د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا، فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ، فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ، اغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ»: رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

الشرح والتعليق
1- هذا الحديث يدل على أن كرم الله تعالى وإكرامه لمن جاهد في سبيله زمنا قليلا؛ حيث أوجب الله له الجنة.
2- قوله (شِعْب) : بكسر أوله وهو ما انفرج من الجبلين وغيره.
3- قوله (فيه عُيَيْنَة) : تصغير عَيْن الماء، بمعنى المنبع.
4- قوله (من ماء) : جاءت كلمة (ماء) نكرة لتدل على نوع ماء صاف تروق به الأعين وتبهج به الأنفس.
5- قوله (عذبةٌ) : بالرفع صفة (عيينة) و ويجوز فيها الجر على الجوار، ومعناها عيينةٌ طيبةٌ، أو طيبٌ ماؤها.
6- قوله (فأعجبته) : أي العُيَيْنة وما يتعلق بها من المكان.
7- (فقال) : أي الرجل (لو اعتزلت الناس) : لو للتمني، ويجوز أن تكون لو امتناعية، وجواب لو محذوف ; أي لكان خيرا لي.
8- قوله (فذُكِر) : بصيغة المجهول ; أي ذَكَروا (ذلك) : أي ما صدر عن الرجل (لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -) : وفي نسخة بالفاعل (فذَكَرَ) أي ذكر بنفسه استئذانا لما خطر بقلبه.
9- قوله (فقال: لا تفعل) : نهي عن ذلك ؛ لأن الرجل صحابي، وقد وجب عليه الغزو فكان اعتزاله للتطوع معصية لاستلزامه ترك الواجب، ويمكن أنه أراد الاعتزال بعد فراغه من الجهاد، كما هو شأن العباد والزهاد من العباد.
10- قوله (فإن مَقام أحدكم) : بفتح الميم أي قيامه، وفي نسخة بضمها (مُقام) وهي الإقامة بمعنى ثبات أحدكم (في سبيل الله) : أي بالاستمرار في القتال مع الكفار خصوصا في خدمة سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم.
11- قوله (أفضل من صلاته في بيته) : يدل على أن طلبه كان مفضولا لا محرما.
12- قوله (سبعين عاما) : المراد به الكثرة لا التحديد، فلا ينافي ما ورد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ” «مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة» “. رواه الحاكم
13- قوله (ألا تحبون) : بتخفيف اللام، تفيد التنبيه أي: أما (تحبون أن يغفر الله لكم) : أي مغفرة تامة.
14- قوله (اغزوا في سبيل الله) : أي دوموا على الغزو في دينه كقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} أي اثبت على التقوى وداوم عليها.
15- قوله (فَواق ناقة) يجوز فتح الفاء وضمها؛ وهي الزمن ما بين الحلبتين. قال الزمخشري في الفائق: هو في الأصل رجوع اللبن إلى الضرع بعد الحلب، وسمي فواقا لأنه نزل من فوق. وهذا يحتمل أن يكون ما بين الغداة إلى العشاء ؛ لأن الناقة تحلب فيهما، وأن يكون قدر مدتي الضرع من الوقت، لأنها تحلب ثم تتولى سويعة يرضعها الفصيل لتدر، ثم تحلب ثانية، وهذه الأخيرة أليق بالترغيب في الجهاد ، أي من قاتل في سبيل الله لحظة..
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 27/9/2024م
الموافق 23/ربيع الأول/1446هـ