22/2/2024  

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

الطائفة المنصورة

عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك”. متفق عليه.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

الشرح والتعليق

1-    يدل الحديث على فضل الطائفة المنصورة الثابتة على الحق، ومكان وجودها.

2-    قال التوربشتي: الأمة القائمة بأمر الله وإن اختُلِف فيها فإن المعتَدَّ به من الأقاويل أنها الفئة المرابطة بثغور الشام، نضَّر الله بهم وجه الإسلام، لما في بعض طرق هذا الحديث: (وهم بالشام)، وفي بعضها: (حتى تقاتل آخرهم المسيح الدجال)، وفي بعضها: (قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس).

3-    قوله (لا يضرهم من خالفهم) إن قيل: ما وجه هذا الحديث وما في معناه من الأحاديث التي وردت في الشام، وقد رأينا ما فعله الصهاينة في غزة، والعصابات الأسدية في أهل الشام، وهل بعد هذا القصف والقتل والتشريد والتدمير من ضرر؟ فالجواب عن ذلك أن المراد بقوله: لا يضرهم، كل الضرر، وقد أضر الكفار يوم أحد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كانت العاقبة للتقوى لم يعد ذلك ضرر عليهم.

4-    وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطائفة بصفات كثيرة منها:

أولا: أنها فئة قائمة على أمر الله تعالى وتطبيق أحكامه في واقع المسلمين، أو تسعى لتطبيق حكم الله في واقع الناس.

ثانيا: أنها فئة مقاتلة، ويفهم ذلك من قوله (لعدوهم قاهرين)

ثالثا: أنها فئة صابرة محتسبة، فالقائم على أمر الله تعالى وإقامة الحق على الأرض سيلقى مخالفة ومناولة من أبناء الجلدة الذين يتكلمون بألسنتنا تارة، والأذى من  الأعداء وممن يؤيدونهم على تنفيذ مخططاتهم في بلاد المسلمين، وقد حدد الرسول ضروبا من الأذى الأعداء وممن يؤيدونهم.

5-    حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضروبا من الأذى النفسي والفكري والجسدي الذي سيواجه طائفة أهل الحق في سبيل تحقيق غايتها في الأمور التالية:

1-    الشدة والتضييق

فقد ذكر النبي ﷺ أن طائفة أهل الحق ستتعرض للتضييق والتشديد كما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك)

واللأواء في اللغة : الشدة ، وقد يراد بها ضيق المعيشة وتعسر الكسب.

والشدة : ما يصيب الإنسان في بدنه بسبب شدة الحر والبرد ونحو ذلك>

2-    الخذلان والمخالفة

وقد بين النبي ﷺ أن طائفة أهل الحق ستتعرض للخذلان والمخالفة من أبناء أمة الإسلام الذين لا يتبعون الحق، ولا يسيرون على طريقه، بل يتبعون شهواتهم، وينفذون مخططات أعدائهم في الكيد لأمتهم وعقيدتهم.

3-    المناوأة أو العداء

وقد بين النبي أن طائفة أهل الحق سيناوؤها ويعاديها الكثيرون؛ فالأعداء من اليهود والصليبيين وأهل الوثنية من ناحية، وأهل الشهوات والأهواء والسلطان من أبناء المسلمين الذين ينتسبون إلى الإسلام بالاسم فقط من ناحية أخرى، وفي ذلك يقول في حديث مرة البهزي رضي الله عنه : لا تزال طائفة من أمتي تقاتل على الحق ظاهرين على من ناواهم …).

ناوأهم : ناهضهم وعاداهم والمناوأة : المعاداة.

فهذه أصناف من الأذى ستعرض لها طائفة أهل الحق، وهي موجهة إليها

من جهتين رئيسيتين هما :

الجهة الأولى: من قبل أعدائها من اليهود والنصارى وسائر الكفار

وهؤلاء عداؤهم مكشوف لطائفة أهل الحق، فهم سيحاربون أبناء طائفة الحق خاصة، وأبناء المسلمين عامة حرباً عنيفة شرسة ويحرصون على تحقيق أهدافهم في القضاء على طائفة الحق.

الجهة الثانية : من قبل أصحاب الحكم والـسلطان، ومن قبل دعاة الهوى والبدع والضلال الذين يقفون في طريق الحق والخير أينما ظهر، ومن قبل أتباع الشهوات الذين يحبون أن يميل الحق إلى طريق الشهوات ميلا عظيما.

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 27/10/2023م

الموافق 12/ربيع الثاني/1445هـ

ملاحظة: هذا الدرس مستفاد من كتاب (الأرض المقدسة بين الماضي والحاضر والمستقبل، دراسة حديثية تحليلية) للشيخ إبراهيم العلي رحمه الله تعالى.