ فيهم وتأَشَّب إليهم([99]).وعليه فكل مُنْتَمٍ للمشروع الصهيوني اليهودي وللدولة المزعومة إسرائيل فهو من بني إسرائيل الدولة والفكرة، وإن لم يكن من بني إسرائيل النبي والنسب، وعلى هذا التوجيه فإنه يمكننا تنزيلِ الآيات القرآنية التي وردَتْ في بني إسرائيل على يهود العالم اليوم؛ للاعتبارات الآتية:

  • أصرار اليهود على تسمية الدولة الأخيرة هذه (إسرائيل)، فأصبحت البُنُوَّةُ هي بُنُوَّةَ انتماءٍ للدولة، وإن لم تثبت بنوة النسب، وهو ما يصحح تسميتهم اليوم بأبناء إسرائيل([100]).
  • الحكم على الناس في دين الله لا يكونُ على أساس العِرق والجنس، بل العقيدة والسلوك، فيَلْحَقُ بني إسرائيل كلُّ من لفَّ لَفّهم وشاركهم في عقيدتهم وشِرعتهم أو حتى من والاهم من غيرهم: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة:٥١).
  • إطلاق (بني إسرائيل) على اليهود من باب التغليب؛ فإنَّ كثيراً من العرب والروم وغيرهم دخلوا في اليهودية وليسوا من بني إسرائيل، كما نقلَ القلقشندي عن عماد الدين الكاتب([101]). وقال الأشقر: دخولُ غيرِهم فيهم وقَعَ مبكِّراً؛ فقد كان كعبُ بن الأشرف يهودياً عربياً من قبيلة طيء، وكثيرٌ من عرب اليمن اعتنقوا اليهودية واستمروا عليها، وقد ارتحلَ أكثرُهم إلى فلسطينَ بعد احتلالها في هذا العصر([102])، ([103]). وقد كتب شلومو ساند([104]) كتابين مهمين بهذا الصدد (اختراع الشعب اليهودي)، و(اختراع أرض إسرائيل)، ليؤكد أن جلَّ الشعب المنتمي لدولة إسرائيل ليسوا يهودًا أصلًا فضلًا عن أن يكونوا من بني إسرائيل عِرقًا، وعلى كلٍّ فإن أكثر بني إسرائيل خارج فلسطين، وسيكون اجتماعهم بصورة كلية وقت التفافهم حول الدَّجَّال.

المسألة السابعة: حتمية ظهور الدَّجّال، وهو يهودي حامل لمشروع بني إسرائيل الإفسادي.

تواترت أحاديث الدَّجَّال تواترًا معنويًا([105])، ولا شك فإنه سيعلو علوَّا كبيرًا ويشكل دولة بالمعنى السياسي، لقوله ﷺ: تقاتلون جزيرة العرب فيفتحها الله لكم، ثم تقاتلون فارس فيفتحها الله لكم، ثم تقاتلون الروم فيفتحها الله لكم، ثم تقاتلون الدَّجَّال فيفتحه الله لكم([106]).

وعطف الدَّجَّال على تلك الدِّول لأنه يبني دولة من جنس دولهم، والاستعاضة باسم الحاكم عن الدولة له نظير في كتاب الله تعالى، كالتعبير باسم فرعون عن دولته للدلالة على شدة طغيانه: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ (13)﴾ (ص)، وقوله: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)﴾ (ق)، ولا شك فإن للدّجّال علوًا عظيمًا ليس لغيره مثله، كإجراء الخوارق على يديه، ولذلك أكد القرآن أنه زِيدَ إمدادًا بالمال والنفير فوق ما كان لأهل العلوِّ والإفساد الأول.

والظاهر من النصوص أنَّ الدَّجَّال يهوديٌّ، ويحمل مشروع بني إسرائيل في الأرض، لذلك يكونون أكثر أتباعه، وقد ثبت هذا في عدد من الأحاديث، قال ﷺ: يخرج الدَّجَّال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفًا من اليهود عليهم التيجان([107]). وفي رواية مسلم: يتبع الدَّجَّال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة([108]). وقد كان النبي ﷺ  يشك في المدينة بأن صافي بن صياد اليهودي هو الدَّجَّال، حيث ولد ممسوحةً عينُه طالعة ناتئة، فأشفق رسول الله ﷺ أن يكون الدَّجَّال([109]). ولو لم تكن اليهودية من صفاته الثابتة له لما شك فيه، وقد أقسم عدد من الصحابة كجابر بن عبد الله وعمر بن الخطاب أن ابن صياد هو الدَّجَّال([110]). ولابن بطَّال في شرحه على البخاري كلام جيد جدًا يحسن الرجوع إليه([111]).

ومما يعزز أنه يهوديٌّ وحاملٌ لمشروع بني إسرائيل في الإفساد أن أكثر أتباعه من اليهود، ففي حديث خروج الدَّجَّال يكون مقتله على يد عيسى عليه السلام، وفيه أيضًا: حتى إن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدًا إلا قتله([112]).

وفي الحديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله([113]). وبمجموع الأحاديث يتبين أنهم أتباع الدَّجَّال وهذا ما فهمه شُرَّاح الحديث، نقل ابن بَطَّال في شرحه على صحيح البخاري، قال المهلب: في هذا الحديث دليل على ظهور الآيات بتكلم الجماد وما شاكله عند نزول عيسى بن مريم الذى يستأصل الدَّجَّال واليهود معه.

