د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، ” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» رواه النسائي وأحمد، وهو صحيح.

الشرح والتعليق

  1. هذا الحديث يدل على وجوب الحذر من الشيطان وخصوصا في  باب الجهاد في سبيل الله.
  2. الشَّيطانُ عدوٌّ مبينٌ للإنسانِ وقد عُرِفَ بعَدواتِه له منذُ الأزَلِ، وهو يُوسوسُ له بما يَمنعُه مِن الإقبالِ على اللهِ عزَّ وجلَّ.
  3. قوله (إنَّ الشَّيطانَ قعَد لابنِ آدَمَ بأَطْرُقِه) أي: طُرُقِ هَدْيِه وصَلاحِه يُوسوِسُ له ليَمنَعَه مِن السَّيرِ فيها.
  4. قوله (فقَعَد له بطَريقِ الإسلامِ) أي: ليَمنَعَه مِن الإسلامِ.
  5. قوله (تُسلِمُ وتَذَرُ دِينَك ودِينَ آبائِك وآباءِ أبيك؟!) أي: يُنكِرُ عليه إسلامَه مُخالِفًا لدينِ آبائِه.
  6. قوله (فعَصاه)، أي: لَم يَسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه، فأسلَمَ ابنُ آدَمَ للهِ عزَّ وجلَّ.
  7. قوله (ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ “بطَريقِ الهِجرةِ”؛ ليَمنَعَه مِن الهِجرةِ، فقال الشَّيطانُ: “تُهاجِرُ وتدَعُ أَرضَك وسماءَك؟!) أي: ينكِرُ عليه الشَّيطانُ أنْ يُهاجِرَ، ويُعظِّمُ له مِن أمرِ مَوطِنِه ويضرب له مثلا بالفرس المقيد.
  8.  قوله (وإنَّما مثَلُ المهاجِرِ كمَثلِ الفرَسِ في الطِّوَلِ) أي: يَزيدُ الشَّيطانُ مِن التَّغريرِ بابنِ آدَمَ، فيُصوِّرُ  له أنَّ المهاجِرَ في الغُربةِ كمثْلِ الفرَسِ المقيَّدِ، لا يَعرِفُ أحدًا ولا يُخالِطُه أحَدٌ إلَّا بقَدْرِ مَعارِفِه؛ فَهُوَ كالفَرسِ فِي القيدِ لا يَدُور ولا يرْعَى إلَّا بِقَدْرِهِ، بِخِلَاف أهلِ الْبِلاد في بِلادهمْ فإنَّهُم مَبسوطونَ لَا ضِيقَ عَلَيْهِم فأحدُهم كالفرس الْمُرْسل، وهذا من وسوسةِ الشيطانِ وتَخويفِه للمُؤمِن؛ فيُذكِّرُه بالمتاعبِ والمشاقِّ، ويُوزِانُ له بين قُيودِ الإيمانِ، وبينَ حالِ الكافرِ وما أمامَه مِن الفُسحةِ وعدمِ التقيُّدِ بأوامرَ أو نَواهٍ؛ ليصرفَه عن طريقِ الإيمانِ، ولكنَّ المؤمنَ الموفَّقَ مِن اللهِ رَفَضَ كيدَ الشَّيطانِ (فعَصاه فهاجَرَ)، أي: لَم يَسمَعْ ابنُ آدَمَ للشَّيطانِ وخالَفَه.
  9. قوله (ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ “بطَريقِ الجِهادِ”؛ ليَمنَعَه مِن الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال الشَّيطانُ: “تُجاهِدُ؛ فهو جَهْدُ النَّفسِ والمالِ) أي: يُقلِّلُ له مِن شَأنِ الجِهادِ، وإنَّما هو إرهاقٌ وتعَبٌ للنَّفسِ والمالِ.
  10. قوله (فتُقاتِلُ فتُقتَلُ)، أي: فيكونُ جزاؤُك في القِتالِ القَتلَ.
  11. قوله (فتُنكَحُ المرأةُ)، أي: يتزوَّجُ زَوجتَك رجُلٌ غيرُك.
  12. قوله (ويُقسَمُ المالُ؟!)، أي: يَذهبُ للورَثَةِ.
  13. قوله (فعَصاه فجاهَد)، أي: لَم يسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه وخرَج للجِهادِ،
  14. قوله (فمَن فعَل ذلك) أي: خالَف الشَّيطانَ وأسلَم وهاجَر وجاهَد.
  15. قوله (كان حقًّا على اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يُدخِلَه الجنَّةَ) أي: جزاءً وأجرًا له.
  16. قوله (وقَصَتْهُ دابَّتُه) أي: كانت سبَبًا في مَوتِه؛ كأنْ وقَعَ مِن عليها فمات، أو وطِئَتْهُ.
  17. والمرادُ تَعميمُ أحوالِ الموتِ في سَبيلِ اللهِ تَعالَى، أي: سواءٌ كان مَوتُه بالقَتلِ، أو الغَرقِ، أو بوَقصِ دابَّتِه، أو غيرِ ذلك مِن أسبابِ الموتِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُدخِلُه الجنَّةَ.
  18. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن الشَّيطانِ، وبيانُ أنَّه يترصَّدُ لابنِ آدَمَ في كلِّ طُرُقِ الخَيرِ؛ فعَلى المسلِمِ الاحتياطُ لنَفْسِه والاستعانَةُ باللهِ تعالى، وخصوصا الجهاد بالمال والنفس، والوقوف مع المجاهدين وتأييدهم من خلال الكلمة والهتاف في المسيرات والاعتصامات وتأمين ما يلزمهم، وكل ترك هذه الأمور فقد استجاب للشيطان الذي قعد له في الطريق وترك طريق الرحمن الموصل إلى الجنان

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 5/7/2024م

الموافق 29/ذو الحجة/1445هـ