26/2/2024
د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
هنيئا للشهداء ما ينتظرهم من الأجر العظيم عند الله
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ. رواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب.
الشرح والتعليق
1- يدل الحديث على فضل الشهيد في سبيل الله.
2- قوله (للشهيد عند الله ستُّ خصال): اختص اللهُ تعالى الشهيد بست خِصالٍ لمْ تُمنح لِغيره، ولا يوجد مجموعها لأحد غيره.
3- الخصلة الأولى: (يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ): (يُغفَرُ)بصيغة المجهول؛ أي تُمحَى ذنوبُه.
4- قوله (في أول دَفعة) يجوز فيها ضم الدال وفتحها، مع سكون الفاء، وفتح العين، وفي رواية (في أول دَفقة) : بفتح الدال وسكون الفاء وبالقاف، وفي رواية بضم الداء (دُفقة)، قال الجوهري: الدُّفقة من المطر وغيره مثل الدُّفعة، و(الدَّفقة)بالفتح: المرة الواحدة من الدفق، أي يغفر له في أول دفقة وصبة من دمه.
5- الخصلة الثانية: (وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ)، قوله (ويُرَى): بضم الياء على أنه من الإراءة أي أن هناك من يريه من مقعده.
6- وقوله: (مقعدَه): بالنصب لا غير، على أنه مفعول ثان، والمفعول الأول نائب الفاعل.
7- قوله: (ويُجار من عذاب القبر): أي يُحفَظ ويُؤمَّن، وقد عدها العلماء تابعة للخصلة الأولى المذكورة في الحديث؛ لأن الإجارة مندرجة في المغفرة إذا حملت على ظاهرها.
8- الخصلة الثالثة: (ويأمن من الفزع الأكبر): فيه إشارة إلى قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103]والفزع الأكبر قيل: هو عذاب النار، وقيل: العرض عليها، وقيل: هو وقت يؤمر أهل النار بدخولها، وقيل: ذبح الموت فييأس الكفار عن التخلص من النار بالموت، وقيل: وقت إطباق النار على الكفار، وقيل: النفخة الأخيرة بقوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [النمل: 87].
9- الخصلة الرابعة: (ويوضع على رأسه تاج الوقار) : أي: يُلبِسُه اللهُ عزَّ وجلَّ تاجًا يُجعَلُ له مِن العزَّةِ والعظَمةِ، وفى كتاب النهاية في غريب الأثر: التاج ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر.
10- قوله (الياقوتة منها) : أي من التاج، والتأنيث باعتبار أنه علامة العز والشرف، أو باعتبار أنه مجموع من الجواهر وغيرها.
11- قوله (خير من الدنيا وما فيها) أي: خيرٌ مِن الحُصولِ على نَعيمِها كُلِّه.
12- الخصلة الخامسة: (وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ) في التقييد بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد، لا التكثير، ويحمل على أن هذا أقل ما يعطى، ولا مانع من التفضل بالزيادة عليها.
13- قوله (من الحور) : أي نساء الجنة، والحور جمع، مفرده حوراء، وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها.
14- قوله (العِين) جمع عيناء وهي الواسعة العين.
15- الخصلة السادسة: (وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) (ويُشَفَّعُ) : بتشديد الفاء ، أي تُقبل شفاعته.
16- قوله (في سبعين من أقربائه) كوالدَيهِ وأولادِه وزَوجاتِه وغيرِهم من الأقاربِ؛ فالإحسانُ إلى الأقاربِ أفضلُ منه إلى الأجانبِ، وقيل: يشمل ذلك أحبابَه والقَرِيبِينَ منه.
17- وقوله: (في سَبعين) يَحتمِلُ أنَّ المرادَ هذا العددُ تَحديدًا، ويَحتمِلُ أنَّ المرادَ: التكثيرُ وأنَّه يَشفَعُ في عَددٍ كثيرٍ من أهلِه، ولا يُقصَدُ هذا العددُ على سَبيلِ التَّحديدِ؛ فالعرَبُ تَستعمِلُ مُضاعَفاتِ العددِ (سبعةٍ)؛ للدَّلالةِ على التَّكثيرِ، كما في قولِه تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]؛ فالعددُ غيرُ مُرادٍ به المقدارُ المحدَّدُ من العددِ، بل هذا الاسمُ مِن أسماءِ العدَدِ الَّتي تُستعمَلُ في معنى الكَثرةِ، وسواءٌ عرَفْنا الحِكْمةَ مِن ذِكرِ هذا العددِ أو لم نَعرِفْ؛ فالواجبُ علينا التَّسليمُ لخبَرِ اللهِ، وخبرِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 24/11/2023م
الموافق 10/جمادى الأولى/1445هـ