وحديث الجسَّاسة المشهور يؤكد أن مشروع الدَّجَّال هو مشروع بني إسرائيل، حيث يختم جولته العالمية في بيت المقدس ويستقر هو ومن معه من يهود الأرض ومن دان لهم وشايعهم وآمن بمشروعهم وإفسادهم فيها، وهي قضية يجهز لها الدَّجَّال منذ أمد بعيد بدليل الأسئلة الأربعة التي كانت تشغل باله في محبسه في الغار، فقد سأل تميمًا أربعة أسئلة؛ عن نخل بيسان وماء طبرية وعين زغر وعن نبي الأميين ﷺ([114])، وبقليل تأمل يظهر أنها جميعًا مناطق محيطة بالمسجد الأقصى المبارك، وكأن الدَّجَّال يجهز لإقامة دولته فيه، ويعلم أنه لا يمكن أن يهدم الإسلام إلا بكسر عاصمته السياسية في بيت المقدس، ويدل لذلك أنه ربط بين هذه المناطق الثلاثة وبعثة النبي محمد ﷺ وظهور أمره وانتصاره على عدوه وإقامة دولته، ومن جهة أخرى ربط الأمر باقتراب زمن ظهوره وخروجه من محبسه، فالدَّجَّال مهتم ببيت المقدس عاصمة المشروع الإسلامي السياسية، فسأل عن مائه وزراعته وسقايته، وباختصار سأل عن اقتصاده وهو ركن الدَّولة وعِمادها، ثم كان اهتمامه بصاحب المشروع ﷺ المناوئ لمشروعه، وكل ذلك حرصًا منه على تتميم إفسادة بني إسرائيل([115]). ولا شك فهو الإفساد الأخير لبني إسرائيل لأنهم يَفْنَونَ عن آخرهم، وينقرض دينُهم، لقول النبي عن عيسى حين نزوله: … فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدَّجَّال ..([116]).

وبعد فإذا كان الدَّجَّال يهوديًا من بني إسرائيل سواء عرقًا أمْ ولاءً، وأنه سَيُفْسِدُ في كل الأرض فسادًا لم يُسبق إليه، إلا مما كان في أمنيات بني إسرائيل في الإفساد الأول، ذلك أن علوَّه فاق علوَّهم بما توفّر له من إمداد بالأموال وكثرة النفير، فيسيح في الأرض كلها في أربعين يومًا ومعه يهود الدنيا يجتمعون حوله ألفافًا، ثم يختمون جولتهم الإفسادية ليجتمعوا في فلسطين، فيقتلهم عيسى علي السلام ومن معه وينتهي مسلسل فساد بني إسرائيل الثاني والأخير، وليس ثمة ثالث، حيث لن يبقى يهود ولا نصارى في الأرض، فعيسى عليه السلام سيضع الجزية، ولن يقبل منهم إلا بأحد شيئين، إما الإسلام وإما الموت، وليس ثمة خيار ثالث، فإذا علمنا كل هذا عن الدَّجَّال علمًا يقينيًا، أليس من الغريب ألا نعتقد أن ما يقوم به هو أحد الإفسادتين العظيمتين، بل هو الإفساد اليقيني من حيث إنه من بني إسرائيل وإنه الأخير، وسِواه ظنّيٌّ في تعيينه، وإن كان قطعيًا في ثبوته، فقد نصَّ القرآن صراحة على وقوع إفسادتين، ثم تبين لنا أنه لا إفساد بعد إفسادة الدَّجَّال، إذًا فمن البديهي أنها هي الثانية والأخيرة.

————–

وبعد فإنني أصل للخاتمة والنتائج وفيها بيان رأيي في تعيين الإفسادتين

أولًا: كان القرآن ذكيًا ومرحليًا ومتدرجًا في خطواته للتأسيس للدولة الإسلامية الأولى، وكانت البداية منذ انطلاق شرارة الدعوة الإسلامية في مكة، فقد كان يدعو بهدوء وسرية وخفاء، لكن عينه ممتدة للإمساك بحبال المشروع الكبير، جاعلًا من كل حركاته خطوات تمهيدية على طريق بناء الدولة، خالية من العبث واللهو وتضييع الوقت أو هدر الإمكانات، مستفيدًا من كل سانحة وفرصة، وقد أشرت لبعض تلك الأمور في مقدمة البحث، لكن بلا شك فإن الخطوة الأهم كانت التحذير من بني إسرائيل وإفسادهم، وهو ما تنبه له النبي ﷺ  من اللحظات الأولى في المدينة عبر الوثيقة الدستورية التي نظمت علاقات الدولة برعاياها لا سيما من اليهود، فوضعت عليهم اشتراطات مهمة وقوية تمنعهم من الغدر والخيانة والتفكير بالإفساد، وإلا فالعاقبة وخيمة وهي الإخراج من جزيرة العرب، وهو ما كان بالفعل، حيث طرد النبي قبائل اليهود لنقضهم العهود، وأكمل الخليفة الراشد الثاني حملة إخراجهم بصورة تامة، وكل ذلك للمحافظة على سلامة الدولة من إفسادهم، تنزلًا عند وصايا القرآن المكي الذي تنبه في مرحلة مبكرة جدًا، وكان له في ذلك كل الحقِّ.

