10/3/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

تنوع طرق المساهمة في الجهاد والحصول على الثواب

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ، صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ. وَارْمُوا، وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا. لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا «، أَوْ قَالَ» كَفَرَهَا ” رواه أحمد في المسند، وأَبُو داود في السنن، والحديث حسن بطرقه وشواهده كما قال شعيب الأرناؤوط.

الشرح والتعليق

1-    هذا الحديث فيه بيان لتنوع طرق المشاركة في الجهاد والحصول على الثواب.

2-    قوله (إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة) الباء في (بالسهم) للسببية، أي: دخولهم الجنة بسبب سهم واحد.

3-    قوله (صانعَهُ) بالنصب على أنها بدل من (ثلاثةَ)، ويجوز فيها الرفع على أنه مبتدأ.

4-    قوله (يحتسب في صنعته الخير) أي: يقصد بعمله التقرب إلى الله به والثواب منه.

5-    قوله (والرامي به) أي يرمي به الأعداء وهو يحتسب الأجر من الله.

6-    قوله (ومنبله) يُضبط هذا اللفظ بطريقتين: (مُنْبِله) بسكون النون وتخفيف الباء، ز(مُنَبِّله) بفتح النون وتشديد الباء، وهي صيغة اسم الفاعل من التنبيل.

7-    وللعلماء في معنى (ومنبله) خلاف:

(ا) الذي يَرُدُّ النبل على الرامي من الهدف (يحمي الرامي) كما قال ابن الأثير في النهاية.

(ب) الذي يناولُ السهامَ أو النبالَ للرامي ليرمي بها العدو كما قال ابن رسلان.

8-    قوله (وارموا واركبوا) تحتمل معنيين:

(1)  لا تقتصروا على الرمي وأنتم تمشون على أقدامكم، بل اجمعوا بين الرمي والركوب، وهذا يحتاج إلى تدريب كبير بحيث يستطيع الراكب على الفرس أن يرمي العدو بالسهام والنبال.

(2)    ويجوز أن يكون المعنى: تعلموا الرمي والركوب بتأديب الفرس والتمرين عليه، كما يشير إليه آخر الحديث.

9-    قوله (وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا) أي معالجة الرمي وتعلمه أفضل من تأديب الفرس وتمرين ركوبه لما فيه من الخيلاء والكبرياء، ولما في الرمي من النفع الأعم، ولذا قدمه تعالى في قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60].

10-   قوله (لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ) وفي رواية (كل شيء يلهو به الرجل باطل) : أي: كل شيء يُشتَغل به ويلعب به لهو (باطل) : لا ثواب له.

11-   قوله (تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ) أي: تعليمه إياه بالركض والجَوَلان على نية الغزو.

12-   قوله (وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ) وفي رواية (وملاعبته امرأته): وهو ما يكونُ بين الرَّجُلِ وأهلِه من العِشرَةِ الزَّوجيَّةِ بالمَعروفِ والملاطَفَةِ بالمؤانَسَةِ والتَّودُّدِ، وقد يراد بها الجِماعِ ومُقدِّمَاتِه.

13-   قوله (إلا رميه بقوسه) : احتراز عن رميه بالحجر والخشب

14-   قوله (وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ) : احتراز عن رميه بالحجر والخشب

15-   هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث ليست من اللهو الباطل، ويترتب على فعلها الثواب الكامل، وفي معناها كل ما يعين على الحق من العلم والعمل إذا كان من الأمور المباحة، كالمسابقة بالرِّجْل والخيل والإبل، والمشي للتنزه على قصد تقوية البدن.

16-   قوله (وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْه): أي: إعراضا عن الرمي، وجواب الشرط محذوف تقديره فليس منا، أو قد عصى.

17-   قوله (فإنه نعمة) هذا تعليل لجواب الشرط المقدَّر، فإنه أي الرمي نعمة.

18-   قوله (تركها) أي: ترك شكرها، أو أعرض عنها.

19-   قوله (أو قال كفرها) أي: قال (كفرها) بدل (تركها)، وهو شك من أحد الرواة، ومعنى (كفرها) : أي: ستر تلك النعمة، أو لم يقم بشكرها، من الكفران ضد الشكر.

20-   والحكمة في إدخال ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد: أَنَّهُ قَدْ يُرْمَى قائد الأعداء فَيُصَابُ فَيَنْهَزِمُ مَنْ خَلْفَهُ، كما أنه في العصر الحالي كما نرى ألمها شديد على الأعداء حيث جعلتهم الرماية حبيسي الملاجئ، فتتعطل أعمالهم، وتكثر خسائرهم المادية نتيجة لذلك.

21-   وَكَرَّرَ ذكر الرمي في الحديث عدة مرات لِلتَّرْغِيبِ فِي تَعَلُّمِهِ وَإِعْدَادِ آلَاتِهِ.

22-   قال الشوكاني في نيل الأوطار: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاشْتِغَالِ بِتَعَلُّمِ آلَاتِ الْجِهَادِ وَالتَّمَرُّنِ فِيهَا وَالْعِنَايَةِ فِي إعْدَادِهَا لِيَتَمَرَّنَ بِذَلِكَ عَلَى الْجِهَادِ وَيَتَدَرَّبَ فِيهِ، وَيُرَوِّضَ أَعْضَاءَهُ.

23-   وفي رواية (ومن تعلم الرمي ثم تركه فَلَيْسَ مِنَّا) وَفِيها إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَسَاهَلَ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَرَكَهُ كَانَ آثِمًا إثْمًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْعِنَايَةِ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِ الْجِهَادِ، وَتَرْكَ الْعِنَايَةِ بِالْجِهَادِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْعِنَايَةِ بِالدِّينِ لِكَوْنِهِ سَنَامَهُ وَبِهِ قَامَ.

24-   قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فهذه الأحاديث في الحث على تعلم الرمي لأنه عدة في سبيل الله وقوة في سبيل الله، ولهذا شرع الله تعلم الرمي، وأخبر النبي ﷺ أن القوة هي الرمي في قوله جل وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فقال ﷺ:  (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) يعني معظم القوة، وأهمها الرمي بالنبل وبالبندقية وبالمدفع والرشاش وغير هذا من أنواع الرمي التي تستعمل في كل زمان بحسبه، هي معظم العدة، ويجب أن يستعمل أيضا ويُعَدُّ ما دعت الحاجة إليه مما يستعمله الناس من سائر ما يعين على الجهاد في سبيل الله كالطائرة والسيارة والصواريخ وغير هذا مما يحتاجه المجاهدون إذا كان عدوهم يستعمله.

25-   هذا الحديث يدل على أنه يجب على المؤمن العناية بوسائل الجهاد في جميع الوجوه، وأن يعد نفسه لذلك، فيكون من المجاهدين، (ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) رواه مسلم.

26-   وأختم فأقول هنيئا لمن يرمون العدو بمختلف أنواع (الرمي) من الياسين 105، وصواريخ M75، و قذائف TBG، و قذائف RPG، وهنيئا لمن صنعها، وهنيئا لمن جهزها لمن يرمي، وهنيئا لمن ساهم في ثمنها، وهم في الأجر سواء إن شاء الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 23/2/2024م

الموافق 12/شعبان/1445هــ