د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ، إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ، وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» رواه مسلم.

 وفي رواية له أيضا (“ما من غازية أو سَرِيَةٍ تَعْزُو فَتَغنَمُ وتَسلَمُ إلا كانوا قد تَعَجَّلوا ثلثي أُجورهم، وما من غازية أو سَرِيَةٍ تُخَفِقُ وتُصاب إلا تمَّ أُجورُهُم)

الشرح والتعليق

  1. هذا الحديث يدل على زيادة أجر المجاهد إذا لم يتحقق له النصر وأخذ الغنيمة.
  2. قوله (تخفق) قال أهل اللغة الاخفاق أن يغزوا فلا يغنموا شيئا، وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل له فقد أخفق، ومنه أخفق الصائد إذا لم يقع له صيد.
  3. للعلماء في معنى الحديث اتجاهان، الأول الأخذ بظاهر الحديث، وعبر عنه الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فقال: وأما معنى الحديث فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يَسْلَم أو سَلِم ولم يغنَم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم الغنيمة فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله (مِنَّا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومِنَّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها) فهذا الذي ذكرنا هو الصواب وهو ظاهر الحديث ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حمله على ما ذكرنا
  4. أما الاتجاه الثاني فقد عبر عنه الإمام ابن المناصف في كتابه (الإنجاد في أبواب الجهاد) فقال: يدل ظاهر الحديث على أن مَن غزا فَغَنِمَ نَقَصَ أجرُ جِهَادِهِ، كما ذَهَبَ إلى ذلك قومٌ ، ولَيسَ معنى ذلك كذلك عند أهل العلم والتحقيق، بل أجر الجهاد كامل، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم، بفضل الله تعالى، وإنَّما يَفتَرِقُونَ في زيادَةِ الأجرِ فَوقَ ثَوابِ الجِهَادِ؛ فَأَمَّا مَن غَنِمَ فَقَد حَصَلَ لَهُ في الحالِ مِنَ السُّرورِ ونَشاطِ النَّفْسِ، بِالظُهورِ والغُنم ما يَدفعُ عَنْهُ آثار الجهد في الغزوِ وَيَخلِفُ المال في النَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلكَ مِمَّا تَفْتَرِقُ فِيهِ حَالُهُ مِن حالِ مَن غَزا، فلم يُصِبْ شَيئاً، ولا عفّى على كَدِّهِ ونَفَقَتِهِ خَلَفٌ، فلهؤلاء زيادة أجرٍ فَوقَ أجر الجهاد، مِن حَيْثُ تَضَاعُفُ آثَارِ الجَهْدِ والكَرْبِ وفَوْتُ المغْنَم، كما يُؤجَرُ مَن أُصيب بجهد في نَفْسِهِ أو تَلَفِ شَيْءٍ مِن مالِهِ، وذلك أن حالهم – بالإضافة إلى مَن غَنِمَ – حالُ من أصِيبَ بِمَوتِ مِثْلِ ذلك) واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ما فَضَّلَهُ الله تعالى بِهِ وخَصَّهُ مِن كَرَمِهِ فقال: (أعطيت خمساً لم يُعطَهُنَّ أَحَدٌ قَبلي ، كان كُلُّ نَبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إِلى كُلِّ أحمر وأسود، وأُحِلَّت لي الغَنَائِمُ ولَم تُحِلَّ لَأَحَدٍ قَبلي) رواه البخاري ومُسلِم . فلو كانتِ الغَنِيمَةُ تَحبط أجر الجهاد أو تَنقِصُهُ ما كانت فضيلة، وهذا ظاهِرُ.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 19/7/2024م

الموافق 13/محرم/1446هـ