خاص هيئة علماء فلسطين

         

20/2/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير، فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان. رواه الطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات

الشرح والتعليق:

1-    يدل الحديث على فضل الرباط بعسقلان مطلقا ، وكذلك في مدينة غزة ؛ لأنها كانت تابعة لها، وكأن في ذلك إشارة إلى أنها تبقى ثغرا ، زمانا طويلا .

2-    غزة وعسقلان بلدتان كنعانيتان، دلت الحفريات المكتشفة على أنهما كانتا مأهولتين منذ العصر الحجري الحديث، ويرجع أول ذكر عسقلان في التاريخ إلى نص فرعوني يعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد .

أما غزة : فهي مدينة عريقة أيضا ، وقد تغير اسمها بتغير الأمم التي توالت عليها ، فأطلق عليها الكنعانيون ” هزاتي ” والمصريون الفراعنة ” غازاتو ” و “غاداتو ” والعبرانيون ” عزة ” والآشوريون ” عزاتي ” . أما العرب فقد أطلقوا عليها ” حمراء اليمن ” و ” غزة ” أو ” غزة هاشم ” .

وتقع مدينتا غزة وعسقلان جنوب فلسطين ، وتقع غزة جنوب غرب عسقلان ، وكانت غزة منذ الفتح الإسلامي حتى الغزو الصليبي تابعة لعسقلان ، وعرفت بــــ ” غزة عسقلان ” وبين عسقلان وغزة أربعة فراسخ ( حوالي 21 كم ) ، إذن غزة قريبة جدا من عسقلان ، وقد كانت غزة تابعة لها منذ الفتح الإسلامي حتى الغزو الصليبي ، ولذلك ذكر العلماء أن الإمام الشافعي رحمه الله ولد بغزة ، وقيل بعسقلان ، قال النووي رحمه الله في “المجموع” (1/ 8):

” الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وُلِدَ بِغَزَّةَ ، وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ ، وَهُمَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا ، فَإِنَّهُمَا عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ” انتهى

3-    يتكادمون: الكدم: العَضُّ بالفم كما يَكْدِمُ الحِمَارُ، والدابَّةُ تُكادِمُ الحَشِيْشَ.

4-    الجهاد: مصدر رباعي، وهو بذل الجهد في قتال العدو وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: جهاد النفس وجهاد المنافقين وجهاد الكفار المعاندين، ويكون جهاد الكفار المبارزين المعاندين المحاربين بالسلاح.

5-    الرباط: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح الرِّبَاطُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ مُلَازَمَة الْمَكَان الَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِحِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ.

6-    قوله (وإن أفضل رباطكم عسقلان (إشارة إلى أفضل الرباط على اعتبار أن هذا الرباط في بلاد الشام، وبلاد الشام مطمع الكفار وهو أيضاً من دلائل نبوته، ومن تتبع تاريخ المدينة منذ القدم يرى أهمية موقعها الاستراتيجي الذي كان هدف الغزاة الأول للنفاذ إلى فلسطين، فالسيطرة عليها كان يعني التحكم في الطرق المؤدية إلى معظم أنحاء فلسطين شمالاً وجنوباً وشرقاً، يضاف إلى ذلك التحكم منها في حركة المواصلات البحرية.

7-    قوله (ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر) هو من أعلام ودلائل نبوته، وقوله(عليكم بالجهاد)  دلّ النبي صلى الله عليه وسلم  الناس على المخرج من أزمة الفتن التي يعيشها المسلمون  وفيها إشارة إلى ضعف دين المسلمين، وأنهم يتنازعون السلطة، بسبب التفرق والاختلاف، مما يعني ضرورة العودة إلى الدين ولا يتأتى ذلك إلا ببناء العقيدة الصحيحة أولاً، والرباط على ذلك، وبذل الجهد في نشر دعوة الحق.

8-    لماذا عسقلان؟

معلوم لدى الجميع أنَّ عسقلان مدينة فلسطينية احتلها الصهاينة في عام 1948م، وهي تقع إلى الشمال من غزة المحاصرة، ومعلومٌ أنَّ المجاهدين لا يمكنهم الرباط فيها الآن، لأنها جزءٌ من أرض فلسطين المحتلة، لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يذكر عسقلان تحديدًا، فيقول: (وإنَّ أفضل رباطكم عسقلان)!!

9-    يقول د. نصر فحجان: يمكننا أنْ نفهم كلام النبي صلى الله عليه سلم على النحو التالي:

الوجه الأول:

أنَّ المراد بعسقلان: منطقة غزة القريبة من عسقلان ومحيطها، حيث إنَّ غزة وعسقلان تقعان على البحر المتوسط، وهما منطقتان سهليَّتان وساحليَّتان ومتجاورتان في جنوب فلسطين، ممّا يجعلهما كأنَّهما منطقة واحدة، ولا أستبعد أنْ يكون المراد بقوله عليه السلام: (وإنَّ أفضل رباطكم عسقلان) هو الرباط في غزة القريبة من عسقلان، خاصة أنَّ غزة فعلًا منطقة جهاد ورباط ومقاومة وتحدٍّ وصبر وثبات، يرابط فيها المجاهدون، ويُعِدُّون فيها ما استطاعوا من قوة للتحرير والعودة، ويَشُنُّ الاحتلال الإسرائيلي عليها الحرب بعد الحرب، فتقاوم ولا تنكسر، ويحاصرها القريب والبعيد، ويصبر أهلها على كل هذا، ولا يتخلَّوْن عن جهادهم ورباطهم، ولا يفرطون بسلاحهم رغم ما يجدون من لأواء وأذى، فليس بعيدًا أنْ تكون غزة هي المقصودة برباط عسقلان، وفي هذا بشرى من النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها ومجاهديها أنَّ رباطهم هو أفضل الرباط.

الوجه الثاني:

أنَّ المراد بعسقلان: هي منطقة (عسقلان) ذاتها، والتي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948م، وفي هذا بشرى للمجاهدين والمرابطين، ففي الحديث إشارة إلى أنَّهم سيرابطون في عسقلان قريبًا، مما يجعلني أتوقع أنْ تندلع حربٌ قريبًا، يكون من نتائجها أنْ تنتصر غزة، ويسيطر مجاهدوها على منطقة غلاف غزة، ومنطقة عسقلان، بعد مواجهات عسكرية ساخنة مع الاحتلال الإسرائيلي تضطره إلى الانسحاب وترك المنطقة، فتتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ يرابط المجاهدون في عسقلان، تمهيدًا واستعدادًا لفتح بيت المقدس، وتحرير كلّ فلسطين، والذي سيشارك فيه المجاهدون من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بإذن الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 13/10/2023م

الموافق 28/ربيع الأول/1445هـ