ثانيًا: خلاصة لكل ما سبق من مناقشات فإنني أعتقد أننا في زمن الإفساد الأول وهو العلو الكبير الذي ما سبق لبني إسرائيل أن بلغوا مثله، وما سبق لغيرهم مثله، فحتى فرعون قيل فيه: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ﴾(القصص:4)، فلم يوصف علوه بالكبير كبني إسرائيل الذين قام علوهم على أنقاض دولة الخلافة، ولا شك فهو أعظم إفساد تعرضت له الأمة منذ تأسيس دولتها الأولى في المدينة المنورة، والإفساد الثاني في زمن الدَّجَّال وأتباعه من اليهود ومن يشايعهم، وحينها يكون علوهم أكبر من سابقه، ويكونون أكثر مالًا ونفيرًا، وفي كليهما يكون لهم دولة، والمسجد المقصود في المرتين هو الأقصى، والعباد أولو البأس الشديد الذين يجوسون ديار اليهود في الإفساد الأول من خيرة أمة محمد ﷺ، وهم في الإفساد الثاني من ذات الأمة، لكن تحت حكم عيسى عليه السلام، حيث ينزل فيهم ملكًا لا نبيًا، يتَّبع رسولَنا، ويتلو كتابَنا، ويُحَكِّمُ شريعتنا، ويقتل الدَّجَّال وينهي دولته وإفسادته.

ثالثًا: أعظم إفساد لبني إسرائيل هو هدمهم المشروع الإسلامي الكبير، أو الدولة الإسلامية الحاكمة بشريعة الله تعالى، وهي الغاية الكبرى من الخلافة والخليفة والخلفاء، ولقد قامت دولة إسرائيل على أنقاض دولة الخلافة العثمانية الإسلامية، وكان لابد من سقوطها وعزل الخليفة عبد الحميد الثاني لقيام مغتصبتهم بعد خلافة دامت لاثني عشر قرنًا، وليس بعد ذلك الإفساد من إفساد، فحتى المغول ما استطاعوا أن يسقطوا الخلافة، وإن أضروا بها ضررًا عظيمًا، لكنها ما لبثت أن عادت واشتدت وتوسعت، حتى قاد الخليفة سليمان القانوني الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529م، ولم ولن تصب الأمة الإسلامية بأعظم من مصابها بسقوط الخلافة، لذا فإني أذهب للقول بأنها الإفسادة الأولى التي ينهيها عِبادٌ للهِ تعالى مخلصون صادقون مجاهدون مرابطون، وإن خذلهم كثير من المسلمين، وإن خالفهم الآخر، وذلك الجهد والجهاد شرط مهم لظهور المهدي عليه السلام، وهو ما يُحمِّلُ الأمةَ مسؤولية الحفاظ على جذوة الجهاد والرِّباط في بيت المقدس، فالأحاديث الصحيحة في الفتن لا تفصل بين الرِّباط في بيت المقدس وخروج المهدي، ثم يعقبه خروج عيسى عليه السلام، وأحاديثهم متواترة معنويًا([117]). وعلى هذا فأنا أتفق مع الدكتور الأشقر أنه ليس بين الإفسادتين فاصل حقيقي، وإن كان بينهما زمنٌ فهو في سياق واحد يجعلهما حدثًا واحدًا من حلقتين أو قسمين، أَمَا وقد تشرذمت بلاد المسلمين وتقطعت فإنني لا أظنها تعود دولة خلافة إلا لأمرٍ عظيم كخروج المهدي، لتنتهي الخلافة الثانية بسبب الإفسادة الثانية على يدي الدَّجَّال ومن معه، ثم ينتهي إفسادهم الأخير على يدي عيسى عليه السلام، الذي يوفقه الله بخوارق تقابل خوارق الدَّجَّال([118]).

رابعًا: من القضايا التي تؤكد أهمية التجديد في التفسير الاستقراء التفصيلي للتطور في فهم إفسادتي بني إسرائيل، حيث وجدنا التباين والتقلب الكبير في الأقوال بحسب الزمان والمكان والحالة السياسية، وأظن أن الكثير من الموضوعات القرآنية معوز للمزيد من البحث والمراجعة وتقليب النظر، لا سيما ما يتعلق بمستقبلها ومستقبل صراعاتها، خصوصًا مع بني إسرائيل ومن لف لفهم، فالقرآن منهج الأمة ودستورها، وهو الهادي لها في سبيلها، علمًا أن ما يتجاوز ربع القرآن عن بني إسرائيل.

——————————————-

ثبت المصادر والمراجع

ابن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر المالكي (543هـ)، آيات الأحكام، تح: علي البجاوي، دار الفكر العربي، مصر، (ط3)، 1972م.

ابن بَرَّجان، عبد السلام الإشبيلي (536ه)، تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم، تح: فاتح عبد الكريم، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، (ط1)، 2016م.

ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (852هـ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت.

ابن حنبل، أحمد بن حنبل الشيباني (241ه)، المسند، تح: شعيب الأرنؤوط ت (١٤٣٨ هـ) وعادل مرشد وآخرون، إشراف: د عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، (ط1)، 2001م.

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (808ه)، المقدمة، تح: عبد الله محمد الدرويش، دار يعرب، (ط1)، 2004م.

ابن عاشور، محمد الطاهر (1973)، التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان (ط1)، 2000م.

ابن عطية، أبو محمد بن غالب الأندلسي (542هـ)، المحرر الوجيز، تح: عبد السلام محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، (ط1)، 2001م.

ابن فارس، أحمد بن زكريا (395هـ)، مقاييس اللغة، تح شهاب الدين أبو عمرو، بيروت، دار الفكر،(ط2)، 1998م.

ابن كثير، إسماعيل بن عمر (774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تح: سامي سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، (ط2)، 1999م.

ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي (711ه)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، (ط1).

