8/10/2024

جاسم الشمري

 هنالك العديد من التعاريف لكلمة مؤسسة [مفرد]: ج مؤسسات، في القواميس العربية الحديثة.

وترى بعض القواميس أن المؤسسة هي منشأة‏ تؤسَّس لغرض معين أو لمنفعة عامة، ولديها من الموارد ما يكفل ذلك، وهنالك مؤسسات علمية، ودستورية، وسياسية وخيرية.

وقد تحدثت العديد من الكتب عن المؤسسات وما يتعلق بها، وآخرها كتاب «حرب العصابات في عالم المؤسسات»، وهو من تأليف: باتريك لينشيوني، وترجمة: هبة نجيب مغربي، ٢٠٢٤م.

ويناقش الكتاب العديد من القضايا المتعلقة بالعمل المؤسسي، ولا نريد الخوض في تفاصيلها.

والعمل المؤسسي قائم على الخطط الجماعية والفردية ويعتمد بشكل واضح على التشاور في صناعة القرار في ترتيب وتطبيق مراحل العمل، وهو بعيد عن الفردية أو «الدكتاتورية المؤسساتية».

وتعالج المأسسة (المؤسساتية) آفة الفردية وتكافح الديكتاتورية في العمل وبالتالي تفتح الباب للجميع للمنافسة، كل من موقعه، وذلك عبر زرع الثقة في نفوس جميع العاملين، والانتقال من الفردية التامة إلى الحالة الجماعية في القرارات والتخطيط والترتيب والتنفيذ.

والعمل المؤسسي تجربة دقيقة بحاجة لفريق تخطيط حكيم ومتمرس، وهو ليس شعارا يرفع بينما العمل بعيد عن أبسط أبجديات المؤسساتية.

ولا ننسى هنا الدور الريادي للقيادة في ترتيب وترشيد العمل المؤسسي؛ وبهذا فإن العمل المؤسسي الرصين والناجح تقف وراءه قيادة رصينة وناجحة، والعمل المؤسسي الهزيل أو الفاشل تقف وراءه قيادة هزيلة وفاشلة.

والقيادة الواعية تعمل على كسر الحواجز المتنوعة سعيا منها لفتح باب المنافسة بين الزملاء وصولا لتحقيق أفضل النتائج في الميدان.

والعمل المؤسسي ليس بعيدا عن الآفات الساحقة للأعمال الناجحة، ولهذا فإن المزاجية والمحسوبية والأنانية والتقييمات السقيمة وغيرها من الأسباب من أهم الآفات المدمرة للعمل المؤسسي.

وبهذه الأساليب الإدارية الهمجية سيحكم بالإعدام على الكفاءة الإنتاجية وسيضطر الموظفون الأكفاء للهروب لمؤسسات حقيقية ورصينة.

إن الإدارة الناجحة تزرع روح التعاون بين زملاء العمل من جهة، وبينهم وبين الإدارة من جهة أخرى، ولا تبني أي حواجز حقيقية أو وهمية بين الجميع.

وتمتلك الإدارة السليمة، كذلك، القدرة على تذليل الصعاب ومعالجة المشكلات بحكمة وعلمية وموضوعية وتحاول زراعة روحية الفريق الواحد في أرجاء المؤسسة.

وهنالك العديد من ثمرات العمل المؤسسي ومن أبرزها استمرارية العمل وقدرته على المنافسة في الميادين الحياتية المتنوعة.

وعند تطبيق المؤسساتية الحقيقية سنصل إلى الاستثمار الأمثل للجهود والطاقات والموارد البشرية والمالية وصولا إلى النجاح المنشود في الميادين السياسية والاقتصادية والمجتمعية وحتى الإنسانية والدعوية.

ولعل من أخطر العوامل المهددة لغالبية الكيانات التي تدعي بأنها قائمة على المؤسساتية هو غياب الروح الجماعية والتكاتف التلاحم والتواد بين غالبية أفرادها وكأنهم أحيانا مجموعة من الأعداء أو المتخاصمين في كيان واحد.

وبناء على هذه الحقائق يفترض بالكيانات التي تعاني من «القيادة الفردية» وفوضى «العمل الفردي» والتي تحارب أو تتجاهل «العمل الجماعي» والمؤسساتي الحقيقي أن تسعى وبعجالة لتنمية «الفكر الجماعي»، وأن تحارب «الدكتاتورية الإدارية» وتُنهي حالة التجمعات الداخلية والعصابات المشكلة داخل المؤسسة.

مَن يسعى لإنجاح العمل المؤسسي عليه أن يفتح باب النافسة الشريفة وتشجيع العمل التعاوني والجماعي، وتضييق الهوة بين العاملين من حيث التعامل والأجور والمكافآت والتأمين الصحي، وزرع الاستقرار النسبي للعمل وفتح باب قبول الرأي والرأي الآخر والانتقادات البناءة، وألا يحارب الكفاءات الفردية وغيرها من الأدوات الحافظة للعمل والداعمة للجهود والطاقات.

العمل المؤسسي يتطلب الانفتاح على العالم وعلى الآخرين، وامتلاك عقلية حكيمة وناضجة، والابتعاد عن سياسات التسلط والتحكم بالآخرين. ولا تحولوا «المؤسسات» إلى ميادين للحروب بين الموظفين، وتذكروا أن العمل المؤسسي طريق النجاح المضمون في كافة المجالات العامة والخاصة.

نقلاً عن:

https://al-sharq.com/opinion/27/08/2024/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D8%B3%D8%A7%D8%AA