أبو السعود، محمد بن محمد العمادي (982ه)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، تح: مجموعة، نشريات وقف الديانة التركي، إيصام، إسطنبول، تركيا، (ط1)، 2021م.

أبو بكر، منجد رضوان، البُعْدُ الوَظيفيُّ لِأسْماءِ اللهِ الحُسْنى في السِّياقاتِ القُرآنيةِ، عَرْضٌ وتَحْليلٌ، نشريات سونشاغ، أنقرة، تركيا، (ط1)، 2023م.

أبو بكر، منجد رضوان، بيت المقدس كما يصوره القرآن الكريم، مكتبة دار العلم للنشر والتوزيع، إسطنبول، تركيا، (ط1)، 2018م.

أبو بكر، منجد رضوان، مقاربة بين عالمية القرآن والقول بتاريخانيته، من خلال دراسة نوع المكي والمدني في كتاب الإتقان للسيوطي، مجلة تصور في جامعة تكرداغ، تركيا، 2021م.

أبو حسان، جمال محمود، طلائع الإعجاز الغيبي في طوالع سورة الإسراء، نموذجًا للبحوث المعاصرة في دراسة الإعجاز القرآني، كلية الشريعة بجامعة الزرقاء الأهلية بالأردن، البحث في الإنترنت ولم يبين مكان النشر، ولا تاريخه.

أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي (745هـ)، البحر المحيط، بيروت، دار الكتب العلمية،(ط2)،2007م.

أبو هواش، منذر، مقالٌ منشورٌ على شبكة الإنترنت بعنوان: حديثٌ حديثٌ في الإفسادَتَيْن، موقع ملتقى أهل التأويل.

الأشقر، عمر سليمان (2012)، القيامة الصغرى، وعلامات القيامة الكبرى، دار النفائس، الأردن، (ط7)، 1997م.

الأشقر، عمر سليمان (2012)، وليُتَبِّروا ما عَلَوا تتبيراً، دار النفائس، الأردن، (ط1)، 2010م.

الألوسي، شهاب الدين محمود ابن عبد الله (1270ه)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تح: على عطية، دار الكتب العلمية، بيروت (ط1)، 1415ه.

البخاري، محمد بن إسماعيل (256هـ) صحيح البخاري، باب جف القلم على علم الله. دار الفكر، بيروت.

البيضاوي، ناصر الدين بن عمر (691هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار الكتب العلمية،(ط1)، 1988م.

الترمذي، محمد بن عيسى (279ه)، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تح: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

التيجاني، عبد القادر حامد، أصول الفكر السياسي في القرآن المكي، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار البشير للنشر والتوزيع، (ط1)، 1995م.

جبل، محمد جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصّل لألفاظ القرآن الكريم، مكتبة الآداب القاهرة، 2012م.

جرار، بسام نهاد، زوال إسرائيل 2022، لبنان، مكتبة البقاع الحديثة، ط2، 1996م. 

الجمل، الحوري، أبو زينة، د محمد الجمل، ود محمد الحوري، د منصور أبو زينة، آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء، دراسة وتقويم، منشورات المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج (11)، ع (3)، 2015م.

جولدتسيهر، أغانس، العقيدة والشريعة في الإسلام، تعريب: محمد موسى، عبد العزيز عبد الحق، علي عبد القادر، دار الكاتب المصري، القاهرة، (ط1)، 1946م.

حقي، إسماعيل بن مصطفى الحنفي الخلوتي (1063ه)، روح البيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي، لبنان.

الحنبلي، عمر بن علي الدمشقي (880ه)، اللباب في علوم الكتاب، دار الكتب العلمية، بيروت.

حوى، سعيد حوى (1989م)، الأساس في التفسير، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، (ط1).

الخالدي، صلاح عبد الفتاح (2023م)، حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، لندن، منشورات (فلسطين المسلمة)، ط2، 1995م.

الخطيب، عبد الكريم (2008م)، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ.

الخولي، البهي الخولي (1977م)، بنو إسرائيل في ميزان القرآن، دمشق، دار القلم،(ط1)، 1424هـ – 2003م.

درويش، محي الدين (1982م)، إعراب القرآن وبيانه، دار الإرشاد ـ سورية، (ط1).

الرازي، فخرَ الدين محمد بن عمر (606هـ)، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط4، 2001م.

الزمخشري، جار الله محمود بن عمر (538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تح محمد شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية،(ط1)، 1995م.

السمين الحلبي، أحمد بن يوسف (756ه)، الدر المصون في علم الكتاب المكنون، تح: أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، (ط1).

الشعراوي، محمد متولي (1998م)، تفسير الشعراوي، القاهرة، أخبارُ اليوم (قطاع الثقافة)، بدون تاريخ.

شهاب الدين الخفاجي، أحمد بن محمد الحنفي (1069ه)، عِنَايةُ القَاضي وكِفَايةُ الرَّاضي على تفسيرِ البَيضَاوي،  دار صادر، بيروت.

الشيخ زاده، محمد بن مصلح الدين القوجي (951هـ)، حاشية الشيخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي، مكتبة الحقيقة، إسطنبول، تركيا،(ط1)، 1998م.

صافي، محمود بن عبد الرحيم (1985م)، الجدول في إعراب القرآن، دار الرشيد مؤسسة الإيمان، دمشق، (ط4)، 1418ه.

الصفدي، جمال الدين يوسف (696ه)، كشف الأسرار وهتك الأستار، تح: بهاد الدين دارتما، نشريات وقف الديانة التركي (إيصام)، إسطنبول، (ط1)، 2019م.

الطبري، محمد بن جرير (310هـ)، جامع البيان في تأويل آي القرآن، تح أحمد شاكر، بيروت، مؤسسة الرسالة،(ط1)، 2000م.

طزازة، إسلام، استشراف المستقبل في فلسطين، من خلال أشراط الساعة دراسة حديثية تحليلية، مجلة الاستيعاب، المجلد4، العدد2، 2022م، ص(163-184).

طنطاوي، محمد سيد (2010م)، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، القاهرة، دار الشروق،(ط2)، 1420هـ- 2000م.

عباس، فضل حسن (2011م)، الإسراء والمعراج، دروس ونفحات، عمان، دار الفرقان، ط1، 1420ه-2000م.

عبد الستار، عبد المعز (2011م)، سورةُ الإسراء تقصُّ نهايةَ إسرائيل، مقالٌ منشورٌ في مجلة الأزهر.

عبد الواحد، خالد عبد الواحد، نهاية إسرائيل والولايات المتحدة، بيروت، دار الكتاب، بدون تاريخ.

علي، جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، دمشق، (ط4)، 2001م.

العوني، الشريف حاتم العوني، مقال بعنوان: تواتر أحاديث الدجال:

 http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=255

الفراء، يحيى بن زياد (209)، معاني القرآن، تح: أحمد نجاتي وآخرون، دار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (ط1).

القرضاوي، يوسف مصطفى (2022م)، القدس قضية كل مسلم، القاهرة، مكتبة وهبة، (ط2)، 1998م.

القرطبي، علي بن خلف البكري (449ه)، شرح صحيح البخاري، تح: أبو تميم بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، (ط1)، 2003م.

القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر (671 هـ) الجامع لأحكام القرآن، تح: أحمد البردوني، وإبراهيم طفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1964م.

قطب، سيد قطب إبراهيم (1966م)، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق،(ط25)، 1996م.

القلقشندي، أحمد بن علي (821هـ)، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دمشق، دار الفكر، (ط1)، 1987م.

المراغي، أحمد مصطفى (1952م)، ، تفسير المراغي، تح: باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلمية، (ط2)، 2006م.

مسلم، ابن الحجاج النيسابوري (261هـ)، صحيح مسلم، تح محمد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،

النحاس، أحمد بن محمد (338ه)، إعراب القرآن،تح: د. زهير زاهد، عالم الكتب، بيروت، 1988م.

نوفل، أحمد إسماعيل، حدث الإسراء وحديث الإسراء، مقال منشور في (جريدة السبيل)، 29/7/ 1431ه -11/7/2010م.

الواحدي، علي بن أحمد النيسابوري (468هـ)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح: صفوان داوودي، دار القلم، الدار الشامية، دمشق، (ط1)، 1995م.


([1] ) د محمد الجمل، ود محمد الحوري، د منصور أبو زينة، آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء، دراسة وتقويم، منشورات المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج (11)، ع (3)، 1436 ه‍/2015م، ص20.

([2] ) منذر أبو هواش، مقالٌ منشورٌ على شبكة الإنترنت بعنوان: (حديثٌ حديثٌ في الإفسادَتَيْن)، موقع (ملتقى أهل التأويل). والحقيقة انني لم أجد البحث في الشبكة العنكبوتية، إلا ما أشار إليه الأساتذة الجمل والحوري وأبو زينة في بحثهم المشترك.

([3] ) والحقيق أنني اطلعت على بحثه بعد الفراغ من بحثي، ففرحت به للتوافق في النتائج، إسلام طزازة، كتب استشراف المستقبل في فلسطين، من خلال أشراط الساعة دراسة حديثية تحليلية، مجلة الاستيعاب، المجلد4، العدد2، 2022م، ص(163-184).

([4] ) انظر: التيجاني، عبد القادر حامد، أصول الفكر السياسي في القرآن المكي، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار البشير للنشر والتوزيع، (ط1)، 1995م. ص23.

([5] ) جولدتسيهر، أغانس، العقيدة والشريعة في الإسلام، تعريب: محمد موسى، عبد العزيز عبد الحق، علي عبد القادر، دار الكاتب المصري، القاهرة، (ط1)، 1946م. ص7-27.

([6] ) ابن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر المعافري الاشبيلي المالكي (543هـ)، آيات الأحكام، تح: علي محمد البجاوي، دار الفكر العربي، مصر، (ط3)، 1972م، ص2006-2126.

([7] ) دراز، عبد الله محمد (1958م)، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، تح: علي محمد البجاوي، دار الرواد، مصر، (ط3)، 2017م، ص17-21.

([8] ) ابن عاشور، محمد الطاهر (1973)،التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان (ط1)، 2000م، ج25، ص173.

([9] ) ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن غالب الأندلسي المحاربي (542هـ)، المحرر الوجيز، تح: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، (ط1)، 2001م، ج5، ص241.

([10] ) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (310هـ)، جامع البيان في تأويل آي القرآن، تح أحمد محمد شاكر، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1421هـ – 2000م (ط1)، ج17، ص356-365.

([11] ) ابن عطية، المحرر الوجيز، ج4، ص219.

([12] ) الرازي، أبو عبد الله فخرَ الدين محمد بن عمر بن الحسين (606هـ)، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط4، 1422هـ – 2001م، ج7، ص201.

([13] ) الرازي، مفاتيح الغيب، ج4، ص504.

([14] ) الزمخشري، جار الله محمود بن عمر (538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تح محمد عبد السلام شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ – 1995م (ط1)، ج2، ص624.

([15] ) البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر (691هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408هـ – 1988م (ط1)، ج1، ص564.

([16] ) أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي (745هـ/1344م)، البحر المحيط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1428هـ – 2007م (ط2)، ج6، ص8-9.

([17] ) المراغي، أحمد مصطفى (1952م)، ، تفسير المراغي، تح: باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلمية، 1427هـ – 2006م (ط2)، ج5، ص288.

([18] ) قطب، سيد إبراهيم (1966م)، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، 1417هـ – 1996م (ط25)، ج4، ص2213-2214.

([19] ) القرضاوي، يوسف مصطفى (2022م)، القدس قضية كل مسلم، القاهرة، مكتبة وهبة، 1419هـ – 1998م (ط1)، ص68-73.

([20] ) الخولي، البهي (1398هـ-1977م)، بنو إسرائيل في ميزان القرآن ، دمشق، دار القلم، 1424هـ – 2003م (ط1)، ص205-215.

([21] ) طنطاوي، محمد سيد (2010م)، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، القاهرة، دار الشروق، 1420هـ – 2000م (ط2)، ص660-670.

([22] ) ينظر الطبري، جامع البيان، ج17، ص364-365، والبيضاوي، أنوار التنزيل، ج1، ص564.

([23] ) ينظر الطبري، جامع البيان، ج17، ص364-365، وأبا الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت(450هـ/1058م)، النكت والعيون، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، 1413هـ – 1992م (ط1)، ج3، ص229.

([24] ) البيضاوي، أنوار التنزيل، ج2، ص564.

([25] ) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج4، ص2214.

([26] ) ينظر القرضاوي، القدس قضية كل مسلم، ص72-73.

([27] ) ينظر أبا عبد الله فخرَ الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي ت(606هـ/1209م)، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط4، 1422هـ – 2001م، ج4، ص407.

([28] ) ينظر أبا حيان، البحر المحيط، ج3، ص543.

([29] ) ينظر نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري ت(606هـ/1209م)، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1416هـ – 1996م، ج2، ص622.

([30] ) ينظر أبا الفضل شهاب الدين محمود الألوسي ت(1270هـ/1853م)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت، دار الفكر، ط1، 1417هـ – 1997م، ج6، ص300.

([31] ) ينظر محمد جمال الدين القاسمي ت(1332هـ/1914م)، محاسن التأويل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ – 1997م، ج4، ص210-211.

([32] ) محمد رشيد رضا ت(1353هـ/1935م)، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1420هـ – 1999م، ج6، ص396-397.

([33] ) ينظر محمد الطاهر ابن عاشور ت(1392هـ/1973م)، التحرير والتنوير، تونس، دار سحنون، بدون تاريخ، ج6، ص277-278.

([34] ) محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي ت(1393هـ/1973م)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، القاهرة، دار الحديث، ط1، 1426هـ – 2006م، ج2، ص79.

([35] ) الخطيب، عبد الكريم (2008م)، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ج8، ص444-457.

([36] ) جرار، بسام نهاد، زوال إسرائيل 2022، لبنان، مكتبة البقاع الحديثة، ط2، 1417هـ – 1996م. 

([37] ) عبد الواحد، خالد، نهاية إسرائيل والولايات المتحدة، بيروت، دار الكتاب، وهو كتابٌ منشورٌ على شبكة الإنترنت بدون دار نشر، وقد كُتِبَ على غلافه: (الإصدار الخامس 1424هـ- 2004م)، ج8، ص444-457.

([38] ) الأدلة مأخوذة من عبد الكريم بن محمود بن يونس الخطيب ت(1406هـ/1985م)، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ج8، ص446-447.بتصرف، كما أن مجملها جاء عند الأستاذ بسام جرار في كتابه المعروف (زوال إسرائيل 2022) خصوصا في الفصل الأول: التفسير ص 17 – 51. 

([39] ) خالد عبد الواحد، نهاية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ص458-468، وينظر بسام نهاد جرار، زوال إسرائيل 2022، الفصل الثاني من ص (51 – 99 ).

([40] ) الأشقر، عمر سليمان (2012م)، وليُتَبِّروا ما عَلَوا تتبيراً، عمان، دار النفائس، ط1، 1430هـ -2010م ص101-103.

([41] ) الصفدي، جمال الدين يوسف بن هلال (696ه)، كشف الأسرار وهتك الأستار، تح: بهاد الدين دارتما، نشريات وقف الديانة التركي (إيصام)، إسطنبول، (ط1)، 2019م. ج2، ص554-555.

([42] ) السمين الحلبي، أحمد بن يوسف بن عبد الدايم، كنيته أبو العباس (756ه)، الدر المصون في علم الكتاب المكنون، تح: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، (ط1)، ص2928.

([43] ) أبو هواش، منذر، مقالٌ منشورٌ على شبكة الإنترنت بعنوان: حديثٌ حديثٌ في الإفسادَتَيْن، موقع (ملتقى أهل التأويل). نقلته عن: آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء، دراسة وتقويم، لـ: د محمد الجمل، ود محمد الحوري، د منصور أبو زينة، منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج (11)، ع (3)، 1436 ه‍/2015م.

([44] ) ابن بَرَّجان، عبد السلام بن عبد الرحمن الإشبيلي (536ه)، تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم، تح: فاتح حسني عبد الكريم، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، (ط1)، 2016م. ج3، ص1442.

([45] ) ) أبو السعود، إرشاد العقل، ج4، ص554.

([46] ) الألوسي، روح المعاني، ج8، ص212.

([47] ) إسماعيل حقي، إسماعيل بن مصطفى الإسطنبولي الحنفي الخلوتي (1063ه)، روح البيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي، لبنان،ج4،ص305 ج7، ص170. وعنه نقله الألوسي  وغيره، وعقب الألوسي  بتوهينه.

([48] ) الطبري، الجامع، ج17، ص356-365.

([49] ) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص39.

([50] ) الحنبلي، عمر بن علي الدمشقي (880ه)، اللباب في علوم الكتاب، دار الكتب العلمية، بيروت، ص3364.

([51] ) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (310هـ)، جامع البيان في تأويل آي القرآن، تح أحمد محمد شاكر، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1421هـ – 2000م (ط1)، ج7، ص670-672.

([52] ) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (700 -774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تح: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، (ط2)، (1420هـ – 1999 م)، ج2، ص454.

([53] ) عبد الستار، عبد المعز (2011م)، سورةُ الإسراء تقصُّ نهايةَ إسرائيل، مقالٌ منشورٌ في مجلة الأزهر، المجلد 28، ص689، نقلاً عن سيد طنطاوي، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، ص673.

([54] ) الشعراوي، محمد متولي (1998م)، تفسير الشعراوي، القاهرة، أخبارُ اليوم (قطاع الثقافة)، بدون تاريخ، ج13، ص8348-8352، وج14، ص 8353-8362.

([55] ) عباس، فضل حسن (2011م)، الإسراء والمعراج – دروس ونفحات، عمان، دار الفرقان، ط1، 1420ه -2000م ص113-131.

([56] )  نوفل، أحمد إسماعيل، حدث الإسراء وحديث الإسراء، مقال منشور في (جريدة السبيل)، 29/7/ 1431ه -11/7/2010م.

([57] ) الخالدي،  صلاح عبد الفتاح (2023م)، حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، لندن، منشورات (فلسطين المسلمة)، ط2، 1415هـ -1995م ص151-181.

([58] ) أبو حسان، جمال محمود، طلائع الإعجاز الغيبي في طوالع سورة الإسراء، نموذجًا للبحوث المعاصرة في دراسة الإعجاز القرآني، كلية الشريعة بجامعة الزرقاء الأهلية بالأردن، البحث في الإنترنت ولم يبين مكان النشر، ولا تاريخه، ص30.

([59] ) د محمد الجمل، ود محمد الحوري، د منصور أبو زينة، آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء، دراسة وتقويم، منشورات المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج (11)، ع (3)، 1436 ه‍/2015م، ص20.

([60] ) حوى، سعيد (1989م)، الأساس في التفسير، ج6، ص3040.

([61] ) ينظر المرجع السابق ص113-118..

([62] ) الشعراوي، محمد متولي (1998م)، تفسير الشعراوي، القاهرة، أخبارُ اليوم (قطاع الثقافة)، بدون تاريخ، ج13، ص8348-8352، وج14، ص 8353-8362.

([63] ) انظر أحمد إسماعيل نوفل، حدث الإسراء وحديث الإسراء، مقال منشور في (جريدة السبيل)، 29/7/ 1431هـ -11/7/2010م.

([64] ) أبو حسان، طلائع الإعجاز الغيبي، ص29.

([65] ) البخاري، محمد بن إسماعيل (256هـ) صحيح البخاري، باب: جف القلم على علم الله. دار الفكر، بيروت، ج6، ص2433.

([66] ) ابن بَرَّجان، تنبيه الأفهام، ج3، ص1442.

([67] ) الجمل وأصحابه، آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل، ص20.

([68] ) الطبري، الجامع،ج17، ص454.

([69] ) الزمخشري، الكشاف، ج2، ص649.

([70] ) الرازي، مفاتيح الغيب، ج7، ص201.

([71] ) أبو حيان، البحر المحيط، ج6، ص8-13.

([72] ) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج14، ص25.

([73] ) صافي، محمود بن عبد الرحيم (1985م)، الجدول في إعراب القرآن، دار الرشيد مؤسسة الإيمان، دمشق، (ط4)، 1418ه، ج15، ص8. و: الدرويش، محي الدين (1982م)، إعراب القرآن وبيانه، دار الإرشاد ـ سورية، (ط1)، ج5، ص391.

([74] ) الخالدي، حقائق قرآنية ص151. وانظر ص 155.

([75] ) حوى، الأساس، ج6، ص3042.

([76] ) الأشقر، وليُتَبِّروا، ص164.

([77] ) الشعراوي، تفسير الشعراوي، ج9، 5099. بتصرف يسير.

([78] ) علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، دمشق، (ط4)، 2001م، ج20، ص100.

([79] ) الترمذي،  محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تح: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (ط2)، 1989م، ج5، ص313.

([80] ) البيضاوي، أنوار التنزيل،ج1، ص162.

([81] ) الشيخ زاده، محمد بن مصلح الدين القوجي (951هـ)، حاشية الشيخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي، مكتبة الحقيقة، إسطنبول، تركيا، 1419ه – 1998م (ط1)، ج1، ص117.

([82] ) أبو السعود، شيخ الإسلام القاضي بن محمد العمادي (982ه)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، تح: مجموعة، نشريات وقف الديانة التركي، إيصام، إسطنبول، تركيا، (ط1)، 2021م، ج6، ص554.

([83] ) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج23، ص115.

([84] ) حوى، الأساس في التفسير، ج6، ص3040-3041.

([85] ) ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري (711ه)، لسان العرب،  دار صادر، بيروت، (ط1)، ج11، ص252.

([86] ) ينظر: الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد (209)، معاني القرآن، تح: أحمد يوسف نجاتي ومحمد على نجار وعبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (ط1)، ج2، ص116. والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج10،ص217. والألوسي ، روح المعاني، ج19 ص156، وجبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي المؤصّل لألفاظ القرآن الكريم، مكتبة الآداب القاهرة، 2012م، ج4،ص1925.

([87] ) ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن زكريا (395هـ)، المقاييس في اللغة، تح شهاب الدين أبو عمرو، بيروت، دار الفكر، 1418هـ – 1998م (ط2)، ص904.

([88] ) الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي النيسابوري الشافعي (468هـ)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، الدار الشامية، دمشق، (ط1)، 1995م. ج1، ص441.

([89] ) ابن عطية، المحرر الوجيز، ج4، ص219.

([90] ) أبو حيان، البحر المحيط، ج6، ص12.

([91] ) ابن خلدون، التاريخ، ج2، ص203.

([92] ) وهنا أسجل مخالفتي للأستاذ التيجاني في كتابه أصول الفكر السياسي في القرآن المكي، حيث صرَّح بعدم ضرورة الدولة لتحقيق مفهوم الأمة أو تثبيت الدعوة، ولي تحفظات عديدة على أفكار الكتاب، وإن كان محاولة ممتازة وجادة في التأصيل للأبعاد السياسية في الفكر القرآني، ص107-117.

([93] ) نوفل، أحمد إسماعيل، حدث الإسراء وحديث الإسراء، مقال منشور في (جريدة السبيل)، 29/7/ 1431هـ -11/7/2010م.

([94] )  آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل من خلال سورة الإسراء، دراسة وتقويم، لـ: د محمد الجمل، ود محمد الحوري، د منصور أبو زينة، منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج (11)، ع (3)، 1436 ه‍/2015م، ص21.

([95] ) الأشقر، وليُتَبِّروا ما عَلَوا تتبيراً، ص167.

([96] ) الأشقر، عمر سليمان (2012م)، القيامة الصغرى، وعلامات القيامة الكبرى، دار النفائس، الأردن، (ط7)، 1997م، ص206-216.

([97] ) ابن خلدون، المقدمة، ص176.

([98] ) جبل، محمد حسن ، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها، الناشر: مكتبة الآداب – القاهرة، (ط1)، ٢٠١٠ م، ج1، ص143.

([99] ) ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي (711ه)، لسان العرب،  دار صادر، بيروت، (ط1)، ج9، ص317.

([100] ) الأشقر، وليُتَبِّروا ما عَلَوا تتبيراً، ص170.

([101] ) القلقشندي، صبح الأعشى، ج13، ص257.

([102] ) الأشقر، وليُتَبِّروا ما عَلَوا تتبيراً، ص101-103.

([103] ) الجمل وأصحابه،  آراءُ المفسرين في إفسادَتَيْ بني إسرائيل، ص24.

([104] ) بروفسور في تاريخ إسرائيل بجامعة تل أبيب، مناهض لفكرة الدولة والشعب اليهودي، كتابه الأخير: كيف لم أعد يهودياً.

([105] ) ناقشها عدد كبير من العلماء قديمًا وحديثًا ومن أهمهم الشوكاني والأشقر، عمر سليمان (2012م)، وجمع كل الأقوال ونظمها الشريف حاتم العوني في مقال جامع وموجز، رابط المقال من موقع مركز نماء:

http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=255

([106] ) ابن حنبل، أحمد بن حنبل (241ه)، المسند، تح: شعيب الأرنؤوط ت (١٤٣٨ هـ) وعادل مرشد وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، (ط1) 2001م، ج1، ص178.

([107] ) ابن حنبل، المسند،ج3، ص224. قال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن وهذا إسناد قابل للتحسين من أجل محمد بن مصعب -وهو القرقسائي- فهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين.

([108] ) مسلم، بن الحجاج النيسابوري ت(261هـ)، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تح محمد فؤاد عبد الباقي،ج4، ص2266، رقم الحديث2944.

([109] ) ابن حنبل، المسند، ج3، ص368.تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده على شرط مسلم.

([110] ) مسلم، صحيح مسلم،ج4، ص2243، رقم الحديث 2929.

([111] ) القرطبي، علي بن خلف بن بطال البكري (449ه)، شرح صحيح البخاري، تح: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، (ط1)، 2003م. ج10، ص386.

([112] ) ابن حنبل، المسند، ج3، ص367. تعليق الأرنؤوط : إسناده على شرط مسلم.

([113] ) البخاري، الصحيح، ج3، ص1070، رقم الحديث 2768.

([114] ) مسلم، الصحيح، ج4، ص2266، رقم الحديث2944.

([115] ) ناقشت القضية بتفصيل واسع في كتابي: أبو بكر، منجد، بيت المقدس كما يصوره القرآن الكريم، مكتبة دار العلم للنشر والتوزيع، إسطنبول، تركيا، (ط1)، 2018م، ص167-173.

([116] ) ابن حنبل، المسند، ج2،ص406. تعليق الأرنؤوط: صحيح.

([117] ) أشرت لذلك سابقًا، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، ج4، ص205. مسلم، صحيح مسلم،ج1، ص95، رقم الحديث412. الترمذي، سنن الترمذي، ج4،ص505.

([118] ) ابن حنبل، المسند، ج2، ص482.تعليق شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد محتمل للتحسين.